رسالة المريد في منهل أهل التجريد

رسالة المريد في منهل أهل التجريد

تأليف العارف بالله المستمسك بكلام الله و سنة سيدنا و مولانا رسول الله
سيدي محمد بن الطيب البوعزاوي
أدام الله سعادته و خلد في دوحة المعالي
سيادته بجاه سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم وشرف
و كرم و مجد و عظم آمين

بسم الله الرحمان الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله

من العبد المذنب الراجي عفو مولاه وإلى بابه يأوي محمد بن الطيب البوعزاوي غفر الله له الذنوب والمساوي
إلى المقدمين للخير والدلالة على الله بحسن السير وفقني الله وإياكم وحفظكم ورعاكم وسلام الله عليكم التام  ورحمة الله بوجود سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام
و بعد توافيكم هذه الرسالة إلى الإخوان تذكرة لهم وزيادة في الإيمان فلتقرءوها عليهم وتبلغوا أمانتها إليهم فعسى الله أن يحيي بها قلوبا ميتة أو تتعظ بها أنفس حية
ونصها بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على المطوق بالرسالة
سلام الله عليكم معشر الأحباب المريدين المنتسبين للكريم الوهاب
وبعد فأني احمد الله الذي جل إسمه ونفد حكمه  وأصلي وأسلم على سيدنا محمد المطوق بالنبوءة الباهرة المبعوث لخراب الدنيا وعمارة الآخرة وعلى ءآله الذين أوجب الله علينا مودتهم وأصحابه الذين صدقوا فلم يبلغ أحد رتبتهم وفي رضى الله باعوا أموالهم وأنفسهم فما وهنوا وما ضعفوا مما أصابهم
هذا ولتعلموا أيها الإخوان أحضروا أوعيتكم للحكمة التي شرف بها الإنسان إن القلوب ميته وأرض صمه لا تلين ولا تحيى إلا بوابل مطر الموعظة والحكمة
فتدبروا كلام الله الذي هو الحبل المثين  وبادروا بالتوبة قبل حلول الحين حتى إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون فقد رحل الأحباب إلى القبور وسترحلون وتركوا الأموال والأوطان وستتركون فمن وصله أجله لا يترك لحظا ولا يتنفس نفسا ولا يفهم لفظا وإن الأقوام قد ندموا على التفريط في الأعمال وستندمون وتأسفوا على أيام البطالة وستأسفون وشاهدوا حالهم عند المنون وستشهدون ووقفوا على الأهوال وستقفون  وسإلوا عما عملوا وستسألون و يود أحدهم لو يفتدي بالمال وستودون فبادروا للمتاب قبل أن يأتي يوم الحساب فبذالك اليوم تخيب الظنون ولا ينفعكم شيء إلا بما كنتم من الأعمال تحسنون  وقد أظلكم من مجاة الموت ما كنتم توعدون ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فكيف بالإنسان إذا نفخ في الصور وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وضاقت الأمور وظهرت القبائح والمستور فإذا هم قيام ينظرون
يا له من يوم عظيم فيه الزلزال وسيرت الجبال وترادفت الأهوال وأنقطع الآمال وقلت الحيال وخسر أصحاب الشمال فكم صائم لم ينفعه صومه وكم مصل قائم خاب وضاع نومه وكم من الأعمال لم تقبل وردت حقا ولا ينفع إلا ما كان لوجهه خالصا صدقا
يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا
يوم تزل فيه الأقدام وتتبذر فيه الأفهام ويطول القيام وتظهر المعاصي والآثام وينقطع فيه الكلام فهنالك تنقطع الحجج ولا هم جوابا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا
فهذا يوم القيامة يوم الحشرة والندامة يوم الزلزلة والطامة يوم يشهد العاصي ذنوبه وآثامه يوم تبلى السرائر ويبهت الحائر يوم تفضح أهل الكبائر
أيها الإخوان المريدون المنتسبون للإ له الرحمان
زرع أعمارنا قد دنا للحصاد وزاد أيامنا قد أذن بالنفاد ونوم غفلتنا قد أطال الرقاد
فسيندم الغافل يوم يفر الوالد من الأولاد أين الحسرات على فوات أمس أين العبرات مقاسات ظلمت الرمس أين ما أعددتموه ليوم لا تجزي فيه نفس عن نفس سيذهل الإنسان إذا خشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا الهمس وتعلق الصحائف في النحور وتغلي النيران في الصدور فمن وقعت منه زلة أو صدرت منه هفوة فليبادر بالتوبة والندم  والاستغفار من زلة القدم فإن الكريم جل جلاله يقول  "عبدي إن نقضت العهد فلا تستحيي أن ترجع إلينا ثانيا وإن نفضت ثانيا فلا يمنعك الحياء أن تأتينا ثالثا وإن نقضت ثالثا ارجع إلينا رابعا فأنا الجواد الذي لا أبخل و أنا الحليم الذي لا أعجل و أنا الذي أستر على العاصي وأقبل التائبين وأعفوا عن الخاطئين وأرحم النادمين من ذا الذي أتى إلى بابنا فرددناه من ذا الذي لجا إلى جانبنا فرددناه من ذا الذي تاب إلينا و ما قبلناه من ذا الذي طلب منا و ما أعطيناه من ذا الذي استقال من ذنبه و ما غفرناه أنا الذي أغفر الذنوب واستر العيوب وأغيث المكروب أنا علام الغيوب عبدي قف على بابي أكتبك من أحبابي تمتع في الأسحار بخطابي أجعلك من طلابي لذ بحضرة جنابي أسقيك من لذيذ شرابي أهجر الأغيار وألزم الافتقار ونادي في الأسحار بلسان الذلة والانكسار أنا الكريم الغفار
أيها الإخوان المريدون المنتسبون للإله الرحمان
أما لكم عيون من ذنوبكم تدمع أما لكم قلوب من سطوة الجبار تخشع أما لكم أسماع تصغا إلى المواعظ فتسمع أما لكم أكباد من طلب الفاني تشبع
فالواجب عليكم أن تمدوا يد الذل والافتقار وأسيلوا من عيونكم دمعها المدرار ونادوا برفع الأصوات بالسر و الأجهار عبيدك أهل المعاصي والأ صرار أتوك يرجون عفوك من الذنوب والأوزار وقد عثرنا فأقل عثرتنا ونجنا من النار إن الله حليم رحيم غفار
يا أيها المريد المنقطع عن حبل حبه المديد
لا تستصعب الطريق ولا تستبعد التوفيق فكم من ضعيف محمول وكم من منقطع موصول أركب جواد همتك وضع قدم أقدامك في ركاب عزيمتك فإن لم تملك زادا من التقوى فأجعل لك زادا من الشكوى فإن مولاك يسمع الندا ويجيب الدعوى فأقدح بالدموع حراق قلبك المحترق وأرسل عليه سحاب الزفرات المندفق فإذا صعد دخان زفراتك وعلت أنفاس حسراتك فلا شك أن الله قبلك وبحبل محبته أوصلك فدونك فالباب مفتوح ورحمت ربي تعلوا وتفوح
وأعلموا أيها الإخوان المريدون للرحمان
إن العبد مطالب بمقامات ثلاثة وهي أصول الدين فجهلها خسران وندامة
مقام الإ يمان ومقام الإسلام ومقام الإحسان
بدليل قوله صلى الله عليه و سلم حين أتاه جبريل عليه السلام وسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان ذاك جبريل جاء يعلمكم دينكم
قال الإمام البخاري  فجعل ذلك كله دينا
فالإسلام هو انقياد الظاهر لما كلف به من وظائف الدين مع ما لابد منه من التصديق
والإيمان تصديق القلب بجميع ما أنضمه الدين من الأخبار بالغيوب مع ما لابد منه من شعبه
والإحسان تحسين جميع وظائف الدين الإسلامية والإيمانية على كمال شروطها وتمام وظائفها خالصة من شوائبها سالمة من طوارقها وأفاتها
والإسلام داخل تحت الإيمان فلا إيمان لمن لا إسلام له والإيمان والإسلام داخلان تحت الإحسان فلا إحسان لمن لا إسلام ولا إيمان له
وبعبارة طاعة الجوارح الجميع في القول والفعل هو الإسلام الرفيع وإن عصى الله ببعضها وببعض طائع خالص فهو كفر أو إسلام نا قص وذالك إن أطاع الله بالنطق بالشهادتين فهو إسلام ناقص بلامين وإن عصى الله بالامتناع من النطق بالشهادتين فهو كفر ولا صوم ولا صدقة له من أفعال البر
في الحديث من عصى الله بجارحة فتح له باب من أبواب جهنم ومن أطاعه بواحدة غلقت عنه باب من أبوابها فإن أطاعه بالجميع غلقت عنه الأبواب كلها
والجوارح سبعة وأبواب جهنم سبعة  والإسلام بني على خمسة أصول
وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج على القادر على الوصول
أخرج مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال  يا محمد أخبرني عن الإسلام
قال أن تشهد أن لا إ له إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتوتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا
قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه
ثم قال فأخبرني عن الإيمان
قال أن تؤمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و بالقدر خيره وشره
قال صدقت
قال  فأخبرني عن الإحسان
قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
قال فأخبرني عن الساعة
قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل
قال فاخبرني عن أمارتها
قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان
قال صدقت
قال فلبث مليا ثم أنصرف
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون من السائل وفي رواية البخاري ثم أدبر فقال  ردوه فلم يروا شيئا
فقال هذا جبريل جآء ليعلم الناس دينهم
وأعلم أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
إن هذا الحديث يسمى أم السنة كما سميت الفاتحة أم القرءآن لعظم موقعه وأكثر أحكامه لاشتماله على جميع وظائف العبادات  الظاهرة والباطنية من عقائد الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى قيل أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه
و هذا التعريف الذي ذكرنا على وجه الاختصار و إلا الكلام يحتاج إلى عدة أسفار
فحافظوا رحمكم الله على الأصول يسهل لكم الوصول فما حرم الوصل إلا من ضيع الأصل
و أكادها الصلاة في الوقت في الجماعة والمسجد بعد الشهادتين وإلا فالمتهاون عليه المقت فالصلاة أم العبادات وأساس الخيرات  وطهارة القلوب ومفتاح الغيوب وكفارة الذنوب وفيها رضى المحبوب
وقال صلى الله عليه وسلم الصلاة نور المؤمن وقال الصلاة عماد الدين وقال عليه الصلاة والسلام موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد وقال علم الإيمان الصلاة وقال أول ما يحاسب به الصلاة فإن وجدت تامة قبلت سائر أعماله وإن وجدت ناقصة رد عليه سآئر عمله
و قال عليه الصلاة والسلام من لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول لصاحبها ضيعك الله كما ضيعتني
و كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول  ركعتان مع حضور قلب خير من ألف ركعة والقلب ساه
و إذا صلى المؤمن صلاة فتقبلت منه خلق الله تعالى من صورته صورة في ملكوته راكعة ساجدة إلى يوم القيامة وثواب ذالك لصاحب الصلاة
أيها المريد الراجي من فضل مولاه المزيد
شأن المصلي أن يشاهد عظمة المولى وينقطع نظره عما سواه أصلا ويتلذذ بالخطاب والمناجاة ويصحب ذلك بالبكاء والزفرات ويستحضر ذنوبه وجميع المخالفات ويتذكر خطيئة خطيئة مع ندم وحرقات
فحينئذ يحصل له الحياء والخوف
ويتداركه مولاه برحمته وجميل اللطف
قال القطب الأكبر والشيخ الأشهر مولانا ابو يعزى نفعنا الله ببركاته كل حقيقة لا تمحي أثر العبد ورسومه ليست بحقيقة
وقال الشيخ زروق رضي الله عنه كل توجه لا يشعر صاحبه بعظمة الربوبية فهو تلاعب
وقد أخبر الله عباده أن المراد من الصلاة الذكر
فقال وأقم الصلاة لذكري وإنما فرضت الصلاة وأمر بالطواف وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله فلذلك كانت الصلاة قرة عين حبيب الله
وفي الحديث إن العبد إذا أقام إلى الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبينه وواجهه بوجهه وقامت الملآئكة من لدن منكبيه إلى الهواء يصلون بصلاته ويؤمنون على دعائه وإن المصلي لينتثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه وينادي مناد لو يعلم المناجي من يناجي ما أنفتل وإن أبواب السماء تفتح للمصلي وأن الله تعالى يباهي ملائكته بصفوف المصلين
وقال صلى الله عليه وسلم ما ألتفت عبد في صلاته إلا قال له ربه أين تلفت يا ابن آدم أنا خير مما تلتفت إليه وما من عبد يتوجه إلى الله تعالى بعمل من غير حضور قلب إلا وينادي عليه أين قلب هذا العبد إيتوا ديوان عمله حيت كان قلبه وما حضرت صلاة مكتوبة قط حتى ينادي مناد يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أججتموها على أنفسكم فأطفئوها بصلاتكم
وهكذا في كل صلاة روي أن المؤمن إذا توضأ للصلاة تباعدت عنه الشياطين في أقطار الأرض خوفا منه لأنه يتأهب للدخول على الملك
فإذا كبر حجب عنه إبليس وضرب بينه وبينه بسرادق لا ينظر إليه وواجهه الجبار بوجهه فإذا قال الله أكبر أطلع الملك في قلبه فإذا كان ليس في قلبه أكبر من الله فيقول له الملك صدقت الله في قلبك كما تقول قال فيتشعشع في قلبه نور يلحق ملكوت العرش فينكشف له بذلك النور ملكوت السماوات والأرض ويكتب له حشو ذلك النور حسنات
وإن الغافل الجاهل إذا أقام إلى الوضوء  إحتوشته الشياطين كما يحتوش الذباب على نقطة العسل فإذا كبر أطلع الملك في قلبه
فإذا كان شيء في قلبه أكبر من الله عنده  فيقول له الملك كذبت ليس الله في قلبك ما تقول قال فيثور من قلبه دخان يلحق بعنان السماء يكون حجابا لقلبه عن الملكوت
قال فيرد ذالك الحجاب صلاته و يلتقم الشيطان قلبه ولا يزال ينفخ فيه وينفث فيه و يوسوس إليه    
 ويزين له حتى ينطرف من صلاته لا يعقل ما كان فيه
و مثل الصلاة كمثل السفينة في البحر إن سلمت سلم من فيها وإن هلكت هلك من فيها
فالمطلوب من العبد إقامة الصلاة لا صورة الصلاة وما كل مصل مقيم ولذالك ورد في القرءآن لفظ الصلاة مقرونا بلفظ الإقامة قال و يقيمون الصلاة وقال والمقيمين الصلاة وقال و إقام الصلاة وقال وإقامة الصلاة وإقامة الصلاة حفظ حدودها مع حفظ السر مع الله أن يختلج في قلبك سواه
فالصلاة بنعت الافتقار يشاهد المصلي مولاه الغفار لأن في الصلاة قرة أعين العارفين ومنجاة المحبين

أيها الإخوان المنتسبون إلى الرحمان
أطلبوا اللذة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر والقراءة ففي ذالك سعادة الدنيا والآخرة وإن لم تجدوا حلاوة في هذه الثلاثة فأعلموا أن الباب عليكم مغلق فبادروا بالتوبة و الإنابة  إخواني أين صلاتكم من صلاة من كان قبلكم
كان علي بن أبي طالب إذا أقام إلى الصلاة أصفر لونه وارتعدت شفتاه ودمعت عيناه حتى تقطر على لحيته فقيل له في ذالك فقال أما تعلمون أنه وقت أمانة عرضها الله تعالى على أهل السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها فحملتها فلا أدري هل أحسن ما حملت أم لا
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا أحرم بالصلاة كأنه ثوب ملقى وكان مسلم بن يسار يصلي فسقط المسجد وخرج من كان فيه هاربا وهو لم يشعر وقطعت رجل عروة بن الزبير لضر كان بها وهو في الصلاة وحسمت بالنار وهو لا يشعر ودخل عود في عين رابعة العدوية في سجودها فما شعرت به
هيهات هيهات فقد غربت الشمس ولم يبق إلا الفضلات واللمس فمن لم يصل إلى هذا المقام فليطأطيء وينكس ولا يدعي دعوى ولاية هذا الجنس فقد ذهب الجد وأنقطع الحس فأتق الله أيها المريد وأعلم أنه لا يغفل عنك في السعي والبطش وتذكر أيها المريد بقلبك سيرة من مضى من قبلك قال سعيد بن المسيب ما أذن المؤذن مند ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد وقال مالك بن دينار لولا البول ماخرجت من المسجد في ليل ولا نهار وقال الفضيل ابن عياض إن فوات صلاة الجماعة أعظم عندي من موت ولدي البالغ العاقل العالم الصالح
وقال محمد بن واسع أشتهي من الدنيا شيئين  ولد صالح وصلاة الجماعة وكان الربيع بن خيثم يخرج في مرضه للصلاة يهادى بين رجلين فقيل له إن الله رخص لك فيقول ماذا أصنع في منادي ربي وهو يقول حي على الصلاة
وقال سعيد بن المسيب ما فاتتني تكبيرة الإحرام منذ خمسين سنة وقال  سفيان إيتوا الصلاة قبل النداء ولا تكونوا كالعبد السوء لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم في بيته يخسف النعل ويعين الخادم حتى إذا نودي للصلاة قام كأنه لا يعرفنا
وفي رواية عبد الله بن المبارك كنا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث وربما نمازح فإذا تعين حق من حقوق السدرات حماليقهم في رءوسهم
فأنظر لهذه السيرة وأعتبر وأقتف أثارهم وبسيرتهم سر فهم في محاريب عبادتهم يتمايلون ومن خشية مولاهم ذاهلون وقت السحر لهم ميل الشجر بالأغصان هز الشوق أفنان قلوبهم فتناثرت الأفنان فالسان يتضرع  والقلب يخشع والعين تدمع فالوقت لهم بستان والخشوع لهم تيجان باعوا الحرص بالقناعة  ورضوا بقليل القسمة وصلاة الجماعة فلا زالوا في محبة مولاهم كالظمئآن فإذا وردوا القيامة تلقاهم بشير لولاكم ماطابت الجنان يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان
فتلمح أيها المريد هذه السيرة بنور البصيرة وأنظرها بحاسة البصر وصفاء السريرة تر طريق القوم اندرست ولم تبق فيها بقية وقد تلاشت هيهات هيهات ونحن نروم الوصول  وندعي الولاية وما شممنا غبار الفحول أين أنت أيها المريد منهم فهل النائم كاليقظان وكم بينك وبينهم فهل الشجاع كالجبان كلا ما للمواعظ فيك موضع وقلبك بالهوى ملئان
قف في باب مولاك وقوف الولهان ونكس رأسك حياء تنكيس الندمان وأركب سفينة الصدق فهذا الموت طوفان وأفق من خمر الهوى فإلى متى أنت بخمر الهوى سكران أتبيع ما يبقى بما يفنى هذا والله عين الخسران
تالله لو أشرفت أيها المريد على واد الرجال لرأيت فيه الأبطال والفرسان ولو مررت على ركائب أنين الشجعان لسمعت نغمات بكاء جداة الأظعان ولو وقفت على طريق القوم في الظلام لشاهدت دموعهم تنحذر مع القلق والهيام
فهكذا  ينبغي لك يا مريد أن تعظم حرمة الله وأن تقف على حدود الله وأن تترك حظ نفسك لحقوق مولاك فما أسعدك حينئذ وزد في بكاك فلا يشغلك عنه شاغل وأنت من خوفه وسطوته ذاهل
يا أيها الإخوان المريدون للرحمان
أبونا ءآدم عليه السلام خرج من الجنة بخطيئة واحدة بعد دخولها وأنتم تعملون الخطايا وترجون دخول الجنة بها فاستبقوا الخيرات إلا الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون فاغتنموا الوقت قبل الوفاة وأعملوا عملا صالحا قبل الممات إن ما توعدون للآت وتعرضوا لنفحات الله في أوقاتها وتمسكوا بالسنة فإن الخير مجموع فيها  وتدبروا كلام الله بقلوبكم أم على قلوب أقفالها
وإذا قرء القرءآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون أقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم الله الذي أنزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله  وقرءآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل  ءآمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولوا سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا  ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
فهذا القرءآن قد قطع بسيف وعده قلوب العارفين وفتت بنذير تخويفه أكباد الخائفين كان رجل في أعلى بنائه يتقلب في نعمة ربه وكل شيء عنده حاضر فسمع قارئا يقرأ ألهاكم التكاثرحتى زرتم المقابر فبهت وصرخ ثم سكت سكوت الحائر فسقط من أعلى قصره ميتا خوفا من الملك القاهر
وكان رجل في شهوته غائبا عن الله
فسمع قارئا يقرأ القرءآن ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
فصعق صعقة غشي عليه وغاب عن الحياة  فقال آن لي يا رب ثم زهقت روحه  ونعم الموت مات
وكم وقع مثل هذه الحكايات والغرض تنبيه القلوب القاسية
ولا تكن أيها المريد موصوفا بالاعراض عن القرءآن أو ممن لا يعقله بقلبه ويتذكره باللسان
فهذه صفة أعداء الله الفجرة الذين في قلوبهم قساوة ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي أذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فأعمل إننا عاملون وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءآن وألغو فيه لعلكم تغلبون
فأقرءوا أيها الإخوان القرءآن بقلوبكم وتوجهوا إلى تدبره بعقولكم فإنكم تجدون حلاوة عند قراءته وفتحا كبيرا عند ترداده ومراجعته وليس للقلوب منه أنفع ولا دواء مثله للجوارح أجمع فطوبى لمن تأمل فيه وأذكر وعمل بما فيه وازدجر حكمة بالغة وحجة ظاهرة
وعليكم أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
بالقيام بما به كلفكم الله من طاعته وطاعة رسول الله وطاعة أولي الأمر والبرور بالوالدين ففي طاعتهما رضى الله الذي هو الخير والفوز المبين
وعليكم بتعظيم آل النبى صلى الله عليه وسلم وإكرامهم والبرور بهم والقيام بواجب حقهم وإن نالكم منهم ما تكرهون فهبوه بجدهم الذي أنتم به مسلمون
وعليكم  بمحبة الصالحين وزيارتهم والتبرك بنورهم ومئاثرهم وعليكم بمجالسة المساكين والرحمة لهم وموالاة المؤمنين والنصيحة لهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وحفظ غيبتهم و الذب عنهم والسعي في مصالحهم والإحسان إليهم وخصوصا ما ورد في القرءآن العظيم فزيدوا في المبالغة والتعظيم امتثالا لقوله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم وارعوا الجار ولو جار  وأحسنوا مع الجوار تكونوا من الأبرار
و عليكم بتوقير الكبير ورحمة الصغير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الرفق والتيسير
وعليكم برحمة الضعفاء والمساكين والشفقة عليهم والاعتبار بأحوال المرضى و المجانين  والمسجونين والمبتلين ومواساتهم وانظروا إلى من هو أسفل منكم
ولا تنظروا لمن هو فوقكم وعليكم بصدق الحديث وصلة الرحم والوفاء بالعهد السليم  ومن عقد عقدة مع الله فلا سبيل له إلى نقضها ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ومن عدم تحصيل العلم وإدراك الفهم فعليه بما هو مكلف به ومسئول عنه ولا رخصة في الجهل ولا يعبد الله على جهل أو بالعقل إذ لابد من معرفة أمور الدين وكيفية الأخذ في سلوك طريق المهتدين بالجد والاجتهاد وصدق النية وذالك النجاح والرشاد
وعليكم  بملازمة أهل العلم والنسب للأخذ عنهم بحسن الأدب والمواظبة على مجالستهم وكثرة البحث والتعلم من غير استحياء منهم لا كن بخضوع لا بتجبر إذ لا ينال العلم مستحي ولا متكبر والعلم كالماء لا ينتفع به إلا الأماكن المنخفظة عن منبعه
وعليكم بالاستماع ممن هو أهل الاتباع  والناس أربعة عالم ومتعلم ومستمع ومعرض
قال تعالى : ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )
وقال : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )
ولا عذر للجاهل مع وجود أهل العلم في الإقليم الذي هو به لا سيما وهم موجودون بحمد الله وفضل رسوله
وقد كان الرجل من المتقدمين يطلب العلم مسيرة كذا من شهر وبعضهم طلب حديثا واحدا مسيرة شهر فليغتنم المريد أوقاته  وليستدرك ما فاته ومن أدرك منكم العلم وحصله فليعمل به ويصلح عمله ولا ينوي به المباهاة و الشفوف  وطلب الحظ والجاه المعروف فيلحقه بذالك العجب ورؤية المزية ويغفل عن تنقية عيوبه وتلك هي الرزية
فإن أشقى الناس من طلب الدنيا بعمل الآخرة ويفوته المقصود الأهم الذي هو الخشية والعمل والرغبة في الآخرة إذ لا خير في علم لا يوصل للمعرفة ولا خير في معرفة لا يدرك بها الخشية      ولا خير في خشية إذ لم يدرك بها مشاهدة فحينئذ يحصل الحياء للمريد وهذا  هو العلم النافع المطلوب من العبيد
(من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها وماله في الآخرة من نصيب )
وأقبح بالعالم أن يوثر الدنيا بالميل إلى أهلها  والإذعان إليهم وتعظيمهم لأجلها والاعتناء بما يحتاج إليه اليوم البطالون من علم الأدب والتاريخ والنوادر والأخبار يستدل بها الغافلون والغرض بذالك التوصل إلى قصده الدنيوي  وغفل عن ما يقدمه من كل عمل أخروي وربما يترك القرءآن حتى أنه لبعض آياته لينسى
(ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذالك أتتك آياتنا فنسيتها وكذالك اليوم تنسى )
وسبب هذا عدم الوثوق بوصول الرزق إليه والله قد جعل للعبد سببا أقوى
فقال : ( لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )
فقد أتهم الله في حصول الرزق المضمون وتوكل على الله في المغفرة بالآمال الكاذبة والظنون ومن كان بهذا الوصف المعلول عادته الاعتراض على أهل الله القائمين بسنة الرسول صلى الله عيه وسلم ويطعن فيهم وينكر عليهم فعل المباح ولا ينكر على نفسه الباطل الصراح ويطلب الكشف والكرامة ولا يعتبر بالدين والاستقامة ويقيس من غير مساواة ويحتج عليهم بلحن اللسان وعلم المعاملات لضنه أن العلم هو المعقول والمنقول مع أن العلم هو العلم بالله معرفة تامة ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم
ولا كن من جهل شيئا عاداه فلا لومة عليه إذ ما الله هداه ولم يعلم أن أهل الله قد فتح الله عين قلوبهم فاشتغلوا بعيوبهم فخلع عليهم ملابس قربه وشربوا من مدام وصله وحبه فشتان بين هاؤلاء وبين من تمسك بظواهر العلوم وأشتغل بتحقيق الفهوم والرسوم يشار إليه ويعتمد عليه فشتان بين من همته الحور والقصور ومن همته كشف الستور ودوام الحضور ولم يهتدوا لتلك المسالك ولا علموا ما هنالك أنكروا ما لم يعلموا واعترضوا وطعنوا ولاموا فهم الذين حقت بهم البلوى  وتحكمت فيهم الدعوى وأعرضوا عن الآخرة كل الإعراض وسددوا لأولياء الله سهام الاعتراض فأعقبهم الله طردا وحرمانا وغضبا وخسرانا 
وهي سنته تعالى فمن أذى أولياءه وربما يخشى عليه الخاتمة وهي عين الإساءة وما يضرك أيها المريد أن تكون عبد الله ولا علوم ولا أحوال فيكفيك من العلم المعرفة بالوحدانية وبرسالة سيد الرجال ومحبة الله ورسوله وأنبيائه والصالحين من عباده فهذا أساسك الذي تقيم فيه وأستغرق في محبة الله ووداده فطالب العلم كالمحارب إذا أراد المحاربة جمع اللألات فإذا جمعها ففائدتها المحاربات فكذالك العلم آلة للعمل فإذا تعلم لا ينتفع به إلا بعد العمل
في بعض الكتب المنزلة يا عبدي أطعني فيما أمرتك ولا تعلمني بما يصلحك إني عالم بخلقي إنما أكرم من أكرمني وأهين من هان عليه أمري ولست بناظر في حق عبدي حتى ينظر عبدي في حقي

