قطب رح دآئرة العرشية والفرشية
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم
قطب الدوآئر العرشية والفرشية والأملاك والأفلاك والأجناد والأرواح والأشباح فمنه المدد وعليه الاستناذ فهو
صلى الله عليه وسلم قطب رحاها وآس مبناها والقطب العرف
خشبة تدورعليها الرحى ولو زال لم يكن لها معنى فلذلك وجوده صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ جمال الدين العثماني رضي الله عنه وأرضاه
لما مضى حكم سلطنة الذات الأزلية والصفات العلية ببسط مملكة الألوهية ونشر ألوية الربوبية بإظهارالخلآئق
وتسخيرها وإمضاء الأمور وتدبيرها وخفظ مراتب الوجود ورفع مناصب الشهود وكانت مباشرة هذا الأمر من الذات
القديمة بغير واسطة بعيد جدا للبعد المناسبة بين عزة القدم وذلت الحدوث حكم الحاكم سبحانه وتعالى
بتخليف نآئب ينوب عنه في التصريف والولاية والحفظ والرعاية وله وجه في القدم مستمد به من الحق تعالى
ووجه في الحدوث يمد به الخلق فجعل على صورته خليفته يخلفه في العصر في التصرف فخلع عليه جميع خلع أسمآئه
وصفاته ومكنه بإسناد الخلافة بإلقآء مقاليد الأمور إليه وإحالة حكم الجمهورعليه وتنفيذ تصرفاته في خزآئن ملكه
وملكوته وتسخيرالخلآئق لحكمه وجبروته وسماه إنسانا لامكان وقوع الإنس بينه وبين الخلق بواسطة الجنسية وواسطة
الأنسية وجعل له بحكم إسمه الظاهر والباطن حقيقة باطنية وسورة ظاهرة لتمكن بها من التصرف في الملك والملكوت
وحقيقته الباطنة هو الروح الأعظم وهو الأمين الذي يستحق به الإنسان الخلافة فظهر من هذا
أنه قطب الوجود واس الموجود وآدم الأكبر أبوا الأرواح صلى الله عليه وسلم
قال عبد الله الرازي هو ترك التسيير في الخدمة
قال أبو سليمان من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة
وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا لقوة علمه بجلال الله تعالى وعظمته
وتقاصرها عن شفقته ورحمته وذلك أن الله تعالى لما فضله تفضيلا لم يعطيه لغيره جعله عين الرحمة لا يصدر منه إلا ما هو رحمة
قال ابن عباس من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يومن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا
من العذاب من الخسف والمسخ وغيرهما والحصر في قوله عليه الصلاة والسلام إنما أنا رحمة مهدات
يبين أنه لا يصدر منه الا الرحمة
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم
مشكوة طلعة الأنوار المعنوية والحسية فهو صلى الله عليه وسلم مرآة التجلي الذات والأسرار والصفات للأرواح
والأفعال
أي لصرف الإدراك منها التي هي السمع والبصر وما معهما إذ هوالمنفرد بالتأثير وبين أفعاله في الموت وما بعده
والحشر والميعاد وفي الأمم الماضية وبلغ السامع ذلك لغيره فسمعت منه الآذان بالمباشرة والواسطة وأذت ذلك للقلوب
فأعتقدته وفيه أبصرت الأبصر كثيرا منها خارق للعادة وبلغ ذلك المشاهدون له ولغيرهم فشوهد ذلك فيه بالمباشرة ثم وصل للقلوب فاعتقدته وفيه شاهدت القلوب والأفعال من الله تعالى وبه تجلت الأرواح بصفة الله تعالى
وبه شاهدت الأسرار الذات العلية وبه تشاهد الصفات التي عالم الملكوت مظهرها وهو سرج الأرواح ففيه من أنوار الجمال ما لا يعلمه إلا الله
ففيه النيران الشمس والقمر وهما من نوره صلى الله عليه وسلم وفيه النجوم وهي من نوره صلى الله عليه وسلم
وفيه البيت المعمور وهو من نوره صلى الله عليه وسلم وسدرة المنتهى وقد قال صلى الله عليه وسلم يغشيها من أمر
الله ما غشيها فتغيرت وصارت زبرجد أو ياقوتا فما آحد يستطيع أن ينعتها من شدة حسنها وهي من نوره صلى الله
عليه وسلم وفيه العرش والكرسي واللوح والكل من نوره صلى الله عليه وسلم
وفيه قال الإمام أبو حامد
الاحياء في كتاب كشف علم الآخرة للعرش ثمانون ألف
السردقات ولكل سراديق ثمانون ألف شرفة وعلى كل شرافة ثمانون ألف قمرة يهلل الله تعالى ويسبحه ويقدسه
ولو برز قمر واحد منها إلى الدنيا لعبد من دون الله تعالى
ولاحذقها نورا انتهى
وفيه الملآئكة وهم جواهر نورانية بسيطة قدسية مقدسة من ظلمة الشهوات طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس أنسهم
بالله وبذكره وفرحهم به وبطاعته وسرهم حضرة قربه ومشاهدته وهم مخلوقون من نوره صلى الله عليه وسلم
وفيه الجنة وناهيك بما فيها من أنواع الجمال من القباب والقصور واللؤلؤ والياقوت والزبرجد وغير ذلك والأنهار
من العسل والخمر وغيرهما وأنواع اللباس والطعام والحورالعين والولدان والأكواب والأباريق والأرائيك
والعبقري والرفرف وما تشتهيه الأنفس وتلذ العين وفيها مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا يعلمه إلا الله تعالى
ورسوله وكل ذلك من نوره صلى الله عليه وسلم
وأما الأنوار المعنوية فهو مشكاتها وطلعتها ومحل ظهورها على التحقيق
والناس في ذلك على أربعة مقامات كما قال الشيخ عبد الرزاق العثماني رحمة الله عليه
الأول موقف أهل شهود شريعته صلى الله عيه وسلم وهو لعامة المومنين
الثاني موقف أهل شهود ذاته صلى الله عليه وسلم وهو للأولياء والصالحين
الثالث موقف أهل شهود روحه صلى الله عليه وسلم وهو للشهدآء والصديقين
الرابع موقف أهل شهود سره صلى الله عليه وسلم وهو للأنبيآء والمرسلين
وكل صاحب مقام واقف فيه عند حده متحقق بقصوره على إدراك ما خصه به من مواهب ربه فمن كان مشهده شريعته
صلى الله عليه وسلم فهو واقف مع مشهود التكليف وعلى القطع أنه لما طق الاحتوآء على جميع لوازمها والقيام بشروط قاعدة من قواعدها كما قال صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين خذوا منه ما استطعتم ولن يشاد
أحد هذا الدين إلا غلبه ولم يقم فيه بجميع حقوق ربه إلا هو
صلى الله عليه وسلم فهو صلى الله عليه وسلم كنخلة اجتمعت فيها أقوات الخلق أصلها في الأرض وفرعها في
السمآء مثمرة من أرضها إلى منتهيها وكل واحد من الخلق يأخذ قوته منها وهوعلى حسب قوته ونهاية طاقته
ورأسها ممتنع على الجميع لامتناع وصول البشر إلى السمآء فافهم
فاستغراق همة صاحب شريعته صلى الله عليه وسلم في متابعة أقواله وأفعاله وفي ذلك مشربه وهذا المقام أصل
ومابعده نتائج وأحوال ناشيئة في طريق السالكين وإليه مرجع المجذوبين ووجه مشهد شريعته صلى الله عليه وسلم
أنها حجاب بين العبد وسخط ربه لكونها تورث العامل
بها ظهور وصف جمال الرحمان جمال الله الذي هو بساط رحمته وتستره عن وصف جلاله الذي هو بساط نقمته
وفناؤه في الله هو تركه لحض نفسه عند مطالبته بحق من حقوق ربه ولولا آذاه افترضه عليه ففنآئه هذا غيبة لا سكر
ومن كان مشهد ه ذاته صلى الله عليه وسلم فهو واقف في هيبة الجمال ولا سبيل له إلى إدراك حقيقة الشمس يشهد
لذلك قول سيدنا حسان ابن ثابت رضي الله عنه في وصفه صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى قومه وهم كفار قريش
فقالوا له صف لنا ما رأيت من محمد صلى الله عليه وسلم
وبذلوا له مالاعلى أن يهيجوه بما يناسب بعضهم فيه فقال
لما نظرت إلى أنواره سطعت * وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته * فلست آنظره إلا على قدري
الأنوار من نوره في نوره عرفت * والوجه مثل طلوع الشمس والقمري
روح من النور في جسم من القمري * كحلة نسجت في الأنجم الزهري
فقالوا له ماهاذا فقال هاذا الذي رأيت وعار على الرجل أن يصف الكذب
فصاحب مشهد ذاته صلى الله عليه وسلم هو بين محو وإتبات لأنه إذا نظر إلى صورة ببشريته جملة شاهد بشرا
سويا وإذا رام حضر أوصافه صلى الله عليه وسلم تمنع عليه حصريا فلا يمكنه عند ذلك إلا أن يقول إلا أنه بشر وليس
كالبشر كما يقال في حجر الياقوت حجر وليس كالحجر
واستغراق همة صاحب هاذا المقام في وصف الأول ويزيد عليه بأن مكارم الأخلاق أخلاقه جبلية لا تعتمد وإلا فالأول
لا يخلوا عن وصف تعلمها وفي هذا الوصف غرقت الهمم العالية وغرقت دونه الهمم الدنية ووجه مشهد ذاته صلى الله عليه وسلم إنه حجاب رحمة بين العبد وهبة ربه
لأنه بوجود ذاته الكريمة صلى الله عليه وسلم ظهرالإسلام وذهبت عبادة الأصنام ومن حكمه شرعت الأحكام ومن
لسانه عرف الحلال والحرام
ولولا وساطة بشريته صلى الله عليه وسلم في تلقي
القرآن مع جبريل عليه السلام مع ما أودع الله فيه من
القوة والاستعداد لذلك مما هو خارج عن طوق البشر ومع
ذلك يقول زملوني وتارة يقول دثروني وتارة يبقى له غطيط
وعرق والجاري من أحوله صلى الله عليه وسلم إنه
مغيب عند حسه حين تلقى الوحي
والصحابة لما تلقوه من بشريته صلى الله عليه وسلم لم يصعب عليهم ذلك ومن بعدهم كذلك ووجهه فنآئه في الله
ترك لدواعي الهوى واستقامته ظاهرا وباطنا على بساط التقوى فهو وإن كان عاملا على أمر الله لاكن بواسطة
المبلغ عن الله وفنآئه غيبة لا سكر ومن كان مشهد روحه صلى الله عليه وسلم فهو واقف في هيبة الجلال وفنآئه
حقيقي لأن سره فارق عالم الخلق واستوطن عالم الأمر تبعا لمشهوده وهو روحه صلى الله عليه وسلم فهو ليس له
مع غير الله قرار ولا عن ما سواه أخبار واستغراق همة صاحب هذا المقام المعبر عنه بمركز البصيرة في وصف
المقامين السابقين ويزيد عليها بالخروج في جميع تلقياته عن العبادة إلى صون الحكمة وبث الإفادة تبعا لمشهوده لأن
الروح لا حكم للعادة عليها والنفس لا خروج لها عن ذلك فهو يقوم بالحجتين ويشتمل على الطريقين كل على حسب
مطلبه فيكون عند ذلك بشرا سويا
وبالجملة ففي كل واحد من هاذه المقامات بداية وواسطة ونهاية قد علم كل أناس مشربهم
وذلك اضعوا الوارد قوته وهما يظهران في طرف مكاسبه وهي كثيرة العمل وقلة فعلا كان ذكرا
أو فكرا لأنه قيل بقدر ما يدخل القلب من التعظيم والحرمة تنبعث الحوارح بالسرعة في الخدمة
وبقدر المتابعة تكون المواجهة وبقدر المواجهة تكون المشاهدة
وبقدرها يكون الكشف وبقدره غيبة المشاهد في المشهود
وبقدرها يكون الفنآء وبقدره يبلغ غاية المنى بمشاهدة جلال الحق وجماله
وإنما تظهر في مرآت ذاته صلى الله عليه وسلم وحقيقة ذلك لم يدركها أحد
بفهمه ولا يعلم ذلك إلا الذي خصه به ومن كان مشهده سره
صلى الله عليه وسلم فغاية إدراكها من العلم
قال البصيري رحمه الله
فمبلغ العلم فيه انه بشر * وأنه خير خلق الله كلهم
وكل آية أتى الرسل الكرام بها * فانها اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلهم كواكبها * يظهرن أنوارها في الظلم
أي يظهرهم الله لخلقه بأنوار توحيده في ظلم الشرك
به ليهدي الله تعالى بنورهم من يشآء من خلقه
ويحق العذاب على الكافرين
وذلك على وجه النيابة عن نوره الأعظم قبل ظهور ذاته الكريمة
وكذا ورثه من أمته بعدغيبته ذاته صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله تبعا لدعوته وتثبيتا لشريعته كما أشار إلى ذلك
بقوله صلى الله عليه وسلم علمآء أمتي كأنبيآء بني إسرائيل في النيابة عنه في دعواه إلى الله
وأما وجه المناسبة في المادة منه وإن وقع مطلق الاشتراك فيها بلا قلائل بالاشتراك في القدر بين حظ الأنبيآء وحظ
الأوليآء وقد كشف عن ذلك أبو زيد في قوله النبي زق من عسل ما رشح هو حظ الولي
ورحم الله البوصيري حيث قال
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحرأو رشقا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شعلة الحكم
قوله رضي الله عنه وأرضاه
المظهر المصدع هو محل السرالإلهي والفيظ الرحماني والتجليات الإلهية ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم
مرآة التجلي الذات وأنوارالصفات من غير حلول ولا تكليف
قال الورتجي في قوله تعالى{ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } الآية
جعل نبيه صلى الله عليه وسلم مرآة لظهور ذاته وصفاته وقال في قوله تعالى
{ لتومنوا بالله ورسوله } الاية أي ليشاهدوا بأسرارهم الله ويدركوك في محل الجلال والجمال ويرفعوا
قدرك في قدري وقدري في قدرك حيث صرت مرآتي التجلي منك لهم وقال
صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رأى الحق انتهى
وهذا قولهم ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل
وإن كل مخلوق على صورة الله وعلى صورة الرحمان
ومن هنا سمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكثيرمن
أسمآء الله تعالى لقد جائكم رسول من أنفسكم إلى قوله رءوف رحيم
صلى الله وسلم عليه وعلى آله قف على
النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه هذا المعنى وذكر حسن على الفرق بين الله وأسمآء رسله عليهم السلام
محمد مرآة أرباب الشهود * والعارفون كلهم له شهود
ووجه له الشهود تحضى بالشهود * وعند ذاتهم في سلك الشهود
وتجلياته صلى الله عليه وسلم لكل مومن على حسب حاله ومقامه
فإن كل مومن له حظ من التجلي والتجلي إذ كل من أطاع الله امتثالا ولو مرة في عمره أو ترك معصية كذلك
ما خطر له ذكرالله عند نازلته حتى تجلى لقلبه برحمته وحلاه بطاعته
والناس في ذلك على ثلاثة مراتب
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وبهاذه الأقسام الثلاثة يظهر لك التجلي وتنوعاته وهم أهل
إسلام * وإيمان * وإحسان *
وأهل الإحسان أهل مراقبة ومشاهدة وأصل جميعها التجلي الناشيء عن العلم المشرف في القلب المطهرلحقآئق الأشيآء
فأول ما يفتح الله للسائرين أنهم إذا نظروا في الآثار وتبعوها ذلهم على معاني الأسمآء فيعرفون لكل إسم نسبة ولكل
نسبة وجوها
فإذا نظروا في أنواع الخلق ذلتهم على معاني الخالق وفي ضروب الرزق ذلتهم على معاني الرزاق وصوف الإعطاء
ذلتهم على معاني المعطي وفي وجوه الاعزاز ذلتهم على معاني المعز
فيشهدون الأفعال منه ثم يدلهم ذلك المشهود على ثبوت الصفات من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام
لأن معاني الأسمآء راجعة إليها ثم يدلهم ذلك الشهود على ثبوت الصفات على وجود الذات
أي باعتبار شهود كمالها والاستغراق فيه
ولا شك أن النورالثالث أقوى من الثاني والثاني أقوى من الأول
والثالث هو المسمى عندهم بشمس المعرفة وهو حظ خاصة الخاصة أهل المشاهدة
فهم في نهار شمس لاتغرب شمسه وهم أهل السر
ويرحم الله القائل
إن شمس النهار تغرب بالليل * وشمس القلوب ليس تغيب
فهم ينظرون بأعين قلوبهم فقرهم غنى ربهم وعجزهم وضعفهم وقدرتهم وقوتهم وذلتهم وعزتهم فيطرحون نفوسهم
ويلجئون به فيدوم لهم الاضطرارولا يكون لهم مع غيره قرار إنه ذليلهم عند التحير وأولى منهم فحينئد يتولاهم ولا
يكلهم إلى أنفسهم
ويرحم الله سيدي عبد الرحمان المجذوب حيث يقول
طلع النهار على قلبي * حثى نظرت بعيني
أنت دليلي يارب * وأنت أولى مني في
والثاني هو المسمى بقمر التوحيد وهو حظ الخاصة وهم أهل المراقبة فهم في لليل مقمر والجمع في الضوء وبينهما
ما بينهما وكلاهما أهل إحسان وهم أهل الروح
والأول هم أهل نجوم العلم وهو حظ غاية أهل الطريق وهم البتدئون في مقام السلوك إلى الحضرة فهم في لليل ذي
نجوم فقط وهم أهل الإيمان وأهل القلب والعبرة في المقامات الثالثة بالحال الملازمة وأما ما يخطر وما يغيب
فلا يختص به مسلم عن غيره وهو الموجود في مقام الإسلام
فهاذه ثلاثة قواعد الأولى أقسام النور ثلاثة يعلم بها
ما يتجلى لخاصة الخاصة
الثانية لايتوصل أحد إليها إلا به صلى الله عليه وسلم يعلم منها انه المرآت
الثالثة أموره دآئرة على الدلالة يعلم منها أموره معنى التجلي
أما أقواله صلى الله عليه وسلم فالتجلي فيها واضح
وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم فكأنه فيها مقتد بأفعال الله يثيب من يستحق الثوبة ويعاقب من يستحق العقوبة
فقد كان صلى الله عليه وسلم وسم دائم البشر أحسن الناس طبعا وأكملهم عشرة وأسرعهم رضى وأبعدهم غضبا
وإذا انتهك شيء من محارم الله تعالى لم يقم لغضبه شيء وأصل ذلك تبعية إرادة الله تعالى بمقتضى الخلافة والتمكين
في العوالم وبه يكمل الاقتذاء لانفعال المكونات له حينئذ يغرق من مشاهدة أفعاله افعال الله تعالى
ومن هنا تعلم قوله صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رأى الحق فافهم
وقد كانت الأسرار التوحيدية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بحر طامسا وسمآء عابسا فبنوره ظهرت وكانت الأنوار
الإيمانية محجوبة بظلام الكفر فبشمسه أشرقت
وبالجملة بجميع ما أودعه الله سبحانه في مكوناته من الأسرارفهوالمظهر لها صلى الله عليه وسلم بعد ماكانت
القلوب غافلة عنها والأرواح ما كانت جاهلة بها
هذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم وقد سبق ذكر معناه جملة وتفصيلا
والعناصر أربعة المآء والتراب والريح والنار
وهي أصل آدم بل ما تفرع وتنسل منه صلى الله عليه وسلم عنصر العناصر والهياكل الروحانية والجثمانية ولولاه صلى الله عليه وسلم لما استقر خلق من مخلوقات الله تعالى على خلقته فبسره صلى الله عليه وسلم ثبتت خلقتها واستقمات صورتها ولقد خلق الله العرش الذي هو أعظم المخلوقات ولولا سره صلى الله عليه وسلم لما استمسكت ذاته ولقد خلق الله صورة آدم وانكسرت مرات ولم تثبث حتى سرى فيها سره صلى الله عليه وسلم
وهاذه من حكمته تعالى في الدنيا بأن جعل العالم لايثبت الا بالسبب ولو شآء ربك لخلقه بدون سبب وفيه حكمة
يعلمها أهل الله وفي تصويرآدم وبنيه وشاهد على صانعه وسريان سر نبيه ورسوله فيه فقد خلق الله البصر من النور والسمع من الهواء والشم من المآء والذوق وجعل فيه اثني عشر منفذا بعدد البروج سبعة منها في الرأس الفم والمنخران والعينان والأذنان
وخمسة في البدن ، التديان ، والسرة ، والقبل ، والدبر
وخلق سبعة أفلاك ، وخلق في الولد سبعة أعضاء فلا يصح السجود الا عليها وهي الجبهة ، واليدان ، والركبتان والقدمان
وفي الفلك سبعة أنجم
والمولود سبعة ألطاف : السمع ، والبصر، والذوق ، والشم ، والنطق ، والعقل ، واللمس
وحركاته كحركات الكواكب ، وولادته كطلوعه ، وموته كغروبه ، وهاذا العالم العلوي
وأما السفلي فجسده كالأرض ، وعظمه كالجبال ، ومخه كالمعاذن ، وعروقه كالأنهار، ولحمه كالتراب ، وشعره كالنبات ، ووجهه كالمشرق ، وظهره كالمغرب ، ويمينه كالجنوب ، وشماله كالشمال ، ونفسه كالريح ، وكلامه كالرعد ،وضحكه كالبرق، وبكاؤه كالمطر، وغضبه كالسحاب ، وعروقه كالسيل ، ونومه كالموت ، وسهره كالخيال ، وأيام صباه كالربيع ، وشبابه كالصيف ، وكهولته كالخريف ، وشيوخته كالشتآء ، وخلق الله الشمس ضياء ، والقمر نورا ،والليل ظلمة ، والهوآء ألطاف ، والخيال كثافة ، والمآء رقة ، فجعل الضيآء حظ الحورالعين ، والنور حظ الملآئكة ،والظلمة حظ الزبانية ، واللطافة حظ الجن ، والكثافة حظ التراب ، والرقة حظ الشيطان ، ثم جمع ذلك في بني آدم فجعل الضيآء حظ الوجه ، والنور حظ العين ، والظلمة حظ الشعر، واللطافة حظ الزوج ، والكثافة حظ العظم والرأفة حظ الدماغ
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وانظروا إلى ما جمع الله في صورة واحدة من صورته وقدرته وانظر الى سريان سره صلى الله عليه وسلم في جميع الهياكل الروحانية والجثمانية بل سرى في أصلها وهم العناصرالأربع فلولا سره صلى الله عليه وسلم في التراب وفي المآء لما استقمت خلقته ولولا سريان سره صلى الله عليه وسلم في التراب لما أستحكمت ذاته وكذا الريح والنار
ولولا سره صلى الله عليه وسلم ما تحرك عظوا من أعظاء الجسد
ولولا سره صلى الله عليه وسلم في العين لما ابصرت شيئا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وانضر يا ولدي إلى بعض الناس تجد لهم عيونا لا يبصرون شيئا كمن فيه العمى مع سلامة العينين
ولو كان النظرالعينين لا يبصر بهما ولاكن لما نزغ من العين سره صلى الله عليه وسلم صارت لا يبصر وفمه على ذلك السمع والكلام ونحوهما
ولهاذا اعاد شيخنا رضي الله عنه وأرضاه هذا المعنى بعبارة أخرى كي يظهر للمحب سره صلى الله عليه وسلم تفصيلا مع أنه لولا سره صلى الله عليه وسلم ما ظهر سر من اسرار الأرض ولا تفجرت عين من العيون
وان سره صلى الله عليه وسلم يفوح في شهر مارس ثلاث مرات على سآئرالحبوب فمن أصابها أثمرت ولقحت ومن أخطاها فسدت وسقطت وان الذات تكل إحيآءعلى حمل الإيمان فتريد أن ترميه فيفوح سره صلى الله عليه وسلم عليها فيقويها على حمل الإيمان فيستحليه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإلى هاذا اومأت الآية لمن فهم عن الله وهم العارفون
( وجعلنا من المآء كل شيء حي أفلا يومنون ) الآية
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم والمنزه من النزاهة والفرجة والحدآئق والبساتين والأسرار والحكم والمعارف وإن شيئت قلت أسرار الذات وأنوار الصفات
وقال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه دائما بمعنى أن قلبه صلى الله عليه وسلم فيسرح ويتنزه في الأسرار والحكم والمعاريف دآئما يترقى من لون إلى لون آخر ومن وصف إلى وصف آخر من غير توقف ولا تحديد لتوالي التجليات فأشرق سره بالأسرار والمعاريف التي هي أفضل من الحدآئق والبساتين الفانيات
ولازال صلى الله عليه وسلم يتنزه في ارتقآء الأسرار والمعاريف من مقام إلى مقام
قوله وكلما ارتقى إلى مقام فوقه وحد النظرفيه أرتقى إلى ما فوقه فرآه أكمل فاستغفر الله ومن ثم كثر استغفاره صلى الله عليه وسلم حتى قال إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة وكما قال صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم مستغرق في مشاهدة الحق سبحانه فتنقطع الذات بجميع عقلها وتولهها وجميع عروقها وأجزآئها وغمور نورها في نورالحق لأن نور الحق أصلها والشيء يركن إلى أصله ويألف إليه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا تعلم الفرق بين مشاهدته صلى الله عليه وسلم في الحق ومشاهدة غيره لأن مشاهدته صلى الله عليه وسلم فيها انقطاع عن الغير أصلا مثل من ركن إلى جزئه أصلا ووصلا ومع اتصالها بأصلها وهو الحق
فلا ينقطع مدده من الخلق لأنه صلى الله عليه وسلم محفوظ فلا يفعل إلا الحق ولا ينطق إلا بالحق وذلك لقوته صلى الله عليه وسلم ذاتا وعقلا ونفسا وروحا وسرا بمعنى ان لم اعطيتها مشاهدته صلى الله عليه وسلم لجميع الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام لم يطيقوها
ولم يقدروا على تلقيها ولا تحمل تلك المشاهدة إلا ذات النبي صلى الله عليه وسلم لقوة خص الله بها هذا الذات الشريفة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وبيان ذلك ان المشاهدة على قدرالمعرفة وأن المعرفة الحاصلة للنبي صلى الله عليه وسلم لم يدركها أحد والعارفون وإنما عرفوا به وهو المعرف لهم على الإطلآق كان في عالم الأرواح والأشباح
وتأمل في المعرفة الذي نالها صلى الله عليه وسلم حيث كان الحبيب مع حبيبه ولا ثالث معهما فكان قاب قوسين أو أذنى فهل دنا أحد مثل دنوه صلى الله عليه وسلم حتى يحصل له من المعرفة مثل ما حصلت له صلى الله عليه وسلم له مشاهدة مثل مشاهدته صلى الله عليه وسلم فخلقت روحه من الأنوار الإلهية صلى الله عليه وعلى آله
وسقيت من الأنوار القدسية والمعاريف الربانية ما صارت به أصلا لكل ملتمس
ومادة لكل مقتبس وحصلت له المشاهدة التي لا تطاق حتى صار يشاهد بروحه وذاته مشاهدة العيان لزوال الحجاب بين روحه وذاته صلى الله عليه وسلم فيشاهد أن الحق سبحانه هو المحرك لجميع المخلوقات والخالق لهم والناقل لهم من حيز إ لى حيز والمخلوقات بمنزلة الضروف وإلى الفخار ولا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا
فأرسله الله تعالى وهو على هاذه المشاهدة والمخلوقات في عينه ذوات وضروف فارغة ليكون رحمة لهم فلا يرى الفعل عنهم حتى يدعوا عليهم فيهلكوا كما فعل الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام قبله مع أممهم ولاختلاف مشاهدتهم استعجلوا دعوتهم وأخرت دعوته صلى الله عليه وسلم شفاعة إلى يوم القيامة فصارت دعوته رحمة على رحمة وظهر مصداق قوله تعالى
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الآية
ومصداق قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا رحمة مهداة للخلق
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإن أردت أن تعلم مشاهدة مشاهدته صلى الله عليه وسلم فانظر في القرآن العزيز من الأنوارالقدسية والمعارف
الربانية والأسرارالأزلية وأنواع العجائب والاطلاع على الغرائب التي لا تطاق
وبهاذا تعلم مصداق قوله صلى الله عليه وسلم
ما من نبي إلا قد أعطي ما مثله آمن عليه البشر وما كان الذي أتيته إلا وحيا يتلى بمعنى أن معجزات الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام كانت من جنس ذواتهم لانقطاعها بموتهم وعلى قدري مشاهدتهم ومقدار ما آمن عليه أممهم ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كانت من الحق ومن نوره وعلى قدر مشاهدته ومكاملته وعلى قدر ما آمن معه في زمانه وما لم يومن إلى يوم القيامة
فكان وحيا يتلى من قرن إلى قرن ومن جيل إلى جيل
فحيث أن السامع للقرآن في زماننا هذا وغيره وأصغي إليه يحصل له فتح ويذوق حلاوة فلذلك قال صلى الله عليه وسلم وما كان الذي أتيته إلا وحيا يتلى ولو كانت معجزات الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام بلغت من الفخامة ما بلغت وفخامة القدر بحيث لو شآء الله يومن عليها بسببها جميع البشر
فمعجزاته صلى الله عليه وسلم فوق ذلك كله كما علمت قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اشار الشيخ رضي الله عنه وارضاه
إلى انه صلى الله عليه وسلم مخصوص برؤية الجبار يعني بالأبصار
ولم ينالها مخلوق في هاذه الدار سوى النبي المختار لأن نظرة رب العالمين كانت مدخرة في خزائن الغيب قاب قوسين
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وإلى هذا اومأت الآية في قوله تعالى
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
فكان اليتيم يتيم أبي طالب والمال النظر إلى وجهه الكريم
والخطاب للأنبيآء عليهم السلام
وفي الحديث أكرموا الغربآء وارحموا اليتمى فإني في الصغر كنت يتيما وفي الكبر غريبا
قال ابن حجر أختلف العلمآء قديما وحديثا في أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين بصره وفي أخرى أنه رآه بقلبه ولا تخالف لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم كما رواه الطبراني رآه مرتين واحدة بالعين وواحدة بالقلب بمعنى أنه خلق فيه إدراكا كإدراك البصر وليس المراد مجرد العلم لأنه حاصل له صلى الله عليه وسلم ولغيره أنتهى
وقول ابن حجر خلق فيه إدراكا كإدراك البصر صحيح وقد مر بيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في جميع جوارحه كل واحد منها قام به سمع وبصر وذوق إلى آخره ما تقدم فراجعه
وجآء عن أنس بإسناد قوي رأى محمد ربه وإطلاق الرئيا إنما ينصرف لرؤية العين وكان الحسن البصري رحمه الله يحلف أنه رأى ربه وبذلك قال عروة وسآئرأصحاب ابن عباس رضي الله عنهم وجزم به كعب الأحبار والزهري ومعمر وآخرون
وهو قول الأشعري وغالب أتباعه وسئل الإمام أحمد عن قول أم المومنين عآئشة رضي الله تعالى عنها من زعم أن محمد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية بما يدفع قولها
قال يقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي
وقول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها
وفي المواهب لما كان صلى الله عليه وسلم ثمره شجرة الكون وذرة صدفة الوجود سر معنى كلمة ( كن )
ولم بد من عرض هاذه الثمرة بين مثمرها ورفعها إلى حضرة قربه والطواف بها على قدمان حضرته أرسل إليه أعز خدام الملك عليه فلما ورد عليه قادما ولجنابه خادما وأقبل على فراشه نآئما فقال قم يآنائم فقد هيئت لك الغمآئم
قال ياجبريل إلى أين ، قال يامحمد ارفع العين من البين ، إنما أنا رسول القدم ، أرسلت إليك من جملة الخدم ، يامحمد أنت مراد الإرادة ، الكل مراد لأجلك ، وأنت مراد لأجلي ، أنت صفوة كأس المحبة ، أنت ذرة هاذه الصدفة ، أنت شمس المعارف ، وأنت بدر اللطائف ، ما مهدت الدار إلا لأجلك ، ما حمى ذاك الحمى إلا لوصلك ، ما روق كأس المحبة إلا لشربك
فقال صلى الله عليه وسلم ياجبريل الكريم يدعوني إليه فما الذي يعمل بي
قال ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال ياجبريل فما لعيالي وأطفالي ، قال ولسوف يعطيك ربك فترضى
قال ياجبريل الآن طاب قلبي ها أنا ذاهب إلى ربي
ثم قال جبريل يامحمد إنما جئت اليلة إليك لأكون خادم دولتك وصاحب حاشيتك وحامل غاشيتك وقد جيئت بالمركوب إليك لإظهاركرامتك لأن من عادة الملوك إذا استزاروا حبيبا واستودعوا قريبا وأرادوا إظهارإكرامه واحترامه أرسلوا أخص خدامهم وأعز نوابهم لنقل أقدامهم فجيئتك على عادة رسم الملوك وآذب السلوك
ومن اعتقد أنه وصل بالخطا فقد وقع في الخطا ومن ظن أنه محجوب بالغطا فقد حرم العطا
ولقد سريت إلى المهيمن ليلة * والله ما أحد سره مسراك
بالجسم كان سراك لا عين ريبة * وبه قمرت في ملكه عيناك
ورحم الله القائل ابن رشد البغدادي إذ قال
تدانى فأدناه إلى العرش ربه * ونادى تقدم يا وحيد مجتبى
تلذذ بنا واسمع لذيذ خطابنا * وعينيك نزه عجائب قدرتي
ترى العرش والكرسي والحجب قد بدت * لديك وأنواري عليك تجلى
تأنس بنا وهذا الوصال وذا اللقا * محب ومحبوب وساعة خلوتي
تقرب ولاتجزع وأقبل ولا تخف * وسل تعطى عبدي أنت سيد صفوتي
تعاليت قدرا عندنا ومكانة * وذكرك مرفوع فلا تنس نعمتي
ورضي الله عن القائل على لسان الحضرة المحمدية
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا * سراره من النسيم إذا سرى وأباح طرفي نظره أملتها * ورحمت من فيض الجمال كما ترى
