بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمدوآله وأصحابه وسلم تسليما
نبدة من مؤلفات الشيخ البوعزاوي
الفصل الأول
في حمله ووضعه ورضاعه صلى الله عليه وسلم وعلى آله حمدا لمن ابرز سيدنا محمد الروحاني رحمة للعباد واظهر سراجه النوراني ضوءا في سائر البلاد فكانت حقيقته الأحمدية هي السابقة وحقيقة الأشياء الوجودية لها لاحقة فظهرت كلمة واجبة صادقة بان الخاتمة هي عين السابقة ثم برقت من مشكاة بعثته بوارق طالع الحقائق وانقادت لدعوته العامة خاصة خلاصة الخلائق ولم يزل يجاهد في الله بصادق عزماته وينظم شتات الإسلام بعد افتراق جهاته ويسقي بستان الكون بوابل صوب رحماته ويعطر أرجاء الملكوت بنواسم عرق نفحاته ويحيي معالم الدين بعد أندراسها بظهور معجزاته
وشوارق آياته حتى كملت كلمات دينه وحجته البالغة ويتم على سائر أمته الأمية نعمه السابغة وخيره فاختار الرفيق الأعلى
واثر الآخرة على الأولى فنقله الله قائما على قدم السلامة إلى دار السلام وفردوس الكرامة وبوأه مراقي التكريم في دار المقامة ومنحه أعلا مواهب الشرف في اليوم المشهود فهو الشاهد المشهود والحامد بالمحامد التي يلهمها في المقام المحمود ذو المنزلة العلية والدرجة السنية في مضائر القدس الأقدسية ومشاهد الأنس واصل الله عليه فواضل الصلوات وشرائف التسليم ونوامي البركات وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار
قال النسفي خلق الله رأس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من البركة ، وعينيه من الحياة ، وأدنيه من الغيرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الإخلاص ، وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة ، وكفيه من الكرم ، وشعره من نبات الجنة ، وريقه من عسلها ، ولحمه من مسكها وعظمه من كافورها ، وأسنانه من اليمن ورجليه من الأرض ، وعضديه من القوة ، فلما أكمله الله تعالى : بهذه الصفة أرسله الله تعالى : إلى هذه الأمة
وقال هذه هديتي إليكم فارفعوا قدره وعظموه
قال ابن عباس رضي الله عنهما لما دخل عبد الله بزوجته أمنة انتقل النور إليها حملت بسيد الوجود صلى الله عليه وسلم قال ولم تبق تلك الليلة دابة لقريش إلا نطقت وقالت قد حمل بمحمد ورب الكعبة فهو أمان الدنيا وسراج أهلها وصاح إبليس لعنه الله على جبل أبي قبيس فاجتمعت عليه الشياطين فقالوا ما الذي قد أصابك قال قد استقر محمد في بطن أمه أمنة يبعثه الله بالسيف القاطع فيغير الأديان ويكسر الصلبان
وقال في روضة الأفكار عن سهل رضي الله عنه لما أراد تعالى : خلق محمد صلى الله عليه وسلم في بطن أمه أمر رضوان بواب الجنة أن يفتح تلك الليلة أبواب الفردوس وأمر مناديا في السماوات والأرضين إلا وأن النور المكنون المخزون في هذه الليلة قد استقر في بطن أمنة . قالت أمنة ما شعرت أني حملت بولي محمد لأني ما وجدت له وحما وثقلا كما تجد الحوامل ولكني أنكرت انقطاع حيضتي ولقد رأيت وأنا حاملة به نورا أضاء له المشرق والمغرب حتى رأيت قصور بصرى من أرض الشام
في الشهر الأول رأيت رجلا طويلا فقال أبشري فقد حملت بسيد المرسلين فقلت له من أنت فقال أبوه آدم . وفي الشهر الثاني أتاني آت فقال أبشري فقد حملت بسيد الأولين والآخرين فقلت له من أنت فقال شيت
وفي الشهر الثالث أتاني آت وقال أبشري فقد حملت بالنبي الكريم فقلت له من أنت فقال نوح
وفي الشهر الرابع أتاني آت وقال ابشري فقد حملت بالسيد الشريف والنبي العفيف فقلت له من أنت فقال إدريس
وفي الشهر الخامس أتاني آت وقال ابشري فقد حملت بسيد البشر فقلت له من أنت قال هود
وفي الشهر السادس أتاني آت وقال ابشري فقد حملت بالنبي الهاشمي فقلت له من أنت قال إبراهيم
وفي الشهر السابع أتاني آت وقال ابشري فقد حملت بحبيب رب العالمين فقلت له من أنت قال إسماعيل وفيه انشق إيوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرافة
وفي الشهر الثامن أتاني آت وقال ابشري فقد حملت بخاتم النبيئين فقلت له من أنت قال موسى وفيه خمدت نيران فارس
وفي الشهر التاسع أتاني آت وقال ابشري فقد حملت بمحمد فقلت له من أنت قال عيسى وفيه سقط التاج عن رأس كسرى
وقيل في الشهر الرابع مات أبوه عبد الله ودفن بالمدينة وهو ابن خمسة وعشرين سنة
قالت امنة لما كانت ليلة الولادة رأيت جماعة قد نزلوا من السماء ومعهم ثلاثة أعلام بيض فركزوا علما على ظهر الكعبة وعلما على سطح داري وعلما على بيت المقدس ودنت مني النجوم حتي أني أقول ليقعن علي وامتلأت الأرض نورا وفتحت أبواب السماء ثم عكف على منزلي طيور كثيرة مناقرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت ورأيت الديباج قد بسط بين السماء والأرض ورأيت رجالا في الهواء بأيديهم أباريق من الفضة بسلاسل من الذهب وقد ضاق من الوحدة صدري إذ دخل علي جماعة من النساء لم أر أحسن منهن معهن اسية امرأة فرعون وكانت هي القابلة لكن في الشفاء عن أم عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنها قالت لما سقط محمد صلى الله عليه وسلم على يدي من بطن أمه واستهل سمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب ثم اشتد في الطلق فرأيت طيرا عظيم الخلقة حسن الهيئة فمسح بجناحيه على بطني فوضعت ولدي محمدا مستقيما أي خرج بأقدامه الكريمة
ولم يخرج منكوسا أشارت إلى أنه صلى الله عليه وسلم : لم يزل قائما في حدود الله ثم تكلم بكلام فصيح وقال
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله رب العالمين
قال عكرمة قال ابن عباس عن أبيه العباس عن أبيه عن عبد المطلب ولد محمدا مختونا مشدورا أي مقطوع السرة
قالت امنة فلما وضعته وكان وجهه كالقمر غيبه رجل عني ساعة وإذا به قد رده وقال خذيه قد طافوا به المشارق والمغارب والساعة كان عنده أبيه آدم فقبله بين عينيه فقال ابشر يا حبيبي فإنك سيد ولدي من الأولين والآخرين فمضى الرجل الذي غيبه وهو يقول : يا عز الدنيا ويا شرف الآخرة . من قال مقالتك وشهد بشهادتك يحشر يوم القيامة تحت لوائك
قال ابن عباس رضي الله عنه أن رضوان بواب الجنة وهو الذي ختم بين كتفيه بخاتم النبوءة
وقال عبد المطلب وكنت ليلة مولد محمد صلى الله عليه وسلم : أطوف بالكعبة فتمايلت الكعبة وخرت ساجدة تحت المقام وتساقطت الأصنام الله أكبر الله أكبر ولد محمد الأزهر الآن طهرني ربي من أنجاس المشركين وسمعت قائلا يقول ألا وإن امنة قد ولدت محمدا وأنكبت عليها سحائب الرحمة فأتيت منزل امنة فرأيت سحابة قد أظلت حجرتها فجعلت أمسح عيني وأقول أنا نائم أم يقظان فناديت يا امنة أفتحي الباب ففتحته فإذا المسك يفوح من حجرتها فقلت لها ما الخبر فقالت ولد محمد فقال دعيني أنظر إليه قالت إنه في البيت فلما أردت الدخول إليه خرج رجل معه سيف وقال مهلا حتى تنقضي عنه زيارة الملائكة والذي عليه الجمهور هو المشهور أنه ولد عام الفيل أو قبله بخمسين يوما في ربيع الأول لاثني عشرة خلت منه ولما كان في شهر ربيع ولم يكن في غيره من الأشهر المعظمة تنبيها على أن الزمان يحصل له الشرف به صلى الله عليه وسلم
قال السهيل في الروض وأهل الحساب يقولون وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان وكان لعشرين مضت منه
قال بعض العارفين
فصل الربيع هو أفضل الفصول وأحسنها وأكثرها ضوءا ونورا وابتهاجا وإشراقا وأقربها إلى الاعتدال واجلبها لانشراح الزهور والأرواح فتحيا به الأرض بعد موتها وتخرج نباتها وبركاتها وتكثرأنواع الأزهار والأنوار فكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ومن بهائه روح كل شيء وحياة كل شيء
ولذا قال الشيخ الأكبر مولانا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وصفه صلى الله عليه وسلم : مميت حي الشقاوة ومحيي ميت السعادة فكانت ذاته صلى الله عليه وسلم : نورانية بالأنوار تسطع عليه لا تفارقه لا مطلاق الأنوار بل أنوار مصحوبة برونق غريب وحسن بليغ بديع فتنفعل له النفوس الكريمة وتنجذب نحوه الطبائع المستقيمة وتميل معه بكلتيها الأرواح الغير المحجوبة ويشهد صحيح الإدراك في شهوده مطلوبة ومرغوبة وتحصل غاية السرور بقربه ورؤيته إذ هو صلى الله عليه وسلم كالجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين فناسب مجيئه الربيع إذ هو للأزواج قوت وربيع
وفي المواهب فيا شهرا ما أشرفه وأوفر حرمة لياليه فإنها اللؤلؤ في العقود ويا وجها ما أشرفه من مولد فسبحان من جعل مولده للقلب ربيعا وحسنه بديعا كما قيل
يقول لنا لسان الحال منه * وقول الحق يعذب للسميع
فوجهي والزمان وشهر وضعي ربيع في ربيع في ربيع
وفي مسند الإمام أحمد عن بن عباس ولد محمد صلى الله عليه وسلم : يوم الإثنين واستنبيء يوم الإثنين وهاجر من مكة إلى المدينة يوم الإثنين ودخل المدينة يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين وفي بعض طرقه أنزلت علي سورة المائدة يوم الإثنين ورفع الحجر يوم الإثنين
وفي هذا دلالة على أفضلية يوم الإثنين على سائر أيام الأسبوع
إلا يوم الجمعة وإنما لم يولد يوم الجمعة إشارة إلى أن الزمان يتشرف به والكلام نظائر يوم ولادته لا فيه بنفسه فإن أفضل من يوم الجمعة ومن سائر المواسم وقد كان يوم الجمعة معظما عند العرب ويوم السبت معظما عند اليهود ويوم الأحد معظما عند النصارى
فعظم الله يوم الإثنين بولادة النبي صلى الله عليه وسلم : ليكون خاتمة الأيام المعظمة كما أنه صلى الله عليه وسلم : ليكون خاتم النبيئين
وقد طرح العلماء رضي الله عنهم بأن ولادته صلى الله عليه وسلم : أفضل من ليلة القدر
كما أن خير القرون قرنه الذي كان فيه صلى الله عليه وسلم : كما أن الصحابة أفضلهم الصديق لشدة قربه المعنوي منه
وانظر أقاويل العلماء في تفضيل موضع قبره صلى الله عليه وسلم : على العرش والكرسي والجنة وسدرة المنتهى وغيرها
فإذا فضلوا الأرض على السماء وإذا ثبت أن ليلة مولده التي ولد فيها أو ولد صبيحتها أفضل الأيام فهوعيد وموسم فيعظم ويحترم ويعمل فيه ما يدل على التعظيم والاحترام كما اختاره الحافظان العراقي والجلال السيوطي وقال الإمام ابن عباد في رسائله وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المبارك من إيقاد الشمع وإمتاع البصر والسمع والتزين بلباس فاخرالثياب وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر على أحد قياسا على غيره من أوقات الفرح إلى أن قال فلدا ترى الناس يصبحون في ذلك اليوم متجملين متشوقين إلى أن يقرع سمعهم قارع من ذكر اسم نبيهم وحبيبهم فيباهجوا بذلك فرحا وسرورا وبهجوا به استلذاذا وحبورا ومثل هذا لا يضيع لهم عند ربهم في مرجعهم ومكاربهم وقد ورد أنه من وسع فيه على عياله وسع الله عليه سائر سنته وهذا أبو لهب على ما هو عليه رواه العباس رضي الله عنه فسأله عن حاله فقال صرت إلى النار ولا يخفف عني إلا يوم الإثنين لأني لما ولد محمد رسول الله بشرتني به جاريتي فأعتقتها فإذا أدركت رحمة الله تعالى كافرا قطع عمره في عدواته وإذايته بسبب فرحه لولادته فما ظنك بمومن صدقه في مقالته ولباه في دعوته جعلنا الله من أمته برحمته
وأخرج ابن عساكر في تاريخه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان يمر الظهران راهب يسمى عيصا من أهل الشام أتاه الله علما كثيرا وجعل فيه منافع كثيرة فيلقى الناس ويقول يوشك يا أهل مكة أن يولد فيكم مولود تدين له العرب وملك العجم هذا زمانه فكان لا يولد بمكة ولد إلا سأل عنه فلما كان صبيحة ذلك اليوم الذي ولد فيه المصطفى خرج عبد المطلب حتى أتى عيصا فناداه فقال عيص كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدتكم عنه يولد يوم الإثنين ويبعث يوم الإثنين
وأخرج أبو نعيم عن عمرو بن قتيبة قال سمعت أبي وكان من أوعية العلم أن اللاتي والعزى خرجا من خزانتها يقولان ويح قريش جاءهم الأمين جاءهم الصديق وكانوا يسمعون صوتا من داخل الكعبة يقول الآن يرد علي نوري يقول الآن يجيء زواري الآن أتطهر من أنجاس الجاهلية أيتها العزى هلكت وتزلزل البيت ثلاثة أيام
وأخرج ابن عساكر عن عروة بن الزبير أن نفرا من قريش منهم ورقة وزيد بن عمر وبن نوفل دخلوا على صنمهم فرأوه مكبوبا على وجهه فأنكروا ذلك وردوه لحاله فانقلب انقلابا عنيفا فردوه فانقلب الثلاثة هذا الأمر حدث يعني ليلة مولده صلى الله عليه وسلم
وروى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كان بمكة يهودي يتجر فيها فلما كانت الليلة التي ولد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم : قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلمه قال انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لقم ولد الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس
وحصلت ليلة مولده صلى الله عليه وسلم : أرائا صارت كثيرة منها خمود نار فارس
روى ابن عساكر أن نيران فارس خمدت ليلة مولده صلى الله عليه وسلم : وكان لها ألف عام لم تخمد نار فارس هم مجوس في إقليم الفرس كانوا يوقدون النار ويعبدونها فأوقدوها المئتين من السنين حتى أحالت عادتهم انطفأت من بلادهم كلما علموا أن ذلك الأمر عظيم حدث في العالم وكان ذلك سببا لإزالة ملكهم وتمزيقهم كل ممزق