أيها الإخوان المريدون للرحمان
من ثقل الذكر على لسانه وكثر اللغو في مقاله وانبسطت الجوارح في شهواته واستد باب الفكرة في مصالحه فذالك من عظيم وزره أو لكمون النفاق في قلبه فليس له دواء إلا التوبة والاستغفار من الحوبة
وأعلموا أن الله تعالى جعل للأدمي ثلاثة أجزاء لسانه جزء  وجوارحه جزء وقلبه جزء وقد طلب من كل جزء وفاء
فوفاء القلب أن لا يشتغل بهم الرزق ولا كبر ولا حسد ووفاء اللسان أن يثاب ولا يكذب ولا يتكلم فيما لا يعنيه ووفاء الجوارح أن لا يسارع بها إلى معصية ولا يؤذي بها أحدا وفي المعصية أفتان زوال النعمة وحلول النقمة وكل معصية تحدث في القلب ظلمة فإذا كثرت المعاصي استولت على القلب الظلمة
قال صلى الله عليه وسلم من خاف الله تعالى أخاف الله منه كل شيء و من لم يخف الله أخافه الله من كل شيء
وما أستخف قوم بحق الله إلا بعث الله عليهم من يستخف بهم وبحقهم
أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود من غض طرفه وصان فرجه وحفظ لسانه فهو عندي من المقربين يا داوود من لقيني وهو يراعي دوني سقط من عين رعايتي  يا داوود  ما عظمني من عصاني يا داوود أنقطع إلي أنكس لك رءوس الملوك وألبس وجهك المهابة يا داوود طهر ثيابك الباطنة وأما الظاهرة فلا تنفعك عندي
قال صلى الله عليه وسلم اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب
وقال يؤخذ بيد العبد يوم القيامة على رءوس الأشهاد فينادي مناد إلا من له حق على هذا فليأخذه فحينئذ لا يكون شيء أشد على أهل القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن تكون له عليه تباعة
أيها الإخوان المريدون للرحمان
أعلموا أن الأعمال لا تقبل إلا بالإخلاص فإن الله تعالى لا يقبل عملا فيه شائبة شركة ولا يقبل على قلب فيه شبهة فاعبدوا الله مخلصين له الدين
ومثل العمل الخالى عن الإخلاص كمن أهدى للملك جارية ميتة  أتراه يقبلها أو يضرب بها وجه صاحبها ويستوجب العقوبة عليها
لأن الإخلاص روح العمل والعمل بلا إخلاص كجسد بلا روح
ويجب عليكم أن تأمروا أهلكم بالصلاة من زوجة وإبنة وأمة وغير ذالك وأضربوهم على تركها وليس لكم حجة عند الله أن تقولوا أمرناهم فلم يسمعوا
فإن قلتم قد أمرناهم فلم يفعلوا ونصحناهم فلم يقبلوا وعاقبناهم فلم يمتتلوا
فالجواب أنهم لو علموا أنه يشق عليهم كما لو أفسدوا لكم طعاما أو أهملوا من مهماتكم أمرا  ما تركوها بل اعتادوا منكم أن تطالبوهم بحظوظ أنفسكم ولا تطالبوهم بحقوق ربكم  واشكروا أيها الإخوان نعمة الله عليكم فالمؤمن لا يخرج عن مقام الشكر فهو مطالب به في كل لحظة لتوالي نعم الله عليه في كل وقت
أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود في كل شعرة منك نعمة يجب عليك شكرها قال يا رب كيف أطيق شكر هذه النعم كلها  فقال  سبحانه ذا علمت أنها مني فذالك شكرها
و في الحديث ان الله إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن ترى عليه والتحدث بالنعم على وجه الإقرار بفضل الله من غير استحقاق شكر لا على وجه الافتخار وليس الشكر أداء الفرائض فقط بل الشكر واجب في كل لحظة
قال الله تعالى : ( الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
والأمانة هي سائر الجوارح القلب وما سواه  فمراعاتها شكر وهو لازم لها والشكر على ثلاثة أوجه شكر بالقلب وشكر باللسان وشكر بسائر الجوارح فشكر القلب أن يعتقد أن النعم كلها من الله تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله)
و شكر اللسان الثناء على الله بما هو أهله من أوصاف الجلال والجمال ونعوت الكمال وكثرة الحمد والمدح له ويدخل فيه التحدث بالنعم وإظهارها ونشرها
يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم وأما بنعمة ربك فحدث
ويدخل في شكر اللسان شكر الوسائط بالثناء عليهم والدعاء لهم
ففي الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله وشكر الوسائط إنما هو من حيث كونهم سببا في وصول منة الله إلى العبد فالمشكور في الحقيقة هو الله تعالى 
وشكر سائر الجوارح أن يعمل بها العمل الصالح
(أعملوا آل داوود شكرا )
أيها الإخوان المريدون للرحمان
الله ربنا وربكم ورب أبائكم الأولين فمن توكل عليه كفاه ومن سأله أعطاه ومن استغنى به أغناه ومن استجار به أواه ومن رضي عنه أرضاه يغفر الخطايا ويجزل العطايا العبد يخطيء ويهفوا والرب يصفح ويعفوا يرحم من جفاه ويغيث من عصاه ويجيب من دعاه ويقبل من أتاه ويحب التائبين ويتعرف للجاهلين إحسانه قديم وجوده عميم وفضله عظيم وهو أرحم الراحمين وخير الفاتحين وخير الرازقين وخير الغافرين لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن هنالك إلا محض الإفضال وعميم النوال وهو الذي فتح لعباده أبواب المواصلة وهيأ لهم أسباب المعاملة فما وصلوا إلى فضله إلا به ولا فازوا إلا بالإيواء لعلي جنابه فهدى من وفقه بفضله وأضل من خذله بعدله وهو الذي يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويقبض ويبسط ويعز ويذل ويغني ويفقر ويحيي ويميت وبيده الحل والعقد والقبول والرد و لا يملك غيره ضرا ولا نفعا ولاجلبا ولادفعا إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا  إلا إياه
وفي بعض الأحاديث القدسية عبدي ما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لتربح علي
فاتخذني بدلا من كل شيء فأنا خير لك من كل شيء
وقال أيضا أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منه وان تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وان تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا وان أتاني يمشي أتيته هرولة
وهو الذي عم الإنسان بالإحسان وابتداه بالإنعام وهو في ظلمات الأرحام حيت لا عقول ولا أفهام ورباه بإكرامه وغذاه بإنعامه  إن ربك لذو فضل على الناس ولا كن أكثر الناس لا يشكرون
والله لولا الله ما اهتدينا    ولا تصدقنا ولا صلينا
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولا كن الله يزكي من يشاء
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
واتركوا أيها الإخوان عنكم التدبير فانه لا ينبغي إلا لمن يعرف عواقب الأمور وليس ذالك إلا الله فمن أستشعر عظمة جلال مولاه غض طرفه عن ملاحظة نفسه ودنياه وبت طلاق مراده وهواه ولم يسعه تدبير ولا اختيار ولا اعتراض على ما جرت به الأقدار فسلموا الأمر إليه واعتمدوا في جميع شئونكم عليه ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله .
ولا تدبروا معه أمرا ولا تختاروا عليه فيما تعرفون خيرا ولا شرا (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)
وأصل التدبير ضعف الإيمان وقلة الثقة بالمذبر إذ لو اكتفى بتدبير مولاه ما شاركه فيه وربك لا شريك له فمن شاركه في تدبير أمرك وأنت في بطن أمك وقبل ذالك  ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين )
فالمدبر يبني مباني التذبير وتهدمها إرادة المقادير ولذالك يدبر المدبر والقضاء يضحك  فمن دبر لنفسه وكل إلا نفسه ومن وكل إلى نفسه هلك
في بعض الأحاديث من وكلته إلى ملك ومن وكلته إلى نفسه هلك
اللهم لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذالك
من أن يثني عقوبته على عباده والصبر هو تجرع مرارة البلاء من غير تعبيس
والرضى هو تلقي البلاء بالوجه الضاحك
كتب مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري
أما بعد فان الخير كله في الرضى فان استطعت أن ترضى وإلى فأصبر
أوحى الله إلى داوود عليه السلام إن أسرع الناس مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي .
أول ما كتب القلم في اللوح المحفوظ  أنا الله لا إله إلا أنا من لم يستسلم لقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليطلب ربا سوائي
فهنيئا لمن عرف الله فرضي بحكمه و قضائه  و الويل لمن لم يعرفه بل الويل ثم الويل لمن أقر بوحدانيته ولم يرض بأحكامه
قال صلى الله عليه وسلم انتظار الفرج بالصبر عبادة
وجعلناهم آئمة يهدون بأمرنا لما صبروا
و في الحديث القدسي يعني ما يتحمل المتحملون لأجلي
قال بعض العلماء في قوله تعالى فاصبر صبرا جميلا
الصبر الجميل هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى من هو وليس للمؤمن دولة في الدنيا إنما دولته في الآخرة
وفي الحديث أن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير
وفي الحديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وأصبر لحكم ربك فانك بأعيننا كم من مصيبة تطيش لها الأحلام وتدهش منها الأعلام تنزل بالمؤمن مصحوبة بلطف خفي فمن هو بعده حفي فتنجلي كمر السحاب وتعقبها الراحة والثواب فلا دهش وما مي الحي حي ولا عطش وساقي القوم باقي
وأضر ما على العبد في هذا الباب أن يرى نفسه كالمظلوم ومولانا يقول ولا يظلم ربك أحدا لأن يقبض الرجل على جمرة حتى تنطفي خير له من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن
واعلموا أيها الإخوان
أن من شاهد الفعل من مولانا هانت عليه النوازل ويقوى إيمانه بالقدر خيره وشره حلوه ومره ولا تشوشوا من ضيق الزمان والمكان والحال  فذالك كله من تدبير الكبير المتعال  فلو أجتمع أهل السموات السبع والارضين السبع على أن يزيدوا ملامة ظفر على ما قدر لما استطاعوا وكذالك العكس
وفي الحديث جف القلم بما أنت لاق فحينئذ على ح يكون الجزع والأشياء مقدرة فعلى العبد أن يكل الأمر إلى مولاه ويرفض تدبيره وهواه علما منه أن الأمر قام به القادر القوي وما قام به عنك غيرك لا تقم به أنت لنفسك وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا
وفي بعض الكتب المنزلة عبدي تريد وأريد   ولا يكون إلا ما أريد فان سلمت لي ما أريد أعطيتك ما تريد وان لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد
وأهل الصدق في العبودية والرضى بأحكام الربوبية بربهم فرحون ولأحكامه مستحسنون  ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في الحالتين متعرف إليك ومقبل بإحسانه عليك فلم يبق إلا رد الأمر لمولاه  والرضى بما يختاره ويرضاه
وما أحسن قول الإمام من بني غالب مولانا علي بن أبي طالب يا هذا لا تدخل هم غدك أو سنتك على يومك فان عشت فسياتيك الله برزق جديد وان مت فلا تشغل وقتك بهم مالا تلحه
واعلموا أيها الإخوان المريدون للرحمان
إن الله تعالى يختبر عبده بما شاء من خير أو شر وهو أعلم بمصالح عباده و نبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون )( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون
قال لقمان لأبنه يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء
فالمصيبة ترد العبد لمولاه وتدعوه للتعلق به والدخول في حماه حيث لم يجد أحدا سواه  فمصيبة تردك إليه خير من عافية تشغلك عنه  إن في البلايا أسرارا خفايا ولا يظن الإنسان أن صاحب المصيبة أهون على الله بل المصيبة لثلاثة أشياء
أما لتمحيص الذنوب أو لتخصيص المحبوب أو عقوبة للكروب
وعلامة التمحيص وجود الصبر والاستسلام وطمأنية النفس والسكون تحت مجاري الأحكام
وعلامة التخصيص الرضى فوق الصبر بمعنى أنه يستلذ بالبلاء من حيث أنه من المحبوب
وعلامة العقوبة التسخط والجزع والشكوى إلى الخلق فالعاقل لا يعيب أخاه بما أصابه من المصائب فانه في ذالك أما مظلوم لينصرنه الله وأما مذنب عوقب فطهره الله أو مبتلي قد وقع أجره على الله
قال صلى الله عليه وسلم  من أصاب ذنبا فعوقب فالله أعدل بتقدير الحكيم ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم 
وفي الحديث القدسي عبدي كن لي كما أريد أكون لك كما تريد
ومثله قوله تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم )
ولا تسخطوا قضاء الله أيها الإخوان  فتدخلوا في قوله تعالى
كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم
وليس المصاب من تصرف فيه مالكه بمقتضى مشيئته ومراده  وفعل به ما يفعل بأهل قربه ووداده إنما المصاب من حرم الوقوف بالباب  ورضي بالغفلة والحجاب و اشتغل عن المسبب بالوقوف مع الأسباب
فمن وجد الله حاضره ما فقد من صحة أو مال أو ولد إذ لا وحشة مع الله ولا أنس مع غير الله فان الجنة سجن من لم يكن الله أنيسه
وانظروا أيها الإخوان الكرام إلى أبينا آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة في الجنة لم تسعد مع كثرة أنوارها وضاقت عليه مع أتساعها ومرير أشجارها
وانظروا إلى إبراهيم الخليل لما كان أنسه بالرب الجليل ألقي في النار وكانت أشد حرا وظلاما فصارت عليه بردا وسلاما
وما أحسن قول الناطق بالصواب مولانا عمر بن الخطاب إن صبرت مضى أمر الله وكنت ما جورا وان جزعت مضى أمر الله وكنت ما زورا
وقال الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام في كل حين عجبا للمؤمن أمره كله بخير إن كان في نعمة فشكر فله الأجر وإن كان في محنة فصبر فله الأجر
من صدق لجؤه وقوي رجاؤه وأنقطع عن الخلق نظره فلا تزيد على ثلاثة أيام شدته لتتبين مراتب الناس بالسلامة من الفتن و الأغيار وإنما تتبين المراتب بالسكون تحت مجاري الأقدار والاستسلام لما يفعله الواحد القهار
فالعبد يكره العيلة والفقر والخمول والمرض وهو خير له في الآخرة ويحب الغنى والعافية والظهور وهو شر له في الآخرة
وقيل في معنى قوله تعالى  : ( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )  قيل الظاهرة العوافي  والباطنة البلايا لأنها نعمة في الآخرة
أيها المريد الراجي من فضل مولاه المزيد
لا تنتصر بنفسك لنفسك فلا قدرة لك على ذالك  و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور  وقل حسبي الله ونعم الوكيل وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد
فان الله تعالى : يكفيك ما أهمك ويفرج عنك كربك وغمك ويكفي المصاب ما أتي
في الحديث القدسي إذا أصبت عبدي المؤمن بمصيبة في ماله أو بدنه أو ولده فصبر أستحي يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا
ولا تهتموا أيها الإخوان بما يصدر من الإنسان من نفع أو ضر فإنه من حيث الحقيقة مسخر في الخير مسلط في الشر من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله فكيف يضر غيره أو ينفعه قل كل من عند الله الملك الحق فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مومنين
وفي الحديث من خاف الله خوف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله خوفه
الله من كل شيء
فلذلك تجد الغافل كثير الأوهام مهما نزل به أمر رجع إلى تدبير نفسه
والتعلق بأبناء جنسه وينسب الفعل إلى الخلق ويعرض عن باب
الملك الحق فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مومنين
والنفس علة في كل مصيبة فما أبتلي العبد إلا منها ولذالك قال بعض العارفين إذا لم تستو سريرة الناس وعلانيتهم فلا تستغربوا ما يحل بهم من البلايا
قال عمر بن عبد العزيز كان الحجاج بلاء من الله وافق خطيئة الناس مكتوب في التوراة أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة
فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك وتوبوا لي أعطفهم عليكم وكما أبتليتم بالأعمال التي لا ترضي ربكم وقلتم إن الله قدر ذالك فأقيموا العذر لولاتكم فان الله هو المقدر عليكم ما ظلموكم به ولكن الأعمال هي السبب نسأل الله تعالى : أن لا يسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا وليس أنفع لأهل زماننا من تحملهم الأذى والجور من الحكام وذالك لأن أهل زماننا  يقصرون في الأعمال الصالحات التي كان عليها السلف الصالح من قيام الليل وصيام النهار وكثرة الصدقات والخيرات فيسلط الله عليهم الحكام وغيرهم بالأذى وإخراجهم من أوطانهم وعزلهم عن وظائفهم وأخذ أموالهم فيجبر الله بذالك ما وقع منهم من الخلل في الطاعات إكراما لهذه الأمة المحمدية فتكثر حسناتهم بذالك وذالك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
واعلموا أيها الإخوان
أن النفس بمنزلة الأم ومسكنها أسافل الجسد  والروح بمنزلة الأب ومحله أعالي الجسد والقلب كالمولود بينهما فمتى غلبت ظلمة النفس على الجسد أسود القلب ومتى غلب نور الروح تنور القلب فأعدى الأعادي إلى المرء نفسه التي بين جنبيه  فمن عرفه الله تعالى : إذايتها وبصره عيوبها وألهمه غوايتها رفضها وأعرض عنها  ولم يرا أضر عليه منها  كيف وهي الحجاب للقلب ولا ينال معها رضى الرب ولا يمكن معها إخلاص أعمال ولا صفاء أحوال من قتل نفسه بالمجاهدة أحيا الله قلبه بالمشاهدة ومن تحكمت فيه النفس فهو كالذي يتخبطه الشيطان من المس
وعليك أيها المريد بنفسك إن لم تشغلها بالمحاسبة شغلتك بالمطالبة من ملكته عادته  فسدت عليه عبادته
وتأمل قول الله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) الأنداد تقع على كل شيء يمنع العبد من خدمة سيده ومن جملة الأنداد النفس والهوى
وقيل في قوله تعالى : ( قد أفلح من زكاها )  تزكيتها مخالفتها
واعلم أيها المريد أن الشيطان لعنه الله كنيته أبو مرة أتدري من هي المرة التي أبوها الشيطان هي النفس أتدري لم سميت مرة لأنها ما دخلت في شيء إلا أفسدته كما يفسد الحنظل اللبن
أوحى الله تعالى : إلى داوود عليه السلام إن أردت محبتي لك فعاد نفسك وودني بعداوتها  ومن زعم أنه يحب الله وهو يحب نفسه فقد كذب وقد حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من أهل النفوس ترك شهوة من شهوات النفوس وغوائلها أنفع للقلب من صيام سنة و قيامها وأفات النفس كثيرة وأوصافها شهيرة منها الكبر والعجب والحقد والحسد والغل وسوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله والازدراء بالناس والعجز والغضب والإمتعاص من الحق والتصنع والدعوى وعدم الصدف والقساوة وقلة الرحمة والرياء وحب الظهو واتباع الهوى واحتقار الذنوب والتهاون بالواجب والاختيار على الله والتدبير مع الله وحب الدنيا وأهل الجاه فيها والركون إلى أهلها وإثارهم على أهل الآخرة والرضى بالجهل والغفلة والعجز والكسل والبخل والجبن وتحسين القبيح وإبطال الصحيح فهذه نبذة من عيوبها وكن على حذر  من باقيها
أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام 
أن احذر وانذر أصحابك أكل الشهوات فإن القلوب المعلقة بالشهوات
عقولها عني محجوبة من قطع عقبة نفسه وصل إلى بسط أنسه
ومن سوء النفس التيقظ في أمور الدنيا والتغافل عن أمور الآخرة
وبهذا الوصف أعداء الله الكافرين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
وهم عن الآخرة هم غافلون
ومن استحكمت فيه النفس كثر لديه الشك واللبس ويضيع الأوقات
في تحصيل مضمون الأقوات ويبدل مجهوده في طلب الشهوات ويثقل عليه عمل الواجبات ويجري مع الهوى ولا يتقي الهوى ويطمع في دخول الجنة بالتوكل الكاذب وهو يعمل للدنيا وصابر لما فيها من المصائب ولا يتهم الله في المغفرة ونيل الشفاعة ودخول الجنة وإنما يتهمه في حصول الرزق والعافية فلو أن واحد من الأغنياء نادى بعض الناس ووعده بالإنفاق عليه لاطمأن بقوله وفرح بما لديه وتوكل عليه ولم يثق بقول الله الذي هو أجل وأكرم وأقوى  لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى
وما أحسن خطبة خطبها سيد الوجود وأحلى كلامه فيها ومنها تقشعر الجلود تذرق منها العيون وتسيل على الخدود خطبها للناس والصحابة شهود فأصغ إليها أيها المريد الراجى من فيض الحقيقة الورود تحظ بالمناجات والتقريب والشهود
أيها الناس كان الحق فيها على غيرنا وجب وكان الموت فيها على غيرنا كتب
وكان الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا عائدون نبوأ أجداثهم ونأكل تراثهم كأننا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس طوبى لمن طاب مكسبه وصلحت سريرته وحسنت علانيته  واستقامت طريقته  طوبى لمن تواضع من غير منقصة وأنفق ما جمعه من غير معصية وخالط أهل العلم والحكمة وجانب أهل الذل والمعصية وطوبى لمن أنفق الفضل من ماله وامسك الفضل من لسانه
أيها الإخوان المريدون للرحمان
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله عز وجل يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية
ففي الحديث الكيس من ذان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى علي الأماني
كيف تطمع أيها المريد أن تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من العوائد فلو أزلت عن عين بصيرتك قذاها رأيت ماءها ومرعاها  وأبصرت رشدها وهداها ما دام العبد معجبا برأيه أسير نفسه  محافظا على عوائدها متمسكا بحبل ودادها جاريا على وفق مرادها  لم يقطع ما دتها ولا خرق عادتها فهو على خطر عظيم يعبد نفسه اللئيمة ولا شعور له بوقوعه في الجريمة
ومن عيوب النفس أن يغفل العبد عن عيوب نفسه ويبحث عن عيوب الناس ويرى الفضل له على الغير ولا يرى لأحد عليه فضلا حتى أنه يطمع في الناس أن يوقروه في البيع والشراء مراعاة لعبادته وإلا يقع فيهم بالازدراء
وفي الحديث يبصر أحدكم القذا في عين أخيه ويترك الجذع في عينيه فإذا رأيتم أيها الإخوان الرجل موكلا بعيوب غيره خبيرا بها فأعلموا أن الله قد مكر به
قال إمام المذهب ملك بن أنس رحمه الله أدركت ناسا بالمدينة لا عيوب لهم فاشتغلوا بعيوب الناس فأحدث الله لهم عيوبا وأدركت ناسا لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر الله عيوبهم
و إياكم والسخرية بالناس والازدراء بهم و إهانتهم و احتقارهم فإن الله يقول لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم
ولا يحقرن أحدا أحدا من المسلمين وإن صغيرا فإن صغير المسلمين كبير عند الله
و كان ابن عباس ينظر إلى الكعبة ويقول إن الله شرفك وعظمك ولا كن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك فمن طلب السلامة احتمل الملامة
قال أبو هريرة الؤمن عند الله أكرم من بعض الملائكة الذين عنده فمن تحقق بمقام العبودية لم ير له حقا في الدنيا والآخرة ويحسن الظن بعباد الله بالكلية

أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
قال  صلى الله عليه وسلم  عليكم بالتواضع فان التواضع في القلب وهو ناشيء عن معرفة الله تعالى : وحقيقته هو خضوع القلب بجلال الرب وينشأ عنه خفض الجناح لعباد الله ولين الجناب لهم ولا يتواضع إلا من عرف نفسه وعلامة التواضع حب الخمول وبغض الاشتهار فالخمول نعمة والنفوس تأباه والظهور نقمة والنفوس تهواه
قال بعض العارفين الشرف في التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة وصاحب الرفعة عرضة للأفات ومن طلب العلو في الدنيا حرم نصيبه في الآخرة وشاهده قول مولانا جل وعلا :   تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين .
فأصدق الله من أحب الشهرة ما أحب الدنيا من أراد الآخرة خص البلاء فمن عرف الناس وهم للجاهل فتنة ووسواس
قال سيدنا عيسى عليه السلام لأصحابه أين تنبت الحبة قالوا في الأرض قال كذالك الحكمة لا تنبت إلا في قلب مثل الأرض
وفي الحديث أن الله يحب الأخفياء الأتقياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا
وقيل لذي النون المصري متى يكون العبد من المخلصين  قال إذا أجتهد في الطاعة وأحب سقوط المنزلة عند الناس
وفي الحديث من تواضع لله رفعه قال الخواص لا يصل أحد إلى حالة شريفة إلا بالتواضع وذالك أن يرى نفسه دون جليسه لا فوقه ولا مساويا له  من لا خد له يداس  لا كف له يباس من لم يتضع عند نفسه لم يرتفع عند غيره .
وفي الحديث ما من رجل يتعاظم في نفسه و يختال في مشيته إلا لقي الله و هو عليه غضبان
وقال صلى الله عليه وسلم  اللهم أحيني مسكينا و أمتني مسكينا و أحشرني في زمرة المساكين
وكان على جلالة قدره الشريف أشد الناس تواضعا لكمال معرفته بربه فكان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار و يردف خلفه ويعود المساكين و يجالس الفقراء ويجيب دعوة العبد ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث أنتهى به المجلس جلس ويدعى إلى خبز الشعير فيجيب وكان يحلب شاته ويرقع ثوبه ويخدم نفسه ويعلف ناطحته ويقم البيت ويعقل البعير ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق إلى غير ذلك مما هو مذكور و في كتب الآئمة مسطور
فأنظر هذا التواضع الكامل الذي أختص به هذا الرسول الجليل فإن لكم في رسول الله أسوة حسنة .
ولا خير في من لا يقتدي بنبيه ويتبع سنته
وانظر إلى شجرة اليقطين لما تواضعت وخدها على الأرض ألقت جعل الله على الأرض حملها شفقة عليها
أوحى الله تعلى : إلى الجبال أني مكلم على واحد منكم نبيا فتطاولت الجبال وتواضع طور سيناء فكلم الله عليه موسى عليه السلام : لتواضعه
و في الحديث من تكبر وضعه الله وقال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر
قال مولانا علي لرجل يعرفه بنفسه ويحمله على التواضع أولك نطفة قدرة وآخرك جيفة قدرة وأنت فيما بينهما تحمل العذرة من ظن أنه خير من الكلب فالكلب خير منه وأول معصية في الوجود غمص الخلق وبطر الحق
وذالك أن إبليس لعنه الله لما قال له أسجد للآدم  قال أنا خير منه
كيف لا يتواضع من يعلم أنه في الابتداء نطفة وفي الانتهاء جيفة  وفي الحال صريح جوعة وأسير شبعة وحمال كنيف في قميص إن أمسك عن الأكل ساعة تغير عليه خلوف فمه
وإن عرق في سعيه سطع صنان إبطيه ورائحة رجليه فمن شاهد نقص نفسه عرف جلال ربه
قال صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه عرف ربه
قلت من عرف نفسه بالضعف والفقر والفناء عرف ربه بالقوى و الغنا و البقاء
فالواجب عليك أيها المريد لرشدك أنظر سيرة الصحابة لتعلم حقيقة قدرك
قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وليتكم ولست بخيركم .
وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفة أنشدك الله هل ذكرني النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين وقال ليت عمر تلده أمه وليتني لم أك شيئا ليتني كنت نسيا منسيا
قال  ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه
وقال محمد بن واسع لولده عبد الله وقد رئاه يمشي مشية لا تحمد تدري بكم اشتريت أمك بثلاثين دينارا وأبوك لأكثر الله في المسلمين مثله أنا وأنت تمشي هذه المشية
قيل تشاجر أبو ذر وبلال فعاير أبو ذر بلال بالسواد فشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر أما علمت أنه بقي في قلبك من كبر الجاهلية شيء فألقى أبو ذر خده على الأرض وحلف أن لا يرفع رأسه حتى يطأ بلال خده بقدميه فلم يرفع حتى فعل بلال
وقال سري السقطي : مند ثلاثين سنة وأنا أظن أن الله تعالى ينظر  إلي نظر السخط
فأنظر رحمك الله لتواضع هاؤلاء السادات الناشيء عن خوف مولاهم في كل الحالات  مع أن بعضهم من المبشرين بالجنة وشدة الخشية هي التي أنستهم ذكر عظم هذه المنة  حتى قال قائلهم ليتني لم تلدني أمي
والخوف من الله يقلق ويعمي فإذا كانت هذه حالة الخلفاء الراشدين وأكابر ساداتنا العارفين فما ظنك بالعصاة المخلطين وأهل الشهوات البطلين،الذين ذهبت أعمارهم في التفريط وعمرت صحائفهم من التخليط ومع ذالك يرفعون أنفسهم إلى أعلى عليين  ويزعمون أنهم من الأبرار المقربين فشتان مابين الحمار والفرس وما بين الطاهر والنجس
ومما يزيدك تهاونا لنفسك وانقطاعا لحبلك إن تأملت بعقلك وأنصفت لخصمك .
إن الصديق الأكبر الذي ما طلعت على مثله شمس ولا قمر كان يحلب لجيرانه الشياه فلما ولي الخلافة قالوا من يحلب لنا وبعضهم تأواه فقال أنا أحلب لكم هذه الأغنام فلا زال يحلب وبرده في الخلافة حاز التمام
وكان سيدنا عبد الرحمان بن عوف لا يعرف بين عبيده من شدة التواضع والخوف
وكان سيدنا سلمان الفارسي أميرا على ثلاثين ألفا وكان يعجن مع الخادم حين يرسلها رفقا ولطفا وكان الناس يسخرونه في حمل أمتعتهم وهم لا يعرفونه لرثاثة حاله وهو أميرا مشرفا وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها تواضعا وخوفا
فهذا : هو التواضع الناشيء عن شهود الجلال المستغرق صاحبه في بحور الجمال وفقنا الله لطريقهم وسلك بنا مسلك سبيلهم
أيها الإخوان المريدون للرحمان
قال صلى الله عليه وسلم إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق
وقال خيركم من يرجى خيره
وفي الحديث القدسي إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي
قال صلى الله عليه وسلم الخلق عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله
و قال والله ما نزع الله الرحمة إلا من قلب شقي
فكن أيها المريد لإخوانك رحيما ولأسرارهم كاتما وفي مصالحهم ساعيا و لحقوقهم راعيا
قال رجل لسيدنا معاذ أوصيني فقال كن بالمؤمن رحيما أكن لك بالجنة زعيما
وفي الحديث من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة
سئل قتادة من أعظم الناس قدرا  قال أكترهم عفوا
علامة المنافق أن يحسد الناس ويكون في قلبه الضغائن والحقد لمن أذاه أو زاد عليه في المال والجاه
فلينوا أيها الإخوان لمن أذاكم ودافعوهم بالإحسان منكم لينوا لمن يجفوا فقل من يصفوا
قال صلى الله عليه وسلم في معنى قوله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) هو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك
وقال صلى الله عليه وسلم : إن لله عبادا خلقهم لحوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة
وفي رواية آلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار فإذا كان يوم القيامة رفعت لهم منابر من نور يحدثون الله والناس في الحساب
وقال إن من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم وقال خير الناس أنفعهم للناس وقال خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره
وأعلم أيها المريد انفراد الحق بالكمال قاض بثبوت النقص لمن سواه فلا يوجد كمل إلا بتكميل الله فالنقص أصل الخلق  والكمال عارض لهم من الحق ومن ثم قيل أنظر للخلق بعين الكمال وأعتبر في وجوههم النقص والتغافل عن العورات من أجل القربات وأعظم الطاعات
وأعلم أيها المريد التقي إن احتقار شيء من العالم لا يصدر من رجل تقي
قال صلى الله عليه وسلم : من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يقيه من النار
و في رواية من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة
وقال صلى الله عليه وسلم المؤمنون هينون لينون وقال المؤمن ألف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يولف وخير الناس أنفعهم للناس
وقال أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بين يديه فقال ما الدين فقال حسن الخلق ثم أتاه من قبل يمينه فقال ما الدين فقال حسن الخلق ثم أتاه من ورائه فقال يا رسول الله ما الدين فقال حسن الخلق فألتفت إليه صلى الله عليه وسلم  وقال أما تفقه الدين هو أن لا تغضب
وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني فقال أتق الله حيث كنت قال زدني قال أتبع السيئة الحسنة تمحها قال زدني قال خالق الناس بخلق حسن
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي المِؤمن أفضل إيمانا قال أحسنهم خلقا وقال إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وقال إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وأنه لضعيف العبادة
قيل للأحنف بن قيس من أين تعلمت حسن الخلق  قال من قيس بن عاصم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم  لما أتته خادمه بسفود عليه شواء محمى فطار من يديها على ولد له صغير فمات فخافت الخادم فقال أذهبي أنت حرة لوجه الله
وقال صلى الله عليه السلام : إن العبد ليبلغ بسوء خلقه أسفل درك جهنم
قال الفضيل لأن يصاحبني فاجر حسن الخلق خير من أن يصاحبني  عبد سيء الخلق
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها فقال لا خير فيها هي من أهل النار
وقال سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل
قال معاذ بن جبل سوء الخلق سيئة لا ينفع معها كثير الحسنات
قال سيدنا موسى عليه السلام :  يا رب دلني على أحب الخلق إليك فقال  يا موسى إن أحب الخلق إلي من إذا سمع أن أخاه شاكته شوكة حزن عليها كأنما شاكته هو
أيها الإخوان المريدون للرحمان
من تعرض لمساوي الناس عرض نفسه للمهالك و من سلم الناس منه سلم هو من الناس ومن نم على الناس أفتقر في دينه ودنياه وهو من خدام إبليس لعنه الله قال تعالى
قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا )
و عليكم بالصمت فإنه حلية المهتدين وأسلم للدنيا والدين
قال عقبة بن عامر رضي الله عنه يا رسول الله فيم النجاة فقال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك  وابك على خطيئتك
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله
عنه بالصلاة والصيام وغير ذالك ثم قال في أخر وصيته ألا أدلك على ما هو أملك لك من ذالك كله، هذا وأومأ بيده إلى لسانه فقال يا رسول الله وإنا لمواخذون بما تتكلم به ألسنتنا فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم إنك ما سكت فأنت سالم فإن تكلمت فلك أو عليك
وقال صلى الله عليه وسلم : من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به
فالصمت عبادة من غير عناء وزينة من غير حلي وهيبة من غير سلطان وحصن من غير سور وغنية عن الاعتذار وراحة للكاتبين
وأعلموا أيها الإخوان
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما
و قال تعالى : ( إنما هذه الحياة الدنيا متاع وان الآخرة هي دار القرار )
وقال سبحانه : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن أتقى )
كل ما يلهي عن الآخرة فهو دنيا و بعبارة كل ما أغفل القلوب عن ذكر الله فهو دنيا وقال صلى الله عليه وسلم من أراد أن يؤتيه الله علما من غير تعلم وهديا بغير هداية فليزهد في الدنيا
وقال إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها ثم قال وعزتي لأنزلتك إلا في شراري خلقي وقال لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع ومعناه لئيم بن لئيم  وقال صلى الله عليه وسلم : يا عجبا كل العجب لمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور وقال يا عجبا لمن يطلب الدنيا والموت يطلبه وقال صلى الله عليه وسلم : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم وقال طلب الدنيا رأس كل خطيئة وأساس كل بلية ومعدن كل مصيبة ورزية والله ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث شغل لا ينفك عناه وفقر لا يدرك غناه وأمل   لا غاية لمنتهاه
وقال صلى الله عليه و سلم : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء
وقال مولانا علي كرم الله وجهه ارتحلت الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
قال الخواص : من مات على حب الدنيا حشر مع مبغوض لم ينظر الله إليه منذ خلقه
وفي الحديث إن الدنيا تمثل وتقف بين يدي الله تعالى فيؤمر بها إلى النار فتقول يا رب ومن يحبني معي فيقول الله عز وجل : ومن يحبك معك فتلتقطهم الملائكة من الخلائق ويدخلون معها النار ويؤيده الحديث الآخر المرء مع من أحب . وفي الحديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
وشأن المسجون التحديق بعينيه  والإصغاء بأذنيه متى يدعى فيجيب والسجن معد لأنواع المكاره  إذ لا يكون المسجون مسرورا ولا يحب المقام فيه
وفي التوراة حرام على قلب يحب الدنيا أن يقول الحق
و من طلب الدنيا طلبت منه دينه كله في صداقها لا يرضيها إلا ذالك نعوذ بالله من شرها قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ما أعطي أحد من الدنيا شيئا إلا انتقصت درجته عند الله وإن كان من أهل الجنة وقد جعل الله زينة الدنيا اختبارا لعباده قال تعالى : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ليبلوهم أيهم أحسن عملا ما أحببت شيئا إلا كنت له عبدا وربك لا يرضى أن تكون لغيره عبدا   والحق سبحانه غيور لا يقبل الشركة
قال صلى الله عليه وسلم : مثل الدنيا والآخرة كمثل المشرق والمغرب إذا أقبلت على الدنيا أدبرت عن الآخرة و بقدر تمكن حلاوتها من القلب تعظم الحسرة عليها لفقد رضى الرب والمخففون هم الفائزون والمحبون للدنيا هم الخاسرون ولا يخرج حب الدنيا من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق
قال تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) وإذا جرى الماء الجديد في الأشجار العالية سقطت الأوراق البالية وخرجت أغصان جديدة فيها تفتح الأزهار وتنعقد الثمار
تصدى الشيطان لسيدنا سليمان بن داوود عليه السلام : فقال له سيدنا سليمان ما أنت صانع بأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : إذا أنت أدركتهم فقال أزين لهم الدنيا حتى يكون الدنيا والدرهم أشهى إلى أحدهم من شهادة
أن لا إله إلا الله أوحى الله تعالى : إلى سيدنا موسى عليه السلام يا موسى إذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل ذنب عجلت عقوبته
وكان الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول يا دنيا غري غيري فقد باينتك ثلاثا عمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك قليل ءاه ءاه من قلة الزاد و بعد السفر ووحشة الطريق
قال القشيري قوله تعالى : ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها ) فمن رضي عنا بدنياه عجلنا له هواه وأوصلنا له مناه ولكن ولا كن الفرقة قصاراه والنار مأواه والجحيم مثواه
قال تعالى : ( وما له في الآخرة من نصيب )  قال أبو حازم نعمة الله فيما روى عني من الدنيا أعظم علي من نعمته شيئا أعطاني منها إني رايته أعطاها قوما فهلكوا أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون
ومن شؤم الدنيا أن أهلها مفتونون محرمون ألا تراهم لا يتفرغون لحضور مجالس الذكر ومجالس العلماء وصلاة الجماعة ولا تجد فيهم قابلية لسماع المواعظ ومن أتفق له حضور مجلس وعظ      لا يعمل به ولا يسمع بقلبه لاشتغاله بما تمكن فيه من حب الدنيا وذلك إن البدن إذا أسقم لم ينفعه طعام ولا شراب كذالك القلب إذا اشتغل بحب الدنيا لم تنفعه الموعظة من طلب الدنيا أبتلي بها أبتلي بالذل فيها ومن تعامى عن نقائص نفسه طغى و بغى ومن تزين بباطل فهو مغرور والدنيا كأحلام المنام وسرورها كظل الغمام وأحداثها كصوب السهام وفتنها كأمواج الطوام الدنيا مانعة من سعادة الآخرة والقرب من الله وتعمي البصيرة وإذا تمكنت في القلب امتلأ ظلاما وحرص فيها والحكمة بكر شريفة إذا لم تجد كفؤا رجعت إلى أبيها
وما أحسن كتابا كتبه الأسد من بني غالب مولانا علي بن أبي طالب إلى سلمان الفارسي رضي الله عنهما إنما مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها قاتل سمها  فأعرض عنها  وعنما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها ودع عنك همومها لما تيقنت من فراقها وكن أحذر ما تكون منها  أسر ما تكون فيها فإن صاحبها كلما أطمأن فيها إلى سرور أشخص عنها إلى مكروه
و قال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الدنيا جيفة فمن أراد شيئا منها فليصبر على مخالطة الكلاب
فاعتبروا أيها الإخوان
أين الذين كانوا فيها يتنعمون و بشهواتهم يتمتعون و بلغوا منها غية المراد وساعدتهم بالأموال والأولاد ساعفتهم أياما وأرخت لهم زماما فبينما في حياضها يسبحون وبين رياضها يريحون  و يسرحون إذ قلبت لهم ظهر المحن و فجأتهم بالنوائب والمحن أظهرت عيوبهم وأكثرت ذنوبهم وغدرتهم جهرة وتركتهم في حسرة يقرعون سن الندم و يودون لو كانوا في حيز العدم
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون
كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم  تسمى العضبا وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فأشتد ذلك على المسلمين وقالوا سبقت العضبا فقال صلى الله عليه وسلم أن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلى وضعه
ومن الناس من فرح بها برهة كأنما هو في نزهة فبينما هو جامح في الزهو  جائح إلى دواعي اللهو إذ هتف به هاتف الوعيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك ما كنت منه تحيد فدعي فأجاب  ولا ينقذه مال ولا أصحاب ولف في خرقة ووسد التراب وأسلمه الأهل والأحباب فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ولا كن وجدوا ما قدموا وآثارهم
قال صلى الله عليه وسلم الناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا فإذا انتبهوا من المنام عادوا على أنفسهم بالعتاب والملام وخانتهم الدنيا والهوى وأضمحل كل ما جمعوه وهوى ثم يساقون إلى موقف الحساب أما للثواب أو العقاب  يوم لا ينفع مال ولا بنون  يوم تبلى السرائر   يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت
أيا كم أيها الإخوان والركون إلى الدنيا فإنها دار ممر لا دار مقر الزاد منها والمقيل في غيرها فمن عرف الله عاش ومن مال إلى الدنيا طاش والأحمق يغدوا و يروح بلاش والعاقل عن عيوبه فتاش
و رءا بعض العارفين سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام فقال له صل من يبقى وأهجر من يفنى
قال أبن عطاء الله  قيمتك ما أنت مشغول به فإن أشتغلت بالدنيا فلا قيمة لك لأن الدنيا لا قيمة لها لكونها لا تساوي عند الله جناح بعوضة
من جمع المال أبتلي بخمس خصال طول الأمل وشدة الحرص والشح ونسيان الآخرة وقلة الورع
من فرح بالدنيا إذا أقبلت عليه فقد ثبت حمقه وأحمق منه من إذا فاتته حزن عليها كمن جاءته حية لتلدغه مضت وسلمه الله منها فحزن عليها لكونها لم تلدغه