ومن أراد هذا المعنى فعليه بكتب الأئمة رضي الله عنهم في عروجه صلى الله عليه وسلم فلا نطيل بذكرها وقد جمع شيخنا رضي الله عنه في تأليف النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب ما يلج الصدر ويبرد الكبد وينورالقلوب
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم كان هاديا للخق وداعيا إلى طريق الحق في عالم الأرواح وفي عالم الأشباح بعثه الله دليلا يدل عليه وهاديا يعرف الطريق إليه بعثه في زمان فترة قدعمت فيه الضلالة وكثرت فيه الجهالة الخلق فيه عن الله معرضون وعن بابه نافرون وشاردون فذلهم على الله وعرفهم الطريق ودعاهم إلى بابه الكريم ونهج بهم الصراط المستقيم فكانت رسالته عامة ودلالته تامة فدل على الله بأقواله وافعاله وأيقض الأرواح إلى ملآحضة جلاله وجماله فكل داع إلى الله فإنما يدعوا بدعوته وكل ذال فإنما يدل بدلالته من لدن آدم إلى يوم القيامة
وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى ودلالته عليه بسياسة محمدية وتعريفه إياهم به تعالى بحكمة احمدية فلم يخرقوا حجاب العظمة والوقار وانما رفع عن بصآئرالعارفين حجاب الأغيار وظلم سحائب الأنوار
محمد مطلع أنوار العلوم * من شمس عرفان وبدر ونجوم
منه استفاد الخصوص والعموم * فانسب إلى علمه أصلا بالعلوم
وهدى الخلق على الحقائق * فكل ما قد قاله مطابق
قد أوضح السبل والطرائق * وبين النكث والدقائق
وقد عمت دعوته صلى الله عليه وسلم الأقطار وبلغت إلى جميع القرى والأمصار فاهتدى بهديته الإنس والجن والملائكة وترتبت على دعوته وتبليغه ودلالته صلى الله عليه وسلم من أجناس العبادات وأنواعها وأصنافها وافرادها ما لا يحيط به إلا الله تعالى وكثرت أتباعه صلى الله عليه وسلم ثابتة كسية وكفية حكم وقع على يديه صلى الله عليه وسلم من زهد وصبر ورضى وشكر ومحبة وتوكل وغيرها
ثم إن اعتبرت ما ظهرعن ذلك بواسطة خلفائه ونوابه من النبئين والمرسلين وعباد الله الصالحين
اتسع نظرك واستحظرت ما يبهتك
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم وقد ورد أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا أمته منها ثمانون وسآئر الأمم أربعون وبهاذا تعلم قدر السيادة المحمدية التي يتحسرعليها من إدراك الحكمة الاحمدية
وتأمل ما نتج من السيادة المحمدية ان دخلوا في دين الله افواجا أفواجا حلت الهداية قلوبهم حيث كان صلى الله عليه وسلم هو الهادي فقتلواعنه أهلهم وأقاربهم وأولادهم وآباءهم وعشائرهم وزهدوا في الدنيا وزينتها وباعوا أموالهم وانفسهم حتى استادنوه في الوصال فنهاهم عنه وأشفقت عليهم السياسة المحمدية بقولها عليكم من العمل
ما تطيقون ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه
فكان ذلك رحمة لهذه الأمة ولقد أيد الله هذا الدين بخلفائه الوارثين له صلى الله عليه وسلم في كل قرن وفي كل جيل يدلون على الله ويدعون إليه
حتى قال ابن عباس المرسي رضي الله عنه ما بيني وبين الرجل إلى أن انظر إليه فأوصله إلى الله من حينه
ولقد نقل عن الشيخ مطرالباردي أنه ما وقع بصره على عاص إلا صار طآئعا ومثل هاذا في أمته الشريفة أكثر من أي يحصى ولقد رأينا في وقتنا هذا الذي هو عام ثلاثة وعشرون وثلاثة مائة وألف
إن عددا من البطالين وأهل الغفلة والاهين وأهل المعاصي المجاهرين يقدمون على سيدنا ومولانا محمد الشيخ رضي الله عنهم فتحصل لهم التوبة في الحين بمجرد نظرة الشيخ إليهم ولقد رأينا من العدد من النسآء الشبات وإحدى غيرهن وقد رحمهن الله بوردهن على سيدنا الشيخ ووقوع بصره عليهن فمنهن المصليات الذاكرات ومنهن السائحات والبعض طلقن وخرج هائمات وهاذا سر حكمة وعد الله بها رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم بقوله ما ننسخ من آية أو ننسيها نات بخير منها أو مثلها
وبهاذا تعلم مصداق قوله صلى الله عليه وسلم علماء أمتي كأنبيآء بني إسرآئيل في الدلالة والنيابة والدعوة إلى الله لاغير
وقد قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه العلمآء العارفون يقومون في كل زمان ويحملون الشريعة ويبلغون الأمانة فكانت الدلالة على الله في كل وقت طرية وسرالنور يفوح على الدالين والمدلولين فكانوا بمنزلة الأنبيآء الذين كانوا ببني إسرآئيل نيابة عنه
قال صلى الله عليه وسلم لأن العلمآء مثل الأنبيآء في الدرجة والمقام والحال
فإن النبوءة خطرها عظيم وصاحبها جليل كريم لا يبلغ أحد طرفها ولا يشم غبارها
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب منها أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت المآء وأنبتت الكلاء والعشب الكثير وكانت منها طائفة أجادب أمسكت المآء فنفع الله بها الناس وشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى انما هي قيعان لا تمسك مآء ولا تنبت كلآء
فذلك مثل من فقه في دين ونفعه فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به الحديث
وما ترقى الرجال في القرب إلا * باتباع الرسول قولا وفعلا
نالوا المنى وصار الذي * قد كان مستصعبا عليهم سهلا
إذا علمت هاذا ورعيت أعمال البرالصادرة من العاملين كلها أي ماهو باطن خفي وما هو ظاهر جلي وعلمت أنه صلى الله عليه وسلم هوالهادي والمهدي قال الله تعالى { وانك لتهدي إلى صراط مستقيم } الآية : بان لك قدره صلى الله عليه وسلم ومكانته وعظيم جلالته إذ أعمال العاملين ودلالة الدالين كلها في ميزانه صلى الله عليه وسلم والمرء في ميزان أتباعه فاقدر إذا قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
اللثام الحجاب وهو على حذف مضاف إليه أي لثام فيصيرالتقديرالمسفرعن لثام الهويه سورة قل هو الله أحد إلى آخر السورة
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أسفر عن حجاب الحق أي طريق فالسبل إليه كانت معدومة والأبواب
إليه كانت مسدودة فلولا رسالته صلى الله عليه وسلم لما انفتحت إليه الأبواب ولا ارتفع للناس الحجاب
وبيان ذلك أن الألوهية أصل الرسالة والرسالة مظهرالألوهية وقد كانت الأسرارالتوحيدية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بحرا طامسا وسماء عا بسا كان الله ولا شيء معه
ثم خلق نبيه ونشأ منه خلقه فلما علم صعب الخلق وقلوبهم لا تطيق شهود الحق
جعل نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين خلقه ومحل نظره وتجليه ليكون إذ ذاك مركز نظرهم ومطمح بصرهم سنة من الله عليهم ورحمته كما قال سبحانه عز وجل
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا أي في صورة الاستيناس بالجنس والرجوع إلى عالم الحس فحصل للخلق بسببه معرفة الحق وأزال عنهم حجاب الجهل والوهم
كما قال الله تعالى ( لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الآية
فالمشاهد يشهد المشهود في مراتب سيد الوجود فبان
من هاذا أنه صلى الله عليه وسلم حجاب بين الله وعبده
وبه يظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم حجابه النور والحاجز بينه وبين خلقه ولو بدت سبحات وجهه لاحترق ما أدركه بصره من خلقه فهو صلى الله عليه وسلم حجاب للنور والحاجز بينه وبين خلقه كما قال تعالى
( ولقد جآءكم من الله نور وكتاب مبين ) الآية
ولو تجلى الكريم جل جلاله للعبد من غير واسطة لأضمحل وتلاشى وتمزق لعدم القوة والاستعداد المختص بالرسل عليهم الصلاة والسلام ولقد تشوفت العقول ورامت اللحوق والوصول إلى من { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فمنع العقول عن النظر في حقائق الذات والتفكر فيها بالنظر إلى المصنوعات وعقل العقل عن النظر إلى ماله من سبيل وبهذا أرسله وأمره الجليل
فأظهر الفرق وأبطل الجمع فكلما طلبت الأرواح الإدراك والوهم زجرها زاجرالشرع وعلاها عقل العلم فرجعت ونكست إلى ورآء فلم يكن لها إليه سبيل ولا لها في قليل ولا أقل من قليل ولما علم سبحانه وجل سلطانه أن المصنوعات تفتقر إلى صانعها والمخلوقات تتشوف إلى خالقها أمر رسوله الكريم وحبيبه صاحب الخلق العظيم أن يزيل عن القلوب لثام الوهم والخيلات بالنظر إلى الأسماء والصفات ولا سبيل إلى إدراك كنه الذات ونهاهم عن النظر في الذات بالطول والعرض وشغلهم بقوله
( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والارض ) الآية
وفي الحديث تفكروا في المخلوق ولا تتفكروا في الخالق
فسرحت العقول في الأمن والإخلاص
وأومأت سورة الإخلاص إلى توحيد الخواص فقال الله تعالى : قل يا محمد { هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد } الآية
قد ذكرالمفسرون سبب نزولها أن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد صف لنا ربك ومن طريق أخرى ان قريش قالوا يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فقال الله تعالى : قل يامحمد هو قد علمت مما سبق في هاذا الإسم العظيم وهو الجامع لسر معاني الأسمآء
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وهو إشارة على توحيد خاصة الخاصة
ثم لما علم الله سبحانه مراتب عباده متباينة وصفاتهم مختلفة أشار إلى توحيد الخاصة بقوله ( الله ) وهو كالشرح للهوية
ثم أشار إلى توحيد العامة بقوله ( أحد ) إلى آخر السورة
وأما الإسم الأعظم ( الله ) فقد دونت العلمآء فيه الكتب وهو الإسم الجامع لأسمآء الصيفات والسلبيات علم على الذات الواجب الموجوب راجع ما تقدم وجل الكتب مشحون به فلا نطيل به
وأما الإسم الثالث وهو أحد كالشرح أيضا للهوية واحد يدل على مجامع الجلال إذ هو الواحد الحقيقي أن يكون منزه الذات عن التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحير والمشارك في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية الأولوهية الله الصمد أي المصمود إليه في الحوائج الذي يقصد فيها من صمد إذ قصد وهو تعالى الموصوف بالصمدية على الإطلاق وكل ماعداه يحتاج إليه في جميع توجهاته على الشمول والاستغراق وتكرير لفظ الله لاشعار لأن من يتصف به يستحق الألوهية لأنه تعالى جلت قدرته هو موجد الموجودات وإليه تصمد وبه قوامها في كل الجهات وقوله
لم يلد أي لم يتولد شيء عنه لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى معين يعينه لامتناع الحاجة عليه ولا يفتقر إلى خليفة لامتناع الفناء عليه قال ابن جزار وقد اقام الله البراهين على نفي الولد وأوضحها بأربعة أحدهما لابد أن يكون من جنس والده والله سبحانه وتعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) الآية فوصفه بوصف الحدوث لينفي عنه صفة القدم فتبطل مقالة الكفار
الثاني ان الولد يتخذ للحاجة والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولدا وإلى هاذا أشار بقوله ( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني ) الآية :
الثالث ان جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوءة وإلى هاذا أشار بقوله ( إن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمان عبدا ) الآية
الرابع أنه لا يكون إلا من له زوجة والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولدا وإلى هاذا أشار بقوله ( بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) الآية
أنتهى ولم يعطف لم يلد على ما قبله لأنه كما قال الطيف لأنه محقق المضمون الله الصمد لأنه الغني المطلق الذي تفتقر إليه كل شيء لا ينبغي أن يكون والد ولا مولود لأن ذلك يستلزم الافتقار بالضرورة
قال البيضاوي ولعل الاقتصارعلى لفظ الماضي لورده ردا على من قال الملآئكة بنات الله والمسيح ابن الله وليطابق قوله ولم يولدا عالم يتولد سبحانه عن شيء وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ولم يسبقه عدم ولا مولود يحدث عن شيء وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ففي الآية
رد على الذين قالوا أنسب لنا ربك وصفه لنا والجملتان محققتان لمعنى الجملة السابقة وقدم لم يلد لأنه ادعى
قال ابن عربي لا نبتدأ لمن ينفي وصف عنه تعالى لم يقل به قائل ولا ننسبه إليه مطلقا
قال أبو زيد الفاسي لأن النقص مع استحالته نقص لولا دعاؤه فنقتصرعلى نفي دعوى المبطل الكافر كالشريك والولد والصاحبة
وكفا في البخاري أن الله ليس بأعورفي حديث الدجال مبدء الألوهية مع كونه أعور وعطفت الجملة الثانية على الأولى لأن نفي الأولى لا يستلزم نفي الثانية فلم تكن إحداهما محققة لمعنى الأخرى ولم يكن أي تعالى كفؤا أي لا يكافيه ولا يماثله أحد ( ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ) ولقد أحسن القائل ولا يحيط عارف بذاته لا علما كما قال ولا صفاته إذ لو رأى خلقه لأكثروا الاعظام والاجلال
فذل ذلك أنه على صفة من الجلال لم تنله معرفه وقد أتى عن النبي الصادق تفكروا في المخلوق لا في الخالق
قال البيضاوي كان الأصل أي يؤخرالصرف لأنه صفة كفؤا لاكن لما كان المقصود نفي المكافات عن ذاته تعالى قدم تقديما لأهم ويجوز أن يكون حالا من المستكن في كفؤا
أوخبرا ويكون كفؤا حاملا من أحد ولعله ربط الجمل الثلات بالعاطف لأن المراد منها نفى أقسام الأمثال فهي كجملة واحدة مبنية بالجمل
ثم قال ولاشتمال هذه الصورة مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها جآء في الحديث انها تعدل ثلث القرآن
فإن مقاصده محصورة في بيان العقآئد والأحكام والقصص ومن عدلها بكل اعتبار لمقصود بالذات مع ذلك
وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه سمع رجلا يقرأ في قل هو الله أحد فقال وجبت قيل يا رسول الله وما أوجبت قال وجبت له الجنة
قال أبو سعيد الجزار أول كلمة دعا الله بها عباده إليها
قل هو الله فتم المواد للخواص ثم زاد بيانا للأوليآء بقوله أحد
ثم زاد بيانا لخواص الأوليآء الماضين بقوله الله الصمد ظهرلك منه المعرفة ولم يلد ظهر له منه الإيمان ولم يولد ظهر لك منه الإسلام ولم يكن له كفؤا أحد ظهر لك منه اليقين
قال أبو علي الذقاق وجدنا أنواع الشرك على ثمانية أنواع على الكثرة والعدد والتنقص والتغلب بقوله الله الصمد ونفى العلة والمعلول بقوله لم يلد ولم يولد ونفى الأشكال والأضداد بقوله ولم يكن له كفؤا أحد إن لم يكل له أحد مماثل ففيه تقديم وتأخير وهو تقدم خبر كان وقدم هو كفؤا على إسمها وهو أحد
وفي رواية أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لبعض أصحابه هل تزوجت قال لا يا نبي الله ماعندي ما أتزوج به قال أليس معك قل هو الله أحد قال ثلث القرآن قال أليس معك إذا جآء نصر الله قال بلى قال ربع القرآن قال أليس معك ( قل يا أيها الكافرون ) قال بلى قال ربع القرآن قال تزوج توزج قالها مرتين قالها صلى الله عليه وسلم مرتين
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) تعدل نصف القرآن رواه الترميدي
وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة
وفي رواية أخرى ينادى يوم القيامة ألا ليقم مادح الرحمان فلا يقوم إلا من في الدنيا يكثر قرآة قل هو الله أحد
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه من قرآها مائتي مرة في أربع ركعات كل ركعة بخمسين غفرالله له ذنوب مائة عام خمسون مقدمة وخمسون متآخرة
وفي كتاب الفلاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين بعد العشآء فقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد إحدى وعشرون مرة بني له قصر في الجنة
وفي رواية سيدنا علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من سافر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة صرف الله عنه شر ذاك اليوم لسفر وأعطاه خيره
وقال القرطبي في تفسيره عن مالك ابن أنس رضي الله عنه إذا نقر بالناقوس أشتد غضب الله فتنزل الملآئكة فيأخدون بأقطار الأرض فلا يزالون يقرءون قل هو الله أحد فيسكن غضبه
وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة كانت كانت بركة عليه وإن قرأها مرتين كانت بركة عليه وعلى أهل بيته وجيرانه وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد إحدى وأربعين مرة في كل يوم بنا الله له منارا على جسر جهنم حتى يجوز الجسر
وعن سهل ابن سعد وهوآخر من مات من الصحابة بالمدينة قال شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة الرزق فقال لله إذا دخلت البيت فسلم على اهلك واقرأ قل هو الله أحد إحدى وعشرين مرة فقرأها فاذرالله الرزق عليه حتى فاض عليه وعلى جيرانه
وعن واثلة بن الأصقع رضي الله عنه وهو آخر من مات من الصحابة بدمشق عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح ثم قرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة يلحقه في ذلك اليوم قال النيسابوري من أسمآئها سورة الإخلاص لأن من قرأها تخلص من النار
وسورة المعرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرئها قال هذا أعرف بربه
وسورة الأساس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد
وسورة الولاية لأن من لازم قرائتها صار وليا لله
والصمد قال السعدي هو المقصود في رغآئب المستغيث به في الشدآئد
وقال ابوهريرة رضي الله عنه الصمد الذي لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد
وقال الحسن الصمد الباقي بعد فنآء خلقه
وقال ابن عباس رضي الله عنهما الصمد الشريف الذي كمل في شرفه والعظيم الذي كمل في عظمته والعالم الذي كمل في علمه
وعن ابن أبي كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن وكتب له من الحسنات بعدد من آمن وأشرك
وعن النبي صلى الله عليه وسلم من مر على المقابر وقرأ ( قل هو الله أحد ) إحدى عشر مرة ثم وهب ثوابها للأموات أعطي من ذلك الأجر بعدد الأموات
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه يأمر قارء الوضيفة أن يمد الله ويستحضرالسورة بتمامها في قوله المسفرعن لثام ( قل هو الله أحد ) وكان يأمر القاريء أن يغيب في حالة المد في جميع لبه في السورة كي ينال سرها وتعمه بركاتها لاحرمنا الله ذلك آمين
وفي حذف المضاف إليه إشعار بأن الحكمة لابد لها من حجاب كما للحسنا نقاب وفيه إشعار أيضا بأن المشيخة لابد منها إذ لايفك ختم التشكيك ولا يرفع حجاب الوهم إلا المشايخ وهاذا نتيجتهم رضوان الله عليهم وعرفنا بهم ونفعنا بسرأهل وقتنا آمين
تنبيه أعلم أن هاذا الإسم الشريف وهو الله قطب الأذكار ومعدن الأسرارلا تصح المعرفة إلا به ولا تظهر العجآئب إلا منه ولا تشتهي الغايات إلا إليه قال الجنيد رضي الله عنه ذاكرهذا الإسم ذاهب عن نفسه متصل به قآئم بأدآء حقه ناظرا إليه بقلبه قد أحرقت أنوارالشهود صفات بشريته وصفا شرابه من كأس خصوصيته قد تجلى له المذكور في الذكر فغاب أساسه في الفكر فإن تكلم فبالله وإن سكت فعلى الله وإن تحرك فبأمر الله وإن سكن فمع الله فهو بالله ولله ومع الله وإلى الله
قال بعض العارفين ومن ثم له الحضور فليذكرالإسم المفرد ومهما دخل عليه شيء من الوسوسة في باطنه بادر إلى لا إله إلا الله حتى يذهب عنه ذاك ويعود إلى ذكر الله
قال أبو سعيد الجزار من الناس من عنا حاجته إلى الله تعالى ولو تكلمت جوارحه وأعضائه لقالت الله
وقال أبو علي أن رجلا كان يقول الله الله دآئما فأصاب حجر رأسه وشجه فوقع دمه على الأرض فكتب الله الله وقال رجل لشبلي لم تقل الله ولا تقول لا إله إلا الله فقال له لا أبغي به ضدا فقال أريد أعلا من ذلك فقال أخشى أن أموت قبل تمامها فأوخد بوحشة النفي فقال أريد أعلا من ذلك فقال قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فزهق السائل وخرميتا .
فتعلق أوليآؤه بالشبلي وادعوا عليه بدمه وحلوه للخليفة فسألهم الخليفة عن دعواهم فقال الشبلي روح حنت فرقت فدعت فأجابت فما ذنبي
فقال الخليفة خلوه لا ذنب عليه
وبقي التوري رحمه الله في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم يشرب ولم ينم وهو يقول الله الله فأخبر الجنيد بذلك فقال انظروا إلى محفوضته عليه أوقاته أم لا فقيل له أنه يصلي الفرآئض فقال الحمد لله الذي لم يجعل للشيطان سبيلا قوموا بنا إليه فأما نستفيذ منه أو نفيذه فلما دخل الجنيد قال يا أبا الحسن ما الذي دهاك فقال أقول الله الله زيدوا علي وقولوها معي فقال الجنيد له حتى نرى قولك الله الله أيا الله أم بنفسك إن كنت قائلها بالله فلست القآئل وإن كنت قائلها بنفسك فما معنى الإله فقال له نعم المؤدب أنت يا أبا القاسم وسكن ولهه وصاح الشبلي في مجلس الجنيد وهو في ولهه بالذكر الله الله فقال الجنيد يا أبا بكر الغيبة حرام أي إن كنت غائبا عنه حال ذكرك فهي غيبة وإن كنت معه حاضرا فقد هتكت الحرمة وصاح شاب في مجلس الجنيد الله
فقال له الجنيد أمسك وإن عدت لمثلها لا تقم مجلسنا فأمسك الشاب على نفسه وإذا به قد سقط ميتا
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان الله عز وجل خلق ملآئكة على عدد الحروف وسماهم بأسمآء الحروف ثم قال لهم قدسوني وعظموني فإني أنا الله لا إله إلا أنا فتضآءت تلك الملآئكة بين يديه فأول من سجد الملك الذي خلق على سورة الألف وسمي بإسمه فلما سجد صارعلى هيئة الهمزة فقال الله جل جلاله وعزتي وجلالي لأجعل حرف الألف الأول ولأجعلنه أول إسمي العظيم الأعظم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال العبد الله شهد له كل من سمعه
وقال بعضهم إذا قال العبد الله خلق الله من قوله ملكا مقربا لا يزال يصعد حتى يغيب في علم الله وهو يقول الله الله ويترك على موضع صعوده عمودا من النور قد سد الآفاق يغلب نوره على نور الشمس ثم لا يزال ذلك العمود يتسع حتى يملأ الكون طولا وعرضا لا يمر بشيطان إلا خنسه وأذله وربما احرقه ويقول الله تعالى يآ ملآئكتي هاذا عبد من عبادي قد أجريت على لسانه إسمي الأعظم فوعزتي لأفيض عليه نوالي وجودي وأنا الله الجواد الكريم واني لأختص لإسمي إلا من أرضيته لي وأوليته على دآئرة حضرتي فهو وليا لي ما دام ذاكرا لي
وهاذا الإسم الكريم جامع لمعاني الأسمآء الحسنى
إذ هو علم على الذات والذات مستجمعة لجميع صفاتها
فهو قطب الوجود
ومعنى قولهم
حسب الواحد إفراد الواحد * أحرف أربع بها هام قلبي
وثلآشت بها همومي وفكري * ألف ألف الخلآئق بالصنع
ولام على السلامة تجري * ثم لام زيادة في المعاني
ثم هاء بها أهيم وأدري
قال حجة الإسلام
الله إسم الموجود الحي الجامع لصفات الألوهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي لأن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته قال والأشبه انه حاز في الدلالة على هاذا المعنى
فحرف الأسمآء الاعلام وكل ماذكر في اشتقاقه وتصريفه تعسف وتكلف
وهاذا الإسم الأعظم للأسمآء التسعة والتسعين لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الألهية كلها بخلاف سآئر الأسمآء وهو أخص من الأسمآء إذ لا يطلقه أحد على غيره لاحقيقة ولامجازا
وفي شرح الموفق هاذا الإسم خاص بذاته لا يوصف به غيره أي لا يطلق على غيره أصلا فقيل هو علم جامد لااشتقاق له وهاذا اجد قول الخليل وسيبويه والمروي عن أبي حنيفة والشافعي وابن سفيان الخطابي والغزالي رضي الله عنهم
وقيل أصله الإله حذفت الهمزة لتقلها
ثم قال والصحيح إن لفظ الله على تقدير كونه في الأصل صفة فقرالقلب علما مشعرا بصفات الكمال وللاشتهار
وقال الشيخ زروق كل الأسمآء يصح لمعانيها التخلق إلى هاذا الإسم فإنه للتعلق وكل الأسمآء راجعة إليه فالمعرفة به معرفة بها وهو دال بصيغته على عظمة المسمى به ذاتا وصفاتا وأسمآء وهو يرجع ذلك من أفعاله والمعرفة به تفيد الفنآء فيه للعارفين والتعظيم والاجلال والهيبة والأنس للمريدين والتقرب به على وفق ذلك من اسقاط الهوى ومحبة المولى ولا يصح ذلك إلا بالقلب المفرد * فيه توحيد مجرد * وذلك لاستدعي جميع الأحوال والمقامات والكرامات
فلذلك لما سئل الجنيد رضي الله عنه كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى قال بتوبة تزيل الأصرار وخوف يزيل التشويف ورجآء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأمل وبعدعا من الأمل
قيل له بماذا يصل العبد إلى هاذا قال بقلب مفرد أمة توحيد مجرد
وقال حجة الإسلام ينبغي أن يكون حظ العبد من هاذا الإسم التاليه أعني أن يكون مستغرقالقلب والهمة بالله تعالى لا يرى غيره ولا يلتفت إلى سواه ولا يرجوا ولا يخاف إلا اياه وكيف لا يكون كذلك وخوفهم من هاذا الإسم انه الموجود الحقيقي الحق
ثم قال بعض العارفين قال وأما التحقق لحقيقة هاذا الإسم فهو أن تطلع شمسه من مشرق قلبه وتنور فيسرالعبد ساريا في الكلية وسرايته سالما بظواهره وضمائره فيبقى إسم إسمه ورسمه ويلطف قلبه وروحه بل جسم فيتبدل الحدوث بالعدم والظلمات بالأنوار ويفوضه من ليل الحجاب نهارا لإظهار فيبقى ثم يبقى بوجود موجود صغاني ويخفى ثم يبقى بوصف كريم رباني
ويكون الحق سمعه وبصره ويده به يسمع وبه يبصر وبه يبطش بل يكون بكلتيه ما لا يصف الواصفون ولا يحيط بوصفه العارفون
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه تكرير هذا الإسم الشريف أعون على استحضار الجملة من المفرد إذ هو من الأسمآء الجامعة
وقال عند تكريره يجد العارفون من اللذة ما لا يوصف ولا يكيف وهو عنده أشهى من ثربد بعسل وقال لو كرره العارف مداد عمره في جميع أنفاسه في كل مرة غير ما استفاد فيما قبلها إذ لا نهاية لكمالاته فافهم
وقال الشيخ زروق من اتخذ الخطوة بهاذا الإسم الشريف توله بالاستغراق فلا يشعر ذاكر ام صامت أم موجود أم معدوم إلى أن تتقلب عليه بركة الذكر فيسمع كل عضوا منه يقول الله الله بلسانه سمعه ويسقط دمه ليكتب الله الله كما حكى عن بعضهم وقال الشيخ الامام سيد عبد الوهاب الشعراني في المعنى مما من الله به علينا من مواضبتي أول دخولي في محبة طريق القوم وعلى ذكر الله بلفظ الجلالة أربع وعشرين ألف في كل يوم وليلة عدد الأنفاس الواقعة من بني آدم في الليل والنهار ليكون حكمي إن شآء تعالى حكم من لم يغفل عن الله تعالى نفسا واحدا
ثم قال الشيخ محي الدين وينبغي لمن يذكرالله تعالى بالجلالة أن يحقق الهمزة ويسكن الهآء
فإن فتح الهآء وإسقاط الهمزة ووصل الهآء باللام المدغمة كان تلفظهم بها كتلفظه بكلمة هلا فلا تفتح له شيئا
لأنه تعالى ما هو مسمى بذلك الإسم
ثم قال وسورة الذكر بالجلالة أن يقول الله الله حتى ينقطع نفسه أنتهى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكر سيف الله ولا كن لا يعمل إلا بيد ضاربه بقوة مستفادة من حضرة بين السيف قال الشاعر
وعادة النصل ان يزهر بجوهره * وليس يعمل إلا بيد بطل
فإذا استمد من شيخه جائه المدد من الله تعالى لامحالة قال الله و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ثم يرى استمداده من شيخه هو استمداده من نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه نآئبه ولا علم إلا بالتعلم من الشارع أو من ناب منابه في الشريعة أنابت
قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يطلب الخير يوته ومن يطلب يرته وما تفيده العبادة والتقوى إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو منقسم لما يدخل تحت دآئرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دآئرة العباراة وإن كان مما تناله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقآئق مع وضوحه عند مشاهديه متحققه عند متلفيه ولا علم إن طلب الشيء من وجهه وقصده من مضامنه أقرب بتحصيله
وقد ثبت أن ذقآئق علوم الصوفية منح إلاهية ومواهب اختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب فلزم مراعات وجه وجه ذلك وهي ثلاثا أولها العمل بما علم قدر الاستطاعة الثاني الإلجاء إلى الله تعالى في الفتح على قدر الهمة الثالث إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأهل السنة يجري العطا وينتفي الخطا وينتشر الفتح
وقد أشار الجنيد رحمه الله لذاك بقوله ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمرآء والجدال إنما أخذناه على الجوع والسهر وملازمة الأعمال
وفي الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عمل بما علم أورثه الله ما لم يعلم
وقال ابو سليمان الدارني رضي الله عنه إذا اعتقدت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائق الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما
ومن الآدب في العبادات التي لا ينبغي للمريد إهمالها للهروب من إظهار المعاني التي تلوح له وذاك لأن المعاني نور وكلما تراكمت الأنوار في قلب العبد تمكن وقوى استمداده
وكلما ظهر معنى خرج النور أولا فأولا فلا يثبت له قدم في الطريق
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولأجل ذلك ترى بعضهم تلوح له الأنوار فيستحل إخراجها ويبقى جبحا خاويا مظلما نسئل الله العافية والسلامة ومن كلامهم أول ما يجب على السالك طريقتنا هاذه ترك الدعوى الصادقة وإخفآء المعاني الخارقة ومنها أيضا الهروب من شرب الماء عقب الذكر بسرعة ذلك لأنه يورثه حرقة وشوقا إلى المذكور الذي هو المطلوب الأعظم من الذكر والشرب عقب الذكر يطفي ذاك
ومنها حضور مجالس إخونه للذكر لكي يكون من أهل البركة التي تنالهم مدا الدهر وليستدرك المريد ورده الفآئت كما قال تعالى : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } الآية :
قال روح البيان اعلم أن الآية الكريمة أشارت إلى أن ورد النفل يقضى إذا فات لا كن على طريق الاستحباب لا على طريق الوجوب وذلك دوام الورد سبب لدوام الوارد ودوام الوارد سبب الوصلة .