ومنها انصداع إيوان كسرى بل سقط منه أربعة عشر شرافة
والإيوان بناء في غاية العظمة والإتقان يعد للملوك والحكام كان يظن به أنه لا تهدمه إلا نفخة الصور
وكسرى لقب لملك الفرس كقيصر لملك الروم وتبع لملك اليمن والنعمان لملك العرب والنجاشي لملك الحبشة والعزيز لملك مصر وجالوت لملك البربر وخاقان لملك الترك
وفي سقوط العدد المذكور إشارة إلى زوال ملكهم
وعزهم بملك المصطفى صلى الله عليه وسلم : ومن ذلك العدد الإشارة إلى أنه لم يبق من ملوكهم إلا أربعة عشر فملك عشرة في أربع سنين وأربة إلى زمان عثمان رضي الله عنه وقد فتح في زمان عمر رضي الله عنه أكثر إقليم فارس وكسرى وأهانه غاية الهوان وتقهقر إلى أقصى مملكته ثم قتل في زمان عثمان رضي الله عنه وأزال ملكه بالكلية وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم : قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإن أمواله وكنوزه تنفق في سبيل الله
وسبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليه بذلك لما جاءه كتابه فمزقه وقد بشر أمته بحفر الخندق بملك بلاده وقال في حق سراقة وكان من فقراء أصحابه كيف بك إذا لبست سواري كسرى فلما ظفر بها عمر رضي الله عنه ألبسها إياه إظهارا للمعجزة وقال الحمد لله الذي سلبها كسرى وألبسها سراقة
ومنها أن عيون الفرس غارت بمعنى جفت وذهب ماءها وذلك إن الفرس كانت لهم عيون تتفجر ماء منها عين ساوة وكان فيها من كثرة المياه وسعتها ما تحيل العادة غيظه طولها ستة أميال وعرضها كذلك ووقع ذلك لسر وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ليضمحل به كل لهو وباطل
تظاهرت الأخبار من قبل بعثه
بأن يظهر الرحمان أعلا الورى كعبا
وبشرنا موسى وعيسى ابن مريم
به من قرأ الأخبار من قرأ الكتب
فلما استقلت أمه حمله رأت
به بركات من عديد الحصا اربا
وهبطت الأملاك ليلة وضعه
وناداه من في الكون رجائه رحبا
ونكست الأصنام في كل وجهه
وغلت يد الشيطان تبا له تبا
وأخمدت النيران في أرض فارس
وقالت يهود الشام لم نقدموا حبا
ولاح شعاع النور في شعب مكة
فقامت رجال الحق تستبق الثعبا
فلما رأوه أكبروه وفاخرت
بطلعته البهجاء أفق السماء عجبا
رأوا منه ملء العين طفلا مباركا
يناسب عزا من بني غالب غلبا
ولم ينكروا من ءال وهب بن زهرة
خمولتهم إذ كان أكرمهم وهبا
ولاقت قريش منه ايمن طائر
واسعد فال انثنى جدبها قصبا
وجلل أهل الشرق والغرب نعمة
يقل مداد البحر عن حصرها كتبا
فما اشتملت بطن على مثل احمد
ولا استولد الرحمان رحما ولا صلبا
ولولاه ما كان الوجود بموجود
ولا أرسل الرحمان رسلا ولا نبا
نبي هدى من ضل منا بهديه
وأدرك بالتوحيد من عبد النصبا
وزحزح عن ظلمة الظلم رحمة
ومد علينا ظل مثله الغلبا
وما زال يدعونا إلى الله وحده
إلى أن رضين الله سبحانه ربا
عليه صلاة إله ما ذر شارق
وما أبهجت في الليل أفق السما شهبا
وروى أبو نعيم من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال كانت امنة تحدث وتقول أتاني ات حين مر بي من حمله ستة أشهر في المنام وقال لي يا امنة إنك حملت بخير العالمين فإذا ولدته فسميه محمدا واكتمي شأنك قالت ثم لما أخدني ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد لا ذكر ولا أنثى وأني لوحيدة في المنزل وعبد المطلب في طوافه فسمعت وجبة عظيمة وأمرا عظيما هالني ثم رأيت كأن جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي فذهب عني الروع وكل وجع أجده ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء فتناولتها فأصابني نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بي فبينما أتعجب وأقول واغوثاه من أين علمن بي فقلن لي نحن اسية امرأة فرعون ومريم ابنت عمران وهؤلاء من الحور العين واشتد بي الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم فبينما أنا كذلك وإذا
بديباج أبيض مد بين السماء والأرض وإذا بقائل يقول خذاه عن أعين الناس قالت ورأيت ملائكة على صورة الرجال وإلا فهم لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق من فضة ثم نضرت فإذا أنا بقطعة من الطير قد أقبلت حين غطت حجرتي مناقرها من الزومرد وأجنحتها من الياقوت
فكشف الله عن بصري فرأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخدني المخاض فوضعت محمد صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه فإذا هو ساجد قد رفع أصبعيه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء حتى غشيته فغيبته عني ثم سمعت منادي ينادي طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا أنه سمي فيها الماحي
لا يبقى شيء من الشرك إلا محي في زمانه ثم تجلت عنه في أسرع وقت
وروى الخطيب البغدادي بسنده أن امنة قالت لما وضعته عليه الصلاة والسلام رأيت سحابة عظيمة لها نور أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة وكلام الرجال حتى غشيته وغيب
عني فسمعت مناديا ينادي طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم : جميع الأرض واعرضوه على كل روحاني من الجن والإنس والملائكة والطيور والوحوش
وأعطوه خلق آدم * ومعرفة شيت * وسجاعة نوح * وحلة إبراهيم * ولسان إسماعيل * ورضى سحاق * اوفصاحة صالح * وحكمة لوط * وبشرى يعقوب * وشدة موسى * وصبر أيوب * وطاعة يونس * وجهاد يوشع * وصوت داوود * وحب دنيال * ووقار الياس * وعصمة يحيى * وزهد عيسى * واغمسوه في أخلاق النبيين .
قالت ثم انجلت عني فإذا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طيا شديدا ينبع من تلك الحريرة ماء وإذا بقائل يقول بخ بخ قبض محمد على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها إلا دخل طائعا في قبضته
ثم نظرت إليه صلى الله عليه وسلم : وإذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الأظفر وإذا بثلاثة نفر في يد أحدهم إبريق من فضة وفي يد الثاني طست من زمرذ أخضر وفي يد الثالث حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتما فحار أبصار الناضرين دونه فغسله من ذلك الإبريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه في الحريرة ثم احتمله فأدخله بين أجنحته ساعة ثم رده إلي
وروى محمد بن سعد من حديث جماعة منهم عطاء وابن عباس أن امنة بنت وهب قالت لما فصل مني تعني النبي صلى الله عليه وسلم : خرج منها أضاء له مابين المشرق والمغرب ثم وقع على الأرض معتمدا على يديه ثم أخذ قبظة من التراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء
وروى الطبراني أنه لما وقع على الأرض وقع مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها
وروى عن عثمان بن العاص عن أمه فاطمة بنت عبد الله التقفية قالت لما حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نورا ورأيت النجوم تدنوا حتى ظننت أنها ستقع علي رواه البهيقي
واخرج الإمام احمد والبزار والطبراني والحاكم والبهيقي عن العرباض ابن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال إني عبد الله وخاتم النبيئين وان آدم لمنجدل في طينته
وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات الأنبياء يرين وان أم رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأت حين وضعته نورا أضاء له قصور الشام
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله صححه ابن حبان والحاكم وأخرجه أبو نعيم عن عطاء بن يسار عن أم سلمة عن آمنة قالت لقد رأيت ليلة وضعه نورا أضاءت له قصور الشام حتى رأيتها واخرج أيضا عن بريدة عن مرضعته في بني سعد أن آمنة قالت رأيت كأنه خرج من فرجي شهاب أضاءت له الأرض حتى رأيت قصور الشام وعن همام بن بحيرعن إسحاق بن عبد الله ان أم رسول الله صلى الله عليه وسلم : قالت لما ولدته خرج من فرجي نورا رضي الله عنه وبه اثر مرفق درع النبي صلى الله عليه وسلم : يقول إنه أتكأ عليه فلان والآخر يقابله بانحراف يقال انه كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم : ويخبره عن حال أبي بكر
ليلة المولد كان للدين سرور به وازدهاء
وتوالت بشرى الهواتف ان قد * ولد المصطفى وحق الهناء
وصارت الجن تهتف في الجبال والأودية فمن ذلك ما جاء انه حين ولد صلى الله عليه وسلم : هتف هاتف على الحجوب وهو ينشد ويقول
فاقسم ما انثى من الناس انجبت * ولا ولدت انثى من الناس واحدة
كما ولدت زهرية ذات منفخرة * مجنبة لومي القبائل ما جدة
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الشياطين كانوا لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلون ويأتون بأخبارهما فيلقون على الكهانة فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم : منعوا من السموات كلها فما منهم أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب وهو الشعلة من النار فلا تخطيء أبدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس في البراري
فعلم منه أن الكوكب لا ينفصل عن محله وإنما الذي ينفصل تلك الشعلة وقيل ينفصل ثم يرجع إلى مكانه وفي حديث ابن عباس عند أحمد كان الجن يستمعون الوحي فيستمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا فيكون ما يسمعون حقا وما زادوه باطلا
وأنت لما ولدت * و ضاءت بنورك الأفق
فنحن ذلك الضياء وفي * النور وسبل الرشد تحترق
ويقال ان اليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطفأت النيران كلها قال في كتاب العقائق وذلك إشارة لإطفائها عن أمته واشتعلت النار في اليلة التي ولد فيها عيسى إشارة لتوقد على من اتخده إلاها من دون الله
روي ابن عباس رضي الله عنه أضاء له قصور الشام فولدته نظيفا ما به قذر رواه ابن سعد قال في اللطائف وخروج هذا النور عند وضعه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزالت به ظلمة الشرك كما قال الله تعالى ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم
وأما إضاءة قصور بصرى بالنور الذي خرج معه فهو إشارة إلى ما خص الشام به من نور نبوته وأنها دار ملكه كما ذكرعن كعب الأحبار ان في الكتب السالفة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام فمن مكة بدأت نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : وإلى الشام انتهى ملكه ولهذا اسري به صلى الله عليه وسلم : إلى الشام إلى بيت المقدس كما هاجر قبله إبراهيم عليه السلام إلى الشام وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وهي ارض المحشر والمنشر
واخرج احمد وأبو داوود وابن حبان والحاكم في صحيحيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : انه قال عليكم بالشام فإنه خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم : ولد معذورا أي مختونا سرورا أي مقطوع السرة
وروى الطبراني في الأوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم : قال من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوءتي أي عورتي . والمشهور أن دار ولادته عليه الصلاة والسلام بمكة بالحومة المعروفة بزقاق المدكد ويقال زقاق المولد ويقال زقاق الحجر وهذه الدار كان وهبها النبي صلى الله عليه وسلم : لعقيل بن أبي طالب ولم تزل بيده إلى أن مات وباعها ابنه محمد بن يوسف أخي الحجاج حتى حجت الخزران جارية المهر أم هارون الرشيد وقيل زبيدة زوجة هارون الرشيد فجعلتها مسجده فهو إلى الآن يزار وموضع الولادة منه معين متميز عليه كسوة خاصة وكان الزمان المذكور يسمى بزقاق الحجر لأجل الحجرين اللذين هناك ملصقين بجدارين أحداهما عن يمين الآتي من ناحية المسجد الحرام مارا لتلك الدار بقرب دار أبي بكر رضي الله عنهما قال لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم : نادى مناد الرحمان معاشر الخلائق هذا محمد بن عبد الله طوبى لثدي أرضعته طوبى لعبد كفله فقالت الطير إلاهنا نحن نحمله إلى أعشاشنا ونطعمه من طيبات الأرض . وقال السحاب نحن نحمله إلى مشارق الأرض ومغاربها ونربيه أحسن تربية وقالت الملائكة إلاهنا نحن أحق بتربيته فقال تعالى قد أجريت ذلك على يد حليمة السعدية وقال في كتاب شرف المصطفى كانت حليمة في ضيق من العيش وكانت تكثر من الحمد لله فلما أراد الله لها بالسعادة قحط بلادها فكانت تأكل من نبات الأرض ثم ولدت غلاما ومضى عليها سبعة أيام لم تأكل إلا قليلا فاضرها الجوع فرأت في منامها رجل أخذ بيدها إلى نهر أبيض من اللبن وأحلى من العسل وقال اشربي يا حليمة فشربت كثيرا ثم قال اتعرفيني قالت لا قال أنا محمد الذي كنت تحمدين الله به في الشدة والرخاء يا حليمة انطلقي إلى مكة فإن لك فيها الرزق الواسع واكتمي شأنك قالت فاستيقظت وأنا من أجمل النساء ولا أطيق أن أحمل ثدي من اللبن فتعجبت النساء مني ثم خرجت يوما أطلب النبات قسمعت قائلا يقول الا وان الله قد اخرج مولودا بمكة طوبى لمن أرضعه فلما سمعت النساء بذالك رجعن واخبرن ازواجهن فخرجن إلى مكة وكانوا عشرة وخرجت معهن على أثان ضعيف فبينما أنا في بعض الطريق إذ خرج رجل من شجرة ومعه حربة فوكز الآثان وهي الأنثى من الحمير وقال اسرعي بمرضعة سيد المرسلين فسبقنا القوم ودخلنا مكة فرءاني عبد المطلب فسألته عن مرضيع فقال عندي غلام يتيم لم تبق امرأة إلا وعرض عليها لكن لعدم سعدها تأباه إذ قيل لها توفى الله أباه فقالت رضيت بجماله وليس رغبة في غير وصاله فقال لها ما اسمك قالت حليمة السعدية فقال حلم وسعد فيها عز الأبد فادخلي إلى منزل آمنة فرأيته فوضعت يدي على صدره ففتح عينيه وتبسم فخرج منه نور لحق بعنان السماء والعنان بفتح العين هو السحاب فناولته ثدي الأيمن فشرب حتى روي ثم ناولته الأيسر فامتنع وذلك من عدله وإنصافه لأنه علم أن له في اللبن شريكا فلما أخذته من أمه قالت