اعتبروا أيها الإخوان
بكثرة أهلها وتقلب أحوالها وسرعة غدرها و انتقالها أين القرون الماضية وأموالها أين ملوكها وطغاتها وأطفالها لكي لاتاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم
نكايتها كبيرة و آفاتها كثيرة ما بلغت لخليلها المنى قط لا تستغرب أيها المريد وقوع الأكذار ما دمت في هذه الدر فإنها ما أبرزت إلى ما هو واجب نعمتها ومستحق وصفها ومن أكرمه الله بحقيقة الإيمان لا يفرح بها ولا يحن لأهلها
قال صلى الله عليه وسلم : مالي وللدنيا إنما أنا فيها كراكب أستظل تحت شجرة ثم راح وتركها
مر سيدنا عيسى عليه السلام بثلاثة أموات ومعهم ذهب كثير فسأل الله تعالى : أن يطلعه على حقيقة أمرهم فأوحى إليه انهم كانوا عثروا على كنز وأرادوا قسمته فأتفق رجلان على أن بعثا الثالث ليأتيهم بطعام وتعاقدوا على قتله فأشترى لهما طعاما وجعل فيه سما ليقتلهما وينفرد بالمال وحده فلما أتى قتلاه وأكلا الطعام فماتوا جميعا وتركوا المال كما ترى
و هاكذا : تفعل الدنيا بأهلها قال صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء وليس وجودها مانعا من الزهد فيها فقد يكون مليا زاهدا أن لم تشغله محبتها وليس الشأن في قتل الحية  وإنما الشأن في إمساكها حية أخرج أيها المريد حب الدنيا من قلبك وأجعلها في يدك فلا تضرك فالدنيا جرادة إذا قطع رأسها حلت ورأسها حبها وتأمل أيها المريد حال الصحابة رضي الله عنهم لما كثرت محبتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم كان أكثرهم يبت ويصبح وليس عنده دينار ولا درهم ولا طعام
ودعا صلى الله عليه وسلم : لأهل بيته بذالك فقال  اللهم أجعل رزق آل محمد قوتا وذالك ليكون العبد مجموعا على ربه لا يشغله عنه شيء .
التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر من أين أقبلت قال أمرت بسوق حوث في البحر إلى فلان اليهودي ليأكله ثم قال وأنت من أين جئت قال أمرت أن أريق زيتا اشتهاه العابد فلان يأكله فينقص حظه في الآخرة
تأمل رحمك الله هذا الحديث وأعتبر وما توفيقي إلا بالله العلي الكبير 
مر رجل بعامر بن قيس وهو يأكل بقلا وملحا فقال له يا عامر رضيت من الدنيا بهذا فقال نعم ولا كن أذلك على من رضي بأقل من هذا فقال نعم فقال من رضي بالدنيا عن الآخرة
و اعلم أن العارفين ما زهدوا في الدنيا رغبة في نيل الآخرة وإنما زهدوا فيها لبغضها عند الله وإلا لكان زهدهم معلولا
تمسكوا أيها الإخوان بالورع فإنه ما تمسك به أحد إلا وصل ولا أنقطع عنه أحد إلا أنفصل لأن الورع يكون عن الحرام والزهد في الحلال والحرام لو صليتم أيها الإخوان حتى تكونوا كالحنايا  وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما تقبل الله منكم إلا بورع حاجز عن النار 
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إنكم لتغفلون عن الورع وهو أصل العبادات لو يعلم أكل الحرام ما يحدث في قلبه من الظلمة و القساوة وفتور الجوارح لطوى الأيام والليالي جوعا لأن العمل الصالح ينشأ عن أكل الطيبات
( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلال طيبا )
روي من أكل الحلال أطاع الله أحب أم كره ومن أكل الحرام عصى الله أحب أم كره
فلا يحل لك أيها المريد أن تأكل إلا طيبا ولا تلبس إلا طيبا ولا تركب ولا تسكن إلا طيبا وتستعمل سائر ما تنتفع به طيبا ومن وراء ذالك متشابها من تركها سلم ومن أخدها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه 
وفي بعض المناجات يا موسى إن أردت أن تدعو  فصن بطنك عن الحرام وقل يا ذا المن القديم   و ياذا الفضل العظيم والرحمة الواسعة
عجبت لمن يترك الحلال مخافة المرض كيف لا يترك الحرام مخافة النار ما دام لسانك يتذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئا من الحكم
إخواني سار الأحباب في ليل العزم ونمتم وربحوا في معاملتهم وما غنمتم لو تفكرتم فيما فاتكم لندمتم وانظروا سيرة السلف الصالح  وأكلهم الحلال وصبرهم على الجوع الفادح يا منقطعين عن القوم إن لم تنهضوا للحاق الإخوان فأبكوا على البعد والحرمان  وعليكم أيها الإخوان بالقناعة فإنها كنزلا ينفد وزاد لا يفنى ولا ينحد وإياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر والربح الخاسر والقناعة هي رضى النفس بما قسم الله لها وقطع الرجاء في المخلوقات كلها وهي كنز الفقير وعز الحقير
وقال صلى الله عليه وسلم الغنى اليأس مما في أيدي الناس وقال أفلح من هدي إلى الإسلام وكان رزقه كفافا وقنع به وقال من قنع بما رزقه الله دخل الجنة
في بعض الكتب المنزلة عبدي خلقتك لي وحدي وسخرت لك الملائكة تقودك إلى
حضرتي بزمام مادمت قانعا مني في عمرك كله بالرغيف وستر العورة فأنت عبدي فإذا طلبت مني فوق ذالك قطعت الحبل بيني وبينك فلا تقدر بعد ذالك على النهوض إلى حضرتي خطوة واحدة من قنع أستراح من أهل زمانه و استطال على أقرانه
قال سيدنا علي كرم الله وجهه من رضي بقسمة الله لم يحزن على ما فاته فالمؤمن قانع بالميسور راض بالمقدور
وانظر أيها المريد إلى الفراش لو قنع بضوء المصباح لم يحترق باقتحامه فيه ونفسه في النار قد لاح وليس القناعة بأكل الشعير ولبس الخشين والطمع أعظم أفات للعبد وربما التبس على الجاهل بالرجاء
قال العلماء رضي الله عنهم الرجاء ما قارنه عمل وإلى فهو أمنية واغترار
وحقيقته تعلق القلب بمحبة الله تعالى : مع الأخذ في العمل
وتأمل أيها المريد قول الله تعالى : ( إن الذين أمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله )
فقد رتب الله الرجاء الصادق على العمل وأما الرجاء الكاذب وهو الذي يفتر صاحبه عن العمل و يغريه على المعاصي والذنوب فليس هو رجاء عند العلماء و لكنه أمنية واغترار بالله وقد ذم الله تعالى : قوما ظنوا مثل هذا وأصبحوا على حب الدنيا والرضى بها وتمنوا المغفرة على الله فسماهم خلفا والخلف الردي من الناس
قال تعالى ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا )
وعلامة الأحمق الرجاء من غير عمل ومنهم من جعله بدعيا ومنهم من جعله فاسقا
وأصل المعاصي قول العبد إن الله غفور رحيم فيطمع في المغفرة والرحمة من غير عمل ومن كان راجيا كثر خوفه بمقدار رجائه وذالك شأن المؤمن يستوي عنده الخوف والرجاء وإلا فهو مغرور وهلا حسن ظنه وقوي رجاءه في إيصال الرزق المضمون له وصدق بأن الله هو الرزاق كما صدق بأن الله غفور رحيم و أستوى عنده حسن الظن في الحالتين وأين غاب عقل هذا القائل وسمعه عن تدبر قوله تعالى  ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولائك هم الفائزون ) وقوله وان ليس للإنسان إلى ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى
وليتدبر العاقل في قوله تعالى  ( فأما من طغى وأثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )
قال صلى الله عليه و سلم أعملوا فكل ميسر لما خلق له
وتأمل أيها المريد قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم : يا صفية عمة رسول الله و يا فاطمة بنت محمد أنقذا أنفسكما من النار فاني لا أغني عنكما من الله شيئا
وقد خاف الصحابة وأكابر العارفين والعلماء العاملين من دخول النار وسوء الخاتمة حتى كادت أن تتفتت أكبادهم من شدة البكاء ولسوء الخاتمة أسباب نعوذ بالله منها مثل البدعة والنفاق والكبر وجملة من الأوصاف المذمومة
وما أدهش الفحول وأذهل العقول إلى قوله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينها وبينه إلى شبر فيسبق عليه كتابه فيكون من أهل النار وأن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينها وبينه إلا شبر فيسبق عليه كتابه فيكون من أهل الجنة
قال صلى الله عليه وسلم : ما أتاني جبريل قط إلا وهو خائف يرتعد من هيبة الله
قال مولانا علي رضي الله عنه تستريح البهائم والطيور والحيتان وأنا مرتهن بعملي
وقال عمران بن حصين رضي الله عنه والله أني لأود أن أصير رمادا تنسفني الرياح عاصفة
و قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لولا الغفلة لمات الخلق كلهم من خشية الله
يمني الإنسان نفسه بدخول الجنة والتنعم بالحور والقصور وهو مستوجب للسعير والثبور 
وقف الفضيل يوم عرفة قابضا على لحيته يبكي من الزوال إلى الغروب وهو يقول و إسواتاه وإن غفرت لي
وكانت رابعة العدوية تبكي وترش دموعها حولها حتى يظن الداخل أن ذالك ماء المطر أو الوضوء
وبعض المطرودين إن سمع هذه الأوصاف أستعظمها وقال لا نقدر عليها نحن ضعاف وفي أمور الدنيا يعمل عمل الأقوياء ويحرض نفسه على تحمل المشاق ويحسب نفسه من الأتقياء  طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وأرتجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور و ارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق
في الزبور يا داوود قل لبني إسرائيل أراكم تتمنون علي الجنة ألأعمالكم الزكية أم لهجرانكم أهل المعاصي من أجلي أم لترككم أكل الحرام كلا سوف تعلمون إذا نقشت الوحوش والبهائم عن زلاتها ثم صارت ترابا
قال الحسن البصري رضي الله عنه أن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم حسنة يقول أحدهم أحسن الظن بربي وهو كاذب إذ لو حسن الظن به لحسن العمل وتلى قوله تعالى  ( وذالكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين )
أيها المريد لا تأمل بطول عمرك وتتمن على الله الأماني بسوء فعلك فأنت تضرب حديد باردا في ذالك فالمؤمن يغرس نخلا ويخاف أن يثمر شوكا والمنافق يغرس شوكا ويطمع أن يثمر تمرا فالمؤمن يكون بين جناحين جناح الرجاء وجناح الخوف كالطير بين جناحيه لأنه مطالب بهما بدليل قوله تعالى ( وأدعوه خوفا وطمعا )  وقوله : ( يحذر الآخرة ويرجون رحمة ربه )
وكان صلى الله عليه وسلم : متواصل الأحزان دائم البشر 
قال الشيخ أبوا الحسن رضي الله عنه وقد أبهمت الأمر علينا لنرجو و نخاف فأين خوفنا ولا تخيب رجائنا
أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
إياكم والطمع في الخلق فهو مضاد لحقيقة الإيمان لأنه تعلق بالناس والتجاء إليهم واعتماد عليهم وعبودية لهم وفي ذلك من المذلة والمهانة لا مزيد عليه والمؤمن لا يذل نفسه إلا لمولاه لو قيل للطمع من أبوك لقال الشك في المقدور ولو قيل له ما حرفتك لقال اكتساب الذل ولو قيل له ما غايتك لقال الحرمان والطامع فاسد الدين مفلس من أنوار اليقين فالعبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع  فأنظر أيها المريد إلى العقاب يطير في فضاء عزه بحيث لا يرتقي طرف إلى مطاره ولا تسموا همة إلى الوصول إليه فيرى قطعة لحم في شبكة فينزله الطمع من مطاره فيعلق بالشبكة جناحه فيصيده صبي يلعب به فكذالك الطامع في الخلق يذل نفسه إليهم حتى يملوا رؤيته ويتجنبوا لقاءه مع ما في ذالك من الإعراض عن باب الله تعالى
إذا أعطشتك أكف اللئام كفتك القناعة شبعا وريا
فكن رجلا رجله في الثرا وهامة همته في الثريا
وأعلم أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
إن منع الله لك هو عين العطاء إليك فإنه لم يمنعك من عدم و لا يخل و إنما هو نظر واختيار وفصل فالعطاء من الخلق حرمان والحرمان من الله إحسان
قيل لبعض العارفين لا تبدين فاقة إلى غيري فأضاعفها عليك فكافاة لسوء أدبك .
وخروجك عن حدك في عبوديتك إنما ابتليتك بالفاقة لتفزع منها إلي وتتضرع بها لدي وتوكل بها علي سبكتك بالفاقة لتصير ذهبا خالصا فلا تزيفن هذا السبك وسمتك بالفاقة وحكمت لنفسي بالغنا فإن وصلتها بي وصلتك بالغنا وإن وصلتها بغيري قطعت عنك مواد معونتي وحسمت أسبابك من أسبابي طردا لك من بابي فمن وكلته إلى ملك  ومن وكلته إلى نفسه هلك