آلا ترى إن النهر إنما يحصل إلى البحر بسبب إمداد الأمطار والثلوج التي في الجبال فلو انقطع المداد فقد المرام .
ولذا أحب العباد والسلوك عن الأوراد بالليل والنهار وجعلوها على أنفسهم بمنزلة الواجبات ولذا لو فات عنهم يعني يدله مما كان مثلا له حتى لا ينقطع دون السيل
فمن عرف الطريق إلى الله عز وجل : لا يرجع أبدا ولو رجع عذب في الدارين بما لم يعذب به أحدا من العالمين
فعليك بالورد صباحا ومساء فإنه من ديدان السلف الصالح وإياك والغفلة عنه فإنه داب من بال على آذنيه الشيطان من الفاسقين نعوذ بالله من ذلك
وقال الشيخ العارف بالله سيدي احمد زروق
اعلم ان الذكر والدعاء وغيرهما لا يبدل قدرا ولا يغير قضاء
وإنما هي عبودية اقترنت بسبب كاقتران الصلاة بوقتها ورتب عليها الإجابة كما رتب ثواب الصلاة عليها
وبالجملة فهو يفيد عن المقصد أو اللطف في القضاء وسهولة الآمر على النفس حتى تبرد حرقة الاحتياج التي هي مقصود الطلب فتوجه مفوضا مستسلما حسن الظن بالله تعالى : فيما تطلب واتبع ذلك بالرضى والتسليم وربك الفتاح العليم
وينبغي للمريد أن يذكرشوق إلى الله تعالى :
فقال المنوي ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة ، وأولى الناس بالله أشدهم شوقا ، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم : طويل الفكر دآئم الأحزان فهل كان ذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله به
وآعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب شوقا
روي عن سيدنا موسى عليه السلام إنه كان يخرج إلى طور سينآء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق قميصه من شدة الشوق
وقال ابن القيم
أطيب ما في الدنيا الشوق إلى لقآء الله تعالى : وأطيب ما في الآخرة هو النظر إلى وجهه الكريم
وقال حجة الإسلام
لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت انها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت منه المعرفة ورياضها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسات وهذه الشهوات خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلقت شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب عن عكوفهم عليه وحلوهم عن لذة الرياسة والعارف يعجب منك وعن عكوفك عن لذة العلم للرياسة فإن الدنيا بحافرها لهو ولعب فلما خلق للكمال معرفة الشوق كان آلتدادهم بالمعرفة بقدر شهواتهم ويتفاوتون في ذلك ولهاذا سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم : منه المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلا لذة الشهوات فشتان ما بينهما
ولذلك كان العارف بن آدهم يقول لةلا علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلون عليه بالسيوف
وقال إبراهيم بن ادهم أيضا لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يجوز عقبات
أولها بغلق باب النعمة ويفتح باب الشدة ، والثاني يغلق باب العز ويفتح باب الذل ، والثالث يغلق باب الراحة ويفتح باب الجهد ، والرابع يغلق باب النوم ويفتح باب الصهر ، والخامس يغلق باب الغنى ويفتح باب الفقر
والسادس يغلق باب الآمل ويفتح باب الاستعداد للموت
وقال الغزالي رحمه الله
والأصل في ذلك أن الله تعالى : خلق العبد لعبادته وهو عبد الله تعالى من كل وجه فحق العبد أن يعبد الله تعالى من كل وجه يمكنه ويجعل أفعاله كلها عبادة من أي وجه يمكنه وان لم ذلك وآثر شهوة نفسه واشتغل بذلك عن عبادة ربه مع تمكنه من ذلك يفعل من غير تعذر والد ا دار حرمة وعبادة لا دار تنعم وشهوة استحق اللوم بذلك والتعبير من سيده ثم قال واعلم ان من عرف مايطلب مقامه عليه مايبدل ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل سرة ولم يبال بما يلقى من مئونة آلا ترى مشتري العسل لا يفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل
والأجر لايفاء بإرتقآء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار والعائف المديد لما يتذكر من أخذ الدراهم بالعيش وان الفلاح لا يفكر في مقاسات الحر والبرد ومباشرة الشقا والكد طول السنة لما يتذكر من الغلة وكذلك يا أخي العباد الذين هم أهل الاجتهاد إن ذكروا الجنة في طيب مقيلها وما أعد الله فيها لأهلها وأنواع نعيمها من قصورها وحورها وطعامها ة وشرابها وحليها وحللها وسآئر ما أعد الله تعالى : لأهلها هان عليهم ما احتملوه من ثعب في عبادة أو فوات لذة ونعمة أو نالهم في الدنيا من مذلة أو نقمة أو نالهم من ضر ومشقة ولقد حكى أن سفيان التوري رضي الله عنه كلموه فيما كان من خوفه واجتهاده ورثة حاله فقالوا يا استاذ لو نقصت من هذا الجهد قلت مرادك أيضا إن شاء الله تعالى : فقال رضي الله عنه كيف لا آجتهد وقد بلغني أن أهل الجنة يكونون في منازلهم فيتجى لهم نور تضيء له الجنات الثمانية فيظنون أن ذلك النور من جهة الرب سبحانه فيخرون ساجدين فنودوا ان ارفعوا رءوسكم أليس الذي تظنون إنما هو نور جارية تبسمت في وجه زوجها .
ثم انشا يقول :
ماضر من كانت الفردوس مسكنه * ماذا تحمل من بؤس واقتار
تراه يمشي كبيبا خائفا واجلا * إلى المسجم يخطوا بين اظمار
يانفس مالك من صبر على النار * قدت أن تقبلي بين إدبار
ثم اعلم أنه يتأكد مزيد الاجتهاد وهجر البطالة والرقاد بحسب الامكان على من وصل سن الأربعين أو جاوزها لأنه قد أنعم عليه ببلوغ الأشد وقريب منه أو أن الرحيل لا سيما من إن كان ممن ضيع شبابه في البطالة
كان مالك بن آنس رضي الله عنه ادركتهم يتعلمون ويعلمون ويخالطون الناس فإذا وصل أحدهم أربعين سنة طرف فراشه وترك الناس وانفرد للعبادة وقد أنشد إنسان
إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار * فقد ضاق الزمان عن الصغار
ففهموا فيها أهل الطريق أنه إذا خلفت أربعين سنة ورآء ظهرك فواصل العمل الصالح بالليل والنهارلأن وقت الأجل قد قرب انقضاؤه وتندم على ما ضيعت حال شبابك فاعمل على قدر ذلك ورقع الباقي بالذكر إن لم تساعدك القوى فإنه لا شيء أسهل منه في القيام والقعود والمرض والاضطجاع وهو أسهل للعبادة
ولقد قال فبه صلى الله عليه وسلم وليكن لسانك رطبا من ذكر الله
فاعمل يا أخي واجتهد فالغفلة في العمل خير من الغفلة عنه
وقال بعض العارفين ما اكثر توددك للخلق وما اقل توددك للخلق لو فتح لك باب التودد مع الله لرأيت العجآئب ركعتان في جوف الليل تودد عيادتك للمريض تودد صلاتك على الجنازة تودد صدقتك على المساكين تودد اعانتك لأخيك المسلم تودد ولاعبادة أنفع لك من الذكر لأنه يمكن للشيخ الكبيرالمريض الذي لا يستطيع القيام والركوع والسجود مع أن للذاكر شرفا بذكر مولاه
كما قال وهو أصدق القائلين اذكروني اذكركم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن شرف الذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنك لو فعلت في عمرك كله طاعة
ثم صلى الله عليك صلاة واحدة رحجت تلك الصلاة الواحدة كل ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعات لأنك تصلي على قدر وسعك وهو يصلي عليك على حسب ربوبيتك
هذا إذا كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة كما جاء في الحديث الصحيح
فتنبه ياهذا من غفلتك وآدم ذكر الله في خلوتك فإنك تدرك ما يسرك في دنياك وآخرتك
وما من صيد يصاد ولا شجرة تعضد إلا لغفلتها عن ذكر الله تعالى
فكذلك الشيطان لا يتسلط إلاعلى قلب ميت أوغفلان فاحتفظ ياهذا على بقية عمرك وهو شيء يسير وقد ضيعت ما مضى وهو كثير والله ما عمرك من أي يوم ولدت بل عمرك من أول يوم عرفت الله تعالى لأنك حي بحياة شجرة إيمانك في قلبك وحياتها بطاعتك ومعرفتك فهنيئا لك إذا سقيت واثمرت حتى خرخت أغصانها وثمارها من كل جزء من أجزاء البدن فإن سقيت على الدوام بمياه الطاعات آينعت وآزهرت
وإن فرطت في الطاعات وآعرضت عن الله تعالى يبست أوقلت ثمارها فلم تنفذ إلى الجوارح وإذا كانت الجوارح عرية عن ثمرات الإيمان صارت مأوى لللأفاعي والمعاصي وحياتها وعقاريبها ولا شك أن الإيمان الحقيقي يغرس على القطع في سويدآء القلب وباطنه عظيم الحب للرب الكريم الرءوف الرحيم ومحبته جل وعلا توجب استحلاء كثرة ذكره وإدامة الجولان في عظيم سره وقهره وعزيز حكمه لا سيما شريف وعده ووعيده ونهيه وآمره لأن كل من أحب شيئا أكثر من ذكره بل لا راحة للمحب ولا لذة إلا بحضور محبوبه عنده اما بالذات وهو على غاية المنى اما بالذكر وعمارة الباطن بمجالسة التي تسبي الظاهر والباطن على كل ما سواء لا سيما من لا مثال له ولا جمال إلا جماله ولا كمال إلا كماله ولا رحمة إلا رحمته ولا نعم إلا نعمته ذلك ممن يتسلى به المحب ويتغدى به الروح
وأيضا فكل فقير إلى شيء يلزم أن يكون ذكره بذلك الشيء دآئما كما أن افتقاره إليه دآئما وقد علم كل مومن حقيقي وجوب افتقاره كل ما سواه من العوالم جملة وتفصيلا إلى المولى العظيم الرب الكريم دنيا وأخرى ابتداء ودواما وانتهآء
فإذا عرفت هذا فقد بانت لك اسباب المحبة عقلا ونفلا لمولانا جل وعلا وعرفت وجوب افتقارالكآئنات كلها إليه على الدوام وذلك مما يقتضي دوام ذكر الله تعالى وحلاوة القلب ولزم قطعا حظور وساطته صلى الله عليه وسلم لأنه لا وصول لمرضى الله ولا نعمة تنال إلا به وعلى يديه صلى الله عليه وسلم وذلك إن عظيم الحب لمولانا تبارك وتعالى ولا اخفآء إن أحب الخلق إلى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتعين كل مؤمن حينئذ أن يكون هذا النبيء أحب الخلق إليه
ولهاذا قال صلى الله عليه وسلم لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين
وقد عرفت فيها سبق ان مطلق المحبة يستلزم دوام الذكرللمحبوب والسعي فيما يرضيه فإذا ذكره صلى الله عليه وسلم متعين كل مؤمن حقيقي الإيمان وأيضا إن عظيم الحب للمولى تبارك وتعالى يبعث على الشغل بما يوصل إليه ويستلزم التعلق بالوسآئل والوسآئط ولاخفآء إن أعظم الوسائط دنيا وأخرى إلى الله تبارك تعالى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الشفيع المشفع في اليوم العظيم الطآئل والموقف الشديد الهآئل في جميع الأولين والآخرين حتى الملآئكة على عظيم كثرت وسآئرالمقربين وجميع النبيئين والمرسلين كما جآء في شفاعته صلى الله عليه وسلم حيث قال آخر ساجدا لربي واحمده بمحامد فينادي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع وسل تعطى
وإنما ناداه الرب الكريم جل جلاله في هذا الحالة باسمه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يناده باسمه الرسول والنبيء
تنبيها على اختصاصه بتلك المرتبة السنية التي اعطيت بعد الندآء وقطع الشركة إذ لو رتبت تلك المراتب المعطات على وصف النبوءة والرسالة
لاقتضى ذلك الترتيب بطريق الاحيآء
فتببه لقدر هذا النبي الكريم وأكثر عليه بالصلاة والتسليم { اللهم آحسن عاقبتنا في الأمور كلها وآجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة } الآية
هاذا دعاء حسن قد جمع خيرالدنيا وسعادة الآخرة رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما ولفظهما سوآء ورواه احمد والطبراني
وقال من كان دعاؤه مات قبل أن يصيبه البلاء ورجال احمد اساند ثقات والخزي الهوان وهذا من جنس استغفار الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام لما علموا أنهم مغفور لهم
والدنيا فيها قولان حكاهما الإمام الأشعري رحمه الله أحدهما إنه إسم لمدة بقاء بهاذا العالم ثانيها إنه اسم لما بين السمآء والأرض فما فوق السمآء وما تحت الأرض ليسا من الدنيا وعلى الأول الدنيا زمان وعلى الثاني مكان ولفظهما مشتق من الدنو فإن قارنه لفظ الحياة فزمان وإن لم يقارن احتمل الزمان والمكان قال ابن عربي والدار الآخرة الجنة والنار اللتان أعدهما الله لعباده السعدآء والأشقيآء سميت آخرة لتآخر خلقتها عن الدنيا بتسعة آلاف سنة مما تعدون
{ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } الآية
أتى الشيخ رضي الله عنه وآرضاه ونفعنا ببركاته آمين
بهذا الدعآء لأنه شامل بجميع مطالب الدنيا والآخرة ولا دعآء أفضل منه ولهاذا كان أكثر دعآئه صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري ومسلم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال كان أكثر دعاء النبيء صلى الله عليه وسلم أكثر قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
ثم قال وكان آنس إذا أراد أن يدعوا بدعوة دعا بها
وحسنة الثانية معطوفة على الأولى والضرف الثاني معطوف على الأول وهو من عطف معمولين لعامل واحد لأن حسنة مفعول ثان والمجرور حال من الضميرالمنصوب والعامل في الحال هو العامل في صاحبها واختلف في المراد بالحسنة فقيل بنيل الرزق الطيب والعلم النافع في الدنيا والجنة في الآخرة والعافية في الدنيا والآخرة وفي الدنيا العلم والعمل به وفي الآخرة يسيرالحساب ودخول الجنة وقيل غير ذلك
وقال الحافظ ابن حجر ونقل الثعالبي عن الصوفية أقوالا متغايرة اللفظ متفقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا والآخرة
واقتصر في الكشاف عن ما نقل الثعالبي عن سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه إنها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحورآء وعذاب النار المرأة السوء
وقال الشيخ عماد الدين بن كثيرالحسنة في الدنيا يشتمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار وجنة وزوجة حسنة وولد بارا ورزق واسع وعلم نافع
وعمل السوء ضلما ومركب هنا إلى غير ذلك مما شملته عبارتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا
وأما الحسنة في الآخرة فآعلاها دخول الجنة وتوابعه من الأمن في الفزع في العرصات ويسير الحساب
وغير ذلك من أمورالآخرة واما الوقاية من عذاب النارفهو يقتضي تيسيراسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشهوات
قال ابن حجر والعفو محض ومراده بقوله وتوابعه ما يلتحق به في الذكرلا ما يتبعه حقيقة
قال بعض العلماء والا ظهرأن هذه الأقوال المحكية عن السلف انما خرجت مخرج المثال لأنها متعينة بخصوصها في مدلول اللفظ نعم قد يكون بسبب ما يختاره الداعي فينويه ويقصده بلفظه وإلا فلفظ حسنة صادق بكل وحد مما قبل لا كن لا على العموم وإنما هي من باب المطلق موصوف لحسنة يستدعي وجود أشيآء كثيرة متعددة من أنواع الخير كان يقدر حاله حسنة وهي تقتضيء مجموع أمور حسنة وذلك يصدق حتى يفيده الاستغراق من حصول كل حسنة وإن اختلفت جهة الدلالة وفي تفسير آتنا في الدنيا حالة طيبة وعيشة حسنة توصل بها إلى الآخرة على ما يرضيك قال بعض العارفين وهوالكفاف من المطعم والمشرب والملبس والمأوى والزوجة على ما كانت لاسرف فيها وقال الحسنة في الدنيا فهم كتاب الله وفي الآخرة الجنة وقيل المراد بالحسنة في الدنيا العلم النافع وهوالإيمان والطاعة والحسنة في الآخرة اللذة الدائمة والتعظيم والتنعيم بذكرالله وبالأنس به وبمحبته وبرءيته وقيل الحسنة في الدنيا عبارة عن الصحة والأمن والكفاية والولد الصالح
والزوجة الصالحة والنصرة على الأعدآء وأما الحسنة في الآخرة فهي الفوز بالثواب والخلاص من العفاف
وقال الفخرالرازي
اعلم ان مراتب السعادة ثلاثة زمانية ومكانية وخارجة
أما الزمانية اثنان تكميل القوة والنظرية بالعلم وتكميل القوة العلمية بالإخلاص الفاضلة وأما البدنية فاثنان الصحة والجمال
وأما الخارجية فاثنان المال والجاه فقوله تعالى { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية
يتناول كل هاذه الأقسام فإن العلم إذا كان يراه للتزيين به في الدنيا والترفع به على الأ قران كان من الدنيا
والأخلاق الفاضلة إذا كانت تراد للرياسة في الدنيا وضبط مصالحها كانت من الدنيا وإلا فالكل من الآخرة وكل من لا يومن بالله بالبعث والميعاد فإنه لا يطلب فضيلة لا روحانية ولا جسمانية إلا لأجل الدنيا
ثم قال تعالى في حق هذا الفريق { وما له في الآخرة من خلاق } الآية أي له نصيب في نعيم الآخرة
ولو فسرت الحسنة في الدنيا بخيرالدنيا والحسنة في الآخرة بخيرالآخرة ما بعد قال الشاطيبي في تفسير الروح من قوله تعالى { ويسألونك عن الروح } الآية
نقل الشيخ زروق عن شيخه أبي عبد الله الغزواني أنه اختلف في حقيقته في نحو سبعمائة قول كما اختلف في قوله تعالى { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية وفي نحو خمسائة قول { ربنا هب لنا من آزواجنا وذريتنا قرة آعين وآجعلنا للمتقين إماما } الآية
هذا كان دعآء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاروق الإسلام وأميرالمومنين وهو سراج أهل الجنة
فاختاره سيدنا الشيخ رضي الله عنه وآرضاه
ولا شك أن الله قد أجاب دعاءه ولا يقال هذا الدعآء فيه الرفعة والمزية والجاه وهوآخر ما يخرج من الصديقين كما قاله الشيخ أبو مدين الغوث قدس سره
لأن أقول ان الصديقين رضي الله عنهم لما استكملوا مرتبة الاسم الباطن أحبوا أن يظهروا عنهم بمرتبة الاسم الظاهر ليكون لهم حصة من كمالات الأسمآء كلها وهذا المعنى لا يعد جاها ولا يقتدي تقليد بل صاحبه في زيادة مدد مع الأمن حيث كان التابع في جملة في ميزان المتبوع فافهم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا تفهم كبد الأبرار وتشوق اخوة سيدنا يوسف عليه السلام لتحمل آعبآء الرسالة وانوار النبوءة فافهم
تلوح لك الحكمة في استمداد الاسم الظاهر الذي تزاحمت عليه الأبرار وتحسرت دونه الأفكار وهذا الذوق لا يدرونه إلا أهله
وقوله { هب } وهو مر من وهب يهب وهبا وهبة والهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغيرعوض ويوصف الله بالواهب والوهاب بمعنى أنه يعطي كلا على قدر استحقاقه .
قوله من أزواجنا وهو جمع زوج يقال كل ما يقترن بئآخر مماثلا له أي مضاد الزوج واما زوجة لغة رديئة كما في المفردات
وقوله ذريتنا جمع ذرية اصلها صغار الأولاد ثم صارعرفا في الكبار أيضا قال في القاموس ذر الشيء كثرة ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين
وقوله قرة أعين أي توفيقهم للطاعة وحيازة الفضآئل فإن المومن إذا ساعده أهله بطاعة الله بطاعة الله يسر بهم قلبه وتقر بهم عينه لما يرى من مساعدتهم في الطاعة له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة حسبما وعد بقوله الحقنا بهم ذريتهم فالمراد بالقرور المسئول تفضيلهم بالفضائل الدينية لا بالمال والجاه ونحوهما
وقرة منصوب على أنه مفعول لهب وهي اما من القرار فمعناه ان يصادق قلبه من يرضاه فتقرعينه عن النظر إلى غيره ولا تطمح إلى ما فوقه واما من القرب بالضم وهوالبرد والعرب تنادي من الحر وتستريح إلى البرد فقرورالعين على هذا يكون كناية عن الفرح والسرور فإن دمع العين عن السرور بارد وعند الحزن حار واما ابتدائه على معنى هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وصلاح أو بيانه على أنها حال كأنه قيل هب لنا قرة اعين وهو من قولهم رأيت منك أسد أي أنت أسد وقال بعظهم
نعم الا له لا تحصيها العباد * اجلهن نجابة الأولاد
وقوله واجعلنا للمتقين إماما وقوله وذريتنا
آتى بهذا الدعآء سيدنا الشيخ رضي الله عنه وآرضاه
ليتناول جميع الإخوان والموارد لأنهم ذرية له بل ذرية القلب أعز من ذرية الجسد ومن هنا قدم سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه في الخلافة على سيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين
وقد قالوا من لم يولد ولادتين لا يفلح يعنون ولادة الجسد و ولادة القلب تقبل الله دعآئه وحقق رجآئه آمين
واجعلنا للمتقين إماما
الإمام الموتمم به إنسانا كان يقتدي بقوله وفعله أو كتابا أوغيرذلك محقا كان أو مبطلا كما في المفردات أي اجعلنا إماما يقتدي بنا أهل التقوى في إقامة مواسم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعمل في الإرشاد والظاهر مروية عنهم بطريق قال القفالي وجماعة من المفسرين هاذه الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين واجب
وعن عروة رضي الله عنه كان يدعوا بأن يجعله الله ممن يحمل عنه العلم فاستجاب الله دعاؤه وأما الرياسة فالسنة أن لا يتقلد الرجل شيئا من القضآء والإمارة والفتوى والمعرفة بانقياد قلب وآرتضآئه إلا أن يكون عليه بالوعيد الشديد وقد كان لم يقبلها الأوئل فكيف بالآواخر
وتبعت شرحه على طريق التصوف فما أنا من فرسان ذلك الميدان ولا ممن يشم لغبار أو يحمل السنن
ولا كن للسؤال حق بين يدي الجبار ولقوله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
ختم سينا الشيخ رضي الله وأرضاه
هاذه الوضيفة بقوله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
عملا بالسنة قال المحقق ابن حجر اخرج ابن أبي حاتم في تفسير من مرسل الشعبي بسند رجال صحيح إليه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمنى أن يكتال بالمكيال الأوفى من الآجر يوم القيامة فيقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين رواه الترمذي والحاكم في المستدرك
ولا يقال أن هذا الذكرلمن كان مجلسه هدرا وكلاما بل ولو كان مجلس ذكر وعبادة كما آخرجه الطبراني أن من قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين دبر كل صلاة فقد اكتال بالجريف الأوفى وقال المناوي روينا في كتب ابن السني عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته لأدري قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين
ومشكوة طلعة الأنوار الهويه
مشكوة طلعة الأنوار المعنوية والحسية فهو صلى الله عليه وسلم مرآة التجلي الذات والأسرار والصفات للأرواح
والأفعال
أي لصرف الإدراك منها التي هي السمع والبصر وما معهما إذ هوالمنفرد بالتأثير وبين أفعاله في الموت وما بعده
والحشر والميعاد وفي الأمم الماضية وبلغ السامع ذلك لغيره فسمعت منه الآذان بالمباشرة والواسطة وأذت ذلك للقلوب
فأعتقدته وفيه أبصرت الأبصر كثيرا منها خارق للعادة وبلغ ذلك المشاهدون له ولغيرهم فشوهد ذلك فيه بالمباشرة ثم وصل للقلوب فاعتقدته وفيه شاهدت القلوب والأفعال من الله تعالى وبه تجلت الأرواح بصفة الله تعالى
وبه شاهدت الأسرار الذات العلية وبه تشاهد الصفات التي عالم الملكوت مظهرها وهو سرج الأرواح ففيه من أنوار الجمال ما لا يعلمه إلا الله
ففيه النيران الشمس والقمر وهما من نوره صلى الله عليه وسلم وفيه النجوم وهي من نوره صلى الله عليه وسلم
وفيه البيت المعمور وهو من نوره صلى الله عليه وسلم وسدرة المنتهى وقد قال صلى الله عليه وسلم يغشيها من أمر
الله ما غشيها فتغيرت وصارت زبرجد أو ياقوتا فما آحد يستطيع أن ينعتها من شدة حسنها وهي من نوره صلى الله
عليه وسلم وفيه العرش والكرسي واللوح والكل من نوره صلى الله عليه وسلم
وفيه قال الإمام أبو حامد
الاحياء في كتاب كشف علم الآخرة للعرش ثمانون ألف
السردقات ولكل سراديق ثمانون ألف شرفة وعلى كل شرافة ثمانون ألف قمرة يهلل الله تعالى ويسبحه ويقدسه
ولو برز قمر واحد منها إلى الدنيا لعبد من دون الله تعالى
ولاحذقها نورا انتهى
وفيه الملآئكة وهم جواهر نورانية بسيطة قدسية مقدسة من ظلمة الشهوات طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس أنسهم
بالله وبذكره وفرحهم به وبطاعته وسرهم حضرة قربه ومشاهدته وهم مخلوقون من نوره صلى الله عليه وسلم
وفيه الجنة وناهيك بما فيها من أنواع الجمال من القباب والقصور واللؤلؤ والياقوت والزبرجد وغير ذلك والأنهار
من العسل والخمر وغيرهما وأنواع اللباس والطعام والحورالعين والولدان والأكواب والأباريق والأرائيك
والعبقري والرفرف وما تشتهيه الأنفس وتلذ العين وفيها مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا يعلمه إلا الله تعالى
ورسوله وكل ذلك من نوره صلى الله عليه وسلم
وأما الأنوار المعنوية فهو مشكاتها وطلعتها ومحل ظهورها على التحقيق
والناس في ذلك على أربعة مقامات كما قال الشيخ عبد الرزاق العثماني رحمة الله عليه
الأول موقف أهل شهود شريعته صلى الله عيه وسلم وهو لعامة المومنين
الثاني موقف أهل شهود ذاته صلى الله عليه وسلم وهو للأولياء والصالحين
الثالث موقف أهل شهود روحه صلى الله عليه وسلم وهو للشهدآء والصديقين
الرابع موقف أهل شهود سره صلى الله عليه وسلم وهو للأنبيآء والمرسلين
وكل صاحب مقام واقف فيه عند حده متحقق بقصوره على إدراك ما خصه به من مواهب ربه فمن كان مشهده شريعته
صلى الله عليه وسلم فهو واقف مع مشهود التكليف وعلى القطع أنه لما طق الاحتوآء على جميع لوازمها والقيام بشروط قاعدة من قواعدها كما قال صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين خذوا منه ما استطعتم ولن يشاد
أحد هذا الدين إلا غلبه ولم يقم فيه بجميع حقوق ربه إلا هو
صلى الله عليه وسلم فهو صلى الله عليه وسلم كنخلة اجتمعت فيها أقوات الخلق أصلها في الأرض وفرعها في
السمآء مثمرة من أرضها إلى منتهيها وكل واحد من الخلق يأخذ قوته منها وهوعلى حسب قوته ونهاية طاقته
ورأسها ممتنع على الجميع لامتناع وصول البشر إلى السمآء فافهم
فاستغراق همة صاحب شريعته صلى الله عليه وسلم في متابعة أقواله وأفعاله وفي ذلك مشربه وهذا المقام أصل
ومابعده نتائج وأحوال ناشيئة في طريق السالكين وإليه مرجع المجذوبين ووجه مشهد شريعته صلى الله عليه وسلم
أنها حجاب بين العبد وسخط ربه لكونها تورث العامل
بها ظهور وصف جمال الرحمان جمال الله الذي هو بساط رحمته وتستره عن وصف جلاله الذي هو بساط نقمته
وفناؤه في الله هو تركه لحض نفسه عند مطالبته بحق من حقوق ربه ولولا آذاه افترضه عليه ففنآئه هذا غيبة لا سكر
ومن كان مشهد ه ذاته صلى الله عليه وسلم فهو واقف في هيبة الجمال ولا سبيل له إلى إدراك حقيقة الشمس يشهد
لذلك قول سيدنا حسان ابن ثابت رضي الله عنه في وصفه صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى قومه وهم كفار قريش
فقالوا له صف لنا ما رأيت من محمد صلى الله عليه وسلم
وبذلوا له مالاعلى أن يهيجوه بما يناسب بعضهم فيه فقال
لما نظرت إلى أنواره سطعت * وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته * فلست آنظره إلا على قدري
الأنوار من نوره في نوره عرفت * والوجه مثل طلوع الشمس والقمري
روح من النور في جسم من القمري * كحلة نسجت في الأنجم الزهري
فقالوا له ماهاذا فقال هاذا الذي رأيت وعار على الرجل أن يصف الكذب
فصاحب مشهد ذاته صلى الله عليه وسلم هو بين محو وإتبات لأنه إذا نظر إلى صورة ببشريته جملة شاهد بشرا
سويا وإذا رام حضر أوصافه صلى الله عليه وسلم تمنع عليه حصريا فلا يمكنه عند ذلك إلا أن يقول إلا أنه بشر وليس
كالبشر كما يقال في حجر الياقوت حجر وليس كالحجر
واستغراق همة صاحب هاذا المقام في وصف الأول ويزيد عليه بأن مكارم الأخلاق أخلاقه جبلية لا تعتمد وإلا فالأول
لا يخلوا عن وصف تعلمها وفي هذا الوصف غرقت الهمم العالية وغرقت دونه الهمم الدنية ووجه مشهد ذاته صلى الله عليه وسلم إنه حجاب رحمة بين العبد وهبة ربه
لأنه بوجود ذاته الكريمة صلى الله عليه وسلم ظهرالإسلام وذهبت عبادة الأصنام ومن حكمه شرعت الأحكام ومن
لسانه عرف الحلال والحرام
ولولا وساطة بشريته صلى الله عليه وسلم في تلقي
القرآن مع جبريل عليه السلام مع ما أودع الله فيه من
القوة والاستعداد لذلك مما هو خارج عن طوق البشر ومع
ذلك يقول زملوني وتارة يقول دثروني وتارة يبقى له غطيط
وعرق والجاري من أحوله صلى الله عليه وسلم إنه
مغيب عند حسه حين تلقى الوحي
والصحابة لما تلقوه من بشريته صلى الله عليه وسلم لم يصعب عليهم ذلك ومن بعدهم كذلك ووجهه فنآئه في الله