عذنا بالله ذي الجلال من شر ما مر على الجبال
حتى رآه حامل الكلال ويفعل الخير مع الموال
وغيرهم من حسدة الرجال
حسدة بكسر الحاء المهملة هم أسافل الناس قالت حليمة فخرجنا وخرجت أمه تودعه ولسان حالها ينشد ويقول
كيف السبيل وقد شطت بنا الدار أم كيف اصبر والأحباب قد ساروا
ومنزل الأنس أضحى بعد ساكنه مستوحشا حين غابت عنه أقمار
ما كان أحسننا والدار تجمعنا والشمل متصل والعيش مدرار
يا ساكنين بقلبي أينما رحلوا وراحلين بقلبي أينما ساروا
غبتم فأظلمت الدنيا لغيبتكم وضاق من بعدكم رحب وأقطار
ليت الغراب الذي نادى بفرقتنا عار من الريش لا تحويه أوكار
بعد النعيم بعدنا عن منازلنا وبعد أحبابنا شطت بنا الدار
قالت حليمة فلما وضعته بين يدي على الأثان استقبل بوجهه الكعبة وسجد ثلاث مرات ثم مرت بنا الأتان كالجواد فقالت النساء يا حليمة أليس هذا أثانك إن لك لشأن عجيب فقالت الأثان أنتن في غفلة عني عن ظهر راكب البراق قالت حليمة فبينما أنا في أثناء الطريق وإذا أنا بأربعين نصرانيا يتداركون محمد ومعهم سيوف مسمومة فلما نظر إليه كبيرهم قال ويحكم دونكم هذا الغلام فاقتلوه فهو المطلوب فقالت وامحمداه ففتح عينيه ورمق بطرفه نحو السماء وإذا بنار نزلت من السماء فأحرقتهم عن آخرهم فقال زوجي ان لهذا المولود لشأنا وسوف يعلمون أمره فلما دخلنا حينا أخصب الوادي على كل حاضر وبادي وأدار الله لنا الضرع وأنبت لنا الزرع وصار محمد صلى الله عليه وسلم يكبر في اليوم كالشهر وفي الشهر كالسنة
وقال في المواهب قد ذكروا أنه لما ولد صلى الله عليه وسلم قيل من يكفل هذا الدرة اليتيمة التي لا يوجد مثلها قيمة
قالت الطيور نحن نكفله ونغتنم خدمته العظيمة قالت الوحوش نحن أولى بذلك ننال شرفه وتعظيمه فنادى لسان القدرة ان يا جميع المخلوقات إن الله تعالى قد كتب في سابق حكمته القديمة ان نبيه الكريم يكون رضيعا لحليمة
وروى إسحاق وأبو راهوية وأبو يعلى والطبراني والبيهقي وأبو نعيم قالت حليمة قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن الرضعاء في سنة شهباء فقدمت على أثان لي ومعي صبي لنا وشارف لنا الله ما تبيض بفطرة لبن وما ننام ليلنا ذلك اجمع مع صبينا ذلك لا يجد في ثدي ما يغنيه ولا في شاربنا ما يغذيه فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل يتيم فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري فلما لم أجد غيره قلت لزوجي والله لا أكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلأخذنه فذهبت به مذرج في ثوب من الصوف أبيض من اللبن يفوح منه رائحة المسك وتحته حريرة خضراء راقد على قفاه يغظ فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله فدنوت منه رويدا فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكا وفتح عينيه ينظر إلي فخرج من عينيه نور حتى دخل عنان السماء وأنا انظر فدنوت منه رويدا فقبلته بين عينيه وأعطيته ثدي الأيمن فاقبل عليه بما شاء من اللبن فحولته إلى الأيسر فأبى وكانت تلك حالته بعد قال أهل العلم اعلمه الله تعالى أن له شريكا فألهمه العدل قلت واظهر منه أن يكون إشارة إلى ما عليه شريعته وما استقرت عليه عادته من حبه اليمنى في أموره كلها وأنه وأمته من أهل اليمين وأن البركة تظهر عليها لأن اليمين البركة
قال بعض المحققين وقد جرت عادة الله أن من قصر النظر على الصور الظواهر ولم يتأمل البواطن ولم يفصح عن الحقائق كان ذلك في حقه حجابا ومن نظر إلى الشيء نظرا جماليا ولم ينزل إلى التفصيل لم يعلمه ولم يظفر بفائدته وذلك ضرب من التساهل والعجز والأعراض وعاقبته الحرمان ومن أمعن وتأمل وغاص على الحقائق واعتنى بما في طي الظواهر من السرائر انقشع عنه سحابها وتجلى له لبابها ومن نظر إلى الأشياء بالتفصيل عثر على سواء السبيل ووصل إلا التحقيق بالبرهان والدليل
بغير حليمة من النسوة سلك المسلك الأول فجعل ينهى وبين الكنز طلسم الوهم الذي ليس عليه معول وهي سلكت المسلك الثاني فانجلب لقلبها لطائف معدن المعاني وحصل بين الباقي والفاني ثم نقول جرت عادة الله تعالى بأن مجرد الطمع في العرض الزائل عاقبته الحرمان
والزهد في الخير وعدم الاعتناء بالإحسان نتيجته الندم والخسران فالعاقل يصحب حظوظه حقوقا لتنغمر فيها وتؤمن غائلتها بمصاحبتها ولا يخليها من قصد صحيح ووجهه حسن مليح حتى لا يكون من المتصرفين بمجرد الشهوة والهوى وناقص العقل يعتمد شهوته ويجعل طمعه عمدته غير ملتفت إلى فوائد الخير ونتائج الإحسان ولا يراعي مقتضى الرحمة ومجازاة الرحمان بحليمة رضي الله عنها سلكت المسلك السابق فلاحت لها الحقائق واثمرت لها الحدائق وغيرها سلك مسلك اللائق فبقي قاصرا عما وصلت إلهي منقطعا غير لائق
ثم نقول جرت عادة الله بأن الشيء العزيز لا ينجلي لكل أحد ابتدأ لأن الابتداء ينافي العزة وإنما ينجلي لمن صدق في طلبه بالعزم الجازم وهو مدة العزم قبل الوصول ينحجب عن الخصوصية فلذا استمر عزمه إلى أن وصل إليه فحينئذ تنجلي له خصوصيته ليكون مطلوبا مرادا وتحصل ثمرته على غرة وفجأة من غير ترتب على استعداد ولا انقياد إلى محاولة وعلاج فلو تحلت خصوصيته صلى الله عليه وسلم : للنسوة ابتداء لتسابقن إليه وليتقاتلن عليه لكن ليس المحب من يبذل فيصل ويظفر
ثم نقول كانت حليمة رضي الله عنها أفقر تلك النسوة وأحوجهن فتحامها أهل الرضعاء ولم يدفعوا لها صبيانهم من اجل فقرها فانهزم بذلك قلبها وانكسرت نفسها فجبر الله كسرها وصدعها وآمن روعها ايذانا بأن فضله لا ينال بجاه ولا يتوصل إليه بعز ولا نخوة ولا يتغلب عليه بحول ولا قوة بل يؤتيه من يشاء من الفقراء والضعفاء لما لهم من وصف الانكسار ومعنى الاضطرار وبذلك يظهر باهر قدرته وغالب مشيئته حيث يرفع النازل ويظهر الخامل وعن ذلك تبطل دعاوي المدعين ويستبن عجزهم وفقرهم إلى رب العالمين
ثم نقول أيضا إن السيدة حليمة لم يعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم : ولا طلبته هي أولا وغيرها عرض عليه فأباه طلبا لعرض الدنيا والجاه فحصل له الحرمان والأبعاد رضي الله عنها رضيت بما لم يرض به أهل الغنى فأزيح به عنها الشقاء والعناء وكانت في القضية إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى الزهد في الدنيا والإعراض عن أهلها وحب الفقراء والانحياز إليهم ومواساتهم
قال ابن أبي حثيمة توفي أبوه صلى الله عليه وسلم : وهو ابن شهرين وقيل هو ابن سبعة أشهر وقيل هو ابن ثمان وعشرين شهرا وقيل بعد حمله بشهرين وهذا القول هو الراجح المشهور
وكان والد رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الله قد رجح ضعيفا مع قريش لما رجعوا من تجارتهم بالشام ومروا بالمدينة فتخلف عند أخواله بني عدن بني النجار فأقام عندهم مريضا فبعث إليه الحارث فوجده قد توفى ودفن في دار التابعة وتوفيت أمه صلى الله عليه وسلم : وعمره ست سنين ومائة يوم كما أسنده ابن سعد عن جمع وذكره ابن عبد البر واقتصر عليه ابن فارس ويذكر عن ابن عباس لما توفي أبوه صلى الله عليه وسلم : قالت الملائكة الاهنا وسيدنا بقي نبيك يتيما قال الله عز وجل : أنا حافظه وناصره وقيل لمولانا جعفر الصادق لم يتم النبي صلى الله عليه وسلم : من أبويه قال : لئلا يكون عليه حق لمخلوق ومما قيل في قوله تعالى : الم يجدك يتيما فآوى
وإن كان خلاف الظاهر انه من قولهم درة يتيمة قال : في الكشاف والمعنى الم يجدك وحيدا في قريش عديم النظير
واختار ابن زكي رحمه الله إن يتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : إرهاص هو الرهص بكسر الراء هو أساس الحائط ويطلق على ما هو تأسيس النبوءة لقاعدة وذلك أنه نشأ نشأة كاملة تامة من جهة التخلي عن كل نقصية وبراءة السامة من كل عيب وتقدمن الجناب من كل ما يستبح ومن جهة التحلي بفضائل الصفات وسنة الحالات وأكمل الكمالات وليس ذلك من شأن الأيتام الذي ليس لهم أب ولا أم فكان في ذلك آيات وعبر وعلامات تطابق مشهور الخبر تتنزل على أوصافه في الكتب القديمة وتحقق أن لبنة التمام والدرة اليتيمة .
وقول سيدنا جعفر رضي الله عنه لئلا يكون عليه لمخلوق أي حق لازم في جل الأوقات لا يكافأ لعظمة وقد كانت بركاته صلى الله عليه وسلم : ظاهرة على كافليه هم الدين يرغبون في كفالته وقربه لما شهدوا من كراماته وخيراته والحاصل أن المراد أن تكون يده العليا على كل أحد وأن يكون كل أحد يخضع له ويتأدب معه فلم يناسب ذلك وجود الأبوين
وحليمة السعدية هي بنت دؤيب واسمه عبد الله بن الحرث يقال لها السعدية نسبة إلى جدها سعد واسم زوجها الحارث ابن عبد العزى وكانت حليمة السعدية وسيطة في بني سعد كريمة من كرائم قومها اجتباها الله لرضاع نبيه كما اختاره من أشرف البطون والأصلاب
قال ابن الجوز وابن المنذر وعياض وغيرهم وقد قدمت على المصطفى صلى الله عليه وسلم : بعد النبوءة فأسلمت واسلم زوجها قال في الاستعاب وروي زيد ابن اسلم عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم : من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم : يوم حنين فقام إليها وبسط إليها ردائه فجلست عليه روت عن النبي صلى الله عليه وسلم : روى عنها عبد الله بن جعفر وصحح ابن حبان وغيره إسلامها وإسلام ابنتها الشيماء
وذكر بعضهم انما سلمتا هي وزوجها وذكرها الرعيني في الصحبة عن الطبراني وأبي عمر وأبي نعيم وأبي مندة وكذا ذكرها فيهم ابن الجوزي وروى يونس ابن بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من بني سعد ابن بكران الحارث بن عبد العزى زوج حليمة اباه صلى الله عليه وسلم : من الرضاعة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم : مكة واسلم وأحسن إسلامه فقالت له قريش الا تسمع ما يقول ابنك هذا قال ما يقول قالوا يزعم أن الله عز وجل يبعث بعد الموت إلى آخر الحديث فصدقه الحرث قال : المناوي وفي كونها حليمة السعدية من الفال الحسن والبشارة العظمى بحصول غاية الحلم والسعي لهذا الرضيع ما لا يخفى عظيم وقعه وقد كان المصطفى يحب الفأل الحسن قلت الظاهر أن اسمها فأل له عليه الصلاة والسلام ونسبها فأل لها لأنها سعدت به
قال : السهيلي في الروض التماس الأجرة على الرضاع لم يكن محمودا عند أكثر نساء العرب حثى جرى المثل تجوع الحرة ولا تأكل من تدييها بدليل اختيار الله إياه لرضاع نبيه عليه السلام كما اختار له شرف البطون والأصلاب والرضاع كالنسب يغير الطباع
وفي المسند عن عائشة ترفعه لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يورث ويحتمل أن تكون حليمة ونساء قومها طلبن الرضاع اضطرار للأزمة التي أصابتهم والسنة الشهباء التي أقحمتهم وما دفع قريش وغيرهم من أشراف العرب وأولادهم إلى المراضع فلوجهين أحدهما تفريغ النساء إلى الأزواج والثاني لينشأ الطفل في الأعراب فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر حين قال : له ما رأيت أفصح منك يا رسول الله فقال : وما يمنعني وأنا من قريش وأرضعت في بني سعد
قالت حليمة لما ودعت أم النبي صلى الله عليه وسلم : وركبت أتاني وأخذت محمدا صلى الله عليه وسلم بين يدي فنظرت إلى الأتان وقد سجدت نحو الكعبة ثلاث سجدات ورفعت رأسها إلى السماء ثم مشت حتى سبقت دواب الناس الذين كانوا معي وصاروا الناس يتعجبون مني وتقول النساء لي وهن ورائي يا ابنة أبي ذئيب أبهذه أتانك التي كنت عليها وأنت راكبة معنا عليها وهي تخضخضك مرة وتزعجك أخرى فأقول لهم تالله إنها هي فتعجبن منها ويقلن إن لها لشأنا عظيما قالت فكنت أسمع أتاني تنطق وتقول والله إن لي شئنا ثم شئنا بعثني الله بعد موتي ورد لي سمعي بعد هزالي ويحكن يا نساء بني سعد إنكن لفي غفلة وهل تدرين من على ظهري على ظهري خير النبيئين وسيد المرسلين وخاتم الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين
قلت من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم : حياة الموجودات وسرها وكمالها فإذا حصل للأتان من حمله ومباشرته والاتصال به لشبه الحياة بعد الموت بالقدرة بعد الضعف ودخول السرور بعد الغم والشبع بعد الجوع والفهم بعد الجهل والنطق بعد البكم فتقدمت على القوم ليتقدم الحقيق بالتقدم