أيها الاخوان المنتسبون إلى الرحمان
اختاروا لمجالستكم إخوانا ولا تخالطوا إلا من كانوا لدينكم أعوانا
قال صلى الله عليه و سلم : لا يصلح المرء حتى يصلح جليسه ما أفلح من أفلح إلا بصحبة المفلحين  ولا فسد من فسد إلا بمخالطة المفسدين
ولا عيش إلى مع رجال قلوبهم تحن إلى التقوى وترتاح للذكر
قال الله تعالى : ( فاعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا)
وقال (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلى المتقين ) وقال : (يوم يعض الظالم على يديه يقول  يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر
أوحى الله تعالى : إلى سيدنا داوود عليه السلام يا داوود كن يقظانا وأرتد لنفسك إخوانا وكل حزب        لا يوافقك على مسرتي فلا تصحبه فإنه لك عدو يقسي قلبك ويبعدك مني
وعن سيدنا عيسى عليه السلام لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم قيل من الموتى قال المحبون للدنيا الراغبون فيها
وقال صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد منه ريحا طيبا وكير الحداد يحرق ثوبك أو بيتك أو تجد منه ريحا خبيثا
وقال صلى الله عليه وسلم  إياك وقرين السوء فإنك به تعرف
وقال أخوف ما أخاف على أمتي ضعف اليقين وضعف اليقين إنما يكون من رؤية أهل الغفلة وأرباب البطالة والقساوة
أوحى الله تعالى إلى سيدنا داوود عليه السلام يا داوود لا تجالس من يحب الرياسة  ولا يصحبك لنفسه
قال بعض الصالحين قلت لبعض الأبدال المنقطعين إلى الله كيف الطريق إلى التحقيق والوصول إلى الحق فقال لا تنظر إلى الخلق فإن النظر إليهم ظلمة.
قلت لا بد لي قال لا تعاملهم فإن معاملتهم خسران وحسرة ووحشة قلت أنا بين أظهرهم لا بد لي من معاملتهم قال فلا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة قلت هذا العلة قال يا هذا تنظر إلى اللاعبين وتسمع كلام الجاهلين وتعامل البطالين وتسكن إلى الهلكى وتريد أن تجد حلاوة الطاعة وقلبك مع غير الله هذا ما لا يكون أبدا
وأعلم أيها المريد أن الاجتماع بالناس محل للغفلات ويورث التكاسل والتوالي في الطاعات.
أختر لصحبتك من أطاعا إن الطباع تشرف الطباعا
فاعرض عما يشغلك عن ذكره أو عن إقامة صلاة في وقتها أو أداء حق من حقوقه
أيها الاخوان المنتسبون للرحمان
لا تغتروا بخلطة المتشبهين الملبسين على العوام بإظهار التنسك والتدين وجمع الناس عليهم وإظهار نصحهم ووعظهم والتهيء للمشيخة من غير استحقاق ولا يدرون واجبا ولا مندوبا ولا ذاقوا شيئا من الأذواق
وعلامة هاؤلاء محبة أنفسهم وإيثار الدنيا والتعالي عن جنسهم و إتباع الهوى والميل إلى الدعوة  وهم بمعزل عن طريق الشريعة  فصحبة هاؤلاء عين فساد الحقيقة لا تصحب أيها المريد من لا ينهضك حاله ولا يذلك على الله مقاله فللمشيخة شروط وإنكارها جحد وقنوط فما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء ثمرة
لا والذي حجت قريش بيته مستقبلين الركن من بطحائها                                         
ما أبصرت عيني خيام قبيلة الاحسبت أحبتي بفنائها
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها                                           
فما أقرب الزنبور للنخل في الشبه وأبعده عنها سرا لمن أنتبه
واعلموا أيها الاخوان المنتسبون للرحمان
إن من تحقق بحاله لم يخل حاضرون منها ومن أراد أن يشم رائحة إنسان فليطلبها من جلسائه والقربان لأن التابع معدود من جملة المتبوع كيفما كان سنة ومبدوع
قال تعالى : حاكيا عن سيدنا إبراهيم عليه السلام فمن تبعني فإنه مني
وقال صلى الله عليه وسلم : سلمان منا أهل البيت من تشبه بقوم فهو منهم ومن رضي فعل قوم فهو شريكهم قال صلى الله عليه وسلم : من أحب قوما حشره الله في زمرتهم  وقال المرء على دين خليله فلينظر الإنسان من يخالل
وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  لو أن رجلا قام بين الركن والمقام يعبد الله سبعين سنة وهو يحب ظالما لبعثه الله يوم القيامة مع من يحب
عليك بأرباب الصدور فمن غدا مضافا لأرباب الصدور تصدرا                                             
وإياك أن ترضى بصحبة ساقط فتنحط قدرا من علاك وتحقرا
وعليكم أيها الاخوان بالعزلة فإنها أجمع للفكرة واعون على الذكر وأسلم للدنيا والدين وراحة للكرام الكاتبين حرام عليك أيها المريد أن تتصل بالمحبوب ويبقى لك في الكون مصحوب وإن أردت أن يكون لك نصيب مما لأولياء الله فعليك برفض الناس إلا من يذلك على الله بإشارة صادقة وأعمال ثابتة لا ينقضها كتاب ولا سنة
قال تعالى : ( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين )
فالناس كالحجارة ما أخطاك خير مما أصابك فالعافية عشرة أجزاء بالقياس تسعة منها في الصمت وواحدة في الهروب من الناس.
أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
قد تغير الزمان حتى كل في وصفه اللسان فلا ترى فيه لبيبا إلا ذا كمد  ولا عاقلا واثقا به أحد ما بقي من العلم إلا الاسم  ولا من الدين إلا الرسم  ولا تواضع في هذا الزمان  إلى لمخادعة ولا زهد إلا لحيلة  ولا أمر بمعروف  ولا نهي عن منكر  إلى لحمية  فالناس اليوم ذياب في ثياب إن استرفضتهم حرموك وإن استنصحتهم غشوك وإن كنت جاهلا لم يرشدوك وإن نطقت قالوا مهدار وإن تغافلت قالوا بليد حمار فمعاشرتهم داء وشقاء  والفرار منهم دواء وشفاء  فهذا زمان السكوت وملازمة البيوت و الرضى بالقوت  كثرة المعارف من سخافة العقل والبلادة  فلا يجد المريد معهم لذة ولا راحة إلا إذا جلس وحده فاجعل الناس كالنار لا تدن منهم إلا عند الحاجة والاضطرار وإن دنوت منهم فكن على حذر  كما تحذر من النار  لأنه ما بقي لأحد رفيق  يساعده على عمل الآخرة  بل يفسدون على المريد قلبه  حتى تصير حلاوته مريرة  فمن خالط العلماء أدبوه  ومن جالس السفهاء أفسدوه  فمن ابتلي بصحبة الأحداث  ولم يفارقهم ولا منهم استغاث  فهو عبد أهانه الله وخذله وعنه شغله وللعقوبة أهل
ولا يحملك
أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
البعد من الناس على إساءة الظن بهم أو تنقصهم  أو اعتقاد الأفضلية عليهم  فإنهم عباد الله وكل ميسر لما خلق له  ومن وجد خيرا فليحمد الله  فعليك بمعرفة العارفين  فإن فيها شفاء الداء الدفين إذ لابد للمؤمن من ممن يربيه و يأخذ بيديه ويرقيه  فمن لم يصادف كاملا يربيه خرج من الدنيا وهو متلوث بعيد من ربه  ولو كان على عبادة الثقلين  إذ من سعادة المؤمن أن يمن الله عليه بمن يدله عليه بلامين 
انظر أيها المريد إلى الشجرة إذا أنبتت بنفسها لا تثمر وإذا أثمرت لا يتم نتاجها  وتكون عرضة للافات كلها
وانظر إلى ما قتله الباري المعلم كيف جاز أكله  و ما قتله غير المعلم لم يجد أكله
يا معشرالمريدين
من لم يصادف مفلحا لا يفلح ومن بين مخصوص ولم يجد في قلبه تعظيما له فلا يصلح ومن كان معروفا ببلوى أو محجوبا بدعوى فلبيك على نفسه بالبكاء الأقوى
واعلم أيها المريد
أنت على الصورة التي تشهد عليها شيخك  فاشهد ما شئت  وانظر ما ترى نفعه يعود عليك  فكما أن القبس لا يورث في الوقود البارد إلا الدخان كذالك لا يتولد من صحبتك للشيخ بغير صدق إلى دعاوي ورعونات عيانا وإذا توجه المريد إلى شيخه في دفع شيء من العوارض الطارئة عليه  ولم يزل ذالك العارض في الحين  فذالك من عدم صدق المريد الحزين وإن لم يهتدي إلى شيخ أصلا  فهو مطرود عن باب مولاه عدلا فجد صدقا تجد مرشدا وعليك بالطريق وعلى الله بالرفيق
واعلموا أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
ان الله تعالى : جعل الشيخ مربيا  لا خالقا ودالا على الله وبه واثقا  ومن لم يهتد إليه فلا ينكر وجوده فيقع في أمر عظيم عليه
نعم هذا : زمان اختفاء أهل الله وذالك أن الله تعالى : سلب التصديق من قلوب الخلق فلا تهزهم الموعظة و لا تذكرهم الآيات اللينة
وإذا لم تر الهلال فسلم  *  لأناس رأوه بالأبصار
إذ لابد في الخلق من محل نظرة الحق  ووجود العارف بين الخلق أمان لهم من قيام الساعة ولا بد للشمس من سحاب  وللحسنى من نقاب  وقد ستر الله أولياءه فلا يظهرهم إلى لمن أكرمه الله سبحانه : وقد قالوا أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون ولولا أن الله يريد ستر أولياءه في هذه الدار لما سلط عليهم أحدا يؤذيهم من الفجار إذا أكرمك الله أيها المريد بمعرفتهم
فلاحظ حقوقهم وراع شروطهم  بأن تكون محبتك لله لا لشيء سواه  وسواء عليك وضعوك أو رفعوك  أو قربوك أو أهملوك  وليكن مقصودك الله  لا يهمك سواه  وطهر قلبك من جميع الدعاوي والأحوال  وألق ما لديك من العلوم والأعمال ولا بد للمريد من شيخ محقق مرشد إلى الله قد فرغ من تأذيب نفسه وتخلص من هواه  يسلم نفسه إليه  ويلتزم طاعته  والانقياد إليه  فقد قالوا من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه
لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلى بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ومن لم يأخذ من أمر له أو ناه يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المقامات
قال الشيخ أبو مدين من لم يأخذ الأدب من المتأدبين أفسد من يتبعه وإنما يكون الاقتداء بولي ذلك الله عليه وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته فألقيت إليه القياد فسلك بك سبيل الرشاد يعرفك برعونات نفسك في كمائنها ودفائنها ويدلك على الجمع على الله ويعلمك الفرار عما سوى الله  ويساريك في طريقك حتى تصل إلى الله  يوقفك على إساءة نفسك ويعرفك بإحسان الله إليك فتفيدك معرفة إساءة نفسك الهروب منها  وعدم الركون إليها ويفيدك العلم بإحسان الله إليك للإقبال عليه والقيام بالشكر إليه  والدوام على ممر الساعات بين يديه
واعلم : أن الشيخ من منح الله وهداياه للعبد المريد إذا صدق في إرادته وبذل في مناصحة مولاه جهد استطاعته وعند ذالك يوفقه الله لاستعمال الأذاب معه لما أرشده على علي مرتبته ورفيع درجته
قال الشيخ أبو مدين الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم  وسرك بالتعظيم  الشيخ من هذبك بأخلاقه وأذبك بإطراقه  وأنار باطنك بإشراقه  الشيخ من جمعك في حضوره  وحفظك في مغيبه  وليس شيخك من سمعت منه  إنما شيخك من أخذت عنه  وليس شيخك من واجهتك عبارته  إنما شيخك الذي سرت فيك إشارته  وليس شيخك من دعاك إلى الباب  إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب وليس شيخك من واجهك مقاله  إنما شيخك الذي نهض بك حاله  شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى  ودخل بك على المولى  شيخك هو الذي مازال يجلوا مرآت قلبك حتى تجلت فيه أنوار ربك  نهض بك إلى الله  فنهضت إليه  وسار بك حتى وصلت إليه  ولا زال محاذيا لك  حتى ألقاك بين يديه فزج بك في نور الحضرة وقال ها أنت وربك
و أذاب المريد كثيرة في كتب الصوفية مسطورة  وها أنا أذكر لك منها ما لابد منه  فشرط المريد أن لا يتنفس نفسا إلا بإذن شيخه  ومن خالف شيخه في نفس سرا أو جهرا فسيرى غيه من غيرما يحبه سريعا  ومخالفة الشيوخ فيما يسترونه منهم أشد مما يكابدونه بالجهر وأكثرلأن هذا يلتحق بالخيانة ومن خالف شيخه لا يشم رائحة الصدق  وإن صدر منه شيء من ذالك فعليه بسرعة الاعتذار و الإفصاح عما حصل منه من المخالفة والخيانة ليهديه شيخه إلى ما فيه كفارة جرمه ويستلزم في الغرامة ما يحكم به عليه فإذا رجع المريد إلى شيخه بالصدق وجاء على شيخه جبران تقصيره بهمته فإن المريدين عيال على شيوخهم فرض عليهم أن ينفقوا من قوة أحوالهم ما يكون جبرانا لتقصيرهم
إياك أيها المريد أن تحقر فعلا يخطر لك إلا أن تلقيه إلى شيخك طاعة كان أو معصية على أي نوع برز لك ولو أختلف عليك ألف مرة في الساعة اختلفت إليه ألف مرة في الساعة ليعلمك الدواء الذي تزعجه به أو يحمله عنك بهمته 
وجاء تلميذ إلى تاج العارفين أبي محمد عبد العزيز المهدوي وفي يده باقلات وقال يا سيدي إني وجدت هذه الباقلات فما أصنع بها فقال له أتركها حتى تفطر عليها فقال بعضهم يا سيدي حتى الباقلات فقال لو خالفني في لحظة من خطراته لم يفلح أبدا
فإذا جوهدت النفس بهذه المجاهدات وقوتلت بهذه المقاتلات  رجعت عن جميع ما لو فاتها لا لدنية وعاداتها الردية وزال عنها النفور والاستكبار  ودانت لمولاها بالعبودية والافتقار  وتزكت أعمالها وصفت أحوالها  وهذه هي خصصتها التي خلقت لأجلها  ومزيتها التي شرفت من قبلها وإنما ألفت سواها لمرض أصابها من الركون إلى هذا العالم الأدنى  والأنس بالشهوات التي تزول وتفنى حتى امتنع عنها ما خلقت لأجله من موجب سعادتها وغاية شرفها وإفادتها فلما تعالجت بما ذكرناه عادت إلى الصحة وإلى طبعها الأصلي فألفت العبودية و التزمتها وصارت بذلك مطمئنة صالحة 
لأن يقال لها  ( يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) 
وعلامة وصولك أيها المريد إلى هذا المقام الحميد 
أن تستوي عندك الأحوال ولا يتأثر باطنك بما تراجع به من قبيح الأفعال والأقوال
ولا يكمل المريد إلى بخدمة شيخه بالنية الخالصة  ودوام صبره  كان بعض المريدين يخدم شيخا مريضا بعلة البطن وكان يأخذ منه الطست طول الليل فغفل مرة فقال له شيخه لعنك الله فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله قال كقوله رحمك الله ويجب على المريد زيارة شيخه الذي يستفيد منه المعارف والعلوم لاسيما إن كان عارفا بدسائس النفس ووصفها المذموم بل يجب عليه ملازمته ولا يفارقه حتى يأذن له  أو تنفتح بصيرته  وليصبر على ما يفعله معه شيخه من إهانة وإعراض فلعله يختبره
كما فعل الشيخ سيدي أبي يعزى مع تلميذه أبي مدين
وكذا سيدي أبو الوفاء مع تلميذه سيدي عبد القادر الجلاني
وليتأمل المريد ما كان يتحامل عليه أبو الخير الذباس وليجلس المريد بين يدي شيخه جلوس متأدب فارغا من علمه وعمله مفتقرا إليه  ظاهرا وباطنا  كثير الأطراف  سميعا بقلبه وأذنيه  لما يلفظ به  وينبغي للمريد أن يكون غضيض الطرف عن عثرات الإخوان  حزنه في قلبه لا يطلع عليه إلا الرحمان  ولا يرى العيب إلا في نفسه  وإن عمله إفلاس  قد شغله عيبه عن عيوب الناس ورحم الله الشيخ أبا مدين حيث قال
ما لذة العيش إلى صحبة الفقرا * هم السلاطين والسادات والأمرا
فاصحبهم وتأدب في مجالسهم  * وخل حظك مهما خلفوك ورا
ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل  * لا علم عندي وكن بالصمت مستترا
وراقب الشيخ في أحواله فعسى * يرى عليك من استحسانه أثرا
واعلم بأن طيق القوم دارسة * وحا من يدعيها اليوم كيف ترى
فا ستغنم الوقت واحضر دائما معهم *واعلم بأن الرضى يخص من حضرا
وإن أتى منك ذنب فاعترف وأقم  *  وجه اعتذارك عما فيك منك جرى
وقل عبيدكم أولى بصفحكم * فسامحوا وجودوا بالعفو يا فقرا
هم بالتفضلا أولى وهو شيمتهم * فلا تخف منهم ضنكا ولا ضررا
و بالتفتي على الإخوان جد أبدا * حسا ومعنى وغض الطرف إن عثرا
ولا ترى العيب إلى فيك معتقدا *لأنه بين لو لم يكن ظهرا
وحط رأسك واستغفر بلا سبب * وقم على قدم الإنصاف معتذرا
متى أراهم وأنى لي برؤيتهم * أو  تسمع الأذن مني عنهم خبرا
من لي وأنى لمثلي أن يزاحمهم *على موائد لم يلفوا بها كذرا
قوم كرام السجايا أينما جلسوا * يبقى المكان على أثرهم عطرا
يهدي التصوف من أخلاقهم طرفا * حسن التصرف فيهم راقني نظرا
فكم تنشقت من أنفاسهم نفسا * أذكى من المسك تنفيسا إذا انتثرا
أحبهم وأدارهم وأوثرهم * بمهجتي وخصوصا منهم نفرا
هم أهل ودي وأحبائي الذين علوا * عمن يجد ذيول العز مفتخرا
لا زال شملي بهم في الله مجتمعا * وذنبنا مغفورا ومغتفرا
بجاه سيدنا المختار صلى عليه الله من صادق أوفى بما نذرا
واعلم أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
إن طريق القوم أساسها الأدب  فمن قام بحقه بلغ مبلغ الرجال وأعالي الرتب  ومن ضيع الأدب رجع من حيث أتى ولو دنى واقترب  وقد قالوا من أساء الأدب في البساط  رد إلى الباب ومن أساء الأدب بالباب  رد إلى سياسة الدواب فبحسن الأدب سادوا  وبحسن الخلق ارتفعوا  مع دوام الذل والافتقار  والخلوة والسهر  ودوام الأذكار وما وصل من وصل  ولا بطريق القوم اتصل  إلا بصدق    لا تصحبه دعوى  ومعرفة تصحبها سكينة  وعلم يصحبه عمل  وما ارتفع من ارتفع  إلا بثلاث لزوم الخدمة  وحفظ الحرمة  ورفع الهمة 
فيد المريد مبسوطة إلى الخلق  وقلبه متعلق بالحق  وإن يقوم بحق الخلق كما أمره الملك الحق فيرحم الصغير  ويحترم الكبير  ويحلم على العاصي  ويشفق على ذي القلب القاسي  ويلزم التواضع للطائع  والإحسان لمن أساء إليه  والدعاء له بالصلاح من غير حقد على  أحد وأن يرفق بنفسه في جده وكده  امتثالا للشرع من غير إفراط ولا تفريط
أيها الإخوان المريدون للرحمان
عليكم بامتثال السنة في الصدور والورود  وقفوا مع الشرع والحدود  ودعوا الخلق وما دفعوا إليه من أنواع التلف  واعذروهم فمراد الحق ما هم عليه  وسيروا بسيرة السلف  وأحبوا الحق وأحبوا أهله وأبغضوا الباطل ومن ارتكبه  وانظروا إلى الخلق بعين الحقيقة  واحكموا عليهم بسيف الشريعة 
وألزموا من الصيام ما استطعتم مثل الإثنين والخميس والجمعة وصيام داوود 
ولا يجعلوا التوغل في دينكم بضاعة  فإنها بيس الصناعة  وما جعل عليكم في الدين من حرج  وخير الأمور أوسطها بدون عوج  وعمل قليل في سنة  خير من عمل كثير في بدعة  فإن الانتفاع على قدر الإتباع
وقالوا المريد كالنحلة ترعى في كل نوار  ولا تبيت إلى في جبحها وإلا فلا ينتفع بعسلها والمريد الصادق لا يرتكب من الأفعال إلا أصفاها 
ولا من الأقوال إلا أهداها و يجانب سوء الظن بعباد الله إلا من كان متمردا على معاصي الله
ومن ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة فيه ولا عتب على من أساء الظن به وحسن الظن وصف المؤمن في كل الخلق ولا يغتر بظواهرهم إلا الأحمق وليلزم المريد العبودية والتعلق بأوصاف الربوبية ويتبع من الأعمال ما صح عن الثقاة،ومن الأقوال ما حققته الرواة ويطعم من غير إسراف  ويطلب باحتياج من غير إلحاف والمؤمن أبدا وصفه العفاف وليحذر المريد من خلطة الفقراء والفقهاء الذين اشتغلوا بالفضول فإن مخالطتهم بعد عن الله وسبب لحرمان الوصول والمريد هين لين كيس ثلثاه تغافل من غير خيانة ولا تعبيس وفي العزلة السلامة لمن لا طاقة بالمخالطة وفيها رفع الملامة لا كن إن كانت بشروطها والقيام بحقوقها  وأكدها حسن الظن في كل الأحوال وأن ينوي السلامة بالاعتزال ليلا يؤذي عباد الله ويضرهم ببعض جوارحه فيحل عليه سخط الله 
قال بعضهم سجنت كلبا عقورا في هذه الخلوة فقيل له ما هو قال نفسي كثيرة العيوب والهفوة والحذر كل الحذر ممن له نسبة من غير تحقيق أو شيخ لم يبن أمره على الكتاب والسنة في الطريق .
مع التسليم لهم فيما ارتكبوه،فإنما لهم أو عليهم ما جلبوه،وقد ذكر أبو العباس ابن البنا ءاداب طريق القوم وأفاد وأطنب وأجاد فقال
وللطريق ظاهر و باطن   *  تعرف منها صحة البواطن
ظاهره الأداب والأخلاق   *   مع كل خلق ماله خلاق
باطنه منازل الأحوال     *    مع المقامات لذي الجلال
والأداب الظاهر للعيان    *   دلالة الباطن في الإنسان
وهو أيضا للفقير سند  *  وللغني رتبة و سودد
و قيل من يحرم سلطان الأدب          *          فهو بعيد ما تدانى واقترب
وقيل من تحسبه الأنساب            *            فإنما تطلقه الأداب
والقوم بالأداب حقا سادوا               *           به استفاد القوم ما استفادوا
إذ نصحوا الأحداث و الأصاغر         *       وحفظوا السادات والأكابر
واجتنبوا ما يولم القلوب              *         وابتدروا المندوب والمرغوب
وخدموا الشيوخ والإخوان           *           وبذلوا النفوس والأبدان
وأنصتوا عند المذاكرات           *           واحترموا الماضي معا والات
و سألوا الشيوخ عما جهلوا              *       ووقفوا من دون ما لم يصلوا
وعملوا بكل ما قد عملوا              *          وأثروا واغتفروا واحتشموا
واحتكموا بالعدل والإنصاف       *            ووردوا كل معين صاف
وبعضهم كان لبعض عونا         *              يلقى إليه عدة وأمنا
أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
من لم يكن له أدب فهو إلى السقوط أقرب
وإن بلغ ما بلغ في العلم وأعالي الرتب فكن مع العلماء بالأدب لصلاح دينك وكمال عملك  وكن مع الصديقين بالأدب لتنال العلم المكنون والسر المصون وكن مع أبناء الدنيا بالأدب لتسلم لك دنياك وإلا أفسدوا عليك الدنيا وزادوا لدينك .
وقد ندب مولانا الكريم عباده للأدب في محكم كتابه الحكيم
فقال تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن اعلم بما يصفون ) وقال ( خد العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين
وينبغي للشيخ أن يعتبر حال المريد ويتفرس فيه بنور الإيمان وقوة العلم والمعرفة التى لديه فمن المريدين من يصلح للتعبد المحض وأعمال النوائب وطريق الأبرار ومن المريدين من يكون مستعدا صالحا للقرب وسلوك طريق المقربين ولكل من الأبرار والمقربين مباد ونهايات فيكون الشيخ صاحب إشراف على البواطن يعرف كل شخص وما يصلح له من المعاملات كما أن الصحراوي يصلح الأرض والغرس ويعلم ما يصلح ذالك وكل صانع يعلم صلاح صنعته حتى المرأة تعلم صلاح غزلها وغلظه ورقته
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الناس على قدر عقولهم ويأمر كل شخص بما يصلح له  فمنهم من كان يأمره بالإنفاق ومنهم من أمره بالإمساك ومنهم من أمره بالكسب ومنهم من قرره على ترك السبب كأصحاب الصفة .
وأما الدعوة فكان صلى الله عليه وسلم يعم فيها كل أحد لأنه مبعوث لإثبات الحجة على الخلق
وينبغي للشيخ أن يكون له خلوة خاصة ووقت خاص لا يسعه فيه معانات الخلق حتى يفيض على جلوته فائدة خلوته وكم من مغرور قانع باليسير من طيبة القلب غافل عما يوصله لحضرة الرب أتخذ المشيخة رأس ماله واغتر بإقبال الناس عليه مع سوء حاله واسترسل في المخالطة وجعل نفسه مناخا للبطالين بلقمة توكل عنده وترفق يوجد منه فيقصده البطالون ولا معرفة له بسلوك المتقين فافتتن وفتن واستغرق في بحر القطيعة وترك الفريضة والسنن فبقى في خطة القصور ووقع في دائرة الفتور وهو بإقبال الناس عليه مغرور فرحم الله قوما فاتوا عرض عليهم التقديم فامتنعوا حتى ماتوا
لما توفى صلى الله عليه وسلم تذكر الصحابة حديث لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح فقالوا له تقدم للإمارة فأنت لها حقيق فقال لا أتقدم على أمة فيها أبو بكر الصديق
ولما قال الصديق لمولانا عمر بن الخطاب  تقدم فأنت أقوى وأولى بالصواب فقال قوتي لك وأنت بها أحق وكيف أتأمر عليك وأنت أفضل من سبق ولحق
فاعتبر رحمك الله أيها المريد   وانظر لهؤلاء السادات كيف قتلوا أنفسهم بدون حديد ولم يتشوفوا للرياسة التي فيها حظ أنفسهم وكيف اعترفوا بالفضل لأفضلهم ورضوا بتقديم من كان له أولى  بل فرحوا به نصيحة وكان في قلوبهم أحلى
فأين هؤلاء ممن تعرض للتقديم وحسن الكلام بلطف ورفق لاستجلاب قلوب القوم  محبة منه في الاستتباع كي يعظم ويحترم وهذا هو حظ النفس بالإجماع لأنها مجبولة على محبة الشهرة وإقبال الخلق والغفلة عن عيوبها وعن طاعة الملك الحق مع أن العارف إذا رأىأن الله بعث إليه المريدين والمسترشدين يحذر أن يكون ذالك ابتلآء وامتحانا فيكون من المطرودين فإذا بلغ الكتاب أجله وتمكن الشيخ من حاله وعلم بتعريف الله له بأنه مراد بالإرشاد والتعليم للمريدين فيكلمهم حينئذ كلام الناصح المشفق كالوالد لولده بما ينفعهم في الدنيا والدين  وكل مريد ساقه الله إليه يراجع الله تعالى في معناه ويسأله أن يتولاه ويكثر اللجا إليه وإذا رأى الشيخ الفضل في الخلوة يخلوا وإذا رءا الفضل في الجلوة مع الأصحاب يجلوا  فتكون جلوته في حماية خلوته  وجلوته مزيد الخلوة  ومن وظيفة الشيخ حسن خلته مع أهل الإرادة والطلب والنزول من حقه فيما يجب من التيجيل والتعظيم للمشايخ واستعماله التواضع بخلاف ما عليه بعض مشايخ أهل زماننا فإنهم يضعون أنفسهم كغيرهم من مشايخ أيمينا لظنهم أن المشيخة قد قصرت عليهم ولا تتعدى لغيرهم وربما حسدوا من كان أهلها وتصدروا بالطعن واحتجوا عليه بأضعف الحجج وأوهاها وذالك إنهم رضوا عن أنفسهم ونسبوا لها الكمال  ولو نظروا إليها بعين الشريعة لأبصروا فيها النقص والخلل قد غشوا أنفسهم وافتضحوا  ولغيرهم ما نصحوا 
قال الجريري وافيت من الحج فابتدأت بالجنيد وسلمت عليه وقلت حتى لا تتبعني ثم أتيت منزلي فلما صليت الغداة ألتفت وإذا بالجنيد خلفي فقلت يا سيدي إنما أبتدأت بالسلام عليك لكي لا تتبعني إلى هنا فقال لي يا أبا محمد هذا حقك وذاك فضلك ومن آدب الشيوخ التنزه عن مال المريد وخدمته والارتفاق من جانبه لأنه جاء لله تعالى فيجعل نفعه وإرشاده خالصا لوجهه إلا أن يظهر لهم في ذلك علم يرد عليه من الله تعالى في قبول الرفق منه أو صلاح ما للشيخ في حق المريد بذلك فيكون التلبس بماله والارتفاق بخدمته مصلحة تعود على المريد فاموثة الغائلة ومن ءادب الشيخ إذا رءا من بعض المريدين مكروها أو علم من حاله اعوجاجا أو أحس منه بدعوى أو  رءا أنه دخله عجب إن لا يصرح له بالمكروه بل يتكلم مع الأصحاب ويشير إلى المكروه الذي يعلم ولا يكشف عن وجه المذلة مجملا هذا هو الصواب فتحصل بذلك الفائدة للكل فهذا أقرب للمداواة وأكثر أثرا لتالف القلوب وأخلاق المشايخ مهذبة بحسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم  وهم أحق الناس بإحياء سنته في كل ما أمر وندب وأنكر وأوجب

أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
من عرف الله عاش ومن غفل عنه طاش  والعاقل عن عيوبه فتاش والجاهل يغدوا ويروح في لاش فلا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنازعوا ولا تجسسوا ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ويسروا  ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا واتفقوا ولا تختلفوا أنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واعلموا أن الإيمان عقد بين أهله من السبب والقرابة عقدا كعقد النسب الملاصق وأن بينهم ما بين الإخوة من النسب السابق والإسلام لهم كالأب والمؤمنون متعاطفون متوادون بعضهم لبعض كالوالد مع الولد كما قال تعالى في حقهم( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين   ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات  و اولائك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
قال بن عباس أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أيهما هلك من قبلهم بالمراء والخصومات في الدين
وتأملوا أيها الإخوان : حديثا ورد عن سيد ولد عدنان قال مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى أوله خير أم أخره .
واعلموا أن المشيخة في كل وقت موجودة  وتكون في زمن واحد متعددة  والطرق كلها واحد ولا كن بعضها أقرب من بعض وأدل تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل،ولا معنى للمشيخة إلا الدلالة على الله
( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا  ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )
فيجب التسليم لهم والدعاء الصالح لهم والتصديق والمحبة فيهم لكونهم نصيحة للعباد  ودلالة لطريق الرشاد،فمحبتهم سلامة ورضوان وبغضهم مقت وخسران ولا تشغل نفسك أيها المريد بالطعن فيهم وتقول محبة شيخي تغني عنهم بل لو أحببت شيخك  لأحببت كل من انتسب إلى مولاك ففي ذلك رضى  الله والا فقد عرضت نفسك لسخط الله  ومن عادته التفريق فهو في بحر القطيعة غريق  ودخل مدخل العطب والضيق وعرض نفسه للتلف والتمزيق  
أيها الإخوان المريدون للرحمان
لا تحملوا طرق المشايخ على الخلاف فالكل على صواب وهدى وبينة من الله بالحق والإنصاف ومن انتسب إلى شيخ دون شيخكم وورد في محبة الله إليكم فأكرموه وعظموه  ووقروه واحترموه ( وما أنا بطارد الذين آمنوا فهاذه سنتي فاقتفوا ولا تهاونوا
واعلموا أيها الإخوان    من عباد الله أن من علامة الإيمان الحب في الله والبغض في الله
وما عليه بعض الناس ليس بصواب من كونه يطرد المريد الذي لم يأخذ عن شيخه وفسد عنه الباب فلا حجة له بين يدى الله إذا واجهه  كيف ومولانا يقول  (  ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )
وسبب الدخول في هذه الورطة الاعتقاد الفاسد بتفريق الطرق حتى أوقعهم في الرعب والقنطة وذالك لعدم العلم والأخذ عن المتشبهين الذين بنوا أمرهم على الهوى  وتصدروا للمشيخة والدعوى فضلوا وأضلوا  وطريق القوم عطلوا  واتخذوا الدين بالحرس والتخمين والغلو فيه ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه
وتأمل رحمك الله في المسجد الذي أتخذوه ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين قد نهى الله عنه رسوله بقوله لا تقم فيه أبدا المسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين.
ولما فتح الله على الخليفة المهاب الناطق بالصواب مولانا عمر بن الخطاب أمر المسلمين أن يبنوا المساجد في الأمصار  وأمرهم أن لا يبنوا في موضع واحد مسجدين لأن ذلك يورث الضرار ولما كان التالف منة من الله ورحمة لهذه الأمة
قال تعالى ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم وكن الله ألف بينهم )
وعلى كل حال من صفت سريرته وصلحت علانيته وكان على بصيرة من ربه .
أحب كل من انتسب إلى الله وفرح بوجود شيخ صادق حاله مع الله وشكر الله على أن عرفه به،وحمده على وجوده وإحياء سنة نبيه به  وانتشار الدين بسببه وظهوره بعد خموده فلا شك أن من كانت هذه نيته ازدادت محبته  وربحت صفقته وطالت خدمته لشيخ ظهر وقته  وإلا عاد عليه مقته لأن الزيادة في محبة الدين لا يبغضها إلى شيطان أو من على طريقته من المطرودين نعوذ بالله من ذلك وسلك بنا أحسن المسالك ولا يدخلك أيها المريد وسواس ولا يحصل لك في المحبة التباس حتى تسوى فيها كل الناس
بل محبة الله من حيث الإيجاد وغيره من النعم وإعطاء حق الربوبية ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم من حيث أنه الواسطة لك في كل نعمة جلت أو قلت فلا تصل إليك نعمة إلى وهي على يده وبوجود طلعته النبوية ومحبة شيخك من حيث أنه عرفك بسنة نبيك وبصرك بعيوبك حتى بان رشدك من غيك ومحبة المؤمنين من حيث أن الله أوجب عليك حقهم بسبب الإيمان كما أوجب عليك حق النسب والقربان نعم يفوق عليهم في المحبة من أطاع الله وأتبع سنة رسول الله ويفوق عليه من كان بهذا الوصف واشترك معك في التربية  وأخذ معك عن شيخ واحد بالكيفية وفقنا الله لما فيه رضاه وفتح علينا فتح من عرفه ووفقه وهداه .
أيها الإخوان المريدون للرحمان
إن الناس قد عرفوكم بالله وأحبوكم لله  وأكرموكم لله ونسبوكم لله ووصلوكم الله  وعظموكم لله ووقروكم لله وخدموكم لله  وقضوا لكم الأغراض لله فانظروا كيف حالكم مع الله فإن خلصت لكم الأعمال وصفت لكم الأحوال وعبدتم للامتثال لا لحظوظ أنفسكم  ولا للرياء والشهرة منكم فما أسعدك وطوبى لكم ثم طوبى لكم وحسن مئاب زلفى لكم،ونعم العمل الذي عملتم والطاعة التي أسلفتم وحقت لكم السيادة ووجبت لكم الحسنى والزيادة كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخلية وحفت بكم الرحمة غطاء ووطاء ووسادة ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا
وإن كنتم بغير هذه الأوصاف وعبدتم الله بدون حق وإنصاف فقد تزينتم بغير زيكم  وتلبستم على الناس بخفاء غيكم ودلستم عليهم بحسن الظواهر وأخفيتم ما انطوت عليه السرائر وأكلتم منهم على وجه الخيانة واغتررتم بنسبتكم لأهل الفضل والرياسة  فيوشك أن يأتي يوم لا مرد له من الله فهنالك تفصح الأعمال بمرءى من الناس والعرض على الله،فاخلصوا الأعمال تنجوا من الفضيحة والأهوال يا من ركن إلى الدنيا بالإقامة والثبات  واتصف بصفات الكرام السادات احذر أسد الموت فإن له وثبات كيف تركن إلى اللذات  وقد جاء في طلبك الممات واعتبر بصر الهالكين ففيه عظات فإن ترد الوصول إلى مقام الأولياء فعادتهم (إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا ) إذا خلا حزينهم أن وشكى وإن تفكر في ذنوبه تضرع وبكى
في بعض الكتب المنزلة وعزتي وجلالي لا يبكي عبد من خشيتي إلا أبدلته ضحكا في قدسي قل للبكاءين من خشيتي أبشروا فإنكم أول من تنزل عليهم الرحمة إذا نزلت قل للمذنبين من عبادي يجالسوا البكاءين من خشيتي لعلي أن أصيبهم برحمتي إذا رحمت البكاءين
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم  اللهم أرزقني عينين هطالتين يبكيان الدمع من خشيتك قبل أن يكون الدمع دما والأضراس جمرا
وقال صلى الله عليه وسلم  ليس أحب إلى الله تعالى من قطرتين قطرة دمع من خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله
و قال كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في سبيل الله وعين يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أتصدق بألف دينار.
أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
إذا تمكن الخوف من أرض القلوب و الضلوع  جرت سواقي الدموع  فسقت بستان الخشية فأزهر بالندم وأثمر بالتوبة
أوحى الله تعالى إلى سيدنا شعيب عليه السلام  يا شعيب هب لي من رقبتك الخضوع ومن قلبك الخشوع ومن عينيك الدموع وادعني فإني قريب فبكى شعيب عليه السلام مائة عام حتى ذهب بصره فرده الله عليه فبكى مائة أخرى حتى ذهب بصره فأوحى الله تعالى يا شعيب ما هذا البكاء إن كان خوفا من ناري فقد أمنتك منها،وإن كان شوقا إلى جنتي فقد ألجتك إياها فقال وعزتك وجلالك يا رب ما بكائي شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك ولا كن عقد حبك في قلبي عقدة لا يحلها إلى النظر إلى وجهك الكريم
فقال الله تعالى إذ كان كذالك فلأبيحنك النظر إلى وجهي و لأبعثن إليك عاجلا عبدا من عبادي يخدمك عشر سنين ثم أجعله كليما ببركة مناجاتك .
ءاه على قلوب أذابها حر الغليل ءاه على نفوس أفناها البكاء والعويل  ءاه على جوارح قابلت بفعلها القبيح الفعل الجميل ءاه على أكباد لم تتقطع خيفة من الملك الجليل  ءاه على قلوب لم تتفكر في يوم الموت والرحيل  ءاه على جنة عدن وظل ظليل  ءاه على قساوة سلكت بالقلب إلى النار وبيس السبيل  ءاه على شراب من سلسبيل ءاه على قلب بالذنوب عليل
أما ءان لك أيها المريد أن تقلع عن هواك أما ءان لك أن ترجع إلى باب مولاك أنسيت ما خولك وأعطاك أما خلقك فسواك أما عطف عليك القلوب وبرزقه غذاك أما ألهمك إلى الإسلام وهداك أما قربك بفضله وأدناك أما إحسانه في كل طرفة عين ينساك فلا ينبغي لك أن تقابل ذالك بالغفلة وركوب الشهوات والمبادرة بالخطايا والزلات أما ءان لك أن تستحيي ممن شاهدك على المعصية ورءاك  فما هذا الحرمان والبعد من مولاك فقد نقضت عهده وعصيت أمره فإن عدت إليه قبلك وأرتضاك وإن تضرعت إليه قربك ودناك قال صلى الله عليه وسلم ما من عبد يخرج من عينيه دموع وإن كانت مثل رءوس الذباب من خشية الله تعلى فتصيب شيئا من حر وجهه إلا حرمه الله على النار
أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
ما هذه الغفلة وإلى الله المصير وما هذا التواني والعمر قصير وإلى متى هذا التمادي في البطالة والتقصير وما هذا الكسل وقد أنذرك النذير خلفكم والله عن باب الحبيب سوء التدبير  يا هذا إلى متى تتبهرج والناقد بصير يا هذا جولانك في البطالة حيرك وركونك إلى اغترارك غيرك  أنسيت مصرعك في القبر لا بد لك وقد سود العصيان قلبك وبدلك فبادر رحمك الله فالأمر شديد وتدارك في بقية عمرك فالندم بعد الموت لا يفيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك ما كنت منه تحيد أين أحبابكم الذين سلفوا أين أترابكم الذين انقرضوا وانصرفوا أين أرباب الأموال وما خلفوا قد ندموا على التفريط يا ليتهم عرفوا عجبا كلما دعيتم إلى الله تواليتم وكلما حركتكم المواعظ إلى الخيرات أبيتم وتماديتم يا من جسده حي وقلبه ميت فكم حذرتك وما أنتهيت ستعاين عند الحسرات ما لا تريد وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك ما كنت منه تحيد أنتبه يا هذا فالدنيا أضغاث أحلام،ودار الفناء لا تصلح للمقام ويحك أما علمت أنك ترحل إلى الآخرة في كل يوم مرحلة أما علمت أنه يحصى عليك من الأعمال خرذلة يا معرضا عن الله إلى متى هذا الإعراض وقد ولى شبابك في طلب الأغراض أما علمت أن عمرك في انقراض  وأساس بنيانك كل ساعة في انتقاض تزود فالسفر والله بعيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك  ما كنت منه تحيد  إلى متى وأنت تجلس في المجالس وقلبك غائب في الأسباب .
وإلى متى وأنت تسمع المواعظ وما عزمت على المتاب كستك المعاصي ظلمة الحجاب  وأغلق الهوى في وجهك الأبواب نح على نفسك فربما ينفعك النوح والتهديد وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك ما كنت منه تحيد  واعلم أنك مسئول عما فعلت في الزمان  ومحاسب على خطوات القوم وهفوات اللسان،وتشهد عليك الجوارح والأركان وإن الموت لك بالمرصاد وأنك مسئول عن النقير والفتيل في يوم المعاد .
أ يها الإخوان المريدون للرحمان
كم تحملوا أحمال الأوزار وهي ثقال وكم تبارزون بالمعاصي ذا الجلال
وكم تتعللون بالتسويف والآمال وكم تتبعون الشهوات وهي خيال وكم تطمعون في البقاء وقد دنا الانتقال وكم قيدتم الأماني من التواني بالأغلال وكم أنذركم من رحل من الأحباب بالارتحال أين من حصن الحصون وشيدها  أين من جمع الأموال وعددها  أين من عمر الحدائق وغرسها وأين من قاد الجيوش وساسها أزعجه والله هادم اللذات من غير اختياره وأخرجه كرها وداره ولم يمهله ساعة ولم يداره وقطعه عن ءامله واوطاره وحال بينه وبين أعوانه وأنصاره كم من دموع من الأسف عند الحمام سواكب على ما مضى في أيام البطالة من المصائب وقد شابت في الشهوات الذوائب فياله من يوم لا ينفع فيه الحبائب ولا يغني النائح والنادب قضي الأمر فما ينفع العتاب للمعاتب يا مغتر با لأمال رب أمل خائب كيف ينام المطلوب ولا ينام عنه الطالب ستدري في ظلمة اللحد عاقبة العواقب وما أمليت من أعمالك على الكاتب وبعده هول الموقف بين يدي المحاسب ويبدوا لكل مسوف أمله الكاذب هنالك والله تضيق المذاهب وتبدوا الخيبة والحسرة والمصائب فاغتنموا الخير في أيام أعماركم الفانية فسيندم أهل القلوب القاسية  على التفريط في الأيام الخالية فمروا على القبور واعتبروا وتفكروا في أحوالهم وانظروا،فإنهم يتمنون العود وهيهات ويسالون التدارك وقد فات .
تأهب أيها المريد فإنك مطلوب وخلص نفسك من أسر الذنوب وتذكر بقلبك يوما تتقلب فيه القلوب فسيأتيك منكر ونكير  ويقوى الشهيق والزفير ويلقى العبد ما أسلفه وينساه من خلفه فهناك تثقل على الظهر الأوزار  ويؤخذ الكتاب باليمين أو باليسار وليس لأحد هناك قرار إلا الجنة أو النار فبادروا بالتوبة قبل أن تعاينوا هذه الأهوال وتشهدون وانذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) كأني بكم وقد بلغكم اليوم الموعود وغا فصكم ما لم تفدوا منه بوالد ولا مولود مقام تشهد عليكم فيه الألسنة والجوارح والجلود فما الذي أعددتم من الطاعة قبل مرارة الموت وما الذي قدمتموه من زاد التقوى قبل حلول الفوت وما الذي حجب أسماعكم عن المواعظ والصوت فتداركوا ما فرطتم فيه في أيام البطالة فسيلقى كل عامل منكم أعماله يوم يستقيل المرء فلا يجاب إلى الإقالة ويعض أنامله بالندم على الضلالة فيا لها من حسرة ما أهولها ورقدة في التراب ما أطولها فبالله عليكم نوحوا على أيام الغفلات وبالله عليكم تفكروا في مصارع الأموات ليت شعري ما جوابكم يوم الحيرة وقد أنقطعت الآمال واشتدت الحسرة إذا نودي هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيتعذرون يا هذا إلى كم تضحك ونوادب الحمام تبكي عليك أسفا  غيرك يا محروم على الجادة وأنت على شفا  ستبكي على زمان الوصال وما صفا عينك أيها المريد مطلقة في الحرام ولسانك منهمك في الآثام وجسدك يتعب في كسب الحطام وأنت تحسب نفسك من جملة السادات الكرام الذين نظروا بعين البصائر وعمل كل منهم لما هو إليه صائر هجروا المنام وقاموا في الدياجي الدياجر وغسلوا الوجوه بدموع المحاجر فأعجهم ما يتلونه من القران من الزواجر فقف بالباب وقوف النادم ونكس رأس الذل وقل عبد ظالم ونادي في الأسحار أنا المذنب الهائم وقطر دموعا على الخدود بالصدق والعزائم وتشبه بالقوم وإن لم تكن منهم فزاحم .
يا أيها العبد المريب إلى متى يدعوك مولاك وأنت معرض لا تجيب وكم يتعرف إليك بإحسانه وأنت تبارزه بالمعاصي وعليك منه رقيب بادر بالتوبة إلى بابه فهو منك قريب  وأسأله التوفيق والهداية فإنه لداعيه مجيب  وتضرع بين يديه فإنه حاضر لا يغيب الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .
من لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ لقد وعظتنا الظهور بمر الليالي والأيام والشهور ورأينا الحزن عقب السرور وعلمنا أن الزمان بأهله عثور وتيقنا أن ءاخر الأمر إلى القبور فالعامل بالتقوى مشكور والمنهمك في شهواته مغروركم كسفت الدنيا من بدور وكم أخلت من أهلها من دور وقصور أعمي في الأبصار أو هي عور فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
أيها الإخوان المريدون للرحمان
إذا كان صفاء المواعظ لا يؤثر في قلوبكم الكدرة ومعاول التخويف ولا تقطع في نفوسهم المتجبرة فهذا كلام ربكم يتلى عليكم في آياته
المطهرة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره يا غافلا عما نهاه مولاه وأمره يا مضيعا في البطالة عمره إلى متى تلهوا وذنوبك مكتوبة مسطرة كيف بك إذا شاهدت السماء منفطرة وحافظك قد أحصى ما عملت وحصره فاغتنم الخير فالأيام معدودة وانتهز الفرصة فأوقات السلامة مشهودة فكأني بك وقد بدلت الصحة بالسقم وعدمت العافية وجرى بالبلاء القلم .
وانقضى العمر كما قضى الله وحكم وأقبل الموت الذي قدره الله وحتم وبلغت الروح التراقي فنسيت لذة النعم وتحسر القلب لفراق الأحباب وأظهر الدمع ماكتم وما كانت إلا ساعة حتى ذهبت الروح وسكن الألم ثم تنقل إلى منزل وعد شديد الظلم فيا أسفى إن جازاك مولاك بالمعاصي وانتقم ويا تعسا لك إن زلت عن الصراط بك القدم فهذه المواعظ أين الاستعداد أين من يزرع الخير في دنياه ويحمد في عقباه الحصاد ما ينقص ما من صدقة بل يزداد أين الذين كنزوا الكنوز وعمروا البلاد أين الذين قادوا الجيوش واستعبدوا العباد أين من بنى وشاد أين الأباء والأجداد
أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
لا إيمان لمن لا محبة له،ولا دين لمن لا عهد له قال صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وان يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .
وقال صلى الله عليه وسلم من أحب الله تعالى فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرءان ومن أحب القرءان فليحب المساجد فهي أبنيته أذن الله تعالى برفعها وتطهيرها وبارك فيها فهي ميمونة ميمون أهلها محبوبة محبوب أهلها فهم صلاتهم والله تعالى في حوائجهم وهم في مسجدهم والله تعالى في نجح مقاصدهم
وكان من دعاء سيدنا داوود عليه السلام اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد .
واعلموا أن المحبة عروس ومهرها النفوس  ولها تخضع الرقاب والرءوس فهي تجلى على الأسرار وتصفوا بها الأكدار للعارف نور وللجاهل نار إذا مزجت خمرة المحبة على أهل الصفا حنت إليها قلوب أهل الوفا فالذكر  ألحانها والتوحيد ريحانها والشكر ترجمانها والهيبة سلطانها فلو وضعت نقطة منها على الجبال لاندكت ولو جعلت منها قطرة في البحار لعذبت ولو وضعت منها نقطة في القلوب لاحترقت فأهل المحبة فتحت لهم أبواب جنة الوصال يتنعمون فيها بالغدو والأصال والحبيب يتجلى عليهم بلا حجاب وملآئكة السرور يدخلون عليهم من كل باب  وكانوا حياتهم يتلون الكتاب فطوبى لهم وحسن مئاب والذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب متكئون فيها على الأرائك ونعم الثواب .
وإذا أراد الله بعبده خيرا قلب أرض قلبه بمحراث الخوف وبذر فيها حب الحب وسقاها بماء الدمع فأنبتت زرع يحبهم ويحبونه فسبحوا في بحر حبه وعاموا ولازموا الخدمة على بابه وقاموا وواظبوا على امتثال أوامره وداموا وتولهوا فيه فلأجل ذلك سهروا في الليل ولم يناموا فإذا ماتوا شوقا إليه لم يلاموا.
واعلم أيها المريد : المطلوب أنه إذا سرى نسيم المحبة إلى مسام القلوب ارتاحت إلى لقاء المحبوب فسمعت المناجات في الأسحار لأهل القلوب والأسرار فكل أجاب على ما حصل له من الأحوال المترجمة على لسان الحال أيها الحزين علينا كيف وصلت إلينا قال ركبت جوا د توكلي عليه واشتياقي إليه فما شعرت إلا وأنا بين يديه أيها الخائف من الفوت كيف رأيت الموت قال استعذبت التعذيب في رضى الحبيب فرأيت فضله علي سابق  وجوده في لاحق فكيف لا أرجوا أن أنجو وأنا برحمته واثق.
أيها الزاهد كيف عهدك بتلك المعاهد قال سمعته يقول في الذل والإنفاق ما عندكم ينفد وما عند الله باق فتركت ما عندي لما عنده وغمضت عيني عن الفاني فإذا أنا عنده
أيها المحب لنا كيف كان اتصالك بنا قال وهل كانت الأشربة شربتها في حضرة يحبهم فسكرت بها في خلوتي ويحبونه فما أفقت من ذلك المشروب إلا بمشاهدة المحبوب.
وعلامة المحبة أن يترك مراده لمراده ولا يوثر عليه شهوته فالمحب لا يعصي أمر محبوبه بل يكون عند أمره ونهيه.
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى ءات فلما دنا منا ورءا جماعتنا أناخ راحلته ثم مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أوضعت راحلتي من مسيرة تسع وسيرتها إليك في ست وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري لا أسألك إلا عن إثنين أسهرتاني فقال ومن أنت فقال أنا زيد الخيل
فقال بل أنت زيد الخير سل فرب معضلة قد سئل عنها.
قال جئتك أسألك عن علامة الله فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بخ بخ  كيف أصبحت يا زيد قال أصبحت أحب الخير وأهله وأحب أن أعمل به وإذا فاتني حننت إليه وحزنت عليه وإذا عملت عملا قل أو كثر أيقنت بثوابه .
قال هي بعينيها يا زيد ولو أرادك الله لأخرى هيأك لها ولا يبالي في أي واد هلكت.
قال زيد حسبي حسبي ثم ارتحل ولم يلبث.
وقال صلى الله عليه وسلم لحارثة كيف أصبحت يا حارثة.
قال أصبحت مؤمنا حقا.
فقال صلى الله عليه وسلم إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك.
قال عزفت نفسي عن الدنيا واستوى عندي ذهبها ومدرها وكأني أنظر إلى القيامة قد قامت وعرش ربنا بارز.
فقال صلى الله عليه وسلم عرفت فالزم.
ودخل معاد بن جبل رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له كيف أصبحت يا معاذ  قال أصبحت بالله مؤمنا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل نعيم يعدل ذلك عندي وأي شرف أشرف منه عندي فو عزتي وجلالي لأشفين صدره من النضر إلي وذلك إني محب لمن أحبني.
وأوحى الله تعالى إلى سيدنا داوود عليه السلام يا داوود أحببني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي .
فقال يا رب أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى عبادك
قال ذكرهم ءالائي ونعمائي فإنهم لا يعرفون مني إلا الحسن الجميل
ومن علامة المحبة حسن الظن بعباد الله وحب الخير لهم والسعي في مصالحهم وإرشادهم والدعاء لهم ودليل فلاح المريد أن يطيب كلامه وأن يذكر الغائب بخير
قال صلى الله عليه وسلم خصلتان لا شيء من الخير فوقهما حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله وخصلتان لاشيء من الشر بعدهما سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله وإذا أردت أن تعرف ما انطوت عليه سريرتك من خير أو شر فانظر كيف تجد الناس عندك فإن كنت تظن فيهم الخير فأنت من أهل الخير وإن كنت تظن فيهم الشر فأنت من أهل الشر وإن كنت تظن الخير في البعض دون البعض عرفت من نفسك التخليط لو وضعت عبادة الإنسان طول عمرة في كفة وسوء الظن بمسلم واحد في كفة لرجح سوء الظن والعياذ بالله .
ومن علامة المحبة النشاط في طاعة الله من صلاة أو صيام أو صدقة أو ذكر بأن يجد خفة ذلك على الجوارح وسرعة النهوض إليها كما قيل
إذا وصلت المعاملات إلى القلوب استراحت الجوارح.
وإذا أحلت الهداية قلبا*نشطت للعبادة الأعضاء
فإذا أشرق نور الإيمان في القلب انبعثت أشعته في الجوارح فقويت بإذن الرب وخفت عليها الأعمال وصارت محمولة في سفينة المحبة تجري بها رياح الشوق إلى الوصال على وجه الاضطرار لا على وجه الاختيار اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم.
أوحى الله تعالى إلى سيدنا داوود عليه السلام يا داوود ان أحب أحبائي إلي من عبدني لغير نوال بل ليعطي الربوبية حقها ومن اظلم ممن عبدني لجنة أو نار يا داوود إنما خلقت النار سوطا لأسوء عبادي أسوقهم بها إلى خدمتي وخلقت الجنة لأصلح عبادي أوصلهم بها إلى جواري وقربي يا داوود لو لم اخلق جنة ولا نارا ألم أكن أهلا لأن أطاع وأعبد محبة في.
قال صلى الله عليه وسلم نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه
وإذا استولت ظلمة المعاصي على القلب كسلت الجوارح .
وانظرأيها المريد الراجي من مولاه المزيد
إلى المحبين في الدنيا يسقط لأحدهم درهم فيظل حزينا عليه يقول إنا لله وإنا إليه راجعون وينقص من دينه ما هو خير وأبقى من صلاة الجماعة في المسجد وغير ذلك من الأعمال الصالحات ولا يحزن وهو في ذلك مغرور
فإنها لا تعمى الأبصار ولا كن تعمى القلوب التي في الصدور لو كانت محبة لاسرع في الطاعة ولا كن من عدمها مات قلبه وحسب من الأموات
واعجبا للناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه.
قال تعالى كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وسيندم الإنسان حيث لا ينفعه الندم يوم تبلغ القلوب الحناجر أف للذة بعدها النار وشهوة تعقبها الندامة والعار.
قال مولانا علي رضي الله عنه لا شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار عافية.
وتأمل أيها المريد في قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقائه.
وانظر إلى سيدنا بلال رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قالت له امرأته وحزناه فقال بل وأطرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه .
فها كذا تكون المحبة الواجبة هانت عليهم الدنيا الفانية واشتاقوا إلى الدار الباقية ما علق الحب بقلب أمريء ولا حل إلا تلاشى واضمحل
فالحب حرفان حاء وباء فحاؤه حتف وباؤه بلاء وهو في الحقيقة دواء وشفاء فأوله فناء وءاخره بقاء وظاهره تعب وعناء وباطنه سرور وهناء وهو لمن جهله شقاء ولمن عرفه شفاء
فالناس في المحبة على أنواع وأجناس ومحبوا الله هم خلاصة الناس فالمحب بين يدي محبوبه قائم ولخدمته ملازم وفي حبه هائم فما عليه من عتب العاذل واللائم وللمحبة رجال ما تركوا في قلوبهم لغير محبوبهم مجال فما في المحب عضو ولا جارحة إلا وعليه شواهد المحبة لائحة فالألسن قد شغلها أنيس فاذكروني اذكركم والإسماع منصتة لاستماع كلام الحبيب بالحان
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب والأبصار شاخصة لانتضار وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة والأبدان قائمة بوظيفة إياك نعبد وإياك نستعين والقلوب مرتبطة برابطة يحبهم ويحبونه والأسرار مستغرقة ومشاهدة شاهد ومشهود والأرواح ترتاح لأذكارفروح وريحان فما للعارف غفلة عن مشهوده ولا للعابد فترة عن معبوده وإذا سكنت المحبة في القلوب أنارت بأنوار المحبوب فأثرت وأثمرت في القلب سبعة أشياء لا يتم مصباح معرفة الرب إلا بها
إخلاص النية لله والخوف من الله ورجاء ثواب الله والصدق مع الله والتوكل عليه وحسن الظن بالله والشوق إلى الله.
فإن أردت يا هذا إيقاد مصباح قلبك بمشاهدة ربك فلا بد من زناد المجاهدة وحجر المكابدة وحراق الأشواق وكبريت المحبة ومسرجة التوكل وزيت الشكر وفتيلة الصبر ثم تعلق المصباح في سلاسل التضرع إلى  ربك فعند ذاك يتوقد نوره في قلبك فتشاهد جمال ربك

أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
اعلموا أن الله أمر عباده المؤمنين بكثرة الذكر وإدامة التسبيح فقال يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا أبي بالليل والنهار وفي البر والبحر وفي الحضر والسفر وفي الغنا والفقر وفي الحصة والسقم وفي السر والعلانية وعلى كل حل وكل فريضة لها حد معلوم وعذر يسقطها إلا الذكر .
قال تعالى ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) وقال صلى الله عليه وسلم من أكثر ذكر الله أحبه الله وقال تعالى  ( واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) وقال ( فاذكروا الله كذكركم ءاباءكم أو أشد ذكرا ) وقال ( إنما المومنون الذين إذا ذكروا الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءايته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) وقال ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وقال ( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ).
وفي الحديث لا يذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملإ من ملائكتي ولا يذكرني في ملإ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى.
وهذا الحديث حجة على المنكرين الجهر بالذكر لمن انتصف واعترف بالحق وازدجر ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمران بضم الجيم وسكون الميم فقال سيروا هذا جمران سبق المفردون قالوا وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا رواه مسلم .
وفي رواية الترمذي قيل وما المفردون قال المستهترون بذكر الله يضع عنهم الذكر أثقالهم خفافا.
والمفردون بفتح الفاء وكسرالراء المشددة والمستهترون بفتح التاءين المثناتين فوق المولعون بذكر الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين مثل شجرة خضراء في وسط شجر يابس وذاكر الله في الغافلين يريه الله مقعده في الجنة وهو حي وذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين ينظر الله إليه نظرة لا يعذبه الله بعدها أبدا وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وأعجم أي بعدد البهائم وبني ء آدم وذاكر الله في السوق له بكل شعرة نور يوم القيامة.
قال سيدنا موسى عليه السلام  : يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله إليه أنا جليس لمن ذكرني فقال    يا رب إنا نكون على حال لم يحملك أي لم نذكرك كالجنابة قال اذكرني على كل حال ويكفي الذاكر المنزلة العظيمة الشان التي أفصح بها محكم القرءان فقال ( اذكروني أذكركم ) .
ولا شرف مثلها يا مريدين فدونكم فمن أفضل وأشرف ممن ذكره الله واحذنا إذا سمع أن الملك ذكره يطير قلبه فرحا ويكتسب بذكره شرفا فما ظنك أيها المريد بمن ذكره أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
قال سيدنا موسى عليه السلام : يا رب أين تسكن قال في قلب عبدي  المومن وفي رواية ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المومن.
قال محمد بن الحنفية إن الملائكة يغضون أبصارهم عن ذكر الله كما تغضون أبصاركم عن البرق .
وفي الحديث إن العبد يأتي إلى مجلس الذكر بذنوب كالجبال فيقوم من المجلس وليس عليه شيء منها.
وقال صلى الله عليه وسلم ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلى وجهه إلا ناداهم مناد من السماء إن قوموا مغفورا لكم فقد بدلت سيئاتكم حسنات.
وفي رواية عن أبي الدرداء قال صلى الله عليه وسلم ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء فجثى أعرابي على ركبتيه وقال اجلهم يا رسول الله أي صفهم لنا قال هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد ومائن شتى يجتمعون على ذكر الله تعالى يذكرونه.
وفي الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني.
وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون.
وقال صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة يا رسول الله قال حلق الذكر.
وقال صلى الله عليه وسلم لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده
وفي هذا كفاية للمنتقدين على أهل الله القائمين بسنة رسول الله من إنكارهم على الاجتماع ورفع الصوت بالذكر حتى حسبوا ذلك من البدع ولا كن فيهم طبق الخير وظهور المعجزات بأخبار سيد البشر عن هذه المغيبات في القدر بقوله كيف بك إذا تركت بدعة قالوا ترك سنة وإن فعلت سنة قالوا فعل بدعة.
و في الحديث القدسي من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق سؤال السائلين.
وقال صلى الله عليه وسلم ما من ادمي إلا لقلبه بيتان في أحدهما الملك وفي الآخر الشيطان فإذا ذكر الله تعالى خنس الشيطان وإذا لم يذكر وضع الشيطان منقره في قلبه ووسوس له
وقال صلى الله عليه وسلم ما من ساعة تأتي على ابن ءادم لا يذكر الله عز وجل فيها إلا كانت عليه حسرة وإن دخل الجنة.
واعلم أيها المريد للإله
إن القلب الغافل عن ذكر الله تكثر فيه الخواطر الرديه والوساوس والأوهام الذميمة كالبيت المظلم تسكنه الحشرات وتنسج فيه العنكبوت.
قال تعالى( ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين )
والقلب إذا منع من الذكر مات لأن الذكر صقالة للقلوب وحياة.
وقال صلى الله عليه وسلم ما من صيد يصاد ولا شجرة تعضد إلا لغفلتها عن ذكر الله.
وفي رواية ما صيد صيد ولا قطعت شجرة     إلا لتضييع التسبيح وكل مصيبة سببها الغفلة عن الله إلا ما وقع للأكابر فإنهم أقوياء وجعل الله مصائبهم تعظيما لأجورهم لأن ثواب المعصية أعظم من ثواب العبادة.
قال صلى الله عليه وسلم ما عمل ءادمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات .
وفي رواية لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها وءاخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل
وفي الحديث القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير من ملإه
وقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربون أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله.
وقال صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت.
وقال صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
وقال صلى الله عليه وسلم ما من قوم جلسوا مجلسا وتفرقوا منه ولم يذكروا فيه الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله.
وقال صلى الله عليه وسلم ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت عليهم ولم يذكروا الله تعالى فيها.
وقال أكثروا ذكرالله حتى يقولوا مجنون. وقال صلى الله عليه وسلم لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل عليه السلام.
وفي الحديث التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال اتخذوا جننا فقالوا يا رسول الله من عدونا وقد أظلنا قال لا ولا كن من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن ياتين يوم القيامة لهن مقدمات ومؤخرات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات.
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه أرايتم ما عندكم من الثياب والأنية ثم وضعتم بعضه على بعض أكنتم ترونه يبلغ عنان السماء قالوا لا يا رسول الله قال أفلا أدلكم على شيء أصله في الأرض وفرعه في السماء قالوا بلى يا رسول الله قال يقول أحدكم إذا فرغ من صلاة الفريضة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثين مرة فإن   أصلهن في الأرض وفرعهن في السماء وهن يدفعن ميتة السوء وكل بلية تنزل من السماء على العبد في ذلك اليوم وهن الباقيات الصالحات
وقال صلى الله عليه وسلم أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة من كانت عصمته شهادة أن لا إله إلا الله ومن إذا أنعم الله عليه بنعمة قال الحمد لله ومن إذا أصاب ذنبا قال استغفر الله ومن إذا أصابته مصيبة قال إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال صلى الله عليه وسلم لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
وعن الأعمش عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم ثم يرتفعون إلى السماء فيقول الله تبارك وتعالى أي شيء تركتم عبادي يصنعون فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويسبحونك فيقول الله تبارك وتعالى وهل رأوني فيقولون لا فيقول جل جلاله كيف لو رأوني فيقولون لو رأوك لكانوا أشد لك تسبيحا وتحميدا وتمجيدا فيقول لهم من أي شيء يتعودون فيقولون من النار فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول تعالى فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد هربا منها وأشد فرارا فيقول الله عز وجل أي شيء يطلبون فيقولون الجنة فيقول تعالى وهل رأوها فيقولون لا فيقول تعالى فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا فيقول جل جلاله اني أشهدكم اني قد غفرت لهم فيقولون كان فيهم فلان لم يردهم إنما مر لحاجة فيقول الله عز وجل هم القوم لا يشقى جليسهم
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال خذوا جنتكم فقالوا يا رسول الله من عدو حضر قال لا بل من النار قالوا وما جنتنا من النار قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها الإخوان المريدون للرحمان
اجعلوا حصنا لأنفسكم يحوط بكم ويقيكم فإن الله تعالى يقول لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي فأكثروا من ذكرها رحمكم الله فإنها أفضل ما قالته الأنبياء ورسل الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الجنة لا إله إلا الله
وقال صلى الله عليه وسلم عليكم  بلا لا إله إلا الله والاستغفار فأكثروا منها فإن إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب واهلكوني  بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ويحسبون أنهم مهتدون
وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بهذه الخمس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم  لو يعلم المذنبون ما في قول لا إله إلا الله محمد رسول الله لأكثروا من ذكرها فإن الليل والنهار أربعة وعشرون ساعة وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله أربعة وعشرون حرفا كل حرف منها يكفر ذنوب ساعة.
عجبت لمن ابتلي بأربعة كيف يغفل عن أربعة من ابتلي بالضر كيف ينسى أن يقول رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين والله تبارك وتعالى يقول فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر.
وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف ينسى أن يقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين والله تبارك وتعالى فاستجبنا له ونجيناه من الغم كذالك ننجي المومنين
وعجبت لمن خاف كيف ينسى أن يقول حسبي الله ونعم الوكيل والله تبارك وتعالى يقول فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.
وعجبت لمن مكر به كيف ينسى أن يقول وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد والله تبارك وتعالى يقول فوقاه الله سيئات ما مكروا.
والذكر على قسمين ذكر قلبي وهو دوام الحضور مع الله.
وذكر لساني وليس للعبد ترك الذكر باللسان لعدم الحضور فيه فإن الغفلة عنه أشد من الغفلة فيه ، فعسى الله إن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز
وللذكر بداية وهي توجه صادق  وله وسط وهو نور طارق وله نهاية وهي حال خارق  وله أصل وهو الصفا وفرع وهو الوفا وشرط وهو الحضور وبساط وهو العمل الصالح  وخاصية وهو الفتح المبين وإذا أراد الله يوالي عبدا فتح له باب الذكر فإذا استلذ بالذكر فتح له باب القرب ثم رفعه إلى مجالس الأنس ثم أجلسه على كرسي التوحيد ثم رفع عنه الحجاب وأدخله دار الفردانية وكشف عنه الجلال والعظمة فإن نظر الجلال والعظمة بقي بلا هو فيصير فانيا بريئا من دعوات نفسه محفوظا بالله .
فعلى المريد أن لا يجلس ولا يقوم ولا ينام ولا ينتبه إلا على ذكر الله تعالى ويشغل به لسانه عن الهدر وقلبه عن الأوهام والخواطر الردية وكثيرا ما ورد من الأحاديث فيما يذكر عند النوم وعد الانتباه وفي الصباح وفي المساء وعند دخول المنزل والمسجد والخلا والخروج منها وعند الخوف والهم والحزن والمرض والسفر والأياب وعند سماع الأذان والإقامة والدخول في الصلاة وبعد السلام منها وبين صلاة الفجر والصبح وبعد صلاة المغرب والوتر إلى غير ذلك مما هو معلوم وفي كتب العلماء مرسوم .
ومن أراد أن يستوفي ذلك فعليه بمطالعة كتب العلماء الكبار وهذه رسالة محمولة على الاختصار
وعليك أيها المريد الصادق بالقيام بالوفاء بعهدك الواثق من الاعتناء بوردك الموظف بالكيفية المعلومة مع الاضطرار واللهف فإن داومت عليه تدرك العز الأبدي و الغنا السرمدي ففي وردك الفضل الذي لا يحصى والخير الذي لا يستقصى من قراه مرة واحدة كتب الله له عبادة ألف سنة ومحى عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وغفر الله له وإن كان قد فر من الزحف وكتب عند الله صديقا .
ومن قراه مرة واحدة سبحت له الجبال وقالت له الجنة لبيك وسعديك اللهم إن فلانا زحزحه عن النار وأدخله الجنة وأتعب سبعين كاتبا ألفي صباح ومن به جن احترق إلى غير ذلك من الفضائل والخصال التي لا يعلمها إلا الكبير المتفضل المتعال .
وليعلم المريد  أن الملائكة تحضره وليستحضر حضور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإنما الأعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى .
وليتحفظ المريد على الشروط فمن الشروط أن يكون محل الذكر نظيفا خاليا وأن يكون المريد على أكمل الصفات الطيبات من طهارة البدن والثياب والوضوء وأن يكون فمه نظيفا وأن يزيل تغيره بالسواك وأن يستقبل القبلة وأن لا يقطعه بكلام وأن يتدبر معنى ورده فإن الألفاظ قولب والسر داخلها فمن ذكره في الوقتين كان في أمن فيما بينهما وما حذفناه من فضائله أكثر من أن يعد لسائله حتى أن المداوم عليه يفتح الله له باب معيشته من حيث لا يحتسب .
ولا كن جد صدقا تجد مرغوبك حقا وأحق ما يعتني به المريد ورده ويراعيه في أوقاته المحدودة لأن الورد مختص بهذه الدار فهو منقطع بانقطاعها كالأعمار فينبغي للمريد المحافظة على الأوراد قبل فواتها إذ لا يمكنه خلف ما فات
واعلموا أيها الإخوان المريدون للرحمان
أن الله تعالى أودع أنوار الملكوت في أصناف الطاعات فإن من فاته من الطاعات صنف أو أعوزه من الموافقة جنس فقد مر النور بمقدار ذلك فلا تهملوا شيئا من الطاعات  ولا تشتغلوا عن الأوراد بالواردات ولا ترضوا لأنفسكم بما به المدعون من جري الحقائق على ألسنتهم وفقد أنوارها من قلوبهم لأن الحق بحكمته جعل الطاعات الجارية على العباد مستغرقة لباب الغيب فمن قام بالطاعة والمعاملة بشرط الأدب لم يحتجب الغيب عنه وإنما حجاب الغيوب وجود العيوب والتطهر من العيب يفتح لكم باب الغيب .
ولا تكونوا ممن يطلب الله لنفسه ولا يطلب نفسه بحق ربه فذلك حال الجاهلين الذين لم يفهموا عن الله ولا واجههم المدد من الله والمريد يطالب نفسه لربه ولا يطالب ربه لنفسه
واعلم أيها المريد الراجي من مولاه المزيد
أنه لو كان الناس على القدم الأولى وما كان عليه السلف الصالح من سلامة الدين والرسوخ في اليقين لم تر للقوم أورادا موظبة وأحزابا مرتبة فلما قصرت الهمم والمقاصد وذهبت المشارب والموارد جعل الأئمة رضي الله عنهم تلك الوظائف للمبتدئين منارا للطالبين حتى قيل إنها من منشات الدين وطريق الرشاد والفلاح للمهتدين ولأجل ذلك من قوي إيمانه وانشرح صدره وازداد يقينه  فهو في غنى عن ذالك كله مستغن باستغراقه في ذكر ربه لا يتعين عنده زمان ولا يحصره مكان لكونه وصل وبالحضرة اتصل ومن هنا يفهم حال ساداتنا العارفين وأكابر العلماء الراسخين حيث لم يواظبوا على قراءة الأحزاب المرتبة ولا داوموا على الأعداد المحصورة لاستغنائهم بما هم فيه من غيبتهم في بحر التوحيد ودوام الشهود والمراقبة لمولاهم المجيد فهم وإن حضروا لذالك لا يتقيدوا بما تتقيد به العامة فهم حاضرون بالأشباح غائبون بالأرواح نسأله تعالى أن يرشدنا لطريقهم ويسلك بنا نهج سبيلهم
أيها الإخوان المريدون للرحمان اعلموا
 أن الإيمان يبلى كالثوب ويكون في النقصان فجددوه بملاقاة الإخوان وزوروا بعضكم بعضا تزيدوا في الإيمان ففي ذلك من الخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الملك الديان
قال صلى الله عليه وسلم ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما الآخر فيصافحه ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم لم يتفرقا حتى يغفر ذنوبهما ما تقدم وما تأخر زواه ابن السني .
وروى البخاري من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار .
وفي رواية إذا التقى المومنان وتصافحا أنزل الله مائة رحمة علهما تسعة وتسعون لا هشمهما وابشيهما في كتاب الأبرار.وقال صلى الله عليه وسلم استكثروا من الإخوان فإن الله تعالى حي كريم يستحيي من عبد أن يعذبه بين إخوانه يوم القيامة وفي رواية جعفر الصادق في كتاب البركة أطيلوا الجلوس على المائدة مع الإخوان فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم .
ورد في الحديث الأكل مع الإخوان شفاء ومن كان في قلبه مودة لأخيه المسلم ولم يعلمه بها فقد خانه
وقال مولانا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان
روي أن أبي بن كعب قال للبراء ما تشتهي قال سويقا وتمرا فأطعمه حتى أشبعه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن المرء إذا فعل ذالك بأخيه لوجه الله لا يريد بذالك جزاء ولا شكورا بعث الله إلى منزله عشرة من الملائكة يسبحون الله و يهللونه ويكبرونه ويستغفرون له حولا كاملا فإذا كان الحول كتب الله له مثل عبادة أولائك الملائكة وحق على الله أن يطعمه من طيبات الجنة في جنة الخلد وملك لا يبيد .
وأوحى الله تعالى إلى سيدنا عيسى عليه السلام أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله رواه أبوا داوود .
وقال صلى الله عليه وسلم المتحابون لجلالي في ظل عرشي يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلي رواه الإمام احمد .
وفي رواية ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم المتحابون في الله على يقوتة حمراء على رأس عمود عليه سبعون ألف غرفة يشرفون على أهل الجنة يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا فيقال لأهل الجنة انطلقوا إلى المتحابين في الله فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم لأهل الجنة ثيابهم السندس مكتوب على جباههم هاؤلاء المتحابون في الله .
وقال صلى الله عليه وسلم إن في الجنة عمدا وياقوتة عليها غرف من زبرجد لها أبواب مفتحة تضيء كما تضيء الكواكب قيل يا نبي الله من يسكنها قال المتحابون في الله رواه البزار .
وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبدا أتى أخاه يزوره في الله إلا ناداه مناد من السماء ان طبت وطابت لك الجنة وقال تعالى في ملكوت عرشي عبدي زارني علي قراه فلم يرض له بتواب دون الجنة .
وروى الطبراني إذا زار المسلم أخاه المسلم شيعه سبعون  ألف ملك يصلون عليه يقولون اللهم كما وصله فيك فصله .
قال أبو سالم الخولاني لمعاد بن جبل إني أحبك في الله فقال له أبشر فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ينصب لطائفة من أمتي كراسي حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس ولا يفزعون ويخاف الناس ولا يخافون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قيل يا رسول الله من هم قال المتحابون في الله .
وقال صلى الله عليه وسلم من أراد الجلوس مع الله فليجلس مع أهل التصوف
وقال رجل للإمام احمد بن حنبل رضي الله عنه هاؤلاء الصوفية جلسوا في المسجد بلا علم فقال العلم أجلسهم في المسجد إن أحدهم يرضى بكسرة وما أحسن من يرضى من الدنيا بكسرة فقال إنهم يرقصون ويتواجدون قال من فرحهم بالله .
وأوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام هل عملت لي عملا فقال صليت وصمت وتصدقت وسبحت وقرأت فقال الصلاة لك نور والصوم لك جنة بضم الجيم والصدقة لك ظل والتسبيح لك أشجار والقرءان لك جواز فأين الذي عملت لأجلي قال دلني عليه قال هل واليت لي وليا أو عاديت لي عدوا فعلم موسى إن افضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله .
وعن انس رضي الله عنه قال يا رسول الله أرغيف أتصدق به أحب إليك أو مائة ركعة قال رغيف تتصدق به أحب إلي من مائتي ركعة تطوعا قال يا رسول الله ترك لقمة من حرام أحب إليك أم ألف ركعة قال ترك لقمة من حرام أحب إلي من ألفي ركعة تطوعا قال يا رسول الله ترك الغيبة أحب إليك أم ألف ركعة قال ترك الغيبة أحب إلي من عشرة ألاف ركعة قال يا رسول الله قضاء حاجة لأرملة أحب إليك أم عشرة ألاف ركعة قال قضاء حاجة لأرملة أحب إلي من ثلاثين ألف ركعة تطوعا قال جلوس ساعة مع العيال أحب إلي من الاعتكاف في مسجدي هذا قال يا رسول الله النفقة على العيال أحب إليك أم النفقة في سبيل الله قال درهم تنفقه على العيال أحب إلي من دينار تنفقه في سبيل الله قال يا رسول الله بر الوالدين أحب إليك أم عبادة ألف عام قال يا أنس جاء الحق وزهق الباطل أي هلك الباطل إن الباطل كان زهوقا بر الوالدين أحب إلي وإلى الله من عبادة ألفي عام .
وقال أبو ذر رضي الله عنه يا رسول الله أوصني قال أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله قلت يا رسول الله زدني قال عليك بتلاوة القرءان وذكر الله فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء قلت يا رسول الله زدني قال إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه قلت يا رسول الله زدني قال قل الحق وإن كان مرا قلت يا رسول الله زدني قال لا تخف في الله لومة لائم قلت يا رسول الله زدني قال عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك قلت يا رسول الله زدني قال عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي قلت يا رسول الله زدني قال أحبب المساكين وجالسهم .
وقال صلى الله عليه وسلم المومن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المومن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم
وقال بعض العارفين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله أخالط الناس أم أعتزلهم قال خالط الناس واحتمل أذاهم .
وقال صلى الله عليه وسلم من تبسم في وجه غريب ضحك الله إليه يوم القيامة ومن صافحه وأعانه جاز على الصراط أسرع من طرفة العين
وما من مومن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له وفسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مقصد رأس أو مسقط رأسه
وقال صلى الله عليه وسلم أكرموا الغرباء من أكرمهم فقد أكرمني ومن أحبهم فقد أحبني ومن أكرم غريبا في غربته وجبت له الجنة
وقال صلى الله عليه وسلم أرحموا اليتامى وأكرموا الغرباء فإني كنت في صغري يتيما وفي الكبر غريبا
وقال صلى الله عليه وسلم أحب شيء إلى الله الغرباء قيل ومن الغرباء قال الفارون بدينهم يجتمعون على عيسى بن مريم عليه السلام يوم القيامة .
وقال أبو أمامة الباهلي امش ميلا وعد مريضا وامش ميلين وزر أخا في الله وامش ثلاثة أميال وأصلح بين إثنين
وقال بعض العارفين لا تترك زيارة الإخوان فينسوك ولا تكثر زيارتهم فيملوك
وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة زر غبا تزدد حبا .
وقال بعضهم المريض يعاد والصحيح يزار .
وكتب مولانا عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أن انظر إلى من قبلك من وجوه الناس فأكرمهم فإنه لن يعدم الناس ان يكون لهم وجوه يقومون ويذكرون بحوائج الناس .
وقال أبو جعفر طرحت لعلي ابن أبي طالب وسادة فجلس عليها وقال له لا يأبى الكرامة إلا الحمار .
وعن طارق بن عبد الرحمان قال كنت جالسا عند الشعبي فأتاه بن جرير فطرح له وسادة فجلس عليها وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه
وقال صلى الله عليه وسلم إذا دخل الضيف بيت المؤمن دخل معه ألف بركة وألف رحمة وكتب لصاحب المنزل بكل لقمة يأكلها الضيف حجة وعمرة
وقال صلى الله عليه وسلم لا تكرهوا الضيف فإنه إذا نزل نزل برزقه وإذا ارتحل ارتحل بذنوب أهل الدار
وقال شقيق البلخي ليس شيء أحب إلي من الضيف لأن رزقه على الله وأجره لي بفضل الله
وقال صلى الله عليه وسلم من اطعم أخاه حتى يشبع وسقاه من الماء حتى يروى باعده الله من النار سبع خنادق ما بين كل خندق مسيرة خمسمائة عام رواه الطبراني والبيهقي وقال الحاكم صحيح الإسناد
وقال صلى الله عليه وسلم الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة روي في كتاب شرعة الإسلام وعنه صلى الله عليه وسلم قال لكل شيء زكاة وزكاة الدار بيت الضيافة
وفي رواية أبي سعيد الخذري عنه صلى الله وسلم أيما مؤمن اطعم مومنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة يوم القيامة وأيما مومن سقى مومنا على ظمإ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة وأيما كسا مومنا على عرى كساه الله من حلل الجنة رواه الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يباهي ملائكته بالذين يطعمون الطعام من عبيده
وقال صلى الله عليه وسلم من مشى إلى طعام لم يدع إليه فقد دخل سارقا وخرج صغيرا
كان لعبد الله بن المبارك فرس يجاهد عليه فجاءه ضيف فدبحه إليه فخاصمته زوجته فطلقها ثم جاءه رجل فقال إن لي بنتا جميلة فتزوجها وأرسل أبوها معها عشرة من الخيل فرءا عبد الله في منامه قائلا يقول له أنت طلقت لأجلنا عجوزا فقد زوجناك بكرا وأنت ذبحت لأجلنا فرسا فقد أعطيناك عشرة
وقال صلى الله عليه وسلم ما ءامن بالله من شبع وأخوه جائع ولا ءامن بالله من اكتسى وأخوه عريان ثم قرأ ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .
وقال صلى الله عليه وسلم من كان يومن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
وكان يقول لا تلزم ضيفك بما يشق عليه
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه من أحب الأعمال إلى الله إشباع جوعة المومن وتنفيس كربته وقضاء دينه .
وقال صلى الله عليه وسلم الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين
وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الإطعام في الله ويحب الذي يطعم الطعام في الله والبركة في بيته أسرع من الشفرة في  سنام البعير
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه إذا أردت أن تعلم الرجل اشقي أم سعيد فانظر معروفه إلى من يصنعه فإن كان يصنعه إلى من هو أهله فاعلم أنه خير وإن كان يصنعه إلى غيره فاعلم إنه ليس له عند الله خير وقال أيضا خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم
ومن خالص الإيمان البر بالإخوان والسعي في حوائجهم
قال صلى الله عليه وسلم ليس بمؤمن من يأتي شبعان وجاره طاويا
وعن الرضى رضي الله عنه قال تفطيرك أخاك الصائم أفضل من صيامك
ومن ءاداب الضيف انه يستحب له أن يجلس حيث يجلسه صاحب البيت لأنه أعرف بعورة بيته من غيره ويجب على الضيف أربعة أشياء أولها يجلس حيث يجلسه رب البيت الثاني ان يرضى بما قدم إليه الثالث أن لا يقوم إلا بإذن رب البيت الرابع أن يدعو له إذا خرج
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج يقول افطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملآئكة ونزلت عليكم الرحمة ولا ينبغي للضيف أن يشتهي على رب البيت إلا الملح والماء ولا يعيب طعامه بل ما وجد أكل وحمد وهو الأدب ويقال في المثل ليس للضيف ما اشتهى وتمنى وأما للضيف ما إليه يقربه وإذا كان على المائدة من هو أكبر منه سنا فلا يبدأ قبله فإنه يقال الصدر للسلطان والبداءة لذي السن
دعي بعض العارفين إلى طعام فقال أجيبك بثلاثة شروط أولهما أن لا تتكلف والثاني أن لا تخون والثالث أن لا تجور قال ما التكلف قال أن تتكلف ما ليس عندك قال وما الخيانة قال أن تبخل بما عندك فلا تقربه إلى ضيفك قال وما الجور قال أن تحرم عيالك وتعطي ضيفك
وإذا دعوت أيها المريد قوما إلى طعام فإن كان القوم قليلا فإن جلست فلا بأس لتخدمهم على المائدة لأن خدمتك إياهم على المائدة من المروءة وإن كان القوم كثيرا فلا تقعد معهم واخدمهم بنفسك فإن إكرام الضيف ان تخدمه بنفسك
وذكر في قوله تعالى عن ضيف إبراهيم المكرمين قال كان إكرامهم خدمته لهم بنفسه ويستحب لصاحب الضيافة أن يقول للضيف أحيانا كل من غير إلحاح ولا فإن الإلحاح مذموم ولا تكثر السكوت عند الأضياف فتدخل الوحشة عليهم ولا تغب عنهم فإن ذالك من الجفاء ولا تغضب على الخادم عند الأضياف لأنه يقال أفضل ما يكرم به الوجه الطليق والقول الجميل ولا ينبغي أن يجلس مع الأضياف من يثقل عليهم فإن الثقيل ينغص الطعام وإذا فرغوا من الطعام واستاذنوا فلا ينبغي أن يمنعهم فإن ذالك مما يثقل عليهم وإذا حضر بعض القوم وأبطأ الآخرون فالحاضرون أحق أن يقوموا . ويقال ثلاثة ثورث السل رسول بطيء وسراج لا يضيء وطعام ينتظر عليه من يجيء
وينبغي لصاحب الضيافة أن لا يقدم الطعام حتى يقدم الماء ليغسلوا أيديهم فإن ذالك من المروءة وأن يبدأ في الغسل بمن هو في ءاخر المجلس ويؤخر صاحب الصدر لأنه قيل أول الغسل إطلاق  فالأصاغر أولى به وءاخر الغسل إطلاق فالأكابر أولى به ولا كن استحسنوا البداءة بصاحب الصدر إذا كن قبل الطعام ويعدون ذالك من البر ويكره للرجل أن ينظر إلى لقمة غيره لأن في ذالك سوء أذب ولا ينبغي للضيف أن يكثر الالتفات إلى الموضع الذي يوتى الطعام منه فإن ذالك مكروه وعلى كل حال فينبغي للضيف ورب المنزل مراعاة الحقوق فإن السنة أن لاتتكلف بالمفقود ولا تبخل بالموجود .
أيها الإخوان المريدون للرحمان
من أقامه الله في مقام التجريد فليحمد الله على ذالك ويشكره فإنه نعمة لا تبيد ولا يتمنى على الله سواه فإن فيه انحطاط قدره وعلاه ويستعمل من اللباس والقوت ما في قدرته ولينفق ذو سعة من سعته ويلبس الدربال ويقنع بما قدر له ولو كان ضيق الحال  فما منعك من بخل ولا خاف من نقص ولا كل بل حكمته اقتضت ذالك ومصلحتك فيما هنالك ومن أقامه الله في الأسباب فليوسع على نفسه وعلى الأهل والأصحاب ولا يتمنى على الله الخروج إلى التجريد ففيه سوء أذب وليس ذالك من شأن العبيد ولا تعتقد  أيها المريد إلى الله أن رثاثة ثوبك تقربك إلى الله  بل المدار على طهارة القلوب ومراقبة علام الغيوب ولأجل ذالك ترى أحوال الصحابة مختلفين فكل واحد نظر فيما يصلح له وعمل بنية خالصة فكانوا هادين مهتدين .
قيل لسلمان الفارسي رضي الله عنه ما لك لا تلبس الخز من الثياب فقال ما للعبد وللثوب الحسن فإذا عتق فله من الله ثياب لا تبلى أبدا
وقد طاف مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه ثوب مرقع بأزيد من اثنتي عشرة رقعة وكان منها إثنان من ادم وقد لبس يوم القدس جبة وهي مبلولة فعارضه في ذالك أبو عبيدة فقال إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فإن طلبنا العز بغيره أذلنا الله فلما خرجت إليه الأحبار ووجدوه لابسا جبة مبلولة على بعير مخطوم
قالوا كذا وجدنا إنه يدخل علينا
فتأمل رحمك الله في جواب هاؤلاء السادات تفهم بأنهم لم يتركوا ذالك لخدمته بل زهدوا في المباحات ولم يكن تنافسهم في تزيين الظاهر بالثياب السنية واستعمال المراكب البهية ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال
علي ثياب لو يباع جميعها بفلس       *        لكان الفلس منهن أكثر
وفيهن نفس لو يقاس ببعضها نفوس الورى كانت أعز وأكبر ا
وما ضر نصل السيف اخلاق غمده       *        إذا كان غضبا حيث وجهته فر .
ولما صار لباس الدون زي أهل الخصوصية  وتميزوا بذالك عن الناس بالكيفية وكان غرضهم بذالك الخمول وقهر النفس لتنقاد للوصول تزيا بزيهم من ليس منهم فاتخذوا رثاثة الهيئة حيلة يجلب الدنيا وشبكة يصطادون  بها قلوب أهلها فانعكس الحال فصارت مخالفتهم في ذالك لله من باب العمل بالحق وكان ترقيع الثياب من شعار الصالحين وسنة المتقدمين حتى اتخذته الصوفية شعارا فجعلته من الجديد وانشاته مرقعا من أصله وهذا ليس سنة بل بدعة عظينة وإنما المقصود بالترقيع استدامة لبس الثوب على هيئته فإذا حسنت النية بأن قصد بحسن الهيئة التستر بحاله والبعد عن الرياء والسمعة في أفعاله أو إظهار نعمة الله عليه كان التجميل محمودا إن لم يكن تفاخرا وخيلاء مقصودا بعض الناس على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه جمال هيئته فقال الشيخ أبو الحسن يا هذا هيئتي هذه تقول الحمد لله وهيئتك هذه تقول أعطوني من دنياكم شيئا لله .
قال صلى اله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال وفي رواية نظيف يحب النظافة  وفي السنن إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده وكان صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود روى النسائي ان النبي صلى الله عليه وسلم رءا رجلا وعليه ثوب دون فقال له هل لك من مال فقال نعم فقال من أي المال قال من كل ما ءآتى الله من الإبل والشياه فقال كل ما ءآتاك الله من مال فلير عليك أي إن كثر نعمته عليك فاظهر أثر نعمته بلسانك المقال وبلسان الحال .
قال تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث
ومن هذا الوجه مدحوا التجميل حتى قال قائلهم .
حسن ثيابك ما استطعت فإنها زين الرجال بها تعز وتكرم
ودع التواضع في اللباس تخشنا  *  فالله يعلم ما تسر وتكتم
فرثاة ثوبك لا تزيدك رفعة    *  عند الإله وأنت عبد مجرم
وجديد ثوبك لا يضرك بعدما   *  تخشى الإله وتتقي ما يحرم
وقد كان إمام المذهب ملك بن انس يتجمل في ملبسه وكان إذا مشى تحمل الغاشية بين يديه ودخل يوما على هارون الرشيد وكان عليه ثياب عدنية فتزحزح له هارون حتى أجلسه معه على المنصة
وكان مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول أحب أن يكون القاري أبيض الثياب  ودخل يسار البصرة فبينما هو يصلي وكان حسن الصلاة وعليه ثياب جياد رءاه مالك بن دينار فجلس إليه فسلم سيار فقال مالك هذه الصلاة وهذه الثياب فقال له سيار ثيابي هذه ترفعني عندك أو تضعني قال تضعك قال هذا اردت ثم قال يا مالك إني لحسب ثوبك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك الله فبكى مالك وقال أنت سيار فقال نعم فعانقه مالك وقعد بين يديه .
وقال صلى الله عليه وسلم ما على الرجل أن يتخذ ثوبين سوى ثوبي مهنته .
وقال صلى الله عليه وسلم ما طابت رائحة عبد قط إلا قل غمه ولا نظفت ثيابه قط إلا قل همه
وقال صلى الله عليه وسلم إن الله نظيف يحب النظافة وجميل يحب الجمال وجواد يحب الجود وكريم يحب الكرم وطيب يحب الطيب
وفي رواية عطاء بن يسار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج وأصلح رأسك ولحيتك ففعل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس  خير هذا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس واللحية كأنه شيطان
وفي رواية زيد بن اسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة انمار فبينما أنا نازل تحت شجرة إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل فنزل فقمت إلى غرارة لنا فوجدت فيها خبزا وجردقا وقثاء فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا صاحب لنا قد ذهب يرعى ظهرا لنا فرجع وعندنا ثوبان في الغيبة فقال هلا كسوته إياهما فدعوته فلبسهما ثم ولى فذهب فقال صلى الله عليه وسلم ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا فسمعه الرجل فقال يا رسول الله قل في سبيل الله قال في سبيل الله فقتل الرجل في سبيل الله
أيها الإخوان المريدون للرحمان
لا تعتمدوا على علومكم وأعمالكم وأحوالكم  بل اعتمدوا على فضل الله ورحمته أولى لكم  فالعارفون ناظرون إلى ربهم فانون عن أنفسهم فإذا وقعوا في زلة أو أصابتهم غفلة شاهدوا تصريف الحق لهم وجريان قضائه عليهم كما إنهم إذا صدرت منهم طاعة أو لاح لهم لائح من يقظة لم يشاهدوا في ذالك أنفسهم ولم يروا فيها حولهم ولا قوتهم  فأنفسهم مطمئنة تحت جريان أقداره وقلوبهم ساكنة بما لاح لها من أنواره ولا فرق عندهم بين الحالين قد استوى خوفهم ورجاؤهم بلامين فلا ينقص من خوفهم ما يجنونه من العصيان  ولا يزيد في رجائهم ما يأتون به من الإحسان فإن ظهرت منهم طاعة لم يرجوا عليها ثوابا لأنهم لم يروا أنفسهم عمالا لها وإن ظهرت منهم زلة فالدية على العاقل إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم .
أيها المريد اعتمد على رحمة مولاك ولو أراد أن يقنطك لما في مغفرة الذنب عليه أحالك فقال ومن يغفر الذنوب إلا الله وقال إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال لو أخطا ثم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني اغفر لكم .
وفي رواية أبي موسى الأشعري قال صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا وتستغفروا لذهب الله بكم  و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم رواه مسلم أيضا .
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يا ابن ءآدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا بن ءادم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم  لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .
وفي رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق بألفي عام في ورقة ءاس ثم وضعها على العرش ثم نادى يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني وغفرت لكم قبل أن تستغفروني من لقيني منكم وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبدي ورسولي أدخلته الجنة .
وقال صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة ينادي مناد من تحت العرش يا أمة محمد اما ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وبقيت التباعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تعالى : خلق مائة رحمة أهبط منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا فوسعهم إلى ءاجلهم وان الله تبارك وتعالى قبض تلك الرحمة إلى يوم القيامة فيضيفها إلى التسعة والتسعين فيكملها مائة رحمة لأوليائه وأهل طاعته .
وعن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض حتى ان الفرس لتضع حافرها على ولدها خشية ان تصيبه فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى هذه الرحمة إلى التسعة والتسعين فأكملها مائة رحمة فيرحم بها عباده يوم القيامة .
وقال صلى الله عليه وسلم في ءاخر حديث يصف فيه القيامة والصراط ان الله تبارك وتعالى يقول للملائكة من وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه من النار فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها أحدا ممن أمرتنا فيقول الله تعالى رحمتي وسعت كل شيء فكان أبو سعيد يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويوت من لدنه أجرا عظيما فيقول الله تبارك وتعالى شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء فلم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة فيخرج منها قوما لم يعملوا قط إلا التوحيد قد عادوا فحما فيلقيهم في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم فيقول أهل الجنة هاؤلاء عتقاء الله أدخلهم الجنة بغيرعمل عملوه ولا خيرقدموه فيقال لهم ادخلوا الجنة فما رأيتم فه لكم فيقولون ربنا قد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول الله تبارك وتعالى ولكم عندي أفضل من هذا فيقولون وأي شيء أفضل من هذا فيقول أحل عليكم رضواني فلا سخط عليكم أبدا  رواه البخاري ومسلم .
وفي الحديث إن الله تعالى يشفع ءادم يوم القيامة من جميع ذريته في ألف ألف وعشرة ءالاف ألف .
وفي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .
وفي الحديث ان أعرابيا قال يا رسول الله من يلي حساب الخلق فقال الله تبارك وتعالى قال هو بنفسه قال نعم فتبسم الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مم ضحكت  يا أعرابي فقال إن الكريم إذا قدر عفا وإذا حاسب سامح فقال صلى الله عليه وسلم صدق الأعرابي ألا لا كريم أكرم من الله هو أكرم الأكرمين .
وعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تسعى وقد وجدت صبيا في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا والله فقال الله ارحم بعباده من هذه المرأة بولدها
رواه البخاري ومسلم
وقال سيدنا موسى عليه السلام في بعض مناجاته يا رب فقال الله تعالى لبيك يا موسى  فقال موسى عليه السلام يا رب أنت أنت فمن أنا حتى أجاب بالتلبية فقال يا موسى إني آليت على نفسي إنه لا يدعوني عبد من عبادي بالربوبية إلا أجبته بالتلبية فقال موسى يا رب هذا لكل عبد طائع قال ولكل عبد مذنب قال يا رب اما الطائع فبطاعته فما بال المذنب فقال الله تعالى يا موسى اني إذا جازيت المحسن بإحسانه ومنعت المسيء لإساءته فأين جودي وكرمي .
أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام إن وليا من أوليائي قد مات في ارض كذا فاذهب إليه وغسله وكفنه وصل عليه وواريه تحت التراب فهو جارك في الجنة فأتى موسى عليه السلام فوجده ميتا في خربة وليس عنده أحد ولا يملك شيئا في الدنيا والناس يثنون عليه شرا ويصفونه بكل فسق وعصيان فغسله موسى وكفنه وصلى عليه ودفنه وقال يا رب إني امتثلت ما أمرتني به في حق هذا الميت والناس يثنون عليه شرا ويصفونه بكل قبيح فقال الله تعالى يا موسى صدق عبادي وأنا اعلم منه ما لا يعلمون ولا كن لما دنت وفاته ناجاني بخمس كلمات وقد غفرت له بها فقال موسى  يا رب وما هن الكلمات قال يا موسى الكلمة الأولى قال يا رب تعلم أني أحب الصالحين وان لم أكن صالحا  والثانية قال يا رب أنت تعلم اني ابغض الفاسقين وان كنت فاسقا والثالثة قال يا رب لو أعلم دخولي الجنة ينقص من ملكك شيئا لما سألتك الجنة والرابعة قال يا رب لو أعلم ان دخولي النار يزيد في ملكك شيئا ما سألتك الجيرة منها .
والخامسة قال يا رب إن لم ترحمني أنت فمن يرحمني فرحمته يا موسى أفكان يليق بكرمي إن أرده خائبا وقد تكلم بهذه الكلمات فعفوت عنه وغفرت له وأنا الغفور الرحيم .
وقيل إن الله تعالى ألطف وأرحم ما يكون بعبده إذا أنزل في لحده ووضع على خشن التراب لين خده وجفاه من كان في قربه ووده فإذا وضع الميت على المغتسل أولا وجرد من ثيابه وأيس من أحبابه ينادي و إسواتاه  وافضيحتاه ولا يسمع ندائه غير مولاه فيجيبه الحق سبحانه وتعالى ويقول عبدي أنا سترتك في الدنيا وأنا أسترك في الآخرة فإذا انزلوه في لحده ووضعوا على خشن التراب لين خده ثم تركوه وانصرفوا ومضوا عنه وانحرفوا يصيح واوحدتاه فيناديه الرب الكريم الرءوف الرحيم  عبدي هل تستوحش وأنا
أنيسك هل تشتكي الوحده وأنا جليسك  يا عبدي لست بربك فيقول بلى يا رب فيقول يا عبدي كيف تركت ما أمرتك به وتبعت ما نهيتك عنه اما علي إن مرجعك إلي وأعمالك معروضة بين يدي أنسيت عهدي أم أنكرت وعيدي ووعدي فالآن تخلى عنك الصاحب والصديق وتجردت عن المال الوثيق  فلا المال نفعك في مئالك ولا الصديق خلصك من قبيح أفعالك فما حجتك وما معذرتك فيقول يا رب احتوى على قلبي حب الدنيا وحب المال فحملني على الذنوب والأثقال وها أنا قد صرت في جوارك وأنا الليلة ضيفك فلا تعذبني بنارك .
وإن لم ترحمني فمن يرحمني فيقول الله تعالى يا عبدي طب نفسا وقر عينا فأنت الليلة ضيفي والكريم    لا يخيب ضيفه   يا ملائكتي أحسنوا في ضيافته وكنوا عليه أشفق من أهله وقرابته .
وإنما أتيت بهذه البشارة تتميما للفائدة لأن الله تعالى بعث الرسل مبشرين ومنذرين ومن ذكر أحدهما دون الآخر فقد أضر ولم يوف بالحق المعتبر فإن الإنذار وحده يؤدي إلى التقنيط  والبشارة وحدها تؤدي إلى التفريط  والعبد مطالب بالحالتين والله يهدي إلى سواء السبيل وهو ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق
أيها الإخوان المريدون للرحمان
والله ما عرضت بذكركم لكوني أمركم وأنهاكم  أو خيركم وأولاكم
أو أحسن منكم وأهداكم وإلا كان ذالك منا سوء آ دب من غير خوف ولا حذر بل أنا أجهلكم علما  وأقلكم فهما  وأكثركم وهما   ولا كن لما علمت أني مطالب بفضيلة القول والفعل وفاتتني فضيلة الفعل زاحمت أهل العلم لأنال فضيلة القول والعذر قائم بقصور الباع وقصدي التشبه بالقوم السالمي الطباع  وإن كنت لست منهم ولم اعمل بعملهم لأن من تشبه بقوم فهو منهم .
وقد ورد في الخبر عن سيد البشر مولى القوم منهم وطمعت في قوله صلى الله عليه وسلم : امروا بالمعروف وإن لم تفعلوه وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله وقال أبو الدرداء رضي الله عنه اني لأمركم بالخير لا أفعله ولا كني ارجوا به الأجر من قبلكم وأنا استغفر الله من قول بلا عمل ومن الوساوس الشيطانية التي تخطر بالبال واستغفر مما تعاطيته من هذا الأمر العظيم واقتحمته من الخطر الجسيم ونستعيذ به من الوقوف في حبائل العدو الرجيم ونسأله توفيقا يقف على جادة الاستقامة ويصرفنا عما يعقب ملامة أو ندامة  ونرجوا مع هذا أن يمن علي بالدخول في زمام العلماء العاملين بالانتماء إلى مذهبهم والتعلق بأذيال العارفين وأن يرزقني تعظيمهم  وأن يشغف قلبي بحبهم  وأن لا يحرمني من شفاعتهم  وأن لا يخرجني من كنف ولايتهم  وأن لا يطردني عن بابهم الكريم  وأن لا يصرفني عن منهجهم القويم  أمين يا رب العالمين بفضلك يا أرحم الراحمين  وصلى الله وسلم على سيدنا محمد إمام المرسلين وخاتم النبيئين وعلى آله الطيبين الطاهرين  وأصحابه خصوصا الأنصار والمهاجرين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين  .
أيها الإخوان المنتسبون للرحمان
إني أحببت أن أختم هذه الرسالة بوصايا صدرت من صاحب الرسالة صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأتقياء  وصحابته البدور الأقوياء وصى بها بعض أصحابه الموفقين بأمر الله  كما تقف عليها إن شاء الله وقصدي بذالك التبرك بلفظه النبوي والخدمة لذالك المقام المصطفوي راجيا من الله أن ينفعني وإياكم بها وأن يوفقنا جميعا للعمل بما فيها  وأن لا يحرمنا من فضلها وبركاتها وأن تكون لنا دليلا عند الحاجة في وقتها فتدبروا معناها ترشدوا واعملوا بمقتضاها تسعدوا وتمسكوا بها تهتدوا  فإن فيها الفوز والحجة وهي النجاة والمحجة