ترك لدواعي الهوى واستقامته ظاهرا وباطنا على بساط التقوى فهو وإن كان عاملا على أمر الله لاكن بواسطة
المبلغ عن الله وفنآئه غيبة لا سكر ومن كان مشهد روحه صلى الله عليه وسلم فهو واقف في هيبة الجلال وفنآئه
حقيقي لأن سره فارق عالم الخلق واستوطن عالم الأمر تبعا لمشهوده وهو روحه صلى الله عليه وسلم فهو ليس له
مع غير الله قرار ولا عن ما سواه أخبار واستغراق همة صاحب هذا المقام المعبر عنه بمركز البصيرة في وصف
المقامين السابقين ويزيد عليها بالخروج في جميع تلقياته عن العبادة إلى صون الحكمة وبث الإفادة تبعا لمشهوده لأن
الروح لا حكم للعادة عليها والنفس لا خروج لها عن ذلك فهو يقوم بالحجتين ويشتمل على الطريقين كل على حسب
مطلبه فيكون عند ذلك بشرا سويا
وبالجملة ففي كل واحد من هاذه المقامات بداية وواسطة ونهاية قد علم كل أناس مشربهم
وذلك اضعوا الوارد قوته وهما يظهران في طرف مكاسبه وهي كثيرة العمل وقلة فعلا كان ذكرا
أو فكرا لأنه قيل بقدر ما يدخل القلب من التعظيم والحرمة تنبعث الحوارح بالسرعة في الخدمة
وبقدر المتابعة تكون المواجهة وبقدر المواجهة تكون المشاهدة
وبقدرها يكون الكشف وبقدره غيبة المشاهد في المشهود
وبقدرها يكون الفنآء وبقدره يبلغ غاية المنى بمشاهدة جلال الحق وجماله
وإنما تظهر في مرآت ذاته صلى الله عليه وسلم وحقيقة ذلك لم يدركها أحد
بفهمه ولا يعلم ذلك إلا الذي خصه به ومن كان مشهده سره
صلى الله عليه وسلم فغاية إدراكها من العلم
قال البصيري رحمه الله
فمبلغ العلم فيه انه بشر * وأنه خير خلق الله كلهم
وكل آية أتى الرسل الكرام بها * فانها اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلهم كواكبها * يظهرن أنوارها في الظلم
أي يظهرهم الله لخلقه بأنوار توحيده في ظلم الشرك
به ليهدي الله تعالى بنورهم من يشآء من خلقه
ويحق العذاب على الكافرين
وذلك على وجه النيابة عن نوره الأعظم قبل ظهور ذاته الكريمة
وكذا ورثه من أمته بعدغيبته ذاته صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله تبعا لدعوته وتثبيتا لشريعته كما أشار إلى ذلك
بقوله صلى الله عليه وسلم علمآء أمتي كأنبيآء بني إسرائيل في النيابة عنه في دعواه إلى الله
وأما وجه المناسبة في المادة منه وإن وقع مطلق الاشتراك فيها بلا قلائل بالاشتراك في القدر بين حظ الأنبيآء وحظ
الأوليآء وقد كشف عن ذلك أبو زيد في قوله النبي زق من عسل ما رشح هو حظ الولي
ورحم الله البوصيري حيث قال
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحرأو رشقا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شعلة الحكم
قوله رضي الله عنه وأرضاه
ومظهر التجليات الهويه
مرآة التجلي الذات وأنوارالصفات من غير حلول ولا تكليف
قال الورتجي في قوله تعالى{ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } الآية
جعل نبيه صلى الله عليه وسلم مرآة لظهور ذاته وصفاته وقال في قوله تعالى
{ لتومنوا بالله ورسوله } الاية أي ليشاهدوا بأسرارهم الله ويدركوك في محل الجلال والجمال ويرفعوا
قدرك في قدري وقدري في قدرك حيث صرت مرآتي التجلي منك لهم وقال
صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رأى الحق انتهى
وهذا قولهم ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل
وإن كل مخلوق على صورة الله وعلى صورة الرحمان
ومن هنا سمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكثيرمن
أسمآء الله تعالى لقد جائكم رسول من أنفسكم إلى قوله رءوف رحيم
صلى الله وسلم عليه وعلى آله قف على
النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه هذا المعنى وذكر حسن على الفرق بين الله وأسمآء رسله عليهم السلام
محمد مرآة أرباب الشهود * والعارفون كلهم له شهود
ووجه له الشهود تحضى بالشهود * وعند ذاتهم في سلك الشهود
وتجلياته صلى الله عليه وسلم لكل مومن على حسب حاله ومقامه
فإن كل مومن له حظ من التجلي والتجلي إذ كل من أطاع الله امتثالا ولو مرة في عمره أو ترك معصية كذلك
ما خطر له ذكرالله عند نازلته حتى تجلى لقلبه برحمته وحلاه بطاعته
والناس في ذلك على ثلاثة مراتب
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وبهاذه الأقسام الثلاثة يظهر لك التجلي وتنوعاته وهم أهل
إسلام * وإيمان * وإحسان *
وأهل الإحسان أهل مراقبة ومشاهدة وأصل جميعها التجلي الناشيء عن العلم المشرف في القلب المطهرلحقآئق الأشيآء
فأول ما يفتح الله للسائرين أنهم إذا نظروا في الآثار وتبعوها ذلهم على معاني الأسمآء فيعرفون لكل إسم نسبة ولكل
نسبة وجوها
فإذا نظروا في أنواع الخلق ذلتهم على معاني الخالق وفي ضروب الرزق ذلتهم على معاني الرزاق وصوف الإعطاء
ذلتهم على معاني المعطي وفي وجوه الاعزاز ذلتهم على معاني المعز
فيشهدون الأفعال منه ثم يدلهم ذلك المشهود على ثبوت الصفات من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام
لأن معاني الأسمآء راجعة إليها ثم يدلهم ذلك الشهود على ثبوت الصفات على وجود الذات
أي باعتبار شهود كمالها والاستغراق فيه
ولا شك أن النورالثالث أقوى من الثاني والثاني أقوى من الأول
والثالث هو المسمى عندهم بشمس المعرفة وهو حظ خاصة الخاصة أهل المشاهدة
فهم في نهار شمس لاتغرب شمسه وهم أهل السر
ويرحم الله القائل
إن شمس النهار تغرب بالليل * وشمس القلوب ليس تغيب
فهم ينظرون بأعين قلوبهم فقرهم غنى ربهم وعجزهم وضعفهم وقدرتهم وقوتهم وذلتهم وعزتهم فيطرحون نفوسهم
ويلجئون به فيدوم لهم الاضطرارولا يكون لهم مع غيره قرار إنه ذليلهم عند التحير وأولى منهم فحينئد يتولاهم ولا
يكلهم إلى أنفسهم
ويرحم الله سيدي عبد الرحمان المجذوب حيث يقول
طلع النهار على قلبي * حثى نظرت بعيني
أنت دليلي يارب * وأنت أولى مني في
والثاني هو المسمى بقمر التوحيد وهو حظ الخاصة وهم أهل المراقبة فهم في لليل مقمر والجمع في الضوء وبينهما
ما بينهما وكلاهما أهل إحسان وهم أهل الروح
والأول هم أهل نجوم العلم وهو حظ غاية أهل الطريق وهم البتدئون في مقام السلوك إلى الحضرة فهم في لليل ذي
نجوم فقط وهم أهل الإيمان وأهل القلب والعبرة في المقامات الثالثة بالحال الملازمة وأما ما يخطر وما يغيب
فلا يختص به مسلم عن غيره وهو الموجود في مقام الإسلام
فهاذه ثلاثة قواعد الأولى أقسام النور ثلاثة يعلم بها
ما يتجلى لخاصة الخاصة
الثانية لايتوصل أحد إليها إلا به صلى الله عليه وسلم يعلم منها انه المرآت
الثالثة أموره دآئرة على الدلالة يعلم منها أموره معنى التجلي
أما أقواله صلى الله عليه وسلم فالتجلي فيها واضح
وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم فكأنه فيها مقتد بأفعال الله يثيب من يستحق الثوبة ويعاقب من يستحق العقوبة
فقد كان صلى الله عليه وسلم وسم دائم البشر أحسن الناس طبعا وأكملهم عشرة وأسرعهم رضى وأبعدهم غضبا
وإذا انتهك شيء من محارم الله تعالى لم يقم لغضبه شيء وأصل ذلك تبعية إرادة الله تعالى بمقتضى الخلافة والتمكين
في العوالم وبه يكمل الاقتذاء لانفعال المكونات له حينئذ يغرق من مشاهدة أفعاله افعال الله تعالى
ومن هنا تعلم قوله صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رأى الحق فافهم
وقد كانت الأسرار التوحيدية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بحر طامسا وسمآء عابسا فبنوره ظهرت وكانت الأنوار
الإيمانية محجوبة بظلام الكفر فبشمسه أشرقت
وبالجملة بجميع ما أودعه الله سبحانه في مكوناته من الأسرارفهوالمظهر لها صلى الله عليه وسلم بعد ماكانت
القلوب غافلة عنها والأرواح ما كانت جاهلة بها
عنصر العناصر والهياكل الروحانية والجثمانية
والعناصر أربعة المآء والتراب والريح والنار
وهي أصل آدم بل ما تفرع وتنسل منه صلى الله عليه وسلم عنصر العناصر والهياكل الروحانية والجثمانية ولولاه صلى الله عليه وسلم لما استقر خلق من مخلوقات الله تعالى على خلقته فبسره صلى الله عليه وسلم ثبتت خلقتها واستقمات صورتها ولقد خلق الله العرش الذي هو أعظم المخلوقات ولولا سره صلى الله عليه وسلم لما استمسكت ذاته ولقد خلق الله صورة آدم وانكسرت مرات ولم تثبث حتى سرى فيها سره صلى الله عليه وسلم
وهاذه من حكمته تعالى في الدنيا بأن جعل العالم لايثبت الا بالسبب ولو شآء ربك لخلقه بدون سبب وفيه حكمة
يعلمها أهل الله وفي تصويرآدم وبنيه وشاهد على صانعه وسريان سر نبيه ورسوله فيه فقد خلق الله البصر من النور والسمع من الهواء والشم من المآء والذوق وجعل فيه اثني عشر منفذا بعدد البروج سبعة منها في الرأس الفم والمنخران والعينان والأذنان
وخمسة في البدن ، التديان ، والسرة ، والقبل ، والدبر
وخلق سبعة أفلاك ، وخلق في الولد سبعة أعضاء فلا يصح السجود الا عليها وهي الجبهة ، واليدان ، والركبتان والقدمان
وفي الفلك سبعة أنجم
والمولود سبعة ألطاف : السمع ، والبصر، والذوق ، والشم ، والنطق ، والعقل ، واللمس
وحركاته كحركات الكواكب ، وولادته كطلوعه ، وموته كغروبه ، وهاذا العالم العلوي
وأما السفلي فجسده كالأرض ، وعظمه كالجبال ، ومخه كالمعاذن ، وعروقه كالأنهار، ولحمه كالتراب ، وشعره كالنبات ، ووجهه كالمشرق ، وظهره كالمغرب ، ويمينه كالجنوب ، وشماله كالشمال ، ونفسه كالريح ، وكلامه كالرعد ،وضحكه كالبرق، وبكاؤه كالمطر، وغضبه كالسحاب ، وعروقه كالسيل ، ونومه كالموت ، وسهره كالخيال ، وأيام صباه كالربيع ، وشبابه كالصيف ، وكهولته كالخريف ، وشيوخته كالشتآء ، وخلق الله الشمس ضياء ، والقمر نورا ،والليل ظلمة ، والهوآء ألطاف ، والخيال كثافة ، والمآء رقة ، فجعل الضيآء حظ الحورالعين ، والنور حظ الملآئكة ،والظلمة حظ الزبانية ، واللطافة حظ الجن ، والكثافة حظ التراب ، والرقة حظ الشيطان ، ثم جمع ذلك في بني آدم فجعل الضيآء حظ الوجه ، والنور حظ العين ، والظلمة حظ الشعر، واللطافة حظ الزوج ، والكثافة حظ العظم والرأفة حظ الدماغ
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وانظروا إلى ما جمع الله في صورة واحدة من صورته وقدرته وانظر الى سريان سره صلى الله عليه وسلم في جميع الهياكل الروحانية والجثمانية بل سرى في أصلها وهم العناصرالأربع فلولا سره صلى الله عليه وسلم في التراب وفي المآء لما استقمت خلقته ولولا سريان سره صلى الله عليه وسلم في التراب لما أستحكمت ذاته وكذا الريح والنار
ولولا سره صلى الله عليه وسلم ما تحرك عظوا من أعظاء الجسد
ولولا سره صلى الله عليه وسلم في العين لما ابصرت شيئا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وانضر يا ولدي إلى بعض الناس تجد لهم عيونا لا يبصرون شيئا كمن فيه العمى مع سلامة العينين
ولو كان النظرالعينين لا يبصر بهما ولاكن لما نزغ من العين سره صلى الله عليه وسلم صارت لا يبصر وفمه على ذلك السمع والكلام ونحوهما
ولهاذا اعاد شيخنا رضي الله عنه وأرضاه هذا المعنى بعبارة أخرى كي يظهر للمحب سره صلى الله عليه وسلم تفصيلا مع أنه لولا سره صلى الله عليه وسلم ما ظهر سر من اسرار الأرض ولا تفجرت عين من العيون
وان سره صلى الله عليه وسلم يفوح في شهر مارس ثلاث مرات على سآئرالحبوب فمن أصابها أثمرت ولقحت ومن أخطاها فسدت وسقطت وان الذات تكل إحيآءعلى حمل الإيمان فتريد أن ترميه فيفوح سره صلى الله عليه وسلم عليها فيقويها على حمل الإيمان فيستحليه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإلى هاذا اومأت الآية لمن فهم عن الله وهم العارفون
( وجعلنا من المآء كل شيء حي أفلا يومنون ) الآية
المنزه سره دائما في حدآئق وبساتين الهوية
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم والمنزه من النزاهة والفرجة والحدآئق والبساتين والأسرار والحكم والمعارف وإن شيئت قلت أسرار الذات وأنوار الصفات
وقال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه دائما بمعنى أن قلبه صلى الله عليه وسلم فيسرح ويتنزه في الأسرار والحكم والمعاريف دآئما يترقى من لون إلى لون آخر ومن وصف إلى وصف آخر من غير توقف ولا تحديد لتوالي التجليات فأشرق سره بالأسرار والمعاريف التي هي أفضل من الحدآئق والبساتين الفانيات
ولازال صلى الله عليه وسلم يتنزه في ارتقآء الأسرار والمعاريف من مقام إلى مقام
قوله وكلما ارتقى إلى مقام فوقه وحد النظرفيه أرتقى إلى ما فوقه فرآه أكمل فاستغفر الله ومن ثم كثر استغفاره صلى الله عليه وسلم حتى قال إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة وكما قال صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم مستغرق في مشاهدة الحق سبحانه فتنقطع الذات بجميع عقلها وتولهها وجميع عروقها وأجزآئها وغمور نورها في نورالحق لأن نور الحق أصلها والشيء يركن إلى أصله ويألف إليه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا تعلم الفرق بين مشاهدته صلى الله عليه وسلم في الحق ومشاهدة غيره لأن مشاهدته صلى الله عليه وسلم فيها انقطاع عن الغير أصلا مثل من ركن إلى جزئه أصلا ووصلا ومع اتصالها بأصلها وهو الحق
فلا ينقطع مدده من الخلق لأنه صلى الله عليه وسلم محفوظ فلا يفعل إلا الحق ولا ينطق إلا بالحق وذلك لقوته صلى الله عليه وسلم ذاتا وعقلا ونفسا وروحا وسرا بمعنى ان لم اعطيتها مشاهدته صلى الله عليه وسلم لجميع الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام لم يطيقوها
ولم يقدروا على تلقيها ولا تحمل تلك المشاهدة إلا ذات النبي صلى الله عليه وسلم لقوة خص الله بها هذا الذات الشريفة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وبيان ذلك ان المشاهدة على قدرالمعرفة وأن المعرفة الحاصلة للنبي صلى الله عليه وسلم لم يدركها أحد والعارفون وإنما عرفوا به وهو المعرف لهم على الإطلآق كان في عالم الأرواح والأشباح
وتأمل في المعرفة الذي نالها صلى الله عليه وسلم حيث كان الحبيب مع حبيبه ولا ثالث معهما فكان قاب قوسين أو أذنى فهل دنا أحد مثل دنوه صلى الله عليه وسلم حتى يحصل له من المعرفة مثل ما حصلت له صلى الله عليه وسلم له مشاهدة مثل مشاهدته صلى الله عليه وسلم فخلقت روحه من الأنوار الإلهية صلى الله عليه وعلى آله
وسقيت من الأنوار القدسية والمعاريف الربانية ما صارت به أصلا لكل ملتمس
ومادة لكل مقتبس وحصلت له المشاهدة التي لا تطاق حتى صار يشاهد بروحه وذاته مشاهدة العيان لزوال الحجاب بين روحه وذاته صلى الله عليه وسلم فيشاهد أن الحق سبحانه هو المحرك لجميع المخلوقات والخالق لهم والناقل لهم من حيز إ لى حيز والمخلوقات بمنزلة الضروف وإلى الفخار ولا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا
فأرسله الله تعالى وهو على هاذه المشاهدة والمخلوقات في عينه ذوات وضروف فارغة ليكون رحمة لهم فلا يرى الفعل عنهم حتى يدعوا عليهم فيهلكوا كما فعل الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام قبله مع أممهم ولاختلاف مشاهدتهم استعجلوا دعوتهم وأخرت دعوته صلى الله عليه وسلم شفاعة إلى يوم القيامة فصارت دعوته رحمة على رحمة وظهر مصداق قوله تعالى
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الآية
ومصداق قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا رحمة مهداة للخلق
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإن أردت أن تعلم مشاهدة مشاهدته صلى الله عليه وسلم فانظر في القرآن العزيز من الأنوارالقدسية والمعارف
الربانية والأسرارالأزلية وأنواع العجائب والاطلاع على الغرائب التي لا تطاق
وبهاذا تعلم مصداق قوله صلى الله عليه وسلم
ما من نبي إلا قد أعطي ما مثله آمن عليه البشر وما كان الذي أتيته إلا وحيا يتلى بمعنى أن معجزات الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام كانت من جنس ذواتهم لانقطاعها بموتهم وعلى قدري مشاهدتهم ومقدار ما آمن عليه أممهم ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كانت من الحق ومن نوره وعلى قدر مشاهدته ومكاملته وعلى قدر ما آمن معه في زمانه وما لم يومن إلى يوم القيامة
فكان وحيا يتلى من قرن إلى قرن ومن جيل إلى جيل
فحيث أن السامع للقرآن في زماننا هذا وغيره وأصغي إليه يحصل له فتح ويذوق حلاوة فلذلك قال صلى الله عليه وسلم وما كان الذي أتيته إلا وحيا يتلى ولو كانت معجزات الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام بلغت من الفخامة ما بلغت وفخامة القدر بحيث لو شآء الله يومن عليها بسببها جميع البشر
فمعجزاته صلى الله عليه وسلم فوق ذلك كله كما علمت قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الملحوض وحده بنظرة الهويه
إلى انه صلى الله عليه وسلم مخصوص برؤية الجبار يعني بالأبصار
ولم ينالها مخلوق في هاذه الدار سوى النبي المختار لأن نظرة رب العالمين كانت مدخرة في خزائن الغيب قاب قوسين
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وإلى هذا اومأت الآية في قوله تعالى
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
فكان اليتيم يتيم أبي طالب والمال النظر إلى وجهه الكريم
والخطاب للأنبيآء عليهم السلام
وفي الحديث أكرموا الغربآء وارحموا اليتمى فإني في الصغر كنت يتيما وفي الكبر غريبا
قال ابن حجر أختلف العلمآء قديما وحديثا في أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين بصره وفي أخرى أنه رآه بقلبه ولا تخالف لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم كما رواه الطبراني رآه مرتين واحدة بالعين وواحدة بالقلب بمعنى أنه خلق فيه إدراكا كإدراك البصر وليس المراد مجرد العلم لأنه حاصل له صلى الله عليه وسلم ولغيره أنتهى
وقول ابن حجر خلق فيه إدراكا كإدراك البصر صحيح وقد مر بيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في جميع جوارحه كل واحد منها قام به سمع وبصر وذوق إلى آخره ما تقدم فراجعه
وجآء عن أنس بإسناد قوي رأى محمد ربه وإطلاق الرئيا إنما ينصرف لرؤية العين وكان الحسن البصري رحمه الله يحلف أنه رأى ربه وبذلك قال عروة وسآئرأصحاب ابن عباس رضي الله عنهم وجزم به كعب الأحبار والزهري ومعمر وآخرون
وهو قول الأشعري وغالب أتباعه وسئل الإمام أحمد عن قول أم المومنين عآئشة رضي الله تعالى عنها من زعم أن محمد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية بما يدفع قولها
قال يقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي
وقول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها
وفي المواهب لما كان صلى الله عليه وسلم ثمره شجرة الكون وذرة صدفة الوجود سر معنى كلمة ( كن )
ولم بد من عرض هاذه الثمرة بين مثمرها ورفعها إلى حضرة قربه والطواف بها على قدمان حضرته أرسل إليه أعز خدام الملك عليه فلما ورد عليه قادما ولجنابه خادما وأقبل على فراشه نآئما فقال قم يآنائم فقد هيئت لك الغمآئم
قال ياجبريل إلى أين ، قال يامحمد ارفع العين من البين ، إنما أنا رسول القدم ، أرسلت إليك من جملة الخدم ، يامحمد أنت مراد الإرادة ، الكل مراد لأجلك ، وأنت مراد لأجلي ، أنت صفوة كأس المحبة ، أنت ذرة هاذه الصدفة ، أنت شمس المعارف ، وأنت بدر اللطائف ، ما مهدت الدار إلا لأجلك ، ما حمى ذاك الحمى إلا لوصلك ، ما روق كأس المحبة إلا لشربك
فقال صلى الله عليه وسلم ياجبريل الكريم يدعوني إليه فما الذي يعمل بي
قال ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال ياجبريل فما لعيالي وأطفالي ، قال ولسوف يعطيك ربك فترضى
قال ياجبريل الآن طاب قلبي ها أنا ذاهب إلى ربي
ثم قال جبريل يامحمد إنما جئت اليلة إليك لأكون خادم دولتك وصاحب حاشيتك وحامل غاشيتك وقد جيئت بالمركوب إليك لإظهاركرامتك لأن من عادة الملوك إذا استزاروا حبيبا واستودعوا قريبا وأرادوا إظهارإكرامه واحترامه أرسلوا أخص خدامهم وأعز نوابهم لنقل أقدامهم فجيئتك على عادة رسم الملوك وآذب السلوك
ومن اعتقد أنه وصل بالخطا فقد وقع في الخطا ومن ظن أنه محجوب بالغطا فقد حرم العطا
ولقد سريت إلى المهيمن ليلة * والله ما أحد سره مسراك
بالجسم كان سراك لا عين ريبة * وبه قمرت في ملكه عيناك
ورحم الله القائل ابن رشد البغدادي إذ قال
تدانى فأدناه إلى العرش ربه * ونادى تقدم يا وحيد مجتبى
تلذذ بنا واسمع لذيذ خطابنا * وعينيك نزه عجائب قدرتي
ترى العرش والكرسي والحجب قد بدت * لديك وأنواري عليك تجلى
تأنس بنا وهذا الوصال وذا اللقا * محب ومحبوب وساعة خلوتي
تقرب ولاتجزع وأقبل ولا تخف * وسل تعطى عبدي أنت سيد صفوتي
تعاليت قدرا عندنا ومكانة * وذكرك مرفوع فلا تنس نعمتي
ورضي الله عن القائل على لسان الحضرة المحمدية
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا * سراره من النسيم إذا سرى وأباح طرفي نظره أملتها * ورحمت من فيض الجمال كما ترى
ومن أراد هذا المعنى فعليه بكتب الأئمة رضي الله عنهم في عروجه صلى الله عليه وسلم فلا نطيل بذكرها وقد جمع شيخنا رضي الله عنه في تأليف النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب ما يلج الصدر ويبرد الكبد وينورالقلوب
الهادي إلى طريق الهويه
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم كان هاديا للخق وداعيا إلى طريق الحق في عالم الأرواح وفي عالم الأشباح بعثه الله دليلا يدل عليه وهاديا يعرف الطريق إليه بعثه في زمان فترة قدعمت فيه الضلالة وكثرت فيه الجهالة الخلق فيه عن الله معرضون وعن بابه نافرون وشاردون فذلهم على الله وعرفهم الطريق ودعاهم إلى بابه الكريم ونهج بهم الصراط المستقيم فكانت رسالته عامة ودلالته تامة فدل على الله بأقواله وافعاله وأيقض الأرواح إلى ملآحضة جلاله وجماله فكل داع إلى الله فإنما يدعوا بدعوته وكل ذال فإنما يدل بدلالته من لدن آدم إلى يوم القيامة
وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى ودلالته عليه بسياسة محمدية وتعريفه إياهم به تعالى بحكمة احمدية فلم يخرقوا حجاب العظمة والوقار وانما رفع عن بصآئرالعارفين حجاب الأغيار وظلم سحائب الأنوار
محمد مطلع أنوار العلوم * من شمس عرفان وبدر ونجوم
منه استفاد الخصوص والعموم * فانسب إلى علمه أصلا بالعلوم
وهدى الخلق على الحقائق * فكل ما قد قاله مطابق
قد أوضح السبل والطرائق * وبين النكث والدقائق
وقد عمت دعوته صلى الله عليه وسلم الأقطار وبلغت إلى جميع القرى والأمصار فاهتدى بهديته الإنس والجن والملائكة وترتبت على دعوته وتبليغه ودلالته صلى الله عليه وسلم من أجناس العبادات وأنواعها وأصنافها وافرادها ما لا يحيط به إلا الله تعالى وكثرت أتباعه صلى الله عليه وسلم ثابتة كسية وكفية حكم وقع على يديه صلى الله عليه وسلم من زهد وصبر ورضى وشكر ومحبة وتوكل وغيرها
ثم إن اعتبرت ما ظهرعن ذلك بواسطة خلفائه ونوابه من النبئين والمرسلين وعباد الله الصالحين
اتسع نظرك واستحظرت ما يبهتك
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم وقد ورد أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا أمته منها ثمانون وسآئر الأمم أربعون وبهاذا تعلم قدر السيادة المحمدية التي يتحسرعليها من إدراك الحكمة الاحمدية
وتأمل ما نتج من السيادة المحمدية ان دخلوا في دين الله افواجا أفواجا حلت الهداية قلوبهم حيث كان صلى الله عليه وسلم هو الهادي فقتلواعنه أهلهم وأقاربهم وأولادهم وآباءهم وعشائرهم وزهدوا في الدنيا وزينتها وباعوا أموالهم وانفسهم حتى استادنوه في الوصال فنهاهم عنه وأشفقت عليهم السياسة المحمدية بقولها عليكم من العمل
ما تطيقون ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه
فكان ذلك رحمة لهذه الأمة ولقد أيد الله هذا الدين بخلفائه الوارثين له صلى الله عليه وسلم في كل قرن وفي كل جيل يدلون على الله ويدعون إليه
حتى قال ابن عباس المرسي رضي الله عنه ما بيني وبين الرجل إلى أن انظر إليه فأوصله إلى الله من حينه
ولقد نقل عن الشيخ مطرالباردي أنه ما وقع بصره على عاص إلا صار طآئعا ومثل هاذا في أمته الشريفة أكثر من أي يحصى ولقد رأينا في وقتنا هذا الذي هو عام ثلاثة وعشرون وثلاثة مائة وألف
إن عددا من البطالين وأهل الغفلة والاهين وأهل المعاصي المجاهرين يقدمون على سيدنا ومولانا محمد الشيخ رضي الله عنهم فتحصل لهم التوبة في الحين بمجرد نظرة الشيخ إليهم ولقد رأينا من العدد من النسآء الشبات وإحدى غيرهن وقد رحمهن الله بوردهن على سيدنا الشيخ ووقوع بصره عليهن فمنهن المصليات الذاكرات ومنهن السائحات والبعض طلقن وخرج هائمات وهاذا سر حكمة وعد الله بها رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم بقوله ما ننسخ من آية أو ننسيها نات بخير منها أو مثلها
وبهاذا تعلم مصداق قوله صلى الله عليه وسلم علماء أمتي كأنبيآء بني إسرآئيل في الدلالة والنيابة والدعوة إلى الله لاغير
وقد قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه العلمآء العارفون يقومون في كل زمان ويحملون الشريعة ويبلغون الأمانة فكانت الدلالة على الله في كل وقت طرية وسرالنور يفوح على الدالين والمدلولين فكانوا بمنزلة الأنبيآء الذين كانوا ببني إسرآئيل نيابة عنه
قال صلى الله عليه وسلم لأن العلمآء مثل الأنبيآء في الدرجة والمقام والحال
فإن النبوءة خطرها عظيم وصاحبها جليل كريم لا يبلغ أحد طرفها ولا يشم غبارها
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب منها أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت المآء وأنبتت الكلاء والعشب الكثير وكانت منها طائفة أجادب أمسكت المآء فنفع الله بها الناس وشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى انما هي قيعان لا تمسك مآء ولا تنبت كلآء
فذلك مثل من فقه في دين ونفعه فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به الحديث
وما ترقى الرجال في القرب إلا * باتباع الرسول قولا وفعلا
نالوا المنى وصار الذي * قد كان مستصعبا عليهم سهلا
إذا علمت هاذا ورعيت أعمال البرالصادرة من العاملين كلها أي ماهو باطن خفي وما هو ظاهر جلي وعلمت أنه صلى الله عليه وسلم هوالهادي والمهدي قال الله تعالى { وانك لتهدي إلى صراط مستقيم } الآية : بان لك قدره صلى الله عليه وسلم ومكانته وعظيم جلالته إذ أعمال العاملين ودلالة الدالين كلها في ميزانه صلى الله عليه وسلم والمرء في ميزان أتباعه فاقدر إذا قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
المسفر عن لثام قل هو الله
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أسفر عن حجاب الحق أي طريق فالسبل إليه كانت معدومة والأبواب
إليه كانت مسدودة فلولا رسالته صلى الله عليه وسلم لما انفتحت إليه الأبواب ولا ارتفع للناس الحجاب
وبيان ذلك أن الألوهية أصل الرسالة والرسالة مظهرالألوهية وقد كانت الأسرارالتوحيدية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بحرا طامسا وسماء عا بسا كان الله ولا شيء معه
ثم خلق نبيه ونشأ منه خلقه فلما علم صعب الخلق وقلوبهم لا تطيق شهود الحق
جعل نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين خلقه ومحل نظره وتجليه ليكون إذ ذاك مركز نظرهم ومطمح بصرهم سنة من الله عليهم ورحمته كما قال سبحانه عز وجل
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا أي في صورة الاستيناس بالجنس والرجوع إلى عالم الحس فحصل للخلق بسببه معرفة الحق وأزال عنهم حجاب الجهل والوهم
كما قال الله تعالى ( لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الآية
فالمشاهد يشهد المشهود في مراتب سيد الوجود فبان