وسجدت شكرا لله تعالى : على تلك النعمة العظيمة التي أنعم الله عليها بها واعترفت بما أدركت من أفضليته صلى الله عليه وسلم : ونظير هذا حزن ناقته بعد موته صلى الله عليه وسلم : فلم تأكل ولم تشرب حتى ماتت وكذلك القاء حماره يعفور بنفسه في بئر فمات حزنا وصياح الجدع الذي كان يخطب عليه صلى الله وسلم : لما فارقه وسكونه لما التزمه ووضع يده المباركة عليه وميلان جريا فرحا به وهو كثير كما يأت إن شاء الله
ثم قالت حليمة وجئت به رحلي فقام صاحبي يعني زوجها إلى شارفنا فإذا أنها لحافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا وبتنا بخير ليلة فقال صاحبي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم تر ما بتنا فيه الليلة من الخير والبركة حين أخذته فلم يزل الله يزيدنا خيرا قالت ثم قدمنا منازل بني سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجذب منها وكانت غنمي تروح علي حين قدمت به شباعا لبنا فنحلبها ونشرب وما يحلب أناس قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعاتهم أسرحوا حيث يسرح راع غنم بنت أبي ذئيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح أغنامي شباعا لبنا قالت فقال أهل القرية يا حليمة إن هذا المولود الذي عندك على وجهه نور فلو أخذته معنا حتى نستقي به الغيث قالت فأخرجته لهم فأخذوه وحملوه على أيديهم وخرجوا إلى ظهر البلد فدعوا الله به وإذا السحاب قد جاءت بالغيث حتى خفنا الغرق تعني بسببه صلى الله عليه وسلم : حصلت الخيرات وتزايدت البركات للسيدة حليمة ثم لعظيم قدره صلى الله عليه وسلم : عم الخير جميع بني سعد
قال في المواهب
فلله ذرها من بركة كثرت بها مواشي حليمة ونمت ارتفع قدرها وسمت ولم تزل حليمة تتعرف الخير والسعادة وتفوز منه بالحسنى والزيادة
لقد بلغت بالهاشمي حليمة * مقاما علا في ذروة العز والمجد
وزادت مواشيها وأخصب ربعها * وقد عم السعد كل بني سعد
قلت كما تبدل فقرها بغناها كذلك عسرها الباطن أي إفلاسها من الإيمان والهداية واتصافها بالجهالة والغواية وظلمة القلب بنار الكفر والشقاوة بحصول الإيمان والمعرفة بالله تعالى : وتنوير القلب بأنوار اليقين والسعادة فخلفت الأضداد وعوض عن أيام النحوس والأشكاس أيام السعود والأعياد
وأرضعته مرضعته صلى الله عليه وسلم : من النساء ثمان منهم أمه آمنة بنت وهب ثلاثة أيام وقيل سبعة
وثويبة الأسلمية جارية عمه أبي لهب التي اعتقها حين بشرته بولادته صلى الله عليه وسلم : أياما قبل قدوم حليمة
وخولة بنت المنذر وأم أيمن ذكرها المعمري وامرأة سعيد غير حليمة ذكرها ابن القيم وثلاث نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة نقله السهيلي رضي الله عنه عن قوله صلى الله عليه وسلم
ابن العوتك وفي حياة الحيوان العواتك ثلاث نسوة كل من أمهات النبي صلى الله عليه وسلم : إحداهن عاتكة بنت هلال بن فالج ابن دكان وهي أم عبد مناف بن قصي
والثانية عاتكة بنت مرة ابن هلال بن فالج وهي هاشم ابن عبد مناف
والثالثة عاتكة بنت الأقوس ابن مرة ابن هلال وهي أم وهب أبي آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم والعوتك جمع عاتكة وأصل العاتكة المتضمخة بالطين وأكثرهن إرضاعا له صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية
الفصل الثاني
في أسمائه صلى الله عليه وسلم : وما تضمنته من فضائله وألقابه وكنياه
قد ورد من أسمائه صلى الله عليه وسلم : عدد في القرآن وعدد في الأحاديث الصحيحة وعدد في الكتب السالفة وقد قالوا كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى
أما في القرآن فمنها محمد وأحمد والرسول والنبي والشاهد والبشير والنذير والمبشر والمنذر والداع إلى الله والسراج المنير والرؤوف الرحيم والمصدق والمزمل والمدثر وعبد الله والكريم والحق والمبين والنور وخاتم النبيئين والرحمة والنعمة والهادي وطه ويس
وأما من الأحاديث فمنها الماحي والحاشر والعاقب والمقفى ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملاحم ورحمة مهدات والقتال والمتوكل والفاتح والخاتم والمصطفى والأمي
وأما في كتب الأنبياء فمنها الضحوك وحمياطا وحمطايا واحيد وبار قليط وفار قليط حمياطا بفتح الحاء المهملة وسكون الميم قال : أبو عمر سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه " يحمي الحرم من الحرام ويطئ الحلال وأما أحيد بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثنات تحتية ساكنة فدال قال : القسطلاني كذا وجدته في بعض نسخ الشفاء المعتمدة والمشهورة ضبطه بفتح الهمزة وكسر الحاء وسكون المثنات التحتية
وعن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسمي في القرآن محمد وفي الإنجيل أحمد وفي التوراة أحيد لأني أحيد عن أمتي نار جهنم
وأما حمطايا بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بمعناه " حامي الحرام
وأما فار قليط بالموحدة وبالفاء وفتح الراء والقاف وسكون الراء مع فتح القاف وبكسر الراء وسكون القاف ومعناه " روح الحق وقال : ثعلب معناه " الذي يفرق بين الحق والباطل
وقال القسطلاني في المواهب اسم النبي صلى الله عليه وسلم : عند أهل الجنة عبد الكريم وعند أهل النار عبد الجبار وعند أهل العرش عبد الحميد وعند سائر الملائكة عبد المجيد وعند الأنبياء عبد الوهاب وعند الشياطين عبد القهار وعند الجن عبد الرحيم وفي الجبال عبد الخالق وفي البر عبد القادر وفي البحر عبد المهيمن وعند الحيتان عبد القدوس وعند الهوام عبد الغياث وعند الوحوش عبد الرزاق وعند السباع عبد السلام وعند البهائم عبد المِؤمن وعند الطيور عبد الغفار وفي التوراة موذموذ وفي الإنجيل طاب طاب وفي الصحف عاقب وفي الزبور فاروق وعند الله طه وعند المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم
قال ابن دحية أسمائه صلى الله عليه وسلم : تقرب من الثلاثمائة ونهاها بعض الصوفية إلى ألف ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : القاسم لأنه المتولى لقسمة نعم الله تعالى : وأعطيته فكل من حصلت له رحمة في الوجود أو خرج له قسم من رزق الدنيا والآخرة والظاهر والباطن والعلوم والمعارف والطاعات فإنما خرج له ذلك على يديه وبواسطته صلى الله عليه وسلم : وهو الذي يقسم الجنة بين أهلها فهو صلى الله عليه وسلم : الخليفة الأشهر والملك الأكبر الذي له التصرف المطلق والإذن العام في المملكة بأجناسها وأنواعها وأصنافها وجزئياتها وذلك بتمليك الله تعالى له واستخلافه إياه فهو المعطى والممد والموصل إلى كل ذي حظ حظه وبسبب حيازته صلى الله عليه وسلم : للفضائل كلها والفواضل بأسرها استحق أن يسمى محمدا ومعناه " أصالة من كثرة حمد الحامدين له فحاء هذا الاسم الشريف ملائما ومناسبا لذلك المسمى المنيف لما يدل عليه بحسب وضعه الأصل الملاحظ بعد الوضع العلمي من تعدد الحمد وكثرته وتكراره كما أن أسبابه متعددة وطرقه متكاثرة وموجباته غير منحصرة فهذا بذاك وما أحسن وضع الشيء في محله وإعطائه لمستحقه ومجيئه به على حقه ولذا قال بعض النحاة أن هذا الاسم الشريف يفيد ما يفيد اللقب من المدح ومن الفضائل التي له صلى الله عليه وسلم : أنميت حامدته لله تعالى فإنه الأحمد الأكبر والمعروف الأعظم ولذا وصفه بأفعل والحامدون كلهم نوابه إذ هو الذي عرفهم الحمد وأوصل إليهم العلم بأسبابه فهو الحامد على الإطلاق والمثنى في جميع الأوقات والآفاق والحامدون عالة عليه إذ الثناء على الله بحسب المعرفة ومعرفته صلى الله عليه وسلم : لم يصلها ولا يصلها أحد فكانت محموداته صلى الله عليه وسلم : على حسب ذلك فضعفت المادة دلالة على الكثرة وبهذا تعلم أن كونه صلى الله عليه وسلم : أحمد سابقا على كونه محمد وفي هذا الاسم الشريف الإشارة إلى كمال محبوبيته صلى الله عليه وسلم : لما في معناه من المكافأة لأحمديته بثنائه تعالى : عليه بنفسه في كتابه وبالسنة خلقه إذ السنة الخلق أقلام الحق فالمحبوبية فيه أظهر وإن كانت في أحمد أيضا من حيث إجتذابه إليه واستعماله في خدمته وحمده ومعرفته ومعنى المحبة فيه أظهر ولظهور معنى المحبوبية في محمد كان الذي سماعا عند جميع المسلمين وأشرف إلى الصلاة والسلام على سيد المرسلين ويفهم من توجيه هذه المطابقة بين الاسم والمسمى إن هذا الاسم الشريف هو الاسم الجامع لمعاني أسمائه صلى الله عليه وسلم : إذ كلها ذال على فضيلة أو فاضلة النحو طاهر مطهر فاتح خاتم مصطفى مختار أمين مأمون إلى غير ذلك من أسمائه صلى الله عليه وسلم : ومحمد شامل لجميع ذلك إذ معناه محمود بالظاهرة إلى آخره فافهمه فصورته صلى الله عليه وسلم : محمدية وحقيقته أحمدية لعجز العقول عنها فلم يكن محمدا حتى كان أحمد فحمد ربه فنبه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقال اسمه أحمد وذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه تلك أمة أحمد فقال اللهم اجعلني من أمة أحمد فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد لأن حمده لربه قبل حمد الناس له هو فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الحامدين لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الآخر في الذكر والوجود في الدنيا والآخرة تلوح لك الحكمة الإلاهية في تخصيصه بهذين الإسمين وبها يظهر لك كون حقيقته صلى الله عليه وسلم أحمدية وليس المراد بحقيقته الإنسانية بل الخاصية التي امتازت بها فالحامدية خلق أي بذلك تعلقت الإرادة فكان الأحمد الأكبر والمعرف الأعظم ولذا وصف بأفعل والحامدون كلهم نوابه إذ هو الذي عرفهم الحمد وبه يتضح لك عجز الخلق كلهم عن معرفة حقيقته الأحمدية وأنه لا يحيط بها إلا الله وأيضا هو السابق في الخلق والمعرفة والسجود والحمد والأصل في ذلك وغيره فروعه وجداوله وكيف يحيط الفرع بالأصل وبه يظهر أن المحمدية بمثابة السورة وظاهرها الذي أدركه المؤمنون بمثابة الظل لأنه مشير إلى عظمة الأحمدية وفخامتها إذ المحمدية مرتبة عليها فهي حاكية لها ومنبئة عنها بوجه إجمالي وكانت صورة لظهورها وشهرتها وشدة وضوحها ومن ثم والله أعلم اشتهر محمد أكثر من أحمد حتى قال بعضهم محمد أشهر أسمائه بين العالمين وأشوقها إلى الصلاة والسلام على سيد المرسلين وألذها سماعا عند جميع المسلمين ولتلك الأشهرية والله اعلم ما له من مقام المحبوبية خص بكلمة التوحيد وإن كان أحمد هو السابق ومعنى المحبوبية ما في معنا من المكافأة لأحمديته بثنائه تعالى : ولسبقيته الأحمدية سمي في السماء أحمد لأن معرفة أهل السماء له قبل أهل الأرض ولعظمة أحمديته وكمالها خص بخصائص من معناها فأنزلت عليه صورة الحمد بين سائر الأنبياء عليهم السلام لأنه أكمل الحامدين وخص بلواء الحمد الذي يستظل تحته كل حامد وخص بالمقام المحمود وشرع لأمته سنة وقرآنا أن تقول عند اختتام الأفعال وانقضاء الأمور الحمد لله رب العالمين قال تعالى : وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين صدق الله العظيم
وقال تعالى : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين تنبيها لنا على أن الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور وسن عليه الصلاة والسلام الحمد عند الأكل والشرب وقال عند انقضاء السفر آيبون تائبون لربنا حامدون وكذا عند ابتدائها وفيه إشارة إلى أن نبينا هو الفتاح الخاتم فأحمديته سابقة على جميع الأحمديات ومحمديته فيها أشهت جميع المحمديات ولعدم وصول الخلق إلى معرفة حقيقته الأحمدية حتى الأنبياء والمرسلين عليهم السلام
وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم : لا يعلمني حقيقة غير ربي
ومعرفة الرسل والأنبياء بمحمديته أشير إلى ذلك فتضمن اسم محمد دون أحمد لعدتهم ففي اسم محمد ثلاث ميمات إذا بسطت كل منها قلت ميم وعدتها بحسب الجمل تسعون فيحصل من الميمات الثلاث مائتان وسبعون وإذا بسطت الحاء والدال قلت دال بخمسة وثلاثون وحاء بتسعة والجملة ثلاثمائة وأربعة عشر فذلك عدد الرسل عليهم السلام
فروح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : لما نفخ في الجسد أدرجت في ذاته جميع النبؤات وطبع عليها وامتزج الجسد مع الروح بالطبع مدة بقاء الجسد في البطن
فإذا أردت أن تفهم ذلك فاعلم أنه رأس الرسل والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا والأنبياء كلهم في ضمن الرسل يفهم ذلك من فهم انفصال النبوءة من الرسالة والولاية من النبوءة وهذا العدد من الرسل على عدد حروف اسمه الكريم عجنت فيه بالنشأة المطبوع جميع شرائع الرسل وأخلاقهم وطبائعهم الكريمة مع طبعه الكريم فكان يسعد بهم
والواحد الباقي هو مقام الولاية المفرق على جميع الأولياء التابعين للأنبياء عليهم السلام لعدم معرفة الخلق بأحمديته وبحمده تعالى القديم ومعرفتهم بالمحمودية في الجانبين قال صلى الله عليه وسلم
يا عمر أتدري من أنا أنا الذي اشتق الله تعالى اسمي من اسمه فالله محمود وأنا محمد ولا فخر
ولم يحكم ذلك لأحمد لأن الخلق لا يعرفون منى الأصل ولا معنى الفرع .