الوصية الأولى

عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال  قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فلن تزل بخير ما حفظت وصيتي .
يا علي من كظم غيظا وهو يقدر على  إمطائه أعقبه الله يوم القيامة أمنا وإيمانا يجد طعمه .
يا علي من لم يحسن وصية عند موته كان نقصا في مروءته ولم يملك الشفاعة .
يا علي أفضل الجهاد من أصبح لا يهتم بظلم أحد *  يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار يا علي شر الناس من أكرمه الناس اتقاء شره  * يا علي شر الناس من باع ءاخرته بدنياه وشر من ذالك من باع ءاخرته بدنيا غيره * يا علي من لم يقبل العذر من متنصل صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي * يا علي إن الله عز وجل أحب الكذب في الصلاح وابغض الصدق في الفساد * يا علي من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم فقال علي رضي الله عنه لغير الله قال نعم والله من تركها صيانة لنفسه يشكره الله على ذالك * يا علي شارب الخمر كعابد وثن يا علي شارب الخمرلا يقبل الله عز وجل صلاته أربعين يوما فإن مات في الأربعين مات كافرا * يا علي كل مسكر حرام وما اسكر كثيرة فالجرعة منه حرام يا علي جعلت الذنوب كلها في بيت وجعل مفتاحها شرب الخمر * يا علي تأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها ربه عز وجل *  يا علي إن إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك لم تنقض أيامه  * يا علي من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة *
يا علي ينبغي أن يكون في المومن ثمان خصال وقارعند الهزاهز وصبرعند البلاء وشكر عند الرضاء وقناعة بما رزقه الله عز وجل ولا يظلم  ولا يتحامل على الأصدقاء  بدنه منه في تعب والناس منه في راحة * يا علي أربعة لا ترد لهم دعوة إمام عادل ووالد لولده والرجل يدعوا لأخيه بظهر الغيب والمظلوم يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي  لانتصرن  لك ولو بعد حين *  يا علي ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها والمتئامر على رب البيت وطالب الخير من أعدائه وطالب الفضل من اللئام والداخل بين إثنين في سر لم يدخلاه فيه والمستخف بالسلطان وجالس في مجلس ليس له بأهل والمقبل بالحديث على من لم يسمع منه * يا علي حرم الله الجنة على كل فاحش بذي لا  يبالي ما قال ولا ما قيل له  *  يا علي طوبى لمن طال عمره وحسن عمله  * يا علي لا تمزح فيذهب بهاؤك ولا تكذب فيذهب نورك وإياك وخصلتين الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق وإن كسلت لم تؤد حقا * يا علي أربعة أسرع شيء عقوبة رجل أحسنت إليه فكفاك بالإحسان إساءة ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك ورجل عاهدته على أمر فوفيت له وغدر بك ورجل وصل قرابته فقطعوه * يا علي لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق فإن صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب * يا علي من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة .
يا علي إثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها على المائدة  أربة منها فريضة  وأربعة منها سنة  وأربعة منها أدب .
فأما الفريضة : فالمعرفة بما أكل  والتسمية  والشكر  والرضا .
وأما السنة : فالجلوس على الرجل اليسرى والأكل بثلاثة أصابع  وأن يأكل مما يليه  ولعق الأصابع .
وأما الأدب فتصغير اللقمة  المضغ الشديد  وقلة النظر في وجوه الناس  وغسل اليدين .
يا علي خلق الله الجنة من لبنتين لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل حيطانها الياقوت وسقفها الزبرجد وحصباءها اللؤلؤ وترابها الزعفران والمسك الاذفر ثم قال لها تكلمي فقالت لا إله إلا الله الحي القيوم وقد سعد من يدخلني فقال الله جل جلاله وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا نمام ولا ديوت ولا شرطي ولا مخنث ولا نباش ولا عشار ولا قاطع رحم ولاقدري
يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة القاتل والساحر والديوت وناكح المرأة حراما في دبرها وناكح البهيمة ومن نكح ذات محرم والساعي في الفتنة وبائع السلاح من أهل الحرب ومانع الزكاة ومن وجد سعة فما ت ولم يحج .
يا علي لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو لذة في غير محرم *
 يا علي ثلاثة من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم عمن جهل عليك *
 يا علي بادر بأربع قبل أربع شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك *
 يا علي كره الله عز وجل لأمتي العبث في الصلاة والمن في الصدقة وإتيان المسجد جنبا والضحك بين القبور والتطلع في الدور والنظر إلى فروج النساء لأنه يورث العمى وكره الكلام عند الجماع لأنه يورث الخرس وكره النوم بين العشائين لأنه يحرم الرزق وكره الغسل تحت السماء إلا بمئزر وكره دخول الأنهر إلا بمئزر فإن فيها سكانا من الملائكة وكره دخول الحمام إلا بمئزر وكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وكره ركوب البحر في وقت هيجانه وكره النوم فوق سطح ليس بمحجز وقال من نام على سطح غير محجز فقد برئت منه الذمة وكره أن ينام الرجل في بيت وحده وكره أن يغشى الرجل امرأته وهي حائض فإن فعل وخرج الولد مجذوما أو به برص فلا يلومن إلى نفسه وكره أن يكلم الرجل مجذوما إلا أن يكون بينه وبينه قدر ذراع وقال عليه الصلاة والسلام فر من المجذوم فرارك من الأسد وكره أن يأتي الرجل أهله وقد احتلم حتى يغتسل من الاحتلام فإن فعل ذالك وخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه وكره البول على شط نهر جار وكره أن يحدث تحث شجرة أو نخلة قد أثمرت وكره أن يتسرول الرجل وهو قائم وكره أن يدخل الرجل بيته مظلما إلا بسراج *
 يا علي آفة الحسن الافتخار*
 يا علي من خاف الله عز وجل أخاف منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء *
 يا علي ثمانية لا تقبل منهم صلاة العبد الأبق حتى يرجع إلى مولاه والناشزة وزوجها عليها ساخط ومانع الزكاة وتارك الوضوء والجارية المدركة تصلي بغير خمار وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون والسكران والذي يدافع البول والغائط  *
 يا علي أربع من كن فيه بنى الله له بيتا في الجنة من أوى اليتيم ورحم الضعيف وأشفق على والديه ورفق  بمملوكه *
 يا علي ثلاث من لقي الله عز وجل بهن فهو أفضل الناس من أوفى الله تعالى بما افترض عليه فهو من أعبد الناس ومن ورع من محارم الله فهو من أورع الناس ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس  *
 يا علي ثلاث لا يطيقها أحد من هذه الأمة المواساة للأخ بماله وإنصاف الناس من نفسه وذكر الله على كل حال وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا كن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عز وجل عنده وتركه *
يا علي ثلاثة إن انتصفتهم ظلموك السفلة وأهلك وخادمك وثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حر من عبد وعالم من جاهل وقوي من ضعيف يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان وأبواب الجنة مفتحة له من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته وأدى زكاة ماله وكف غضبه وسجن لسانه واستغفر لذنبه وأدى النصيحة لأهل بيته *
 يا علي لعن الله ثلاثة آكل زاده وحده وراكب الفلاة وحده والنائم في بيت وحده *
 يا علي ثلاثة أتخوف منهن الجنون والتغوط بين القبور والمشي في خف واحد والرجل ينام وحده يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب ووعدتك زوجتك والإصلاح بين الناس وثلاثة مجالستهم تميت القلب مجالسة الأرذال ومجالسة الأغنياء والحديث مع النساء  *
 يا علي ثلاثة من حقائق الإيمان الإنفاق مع الإعسار وإنصافك الناس من نفسك وبذل العلم للمتعلم يا علي ثلاث من لم تكن فيه لم يتم عمله ورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل وخلق يداري به الناس وحلم يرد به جهل الجاهلين *
 يا علي ثلاث فرحات للمومن في الدنيا لقاء الإخوان وتفطير الصائم والتهجد من ءاخر الليل *  يا علي  أنهاك عن ثلاث خصال الحسد والحرص والكبرياء *
 يا علي أربع خصال من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وبعد الأمل وحب البقاء يا علي ثلاث درجات وثلاث كفارات وثلاث منجيات فأما الدرجات فإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات وأما الكفارات فإفشاء السلام وإطعام الطعام والتهجد بالليل والناس نيام وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه وأما المنجيات فخوف الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر وكلمة العدل في  الرضى والسخط  *
 ياعلي لا رضاع بعد فطام ولا يتم بعد احتلام *
 ياعلي سر سنتين بر والديك سر سنة صل رحمك سر ميلا عد مريضا سر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله سر خمسة أميال أغث الملهوف سر ستة أميال أنضر المظلوم وعليك بالاستغفار *      
 يا علي للمؤمن ثلاث علامات الصلاة والزكاة والصيام وللمتكلف ثلاث علامات يتملق إذا حضر ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة وللظالم ثلاث علامات يقهر من دونه بالغلبة ومن فوقه بالمعصية ويظاهر الظلمة وللمرائي ثلاث علامات ينشط إذا كان عند الناس ويكسل إن كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره وللمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب وإذا وعدا خلف وإذا أتمن خان *
 يا علي تسعة أشياء تورث النسيان أكل التفاح الحامض وأكل الكزبرة والجبن وسؤر الفار وقراءة كتابة القبور والمشي بين امرأتين وطرح القملة والحجامة في النقرة والبول في الماء الراكد *
يا علي العيش في ثلاثة دار فوراء وجارية حسناء وفرس قباء *
 يا علي والله لو أن المتواضع في قعر بئر  لبعث الله عز وجل إليه ريحانة ترفه فوق الأخيار في دولة الأشرار *
  يا علي من انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله ومن منع أجيرا أجره فعليه لعنة الله ومن أحدث حدتا أو أوى محدثا فعليه لعنة الله فقيل يا رسول الله وما ذاك الحدث قال القتل  *
يا علي المؤمن من أمنه المسلمون على أموالهم ودمائهم والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه والمهاجر من هجر السيئات *
 يا علي أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله *
 يا علي من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار فقال علي  رضي الله عنه وما تلك الطاعة قال عليه الصلاة والسلام يأذن لها في الذهاب إلى الحمامات والعرصات والنائحات ولبس الثياب الرقاق *
 يا علي إن الله تبارك وتعالى قد اذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرهم بئابائهم لأن الناس من آدم وآدم من تراب وأكرمهم عند الله اتقاهم *
 يا علي من السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر الزانية والرشوة في الحكم وأجر الكاهن*
 يا علي من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يجادل به العلماء أو ليدعوا الناس إلى نفسه فهو من أهل النار *
 يا علي إذا مات العبد قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم  *
 يا علي الدنيا سجن المومن وجنة الكافر *
 يا علي موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر  * 
  يا علي أوحى الله تبارك وتعالى إلى الدنيا اخدمي من خدمني واتعبي من خدمك *
يا علي إن الدنيا لو عدلت عند الله عز وجل جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة من ماء *            يا على ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يتمنى يوم القيامة انه لم يعط من الدنيا إلا قوته  *
 يا علي شر الناس من اتهم الله في قضائه *
  يا علي أنين المومن المريض تسبيح وصياحه تهليل ونومه على الفراش عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله فإن عوفي مشى في الناس وما عليه ذنب  *
 يا علي لو أهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى ذراع لأجبت  *
 يا علي ليس على النساء جمعة  ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا إتباع جنازة ولا هرولة بين الصفا والمروى ولا استلام الحجر ولا تولي القضاء ولا ان تستشار ولا تذبح إلا عند الضرورة ولا تجهر بالتلبية ولا تقيم عند قبر ولا تسمع الخطبة ولا تتولى التزويج ولا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه فإن خرجت بغير إذنه لعنها الله وجبريل وميكائيل ولا تعطي من بيت زوجها شيئا إلا بإذنه ولا تبيت وزوجها عليها ساخط وإن كان ظالما لها  *
 يا علي سوء الخلق شؤم وطاعة المرأة ندامة  *
 يا علي إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة  *
 ياعلي نجا المخففون وهلك المتقلون  *
 يا علي من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار *
 يا علي ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن البلغم اللبان والسواك وقراءة القرءان *
  يا علي السواك من السنة ويطهر الفم ويجلوا النظر ويرضي الرحمان ويبيض الأسنان ويذهب بالبخر ويشد اللثة ويشهي الطعام ويذهب البلغم ويزيد في الحفظ ويضاعف الحسنات وتفرح به الملائكة  *
 يا علي ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وجعل  ذريته من صلبه وجعل ذريتي من صلبك يا علي أربعة من قواصم الظهر إمام يعصي الله عز وجل ويطاع أمره وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه وفقر لا يجد صاحبه مداويا وجار سوء في دار مقام  *
 يا علي  إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عز وجل في الإسلام حرم نساء الأباء على الأبناء فأنزل الله عز وجل ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء ووجد كنز فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله عز وجل واعلموا انما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الآية ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله تبارك وتعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الآخر الآية وسن في القتل مائة من الإبل فأجرى الله عز وجل ذالك في الإسلام ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى الله عز وجل ذالك في الإسلام  *
 يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام ولا يعبد الأصنام ولا يأكل ما ذبح على النصب ويقول أنا على دين أبي إبراهيم عليه السلام  *
يا علي ثلاث يقسين القلب استماع اللهو وطلب الصيد وإتيان باب السلطان  *
 يا علي كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فحرام أكله  *
 يا علي ليس على زان عقد ولا حد في التعريض ولا شفاعة في حد ولا وصال في صيام ولا تقرب بعد هجرة  *
 يا علي لا يقتل والد بولده  *
 يا علي لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب ساه  *
 يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد الجاهل ركعتان يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد  *
 يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه ولا يصوم الضيف إلا بإذن صاحبه يا علي صوم يوم الفطر وصوم يوم الأضحى حرام  *
 يا علي في الزنى ست خصال ثلاث منها في الدنيا وثلاث منها في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل الفناء ويقطع الرزق وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النار  *
 يا علي الربا سبعون جزءا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام  *
 يا علي درهم ربى أعظم عند الله من سبعين زينة بذات محرم في بيت الله الحرام  *
 يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمومن ولا مسلم ولا كرامة له  *
 يا علي تارك الزكاة يسأل الرجعة إلى الدنيا وذالك قول الله عز وجل حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون الآية  *
يا علي تارك الحج وهو يستطيع كافر قال الله تبارك وتعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين *
 يا علي من شوق بالحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا  *
 يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراما  *
 يا علي صلة الرحم تزيد في العمر *
 يا علي افتتح الطعام بالملح وأختمه به فإن فيه شفاء من سبعين داء *
 يا علي أنا ابن الذبيحين أنا دعوة أبي إبراهيم  *
 يا علي أحسن العقل ما اكتسب به الجنة وطلب به رضى الرحمان  *
 يا علي إن أول خلق خلقه الله عز وجل العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك بك ءاخذ وبك أثيب وبك أعاقب  *
 يا علي لا صدقة وذو رحم محتاج لا خير في قول إلا مع الفعل ولا في المال إلا مع الجود ولا في الصدقة إلا مع الوفاء ولا في الوفاء إلا مع الورع ولا في الصدقة إلا مع النية ولا في الحياة إلا مع الصحبة ولا في الوطن إلا مع الأمن والسرور *
 يا علي لا تماكس في أربعة في شراء الأضحية والكفن والتسمية و الكراء  إلى مكة  *
  يا علي ألا أخبرك بأشبهكم بي خلقا قال بلى يا رسول الله قال أحسنكم خلقا وأعظمكم حلما وأبرمكم لقرابته وأشدكم من نفسه إنصافا  *
 يا علي أمان لأمتي من الغرق إذا هم ركبوا السفن أن يقولوا بسم الله الرحمان الرحيم وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون بسم الله مجريها ومرسيها إن ربي لغفور رحيم  *
  يا علي أمان لأمتي من السرقة قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان ايا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى إلى ءاخر السورة *
 يا علي أمان لأمتي من الهدم إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن امسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا *
 يا علي أمان لأمتي من الهم لا حول ولا قوة إلا بالله لا ملجا ولا منجا من الله إلا إليه  *
 يا علي أمان لأمتي من الحرق وإن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين وما قدروا الله حق قدره الآية  *
 يا علي من خاف السباع فليقرأ لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة *
 يا علي من استصعبت عليه دابته فليقرأ في أذنها اليمنى وله اسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون يا علي من خاف ساحرا أو شيطانا فليقرأ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض الآية  *
 يا علي حق على الوالد على ولده أن يحسن إسمه  ولا يمشي بين يديه ولا يجلس أمامه ولا يدخل معه الحمام  *
يا علي ثلاثة من الوسواس أكل الطين وتقليم الأظافر بالأسنان وأكل اللحية  *
 يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما  *
  يا علي رحم الله والدين حملا ولدهما على برهما  *
 يا علي من أحزن والديه فقد عقهما  *
 يا علي من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع أن ينصره فلم ينصره خذله الله في الدنيا والآخرة  *
 يا علي من كفى يتيما في نفقته بماله حتى يستغنى وجبت له الجنة البتة  *
 يا علي من مسح يده على رأس يتيم ترحما له أعطاه الله بكل شعرة نورا يوم القيامة *
 ياعلي لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعون من العقل ولا وحدة أوحش من العجب ولا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف عن محارم الله وعما يليق ولا حسن لحسن الخلق ولا عبادة مثل التفكير *
 يا علي آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة وآفة الجمال الخيلاء وآفة السماحة المن *
 يا علي أربعة يذهبن ضياعا الأكل على الشبع والسراج في القمر والزرع في السبخة والصنيعة عند غير أهلها يا علي من نسي الصلاة علي فقد أخطا طريق الجنة *  
  يا علي لأن أدخل يدي في فم النتين إلى المرفق أحب إلي من أسأل من لم يكن شيئا ثم كان  *
 يا علي من تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله عز وجل ي  *
 يا علي تختم باليمين فإنها فضيلة من الله عز وجل : للمقربين فقال بم أختتم  يا رسول الله قال بالعقيق الأحمر فإنه أول جبل أقر لله عز وجل : بالوحدانية ولي بالنبوءة  ثم قال صلى الله عليه وسلم : لسلمان الفارسي رضي الله عنه يا سلمان إن لك في علتك إذا اعتللت ثلاث خصال أذت من الله عز وجل : بذكر ودعائك فيها مستجاب ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته عنك متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك .       ثم قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه  يا أبا ذر إياك والسؤال فإنه ذل حاضر وفقر تتعجله وفيه حساب طويل يوم القيامة يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك يا أبا ذر لا تسأل بكفك شيئا وإن أتاك شيء فاقبله . ثم قال صلى الله عليه وسلم : لأصحابه إلا أخبركم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال المشائون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب


الوصية الثانية 

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
قال دخلت أنا وخمسة رهط من أصحابنا يوما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلنا يا رسول الله نحن على هذه الحال مدة طويلة فقال صلى الله عليه وسلم : اشكروا الله تعالى : فإني قرأت كتاب الله الذي انزل علي فما وجدت أول من يدخل الجنة إلا الصابرين قال الله تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أولائك يجزون الغرفة بما صبروا اني جزيتهم اليوم بما صبروا انهم هم الفائزون وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا اولائك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والتمرات وبشر الصابرين } قلنا يا رسول الله فمن الصابرون قال الذين يصبرون على طاعة الله واجتنبوا المعصية الذين كسبوا طيبا وأنفقوا قصدا وقدموا فضلا فاصفحوا وأصلحوا * يا ابن مسعود سيماهم الخشوع والوفاء والسكينة والتفكر واللين والعدل والاعتبار والتدبير والتقوى والإحسان والحب في الله والبغض في الله وأداء الأمانة ومعاونة أهل الحق والعفو عمن ظلم *      يا ابن مسعود إذا ابتلوا صبروا وإذا أعطوا شكروا وإذا حكموا عدلوا وإذا قالوا صدقوا وإذا عاهدوا وفوا وإذا ساءوا استغفروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وإذا مروا باللغو مروا كراما يبيتون لربهم سجدا وقياما ويقولون للناس حسنا  * يا ابن مسعود والذي بعثني با لحق إن هاؤلاء هم الفائزون *  يا ابن مسعود من شرح الله صدره  للإسلام فهوعلى نور من ربه  فإن النور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح فقيل يا.رسول الله هل لذالك من علامة فقال : نعم التجافي عن دار الغرور والإنا بة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها وتركها لأهلها  * يا ابن مسعود وقول الله ليبلوكم أيكم أحسن عملا يعني أيكم أزهد في الدنيا إنها دار الغرور ودار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له إن أحمق الناس من طلب الدنيا قال الله تعالى : { اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان } وقال تعالى : { وآتيناه الحكم صبيا } يعني الزهد في الدنيا  وقال تعالى : لموسى يا موسى  إنه لن يزين المزينون بزينة أزين من الزهد يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته * يا ابن مسعود أنضر قول : الله ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبواب وسررعليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذالك لامتاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين وقوله : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولائك كان سعيهم مشكورا * يا ابن مسعود من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ومن خاف النار ترك الشهوات ومن ترقب الموت أعرض عن اللذات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات *  يا ا بن مسعود اقرأ قول الله تعالى : زين لهم حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة الآية *  يا بن مسعود إن الله اصطفى موسى بالكلام والمناجات حتى كان يرى خضرة البقل في بطنه من هزاله وما سال موسى حين تولى إلى الظل إلا طعاما يأكله من الجوع * يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح نبي الله عليه الصلاة والسلام إنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوا إلى الله فكان إذا أصبح يقول لا أمسي وإذا أمسي قال لا أصبح وكان لباسه الشعر وطعامه الشعير وإن شئت نبأتك بأمر داوود خليفة الله عليه الصلاة والسلام في الأرض كان لباسه الشعر وطعامه الشعير وإن شئت نبأتك بأمر سليمان عليه الصلاة والسلام مع ما كان فيه من الملك كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحوارى وكان لباسه الشعر وكان إذا جن الليل شد يده إلى عنقه فلا يزال قائما يصلي حتى يصبح وإن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمان عليه الصلاة والسلام كان لباسه الصوف وطعامه الشعير وإن شئت نبأتك بأمر يحيي عليه الصلاة والسلام كان لباسه الليف وكان يأكل أوراق الشجر وإن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فهو العجب كان يقول إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف ودابتي رجلاي وسراجي بالليل القمر واصطلائي في الشتاء مشارق الشمس وفاكهتي وريحانتي بقول الأرض مما يأكل الوحوش والنعام أبيت وليس لي شيء وأصبح وليس لي شيء وليس على الأرض واحد أغنى مني *  يا ابن مسعود إنهم يبغضون ما أبغض الله ويصغرون ما صغر الله ويزهدون ما زهد الله وقد أثنى عليهم في محكم كتابه فقال لنوح إنه كان عبدا شكورا وقال لإبراهيم واتخذ الله إبراهيم خليلا وقال لداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض وقال لموسى عليه السلام وكلم الله موسى تكليما وقال أيضا لموسى وقربناه نجيا وقال ليحيى عليه السلام وآتيناه الحكم صبيا وقال لعيسى عليه السلام يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا إلى قوله : { وإذا تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني } وقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } *  يا ابن مسعود كل ذالك لما خوفهم الله في كتابه من قوله وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم وقال تعالى وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون *  يا ابن مسعود النار لمن ركب محرما والجنة لمن ركب الحلال فعليك بالزهد فإن ذالك مما يباهي الله به الملائكة وبه يقبل الله عليك بوجهه ويصلي عليك الجبار .
يا ابن مسعود سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيبات الطعام وألونها ويركبون الدواب ويزينون بزينة المرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء هم منافقوا هذه الأمة في آخر الزمان شاربون بالقهوات لاعبون بالكعاب راكبون للشهوات تاركون للجماعات مفرطون في الغدوات يقول الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } * يا ابن مسعود كلامهم الحكمة وأعمالهم   لا تقبل أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها * يا بن مسعود ما ينفع من ينتعم في الدنيا إذا اخلد في النار يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فيبنون الدار ويشيدون القصور ويزخرفون المساجد ليست همتهم إلا الدنيا عاكفون عليها متعمقون فيها آلهتهم بطونهم قال الله تعالى :   { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله واطيعون } وقال تعالى :   أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه } إلى قوله تذكرون .
وما هو إلا منافق جعل دنياه هواه وإلاهه بطنه يأكل ما اشتهى من الحلال والحرام لا يمتنع منه قال الله تعالى : { وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع }* يا ابن مسعود محادثتهم نساؤهم وشرابهم الدرهم والدينار وهمتهم بطونهم أولائك شر الأشرار الفتنة منهم وإليهم تعود *  يا ابن مسعود اقرأ قول الله تعالى : أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون * يا ابن مسعود أعينهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع *  يا ابن مسعود الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء فمن أدرك ذالك الزمان ممن يظهر من أعقابهم فلا يسلم عليهم في ناديهم ولا يشيع جنائزهم ولا يعد مرضاهم فإنهم يستنون بسنتكم ويظهرون دعواتكم ويخالفون أفعالكم فيموتون على غير ملتكم أولائك ليسوا مني ولست منهم *  يا ابن مسعود لا تخف أحدا غير الله فإن الله تعالى: يقول { أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } ويقول { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا أنظرونا نقتبس من نوركم } إلى قوله وبيس المصير*  يا ابن مسعود عليهم لعنة الله مني ومن جميع المسلمين والملائكة المقربين وعليهم غضب الله وسوء الحساب في الدنيا والآخرة  * يا ابن مسعود يظهرون الحرص الفاحش والحسد الظاهر ويقطعون الأرحام ويزهدون في الخير وقد قال الله تعالى :   { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولائك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقال تعالى : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا }*  يا ابن مسعود يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمرة بكفيه فإن كان في ذالك الزمان ذيبا وإلا أكلته الذياب *  يا ابن مسعود علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة أشرار خلق الله وكذالك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجا لسهم ويشاورهم أشرار خلق الله يدخلهم نار جهنم صم بكم عمي مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا * يا ابن مسعود يدعون أنهم على ديني وسنتي ومنها وشرائعي إنهم مني براء وأنا منهم بريء *  يا ابن مسعود لا تجالسوهم في الملإ ولا تبايعوهم في الأسواق ولا تهدوهم الطريق ولا تسقوهم الماء قال الله تعالى : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } الآية وقال الله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها وما له في الآخرة من نصيب } *  يا ابن مسعود ما أكثر ما تلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء والجدال أولائك أذلاء هذه الأمة في دنياهم والذي بعثني بالحق ليخسفن الله بهم ويمسخنهم قردة وخنازير قال فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكينا لبكائه وقلنا يا رسول الله ما يبكيك فقال رحمة للأشقياء يقول الله تعالى : { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب } *  يا ابن مسعود من تعلم العلم يريد به الدنيا وآثر عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط الله عليه وكان في الدرك الأسفل من النار مع اليهود والنصارى الذين نبذوا كتاب الله تعالى قال الله تعالى : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } *  يا ابن مسعود من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم الله عليه الجنة * يا ابن مسعود من تعلم العلم ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى ومن تعلم العلم رياء وسمعة ويريد به الدنيا نزع الله بركته وضيق عليه معيشته ووكله الله إلى نفسه ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك قال الله تعالى : { فمن كان يريد لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } *  يا ابن مسعود ليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء والزهاد لأن الله تعالى : قال في كتابه { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } *  يا ابن مسعود اعلم إنهم يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا ففي ذالك يطبع الله على قلوبهم فلا يكون فيهم الشاهد بالحق ولا القوامون بالقسط قال الله تعالى : : كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } *  يا ابن مسعود يتفاضلون بإحسابهم وأموالهم يقول الله تعالى :  { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى } *  يا ابن مسعود عليك بخشية الله تعالى : وأداء الفرائض فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة ويقول : { رضي الله عنهم ورضوا عنه ذالك لمن خشي ربه } *  يا ابن مسعود دع عنك ما لا يعنيك فإن الله تعالى : يقول { لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه } *  يا ابن مسعود إياك أن تدع طاعته وتقصد معصيته شفقة على أهلك لأن الله يقول تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} *  يا ابن مسعود احذر الدنيا ولذاتها وشهواتها فإنه سبحانه يقول { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذالك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب قل اونبيئكم بخير من ذالكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد } *  يا ابن مسعود لا تغترن بصلاحك وعملك وبرك وعبادتك  *  يا ابن مسعود إذا تلوت كتاب الله تعالى : فأتيت على آية فيها أمر ونهي فرددها نظرا واعتبار فيها  ولا تنه عن ذالك فإن نهيه يدل على ترك المعاصي وأمره على عمل البر والصلاح فإن الله تعالى يقول فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } *  يا ابن مسعود لا تحقرن ذنبا ولا تصغرنه واجتنب الكبائر فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنبه دمعت عيناه قيحا ودما يقول الله تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا * يا ابن مسعود إذا قيل لك اتق الله  فلا تغضب فإنه يقول وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم *  يا ابن مسعود قصر أملك فإذا أصبحت فقل لا أمسي وإذا أمسيت فقل إني لا أصبح واعزم على مفارقة الدنيا وأحب لقاء الله ولا تكره لقاءه فإن الله يحب لقائه ويكره من يكره لقائه *  يا ابن مسعود لا تغرس الأشجار ولا تجر الأنهار ولا تزخرف البنيان ولا تتخذ الحيطان والبستان فإن الله تعالى : يقول ألهاكم التكاثر} *  يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر ويسمونه النبيذ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين أنا منهم بريء وهم مني بر اء * يا ابن مسعود الزاني بأمه أهون عند الله ممن يدخل في ماله من الربا مثقال حبة من خردل ومن شرب المسكر قليلا كان أو كثير فهو أشد عند الله من آكل الربا لأنه مفتاح كل شر * يا ابن مسعود أولائك يظلمون الأبرار ويصدقون الفجار الحق عندهم باطل والباطل عندهم حق وهم يعلمون أنهم على غير الحق ولا كن زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ورضوا با لحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولائك مأواهم النار بما كانوا يكسبون * يا ابن مسعود قال الله تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين وأنهم ليصدون عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبيس القرين } *  يا ابن مسعود إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي وفرائض الله قال الله تعالى : { فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم بما صبروا إنهم هم الفائزون } *  يا ابن مسعود احذر شر الخطيئة فإن للخطيئة شكر كشكر التواب بل هي أشد شكرا منه يقول الله تعالى: { صم بكم عمي فهم لا يرجعون ويقول إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } *  يا ابن مسعود الدنيا ملعونة ماعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وتصديق ذالك في كتاب الله كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } *  يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمله لله خالصا لأنه      لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا فإنه يقول : { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى } * يا ابن مسعود دع نعيم الدنيا والزم نفسك الصبر عنها فإنك مسئول عن هذا كله قال الله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } * يا ابن مسعود لا تلهينك الدنيا وشهواتها فإن الله يقول : { أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } *  يا ابن مسعود إذا عملت عملا من البر وأنت تريد بذالك غير الله فلا ترج بذالك منه ثوابا فإنه يقول : { فلا تقيم لهم يوم القيامة وزنا } *  يا ابن مسعود إذا أمدحك الناس فقالوا إنك تصوم النهار ويقوم الليل وأنت على غير ذالك فلا تفرح { ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم } *  يا ابن مسعود أكثر من الصالحات والصبر فإن المحسن والمسيء يندمان يقول المحسن يا ليتني ازددت من الحسنات ويقول المسيء قصرت وتصديق ذالك قوله تعالى : { ولا اقسم بالنفس اللوامة } *  يا ابن مسعود لا تقدم الذنب ولا تؤخر التوبة ولا كن قدم التوبة وأخر الذنب فإن الله تعالى : يقول في كتابه { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } *  يا ابن مسعود إياك أن تسن سنة بدعة فإن العبد إذا سن سيئة لحقه وزرها ووزر من عمل بها قال الله تعالى : { ونكتب ما قدموا وآثارهم } وقال سبحانه {يبوء الإنسان يومئذ بما قدم وأخر}  يا ابن مسعود لا تركن إلى الدنيا ولا تطمئن إليها فستفارقها عن قليل فإن الله تعالى : يقول : { فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم } وقال تعالى : { أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم } *  يا ابن مسعود تذكر القرون الماضية والملوك الجبابرة الذين مضوا فإن الله تعالى : يقول : { وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذالك كثيرا } *  يا ابن مسعود إياك والذنب سرا وعلانية صغير أو كبيرا فإن الله تعالى : يقول حيثما كنت يراك وهو معكم أين ما كنتم } *  يا ابن مسعود اتق الله في السر والعلانية والبر والليل والنهار فإن الله تعالى : يقول : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذالك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا } *  يا ابن مسعود اتخذ الشيطان عدوا فإن الله تعالى يقول : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } ويقول عن إبليس ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } ويقول : { فا لحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } *  يا ابن مسعود لا تأكل الحرام ولا تلبس الحرام ولا تأخذ من الحرام ولا تعص الله تعالى : لأن الله تعالى : يقول لإبليس { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } وقال { فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } *  يا ابن مسعود خف الله في السر والعلانية فإن الله تعالى  يقول { ولمن خاف مقام ربه جنتان } ولا تؤثرون الدنيا على الآخرة باللذات والشهوات فإنه تعالى : يقول في كتابه : { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى } يعني الدنيا الملعونة والملعون ما فيها إلا ما كان لله *  يا ابن مسعود لا تخونن أحدا في مال يضعه عندك أو أمانة أثمنك عليها فإن الله تعالى يقول { إن الله يا مركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها } *  يا ابن مسعود لا تتكلم بالعلم إلا بشيء سمعته ورأيته فإن الله تعالى : يقول { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسئولا } وقال : ستكتب شهادتهم ويسئلون وقال : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } وقال : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } *  يا ابن مسعود لا تهتم للرزق فإن الله تعالى : يقول { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } وقال : { وفي السماء رزقكم وما تعدون } وقال : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} *  يا ابن مسعود والذي بعثني بالحق نبيئا إن من يدع الدنيا ويقبل على تجارة الآخرة أربح الله تجارته قال الله تعالى : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار قال } *  ابن مسعود بابي أنت وأمي  يا رسول الله كيف لي بتجارة الآخرة فقا ل : لا يبرحن لسانك عن ذكر الله أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر فهذه التجارة المربحة وقال الله تعالى : { يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } *  يا ابن مسعود كل ما بصرته بعينيك واستحلاه قلبك فاجعله لله فذالك تجارة الآخرة لأن الله تعالى يقول : { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } *  يا ابن مسعود إذا تكلمت بلا إله إلا الله ولم تعرف حقها فإنها مردود عليك ولا يزال من يقول لا إله إلا الله يرد غضب الله عن العباد *  يا ابن مسعود أحب الصالحين فإن المرء مع من أحب فإن لم تقدر على عمل البر فأحب العلماء فإنك تحشر مع من أحببت *  يا ابن مسعود إياك أن تشرك بالله طرفة عين وإن قطعت أو صلبت أو أحرقت بالنار يقول الله تعالى : { والذين آمنوا بالله ورسله أولائك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } *  يا ابن مسعود اصبر مع الذين يذكرون الله ويسبحونه ويهللونه ويحمدونه ويعملون بطاعته ويدعونه بكرة وعشيا فإن الله تعالى يقول : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم } *  يا ابن مسعود لا تخترعلى ذكر الله شيئا فإن الله تعالى يقول : { ولذكر الله أكبر } ويقول : { اذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } ويقول : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان } ويقول : { ادعوني استجب لكم } *  يا ابن مسعود عليك بالسكينة والوقاروكن سهلا لينا عفيفا مسلما تقيا نقيا بارا طاهرا مطهرا صادقا خالصا سليما صحيحا لبيبا صالحا صبورا شكورا مومنا ورعا عابدا زاهدا رحيما عليما فقيها .
 يقول الله تعالى :  إن إبراهيم لحليم أواه منيب وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ويقولوا للناس حسنا وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولائك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما وقال الله تعالى : قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذالك فأولائك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولائك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، وقال الله تعالى : { أولائك في جنات مكرمون } وقال تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى قوله أولائك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } *   يا ابن مسعود لا تحملك الشفقة على أهلك وولدك على الدخول في المعاصي والحرام فإن الله تعالى : { يقول يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } وعليك بذكر الله والعمل الصالح فإن الله تعالى يقول : { والباقيات الصالحات خيرعند ربك ثوابا وخير أملا } *  يا ابن مسعود لا تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير ويأمرهم وهو غافل عنه يقول الله تعالى : { اتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } *  يا ابن مسعود عليك بحفظ لسانك فإن الله تعالى يقول : { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } *  يا ابن مسعود عليك بإصلاح السريرة فإن الله تعالى يقول : { يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر } * يا ابن مسعود احذر يوما تنشر فيه الصحائف وتظهر فيه الفضائح فإنه تعالى يقول : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } * يا ابن مسعود اخش الله بالغيب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك  *  يا ابن مسعود انصف الناس من نفسك وانصح الأمة وارحمهم فإذا كنت كذالك وغضب الله على أهل بلدة أنت فيها وأراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم بك يقول الله تعالى : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } *  يا ابن مسعود إياك أن تظهر من نفسك الخشوع والتواضع للأدميين وأنت فيما بينك وبين ربك مصر على المعاصي والذنوب يقول الله تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } يا ابن مسعود لا تكن ممن يشدد على الناس ويخفف على نفسه يقول الله تعالى : { لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون } * يا ابن مسعود إذاعملت عملا فاعمل بعلم وعقل وإياك أن تعمل عملا بغير تدبر وعلم فإنه جل جلاله يقول : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا } * يا ابن مسعود عليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا وانصف الناس من نفسك وأحسن وادع الناس إلى الإسلام وصل رحمك ولا تمكر بالناس وأوف بما عاهدتهم فإن الله تعالى يقول : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون


الوصية الثالثة

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه  قال دخلت ذات يوم على  رسول الله صلى الله عليه وسلم : في المسجد فلم أر فيه أحدا من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت بأبي أنت وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها فقال نعم وأكرم بك * يا أبا ذر إنك من أهل البيت وإني موصيك بوصية فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله وإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان *  يا أبا ذر اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك واعلم إن أول عبادة الله المعرفة به فهو الأول قبل كل شيء فلا شيء قبل والفرد فلا ثاني له والباقي لا إليه غاية فاطر السماوات والأرض وما فيها وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير ثم الإيمان بي والإقرار بأن الله تعالى : أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونديرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
واعلم يا أبا ذر إن الله عز وجل : ( جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق وحب أهل بيتي مثل باب حطة بني إسرائيل من دخلها كان آمنا ) *  يا أبا ذر احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة *  يا أبا ذر نعمتان صحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك *  يا أبا ذر إياك والتسويف بعملك فإنك بيومك ولست بما بعده فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم وإن لم يكن غد لك فلا تندم على ما فرطت في اليوم *  يا أبا ذر كم  مستقبل يوما    لا يستكمله ومنتظرغد لا يبلغه * يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل ومسيره لأبغضت الأمل وغروره * يا أبا ذر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أصحاب القبور*  يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا *  يا أبا ذر إن لم تدرك الصرعة قبل العثرة فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة ولا يحمدك من خلفت بما تركت ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به *  يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك *  يا أبا ذر هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقر منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مقعدا أو موتا مجهزا أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر الساعة أهدى وأمر إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه ومن طلب علما ليعرف به وجوه الناس وفيه ولم يجد ريح الجنة *  يا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل لا أعلمه تنج من تبعته ولا تفت بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة  * يا ابا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون  ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة بتأديبكم وتعليمكم فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله *    يا أبا ذر إن حقوق الله جل ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد ولا كن أمسوا وأصبحوا نائمين *  يا أبا ذر إنك في قمرالليل والنهار في ءاجل منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة ومن يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء لحظة ولا يدرك حريص ما لا يقدر له ومن أعطى خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه *  يا أبا ذر المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم الزيادة إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه وإن الكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه *  يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى : إذا أراد بعبد خيرا جعل ذنوبه بين عينيه وإذا أراد بعبد شرا انساه ذنوبه لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولا كن انظر إلى من عصيت  * يا أبا ذر إن المؤمن أشد اضطرابا من العصفور حين يقذف به في شركة *  يا أبا ذر من وافق قوله فعله فذالك الذي أصاب حظه ومن خالف قوله فعله فإنما يوبق نفسه *  يا أبا ذر إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه * يا أبا ذر دع ما كنت منه في شك ولا تنطق بما لا يعنيك واخزن لسانك كما تخزن رزقك *  يا أبا ذر إن الله جل ثنائه ليدخل قوما إلى الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم قوم في الدرجات العلا فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا فبقال هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمئون حين تروون ويقومون ويشخصون حين تخفظون *  يا أبا ذر جعل الله جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة وحبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام وإلى الظمئان الماء وان الجائع إذا أكل شبع وإن الظمئان إذا شرب روي وأنا لا أشبع من الصلاة *  يا أبا ذر أيما رجل تطوع في يوم وليلة باثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة وجبت له الجنة  * يا أبا ذر إنك ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار ومن يكثر قرع الملك يفتح له *  يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم مصليا إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي يا ابن آدم لو تعلم ما لك في الصلاة ومن تناجي ما انفلت * يا أبا ذر طوبى لأصحاب الأولين يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة إلا وهم السابقون إلى المسجد بالأسحار وغير الأسحار * يا أبا ذر الصلاة عماد الدين واللسان أكبر والصدقة تمحوا الخطيئة واللسان أكبر والصوم جنة من النار واللسان أكبر*  يا أبا ذر بين الدرجة والدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض وان العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذالك فيقول ما هذا نورا أحبك فيقول أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل على هاكذا فيقال له إنه كان أفضل منك عملا لم يجعل في قلبه غلا لأحد * يا أبا ذر الدنيا سجن المومن وجنة الكافر وما أصبح فيها مؤمنا إلا حزينا فكيف لا يحزن المومن وقد أوعده الله جل ثنائه إنه وارد جهنم ولم يعده إنه صا درعنها وليلقين أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فلا ينتصر فلا يزال فيها حزينا حتى يفارقها فإذا فارقها أفضى إلى الراحة * يا أبا ذر ما عند الله عز وجل من الكرامة على طول الحزن * يا أبا ذر من أوتي من العلم ما لا يبكيه حقيق أن يكون قد أوتي علما     لا ينفعه الله به إن الله نعت العلماء فقال عز وجل : { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } يا أبا ذر من استطاع أن يبكي فليبك ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك ان القاسي بعيد من الله ولا كن لا تشعرون *  يا أبا ذر يقول الله تبارك وتعالى : ( لا اجمع على عبد بين خوفين ولا اجمع له بين أمنين فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا أختفاني في الدنيا أمنته يوم القيامة *  يا أبا ذر لو أن رجلا كان له كعمل سبعين نبيا لاحتقره وخشي أن لا ينجوا من شر يوم القيامة  *  يا أبا ذر إن العبد لتعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيقول آما إني كنت خائفا مشفقا فيغفر له  * يا أبا ذر إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها ويعمل المحقرات يعرض على الله وهو عليه غضبان وان الرجل يعمل السيئة فيفرق منها يأتي آمنا يوم القيامة * يا أبا ذر ان العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة فقلت وكيف ذالك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال يكون ذالك الذنب نصب عينيه تائبا منه فار إلى الله عز وجل : حتى يدخل الجنة *   يا أبا ذر الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل الأماني *  يا أبا ذر إن أول شيء يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعا *  يا أبا ذر والذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة أو دابة ما سقى الكافر منها شربة ماء *  يا أبا ذر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله وما من شيء ابغض إلى الله تعالى : من الدنيا خلقها ثم اعرض عنها فلم ينظر إليها حتى تقوم الساعة وما من شيء أحب إلى الله من الإيمان به وترك ما أمر بتركه *  يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى أخي عيسى عليه السلام يا عيسى لا تحب الدنيا فإني لست أحبها وأحب الآخرة فإنها دار المعاد * يا أبا ذر إن جبريل أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء فقال يا محمد هذه خزائن الدنيا ولا تنقص من حظك عند ربك فقلت حسبي جبريل لا حاجة لي بها إذا شبعت شكرت ربي وإذا جعت سألته * يا أبا ذر إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وبصره بعيوب نفسه * يا أبا ذر ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه وانطق لسانه وبصره عيوب الدنيا ودائها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام  * يا أبا ذر إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه يلقن الحكمة فقلت يا رسول الله من ازهد الناس قال من لم ينس المقابر والبلا وترك فضل زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من آثامه وعد نفسه من الموتى *  يا أبا ذر إن الله تبارك وتعالى : لم يوح إلي ان اجمع المال ولا كن أوحى إلي ان سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين *  يا أبا ذر إني ألبس الخشن واجلس على الأرض وألعق أصابعي واركب الحمار بغير سرج وأردف خلفي فمن رغب عن سنتي فليس مني *      يا أبا ذر حب المال والشرف اذهب لدين الرجل من ذيبين صارمين في زرب الغنم فأغار فيها حتى أصبحا فماذا ابقيا منها قال قلت يا رسول الله الخائفون الواضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا هم يسبقون الناس إلى الجنة فقال لا ولا كن فقراء المسلمين فإنهم يأ تون يتخطون رقاب الناس فتقول لهم خزنة الجنة كما أنتم حتى تحاسبوا فيقولون بم نحاسب فو الله ما ملكنا فنجور ونعدل ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ولا كن عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا *  يا أبا ذر إن الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان وان الله تبارك وتعالى : سائلنا عما نعمنا في حرامه *  يا أبا ذر إني قد دعوت الله جل ثناؤه أن يجعل رزق من يحبني كفافا وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد *  يا أبا ذر طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة الذين اتخذوا أرض الله بساطا وترابها فراشا ومائها طيبا واتخذوا كتاب الله شعارا ودعائه دثارا يقرضون الله قرضا * يا أبا ذر حرث الآخرة العمل والعلم وحرث الدنيا المال والبنون *  يا أبا ذر إن ربي قال وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون ما أدرك البكاءون واني لأبني لهم في الرفيق الأعلا قصرا لا يشركهم فيه أحدا قال قلت يا رسول الله أي المومن الكيس قال أكترهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعداد * يا أبا ذر إذا دخل النورالقلب أنفسح واتسع قلت فما علامة ذالك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال الإنابة إلا دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله *  يا أبا ذر اتق الله  ولا تر الناس انك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر يا أبا در ليكن لك في كل شيء نية صالحة حتى في النوم والأكل *  يا أبا ذر إن لله ملائكة قياما من خيفة الله ما رفعوا رءوسهم حتى ينفخ في الصورالنفخة الآخرة فيقولون جميعا سبحانك ربنا وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تعبد * يا أبا ذر لو عمل الرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ ولو أن دلوا من غسلين صب في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها ولو زفرت زفرة لم يبق ملك ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه يقول رب ارحم نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلام ويقول يا رب أنا خليلك إبراهيم فلا تنسني * يا أبا ذر لم أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضائت الأرض أفضل مما يضيئها القمر ليلة البدر ولوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض ولو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم * يا أبا ذر اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن *  يا أبا ذر إذا تبعت جنازة فيكن عقلك فيها مشغولا بالتفكير والخشوع واعلم أنك لا حق به *  يا أبا ذراعلم أن كل شيء إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح ليس له دواء واعلم أن فيكم خلقين الضحك من غير عجب والكسل من غير سهو *  يا أبا ذر ركعتان مقتصرتان في التفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه *  يا أبا ذر الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو ورب شهوة ساعة تورث حزنا طويلا *  يا أبا ذرلا تصيب حقيقة الإيمان حتى ترى الناس كلهم حمقى في دينهم عقلاء في دنياهم *   يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا وزن نفسك قبل أن توزن وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى منك على الله خافية *  يا أبا ذر استحي من الله فإني والذي نفسي بيده لا أزال حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملائكة اللذين معي *  يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة فقلت نعم فداك بأبي قال فاقصر من الأمل واجعل الموت نصب عينيك واستحي من الله حق الحياء قال قلت يا رسول الله كلنا نستحي من الله قال ليس ذالك الحياء ولا كن الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلا وتحفظ الجوف وما وعى والرأس وما حوى ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا فإذا كنت كذالك أصبت ولاية *  يا أبا ذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح * يا أبا ذر مثل الذي يدعوا بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر*  يا أبا ذرإن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته والدويرات حوله ما دام فيهم  * يا أبا ذر إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر رجل في  أرض قفر فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي فيقول ربك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري فينزل سبعون ألف ملك يصلون ورائه ويستغفرون له إلى الغد من ذالك اليوم ورجل قام من الليل يصلي وحده فسجد  فنام وهو ساجد فيقول الله تعالى : انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد ورجل في زحف فر أصحابه وثبت هو فقاتل حتى قتل *  يا أبا ذر ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت لربها يوم القيامة وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذالك المنزل عليهم أو يلعنهم *  يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض تنادي بعضها بعضا يا جارة هل مر بك ذكر الله تعالى : أو وضع جبهته عليك ساجدا لله فمن قائلة لا ومن قائلة نعم وقد اهتزت وانشرحن وترى أن لها الفضل على جارتها *  يا أبا ذرإن الله جل تناؤه لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة فلم تزل الأرض والشجر كذالك حتى تكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم اتخذ الله ولدا فلما قالوها اقشعرت الأرض وأذهبت منفعة الأشجار*  يا أبا ذر لتبكي على المومن إذا مات أربعين صباحا *  يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قفر يتوضا أو يتيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر الله عز وجل : الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفا يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه * يا أبا ذر من أقام ولم يأذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه *  *  يا أبا ذر ما من شاب نزل بي الدنيا وأفنى شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر إثنين وسبعين صديقا   يا أبا ذرالذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين *  يا أبا ذر الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من جليس السوء وإملاء الخير خير من السكوت والسكوت خير من إملاء الشر *  يا أبا ذر اطعم طعامك من تحبه في الله وكل طعام من يحبك في الله عز وجل *  يا أبا ذر إن الله عز وجل عند لسان كل قائل فليتق الله امرء وليعلم ما يقول * يا أبا ذر اترك فضول الكلام وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك * يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع *  يا أبا ذر ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان * يا أبا ذر إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وإكرام حملة القرءان العاملين وإكرام السلطان المقسط * يا أبا ذرما عمل من لم يحفظ لسانه * يا أبا ذر لا تكن عيابا ولا مداحا ولا طعانا ولا محاربا *  يا أبا ذر لا يزال العبد يزداد من الله تعالى بعدا ما ساء خلقه *  يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة *  يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مسجد الله كانت له الجنة فقلت بأبي وأمي يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله قال لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض بالباطل ولا يشتري فيها ولا يباع فاترك اللغو ما دمت فيها فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك *   يا أبا ذر إن الله يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست فيه درجة في الجنة وتصلي عليك الملائكة ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات وتمحي عنك عشر سيئات *  يا أبا ذر اعلم في أي شيء أنزلت هذه الآية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون قلت لا وفداؤك أبي وأمي قال في انتظار الصلاة *  يا أبا ذر إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات وكثرة الاختلاف إلى المسجد فذالكم الرباط *  يا أبا ذر يقول الله تبارك وتعالى إن أحب العباد إلي المتحابون من أجلي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار أولائك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم *  يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة جلوس مصل أو ذاكر الله أو سائل عن علم *   يا أبا ذركن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل يقول الله عز وجل : إنما يتقبل الله من المتقين * يا أبا ذرلا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه أمن حل ذالك أم من حرام *  يا أبا ذرمن لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل : من أين ادخله النار* يا أبا ذرمن شره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل *  يا أبا ذرإن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا لله وأكرمكم عند الله عز وجل : اتقاكم له وانجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا *  يا أبا ذرإن المتقين الذين يتقون الشيء الذي لا يتقى منه خوفا من الدخول في الشبهة *  يا أبا ذرمن أطاع الله عز وجل فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن *  يا أبا ذرفلاك الدين الورع ورأسه الطاعة *  يا أبا ذركن ورعا تكن اعبد الناس وخير دنياكم الورع  * يا أبا ذرفضل العلم خير من فضل العبادة واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنا يا  وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما نفعكم ذالك إلا بورع *  يا أبا ذرأهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله تعالى حقا *  يا أبا ذرمن لم يأت يوم القيامة بثلاثة فقد خسر قلت وما الثلاث فداك أبي وأمي قال ورع يحجز عما حرم الله عز وجل : عليه وحلم يرد به جهل السفيه وخلق يداري به الناس*  يا أبا ذرإن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على على الله عز وجل : وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجل : أو ثق منك بما في يدك *  يا أبا ذر لو إن الناس كلهم اخذوا بهذه الآية لكفتهم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره *  يا أبا ذر يقول الله جل ثناؤه وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكففت عنه ضيقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر*  يا أبا ذرلو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت *  يا أبا ذرألا أعلمك كلمات ينفعك  الله عز وجل : بهن قلت بلى يا رسول الله قال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء  يعرفك في الشدة وإذا سألت فسال الله عز وجل : وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جف القلم بما هو كائن إلى القيامة فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتب لك ما قدروا عليه ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه فإن استطعت أن تعمل لله عز وجل : با لرضى في اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وان النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرى * يا أبا ذر استعن يغنك الله فقلت وما هو يا رسول الله قال غداء يوم وعشاء ليلة لمن متع بما رزقه الله *  يا أبا ذر فهو أغنى الناس *  يا أبا ذر إن الله عز وجل يقول اني لست كلام الحكيم أتقبل ولا كن همه وهواه فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضي جعلت صمته حمدا لي وذكرا وإن لم يتكلم *  يا أبا ذرإن الله تبارك وتعالى : لا ينظر إلى صورتك ولا إلى أموالكم ولا كن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم *   يا أبا ذر التقوى هاهنا التقوى وأشار إلى صدره *  يا أبا ذرأربع لا يصيبهن إلا مؤمن الصمت وهو أول العبادة والتواضع لله سبحانه وذكر الله تعالى : في كل حال وقلة الشيء يعني قلة المال *  يا أبا ذرهم بالحسنة وإن لم تعملها كيلا تكتب من الغافلين *  يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنة قلت يا رسول الله وإنا لنواخذ بما تنطق به السنتنا قال *  يا أبا ذر وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم إنك لا تزل سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك *  يا أبا ذرإن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوى في جهنم ما بين السماء والأرض * يا أبا ذرويل للذي يحدث ويكذب ليضحك به القوم ويل ويل له  * يا أبا ذرمن صمت نجا فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبا أبدا قلت يا رسول الله فما توبة الرجل يكذب متعمدا قال الاستغفار والصلوات الخمس تغسل ذالك * يا أبا ذرإياك والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنى قلت يا رسول الله ولم ذالك بأبي أنت وأمي قال لأن الرجل يزني ويتوب إلى الله فيتوب الله عليه والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها *  يا أبا ذر سباب المسلم فسرق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه قلت يا رسول الله وما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قلت يا رسول الله فإن كان فيه ذالك الذي يذكر به قال اعلم إنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته * يا أبا ذرمن ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله عز وجل أن يعتقه من النار*  يا أبا ذر من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره قصره الله عز وجل في الدنيا والآخرة  *  يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة *  يا أبا ذر من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار*  يا أبا ذرالمجالس بالأمانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذالك واجتنب مجلس العشيرة *  يا أبا ذر تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم الإثنين والخميس يغفر لكل عبد مؤمن إلا عبد كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا * يا أبا ذر إياك وهجران أخيك فإن العمل لا يتقبل مع الهجران *  يا أبا ذرأنهاك عن الهجران وإن كنت لا بد فاعلا فلا تهجره فوق ثلاثة أيام فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به * يا أبا ذر من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبؤا مقعده من النار*  يا أبا ذر من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذالك فقال رجل يا رسول الله اني ليعجبني الجمال حتى وددت ان علاقة سيفي وقبال نعلي حسن فهل يعذب على ذالك قال كيف تجد قلبك قال أجده عارفا للحق مطمئنا إليه قال ليس ذالك بالكبر ولا كن الكبر إن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى أن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك * يا أبا ذر أكثر من يدخل النار المتكبرون فقال رجل وهل ينجوا من الكبر أحد يا رسول الله قال نعم من لبس السوف وركب الحمار وحلب الشاة وجالس المساكين  *  يا أبا ذر من حمل بضاعته فقد بريء من الكبر يعني ما يشتري من السوق * يا أبا ذر من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة *    يا أبا ذر أزرة المومن إلى نصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه *  يا أبا ذر من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد بريء من الكبر *  يا أبا ذر من كان له قميصان فليلبس إحداهما وليلبس الآخر أخاه *  يا أبا ذر سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول اولائك شرار أمتي *  يا أبا ذر من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله       عز وجل : من غير منقصة وأذل نفسه في غير مذلة وأنفق ما جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعمله وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله  *  يا أبا ذر ألبس الخشن من اللباس والصفيف من الثياب ليلا يجد الفخر فيك مسلكا *  يا أبا ذر يكون آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم يرون لهم الفضل بذالك على غيرهم أولائك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض *  يا أبا ذر إلا أخبرك بأهل الجنة قلت بلى  يا رسول الله قال كل أشعث أغبر ذي طمرين     لا يوبه له أقسم على الله لأبره * قال أبو ذر رضي الله عنه  ودخلت يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهو في المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته فقال : يا أبا ذر إن للمسجد تحية قلت ما تحيته      يا رسول الله قال ركعتان تركعهما ، ثم التفت إليه فقلت يا رسول الله أمرتني بالصلاة فما الصلاة قال الصلاة خير موضوع فمن شاء كثر قلت ، يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل : قال الإيمان بالله ثم الجهاد في سبيل الله ، قلت يا رسول الله أي المؤمن أكمل إيمانا قال أحسنهم خلقا ، قلت وأي المومن أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده ، قلت وأي الهجرة أفضل قال من هجر السوء ، قلت وأي الليل أفضل قال جوف الليل الغابر ، قلت فأي الصلاة أفضل قال طول القنوت ، قلت فأي الصوم أفضل قال فرض مجزيء وعند الله اضعاف ذالك ، قلت فأي الصدقة أفضل قال جهد مقل إلى فقير في سر ، قلت وأي الزكاة أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ، قلت وأي الجهاد أفضل قال ما عقر فيه جواده واهريق دمه ، قلت وأي آية أنزلها الله عليك أعظم قال آية الكرسي ، قال قلت يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم قال كانت امثالا كلها أيها الملك المسلط المبتلي اني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولا كن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يفكر فيها في صنع الله تعالى : وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر وساعة يخلوا فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم  وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام : قال كانت عبرا كلها عجب لمن أيقن بالنار ثم يضحك عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجب عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم يطمئن إليها عجب لمن أيقن بالحساب غدا ثم لم يعمل قلت    يا رسول الله فهل في الدنيا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى مما أنزله الله عليك قال اقرأ  يا أبا ذر  قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل توثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ان هذا يعني هذه الأربع آيات لفي صحف الأولى صحف إبراهيم وموسى قلت يا رسول الله أوصني قال أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك كله فقلت يا رسول الله زدني قال عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض قلت يا رسول الله زدني قال عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي قلت يا رسول الله زدني قال عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمور دينك قلت يا رسول الله زدني قال وإياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب نور الوجه قلت يا رسول الله زدني قال انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك قلت يا رسول الله زدني قال صل قرابتك وإن قطعوك وأحب المساكين وأكثر مجالستهم قلت يا رسول الله زدني قال لا تخف في الله لومة لا ئم قلت يا رسول الله زدني قال يا أبا ذر ليردك على الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي وكفى بالرجل عيبا ان تعرف من الناس ما يجهل من نفسه ويجد عليهم فيما يأتي قال ثم ضرب على صدري وقال يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف عن المحارم ولا حسن كحسن الخلق .

وهنا انتهت هذه الرسالة المباركة بحمد الله
تعالى وحسن عونه وتوفيقه الجميل ويمنه
وصلى الله على سيدنا ومولانا
محمد وآله وصحبه وكان
الفراغ من طبعها
22  رمضان عام
1320