من هاذا أنه صلى الله عليه وسلم حجاب بين الله وعبده
وبه يظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم حجابه النور والحاجز بينه وبين خلقه ولو بدت سبحات وجهه لاحترق ما أدركه بصره من خلقه فهو صلى الله عليه وسلم حجاب للنور والحاجز بينه وبين خلقه كما قال تعالى
( ولقد جآءكم من الله نور وكتاب مبين ) الآية
ولو تجلى الكريم جل جلاله للعبد من غير واسطة لأضمحل وتلاشى وتمزق لعدم القوة والاستعداد المختص بالرسل عليهم الصلاة والسلام ولقد تشوفت العقول ورامت اللحوق والوصول إلى من { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فمنع العقول عن النظر في حقائق الذات والتفكر فيها بالنظر إلى المصنوعات وعقل العقل عن النظر إلى ماله من سبيل وبهذا أرسله وأمره الجليل
فأظهر الفرق وأبطل الجمع فكلما طلبت الأرواح الإدراك والوهم زجرها زاجرالشرع وعلاها عقل العلم فرجعت ونكست إلى ورآء فلم يكن لها إليه سبيل ولا لها في قليل ولا أقل من قليل ولما علم سبحانه وجل سلطانه أن المصنوعات تفتقر إلى صانعها والمخلوقات تتشوف إلى خالقها أمر رسوله الكريم وحبيبه صاحب الخلق العظيم أن يزيل عن القلوب لثام الوهم والخيلات بالنظر إلى الأسماء والصفات ولا سبيل إلى إدراك كنه الذات ونهاهم عن النظر في الذات بالطول والعرض وشغلهم بقوله
( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والارض ) الآية
وفي الحديث تفكروا في المخلوق ولا تتفكروا في الخالق
فسرحت العقول في الأمن والإخلاص
وأومأت سورة الإخلاص إلى توحيد الخواص فقال الله تعالى : قل يا محمد { هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد } الآية
قد ذكرالمفسرون سبب نزولها أن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد صف لنا ربك ومن طريق أخرى ان قريش قالوا يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فقال الله تعالى : قل يامحمد هو قد علمت مما سبق في هاذا الإسم العظيم وهو الجامع لسر معاني الأسمآء
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وهو إشارة على توحيد خاصة الخاصة
ثم لما علم الله سبحانه مراتب عباده متباينة وصفاتهم مختلفة أشار إلى توحيد الخاصة بقوله ( الله ) وهو كالشرح للهوية
ثم أشار إلى توحيد العامة بقوله ( أحد ) إلى آخر السورة
وأما الإسم الأعظم ( الله ) فقد دونت العلمآء فيه الكتب وهو الإسم الجامع لأسمآء الصيفات والسلبيات علم على الذات الواجب الموجوب راجع ما تقدم وجل الكتب مشحون به فلا نطيل به
وأما الإسم الثالث وهو أحد كالشرح أيضا للهوية واحد يدل على مجامع الجلال إذ هو الواحد الحقيقي أن يكون منزه الذات عن التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحير والمشارك في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية الأولوهية الله الصمد أي المصمود إليه في الحوائج الذي يقصد فيها من صمد إذ قصد وهو تعالى الموصوف بالصمدية على الإطلاق وكل ماعداه يحتاج إليه في جميع توجهاته على الشمول والاستغراق وتكرير لفظ الله لاشعار لأن من يتصف به يستحق الألوهية لأنه تعالى جلت قدرته هو موجد الموجودات وإليه تصمد وبه قوامها في كل الجهات وقوله
لم يلد أي لم يتولد شيء عنه لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى معين يعينه لامتناع الحاجة عليه ولا يفتقر إلى خليفة لامتناع الفناء عليه قال ابن جزار وقد اقام الله البراهين على نفي الولد وأوضحها بأربعة أحدهما لابد أن يكون من جنس والده والله سبحانه وتعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) الآية فوصفه بوصف الحدوث لينفي عنه صفة القدم فتبطل مقالة الكفار
الثاني ان الولد يتخذ للحاجة والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولدا وإلى هاذا أشار بقوله ( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني ) الآية :
الثالث ان جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوءة وإلى هاذا أشار بقوله ( إن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمان عبدا ) الآية
الرابع أنه لا يكون إلا من له زوجة والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولدا وإلى هاذا أشار بقوله ( بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) الآية
أنتهى ولم يعطف لم يلد على ما قبله لأنه كما قال الطيف لأنه محقق المضمون الله الصمد لأنه الغني المطلق الذي تفتقر إليه كل شيء لا ينبغي أن يكون والد ولا مولود لأن ذلك يستلزم الافتقار بالضرورة
قال البيضاوي ولعل الاقتصارعلى لفظ الماضي لورده ردا على من قال الملآئكة بنات الله والمسيح ابن الله وليطابق قوله ولم يولدا عالم يتولد سبحانه عن شيء وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ولم يسبقه عدم ولا مولود يحدث عن شيء وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ففي الآية
رد على الذين قالوا أنسب لنا ربك وصفه لنا والجملتان محققتان لمعنى الجملة السابقة وقدم لم يلد لأنه ادعى
قال ابن عربي لا نبتدأ لمن ينفي وصف عنه تعالى لم يقل به قائل ولا ننسبه إليه مطلقا
قال أبو زيد الفاسي لأن النقص مع استحالته نقص لولا دعاؤه فنقتصرعلى نفي دعوى المبطل الكافر كالشريك والولد والصاحبة
وكفا في البخاري أن الله ليس بأعورفي حديث الدجال مبدء الألوهية مع كونه أعور وعطفت الجملة الثانية على الأولى لأن نفي الأولى لا يستلزم نفي الثانية فلم تكن إحداهما محققة لمعنى الأخرى ولم يكن أي تعالى كفؤا أي لا يكافيه ولا يماثله أحد ( ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ) ولقد أحسن القائل ولا يحيط عارف بذاته لا علما كما قال ولا صفاته إذ لو رأى خلقه لأكثروا الاعظام والاجلال
فذل ذلك أنه على صفة من الجلال لم تنله معرفه وقد أتى عن النبي الصادق تفكروا في المخلوق لا في الخالق
قال البيضاوي كان الأصل أي يؤخرالصرف لأنه صفة كفؤا لاكن لما كان المقصود نفي المكافات عن ذاته تعالى قدم تقديما لأهم ويجوز أن يكون حالا من المستكن في كفؤا
أوخبرا ويكون كفؤا حاملا من أحد ولعله ربط الجمل الثلات بالعاطف لأن المراد منها نفى أقسام الأمثال فهي كجملة واحدة مبنية بالجمل
ثم قال ولاشتمال هذه الصورة مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها جآء في الحديث انها تعدل ثلث القرآن
فإن مقاصده محصورة في بيان العقآئد والأحكام والقصص ومن عدلها بكل اعتبار لمقصود بالذات مع ذلك
وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه سمع رجلا يقرأ في قل هو الله أحد فقال وجبت قيل يا رسول الله وما أوجبت قال وجبت له الجنة
قال أبو سعيد الجزار أول كلمة دعا الله بها عباده إليها
قل هو الله فتم المواد للخواص ثم زاد بيانا للأوليآء بقوله أحد
ثم زاد بيانا لخواص الأوليآء الماضين بقوله الله الصمد ظهرلك منه المعرفة ولم يلد ظهر له منه الإيمان ولم يولد ظهر لك منه الإسلام ولم يكن له كفؤا أحد ظهر لك منه اليقين
قال أبو علي الذقاق وجدنا أنواع الشرك على ثمانية أنواع على الكثرة والعدد والتنقص والتغلب بقوله الله الصمد ونفى العلة والمعلول بقوله لم يلد ولم يولد ونفى الأشكال والأضداد بقوله ولم يكن له كفؤا أحد إن لم يكل له أحد مماثل ففيه تقديم وتأخير وهو تقدم خبر كان وقدم هو كفؤا على إسمها وهو أحد
وفي رواية أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لبعض أصحابه هل تزوجت قال لا يا نبي الله ماعندي ما أتزوج به قال أليس معك قل هو الله أحد قال ثلث القرآن قال أليس معك إذا جآء نصر الله قال بلى قال ربع القرآن قال أليس معك ( قل يا أيها الكافرون ) قال بلى قال ربع القرآن قال تزوج توزج قالها مرتين قالها صلى الله عليه وسلم مرتين
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) تعدل نصف القرآن رواه الترميدي
وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة
وفي رواية أخرى ينادى يوم القيامة ألا ليقم مادح الرحمان فلا يقوم إلا من في الدنيا يكثر قرآة قل هو الله أحد
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه من قرآها مائتي مرة في أربع ركعات كل ركعة بخمسين غفرالله له ذنوب مائة عام خمسون مقدمة وخمسون متآخرة
وفي كتاب الفلاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين بعد العشآء فقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد إحدى وعشرون مرة بني له قصر في الجنة
وفي رواية سيدنا علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من سافر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة صرف الله عنه شر ذاك اليوم لسفر وأعطاه خيره
وقال القرطبي في تفسيره عن مالك ابن أنس رضي الله عنه إذا نقر بالناقوس أشتد غضب الله فتنزل الملآئكة فيأخدون بأقطار الأرض فلا يزالون يقرءون قل هو الله أحد فيسكن غضبه
وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة كانت كانت بركة عليه وإن قرأها مرتين كانت بركة عليه وعلى أهل بيته وجيرانه وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد إحدى وأربعين مرة في كل يوم بنا الله له منارا على جسر جهنم حتى يجوز الجسر
وعن سهل ابن سعد وهوآخر من مات من الصحابة بالمدينة قال شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة الرزق فقال لله إذا دخلت البيت فسلم على اهلك واقرأ قل هو الله أحد إحدى وعشرين مرة فقرأها فاذرالله الرزق عليه حتى فاض عليه وعلى جيرانه
وعن واثلة بن الأصقع رضي الله عنه وهو آخر من مات من الصحابة بدمشق عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح ثم قرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة يلحقه في ذلك اليوم قال النيسابوري من أسمآئها سورة الإخلاص لأن من قرأها تخلص من النار
وسورة المعرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرئها قال هذا أعرف بربه
وسورة الأساس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد
وسورة الولاية لأن من لازم قرائتها صار وليا لله
والصمد قال السعدي هو المقصود في رغآئب المستغيث به في الشدآئد
وقال ابوهريرة رضي الله عنه الصمد الذي لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد
وقال الحسن الصمد الباقي بعد فنآء خلقه
وقال ابن عباس رضي الله عنهما الصمد الشريف الذي كمل في شرفه والعظيم الذي كمل في عظمته والعالم الذي كمل في علمه
وعن ابن أبي كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن وكتب له من الحسنات بعدد من آمن وأشرك
وعن النبي صلى الله عليه وسلم من مر على المقابر وقرأ ( قل هو الله أحد ) إحدى عشر مرة ثم وهب ثوابها للأموات أعطي من ذلك الأجر بعدد الأموات
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه يأمر قارء الوضيفة أن يمد الله ويستحضرالسورة بتمامها في قوله المسفرعن لثام ( قل هو الله أحد ) وكان يأمر القاريء أن يغيب في حالة المد في جميع لبه في السورة كي ينال سرها وتعمه بركاتها لاحرمنا الله ذلك آمين
وفي حذف المضاف إليه إشعار بأن الحكمة لابد لها من حجاب كما للحسنا نقاب وفيه إشعار أيضا بأن المشيخة لابد منها إذ لايفك ختم التشكيك ولا يرفع حجاب الوهم إلا المشايخ وهاذا نتيجتهم رضوان الله عليهم وعرفنا بهم ونفعنا بسرأهل وقتنا آمين
تنبيه أعلم أن هاذا الإسم الشريف وهو الله قطب الأذكار ومعدن الأسرارلا تصح المعرفة إلا به ولا تظهر العجآئب إلا منه ولا تشتهي الغايات إلا إليه قال الجنيد رضي الله عنه ذاكرهذا الإسم ذاهب عن نفسه متصل به قآئم بأدآء حقه ناظرا إليه بقلبه قد أحرقت أنوارالشهود صفات بشريته وصفا شرابه من كأس خصوصيته قد تجلى له المذكور في الذكر فغاب أساسه في الفكر فإن تكلم فبالله وإن سكت فعلى الله وإن تحرك فبأمر الله وإن سكن فمع الله فهو بالله ولله ومع الله وإلى الله
قال بعض العارفين ومن ثم له الحضور فليذكرالإسم المفرد ومهما دخل عليه شيء من الوسوسة في باطنه بادر إلى لا إله إلا الله حتى يذهب عنه ذاك ويعود إلى ذكر الله
قال أبو سعيد الجزار من الناس من عنا حاجته إلى الله تعالى ولو تكلمت جوارحه وأعضائه لقالت الله
وقال أبو علي أن رجلا كان يقول الله الله دآئما فأصاب حجر رأسه وشجه فوقع دمه على الأرض فكتب الله الله وقال رجل لشبلي لم تقل الله ولا تقول لا إله إلا الله فقال له لا أبغي به ضدا فقال أريد أعلا من ذلك فقال أخشى أن أموت قبل تمامها فأوخد بوحشة النفي فقال أريد أعلا من ذلك فقال قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فزهق السائل وخرميتا .
فتعلق أوليآؤه بالشبلي وادعوا عليه بدمه وحلوه للخليفة فسألهم الخليفة عن دعواهم فقال الشبلي روح حنت فرقت فدعت فأجابت فما ذنبي
فقال الخليفة خلوه لا ذنب عليه
وبقي التوري رحمه الله في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم يشرب ولم ينم وهو يقول الله الله فأخبر الجنيد بذلك فقال انظروا إلى محفوضته عليه أوقاته أم لا فقيل له أنه يصلي الفرآئض فقال الحمد لله الذي لم يجعل للشيطان سبيلا قوموا بنا إليه فأما نستفيذ منه أو نفيذه فلما دخل الجنيد قال يا أبا الحسن ما الذي دهاك فقال أقول الله الله زيدوا علي وقولوها معي فقال الجنيد له حتى نرى قولك الله الله أيا الله أم بنفسك إن كنت قائلها بالله فلست القآئل وإن كنت قائلها بنفسك فما معنى الإله فقال له نعم المؤدب أنت يا أبا القاسم وسكن ولهه وصاح الشبلي في مجلس الجنيد وهو في ولهه بالذكر الله الله فقال الجنيد يا أبا بكر الغيبة حرام أي إن كنت غائبا عنه حال ذكرك فهي غيبة وإن كنت معه حاضرا فقد هتكت الحرمة وصاح شاب في مجلس الجنيد الله
فقال له الجنيد أمسك وإن عدت لمثلها لا تقم مجلسنا فأمسك الشاب على نفسه وإذا به قد سقط ميتا
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان الله عز وجل خلق ملآئكة على عدد الحروف وسماهم بأسمآء الحروف ثم قال لهم قدسوني وعظموني فإني أنا الله لا إله إلا أنا فتضآءت تلك الملآئكة بين يديه فأول من سجد الملك الذي خلق على سورة الألف وسمي بإسمه فلما سجد صارعلى هيئة الهمزة فقال الله جل جلاله وعزتي وجلالي لأجعل حرف الألف الأول ولأجعلنه أول إسمي العظيم الأعظم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال العبد الله شهد له كل من سمعه
وقال بعضهم إذا قال العبد الله خلق الله من قوله ملكا مقربا لا يزال يصعد حتى يغيب في علم الله وهو يقول الله الله ويترك على موضع صعوده عمودا من النور قد سد الآفاق يغلب نوره على نور الشمس ثم لا يزال ذلك العمود يتسع حتى يملأ الكون طولا وعرضا لا يمر بشيطان إلا خنسه وأذله وربما احرقه ويقول الله تعالى يآ ملآئكتي هاذا عبد من عبادي قد أجريت على لسانه إسمي الأعظم فوعزتي لأفيض عليه نوالي وجودي وأنا الله الجواد الكريم واني لأختص لإسمي إلا من أرضيته لي وأوليته على دآئرة حضرتي فهو وليا لي ما دام ذاكرا لي
وهاذا الإسم الكريم جامع لمعاني الأسمآء الحسنى
إذ هو علم على الذات والذات مستجمعة لجميع صفاتها
فهو قطب الوجود
ومعنى قولهم
حسب الواحد إفراد الواحد * أحرف أربع بها هام قلبي
وثلآشت بها همومي وفكري * ألف ألف الخلآئق بالصنع
ولام على السلامة تجري * ثم لام زيادة في المعاني
ثم هاء بها أهيم وأدري
قال حجة الإسلام
الله إسم الموجود الحي الجامع لصفات الألوهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي لأن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته قال والأشبه انه حاز في الدلالة على هاذا المعنى
فحرف الأسمآء الاعلام وكل ماذكر في اشتقاقه وتصريفه تعسف وتكلف
وهاذا الإسم الأعظم للأسمآء التسعة والتسعين لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الألهية كلها بخلاف سآئر الأسمآء وهو أخص من الأسمآء إذ لا يطلقه أحد على غيره لاحقيقة ولامجازا
وفي شرح الموفق هاذا الإسم خاص بذاته لا يوصف به غيره أي لا يطلق على غيره أصلا فقيل هو علم جامد لااشتقاق له وهاذا اجد قول الخليل وسيبويه والمروي عن أبي حنيفة والشافعي وابن سفيان الخطابي والغزالي رضي الله عنهم
وقيل أصله الإله حذفت الهمزة لتقلها
ثم قال والصحيح إن لفظ الله على تقدير كونه في الأصل صفة فقرالقلب علما مشعرا بصفات الكمال وللاشتهار
وقال الشيخ زروق كل الأسمآء يصح لمعانيها التخلق إلى هاذا الإسم فإنه للتعلق وكل الأسمآء راجعة إليه فالمعرفة به معرفة بها وهو دال بصيغته على عظمة المسمى به ذاتا وصفاتا وأسمآء وهو يرجع ذلك من أفعاله والمعرفة به تفيد الفنآء فيه للعارفين والتعظيم والاجلال والهيبة والأنس للمريدين والتقرب به على وفق ذلك من اسقاط الهوى ومحبة المولى ولا يصح ذلك إلا بالقلب المفرد * فيه توحيد مجرد * وذلك لاستدعي جميع الأحوال والمقامات والكرامات
فلذلك لما سئل الجنيد رضي الله عنه كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى قال بتوبة تزيل الأصرار وخوف يزيل التشويف ورجآء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأمل وبعدعا من الأمل
قيل له بماذا يصل العبد إلى هاذا قال بقلب مفرد أمة توحيد مجرد
وقال حجة الإسلام ينبغي أن يكون حظ العبد من هاذا الإسم التاليه أعني أن يكون مستغرقالقلب والهمة بالله تعالى لا يرى غيره ولا يلتفت إلى سواه ولا يرجوا ولا يخاف إلا اياه وكيف لا يكون كذلك وخوفهم من هاذا الإسم انه الموجود الحقيقي الحق
ثم قال بعض العارفين قال وأما التحقق لحقيقة هاذا الإسم فهو أن تطلع شمسه من مشرق قلبه وتنور فيسرالعبد ساريا في الكلية وسرايته سالما بظواهره وضمائره فيبقى إسم إسمه ورسمه ويلطف قلبه وروحه بل جسم فيتبدل الحدوث بالعدم والظلمات بالأنوار ويفوضه من ليل الحجاب نهارا لإظهار فيبقى ثم يبقى بوجود موجود صغاني ويخفى ثم يبقى بوصف كريم رباني
ويكون الحق سمعه وبصره ويده به يسمع وبه يبصر وبه يبطش بل يكون بكلتيه ما لا يصف الواصفون ولا يحيط بوصفه العارفون
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه تكرير هذا الإسم الشريف أعون على استحضار الجملة من المفرد إذ هو من الأسمآء الجامعة
وقال عند تكريره يجد العارفون من اللذة ما لا يوصف ولا يكيف وهو عنده أشهى من ثربد بعسل وقال لو كرره العارف مداد عمره في جميع أنفاسه في كل مرة غير ما استفاد فيما قبلها إذ لا نهاية لكمالاته فافهم
وقال الشيخ زروق من اتخذ الخطوة بهاذا الإسم الشريف توله بالاستغراق فلا يشعر ذاكر ام صامت أم موجود أم معدوم إلى أن تتقلب عليه بركة الذكر فيسمع كل عضوا منه يقول الله الله بلسانه سمعه ويسقط دمه ليكتب الله الله كما حكى عن بعضهم وقال الشيخ الامام سيد عبد الوهاب الشعراني في المعنى مما من الله به علينا من مواضبتي أول دخولي في محبة طريق القوم وعلى ذكر الله بلفظ الجلالة أربع وعشرين ألف في كل يوم وليلة عدد الأنفاس الواقعة من بني آدم في الليل والنهار ليكون حكمي إن شآء تعالى حكم من لم يغفل عن الله تعالى نفسا واحدا
ثم قال الشيخ محي الدين وينبغي لمن يذكرالله تعالى بالجلالة أن يحقق الهمزة ويسكن الهآء
فإن فتح الهآء وإسقاط الهمزة ووصل الهآء باللام المدغمة كان تلفظهم بها كتلفظه بكلمة هلا فلا تفتح له شيئا
لأنه تعالى ما هو مسمى بذلك الإسم
ثم قال وسورة الذكر بالجلالة أن يقول الله الله حتى ينقطع نفسه أنتهى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكر سيف الله ولا كن لا يعمل إلا بيد ضاربه بقوة مستفادة من حضرة بين السيف قال الشاعر
وعادة النصل ان يزهر بجوهره * وليس يعمل إلا بيد بطل
فإذا استمد من شيخه جائه المدد من الله تعالى لامحالة قال الله و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ثم يرى استمداده من شيخه هو استمداده من نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه نآئبه ولا علم إلا بالتعلم من الشارع أو من ناب منابه في الشريعة أنابت
قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يطلب الخير يوته ومن يطلب يرته وما تفيده العبادة والتقوى إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو منقسم لما يدخل تحت دآئرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دآئرة العباراة وإن كان مما تناله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقآئق مع وضوحه عند مشاهديه متحققه عند متلفيه ولا علم إن طلب الشيء من وجهه وقصده من مضامنه أقرب بتحصيله
وقد ثبت أن ذقآئق علوم الصوفية منح إلاهية ومواهب اختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب فلزم مراعات وجه وجه ذلك وهي ثلاثا أولها العمل بما علم قدر الاستطاعة الثاني الإلجاء إلى الله تعالى في الفتح على قدر الهمة الثالث إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأهل السنة يجري العطا وينتفي الخطا وينتشر الفتح
وقد أشار الجنيد رحمه الله لذاك بقوله ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمرآء والجدال إنما أخذناه على الجوع والسهر وملازمة الأعمال
وفي الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عمل بما علم أورثه الله ما لم يعلم
وقال ابو سليمان الدارني رضي الله عنه إذا اعتقدت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائق الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما
ومن الآدب في العبادات التي لا ينبغي للمريد إهمالها للهروب من إظهار المعاني التي تلوح له وذاك لأن المعاني نور وكلما تراكمت الأنوار في قلب العبد تمكن وقوى استمداده
وكلما ظهر معنى خرج النور أولا فأولا فلا يثبت له قدم في الطريق
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولأجل ذلك ترى بعضهم تلوح له الأنوار فيستحل إخراجها ويبقى جبحا خاويا مظلما نسئل الله العافية والسلامة ومن كلامهم أول ما يجب على السالك طريقتنا هاذه ترك الدعوى الصادقة وإخفآء المعاني الخارقة ومنها أيضا الهروب من شرب الماء عقب الذكر بسرعة ذلك لأنه يورثه حرقة وشوقا إلى المذكور الذي هو المطلوب الأعظم من الذكر والشرب عقب الذكر يطفي ذاك
ومنها حضور مجالس إخونه للذكر لكي يكون من أهل البركة التي تنالهم مدا الدهر وليستدرك المريد ورده الفآئت كما قال تعالى : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } الآية :
قال روح البيان اعلم أن الآية الكريمة أشارت إلى أن ورد النفل يقضى إذا فات لا كن على طريق الاستحباب لا على طريق الوجوب وذلك دوام الورد سبب لدوام الوارد ودوام الوارد سبب الوصلة .
آلا ترى إن النهر إنما يحصل إلى البحر بسبب إمداد الأمطار والثلوج التي في الجبال فلو انقطع المداد فقد المرام .
ولذا أحب العباد والسلوك عن الأوراد بالليل والنهار وجعلوها على أنفسهم بمنزلة الواجبات ولذا لو فات عنهم يعني يدله مما كان مثلا له حتى لا ينقطع دون السيل
فمن عرف الطريق إلى الله عز وجل : لا يرجع أبدا ولو رجع عذب في الدارين بما لم يعذب به أحدا من العالمين
فعليك بالورد صباحا ومساء فإنه من ديدان السلف الصالح وإياك والغفلة عنه فإنه داب من بال على آذنيه الشيطان من الفاسقين نعوذ بالله من ذلك
وقال الشيخ العارف بالله سيدي احمد زروق
اعلم ان الذكر والدعاء وغيرهما لا يبدل قدرا ولا يغير قضاء
وإنما هي عبودية اقترنت بسبب كاقتران الصلاة بوقتها ورتب عليها الإجابة كما رتب ثواب الصلاة عليها
وبالجملة فهو يفيد عن المقصد أو اللطف في القضاء وسهولة الآمر على النفس حتى تبرد حرقة الاحتياج التي هي مقصود الطلب فتوجه مفوضا مستسلما حسن الظن بالله تعالى : فيما تطلب واتبع ذلك بالرضى والتسليم وربك الفتاح العليم
وينبغي للمريد أن يذكرشوق إلى الله تعالى :
فقال المنوي ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة ، وأولى الناس بالله أشدهم شوقا ، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم : طويل الفكر دآئم الأحزان فهل كان ذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله به
وآعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب شوقا
روي عن سيدنا موسى عليه السلام إنه كان يخرج إلى طور سينآء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق قميصه من شدة الشوق
وقال ابن القيم
أطيب ما في الدنيا الشوق إلى لقآء الله تعالى : وأطيب ما في الآخرة هو النظر إلى وجهه الكريم
وقال حجة الإسلام
لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت انها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت منه المعرفة ورياضها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسات وهذه الشهوات خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلقت شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب عن عكوفهم عليه وحلوهم عن لذة الرياسة والعارف يعجب منك وعن عكوفك عن لذة العلم للرياسة فإن الدنيا بحافرها لهو ولعب فلما خلق للكمال معرفة الشوق كان آلتدادهم بالمعرفة بقدر شهواتهم ويتفاوتون في ذلك ولهاذا سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم : منه المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلا لذة الشهوات فشتان ما بينهما
ولذلك كان العارف بن آدهم يقول لةلا علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلون عليه بالسيوف
وقال إبراهيم بن ادهم أيضا لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يجوز عقبات
أولها بغلق باب النعمة ويفتح باب الشدة ، والثاني يغلق باب العز ويفتح باب الذل ، والثالث يغلق باب الراحة ويفتح باب الجهد ، والرابع يغلق باب النوم ويفتح باب الصهر ، والخامس يغلق باب الغنى ويفتح باب الفقر
والسادس يغلق باب الآمل ويفتح باب الاستعداد للموت
وقال الغزالي رحمه الله
والأصل في ذلك أن الله تعالى : خلق العبد لعبادته وهو عبد الله تعالى من كل وجه فحق العبد أن يعبد الله تعالى من كل وجه يمكنه ويجعل أفعاله كلها عبادة من أي وجه يمكنه وان لم ذلك وآثر شهوة نفسه واشتغل بذلك عن عبادة ربه مع تمكنه من ذلك يفعل من غير تعذر والد ا دار حرمة وعبادة لا دار تنعم وشهوة استحق اللوم بذلك والتعبير من سيده ثم قال واعلم ان من عرف مايطلب مقامه عليه مايبدل ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل سرة ولم يبال بما يلقى من مئونة آلا ترى مشتري العسل لا يفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل
والأجر لايفاء بإرتقآء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار والعائف المديد لما يتذكر من أخذ الدراهم بالعيش وان الفلاح لا يفكر في مقاسات الحر والبرد ومباشرة الشقا والكد طول السنة لما يتذكر من الغلة وكذلك يا أخي العباد الذين هم أهل الاجتهاد إن ذكروا الجنة في طيب مقيلها وما أعد الله فيها لأهلها وأنواع نعيمها من قصورها وحورها وطعامها ة وشرابها وحليها وحللها وسآئر ما أعد الله تعالى : لأهلها هان عليهم ما احتملوه من ثعب في عبادة أو فوات لذة ونعمة أو نالهم في الدنيا من مذلة أو نقمة أو نالهم من ضر ومشقة ولقد حكى أن سفيان التوري رضي الله عنه كلموه فيما كان من خوفه واجتهاده ورثة حاله فقالوا يا استاذ لو نقصت من هذا الجهد قلت مرادك أيضا إن شاء الله تعالى : فقال رضي الله عنه كيف لا آجتهد وقد بلغني أن أهل الجنة يكونون في منازلهم فيتجى لهم نور تضيء له الجنات الثمانية فيظنون أن ذلك النور من جهة الرب سبحانه فيخرون ساجدين فنودوا ان ارفعوا رءوسكم أليس الذي تظنون إنما هو نور جارية تبسمت في وجه زوجها .