وأيضا فافتراق الحامدتين بالقدم والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه فعل وما أحسن قول سيدنا حسان بن ثابت في هذا المعنى :
أعز عليه للنبوءة خاتم * من الله نور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه * إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو محمد ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم : متضمن حمد الله تعالى : والمقصود من الثناء على الواسطة التوسل إلى من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة الرسالة عند ذكر الله تعالى : إلى إلا العارفون من حبيبه ووساطته لهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أذه على محبته للملك من ثنائه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال : الشيخ زروق رضي الله عنه وغيره أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : أعظم العبادات وأشرفها لقوة دلالتها على قوة الامتثال فإن الملك إذا أمر كبراء دولته بالخضوع له والتدلل بين يديه لم يتأخر أحد منهم على ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه وانظر قضية إبليس في السجود بعد عظيم تعبده والاشتقاق هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم : له سابقة وزيادة في الفرع كما سبق وأيضا للحكم باشتقاق محمد دون أحمد نكتة أخرى إذ حامدة العبد لسيده لا تتوقف على حامدية السيد لنفسه أي لا يراعي ذلك فيه إذ من شأن العبد الخدمة لسيده بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون إلا تابعة لمحمودية سيده فإن قيل لما بولغ في حمده دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت لما مر من أن حمده متضمن حمد الله ولأن محموديته لما كانت بجعل الله احتيج للتنيه على كمالها قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم : متمثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكر وأيضا المصلي عليه يناجي ربه والمناجاة ذكر والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : لا بد أن تكون مقرونة باسم من أسماء الله تعالى : أو صفة من صفاته تعالى وإمرار ذلك على اللسان ذكر وهذه الأجوبة الثلاث تصح لكل مصلي عليه صلى الله عليه وسلم : من العموم والخصوص ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذا مر على ألسنتهم ذكر النبوة والرسالة استحضروا مع ذلك أسماء الرسل وصفاتهم العظيمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك وسلسل بهم الأمر إلى استحضار أمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم إلى تعظيم أمر المرسل والمرسل به وهذا ذكر يطلق إليه اسم الذكر من وجوه
وقال الإمام السهيلي
لما كان هو الأول في الخلق والسابق في الأحمدية شرع الابتداء بالحمد وجاء في الفاتحة مفتحة به وتوسط فيها أسماء الرحمة بين العالمين وملك يوم الدين كما أنه صلى الله عليه وسلم : رحمة للعالمين وظهور الرحمة العظمى يوم الدين عند مالكه
وافتتحت بالبسملة كذلك باسم الرحمة متصلى بالحمد وبنقطة الباء التي هي أول ما خط القلم وهي مدد العوالم كما أنه صلى الله عليه وسلم : بدأ العوالم ولهذا سمى بداية النقطة .
وفي نوادر الأصول للترميذي رضي الله عنه على حديث إن الله أعطاني خصالا لم يعطيها أحد قبلي سميت أحمد ونصرت بالرعب
الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : سميت أحمد فمنهم نال القراء الحمد لأنه هو الذي وصل إلى عشر الحمد من بين الرسل وكانت الرسل تحمد ربها من حق الآلاء ومحمد من حق الرحمة العظمى التي بدأ منه الآلاء فلذلك جعل أحق الرسل بلواء الحمد لأن حمده أخلص وأوفر ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته أشير إلى ذلك بخلق الإنسان على صورة اسمه محمد دون أحمد وقد طويت هذه العبارات كلها تحث قول العاجزة العقول عن إدراك كنهها إذ لا سبيل للوصول إليها إلا أن يكون شيئا بفضلها في الصلاة النورانية التي أمليت علينا من فيضه المصطفوي وبحر مددها النبوي صلى الله عليه وسلم
وفي الشعب والمواهب وغيرها
أن آدم وولده أجمعين خلقوا على صورة حروف اسمه صلى الله عليه وسلم : وشكل محبته وقرره أيضا الإمام البكي بما في الحديث الطويل الذي أخرجه أبو عمر والطنبي في فوائده التي خطها بيده وأخذ عن شيوخه بمكة زادها الله شرفا بسنده عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعد الخدري رضي الله عنهم يا عمر أتدري من أنا أنا الذي خلق الله آدم وذريته على حروف هجاء اسمي محمد هكذا كانت كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم : في القديم فالرأس والوجه بمنزلة الميم واليدان إذا مددتهما بمنزلة الحاء والبطن بمنزلة الميم الأخرى والدال بمنزلة الرجلين فهو محمد ولا فخر
له اسم صورة الرحمان ربي * خلائقه عليه كما تراه
له رجل وفوق الرجل ظهر * وتحث الرأس قد خلقت يداه
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته كثر تصرفهم في حروف محمد دون أحمد
قال البكي الميم الأولى إشارة للملكوت الأعلى والحاء للحياة والحفظ الذي به وفيه كتب القلم الأثنى
والميم المشددة للملكوت الباطن والملك الظاهر
ودال للدوام والاتصال الماحية لوهي الانقطاع والانفصال
وقال بعض العلماء الميم الأولى المعرفة فقد أعطاه الله معرفة بعلم الأولين والآخرين
والحاء احياء الله العباد على يديه من الكفر بالإسلام حيث قال : وكنتم أمواتا فأحياكم
والميم الثانية أعطاه الله مملكة لم يعط الله لأحد مثل ذلك وذلك ان شهر اسمه مع اسم الله في المشرق والمغرب
والدال هو الدليل لجمع الخلق إلى الفردوس
وقيل الميم الأولى والحاء مأخوذتان من مح يمحو محا إذا اهلك
والميم الثانية والدال مد إذا بسط فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم : أهلك الكفر وبدده ومد الإسلام أي بسطه في الأرض بسطا يعبد الله في أقطارها
قال بعض الشعراء
محمدنا محا الإله بدينه * عبادا طغوا في الأرض دينهم الكفر
ومد لنا الإسلام طرا فلم يزل * به النصر والإمكان والظفر والبشر
وقيل الميم محو الكفر بالإسلام ومحو السيئات من اتبعه وقيل الميم من من على المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم : دل عليه قوله تعالى لقد من الله على المؤمنين الآية : وقيل الميم منذر ومبشر وقيل ملك أمته وقيل المقام المحمود
والحاء حكمه بين الخلق بحكم الله قال الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك الآية : وقيل حياة أمته به والثانية مغفرة الله لأمته وقيل مناد الموحدين وقيل ملك أمته به
والدال هو الداع إلى الله قال الله تعالى وداعيا إلى الله بادنه . فهو دليلهم في الدنيا ودليلهم في الآخرة إلى الجنة
وقيل الميم الأولى للملك الأول والميم الثانية للثاني الأخروي والأبدي ولذا ضعفت
والحاء للرحمة ولذا توسطت بينهما إشارة إلى أن المكلفين يتجادبانه ويستمدان منه والدال إشارة لدوام الملك الثاني
وقيل الميم الأولى ميم المحبة كأن الله يقول امن على أمتك بعتقهم من النار
والحاء من المحبة اجعل محبتي في قلوب أمتك
والميم الثانية ميم المغفرة اغفر لأمتك
والدال دوام الدين لا ينتزع منهم دين الإسلام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لي خمسة أشياء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحوا الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب يعني أعقب كثرة الأتباع
فمن خصائصه تعالى له أن ضمن أسمائه ثنائه وطوى أثناء ذكره عظيم شكره
فأما اسمه صلى الله عليه وسلم : أحمد فافعل مبالغة من صفة الحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد فهو صلى الله عليه وسلم : اجل من حمد وأفضل من حمد وأكثر الناس حمدا فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين ومعه لواء الحمد يوم القيامة ليتم له كمال الحمد ويتشهد في تلك العرصات بصفة الحمد ويبعثه ربه هناك مقاما محمودا كما وعده بحمده فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم ويحمد عليه فيه من المحامد كما قال عليه السلام ما لم يعط غيره وسمى أمته في كتب أنبيائه بالحامدين فحقيق أن يسمى محمدا وأحمد ثم في هدين الاسمين المباركين من عجائب خصائصه وبدائع آياته فن آخر هو أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بها أحمد قبل زمانه أما أحمد الذي أتى به في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله تعالى : بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل اللبس على ضعيف القلب أو شك وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم : أيضا لم يسمى به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده عليه السلام وميلاده أن نبيا اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبنائهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالته
وهم محمد بن احيحة بن الحلاج الأوسي .
ومحمد بن مسلمة الأنصاري .
ومحمد بن براء البكري .
ومحمد بن سفيان ابن مجاشع .
ومحمد بن حمدان الجعفي .
ومحمد بن خزاع السلمي لا سابع لهم .
وقال أول من سمي بمحمد محمد بن سفيان
واليمن يقولون بل محمد بن إسحاق الأزدي
ثم حمى الله سبحانه كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحد في أمره حتى تحققت السمتان له عليه الصلاة والسلام ولم ينازع فيهما
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر
ففسر في الحديث ويكون محوا لكفر إما من مكة أو بلاد العرب وما زوى له من الأرض ووعد أنه يبلغه ملك أمته أو يكون المحو عاما بمعنى الظهور والغلبة كما قال تعالى
( ليظهره على الدين كله ) الآية
وقد ورد تفسيره في الحديث أنه الذي محيت به سيئات من اتبعه
وأما قوله وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي أي على زماني وعهدي أي ليس بعدي نبي كما قال تعالى : وخاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم : عاقبا لأنه عقب غيره من الأنبياء عليهم السلام
وقيل معنى على قدمي أي يحشر الناس بمشاهدتي كما قال تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) الآية
وقيل على قدمي على سابقتي قال تعالى : ( ان لهم قدم صدق عند ربهم ) الآية
وقيل على قدمي أي قدامي وحولي أي مجتمعون إلي في القيامة
وقيل قدمي سنتي
ومعنى قوله لي خمسة أشياء قيل موجودة في الكتب المتقدمة وعند أولي العلم من الأمم السالفة
وقد روى عنه الصلاة والسلام لي عشرة أسماء وقد ذكر منها طه ويس حكاه مكي وقد قيل في بعض تفاسير طه أنه يا طاهر يا هادي وفي يس ياسيد حكاه السمكي على الواسطة وجعفر ابن محمد وذكر غيره لي عشرة أسماء فذكر الخمسة التي في الحديث الأول قال وأنا رسول الرحمة ورسول الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفى فقفيت النبيئين وأنا قيم والقيم الجامع الكامل
وفي رواية وأنا قثم بالثاء وقال داوود اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفطرة
وروى النقاس عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لي في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد ويس وطه والمدثر والمزمل وعبد الله
وفي الحديث جبير بن مطعم محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح
وفي حديث أبي موسى الأشعري أنه كان صلى الله عليه وسلم : يسمي لنا نفسه أسماء فيقول أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة ويروى ونبي الرحمة والراحة
فقد قال الله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الآية
وكما وصفه بأنه يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم وبالمومنين رؤوف رحيم
أي يرحم بعضهم بعضا فبعثه عليه الصلاة والسلام ربه رحمة لأمته ورحمة للعالمين ورحيما بهم ومترحما ومستغفرا لهم وجعل أمته مرحومة ووصفها بالرحمة وأمرها عليه الصلاة والسلام بالتراحم وأثنا عليه فقال : إن الله يحب من عباده الرحماء
وقال الراحمون يرحمهم الرحمان يوم القيامة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
وأما رواية نبي الملحمة فإشارة إلى ما بعث به من القتال والسيف صلى الله عليه وسلم : وهي صحيحة
وروى حديفة مثل حديث أبي موسى الخروبي وفيه ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملاحم
وروى الخروبي في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال أتاني ملك فقال أنت قثم أي مجتمع قال والقثوم الجامع للخير وهذا اسم هو في آل بيته معلوم
وأما ألقابه صلى الله عليه وسلم : فعدة وكثيرة كالنور والسراج المنير والمنذر والنذير والمبشر والبشير والشاهد والشهيد والحق المبين وخاتم النبيئين والرؤوف الرحيم والأمين وقدم صدق ورحمة للعالمين ونعمة الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم وذكر الله والنجم الثاقب والكريم والنبي الأمي وداعي إلى الله والمصطفى والمجتبى وأبي القاسم والحبيب ورسول رب العالمين والشفيع المشفع والمتقى والمصلح والطاهر والمهيمن والصادق والمصدوق والهادي وسيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب الله وخليل الرحمان وصاحب الحوض المورود والشفاعة والمقام المحمود وصاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وصاحب التاج والمعراج واللواء والقضيب وراكب البراق والناقة والنجيب وصاحب الحجة والسلطان والخاتم والعلامة والبرهان وصاحب الهراوة وصاحب النعلين
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : في الكتب المنزلة المتوكل المختار ومقيم السنة والمقدس وروح الحق وهو معنى البار قليط في الإنجيل
وقال ثعلب البار قليط الذي يفرق بين الحق والباطل
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : بالسريانية في الكتب السالفة ماذ ماذ ومعناه طيب طيب
وحمطايا ومعناه يحمي الحرم ويمنعه من الحرام ويطئ الحلال
والخاتم والحاتم قال ثعلبة في الخاتم الذي ختم الأنبياء والخاتم أحسن الأنبياء خلقا وخلقا .
ويسمى صلى الله عليه وسلم : بالسريانية مشأح ومقحهنا
واسمه في الثوراة أيضا أحيد ومعناه صاحب القضيب أي السيف وقع ذلك مفسرا في الإنجيل قال معه قضيب من حديد يقاتل به وأمته كذلك وقد يحمل على أنه القضيب المشنوق أي الطويل الذي كان يمسكه عليه الصلاة والسلام وهو الآن عند الخلفاء وأما الهراوة التي وصف بها فهي في اللغة العصا وأراها والله أعلم العصا المذكورة في حديث الحوض إذ ود الناس عنه بعصاي لأهل اليمين
وأما التاج فالمراد به العمامة ولم تكن حينئذ إلا للعرب والعمائم تيجان العرب
وأوصافه وألقابه صلى الله عليه وسلم : وسماته في الكتب كثيرة
وأما كنياه فكانت كنيته صلى الله عليه وسلم : أبا القاسم
وروي عن أنس أنه لما ولد له صلى الله عليه وسلم : إبراهيم جاءه جبريل عليه السلام فقال له السلام عليك يا أبا إبراهيم
وقال جعفر ابن محمد الصادق رضي الله عنهما من تسمى بأشهر أسمائه أعني محمد وأحمد أدخله الله الجنة لكرمة اسمه
وروى ابن وهب عن مالك أنه تطرح البركة في أهله وجيرانه وما كان اسم محمد في بيت إلا جعل الله في ذلك البيت بركة ومن كانت زوجته حاملا ونوى أن يسمي محمدا رزقه ذكرا وقالت حليمة بنت عبد الجليل يا رسول الله إني امرأة لا يعيش لي ولد فقال لها اجعلي لله عليك أن تسميه محمدا ففعلت وعاش ولدها وغنيمه قال مقيده المعترف بذنبه عفى الله عنه قد جربنا ذلك مرارا وصح بفضل الله وحمده
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا سميتم محمدا فأكرموه وأوسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجها وقال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمع قوم في مشورة وفيهم رجل اسمه محمد ولم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم
وروى عن انس ابن مالك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم : قال يوقف عبدان بين يدي الله تعالى فيأمرهما إلى الجنة فيقولا ربنا بم استهلنا الجنة ولم نعمل عملا يجازينا الجنة فيقول الله عز وجل عبادي ادخلا الجنة فإني آليت على نفسي أن لا يدخل النار من اسمه أحمد أو محمد
وفي رواية ينادي مناد يوم القيامة يا محمد فيرفع رأسه من في الموقف اسمه محمد فيقول الله عز وجل أشهدكم اني قد غفرت لكل من اسمه على اسم محمد
وعن جعفر ابن محمد إذا كان يوم القيامة نادى منادي أن الا ليقوم من اسمه محمد فيدخل الجنة كرامة لاسمه صلى الله عليه وسلم
وعن أبي أمامة من ولد له مولود فسماه محمدا تبركا كان هو ومولوده في الجنة رواه صاحب الفردوس وعن علي رضي الله عنه قال ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد ومحمد إلا قدس الله ذلك المنزل مرتين
وروى عن سريج ابن يونس إن لله ملائكة سياحين عبادتها كل دار فيها أحمد ومحمد إكراما منه لمحمد صلى الله عليه وسلم
وعن ابن عباس قال على باب الجنة مكتوب إني أنا الله لا إله إلا أنا محمد رسول الله لا أعذب من قالها وذكر أنه وجد على الحجارة القديمة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد ثقي ومصلح وسيد أمين
وذكر السنطاري أنه شاهد في بعض بلاد خرسان مولودا ولد على أحد جنبيه مكتوبا لا إله إلا الله وعلى الآخر محمد رسول الله
وذكر الأخباريون أن ببلاد الهند ولد أحد مكتوب عليه بالأبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله
وذكر عن جعفر عن أبيه إذا كان يوم القيامة نادى منادي ألا فليقم من اسمه محمد فيدخل الجنة لكرامة اسمه عليه السلام
وروى ابن القاسم في سماعه وابن وهب في جماعة عن مالك قال سمعت أهل مكة يقولون ما من بيت فيه اسم محمد إلا نما ورزق جيرانهم وعنه عليه الصلاة والسلام ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد ومحمدان وثلاث وقد خص الله تعالى : كثيرا من الأنبياء بكرامته جعلها عليهم من أسمائه كتسمية إسحاق وإسماعيل بعليم وحليم وإبراهيم بحليم ونوحا بشكور وعيسى ويحيى ببر وموسى بكريم وقوي ويوسف بحفيظ عليهم وأيوب بصابر وإسماعيل بصادق الوعد كما نطق بذلك الكتاب العزيز من مواضع في ذكرهم وفضل نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام فإن حلاه منها في كتابه العزيز وعلى السنة تبيانه بعدة كثيرة فمن أسمائه تعالى الحميد ومعناه المحمود لأنه تعالى حمد نفسه وحمده عبادة ويكون أيضا بالمعنى الحامد لنفسه ولأعمال الطاعات وسمى نبينا صلى الله عليه وسلم : أحمد ومحمد بمعنى محمود وكذلك وقع اسمه صلى الله عليه وسلم : في زبور داوود
وأحمد بمعنى أكبر من حمد وأجل من حمد وقد أشار إلى نحو هذا حسان بن ثابت في قوله
وشق له من اسمه ليجليه * فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي شعر عبد المطلب محمد وهو في التوراة محمود
ومن أسمائه تعالى الرؤوف الرحيم وهما بمعنى متقارب وسماه في كتابه بذلك فقال بالمؤمنين رؤوف رحيم
ومن أسمائه تعالى الحق المبين ومعنى الحق المبين الموجود المتحقق أمره وكذلك المبين أي المبين أمره وأنهيته بان وأبان بمعنى ويكون بمعنى المبين لعبادة أمر دينهم وهداهم وسمي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في كتابه فقال سبحانه : حتى جاءكم الحق ورسول مبين وقال تعالى وقل اني أنا النذير المبين وقال أيضا لقد جاءكم الحق من ربكم
وقال أيضا فقد كذبوا بالحق لما جاءهم قيل محمد صلى الله عليه وسلم : وقيل القرآن ومعناه هنا ضد الباطل والمتحقق صدقه وأمره وهو بالمعنى الأول والمبين أمره ورسالته والمبين عن الله ما بعثه كما قال : لتبين للناس ما أنزل إليهم
ومن أسمائه تعالى النور ومعناه ذو النور أي خالقه أو منور السماوات والأرض بالأنوار ومنور قلوب المؤمنين بالهداية وسماه سبحانه وتعالى : نورا فقال قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين قيل محمد وقيل القرآن
وقال فيه وسراجا منيرا سمي بذلك وضوح أمره وبيان نبوته وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به .
ومن أسمائه تعالى الشهيد ومعناه العالم وقيل الشاهد على عباده يوم القيامة وسماه تعالى شهيدا وشاهد وقال تعالى : إنا أرسلناك شاهدا . وقال تعالى : ويكون الرسول عليكم شهيدا وهو بمعنى الأول
ومن أسمائه تعالى الكريم ومعناه كثير الخير وقيل المفضل وقيل العفو وقيل العلي
وفي الحديث المروي في أسمائه تعالى الأكرم وسماه تعالى كريما بقوله : إنه لقول رسول كريم قيل محمد وقيل جبريل وقال صلى الله عليه وسلم : أنا أكرم ولد آدم ولا فخر
ومعاني الاسم صحيحة في حقه عليه الصلاة والسلام ومن أسمائه تعالى العظيم ومعناه الجليل الشأن الذي كل شيء دونه
وقال تعالى في النبي : وإنك لعلى خلق عظيم
ووقع في أول سفر من التوراة عن إسماعيل وستلد عظيما لأمة عظيمة فهو عظيم وعلى خلق عظيم
ومن أسمائه تعالى الجبار ومعناه المصلح وقيل القهار وقيل العلي العظيم الشأن وقيل المتكبر
وسمي النبي صلى الله عليه وسلم : في كتاب داوود بجبار فقال : تقلد أيها الجبار سيفك فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ومعناه في حق النبي صلى الله عليه وسلم : إما لإصلاحه للأمة بالهداية والتعليم أو لقهر أعدائه أو لعلو منزلته على البشر وعظيم خطره ونفى عنه تعالى في القرآن جبرية التكبر التي لا تليق به فقال وما أنت عليهم بجبار
ومن أسمائه تعالى الخبير ومعناه المطلع بكنه الشيء العالم بحقيقته وقيل معناه المخبر وقال الله تعالى الرحمان فاسأل به خبيرا .
قال القاضي بكر ابن علاء المأمور بالسؤال يعني النبي والمسؤول الخبير وهو النبي صلى الله عليه وسلم وقال غيره السائل النبي صلى الله عليه وسلم : والمسؤول هو الله تعالى بالنبي خبير بالوجهين المذكورين قيل لأنه عالم على غاية من العلم بما أعلمه تعالى من مكنون علمه وعظيم معرفته مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به ومن أسمائه تعالى الفتاح ومعناه الحاكم بين عباده والفاتح أبواب الرزق والرحمة والمتعلق من أمورهم عليهم أو يفتح قلوبهم وبصائرهم لمعرفة الحق ويكون أيضا بمعنى الناصر كقوله تعالى : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وقيل معناه مبدئ الفتح والنصر وسمى الله تعالى نبيه محمدا بالفاتح
وفي حديث الإسراء الطويل من رواية الربيع بن انس عن أبي العالية وغيره عن أبي هريرة وفيه من قول الله تعالى وجعلتك فاتحا وخاتما وفيه من النبي صلى الله عليه وسلم : في ثنائه على ربه وتعدد مراتبه ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما فيكون الفاتح هنا بمعنى الحاكم والفاتح لأبواب الرحمة على أمته والفاتح لبصائرهم لمعرفة الحق والإيمان بالله والناصر للحق أو المبدي بهداية الأمة أو المبدئ المقدم في الأنبياء والخاتم لهم كما قال عليه الصلاة والسلام كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث
ومن أسمائه تعالى في الحديث الشكور ومعناه المتيب على العمل القليل وقيل المثنى على المطيعين ووصف بذلك نبيه نوحا عليه السلام فقال إنه كان عبدا شكورا وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم : نفسه فقال أفلا أكون عبدا شكورا أي معترفا بنعم ربي عارفا عالما بقدر ذلك مثنيا عليه مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك لقوله تعالى : لأن شكرتم لأزيدنكم
ومن أسمائه تعالى العليم والعلام وعالم الغيب والشهادة ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم : بالعلم وخصه بمزية منه فقال : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
وقال تعالى : ويعلمك الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
ومن أسمائه تعالى الأول والآخر والظاهر ومعناهما السابق للأشياء قبل وجودها والباقي بعد فنائها وتحقيقه أنه ليس له أول وآخر
لما كان هو الأول في الخلق والسابق في الأحمدية شرع الابتداء بالحمد وجاء في الفاتحة مفتحة به وتوسط فيها أسماء الرحمة بين العالمين وملك يوم الدين كما أنه صلى الله عليه وسلم : رحمة للعالمين وظهور الرحمة العظمى يوم الدين عند مالكه
وافتتحت بالبسملة كذلك باسم الرحمة متصلى بالحمد وبنقطة الباء التي هي أول ما خط القلم وهي مدد العوالم كما أنه صلى الله عليه وسلم : بدأ العوالم ولهذا سمى بداية النقطة .
وفي نوادر الأصول للترميذي رضي الله عنه على حديث إن الله أعطاني خصالا لم يعطيها أحد قبلي سميت أحمد ونصرت بالرعب
الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : سميت أحمد فمنهم نال القراء الحمد لأنه هو الذي وصل إلى عشر الحمد من بين الرسل وكانت الرسل تحمد ربها من حق الآلاء ومحمد من حق الرحمة العظمى التي بدأ منه الآلاء فلذلك جعل أحق الرسل بلواء الحمد لأن حمده أخلص وأوفر ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته أشير إلى ذلك بخلق الإنسان على صورة اسمه محمد دون أحمد وقد طويت هذه العبارات كلها تحث قول العاجزة العقول عن إدراك كنهها إذ لا سبيل للوصول إليها إلا أن يكون شيئا بفضلها في الصلاة النورانية التي أمليت علينا من فيضه المصطفوي وبحر مددها النبوي صلى الله عليه وسلم
وفي الشعب والمواهب وغيرها
أن آدم وولده أجمعين خلقوا على صورة حروف اسمه صلى الله عليه وسلم : وشكل محبته وقرره أيضا الإمام البكي بما في الحديث الطويل الذي أخرجه أبو عمر والطنبي في فوائده التي خطها بيده وأخذ عن شيوخه بمكة زادها الله شرفا بسنده عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعد الخدري رضي الله عنهم يا عمر أتدري من أنا أنا الذي خلق الله آدم وذريته على حروف هجاء اسمي محمد هكذا كانت كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم : في القديم فالرأس والوجه بمنزلة الميم واليدان إذا مددتهما بمنزلة الحاء والبطن بمنزلة الميم الأخرى والدال بمنزلة الرجلين فهو محمد ولا فخر
له اسم صورة الرحمان ربي * خلائقه عليه كما تراه
له رجل وفوق الرجل ظهر * وتحث الرأس قد خلقت يداه
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته كثر تصرفهم في حروف محمد دون أحمد
قال البكي الميم الأولى إشارة للملكوت الأعلى والحاء للحياة والحفظ الذي به وفيه كتب القلم الأثنى
والميم المشددة للملكوت الباطن والملك الظاهر
ودال للدوام والاتصال الماحية لوهي الانقطاع والانفصال
وقال بعض العلماء الميم الأولى المعرفة فقد أعطاه الله معرفة بعلم الأولين والآخرين
والحاء احياء الله العباد على يديه من الكفر بالإسلام حيث قال : وكنتم أمواتا فأحياكم
والميم الثانية أعطاه الله مملكة لم يعط الله لأحد مثل ذلك وذلك ان شهر اسمه مع اسم الله في المشرق والمغرب
والدال هو الدليل لجمع الخلق إلى الفردوس
وقيل الميم الأولى والحاء مأخوذتان من مح يمحو محا إذا اهلك
والميم الثانية والدال مد إذا بسط فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم : أهلك الكفر وبدده ومد الإسلام أي بسطه في الأرض بسطا يعبد الله في أقطارها
قال بعض الشعراء
محمدنا محا الإله بدينه * عبادا طغوا في الأرض دينهم الكفر
ومد لنا الإسلام طرا فلم يزل * به النصر والإمكان والظفر والبشر
وقيل الميم محو الكفر بالإسلام ومحو السيئات من اتبعه وقيل الميم من من على المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم : دل عليه قوله تعالى لقد من الله على المؤمنين الآية : وقيل الميم منذر ومبشر وقيل ملك أمته وقيل المقام المحمود
والحاء حكمه بين الخلق بحكم الله قال الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك الآية : وقيل حياة أمته به والثانية مغفرة الله لأمته وقيل مناد الموحدين وقيل ملك أمته به
والدال هو الداع إلى الله قال الله تعالى وداعيا إلى الله بادنه . فهو دليلهم في الدنيا ودليلهم في الآخرة إلى الجنة
وقيل الميم الأولى للملك الأول والميم الثانية للثاني الأخروي والأبدي ولذا ضعفت
والحاء للرحمة ولذا توسطت بينهما إشارة إلى أن المكلفين يتجادبانه ويستمدان منه والدال إشارة لدوام الملك الثاني
وقيل الميم الأولى ميم المحبة كأن الله يقول امن على أمتك بعتقهم من النار
والحاء من المحبة اجعل محبتي في قلوب أمتك
والميم الثانية ميم المغفرة اغفر لأمتك
والدال دوام الدين لا ينتزع منهم دين الإسلام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لي خمسة أشياء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحوا الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب يعني أعقب كثرة الأتباع
فمن خصائصه تعالى له أن ضمن أسمائه ثنائه وطوى أثناء ذكره عظيم شكره
فأما اسمه صلى الله عليه وسلم : أحمد فافعل مبالغة من صفة الحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد فهو صلى الله عليه وسلم : اجل من حمد وأفضل من حمد وأكثر الناس حمدا فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين ومعه لواء الحمد يوم القيامة ليتم له كمال الحمد ويتشهد في تلك العرصات بصفة الحمد ويبعثه ربه هناك مقاما محمودا كما وعده بحمده فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم ويحمد عليه فيه من المحامد كما قال عليه السلام ما لم يعط غيره وسمى أمته في كتب أنبيائه بالحامدين فحقيق أن يسمى محمدا وأحمد ثم في هدين الاسمين المباركين من عجائب خصائصه وبدائع آياته فن آخر هو أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بها أحمد قبل زمانه أما أحمد الذي أتى به في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله تعالى : بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل اللبس على ضعيف القلب أو شك وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم : أيضا لم يسمى به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده عليه السلام وميلاده أن نبيا اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبنائهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالته
وهم محمد بن احيحة بن الحلاج الأوسي .
ومحمد بن مسلمة الأنصاري .
ومحمد بن براء البكري .
ومحمد بن سفيان ابن مجاشع .
ومحمد بن حمدان الجعفي .
ومحمد بن خزاع السلمي لا سابع لهم .