ثم انشا يقول :
ماضر من كانت الفردوس مسكنه * ماذا تحمل من بؤس واقتار
تراه يمشي كبيبا خائفا واجلا * إلى المسجم يخطوا بين اظمار
يانفس مالك من صبر على النار * قدت أن تقبلي بين إدبار
ثم اعلم أنه يتأكد مزيد الاجتهاد وهجر البطالة والرقاد بحسب الامكان على من وصل سن الأربعين أو جاوزها لأنه قد أنعم عليه ببلوغ الأشد وقريب منه أو أن الرحيل لا سيما من إن كان ممن ضيع شبابه في البطالة
كان مالك بن آنس رضي الله عنه ادركتهم يتعلمون ويعلمون ويخالطون الناس فإذا وصل أحدهم أربعين سنة طرف فراشه وترك الناس وانفرد للعبادة وقد أنشد إنسان
إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار * فقد ضاق الزمان عن الصغار
ففهموا فيها أهل الطريق أنه إذا خلفت أربعين سنة ورآء ظهرك فواصل العمل الصالح بالليل والنهارلأن وقت الأجل قد قرب انقضاؤه وتندم على ما ضيعت حال شبابك فاعمل على قدر ذلك ورقع الباقي بالذكر إن لم تساعدك القوى فإنه لا شيء أسهل منه في القيام والقعود والمرض والاضطجاع وهو أسهل للعبادة
ولقد قال فبه صلى الله عليه وسلم وليكن لسانك رطبا من ذكر الله
فاعمل يا أخي واجتهد فالغفلة في العمل خير من الغفلة عنه
وقال بعض العارفين ما اكثر توددك للخلق وما اقل توددك للخلق لو فتح لك باب التودد مع الله لرأيت العجآئب ركعتان في جوف الليل تودد عيادتك للمريض تودد صلاتك على الجنازة تودد صدقتك على المساكين تودد اعانتك لأخيك المسلم تودد ولاعبادة أنفع لك من الذكر لأنه يمكن للشيخ الكبيرالمريض الذي لا يستطيع القيام والركوع والسجود مع أن للذاكر شرفا بذكر مولاه
كما قال وهو أصدق القائلين اذكروني اذكركم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن شرف الذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنك لو فعلت في عمرك كله طاعة
ثم صلى الله عليك صلاة واحدة رحجت تلك الصلاة الواحدة كل ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعات لأنك تصلي على قدر وسعك وهو يصلي عليك على حسب ربوبيتك
هذا إذا كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة كما جاء في الحديث الصحيح
فتنبه ياهذا من غفلتك وآدم ذكر الله في خلوتك فإنك تدرك ما يسرك في دنياك وآخرتك
وما من صيد يصاد ولا شجرة تعضد إلا لغفلتها عن ذكر الله تعالى
فكذلك الشيطان لا يتسلط إلاعلى قلب ميت أوغفلان فاحتفظ ياهذا على بقية عمرك وهو شيء يسير وقد ضيعت ما مضى وهو كثير والله ما عمرك من أي يوم ولدت بل عمرك من أول يوم عرفت الله تعالى لأنك حي بحياة شجرة إيمانك في قلبك وحياتها بطاعتك ومعرفتك فهنيئا لك إذا سقيت واثمرت حتى خرخت أغصانها وثمارها من كل جزء من أجزاء البدن فإن سقيت على الدوام بمياه الطاعات آينعت وآزهرت
وإن فرطت في الطاعات وآعرضت عن الله تعالى يبست أوقلت ثمارها فلم تنفذ إلى الجوارح وإذا كانت الجوارح عرية عن ثمرات الإيمان صارت مأوى لللأفاعي والمعاصي وحياتها وعقاريبها ولا شك أن الإيمان الحقيقي يغرس على القطع في سويدآء القلب وباطنه عظيم الحب للرب الكريم الرءوف الرحيم ومحبته جل وعلا توجب استحلاء كثرة ذكره وإدامة الجولان في عظيم سره وقهره وعزيز حكمه لا سيما شريف وعده ووعيده ونهيه وآمره لأن كل من أحب شيئا أكثر من ذكره بل لا راحة للمحب ولا لذة إلا بحضور محبوبه عنده اما بالذات وهو على غاية المنى اما بالذكر وعمارة الباطن بمجالسة التي تسبي الظاهر والباطن على كل ما سواء لا سيما من لا مثال له ولا جمال إلا جماله ولا كمال إلا كماله ولا رحمة إلا رحمته ولا نعم إلا نعمته ذلك ممن يتسلى به المحب ويتغدى به الروح
وأيضا فكل فقير إلى شيء يلزم أن يكون ذكره بذلك الشيء دآئما كما أن افتقاره إليه دآئما وقد علم كل مومن حقيقي وجوب افتقاره كل ما سواه من العوالم جملة وتفصيلا إلى المولى العظيم الرب الكريم دنيا وأخرى ابتداء ودواما وانتهآء
فإذا عرفت هذا فقد بانت لك اسباب المحبة عقلا ونفلا لمولانا جل وعلا وعرفت وجوب افتقارالكآئنات كلها إليه على الدوام وذلك مما يقتضي دوام ذكر الله تعالى وحلاوة القلب ولزم قطعا حظور وساطته صلى الله عليه وسلم لأنه لا وصول لمرضى الله ولا نعمة تنال إلا به وعلى يديه صلى الله عليه وسلم وذلك إن عظيم الحب لمولانا تبارك وتعالى ولا اخفآء إن أحب الخلق إلى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتعين كل مؤمن حينئذ أن يكون هذا النبيء أحب الخلق إليه
ولهاذا قال صلى الله عليه وسلم لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين
وقد عرفت فيها سبق ان مطلق المحبة يستلزم دوام الذكرللمحبوب والسعي فيما يرضيه فإذا ذكره صلى الله عليه وسلم متعين كل مؤمن حقيقي الإيمان وأيضا إن عظيم الحب للمولى تبارك وتعالى يبعث على الشغل بما يوصل إليه ويستلزم التعلق بالوسآئل والوسآئط ولاخفآء إن أعظم الوسائط دنيا وأخرى إلى الله تبارك تعالى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الشفيع المشفع في اليوم العظيم الطآئل والموقف الشديد الهآئل في جميع الأولين والآخرين حتى الملآئكة على عظيم كثرت وسآئرالمقربين وجميع النبيئين والمرسلين كما جآء في شفاعته صلى الله عليه وسلم حيث قال آخر ساجدا لربي واحمده بمحامد فينادي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع وسل تعطى
وإنما ناداه الرب الكريم جل جلاله في هذا الحالة باسمه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يناده باسمه الرسول والنبيء
تنبيها على اختصاصه بتلك المرتبة السنية التي اعطيت بعد الندآء وقطع الشركة إذ لو رتبت تلك المراتب المعطات على وصف النبوءة والرسالة
لاقتضى ذلك الترتيب بطريق الاحيآء
فتببه لقدر هذا النبي الكريم وأكثر عليه بالصلاة والتسليم { اللهم آحسن عاقبتنا في الأمور كلها وآجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة } الآية
هاذا دعاء حسن قد جمع خيرالدنيا وسعادة الآخرة رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما ولفظهما سوآء ورواه احمد والطبراني
وقال من كان دعاؤه مات قبل أن يصيبه البلاء ورجال احمد اساند ثقات والخزي الهوان وهذا من جنس استغفار الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام لما علموا أنهم مغفور لهم
والدنيا فيها قولان حكاهما الإمام الأشعري رحمه الله أحدهما إنه إسم لمدة بقاء بهاذا العالم ثانيها إنه اسم لما بين السمآء والأرض فما فوق السمآء وما تحت الأرض ليسا من الدنيا وعلى الأول الدنيا زمان وعلى الثاني مكان ولفظهما مشتق من الدنو فإن قارنه لفظ الحياة فزمان وإن لم يقارن احتمل الزمان والمكان قال ابن عربي والدار الآخرة الجنة والنار اللتان أعدهما الله لعباده السعدآء والأشقيآء سميت آخرة لتآخر خلقتها عن الدنيا بتسعة آلاف سنة مما تعدون
{ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } الآية
أتى الشيخ رضي الله عنه وآرضاه ونفعنا ببركاته آمين
بهذا الدعآء لأنه شامل بجميع مطالب الدنيا والآخرة ولا دعآء أفضل منه ولهاذا كان أكثر دعآئه صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري ومسلم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال كان أكثر دعاء النبيء صلى الله عليه وسلم أكثر قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
ثم قال وكان آنس إذا أراد أن يدعوا بدعوة دعا بها
وحسنة الثانية معطوفة على الأولى والضرف الثاني معطوف على الأول وهو من عطف معمولين لعامل واحد لأن حسنة مفعول ثان والمجرور حال من الضميرالمنصوب والعامل في الحال هو العامل في صاحبها واختلف في المراد بالحسنة فقيل بنيل الرزق الطيب والعلم النافع في الدنيا والجنة في الآخرة والعافية في الدنيا والآخرة وفي الدنيا العلم والعمل به وفي الآخرة يسيرالحساب ودخول الجنة وقيل غير ذلك
وقال الحافظ ابن حجر ونقل الثعالبي عن الصوفية أقوالا متغايرة اللفظ متفقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا والآخرة
واقتصر في الكشاف عن ما نقل الثعالبي عن سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه إنها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحورآء وعذاب النار المرأة السوء
وقال الشيخ عماد الدين بن كثيرالحسنة في الدنيا يشتمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار وجنة وزوجة حسنة وولد بارا ورزق واسع وعلم نافع
وعمل السوء ضلما ومركب هنا إلى غير ذلك مما شملته عبارتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا
وأما الحسنة في الآخرة فآعلاها دخول الجنة وتوابعه من الأمن في الفزع في العرصات ويسير الحساب
وغير ذلك من أمورالآخرة واما الوقاية من عذاب النارفهو يقتضي تيسيراسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشهوات
قال ابن حجر والعفو محض ومراده بقوله وتوابعه ما يلتحق به في الذكرلا ما يتبعه حقيقة
قال بعض العلماء والا ظهرأن هذه الأقوال المحكية عن السلف انما خرجت مخرج المثال لأنها متعينة بخصوصها في مدلول اللفظ نعم قد يكون بسبب ما يختاره الداعي فينويه ويقصده بلفظه وإلا فلفظ حسنة صادق بكل وحد مما قبل لا كن لا على العموم وإنما هي من باب المطلق موصوف لحسنة يستدعي وجود أشيآء كثيرة متعددة من أنواع الخير كان يقدر حاله حسنة وهي تقتضيء مجموع أمور حسنة وذلك يصدق حتى يفيده الاستغراق من حصول كل حسنة وإن اختلفت جهة الدلالة وفي تفسير آتنا في الدنيا حالة طيبة وعيشة حسنة توصل بها إلى الآخرة على ما يرضيك قال بعض العارفين وهوالكفاف من المطعم والمشرب والملبس والمأوى والزوجة على ما كانت لاسرف فيها وقال الحسنة في الدنيا فهم كتاب الله وفي الآخرة الجنة وقيل المراد بالحسنة في الدنيا العلم النافع وهوالإيمان والطاعة والحسنة في الآخرة اللذة الدائمة والتعظيم والتنعيم بذكرالله وبالأنس به وبمحبته وبرءيته وقيل الحسنة في الدنيا عبارة عن الصحة والأمن والكفاية والولد الصالح
والزوجة الصالحة والنصرة على الأعدآء وأما الحسنة في الآخرة فهي الفوز بالثواب والخلاص من العفاف
وقال الفخرالرازي
اعلم ان مراتب السعادة ثلاثة زمانية ومكانية وخارجة
أما الزمانية اثنان تكميل القوة والنظرية بالعلم وتكميل القوة العلمية بالإخلاص الفاضلة وأما البدنية فاثنان الصحة والجمال
وأما الخارجية فاثنان المال والجاه فقوله تعالى { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية
يتناول كل هاذه الأقسام فإن العلم إذا كان يراه للتزيين به في الدنيا والترفع به على الأ قران كان من الدنيا
والأخلاق الفاضلة إذا كانت تراد للرياسة في الدنيا وضبط مصالحها كانت من الدنيا وإلا فالكل من الآخرة وكل من لا يومن بالله بالبعث والميعاد فإنه لا يطلب فضيلة لا روحانية ولا جسمانية إلا لأجل الدنيا
ثم قال تعالى في حق هذا الفريق { وما له في الآخرة من خلاق } الآية أي له نصيب في نعيم الآخرة
ولو فسرت الحسنة في الدنيا بخيرالدنيا والحسنة في الآخرة بخيرالآخرة ما بعد قال الشاطيبي في تفسير الروح من قوله تعالى { ويسألونك عن الروح } الآية
نقل الشيخ زروق عن شيخه أبي عبد الله الغزواني أنه اختلف في حقيقته في نحو سبعمائة قول كما اختلف في قوله تعالى { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية وفي نحو خمسائة قول { ربنا هب لنا من آزواجنا وذريتنا قرة آعين وآجعلنا للمتقين إماما } الآية
هذا كان دعآء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاروق الإسلام وأميرالمومنين وهو سراج أهل الجنة
فاختاره سيدنا الشيخ رضي الله عنه وآرضاه
ولا شك أن الله قد أجاب دعاءه ولا يقال هذا الدعآء فيه الرفعة والمزية والجاه وهوآخر ما يخرج من الصديقين كما قاله الشيخ أبو مدين الغوث قدس سره
لأن أقول ان الصديقين رضي الله عنهم لما استكملوا مرتبة الاسم الباطن أحبوا أن يظهروا عنهم بمرتبة الاسم الظاهر ليكون لهم حصة من كمالات الأسمآء كلها وهذا المعنى لا يعد جاها ولا يقتدي تقليد بل صاحبه في زيادة مدد مع الأمن حيث كان التابع في جملة في ميزان المتبوع فافهم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا تفهم كبد الأبرار وتشوق اخوة سيدنا يوسف عليه السلام لتحمل آعبآء الرسالة وانوار النبوءة فافهم
تلوح لك الحكمة في استمداد الاسم الظاهر الذي تزاحمت عليه الأبرار وتحسرت دونه الأفكار وهذا الذوق لا يدرونه إلا أهله
وقوله { هب } وهو مر من وهب يهب وهبا وهبة والهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغيرعوض ويوصف الله بالواهب والوهاب بمعنى أنه يعطي كلا على قدر استحقاقه .
قوله من أزواجنا وهو جمع زوج يقال كل ما يقترن بئآخر مماثلا له أي مضاد الزوج واما زوجة لغة رديئة كما في المفردات
وقوله ذريتنا جمع ذرية اصلها صغار الأولاد ثم صارعرفا في الكبار أيضا قال في القاموس ذر الشيء كثرة ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين
وقوله قرة أعين أي توفيقهم للطاعة وحيازة الفضآئل فإن المومن إذا ساعده أهله بطاعة الله بطاعة الله يسر بهم قلبه وتقر بهم عينه لما يرى من مساعدتهم في الطاعة له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة حسبما وعد بقوله الحقنا بهم ذريتهم فالمراد بالقرور المسئول تفضيلهم بالفضائل الدينية لا بالمال والجاه ونحوهما
وقرة منصوب على أنه مفعول لهب وهي اما من القرار فمعناه ان يصادق قلبه من يرضاه فتقرعينه عن النظر إلى غيره ولا تطمح إلى ما فوقه واما من القرب بالضم وهوالبرد والعرب تنادي من الحر وتستريح إلى البرد فقرورالعين على هذا يكون كناية عن الفرح والسرور فإن دمع العين عن السرور بارد وعند الحزن حار واما ابتدائه على معنى هب لنا من جهتهم ما تقر به عيوننا من طاعة وصلاح أو بيانه على أنها حال كأنه قيل هب لنا قرة اعين وهو من قولهم رأيت منك أسد أي أنت أسد وقال بعظهم
نعم الا له لا تحصيها العباد * اجلهن نجابة الأولاد
وقوله واجعلنا للمتقين إماما وقوله وذريتنا
آتى بهذا الدعآء سيدنا الشيخ رضي الله عنه وآرضاه
ليتناول جميع الإخوان والموارد لأنهم ذرية له بل ذرية القلب أعز من ذرية الجسد ومن هنا قدم سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه في الخلافة على سيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين
وقد قالوا من لم يولد ولادتين لا يفلح يعنون ولادة الجسد و ولادة القلب تقبل الله دعآئه وحقق رجآئه آمين
واجعلنا للمتقين إماما
الإمام الموتمم به إنسانا كان يقتدي بقوله وفعله أو كتابا أوغيرذلك محقا كان أو مبطلا كما في المفردات أي اجعلنا إماما يقتدي بنا أهل التقوى في إقامة مواسم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعمل في الإرشاد والظاهر مروية عنهم بطريق قال القفالي وجماعة من المفسرين هاذه الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين واجب
وعن عروة رضي الله عنه كان يدعوا بأن يجعله الله ممن يحمل عنه العلم فاستجاب الله دعاؤه وأما الرياسة فالسنة أن لا يتقلد الرجل شيئا من القضآء والإمارة والفتوى والمعرفة بانقياد قلب وآرتضآئه إلا أن يكون عليه بالوعيد الشديد وقد كان لم يقبلها الأوئل فكيف بالآواخر
وتبعت شرحه على طريق التصوف فما أنا من فرسان ذلك الميدان ولا ممن يشم لغبار أو يحمل السنن
ولا كن للسؤال حق بين يدي الجبار ولقوله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
ختم سينا الشيخ رضي الله وأرضاه
هاذه الوضيفة بقوله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
عملا بالسنة قال المحقق ابن حجر اخرج ابن أبي حاتم في تفسير من مرسل الشعبي بسند رجال صحيح إليه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمنى أن يكتال بالمكيال الأوفى من الآجر يوم القيامة فيقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين رواه الترمذي والحاكم في المستدرك
ولا يقال أن هذا الذكرلمن كان مجلسه هدرا وكلاما بل ولو كان مجلس ذكر وعبادة كما آخرجه الطبراني أن من قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين دبر كل صلاة فقد اكتال بالجريف الأوفى وقال المناوي روينا في كتب ابن السني عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته لأدري قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين
وقال ابن عباس رضي الله عنهما لو يعلم المذنبون ما في قول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثروا من ذكرها فإن الليل والنهار أربعة وعشرون ساعة ولا إله إلا الله محمد رسول الله أربعة وعشرون حرفا كل حرف منها يكفر ذنوب ساعة ولا يقال إن الوضيفة خالية من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله لأن قوله (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) الآية فيها معنى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيادة نافعة وحكمة بالغة من ذكر الرسول والمرسل به ومدحهما فتحي بها وعن الصنهاجي رحمه الله قال ذخلت على عبادة بن الصامت رحمه الله وهو في المنزع فبكيت فقال مهلا لما تبكي فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك ولئن استشفعت لأشفعن لك ولئن استطعت لأنفعك ثم قال والله من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خيرالاحدتتكم به حيدثا واحد وسوف احدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الله عليه النار وعن أبي الأسود الدولي أن أبا ذر رضي الله عنه حدثه إنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم وعليه ثوب أبيض ثم اتيته ثانيا فإذا هونائم ثم اتيته ثالثا وقد استيقض فجلست إليه فقال ما من عبد قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال في الرابعة على رغم أنف أبا ذرفخرج ابو ذر وهو يقول على رغم أنف أبي ذر وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من دخل السوق وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي دآئم لا يموت بيده الخيروإليه المصير وهو على كل شيء قدير ورفع بها صوته كتب الله له بها ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له بها ألف ألف درجة رواه الترميذي رحمه الله فلما ثيمة بن سلم بهاذا الحديث كان يركب كل يوم في مركبه وهو يومئيذ أمير ويأتي السوق فيقول هذا الحديث ثم يرفع وفي الحديث شاهد لمن يقول بالجهر ورحم الله القائل
تهتك ولا تخشى في الحب عارا * واياك اياك تبدي أستارا
ونزه حبيبك عن كل مشبه * وعلى بذكره رفعا ودرا
ويح بإسمه ثم صرح وقل * حبيب ياقوم يهدي الجبار
وجهرا فوحده بين الملإ * ليعطيك منه أجور غزارا
وقال بعض العلماء ما من عبد يسمع المؤذن فيقول مثل ما يقول فإذا قال لا إله إلا الله ومسح بها وجهه بيده تبركا ومر بهما على لحيته إلا كتب الله بكل شعرة أصابتها بيده حسنة وحط بها عنه سيئة وفضل لا إله إلا الله لا يحصى وعظيم لا يستقصا
وقد أخرج ابن ماجة عن أم هاني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله لا يسبقها عمل ولا تترك ذنبا وعن سيدنا على كرم الله وجهه قال سمعت سيد الخلائق صلى الله عليه وسلم يقول سيد الملآئكة جبريل عليه السلام يقول ما نزلت بكلمة اعظم من كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله على وجه الأرض وبها قامت السماوات والأرض والجبال والشجر والبحر الا وهي كلمة الإخلاص الا وهي كلمة الإسلام الا وهي كلمة القرب الا وهي كلمة العليا الا وهي كلمة النجاة في الدنيا والعقبى والكل يطلب النجاة وللذاكر احوال تعرض له يستحب أو يحب قطع الذاكر ثم يعوذ إليه بعدر زوالها منها إذا سلم عليه رد السلام ثم عاد إلى الذكر وإن عطس عنده شمته ثم عاد إلى الذكر وكذا إذا سمع الخطيب وإذا سمع المؤذن فإنه يحكي ثم يعود إلى الذكر وكذا إذا رأى منكرا غيره ومعروفا أمر به أو سائلا فأجابه أو جاهلا بعلمه ثم عاد إلى الذكر وكذا إذا غلبه النعاس
ومن عوارض الذكر الإسراع فيه وذلك يختلف فأما القرآن فالمطلوب منه الترتيل والتدبر وأما التهليل مثلا فهو بحسب الحضور قال بعض العارفين مما يعين على الحضور أن يقول لا إله إلا الله بقلب حاضر ثم يتمادى مسرعا بلا فترة ليلا يدخل عليه الوسواس
قال الشيخ زروق وهو كلام صحيح ومنها ينبغ لمن كان له ورد في الليل وفاته أن يأتي به في وقت آخر ولا يضيعه
قال الله تعالى ( وهو الذي جعل الليل خلقة لمن اراد أن يذكر أو أراد شكورا )الآية فمن فاته عمل بالليل فليتداركه بالنهار وكذلك العكس قال صاحب القوت ومن فاته ورد من الأوراد فاستحب له فعل مثله في وقته أو قبله متى ذكره لا على وجه القضآء لأنه لا يقضى علا الفرد ولاكن على سبيل التدارك ورياضة النفس بذلك فيأخذها بالعزائم كي لا تتماد التراخي والرخص ولأجل الخيرالمأثور أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومها وإن قل كيف وفي حديث أم المومنين عآئشة رضي الله عنها كالوعيد على ترك العادة من العبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما عبد الله عز وجل عبادة ثم تركها ملالة إلا مقته الله عز وجل وقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه النوم أوعاقه مرض فلم يقم في تلك الليلة صلى من النهار عشرة ركعة فإذان الاستدراك الورد سيبين احدهما رياضة النفس فإنها استومحت في الترك ألفت فاقعدت إلى الكسل والبطالة وفات المقصود من تعويدها الخير الثاني تدارك الحلل فإن الورد إذا فاته كان ثلمة في صاحبه وكان مغبونا في يومه بل خاسرا فيجبر بالزيادة في العمل بعده يومه خير من أمسه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهذا لمن كان ورده تبركا دون معاهدة شيخه وإلا فإن ورده صار فردا بالمعاهدة من شيخه فحينئذ يقضى فردا فهلا كان ندبا ليكون المريد في فسحة فقال إن المندوب ليس ثواب كثواب الفرض والمشايخ رضي الله عنهم أشد حرصا على المريد بتكثير الأجور والثواب فافهم وقال رضي الله عنه ونفعنا ببركاته آمين
من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان في زيادة فهو محفوظ ومقبول ومن كان في نقصان فهو في خسران ومن كان في خسران فالموت أولى له
وللذكر فوآئد حجة دينيه ودنيوية قال الإمام ابن جرى رحمه الله للناس في المقصد
فالذكر مقامان فمقصد العامة اكتساب الأجور ومقصد الخاصة القرب والحضور وبين المقامين فرق بعيد فشتان بين من يأخد أجره من ورآء حجاب وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب منها مجالسة الله تعالى إذا ذكره
وهذا أشرف المفاخر وأسنى الدخائر والمراد للمجالسة القرب والعناية والمدد والفيض وهبوب الرحمة وادراك السعادة ونحوها من المواهب والمفاخر التي تدرك مجالسة الملوك وكيف بمجالسة مالك الملوك جل وعلا
ومهمى ورد في جانبه تعالى مااستحال ظاهره
فالمراد لازمه قال سمعت هذا التقرير من سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هذا الحديث القدسي فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي أي بالرحمة والمغفرة
وقال تعالى ( فاذكروني اذكركم ) الآية
وقد عبر العلمآء رضي الله عنهم من هذا المعنى بعبارات كثيرة حتى حكى الأشياخ في ذلك عشرين قولا فقيل اذكروني بالإخلاص اذكركم بالاختصاص وقيل اذكروني بالحضور اذكركم بتسير الأمور وقيل اذكروني بالنية اذكركم بجزيل العطية وقيل اذكروني بالصفا اذكروني بالصفا اذكركم بغفران الجفا وقيل اذكروني بالقلوب اذكركم بغفران الذنوب وقيل اذكروني بالضمآئر اذكركم برفع الضرائر وقيل اذكروني بالأصوات اذكركم بتيسيرالأوقات وقيل اذكروني في الخلوات اذكركم بالرحمة والصلوات وقيل اذكروني بالنسيان اذكركم بمغفرة العصيان وقيل اذكروني بالمسآء والصباح اذكركم باللطف والصلاح وقيل اذكروني في السجود اذكركم بالنعمة والجود وقيل اذكروني بالمعدرة اذكركم بجزيل الفظيلة بالمغفرة وقيل اذكروني بأداء الفريضة اذكركم بالرحمة العريضة وقيل اذكروني بالاستغفار اذكركم بالتمتع والأبكار وقيل اذكروني بالأسحار اذكركم بغرس الأشجار وقيل اذكروني في الأيام القلائل اذكركم بلبس الحلل والحلائل وقيل اذكروني على البلا اذكركم بالدرجات العلا وقيل اذكروني بالشوق والحب اذكركم بالدنو والقرب وقيل اذكروني بالألباب اذكركم برفع الحجاب وقيل اذكروني على التوالي اذكركم بفيض نوالي
قال الشيخ زروق رضي اللع عنه وهاذه عبارات نشأت عن أذواق مختلفة ومشارب متفاوتة وكلام الله أشمل وأوسع
ومنها كون الله مع عبده حين يذكره ففي الحيث القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
والمراد محبة الله تعالى لعبده بعلمه وحفظه ومنها زوال الغفلة عن قلب الذاكر ويفتح باب المعرفة ويورث الإنابة والزهد والتوكل والايثار والفتوة والمراقبة والمحبة والقرب ويورث باب الإحسان وغشيان الرحمة ونزول الملائكة والسكينة وصفوف الملآئكة ومنها يطرد الشيطان ويخنسه
قال بعض العارفين الذكر سيف المريدين الذين يقتلون به عدوهم ومنها تنويرالقلب ويجلب الرزق ويسره ومنها اعظم كرامات الذاكر ما جآء في الحديث القدسي من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السلئلين
وفي الحديث إن العبد المطيع لله تعالى إلى الذاكر إذا سأل الله قالت الملائكة يا ربنا صوت معروف من عبد معروف
والغافل المعرض عن الله تعالى إذا دعاه وسأله قالت الملآئكة صوت منكر من عبد منكر
وفي الحديث ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله
وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة منهم رجل ذكر الله ففاضت عيناه ومنها الذاكرون يغفر الله ذنوبهم ولا يشقى بهم جليسهم ومنها وضع البركة علن بالطعام ونحوه وجلب ما يحتاج إليه من دراهم ونحوها ومنها حفظه عن تناول الحرام ويكون ذلك بتعريف الله اياه اما يكشف من الله تعالى واما بعلامة يجد على الحرام في ظاهره وباطنه فمنهم من يتحرك له عرق اذا مديده إلى الشبهة كما حكي عن الحارث المحاسبي رضي الله عنه
ومنهم من يرى الطعام كأنه دم وكان روث أو خنزيرأو تنقبض عنه يده أو سمعه خطايا من نفسه ونحو ذلك مما يقع لأوليآء الله تعالى
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
كانوا يطلبون الحلال ويخافون الحرام فأعطاهم علامة يعرفونه بها بخلاف أهل وقتنا لا يبال من أين أكل أحدهم وما أكل نسئله تعالى التوفيق لما فيه رضاه
ثم اعلم إن ثمرت بجميع الأسمآء والصفات مجموعة في الذكر الفرض وهو قولنا لا إله إلا الله
فذلك هوالغاية وإليه المنتهى وقد جمعت هاذه الكلمة المشرفة معاني الأذكار ومدلولها الصريح للتوحيد
وقال بعض الأئمة توحيد الخلق على ثلاثة درجات الأولى توحيد عامة المسلمين وهو الذي يعصم النفس والمال في الدنيا وينجي من الخلود في النار في الآخرة وهي نفى الشركآء والأنداد والأولاد من الأشباه والأضداد
والدرجة الثانية توحيد الخاصة وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله تعالى وحده ويشاهد ذلك الاستدلال بطريق المكاشفة لا بطريق الاستدلال فإن معرفة ذلك بطريق الاستدلال حاصلة لكل مؤمن
وإنما مقام الخاصة في التوحيد يقين في القلب بعلم ضروري ولا يحتاج إلى دليل وثمره هذا العلم الانقطاع إلى الله تعالى والتوكل عليه وحده واصراح جميع الخلق فلا يرجوا إلا الله ولا يخاف ان الله وحده فيغيب عن النظر إلى المخلوقات حتى كأنها معدومة وهاذا الذي تسميه الصوفية الفنىء بمعنى الغيبة عن الخلق حتى أنه يفنى عن نفسه وعن توحيده باستغراقه في مشاهدة الله تعالى
ثم اعلم أن لهاذه الكلمة المشرفة أسمآء كثيرة وذلك آية فضلها وسموا محلها فإنه قد اشتهر في الأوضاع العرفية كون الشيء تكثرأسمآءه لكونه مستعطما أو مستحسنا كما يأخد في أسمآء الأسد وأسماء السيف وأسمآء الخير وسبب ذلك في الغالب أن الشيء إذا عظم واستحسن وما ذلك الكثرة أوصافه العظيمة والحسنة فيوصف بأوصاف كثيرة ويشهر بها فتصير أسمآء له
ثم أعلم أن الكلمة المشرفة هي بحسب اعتبار أهل اللغة يقال لها كلمة النفي والإثبات لوقوع ذلك بينهما
ويقال لها في عرف الفقهآء والأصوليين كلمة الشهادة إذا وقعت فيها الشهادة لله تعالى بالوحدانية في الألوهية لأنها الكلمة التي تقع بها من الإنسان الشهادة بذلك أولا الإسلام وهما اعتباران متقاربان
وقد يقال لها كلمة التوحيد
واما المفسرون والصوفية فقد اعتبروا لها أسمآء كثيرة واستنبطوها من النصوص
الأول كلمة التوحيد كما مر من قوله تعالى { وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو } الاية
والثاني وهو يجمع ثلاثة أسمآء كلمة الإسلام وكلمة الإيمان وكلمة الإحسان من قوله تعالى
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين
قوله تعالى إذا ما تقوا وآمنوا أي قالوا لا إله إلا الله في مقام الإيمان ثم اتقوا واحسنوا أي قالوا لا إله إلا الله في مقام الإحسان
وقوله تعالى { إن احسنتم احسنتم لأنفسكم } وقوله تعالى { للذين احسنوا الحسنى } وقيل الإحسان قول لا إله إلا الله
الخامسة كلمة السوآء من قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم } قيل هي لا إله إلا الله
السادس كلمة العهد من قوله تعالى { إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا } قيل هي لا إله إلا الله
السابعة كلمة العدل من قوله تعالى { إن الله يامر بالعدل والاحسان } الآية
عن ابن عباس رضي الله عنهما إن العدل هو قول لا إله إلا الله
الثامن من كلمة الحق من قوله تعالى { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق } أي