وقال أول من سمي بمحمد محمد بن سفيان
واليمن يقولون بل محمد بن إسحاق الأزدي
ثم حمى الله سبحانه كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحد في أمره حتى تحققت السمتان له عليه الصلاة والسلام ولم ينازع فيهما
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر
ففسر في الحديث ويكون محوا لكفر إما من مكة أو بلاد العرب وما زوى له من الأرض ووعد أنه يبلغه ملك أمته أو يكون المحو عاما بمعنى الظهور والغلبة كما قال تعالى
( ليظهره على الدين كله ) الآية
وقد ورد تفسيره في الحديث أنه الذي محيت به سيئات من اتبعه
وأما قوله وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي أي على زماني وعهدي أي ليس بعدي نبي كما قال تعالى : وخاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم : عاقبا لأنه عقب غيره من الأنبياء عليهم السلام
وقيل معنى على قدمي أي يحشر الناس بمشاهدتي كما قال تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) الآية
وقيل على قدمي على سابقتي قال تعالى : ( ان لهم قدم صدق عند ربهم ) الآية
وقيل على قدمي أي قدامي وحولي أي مجتمعون إلي في القيامة
وقيل قدمي سنتي
ومعنى قوله لي خمسة أشياء قيل موجودة في الكتب المتقدمة وعند أولي العلم من الأمم السالفة
وقد روى عنه الصلاة والسلام لي عشرة أسماء وقد ذكر منها طه ويس حكاه مكي وقد قيل في بعض تفاسير طه أنه يا طاهر يا هادي وفي يس ياسيد حكاه السمكي على الواسطة وجعفر ابن محمد وذكر غيره لي عشرة أسماء فذكر الخمسة التي في الحديث الأول قال وأنا رسول الرحمة ورسول الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفى فقفيت النبيئين وأنا قيم والقيم الجامع الكامل
وفي رواية وأنا قثم بالثاء وقال داوود اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفطرة
وروى النقاس عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لي في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد ويس وطه والمدثر والمزمل وعبد الله
وفي الحديث جبير بن مطعم محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح
وفي حديث أبي موسى الأشعري أنه كان صلى الله عليه وسلم : يسمي لنا نفسه أسماء فيقول أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة ويروى ونبي الرحمة والراحة
فقد قال الله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الآية
وكما وصفه بأنه يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم وبالمومنين رؤوف رحيم
أي يرحم بعضهم بعضا فبعثه عليه الصلاة والسلام ربه رحمة لأمته ورحمة للعالمين ورحيما بهم ومترحما ومستغفرا لهم وجعل أمته مرحومة ووصفها بالرحمة وأمرها عليه الصلاة والسلام بالتراحم وأثنا عليه فقال : إن الله يحب من عباده الرحماء
وقال الراحمون يرحمهم الرحمان يوم القيامة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
وأما رواية نبي الملحمة فإشارة إلى ما بعث به من القتال والسيف صلى الله عليه وسلم : وهي صحيحة
وروى حديفة مثل حديث أبي موسى الخروبي وفيه ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملاحم
وروى الخروبي في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال أتاني ملك فقال أنت قثم أي مجتمع قال والقثوم الجامع للخير وهذا اسم هو في آل بيته معلوم
وأما ألقابه صلى الله عليه وسلم : فعدة وكثيرة كالنور والسراج المنير والمنذر والنذير والمبشر والبشير والشاهد والشهيد والحق المبين وخاتم النبيئين والرؤوف الرحيم والأمين وقدم صدق ورحمة للعالمين ونعمة الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم وذكر الله والنجم الثاقب والكريم والنبي الأمي وداعي إلى الله والمصطفى والمجتبى وأبي القاسم والحبيب ورسول رب العالمين والشفيع المشفع والمتقى والمصلح والطاهر والمهيمن والصادق والمصدوق والهادي وسيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب الله وخليل الرحمان وصاحب الحوض المورود والشفاعة والمقام المحمود وصاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وصاحب التاج والمعراج واللواء والقضيب وراكب البراق والناقة والنجيب وصاحب الحجة والسلطان والخاتم والعلامة والبرهان وصاحب الهراوة وصاحب النعلين
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : في الكتب المنزلة المتوكل المختار ومقيم السنة والمقدس وروح الحق وهو معنى البار قليط في الإنجيل
وقال ثعلب البار قليط الذي يفرق بين الحق والباطل
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم : بالسريانية في الكتب السالفة ماذ ماذ ومعناه طيب طيب
وحمطايا ومعناه يحمي الحرم ويمنعه من الحرام ويطئ الحلال
والخاتم والحاتم قال ثعلبة في الخاتم الذي ختم الأنبياء والخاتم أحسن الأنبياء خلقا وخلقا .
ويسمى صلى الله عليه وسلم : بالسريانية مشأح ومقحهنا
واسمه في الثوراة أيضا أحيد ومعناه صاحب القضيب أي السيف وقع ذلك مفسرا في الإنجيل قال معه قضيب من حديد يقاتل به وأمته كذلك وقد يحمل على أنه القضيب المشنوق أي الطويل الذي كان يمسكه عليه الصلاة والسلام وهو الآن عند الخلفاء وأما الهراوة التي وصف بها فهي في اللغة العصا وأراها والله أعلم العصا المذكورة في حديث الحوض إذ ود الناس عنه بعصاي لأهل اليمين
وأما التاج فالمراد به العمامة ولم تكن حينئذ إلا للعرب والعمائم تيجان العرب
وأوصافه وألقابه صلى الله عليه وسلم : وسماته في الكتب كثيرة
وأما كنياه فكانت كنيته صلى الله عليه وسلم : أبا القاسم
وروي عن أنس أنه لما ولد له صلى الله عليه وسلم : إبراهيم جاءه جبريل عليه السلام فقال له السلام عليك يا أبا إبراهيم
وقال جعفر ابن محمد الصادق رضي الله عنهما من تسمى بأشهر أسمائه أعني محمد وأحمد أدخله الله الجنة لكرمة اسمه
وروى ابن وهب عن مالك أنه تطرح البركة في أهله وجيرانه وما كان اسم محمد في بيت إلا جعل الله في ذلك البيت بركة ومن كانت زوجته حاملا ونوى أن يسمي محمدا رزقه ذكرا وقالت حليمة بنت عبد الجليل يا رسول الله إني امرأة لا يعيش لي ولد فقال لها اجعلي لله عليك أن تسميه محمدا ففعلت وعاش ولدها وغنيمه قال مقيده المعترف بذنبه عفى الله عنه قد جربنا ذلك مرارا وصح بفضل الله وحمده
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا سميتم محمدا فأكرموه وأوسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجها وقال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمع قوم في مشورة وفيهم رجل اسمه محمد ولم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم
وروى عن انس ابن مالك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم : قال يوقف عبدان بين يدي الله تعالى فيأمرهما إلى الجنة فيقولا ربنا بم استهلنا الجنة ولم نعمل عملا يجازينا الجنة فيقول الله عز وجل عبادي ادخلا الجنة فإني آليت على نفسي أن لا يدخل النار من اسمه أحمد أو محمد
وفي رواية ينادي مناد يوم القيامة يا محمد فيرفع رأسه من في الموقف اسمه محمد فيقول الله عز وجل أشهدكم اني قد غفرت لكل من اسمه على اسم محمد
وعن جعفر ابن محمد إذا كان يوم القيامة نادى منادي أن الا ليقوم من اسمه محمد فيدخل الجنة كرامة لاسمه صلى الله عليه وسلم
وعن أبي أمامة من ولد له مولود فسماه محمدا تبركا كان هو ومولوده في الجنة رواه صاحب الفردوس وعن علي رضي الله عنه قال ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد ومحمد إلا قدس الله ذلك المنزل مرتين
وروى عن سريج ابن يونس إن لله ملائكة سياحين عبادتها كل دار فيها أحمد ومحمد إكراما منه لمحمد صلى الله عليه وسلم
وعن ابن عباس قال على باب الجنة مكتوب إني أنا الله لا إله إلا أنا محمد رسول الله لا أعذب من قالها وذكر أنه وجد على الحجارة القديمة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله محمد ثقي ومصلح وسيد أمين
وذكر السنطاري أنه شاهد في بعض بلاد خرسان مولودا ولد على أحد جنبيه مكتوبا لا إله إلا الله وعلى الآخر محمد رسول الله
وذكر الأخباريون أن ببلاد الهند ولد أحد مكتوب عليه بالأبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله
وذكر عن جعفر عن أبيه إذا كان يوم القيامة نادى منادي ألا فليقم من اسمه محمد فيدخل الجنة لكرامة اسمه عليه السلام
وروى ابن القاسم في سماعه وابن وهب في جماعة عن مالك قال سمعت أهل مكة يقولون ما من بيت فيه اسم محمد إلا نما ورزق جيرانهم وعنه عليه الصلاة والسلام ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد ومحمدان وثلاث وقد خص الله تعالى : كثيرا من الأنبياء بكرامته جعلها عليهم من أسمائه كتسمية إسحاق وإسماعيل بعليم وحليم وإبراهيم بحليم ونوحا بشكور وعيسى ويحيى ببر وموسى بكريم وقوي ويوسف بحفيظ عليهم وأيوب بصابر وإسماعيل بصادق الوعد كما نطق بذلك الكتاب العزيز من مواضع في ذكرهم وفضل نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام فإن حلاه منها في كتابه العزيز وعلى السنة تبيانه بعدة كثيرة فمن أسمائه تعالى الحميد ومعناه المحمود لأنه تعالى حمد نفسه وحمده عبادة ويكون أيضا بالمعنى الحامد لنفسه ولأعمال الطاعات وسمى نبينا صلى الله عليه وسلم : أحمد ومحمد بمعنى محمود وكذلك وقع اسمه صلى الله عليه وسلم : في زبور داوود
وأحمد بمعنى أكبر من حمد وأجل من حمد وقد أشار إلى نحو هذا حسان بن ثابت في قوله
وشق له من اسمه ليجليه * فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي شعر عبد المطلب محمد وهو في التوراة محمود
ومن أسمائه تعالى الرؤوف الرحيم وهما بمعنى متقارب وسماه في كتابه بذلك فقال بالمؤمنين رؤوف رحيم
ومن أسمائه تعالى الحق المبين ومعنى الحق المبين الموجود المتحقق أمره وكذلك المبين أي المبين أمره وأنهيته بان وأبان بمعنى ويكون بمعنى المبين لعبادة أمر دينهم وهداهم وسمي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في كتابه فقال سبحانه : حتى جاءكم الحق ورسول مبين وقال تعالى وقل اني أنا النذير المبين وقال أيضا لقد جاءكم الحق من ربكم
وقال أيضا فقد كذبوا بالحق لما جاءهم قيل محمد صلى الله عليه وسلم : وقيل القرآن ومعناه هنا ضد الباطل والمتحقق صدقه وأمره وهو بالمعنى الأول والمبين أمره ورسالته والمبين عن الله ما بعثه كما قال : لتبين للناس ما أنزل إليهم
ومن أسمائه تعالى النور ومعناه ذو النور أي خالقه أو منور السماوات والأرض بالأنوار ومنور قلوب المؤمنين بالهداية وسماه سبحانه وتعالى : نورا فقال قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين قيل محمد وقيل القرآن
وقال فيه وسراجا منيرا سمي بذلك وضوح أمره وبيان نبوته وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به .
ومن أسمائه تعالى الشهيد ومعناه العالم وقيل الشاهد على عباده يوم القيامة وسماه تعالى شهيدا وشاهد وقال تعالى : إنا أرسلناك شاهدا . وقال تعالى : ويكون الرسول عليكم شهيدا وهو بمعنى الأول
ومن أسمائه تعالى الكريم ومعناه كثير الخير وقيل المفضل وقيل العفو وقيل العلي
وفي الحديث المروي في أسمائه تعالى الأكرم وسماه تعالى كريما بقوله : إنه لقول رسول كريم قيل محمد وقيل جبريل وقال صلى الله عليه وسلم : أنا أكرم ولد آدم ولا فخر
ومعاني الاسم صحيحة في حقه عليه الصلاة والسلام ومن أسمائه تعالى العظيم ومعناه الجليل الشأن الذي كل شيء دونه
وقال تعالى في النبي : وإنك لعلى خلق عظيم
ووقع في أول سفر من التوراة عن إسماعيل وستلد عظيما لأمة عظيمة فهو عظيم وعلى خلق عظيم
ومن أسمائه تعالى الجبار ومعناه المصلح وقيل القهار وقيل العلي العظيم الشأن وقيل المتكبر
وسمي النبي صلى الله عليه وسلم : في كتاب داوود بجبار فقال : تقلد أيها الجبار سيفك فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ومعناه في حق النبي صلى الله عليه وسلم : إما لإصلاحه للأمة بالهداية والتعليم أو لقهر أعدائه أو لعلو منزلته على البشر وعظيم خطره ونفى عنه تعالى في القرآن جبرية التكبر التي لا تليق به فقال وما أنت عليهم بجبار
ومن أسمائه تعالى الخبير ومعناه المطلع بكنه الشيء العالم بحقيقته وقيل معناه المخبر وقال الله تعالى الرحمان فاسأل به خبيرا .