قول لا إله إلا الله
التاسع كلمة الإخلاص من قوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } أي لوحدوه بلا إله إلا الله
العاشر كلمة الصدق من قوله تعالى { والذي جآء بالصدق وصدق به } قيل هو قول لا إله إلا الله
الحادي عشر كلمة الاستقامة من قوله عز وجل { إن الذين قالوا ربنا الله ثم } قيل لا إله إلا الله
الثاني عشر كلمة التقوى من قوله تعالى { والزمهم كلمة التقوى } قيل هي لا إله إلا الله لأنها تقي صاحبها من الكفر ومن النار
الثالث عشر الكلمة الطيبة لقوله تعالى { ومثل كلمة طيبة } قيل هي لا إله إلا الله لأنها من القلب وأصلها ثابت فيه وهو المعرفة
الرابع عشر الكلم الطيب قيل هو لا إله إلا الله
الخامس عشر الكلمة الباقية من قوله تعالى { وجعلها كلمة باقية } قيل هي لا إله إلا الله لأنها إشارة إلى برآءة مما يعبدون من دون الله الذي فطرني فإنه سيهدين وذلك مضمون لا إله إلا الله
السادس عشر الكلمة العليا من قوله تعالى { وكلمة الله هي العليا } قيل هي لا إله إلا الله
السابع عشر القول الثابت من قوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قيل لا إله إلا الله
الثامن عشر القول الصواب من قوله تعالى { إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا } بأن كان قال لا إله إلا الله
لقوله تعالى { فقد استمسك بالعروة الوثقى } قيل هي لا لإله إلا الله المثل الأعلى من قوله تعالى { لله المثل الأعلى } قيل هو لا إله إلا الله لقوله تعالى دعوة الحق قيل هي لاإله إلا الله ولقوله تعالى مقاليد السماوات والأرض روي عن ابن عباس رضي الله عنهما إنها لا إله إلا الله والمقاليد و المفاتح فهي مفتاح الجنة ومفتاح خزآئن الغيب وخزائن السماوات والأرض واشرق مفاتيح الأجسام والأرواح والقلوب والأسراروالعقول والله يهدي من يشآء إلى صرط مستقيم
وهذه الكلمة المشرفة أولها كفر وآخرها إيمان فهي منزلان فعالم العدل وقفوا في المنزل الأول وهو الجحد والكفر
وعالم الفضل عبروا في المنزل الثاني وهو الإيمان وأول من وقف في المنزل الأول وبقي فيه وهو إبليس لعنه الله
وأول من عبر إلى المنزل الثاني صفوة الله آدم عليه السلام وعلى نبينا أفضل الصلاة
فإبليس هو أول عالم العدل ورأس جزيرة الكفر وآدم وهو أول عالم الفضل ورأس جزيرة الإيمان
وهذا الكلام في الثقلين المعترضين للخير والشر في الجملة
فانظر يا إبن هل عبرت إلى المنزل الثاني فاتصفت بالإيمان ودخلت في عالم الفضل وارتسمت في جزيرة المومنين واتصل نسبك بأبيك آدم عليه السلام أم وقفت في المنزل الأول فالتحقت بالنسبة الشيطانية وصرت من جنوده فيدخل النار إبليس وجنوده أجمعون وقال تعالى في الحديث القدسي
لا إله إلا الله حصني من قالها فقد دخل حصني ومن دخل حصني آمن من عذابي
وكل حصن له أربعة أركان ولا إله إلا الله أربعة كلمات فكل كلمة ركن فإذا اتصلت مدودها ثم الحصن
وكما للكلمة المشرفة أربعة أركان في الصورة فلها أربعة أركان في الباطن وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج
ثم هذه الكلمة هي أربعة كلمات ومجموعها إثنا عشر حرفا وترجع إلى أربعة احرف وهي تركيب إسم الجلالة الواقع فيها لأنه هوالمقصود وإثباته هو المراد وليس في نفي غيره إعدام شيء كان وإنما هو اخبار أنه الثابت والأربعة هي الكلمة والكلمة هي الأربعة وهي تركيب لا إله إلا هو وهذا العدد أعني الأربعة شأنه عجيب فإن العناصر أربعة ، والطبآئع أربعة ، والكتب أربعة ، والخلفآء أربعة ، والمذاهب أربعة ، وعلى التربيع كانت أكثرالموجودات في عالم الكون ، فالإنسان مربع مستطيل وكذلك أكثر الحيوانات ، والديار مربعة والمدآئن مربعة ، والأبواب مربعة ، ومجلدات الكتب والمساجد مربعة ، حتى انه تكره الصلاة في غيرالمربع ، والجهات أربع ، والريح أربع ، ومراتب الزلفى أربع وهي مراتب النبيئين والصديقين والشهدآء والصالحين ، واللطائف الإنسانية أربعة ، النفس ، والعقل ، والقلب ، والروح ولو ضربت في نفسها ستة عشر وهي مجموع السماوات السبع والأرضين السبع والعرش والكرسي وفي أشفاع هذا العدد وأوتاره جميع الموجودات
والإثنا عشر حرفا التي هي مبدأ الكلمة المشرفة هي عدد البروج
والإثنا عشر هي التي مبدأ الكلمة التي هي مدار تصرفات الأحوال وتقلبات الأكوان بإذن الله تعالى
وقد أكثر الباحثون عن خواص الأعداد وأسرار الحروف من هاذه الاعتبارات
وقال حجة الإسلام ابو حامد الغزالي كل سلطان لولايته أمد معدود وحد محدود إلا سلطان لا إله إلا الله فإن ولايته ثابتة وباقية السرمد شملت الأولين والآخرين من طآئعين وكارهين وعمت أهل السماوات والأرض
إن كل من في السماوات والأرض إلى آتي الرحمان عبدا تطوعا وشوقا ومحبة وتعبدا أتى كرها وقصدا
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى
فعالم الفضل قالوا بلى طوعا وعالم العدل قالوا كرها
أخرجهم من ظهور بني آدم على هيئة ثم فرقهم فريقين وجعلهم عالمين
فعالم الفضل عن يمينه ، وعالم العدل عن شماله ، ثم خلق لهم آلة الفهم وآلة السمع وآلة النطق ، ثم خاطبهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقرالكل بالوحدانية واذعنوا بالفردانية فقالوا بلى فعالم الفضل قالوا بلى طآئعين ومتسارعين
وعالم العدل قالوا بلى كارهين متثاقلين ثم أخذت شهادة كل واحد منهم بما على نفسه أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذاغافلين فلما خرجوا من عالم القدرة إلى عالم الحكمة ظهر لكل واحد منهم ما كان يظهره من توحيد أو جحود فعالم الفضل قالوا بلى اعتقادا بصدق فوقفوا بعهده وحافظوا على ميثاقه
وعالم العدل قالوا بلى مع اعتقاد الجحود فخانوا العهد وضيعوا الميثاق فبرز لعالم الفضل بالمدح لهم والثناء عليهم فقال الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق وبرز لعالم العدل بالقدم فيهم والازدرآء عليهم فقال الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ثم في عرصات القيامة إذا صعد سلطان بلى على كل العالمين
فيشهد لعالم الفضل بأمانة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشهد على عالم العدل بالخيانة الذي ينشر لكل واحد منهم كتاب اقراره نفسه وشهادته على نفسه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
وقال حجة الإسلام أيضا شجرة لا إله إلا الله شجرة السعادة فإن غرستها قبلة التصديق وسقيتها بماء الإخلاص وراعيتها بالعمل الصالح رسخت عروقها وثبتت ساقها واخضرت أوراقها وأنعيت وتضاعفت توتي أكلها كل حين بإن ربها ولاكن تلك حينها ستة أشهر
وهاذه حينها كل لحضة ونفس ثمرة هذه الشجرة قوت العالم القلب والأرواح وثمرة تلك الشجرة قوت لعالم الأشباح هاذه قوت لعالم المعاني والأسرار وتلك قوت لعالم الصور والآثار وإن غرست هذه الشجرة في بيت التكذيب والشبه والشقاق وسقيتها من ماء الريآء والنفاق وتعاهدتها بالأعمال السيئة والأفعال القبيحة وراعيتها بنقض العهود وتضييع الآمانة صفح عليها غديرالقدر وكافحها لهيب الهجر فتناثرت ثمارها وانقطعت عروقها وانقشع ساقها وهبت عليها عواصف فمزقتها كل ممزق
وقدمنا إلى ماعملوا من عمل هبآء منثورا
وقال حجة الإسلام أيضا من استظل بهذه الشجرة فقد سعد سعادة الأبد ومن { لا } فقد وقع في ادنى الدركات
وقال حجة الإسلام أيضا لا إله إلا الله هي الكلمة العليا العالية من استمسك بها فقد سلم ومن اعتصم بها فقد عصم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلى بحقها
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
هذا توقيع العصمة الدنيوية وأما توقيع العصمة الأخروية من قال لا إله إلا الله دخل حصني ومن دخل حصني آمن من عذابي
تنبيه ما تقدم من الشروط والأداب التي تروى عن القوم في العبادات إنما هي التزامات مما لا يلزم أصلا إلا أنه لما كان أهل الدنيا ضبطوا أمردنياهم ورتبوا فيها لأنفسهم أمورا مكملة لأغراضهم ومتهمة لأهوائهم كذلك أهل الآخرة ضبطوا أحوالهم وجهتهم إلى الله تعالى بأمورمكملة لمقاصدهم متهمة لأحوالهم ولكل فريق مشرب معلوم كلا نمد هاؤلاء وهاؤلاء من عطآء ربك
كيف يكون ذلك ملتزما أصلا وقد قال تعالى فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم
فما كان من الشروط والأدب فإنما هي على وجهة الكمال لاعلى جهة اللزوم فمن استدام ذكرالله على أي حال كان وبأي وجه كان ابتغآء فضل الله ومرضاته لا بد من نجحه وظفره بالمقصود إلا أنه مع الشروط والأدب أسرع للنجح وأولى للفضل والشروط كلها والأدب كلها منحصرة في خمسة آدابات
أما الشروط فأكادها الذي ينبني عليه أساسها القصد لأن المقاصد هي أرواح الأعمال ولا يستقيم عملا لا روح له فلا بد من احضار قصد بين يد الذكر ينبني عليه الفكر وهي تدبره لمعنى الذكر ويحسب تلمح الفكر معنى القصد أثنآء الذكر يكون قوة الثاثير في النفوس والمقاصد مختلفة باختلاف الأذكار
الثاني الذي يلي الأول في التأكيد المجاهدة في مدافعة الخواطرعلى المغايرة لمعنى الذكر وردها على حسب الامكان لتصفوا مرآت النفس وليتلمح معنى الذكر لأنها لا تختلج في الفكر في معنى الذكر حتى يغيب عن شواغل الحس فيكون له خرق حجاب الغفلة فإذا كان سبيل النجاة من ذلك المجاهدة في مدافعة الخواطر بأن لم تذهب عنه بالجملة فستذهب شيئا فشيئا حتى لا يبقى منها أثر
وقدمنا هادين الشرطين لتأكيدها ولا بنآء غيرغيرها من الشروط عليها ولوكان غيرها مقدما استعمالا إذ المستعمل من الشروط أولا التوبة للذكر على طهارة لأن التوجه إلى ذكرالله ينبغي أن يكون على أكمل الأحوال وأشرفها فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا سلم عليه وأتى صلى الله عليه وسلم بجدار قوم فتيمم عليه ورد السلام فقيل له في ذلك فقال كرهت أن أذكر اسم الله على غير طهارة أشار صلى الله عليه وسلم إلى الكمال مع ما في الطهارة من السرالذي يعوذ على الباطن بصفآء وتنوير
ثم يلي شرط الطهارة في الاستعمال استقبال القبلة لأن الذاكر يناجي ربه فينبغي أن يكون منصبا إلى بيت الله وحرمه
قال صلى الله عليه وسلم خيرالمجالسة ما استقبل به القبلة مع ما في التوجه إليها من السر الذي يعود بصدق الباطن إلى رب العزة جل وعلا وجمع الفكر في مناجاته فهو سرالتوجه إلى القبلة في الصلاة
ثم يلي شرط الاستقبال الشرط الخامس الذي هو خلوة الذاكر بربه في حال الشرط الخامس الذي هو خلوة الذاكر بربه حال ذكره يقصد مكانا خاليا عاريا عن الشواغل لما في ذلك من تهيئة الفكر لللإقبال على معنى الذكر وتهيئة الوارد على موارد الإخلاص واسرار الاختصاص
وفي انفراده صلى الله عليه وسلم بغار حراء أول مرة من أول مرة دليل ولزم الخلوات من شأن أهل العبادات والرياضات
وقيل ما يفتح على ساليك فتح أو يلوح له سر في غير الخلوة
والمراد بالخلوة هنا العزلة وقت تأدية ما التزمه من عدد الأذكار بحسب اجتهاد ما شده لأن ذلك موكل إليه واحترام كل واحد على حسب حاله فيعاملون أهل البدايات بالتيسير تلوثت به من العاجلات دفعة أخلدت إلى العجز وكفت عن الانتهاض وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين بالغوا فيه برفق ولا تبغضوا أنفسكم في عبادة الله
وأما الخلوة التي لها عدد من الأيام وحد من الأوراد فأمرها إلى الشيخ من كونها ثلاثة أو سبعة أو أكثر إلى أربعين إلى سبعين إلا أنه ينبغي لداخلها أن يصلي ركعتين إن كان وقت صلاة بين يد ي ذكره يحصن نفسه بقرآة يس فإذا دخل بيت خلوته قرأ آية الكرسي اثنى عشر مرة ثم يجلس كالمجتبي أو كالتورك جلسة للصلاة مستقبل القبلة مغمضا عينيه ثم يأخذ في ورده على ماحد له شيخه فإن شق عليه مكنه على هيئة من هيئات الجلوس فليروح نفسه ملازما كالطهارة المائية إذا كانت حكمه وإلا كالترابية ويكون نومه غلبة
قال صلى الله عليه وسلم إذا استعجم القرآن على لسان أحدكم فلينام
وأما الأدب فالأول منها خلوالبطن من الطعام لأن الطعام ستحيل لبابه وما يسري في العروق حتى يملأها فيثقل بذلك الجسم ويكثر صعود الأبخرة إلى الدماغ فبذلك يكون الكسل ويستولي النوم
قد جآء عنه صلى الله عليه وسلم لا تأكلوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتحسروا كثيرا
وقد جآء عنه قال صلى الله عليه وسلم فعلى قر الأكل وقلته تكون الحياة الفطنة وموتها
قال صلى الله عليه وسلم البطنة تذهب الفطنة
وقال ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه يوم القيامة بالإحسان للسالك في حالة التوجه إلى الذكرأن يكون على خلآء من بطنه ولا سيما أهل البداية من أهل السلوك وأما أهل التمكين فلا يخلون حركة من حركاتهم ولا سكينة من سكناتهم عن قصد فهم متوجهون إلى الله تعالى بجميع أعمالهم من أكل وشرب ونوم ويقضة وغير ذلك وروى أنه سئل من طاوس الدعاء فقال حتى أجد له قصد الأدب
الثاني هو الجلوس للذكرعلى هيئة تقتضي الذل والخضوع والصغار لعظمة الله جل جلاله إذ في هيئة الظاهر تأثير في الباطن بحسب مقتضى الهيئة من ذلك لأن النفس العلاقة التي بينها وبين الجسم إذا اتصف الجسم بصفة اتصفت بموجوبها فانظر إلى وجه الجبهة على الأرض في السجود وإلى ما يسري إلى النفس بسبب ذلك من الخضوع والذل والانكسار
الثالث اغماض عينيه وكف سمعه ما أمكن إذ بذلك يستعان على جميع الفكر ليتلمح معنى الذكر إذ الذكر يتشعب الشواغل على الواردة عليه من قبل الحواس فكل شعبة من تلك الشعب تأخذ طرفا من الفكر على حسبها وقد يكثر ذلك فيستغرق الفكرحتى لا يبقى منه لتلمح معنى الذكر شيء أو يبقى منه نبدة يسيرة لا تفي بالمراد ولا تهدي إلا الرشاد ومن أجل هذا استحب الخلوة للذكر لليبعد عن الشواغل إذا الذاكر ينادي ربه فهوحقيق بجسم مرادا شواغل من فكره والعين اشد الحواس للفكر
الأدب الرابع أنه ينبغي لملتزم الأعداد ولا سيما الكثرة كالألف والألوف واتخاد سبحة يحصر بها عدد التزامه ولا يعود عنها إلا الحصر بالأصابع لما في ذلك من الأشغال لفكره إذ في اتخاد السبحة للحصر سلامة من اشتغال الفكر وداعية إلى اجتماع البال
واعلم أن اتخاد السبحة من الأمر بالمعروف والعمل بالمألوف الذي لا ينكر درج السلف الصالح جيلا بعد جيل ولا ينركه إلا جاهل ظليل
وقد جآء في حديث مرفوع نعم ذكرالسبحة ذكره في تحقيق المباني على الرسالة
وقد جآء عن أبا هريرة رضي الله عنه كانت سبحة من ألف عقدة لا ينام حتى يتمها
وروى ان أبا القاسم الجنيد رضي الله عنه كانت سبحته في يده فقيل له أنت مع شرفك تحتاج إلى سبحة يريدون عمارة انفاسه بالذكر فقال شيء وصلت به إلى الله لا أفارقه
الأدب الخامس ينبغي لملتزم الأوراد أيضا دون غيره وهوأن لا يقطع في أثنآء ورده بكلام أوغير إلا لعارض واجب أو كالواجب إذ الذاكر متى توجه لأداء ورده فهو قادم على الله تعالى يخاطبه ويناجيه ويحاضره فقبيح قطع ذلك لعارض واشتغال عنه بشاغل إن الذاكر يطالب بهاذه الشروط المتقدمة والأدب جهة الكمال الأعلى جهة اللزوم كذلك ينبغي أن يختار لكل ذكر وقته المشروع فيه ثم تعلم أنه ينبغي للمريد قبل هاذه الشروط كلها والأدب ومعها أن يتصور صورة شيخه في دهنه ويجعله في جميع ذلك نصب عينيه وسلما لقربه من ربه عن بيته لأنه إذا استمد بقلبه عند شروعه في الذكر همة شيخه ناله المدد على قدر الاستمداد
ونصربه على جميع الأجناد إذ قلب شيخه يحادي قلب شيخ الشيخ إلى الحضرة النبوية وقلب النبي صلى الله عليه وسلم دائم التوجه إلى الحضرة الربانية فالذاكر إذ صورشيخه واستمد منه فاضت الامداد من الحضرة الإلهية إلى قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى قلوب المشايخ على الترتيب حتى تنتهي إلى شيخه ومن قلب شيخه إلى قلبه بأسرع من لحظة طرفة فيقوى بذلك على استعمال الآلة إذ هو في البداية على مثال الطفل ليس له قوة على استعمال الآلة بالوجه الذي يؤثر ويقع محصلا للغرض وإن كان بيده سيف الله
ونزه حبيبك عن كل مشبه * وعلى بذكره رفعا ودرا
ويح بإسمه ثم صرح وقل * حبيب ياقوم يهدي الجبار
وجهرا فوحده بين الملإ * ليعطيك منه أجور غزارا
وقال بعض العلماء ما من عبد يسمع المؤذن فيقول مثل ما يقول فإذا قال لا إله إلا الله ومسح بها وجهه بيده تبركا ومر بهما على لحيته إلا كتب الله بكل شعرة أصابتها بيده حسنة وحط بها عنه سيئة وفضل لا إله إلا الله لا يحصى وعظيم لا يستقصا
وقد أخرج ابن ماجة عن أم هاني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله لا يسبقها عمل ولا تترك ذنبا وعن سيدنا على كرم الله وجهه قال سمعت سيد الخلائق صلى الله عليه وسلم يقول سيد الملآئكة جبريل عليه السلام يقول ما نزلت بكلمة اعظم من كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله على وجه الأرض وبها قامت السماوات والأرض والجبال والشجر والبحر الا وهي كلمة الإخلاص الا وهي كلمة الإسلام الا وهي كلمة القرب الا وهي كلمة العليا الا وهي كلمة النجاة في الدنيا والعقبى والكل يطلب النجاة وللذاكر احوال تعرض له يستحب أو يحب قطع الذاكر ثم يعوذ إليه بعدر زوالها منها إذا سلم عليه رد السلام ثم عاد إلى الذكر وإن عطس عنده شمته ثم عاد إلى الذكر وكذا إذا سمع الخطيب وإذا سمع المؤذن فإنه يحكي ثم يعود إلى الذكر وكذا إذا رأى منكرا غيره ومعروفا أمر به أو سائلا فأجابه أو جاهلا بعلمه ثم عاد إلى الذكر وكذا إذا غلبه النعاس
ومن عوارض الذكر الإسراع فيه وذلك يختلف فأما القرآن فالمطلوب منه الترتيل والتدبر وأما التهليل مثلا فهو بحسب الحضور قال بعض العارفين مما يعين على الحضور أن يقول لا إله إلا الله بقلب حاضر ثم يتمادى مسرعا بلا فترة ليلا يدخل عليه الوسواس
قال الشيخ زروق وهو كلام صحيح ومنها ينبغ لمن كان له ورد في الليل وفاته أن يأتي به في وقت آخر ولا يضيعه
قال الله تعالى ( وهو الذي جعل الليل خلقة لمن اراد أن يذكر أو أراد شكورا )الآية فمن فاته عمل بالليل فليتداركه بالنهار وكذلك العكس قال صاحب القوت ومن فاته ورد من الأوراد فاستحب له فعل مثله في وقته أو قبله متى ذكره لا على وجه القضآء لأنه لا يقضى علا الفرد ولاكن على سبيل التدارك ورياضة النفس بذلك فيأخذها بالعزائم كي لا تتماد التراخي والرخص ولأجل الخيرالمأثور أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومها وإن قل كيف وفي حديث أم المومنين عآئشة رضي الله عنها كالوعيد على ترك العادة من العبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما عبد الله عز وجل عبادة ثم تركها ملالة إلا مقته الله عز وجل وقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه النوم أوعاقه مرض فلم يقم في تلك الليلة صلى من النهار عشرة ركعة فإذان الاستدراك الورد سيبين احدهما رياضة النفس فإنها استومحت في الترك ألفت فاقعدت إلى الكسل والبطالة وفات المقصود من تعويدها الخير الثاني تدارك الحلل فإن الورد إذا فاته كان ثلمة في صاحبه وكان مغبونا في يومه بل خاسرا فيجبر بالزيادة في العمل بعده يومه خير من أمسه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهذا لمن كان ورده تبركا دون معاهدة شيخه وإلا فإن ورده صار فردا بالمعاهدة من شيخه فحينئذ يقضى فردا فهلا كان ندبا ليكون المريد في فسحة فقال إن المندوب ليس ثواب كثواب الفرض والمشايخ رضي الله عنهم أشد حرصا على المريد بتكثير الأجور والثواب فافهم وقال رضي الله عنه ونفعنا ببركاته آمين
من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان في زيادة فهو محفوظ ومقبول ومن كان في نقصان فهو في خسران ومن كان في خسران فالموت أولى له
وللذكر فوآئد حجة دينيه ودنيوية قال الإمام ابن جرى رحمه الله للناس في المقصد
فالذكر مقامان فمقصد العامة اكتساب الأجور ومقصد الخاصة القرب والحضور وبين المقامين فرق بعيد فشتان بين من يأخد أجره من ورآء حجاب وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب منها مجالسة الله تعالى إذا ذكره
وهذا أشرف المفاخر وأسنى الدخائر والمراد للمجالسة القرب والعناية والمدد والفيض وهبوب الرحمة وادراك السعادة ونحوها من المواهب والمفاخر التي تدرك مجالسة الملوك وكيف بمجالسة مالك الملوك جل وعلا
ومهمى ورد في جانبه تعالى مااستحال ظاهره
فالمراد لازمه قال سمعت هذا التقرير من سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هذا الحديث القدسي فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي أي بالرحمة والمغفرة
وقال تعالى ( فاذكروني اذكركم ) الآية
وقد عبر العلمآء رضي الله عنهم من هذا المعنى بعبارات كثيرة حتى حكى الأشياخ في ذلك عشرين قولا فقيل اذكروني بالإخلاص اذكركم بالاختصاص وقيل اذكروني بالحضور اذكركم بتسير الأمور وقيل اذكروني بالنية اذكركم بجزيل العطية وقيل اذكروني بالصفا اذكروني بالصفا اذكركم بغفران الجفا وقيل اذكروني بالقلوب اذكركم بغفران الذنوب وقيل اذكروني بالضمآئر اذكركم برفع الضرائر وقيل اذكروني بالأصوات اذكركم بتيسيرالأوقات وقيل اذكروني في الخلوات اذكركم بالرحمة والصلوات وقيل اذكروني بالنسيان اذكركم بمغفرة العصيان وقيل اذكروني بالمسآء والصباح اذكركم باللطف والصلاح وقيل اذكروني في السجود اذكركم بالنعمة والجود وقيل اذكروني بالمعدرة اذكركم بجزيل الفظيلة بالمغفرة وقيل اذكروني بأداء الفريضة اذكركم بالرحمة العريضة وقيل اذكروني بالاستغفار اذكركم بالتمتع والأبكار وقيل اذكروني بالأسحار اذكركم بغرس الأشجار وقيل اذكروني في الأيام القلائل اذكركم بلبس الحلل والحلائل وقيل اذكروني على البلا اذكركم بالدرجات العلا وقيل اذكروني بالشوق والحب اذكركم بالدنو والقرب وقيل اذكروني بالألباب اذكركم برفع الحجاب وقيل اذكروني على التوالي اذكركم بفيض نوالي
قال الشيخ زروق رضي اللع عنه وهاذه عبارات نشأت عن أذواق مختلفة ومشارب متفاوتة وكلام الله أشمل وأوسع
ومنها كون الله مع عبده حين يذكره ففي الحيث القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
والمراد محبة الله تعالى لعبده بعلمه وحفظه ومنها زوال الغفلة عن قلب الذاكر ويفتح باب المعرفة ويورث الإنابة والزهد والتوكل والايثار والفتوة والمراقبة والمحبة والقرب ويورث باب الإحسان وغشيان الرحمة ونزول الملائكة والسكينة وصفوف الملآئكة ومنها يطرد الشيطان ويخنسه
قال بعض العارفين الذكر سيف المريدين الذين يقتلون به عدوهم ومنها تنويرالقلب ويجلب الرزق ويسره ومنها اعظم كرامات الذاكر ما جآء في الحديث القدسي من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السلئلين
وفي الحديث إن العبد المطيع لله تعالى إلى الذاكر إذا سأل الله قالت الملائكة يا ربنا صوت معروف من عبد معروف
والغافل المعرض عن الله تعالى إذا دعاه وسأله قالت الملآئكة صوت منكر من عبد منكر
وفي الحديث ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله
وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة منهم رجل ذكر الله ففاضت عيناه ومنها الذاكرون يغفر الله ذنوبهم ولا يشقى بهم جليسهم ومنها وضع البركة علن بالطعام ونحوه وجلب ما يحتاج إليه من دراهم ونحوها ومنها حفظه عن تناول الحرام ويكون ذلك بتعريف الله اياه اما يكشف من الله تعالى واما بعلامة يجد على الحرام في ظاهره وباطنه فمنهم من يتحرك له عرق اذا مديده إلى الشبهة كما حكي عن الحارث المحاسبي رضي الله عنه
ومنهم من يرى الطعام كأنه دم وكان روث أو خنزيرأو تنقبض عنه يده أو سمعه خطايا من نفسه ونحو ذلك مما يقع لأوليآء الله تعالى
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
كانوا يطلبون الحلال ويخافون الحرام فأعطاهم علامة يعرفونه بها بخلاف أهل وقتنا لا يبال من أين أكل أحدهم وما أكل نسئله تعالى التوفيق لما فيه رضاه
ثم اعلم إن ثمرت بجميع الأسمآء والصفات مجموعة في الذكر الفرض وهو قولنا لا إله إلا الله
فذلك هوالغاية وإليه المنتهى وقد جمعت هاذه الكلمة المشرفة معاني الأذكار ومدلولها الصريح للتوحيد
وقال بعض الأئمة توحيد الخلق على ثلاثة درجات الأولى توحيد عامة المسلمين وهو الذي يعصم النفس والمال في الدنيا وينجي من الخلود في النار في الآخرة وهي نفى الشركآء والأنداد والأولاد من الأشباه والأضداد
والدرجة الثانية توحيد الخاصة وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله تعالى وحده ويشاهد ذلك الاستدلال بطريق المكاشفة لا بطريق الاستدلال فإن معرفة ذلك بطريق الاستدلال حاصلة لكل مؤمن
وإنما مقام الخاصة في التوحيد يقين في القلب بعلم ضروري ولا يحتاج إلى دليل وثمره هذا العلم الانقطاع إلى الله تعالى والتوكل عليه وحده واصراح جميع الخلق فلا يرجوا إلا الله ولا يخاف ان الله وحده فيغيب عن النظر إلى المخلوقات حتى كأنها معدومة وهاذا الذي تسميه الصوفية الفنىء بمعنى الغيبة عن الخلق حتى أنه يفنى عن نفسه وعن توحيده باستغراقه في مشاهدة الله تعالى
ثم اعلم أن لهاذه الكلمة المشرفة أسمآء كثيرة وذلك آية فضلها وسموا محلها فإنه قد اشتهر في الأوضاع العرفية كون الشيء تكثرأسمآءه لكونه مستعطما أو مستحسنا كما يأخد في أسمآء الأسد وأسماء السيف وأسمآء الخير وسبب ذلك في الغالب أن الشيء إذا عظم واستحسن وما ذلك الكثرة أوصافه العظيمة والحسنة فيوصف بأوصاف كثيرة ويشهر بها فتصير أسمآء له
ثم أعلم أن الكلمة المشرفة هي بحسب اعتبار أهل اللغة يقال لها كلمة النفي والإثبات لوقوع ذلك بينهما
ويقال لها في عرف الفقهآء والأصوليين كلمة الشهادة إذا وقعت فيها الشهادة لله تعالى بالوحدانية في الألوهية لأنها الكلمة التي تقع بها من الإنسان الشهادة بذلك أولا الإسلام وهما اعتباران متقاربان
وقد يقال لها كلمة التوحيد
واما المفسرون والصوفية فقد اعتبروا لها أسمآء كثيرة واستنبطوها من النصوص
الأول كلمة التوحيد كما مر من قوله تعالى { وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو } الاية
والثاني وهو يجمع ثلاثة أسمآء كلمة الإسلام وكلمة الإيمان وكلمة الإحسان من قوله تعالى
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين
قوله تعالى إذا ما تقوا وآمنوا أي قالوا لا إله إلا الله في مقام الإيمان ثم اتقوا واحسنوا أي قالوا لا إله إلا الله في مقام الإحسان
وقوله تعالى { إن احسنتم احسنتم لأنفسكم } وقوله تعالى { للذين احسنوا الحسنى } وقيل الإحسان قول لا إله إلا الله
الخامسة كلمة السوآء من قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم } قيل هي لا إله إلا الله
السادس كلمة العهد من قوله تعالى { إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا } قيل هي لا إله إلا الله
السابعة كلمة العدل من قوله تعالى { إن الله يامر بالعدل والاحسان } الآية
عن ابن عباس رضي الله عنهما إن العدل هو قول لا إله إلا الله
الثامن من كلمة الحق من قوله تعالى { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق } أي
قول لا إله إلا الله
التاسع كلمة الإخلاص من قوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } أي لوحدوه بلا إله إلا الله
العاشر كلمة الصدق من قوله تعالى { والذي جآء بالصدق وصدق به } قيل هو قول لا إله إلا الله
الحادي عشر كلمة الاستقامة من قوله عز وجل { إن الذين قالوا ربنا الله ثم } قيل لا إله إلا الله
الثاني عشر كلمة التقوى من قوله تعالى { والزمهم كلمة التقوى } قيل هي لا إله إلا الله لأنها تقي صاحبها من الكفر ومن النار
الثالث عشر الكلمة الطيبة لقوله تعالى { ومثل كلمة طيبة } قيل هي لا إله إلا الله لأنها من القلب وأصلها ثابت فيه وهو المعرفة
الرابع عشر الكلم الطيب قيل هو لا إله إلا الله
الخامس عشر الكلمة الباقية من قوله تعالى { وجعلها كلمة باقية } قيل هي لا إله إلا الله لأنها إشارة إلى برآءة مما يعبدون من دون الله الذي فطرني فإنه سيهدين وذلك مضمون لا إله إلا الله
السادس عشر الكلمة العليا من قوله تعالى { وكلمة الله هي العليا } قيل هي لا إله إلا الله
السابع عشر القول الثابت من قوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قيل لا إله إلا الله
الثامن عشر القول الصواب من قوله تعالى { إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا } بأن كان قال لا إله إلا الله
لقوله تعالى { فقد استمسك بالعروة الوثقى } قيل هي لا لإله إلا الله المثل الأعلى من قوله تعالى { لله المثل الأعلى } قيل هو لا إله إلا الله لقوله تعالى دعوة الحق قيل هي لاإله إلا الله ولقوله تعالى مقاليد السماوات والأرض روي عن ابن عباس رضي الله عنهما إنها لا إله إلا الله والمقاليد و المفاتح فهي مفتاح الجنة ومفتاح خزآئن الغيب وخزائن السماوات والأرض واشرق مفاتيح الأجسام والأرواح والقلوب والأسراروالعقول والله يهدي من يشآء إلى صرط مستقيم
وهذه الكلمة المشرفة أولها كفر وآخرها إيمان فهي منزلان فعالم العدل وقفوا في المنزل الأول وهو الجحد والكفر
وعالم الفضل عبروا في المنزل الثاني وهو الإيمان وأول من وقف في المنزل الأول وبقي فيه وهو إبليس لعنه الله
وأول من عبر إلى المنزل الثاني صفوة الله آدم عليه السلام وعلى نبينا أفضل الصلاة
فإبليس هو أول عالم العدل ورأس جزيرة الكفر وآدم وهو أول عالم الفضل ورأس جزيرة الإيمان
وهذا الكلام في الثقلين المعترضين للخير والشر في الجملة
فانظر يا إبن هل عبرت إلى المنزل الثاني فاتصفت بالإيمان ودخلت في عالم الفضل وارتسمت في جزيرة المومنين واتصل نسبك بأبيك آدم عليه السلام أم وقفت في المنزل الأول فالتحقت بالنسبة الشيطانية وصرت من جنوده فيدخل النار إبليس وجنوده أجمعون وقال تعالى في الحديث القدسي