قال القاضي بكر ابن علاء المأمور بالسؤال يعني النبي والمسؤول الخبير وهو النبي صلى الله عليه وسلم وقال غيره السائل النبي صلى الله عليه وسلم : والمسؤول هو الله تعالى بالنبي خبير بالوجهين المذكورين قيل لأنه عالم على غاية من العلم بما أعلمه تعالى من مكنون علمه وعظيم معرفته مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به ومن أسمائه تعالى الفتاح ومعناه الحاكم بين عباده والفاتح أبواب الرزق والرحمة والمتعلق من أمورهم عليهم أو يفتح قلوبهم وبصائرهم لمعرفة الحق ويكون أيضا بمعنى الناصر كقوله تعالى : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وقيل معناه مبدئ الفتح والنصر وسمى الله تعالى نبيه محمدا بالفاتح
وفي حديث الإسراء الطويل من رواية الربيع بن انس عن أبي العالية وغيره عن أبي هريرة وفيه من قول الله تعالى وجعلتك فاتحا وخاتما وفيه من النبي صلى الله عليه وسلم : في ثنائه على ربه وتعدد مراتبه ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما فيكون الفاتح هنا بمعنى الحاكم والفاتح لأبواب الرحمة على أمته والفاتح لبصائرهم لمعرفة الحق والإيمان بالله والناصر للحق أو المبدي بهداية الأمة أو المبدئ المقدم في الأنبياء والخاتم لهم كما قال عليه الصلاة والسلام كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث
ومن أسمائه تعالى في الحديث الشكور ومعناه المتيب على العمل القليل وقيل المثنى على المطيعين ووصف بذلك نبيه نوحا عليه السلام فقال إنه كان عبدا شكورا وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم : نفسه فقال أفلا أكون عبدا شكورا أي معترفا بنعم ربي عارفا عالما بقدر ذلك مثنيا عليه مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك لقوله تعالى : لأن شكرتم لأزيدنكم
ومن أسمائه تعالى العليم والعلام وعالم الغيب والشهادة ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم : بالعلم وخصه بمزية منه فقال : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
وقال تعالى : ويعلمك الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
ومن أسمائه تعالى الأول والآخر والظاهر ومعناهما السابق للأشياء قبل وجودها والباقي بعد فنائها وتحقيقه أنه ليس له أول وآخر
وقال صلى الله عليه وسلم : كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث وفسر بهذا قوله تعالى
وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ومنك ومن نوح فقدم محمد صلى الله عليه وسلم : على نوح
وأشار إلى نحو منه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون السابقون وقوله أنا أول من تنشق عنه الأرض وأول من يدخل الجنة وأول شافع وأول مشفع وهو خاتم النبيئين وآخر الرسل صلى الله عليه وسلم : ومن أسمائه تعالى القوي المثين ومعناه القادر وقد وصفه الله تعالى بذلك فقال : ذي قوة عند ذي العرش مكين . قيل محمد صلى الله عليه وسلم : وقيل جبريل عليه السلام ومن أسمائه تعالى الصادق في الحديث المأثور وورد في الحديث أيضا اسمه عليه الصلاة والسلام الصادق المصدوق ومن أسمائه تعالى الولي والمولى ومعناهما الناصر وقد قال تعالى
إنما وليكم الله ورسوله وقال صلى الله عليه وسلم : أنا ولي كل مؤمن وقال تعالى : النبي أولى بالمومنين من أنفسهم
وقال صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ومن أسمائه تعالى العفو ومعناه الصفوح وقد وصفه الله تعالى بهذا نبيه صلى الله عليه وسلم : في القرآن والتوراة والإنجيل وأمره بالعفو فقال
خذ العفو وأمر بالمعروف . وقال تعالى : فاعف عنهم واصفح
وقال له جبريل عليه السلام وقد سأله عن قوله خذ العفو فقال أن تعفوا عمن ظلمك
وقال في التوراة في الحديث المشهور في صفته صلى الله عليه وسلم : ليس بفظ ولا غليظ ولكن بعفو ويصفح
ومن أسمائه تعالى الهادي وهو بمعنى توفيق الله تعالى لمن أراد من عباده بمعنى الدلالة والدعاء فقال تعالى : والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى سراط مستقيم
وأصل الجميع من الميل وقيل من التقديم وقيل في تفسير طه يا طاهر يا هادي يعني النبي صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى : إنك لتهدي إلى سراط مستقيم
وقال فيه أيضا وداعيا إلى الله بإذنه فالله تعالى : مختص بالمعنى الأول قال تعالى : إنك لا تهدي من أحببتك ولكن الله يهدي من يشاء
وبمعنى الدلالة ينطلق على غيره تعالى ومن أسمائه تعالى المؤمن المهيمن وقيل هما بمعنى واحد ومعنى المؤمن في حقه تعالى المصدق وعده عباده والمصدق قوله الحق والمصد لعباده المؤمنين ورسوله وقيل الموحد نفسه وقيل المؤمن عباده في الدنيا من ظلمه والمؤمنين في الآخرة من عقابه
وقيل المهيمن بمعنى الأمين مصغر منه فقلبت الهمزة هاء وقد قيل إن قولهم في الدعاء آمين أنه اسم من أسماء الله تعالى ومعناه معنى المؤمن وقيل المهيمن بمعنى الشاهد والحافظ والنبي صلى الله عليه وسلم أمين ومهيمن ومؤمن وقد سماه الله تعالى أمينا فقال : مطاع ثم أمين
وكان صلى الله عليه وسلم : يعرف بالأمين وشهر بالأمين قبل النبوة وبعدها وسماه العباس رضي الله عنه في شعره مهيمنا في قوله
ثم اعتدى بيتك المهيمن * من خندق علياء تحتها النطق
قيل المراد يا أيها المهيمن قاله الفتي والإمام أبو القاسم القشيري وقال تعالى : يومن بالله ويومن للمؤمنين أي يصدق وقال صلى الله عليه وسلم : أنا أمنة لأصحابي إلى آخر الحديث فهذا بمعنى المؤمن ومن أسمائه تعالى القدوس ومعناه المنزه عن النقائص والمطهر عن سماة الحدث
وسمي بيت المقدس لأنه يتطهر فيه من الذنوب ومنه الوادي المقدس وروح القدس
ووقع في كتب الأنبياء في أسمائه صلى الله عليه وسلم : المقدس أي المطهر من الذنوب
كما قال تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
أو الذي يتطهر به من الذنوب ويتنزه بإتباعه عنها كما في قوله تعالى : ويزكيهم
وقال تعالى : ويخرجهم من الظلمات إلى النور
ويكون مقدسا بمعنى مطهر من الأخلاق الذميمة والأوصاف الدنية
ومن أسمائه تعالى العزيز ومعناه الممتنع الغالب أو الذي لا نظير له أو المعز لغيره
وقال تعالى : ولله العزة ولرسوله
أي الامتناع وجلالة القدر وقد وصف الله تعالى نفسه بالبشارة والنذارة فقال : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان . وقال إن الله يبشرك بيحيى وبكلمة منه وسماه الله تعالى : مبشرا ونذيرا وبشيرا
أي مبشرا لأهل طاعته ونذيرا لأهل معصيته
ومن أسمائه تعالى فيما ذكره بعض المفسرين طه ويس وقد ذكر بعضهم أيضا أنهما من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم : وشرف ومجد وكرم وعظم قال مقيده عفى الله عنه ونفعنا ببركته آمين
لما أتينا بهذه الأسماء المشتركة بين الله تعالى ورسوله فتارة تطلق على الله وتارة تطلق على النبي صلى الله عليه وسلم : وقد بينا معناها بحيث لا يكون لبس وبان منه أن الاشراك في اللفظ لا يغير
وأما الدلالة فلكل وجه أردنا أن نذكر جملة صالحة لتفهم ذلك ويزول فيها على المريب كل لبس ولا يبقى معها في الوهم والإدراك وهي ولا حدث
فنقول إن كل لفظ ورد في حق الله تعالى أو الرسل في القرآن أو الأحاديث الواردة يوهم نقص كمال الربوبية أو رفع مقام النبوة إلى الربوبية وجب تأويله بمقتضى السنة وذلك المراد المطلوب فليعطي لكل ذي حق حقه من غير تفريط ولا إفراط فلا تشابه بين المقامين إذ صفة القديم لا تضاهي صفة الحادث فكما أن ذات القديم لا تشبه ذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض
والله تعالى قديم منزه عن الأغراض والأعراض وكفا ما أفصح بالقرآن ليس كمثله شيء
قال الواسطي رحمه الله ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون لها صفة حديثة كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة وهذا هو مذهب أهل الحق والسنة والجماعة رضي الله عنهم وأرشدنا لطريقهم وقال بعض المشايخ كل ما توهمتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم .
وقال الإمام أبو المعالي الجويني رضي الله عنه
من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه ومن اطمأن إلى النفي المحظ فهو معطل وإن قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد وما أحسن قول ذي النون المصري رضي الله عنه حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علل وصنعه لها بلا مزاج وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه وما تصور في وهمك فالله يخالفه تبتنا الله بالقول الثابت عن التوحيد وجنبنا طرق الضلالة والغواية من التعطيل والتشبه بالعقل والنظر السديد
وقد كنت لفقت أبياتا مشتملة على مائتي اسم وواحد التي ذكرها الإمام الجازولي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : مستشفعا بها في أمر كنت هممت به فبلغ الله قصدي وحقق رجائي ببركته وبركة أسمائه صلى الله عليه وسلم : وقدمت قبلها أسماء الله الحسنى التي نص عليها أهل العلم رضوان الله عليهم
وجاء في الحديث من أحصاها دخل الجنة
وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ومنك ومن نوح فقدم محمد صلى الله عليه وسلم : على نوح
وأشار إلى نحو منه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون السابقون وقوله أنا أول من تنشق عنه الأرض وأول من يدخل الجنة وأول شافع وأول مشفع وهو خاتم النبيئين وآخر الرسل صلى الله عليه وسلم : ومن أسمائه تعالى القوي المثين ومعناه القادر وقد وصفه الله تعالى بذلك فقال : ذي قوة عند ذي العرش مكين . قيل محمد صلى الله عليه وسلم : وقيل جبريل عليه السلام ومن أسمائه تعالى الصادق في الحديث المأثور وورد في الحديث أيضا اسمه عليه الصلاة والسلام الصادق المصدوق ومن أسمائه تعالى الولي والمولى ومعناهما الناصر وقد قال تعالى
إنما وليكم الله ورسوله وقال صلى الله عليه وسلم : أنا ولي كل مؤمن وقال تعالى : النبي أولى بالمومنين من أنفسهم
وقال صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ومن أسمائه تعالى العفو ومعناه الصفوح وقد وصفه الله تعالى بهذا نبيه صلى الله عليه وسلم : في القرآن والتوراة والإنجيل وأمره بالعفو فقال
خذ العفو وأمر بالمعروف . وقال تعالى : فاعف عنهم واصفح
وقال له جبريل عليه السلام وقد سأله عن قوله خذ العفو فقال أن تعفوا عمن ظلمك
وقال في التوراة في الحديث المشهور في صفته صلى الله عليه وسلم : ليس بفظ ولا غليظ ولكن بعفو ويصفح
ومن أسمائه تعالى الهادي وهو بمعنى توفيق الله تعالى لمن أراد من عباده بمعنى الدلالة والدعاء فقال تعالى : والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى سراط مستقيم
وأصل الجميع من الميل وقيل من التقديم وقيل في تفسير طه يا طاهر يا هادي يعني النبي صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى : إنك لتهدي إلى سراط مستقيم
وقال فيه أيضا وداعيا إلى الله بإذنه فالله تعالى : مختص بالمعنى الأول قال تعالى : إنك لا تهدي من أحببتك ولكن الله يهدي من يشاء
وبمعنى الدلالة ينطلق على غيره تعالى ومن أسمائه تعالى المؤمن المهيمن وقيل هما بمعنى واحد ومعنى المؤمن في حقه تعالى المصدق وعده عباده والمصدق قوله الحق والمصد لعباده المؤمنين ورسوله وقيل الموحد نفسه وقيل المؤمن عباده في الدنيا من ظلمه والمؤمنين في الآخرة من عقابه
وقيل المهيمن بمعنى الأمين مصغر منه فقلبت الهمزة هاء وقد قيل إن قولهم في الدعاء آمين أنه اسم من أسماء الله تعالى ومعناه معنى المؤمن وقيل المهيمن بمعنى الشاهد والحافظ والنبي صلى الله عليه وسلم أمين ومهيمن ومؤمن وقد سماه الله تعالى أمينا فقال : مطاع ثم أمين
وكان صلى الله عليه وسلم : يعرف بالأمين وشهر بالأمين قبل النبوة وبعدها وسماه العباس رضي الله عنه في شعره مهيمنا في قوله
ثم اعتدى بيتك المهيمن * من خندق علياء تحتها النطق
قيل المراد يا أيها المهيمن قاله الفتي والإمام أبو القاسم القشيري وقال تعالى : يومن بالله ويومن للمؤمنين أي يصدق وقال صلى الله عليه وسلم : أنا أمنة لأصحابي إلى آخر الحديث فهذا بمعنى المؤمن ومن أسمائه تعالى القدوس ومعناه المنزه عن النقائص والمطهر عن سماة الحدث
وسمي بيت المقدس لأنه يتطهر فيه من الذنوب ومنه الوادي المقدس وروح القدس
ووقع في كتب الأنبياء في أسمائه صلى الله عليه وسلم : المقدس أي المطهر من الذنوب
كما قال تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
أو الذي يتطهر به من الذنوب ويتنزه بإتباعه عنها كما في قوله تعالى : ويزكيهم
وقال تعالى : ويخرجهم من الظلمات إلى النور
ويكون مقدسا بمعنى مطهر من الأخلاق الذميمة والأوصاف الدنية
ومن أسمائه تعالى العزيز ومعناه الممتنع الغالب أو الذي لا نظير له أو المعز لغيره
وقال تعالى : ولله العزة ولرسوله
أي الامتناع وجلالة القدر وقد وصف الله تعالى نفسه بالبشارة والنذارة فقال : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان . وقال إن الله يبشرك بيحيى وبكلمة منه وسماه الله تعالى : مبشرا ونذيرا وبشيرا
أي مبشرا لأهل طاعته ونذيرا لأهل معصيته
ومن أسمائه تعالى فيما ذكره بعض المفسرين طه ويس وقد ذكر بعضهم أيضا أنهما من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم : وشرف ومجد وكرم وعظم قال مقيده عفى الله عنه ونفعنا ببركته آمين
لما أتينا بهذه الأسماء المشتركة بين الله تعالى ورسوله فتارة تطلق على الله وتارة تطلق على النبي صلى الله عليه وسلم : وقد بينا معناها بحيث لا يكون لبس وبان منه أن الاشراك في اللفظ لا يغير
وأما الدلالة فلكل وجه أردنا أن نذكر جملة صالحة لتفهم ذلك ويزول فيها على المريب كل لبس ولا يبقى معها في الوهم والإدراك وهي ولا حدث
فنقول إن كل لفظ ورد في حق الله تعالى أو الرسل في القرآن أو الأحاديث الواردة يوهم نقص كمال الربوبية أو رفع مقام النبوة إلى الربوبية وجب تأويله بمقتضى السنة وذلك المراد المطلوب فليعطي لكل ذي حق حقه من غير تفريط ولا إفراط فلا تشابه بين المقامين إذ صفة القديم لا تضاهي صفة الحادث فكما أن ذات القديم لا تشبه ذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض
والله تعالى قديم منزه عن الأغراض والأعراض وكفا ما أفصح بالقرآن ليس كمثله شيء
قال الواسطي رحمه الله ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون لها صفة حديثة كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة وهذا هو مذهب أهل الحق والسنة والجماعة رضي الله عنهم وأرشدنا لطريقهم وقال بعض المشايخ كل ما توهمتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم .
وقال الإمام أبو المعالي الجويني رضي الله عنه
من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه ومن اطمأن إلى النفي المحظ فهو معطل وإن قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد وما أحسن قول ذي النون المصري رضي الله عنه حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علل وصنعه لها بلا مزاج وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه وما تصور في وهمك فالله يخالفه تبتنا الله بالقول الثابت عن التوحيد وجنبنا طرق الضلالة والغواية من التعطيل والتشبه بالعقل والنظر السديد
وقد كنت لفقت أبياتا مشتملة على مائتي اسم وواحد التي ذكرها الإمام الجازولي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : مستشفعا بها في أمر كنت هممت به فبلغ الله قصدي وحقق رجائي ببركته وبركة أسمائه صلى الله عليه وسلم : وقدمت قبلها أسماء الله الحسنى التي نص عليها أهل العلم رضوان الله عليهم
وجاء في الحديث من أحصاها دخل الجنة