لا إله إلا الله حصني من قالها فقد دخل حصني ومن دخل حصني آمن من عذابي
وكل حصن له أربعة أركان ولا إله إلا الله أربعة كلمات فكل كلمة ركن فإذا اتصلت مدودها ثم الحصن
وكما للكلمة المشرفة أربعة أركان في الصورة فلها أربعة أركان في الباطن وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج
ثم هذه الكلمة هي أربعة كلمات ومجموعها إثنا عشر حرفا وترجع إلى أربعة احرف وهي تركيب إسم الجلالة الواقع فيها لأنه هوالمقصود وإثباته هو المراد وليس في نفي غيره إعدام شيء كان وإنما هو اخبار أنه الثابت والأربعة هي الكلمة والكلمة هي الأربعة وهي تركيب لا إله إلا هو وهذا العدد أعني الأربعة شأنه عجيب فإن العناصر أربعة ، والطبآئع أربعة ، والكتب أربعة ، والخلفآء أربعة ، والمذاهب أربعة ، وعلى التربيع كانت أكثرالموجودات في عالم الكون ، فالإنسان مربع مستطيل وكذلك أكثر الحيوانات ، والديار مربعة والمدآئن مربعة ، والأبواب مربعة ، ومجلدات الكتب والمساجد مربعة ، حتى انه تكره الصلاة في غيرالمربع ، والجهات أربع ، والريح أربع ، ومراتب الزلفى أربع وهي مراتب النبيئين والصديقين والشهدآء والصالحين ، واللطائف الإنسانية أربعة ، النفس ، والعقل ، والقلب ، والروح ولو ضربت في نفسها ستة عشر وهي مجموع السماوات السبع والأرضين السبع والعرش والكرسي وفي أشفاع هذا العدد وأوتاره جميع الموجودات
والإثنا عشر حرفا التي هي مبدأ الكلمة المشرفة هي عدد البروج
والإثنا عشر هي التي مبدأ الكلمة التي هي مدار تصرفات الأحوال وتقلبات الأكوان بإذن الله تعالى
وقد أكثر الباحثون عن خواص الأعداد وأسرار الحروف من هاذه الاعتبارات
وقال حجة الإسلام ابو حامد الغزالي كل سلطان لولايته أمد معدود وحد محدود إلا سلطان لا إله إلا الله فإن ولايته ثابتة وباقية السرمد شملت الأولين والآخرين من طآئعين وكارهين وعمت أهل السماوات والأرض
إن كل من في السماوات والأرض إلى آتي الرحمان عبدا تطوعا وشوقا ومحبة وتعبدا أتى كرها وقصدا
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى
فعالم الفضل قالوا بلى طوعا وعالم العدل قالوا كرها
أخرجهم من ظهور بني آدم على هيئة ثم فرقهم فريقين وجعلهم عالمين
فعالم الفضل عن يمينه ، وعالم العدل عن شماله ، ثم خلق لهم آلة الفهم وآلة السمع وآلة النطق ، ثم خاطبهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقرالكل بالوحدانية واذعنوا بالفردانية فقالوا بلى فعالم الفضل قالوا بلى طآئعين ومتسارعين
وعالم العدل قالوا بلى كارهين متثاقلين ثم أخذت شهادة كل واحد منهم بما على نفسه أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذاغافلين فلما خرجوا من عالم القدرة إلى عالم الحكمة ظهر لكل واحد منهم ما كان يظهره من توحيد أو جحود فعالم الفضل قالوا بلى اعتقادا بصدق فوقفوا بعهده وحافظوا على ميثاقه
وعالم العدل قالوا بلى مع اعتقاد الجحود فخانوا العهد وضيعوا الميثاق فبرز لعالم الفضل بالمدح لهم والثناء عليهم فقال الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق وبرز لعالم العدل بالقدم فيهم والازدرآء عليهم فقال الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ثم في عرصات القيامة إذا صعد سلطان بلى على كل العالمين
فيشهد لعالم الفضل بأمانة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشهد على عالم العدل بالخيانة الذي ينشر لكل واحد منهم كتاب اقراره نفسه وشهادته على نفسه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
وقال حجة الإسلام أيضا شجرة لا إله إلا الله شجرة السعادة فإن غرستها قبلة التصديق وسقيتها بماء الإخلاص وراعيتها بالعمل الصالح رسخت عروقها وثبتت ساقها واخضرت أوراقها وأنعيت وتضاعفت توتي أكلها كل حين بإن ربها ولاكن تلك حينها ستة أشهر
وهاذه حينها كل لحضة ونفس ثمرة هذه الشجرة قوت العالم القلب والأرواح وثمرة تلك الشجرة قوت لعالم الأشباح هاذه قوت لعالم المعاني والأسرار وتلك قوت لعالم الصور والآثار وإن غرست هذه الشجرة في بيت التكذيب والشبه والشقاق وسقيتها من ماء الريآء والنفاق وتعاهدتها بالأعمال السيئة والأفعال القبيحة وراعيتها بنقض العهود وتضييع الآمانة صفح عليها غديرالقدر وكافحها لهيب الهجر فتناثرت ثمارها وانقطعت عروقها وانقشع ساقها وهبت عليها عواصف فمزقتها كل ممزق
وقدمنا إلى ماعملوا من عمل هبآء منثورا
وقال حجة الإسلام أيضا من استظل بهذه الشجرة فقد سعد سعادة الأبد ومن { لا } فقد وقع في ادنى الدركات
وقال حجة الإسلام أيضا لا إله إلا الله هي الكلمة العليا العالية من استمسك بها فقد سلم ومن اعتصم بها فقد عصم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلى بحقها
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
هذا توقيع العصمة الدنيوية وأما توقيع العصمة الأخروية من قال لا إله إلا الله دخل حصني ومن دخل حصني آمن من عذابي
تنبيه ما تقدم من الشروط والأداب التي تروى عن القوم في العبادات إنما هي التزامات مما لا يلزم أصلا إلا أنه لما كان أهل الدنيا ضبطوا أمردنياهم ورتبوا فيها لأنفسهم أمورا مكملة لأغراضهم ومتهمة لأهوائهم كذلك أهل الآخرة ضبطوا أحوالهم وجهتهم إلى الله تعالى بأمورمكملة لمقاصدهم متهمة لأحوالهم ولكل فريق مشرب معلوم كلا نمد هاؤلاء وهاؤلاء من عطآء ربك
كيف يكون ذلك ملتزما أصلا وقد قال تعالى فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم
فما كان من الشروط والأدب فإنما هي على وجهة الكمال لاعلى جهة اللزوم فمن استدام ذكرالله على أي حال كان وبأي وجه كان ابتغآء فضل الله ومرضاته لا بد من نجحه وظفره بالمقصود إلا أنه مع الشروط والأدب أسرع للنجح وأولى للفضل والشروط كلها والأدب كلها منحصرة في خمسة آدابات
أما الشروط فأكادها الذي ينبني عليه أساسها القصد لأن المقاصد هي أرواح الأعمال ولا يستقيم عملا لا روح له فلا بد من احضار قصد بين يد الذكر ينبني عليه الفكر وهي تدبره لمعنى الذكر ويحسب تلمح الفكر معنى القصد أثنآء الذكر يكون قوة الثاثير في النفوس والمقاصد مختلفة باختلاف الأذكار
الثاني الذي يلي الأول في التأكيد المجاهدة في مدافعة الخواطرعلى المغايرة لمعنى الذكر وردها على حسب الامكان لتصفوا مرآت النفس وليتلمح معنى الذكر لأنها لا تختلج في الفكر في معنى الذكر حتى يغيب عن شواغل الحس فيكون له خرق حجاب الغفلة فإذا كان سبيل النجاة من ذلك المجاهدة في مدافعة الخواطر بأن لم تذهب عنه بالجملة فستذهب شيئا فشيئا حتى لا يبقى منها أثر
وقدمنا هادين الشرطين لتأكيدها ولا بنآء غيرغيرها من الشروط عليها ولوكان غيرها مقدما استعمالا إذ المستعمل من الشروط أولا التوبة للذكر على طهارة لأن التوجه إلى ذكرالله ينبغي أن يكون على أكمل الأحوال وأشرفها فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا سلم عليه وأتى صلى الله عليه وسلم بجدار قوم فتيمم عليه ورد السلام فقيل له في ذلك فقال كرهت أن أذكر اسم الله على غير طهارة أشار صلى الله عليه وسلم إلى الكمال مع ما في الطهارة من السرالذي يعوذ على الباطن بصفآء وتنوير
ثم يلي شرط الطهارة في الاستعمال استقبال القبلة لأن الذاكر يناجي ربه فينبغي أن يكون منصبا إلى بيت الله وحرمه
قال صلى الله عليه وسلم خيرالمجالسة ما استقبل به القبلة مع ما في التوجه إليها من السر الذي يعود بصدق الباطن إلى رب العزة جل وعلا وجمع الفكر في مناجاته فهو سرالتوجه إلى القبلة في الصلاة
ثم يلي شرط الاستقبال الشرط الخامس الذي هو خلوة الذاكر بربه في حال الشرط الخامس الذي هو خلوة الذاكر بربه حال ذكره يقصد مكانا خاليا عاريا عن الشواغل لما في ذلك من تهيئة الفكر لللإقبال على معنى الذكر وتهيئة الوارد على موارد الإخلاص واسرار الاختصاص
وفي انفراده صلى الله عليه وسلم بغار حراء أول مرة من أول مرة دليل ولزم الخلوات من شأن أهل العبادات والرياضات
وقيل ما يفتح على ساليك فتح أو يلوح له سر في غير الخلوة
والمراد بالخلوة هنا العزلة وقت تأدية ما التزمه من عدد الأذكار بحسب اجتهاد ما شده لأن ذلك موكل إليه واحترام كل واحد على حسب حاله فيعاملون أهل البدايات بالتيسير تلوثت به من العاجلات دفعة أخلدت إلى العجز وكفت عن الانتهاض وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين بالغوا فيه برفق ولا تبغضوا أنفسكم في عبادة الله
وأما الخلوة التي لها عدد من الأيام وحد من الأوراد فأمرها إلى الشيخ من كونها ثلاثة أو سبعة أو أكثر إلى أربعين إلى سبعين إلا أنه ينبغي لداخلها أن يصلي ركعتين إن كان وقت صلاة بين يد ي ذكره يحصن نفسه بقرآة يس فإذا دخل بيت خلوته قرأ آية الكرسي اثنى عشر مرة ثم يجلس كالمجتبي أو كالتورك جلسة للصلاة مستقبل القبلة مغمضا عينيه ثم يأخذ في ورده على ماحد له شيخه فإن شق عليه مكنه على هيئة من هيئات الجلوس فليروح نفسه ملازما كالطهارة المائية إذا كانت حكمه وإلا كالترابية ويكون نومه غلبة
قال صلى الله عليه وسلم إذا استعجم القرآن على لسان أحدكم فلينام
وأما الأدب فالأول منها خلوالبطن من الطعام لأن الطعام ستحيل لبابه وما يسري في العروق حتى يملأها فيثقل بذلك الجسم ويكثر صعود الأبخرة إلى الدماغ فبذلك يكون الكسل ويستولي النوم
قد جآء عنه صلى الله عليه وسلم لا تأكلوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتحسروا كثيرا
وقد جآء عنه قال صلى الله عليه وسلم فعلى قر الأكل وقلته تكون الحياة الفطنة وموتها
قال صلى الله عليه وسلم البطنة تذهب الفطنة
وقال ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه يوم القيامة بالإحسان للسالك في حالة التوجه إلى الذكرأن يكون على خلآء من بطنه ولا سيما أهل البداية من أهل السلوك وأما أهل التمكين فلا يخلون حركة من حركاتهم ولا سكينة من سكناتهم عن قصد فهم متوجهون إلى الله تعالى بجميع أعمالهم من أكل وشرب ونوم ويقضة وغير ذلك وروى أنه سئل من طاوس الدعاء فقال حتى أجد له قصد الأدب
الثاني هو الجلوس للذكرعلى هيئة تقتضي الذل والخضوع والصغار لعظمة الله جل جلاله إذ في هيئة الظاهر تأثير في الباطن بحسب مقتضى الهيئة من ذلك لأن النفس العلاقة التي بينها وبين الجسم إذا اتصف الجسم بصفة اتصفت بموجوبها فانظر إلى وجه الجبهة على الأرض في السجود وإلى ما يسري إلى النفس بسبب ذلك من الخضوع والذل والانكسار
الثالث اغماض عينيه وكف سمعه ما أمكن إذ بذلك يستعان على جميع الفكر ليتلمح معنى الذكر إذ الذكر يتشعب الشواغل على الواردة عليه من قبل الحواس فكل شعبة من تلك الشعب تأخذ طرفا من الفكر على حسبها وقد يكثر ذلك فيستغرق الفكرحتى لا يبقى منه لتلمح معنى الذكر شيء أو يبقى منه نبدة يسيرة لا تفي بالمراد ولا تهدي إلا الرشاد ومن أجل هذا استحب الخلوة للذكر لليبعد عن الشواغل إذا الذاكر ينادي ربه فهوحقيق بجسم مرادا شواغل من فكره والعين اشد الحواس للفكر
الأدب الرابع أنه ينبغي لملتزم الأعداد ولا سيما الكثرة كالألف والألوف واتخاد سبحة يحصر بها عدد التزامه ولا يعود عنها إلا الحصر بالأصابع لما في ذلك من الأشغال لفكره إذ في اتخاد السبحة للحصر سلامة من اشتغال الفكر وداعية إلى اجتماع البال
واعلم أن اتخاد السبحة من الأمر بالمعروف والعمل بالمألوف الذي لا ينكر درج السلف الصالح جيلا بعد جيل ولا ينركه إلا جاهل ظليل
وقد جآء في حديث مرفوع نعم ذكرالسبحة ذكره في تحقيق المباني على الرسالة
وقد جآء عن أبا هريرة رضي الله عنه كانت سبحة من ألف عقدة لا ينام حتى يتمها
وروى ان أبا القاسم الجنيد رضي الله عنه كانت سبحته في يده فقيل له أنت مع شرفك تحتاج إلى سبحة يريدون عمارة انفاسه بالذكر فقال شيء وصلت به إلى الله لا أفارقه
الأدب الخامس ينبغي لملتزم الأوراد أيضا دون غيره وهوأن لا يقطع في أثنآء ورده بكلام أوغير إلا لعارض واجب أو كالواجب إذ الذاكر متى توجه لأداء ورده فهو قادم على الله تعالى يخاطبه ويناجيه ويحاضره فقبيح قطع ذلك لعارض واشتغال عنه بشاغل إن الذاكر يطالب بهاذه الشروط المتقدمة والأدب جهة الكمال الأعلى جهة اللزوم كذلك ينبغي أن يختار لكل ذكر وقته المشروع فيه ثم تعلم أنه ينبغي للمريد قبل هاذه الشروط كلها والأدب ومعها أن يتصور صورة شيخه في دهنه ويجعله في جميع ذلك نصب عينيه وسلما لقربه من ربه عن بيته لأنه إذا استمد بقلبه عند شروعه في الذكر همة شيخه ناله المدد على قدر الاستمداد
ونصربه على جميع الأجناد إذ قلب شيخه يحادي قلب شيخ الشيخ إلى الحضرة النبوية وقلب النبي صلى الله عليه وسلم دائم التوجه إلى الحضرة الربانية فالذاكر إذ صورشيخه واستمد منه فاضت الامداد من الحضرة الإلهية إلى قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى قلوب المشايخ على الترتيب حتى تنتهي إلى شيخه ومن قلب شيخه إلى قلبه بأسرع من لحظة طرفة فيقوى بذلك على استعمال الآلة إذ هو في البداية على مثال الطفل ليس له قوة على استعمال الآلة بالوجه الذي يؤثر ويقع محصلا للغرض وإن كان بيده سيف الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم وليلة إلا ولله عز وجل صدقة يمن بها على من يشآء من عباده وما من الله على عبده أفضل من أن يلهم ذكره
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس الشيطان وإن نسى ألتقم قلبه
قال المنذري خطمه بفتح الخآء المعجمة وسكون الطآء المهملة وهو فمه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ساعة تمر بابن آدم ولم يذكرالله فيها بخير إلا تحسرعليه يوم القيامة وإن كان من أهل الجنة
ومن كلام الأئمة في الدين سلفا وخلفا من المشايخ العارفين في هذا المعنى أكثر من أن يحصى
روي عن أبي الدردآء رضي الله عنه أنه قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذاكر ناعم غانم بالذكر غانم الأجر سالم من الوزر
وخرج أبي هريرة رضي الله عنه إلى السوق وقال أراكم هاهنا وميراث سيدنا محمد يقسم في المسجد فتسارع الناس إلى المسجد قال فماذا رأيتم قالوا رأينا قوما يذكرون الله تعالى ويقرءون القرآن قال ذلك ميراث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وعن مالك ابن دينار قال قرأت في التورية أيها الصديقون تنعموا بذكري في الدنيا فإنه لكم في الدنيا نعيم وفي الآخرة جزآء
قال القشيري رحمه الله تعالى سمعت الأستاذ أبي علي الذقاق رحمه الله يقول الذكرمنشورالولاية فمن وفق للذكر فقد أعطي المنشور ومن سلب الذكر فقد عزل
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن شرف الذكرالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنك لوفعلت في عمرك كل طاعة ثم صليت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة كل ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعة لأنك تصلي على قدر وسعك وهو يصلي عليك على حسب ربوبيته هذا إن كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة كما جآء في الحديث الصحيح
فتنبه ياهذا من غفلتك وأدم ذكر الله في خلوتك فإنك تدرك ما يسر في دنياك وآخرتك
وما من صيد يصاد ولا شجرة تعضد إلا لغفلتها عن ذكر الله تعالى
أنظر السارق فإنه لا يسرق بينا وأهله إيقاضا
فهكذا الشيطان لا يتسلط إلا على قلب ميت أو غفلان
فاحتفظ ياهذا على بقية عمرك وهو شيء يسير وقد ضيعت ما مضى وهو كثير والله ما عمرك من أي يوم ولدت بل عمرك من أول يوم عرفت الله تعالى لأنك بحياة شجرة إيمانك في قلبك وحياتها بطاعتك ومعرفتك
فهنيئا لك إذا بسقت واثمرت حتى خرجت أغصانها وثمارها من كل جزء من اجزآء البدن
فإن سقيت على الدوام بمياه الطاعات على الدوام أينعت وأزهرت وإن فرطت في الطاعات وأعرضت على الله تعالى يبست أو قل ثمارها فلم تنفذ إلى الجوارح وإذا كانت الجوارح عارية عن ثمرات الإيمان صارت مأوى الآفاعي والمعاصي وحياتها وعقاريبها
ولا شك ان الإيمان الحقيقي يغرس على القطع في سويداء القلب وباطنه عظيم الحب للرب الكريم الرءوف الرحيم محبته جل وعلا توجب استحلاء كثرة ذكره وإدامة الجولان في عظيم سره وقهره وعزيز حكمه لا سيما شريف وعده ووعيده ونهيه وامره
لأن كل من أحب شيئا أكثر من ذكره بل لا راحة للمحب ولا لذة إلا بحضور محبوبه عنده إما بالذات وهو على غاية المنى
وقال امام الأمة ابو حامد الغزالي رضي الله عنه
إذا سلط سلطان لا إله إلا الله على مدينة انسانيك لم يبق في دآئرة ديار أو لم يملكها أحد من العمار ولم يبق لك معه قرار لا تبقي ولا تذر إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا اعزة أهلها أذلة
فيصير عز كبرك مذلة وتواضعا وعز كثرثك قلة وعز وجودك محوا وعز بقاؤك فنآء وتستبدل كل صيفة مذمومة بصفة محمودة وتنتقل من عزهو ذل إلى ذل هو عز
ويقطع منك شجر صفتك المذمومة ويزال عواسج الكفر والتعطيل ويذهب عنك شوك التشبيه والتمثيل ويغرس فيها إيمان الإيمان والتوحيد
وتتنوع صفاتك المحمودة والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا
وأما ما جآء في فضل ذكر الله خصوصا فلا يحصى
خرج في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت
يا أبا هريرة ان لا يسألني عن هذا الحديث أول أحد منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ونفسه .
وعن يعلى بن شداد قال حدثني أبي شداد بن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال هل فيكم غريب يعني أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الأبواب وقال ارفعوا رؤوسكم وأيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم قال الحمد لله اللهم انك بعثتني بهاذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة وانك لا تخلف الميعاد
ثم قال ألا أبشروا فإن الله غفر لكم
رواه الإمام أحمد والطبراني وغيرهما
وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله وكيف نجددوا إيماننا قال أكثروا من قول لا إله إلا الله
وفي الترغيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لأعلم كلمة لا يقولها عبدا حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار لا إله إلا الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا من شهادة لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الجنة
لا إله إلا الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يقول
لا إله إلا الله في ساعة من ليل أو نهار إلا طمست ما في الصحيفة من السيئات حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات
وفي رواية أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تبارك وتعالى عمودا من نور بين يدي العرش فإذا قال العبد لا إله إلا الله اهتز تلك العمود فيقول الله تبارك وتعالى أسكن فيقول كيف أسكن ولم تغفر لقائلها فيقول اني غفرت اني قد غفرت له فيسكن عند ذلك
رواه البزار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح نصف الإيمان والحمد تملأ الميزان
ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر إليه تسعة وتسعين سجيلا كل سجيل مد البصر ثم يقول أشكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول الله تبارك وتعالى بل لك عندي حسنات فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجيلات فقال إنك لا تظلم فتوضع السجيلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيئا
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلته أنا والنببيئون من قبلي لا إله إلا الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الذكر
لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق
ومن كتاب الفوآئد التآمة عن علي بن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخبرني جبريل عليه السلام أن لا إله إلا الله أنيس للمسلم عند موته وفي قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم يخرجون من قبورهم ينفضون التراب على رءوسهم هذا يقول
لا إله إلا الله فيبيض وجهه وهذا ينادي يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله فيسود وجهه
وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله
ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند موتهم ولا في قبورهم ولا في منشورهم كأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وفيه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله خرج من فمه طآئرا أخضر له جناحان أبيض مكللا بالذر والياقوت يعرج إلى السمآء يسمع له ذوي كذوي النحل فيقول له أسكن فيقول لا حتى يغفر لصاحبي فيغفر لقائلها ثم يجعل لذلك الطآئر سبعون لسانا يستغفر لصاحبه إلى يوم القيامة جآء فأخذ بيدي صاحبه حتى يكون قائده ودليله إلى الجنة
وفيه أيضا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا من قال لا إله إلا الله خالصا مخلصا من قلبه ومدها بالتعظيم يعفر له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر قيل له فإن لم يكن له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر قال يغفرله ذنوب أهله وجيرانه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه
فتنبهوا أيها الإخوان لهذا الفضل العظيم والخيرالكثيرالذي جعله الله في لا إله إلا الله فاشغلوا أنفسكم وعمروا أوقاتكم بذكرها فإنها الكنز المقبول والسرالماصون
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا قال
لا إله إلا الله لم يستكملها حتى تخر ساجدة بين يدي الله تعالى فيقول لها أرفع رأسك فقدغفرت لقائلها
وفي رواية مفتاح الفلاح من رواية ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يفتح الله باب الجنة وينادي منادي من تحث العرش أيتها الجنة وكل ما فيك من النعيم لمن أنت فتنادي الجنة وما فيها نحن لأهل
لا إله إلا الله ومشتاقون إلى أهل لا إله إلا الله ولا أقبلنا إلا أهل لا إله إلا الله ونحن محرومون على من لم يقل
لا إله إلا الله ويقول للناروكل ما فيها من العذاب لمن أنت فتقول لا يدخلني إلا من أنكر لا إله إلا الله ولا أطلب إلا من كذب بلا إله إلا الله وأنا حرام على من لم يقل لا إله إلا الله ولا امتليء إلا من جحد بلا إله إلا الله وليس غضبي إلاعلى من لم يقل لا إله إلا الله قال فتجيء رحمت الله ومغفرته فيقولان أنا لأهل لا إله إلا الله وناصران لمن قال
لا إله إلا الله ومحبان لمن قال لا إله إلا الله ومتفضلان على من قال لا إله إلا الله ويقول الله تعالى أبحت الجنة لمن قال لا إله إلا الله وحرمت النار على من قال
لا إله إلا الله واغفر ذنب على من قال لا إله إلا الله فلا احجب رحمة ولامغفرة على من قال لا إله إلا الله وما خلقت الجنة إلا لأهل لا إله إلا الله خالطوا أهل
لا إله إلا الله إلا بما يوافق لا إله إلا الله
وأخرج أحمد وأبوا يعلى وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخذري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة سيعلم الجمع من أهل الكرم
قيل يارسول الله ومن أهل الكرم قال أهل مجالس الذكر
وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله ملكا يوم خلق السماوات والأرض وأمره أن يقول لا إله إلا الله فهو يقولها مد بها صوته لا يفرغ منها حتى ينفخ في الصور
قال بعض الصحابة من قال لا إله إلا الله ومدها للتعظيم كفرالله عنه أربع آلاف ذنب من الكبائر وغفر الله من أهله وجيرانه
وفي الحديث من قال لا إله إلا الله ومدها للتعظيم هدمت من ديوان سيئاته أربعة آلاف ذنب فيستحب مد الصوت بها كما قاله النووي وغيره
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته أسكنه الله دارالجلال دار يسمى بها نفسه فقال ذو الجلال والإكرام ورزقه الله النظر إلى وجهه الكريم
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاشر الناس من قال لا إله إلا الله متعجبا عن شيء رزقه الله بكل حرف شجرة في الجنة عليها ورق عدد أيام الدنيا تستغفرله كل يوم ورقة وتسبح له إلى يوم القيامة
وقال صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله حصن الله ومن قالها دخل حصن الله ومن دخل حصن الله آمن من عذاب الله
سئل ابن الصلاح عن القدر الذي يصير به العبد من الذاكرين فقال إذا واضب على الذكر المأمور صباحا ومساء وفي الأوقات المختلفة فهو من الذاكرين الله كثيرا وفي مناجات سيدنا موسى عليه السلام يا رب أنت قريب فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله أنا جليس لمن ذكرني فقال أنا أذكرك على حال لم يحملك ان أذكرك كالجنابة فقال اذكرني على كل حال ذكره في الإحيآء وعن عتبان بن مالك قال غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لن يوافي عبدا يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرمه الله على النار
قال صلى الله عليه وسلم لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب هدما
قيل يا رسول الله فإن قالها في حياته قال هي أهدم وأهدم
وفي الإحياء قال صلى الله عليه وسلم لو جآء قائل لا إله إلا الله بقراب الأرض ذنوبا لغفر له ذلك
وفي الإحيآء أيضا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه يا أبا هريرة إن كل حسنة توزن يوم القيامة إلا شهادة أن لا إله إلا الله فإنها توضع في ميزان ولو وضعت في ميزانه من قالها وضعت السماوات السبع وما فيهن والأرضون السبع وما فيهن لا إله إلا الله أرجح من وفيه أيضا اما إذا قال لا إله إلا الله أتت على صحيفته فلا تمرعلى المومن خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إلى جمبها وفيه أيضا عن كعب الأحبار رضي الله عنه أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام لولا من يقول لا إله إلا الله سلطت جهنم على أهل الدنيا وفيه أيضا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله ثلاث مرات في اليوم كانت له كفارة بكل ذنب أصابه في ذلك اليوم وفيه أيضا عن أبي الجوهري قال إذا دخلوا أهل الجنة سمعوا أشجارها يقولون لا إله إلا الله فيقول بعضهم لبعض كلمة كنا نغفل عنها في الدنيا
وعن عياض في المدارك عن يوسف بن عبد الأعلى أنه أصابه شيء فرأى في المنام قائلا يقول له إسم الله الأكبر لا إله إلا الله فقالها ومسح بها على مرضه فأصبح معافا وذكر أيضا النبهاني أن ملازمة ذكرها عند دخول المنزل ينفي الفقر وفضلها كثير وسرها شهير لا يدرك استقصاء ولا يدوم احصائه وهذا اختارالأئمة ملازمة هذا الذكر في كل حتى أن منهم من لا يفترعنه ليلا ولا نهار أو منهم من يذكرها بين اليوم والليلة سبعين ألف مرة وأهل التسبب والمشتغلين بالخدمة والمنابع إثنا عشر ألفا وروي أن من قالها سبعين ألف مرة كانت فداؤه من النار ففعلت ذلك رجاء بركة الوعد أعمالا أدخرتها لنفسي وعملت منها لأهلي وكان إذ ذلك معنا شاب كان يقول أنه يكاشف في بعض الأوقات بالجنة والنار وكان في قلبي ليس منه شيئا فاتفق أن استدعانا بعض الإخوان إلى منزله فلحقن تناول الطعام والشاب معنا إذ صاح صيحة منكرة وهو يقول ياعمي هاذه أمي في النار وهو يصيح بصياح لا شك من سمعه أنه من أمرعظيم فلما رأيت مابه قلت اليوم أجرب صدقه فألهمني الله السبعين ألف ولم يطلع علي أحدا إلا الله تعالى فقلت الأمر حق والذين رواه لنا صادقون اللهم إن هذه السبعين فداء هذه المرأة أم هذا الشاب فما استمتعت الخاطر في نفسي إلا أن قال ياعم هاهي أخرجت من النار الحمد لله فحصلت فائدة ان إيماني بصدق الأمر وسلامتي وعلي بصدقه
وقال بعض العارفين في قوله تعالى ( لا يملكون الشفاعة إلا من أتخذ عند الرحمان عهدا ) الآية
العهد كلمة لا إله إلا الله لأنها عهد المؤمن عند ربه
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اسمعوا أيها الإخوان وانظروا في رحمة الرحمان حيث أنعم علينا بسهولة عهده وطلب منا كلمة خفيفة على عبده فسبحانه من رحيم كريم يعطي على قدره العظيم
وقال تعالى ( قل أي شيء أكبر شهادة ) وقد ذكرالله سبحانه وتعالى ورسوله حكم الذكر وفضله وكيفيته وصفاته وفائدته وعقوبته من أعرض عنه فأما حكمه فقال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيرا ) الآية
واما فضله فقال تعالى ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما ) وقال تعالى ( فاذكروني اذكركم ) الآية
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
تنبه أيها الغافل من أنت حتى يذكرك الجليل الكريم وأي شيء استوجبت هذا الفخر العظيم مع أن البعض إذا قيل له ذكرك السلطان الفاني يطير قلبه فرحا ويتنبه مرحا فكيف بما ذكره الرءوف الرحيم الموصوف بالغنى المطلق والجود العميم
وأما كيفيته فقال تعالى ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) الآية
واما صفته فقال تعالى ( اذكروا الله كذركم آبائكم أو أشد ذكرا )
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وارضاه
اذكروا الله ياعبادي كذركم آبائكم الغائبين عنكم اشتاق المشتاقون إلى لقائهم المتلهفون بهم سرا وعلانية المتحسرون على فراقهم بل اذكروا الله أشد واعظم وأكثرمن ذكركم آبائكم لأنه أحسن إليكم أكثر من احسان آبائكم وأنعم عليكم وبعد العدم أوجدكم ومع معصيته عملكم ولا يطلب جزاء منكم وإنما هي أعمالكم تحصى لكم وأما عقوبته من أعرض عنه فقال تعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ) الآية وقال تعالى ( ومن يعش عن ذكر الله ) الآية ومعنى الإتيان من غفل عن ذكر الله يسرالله له شيطانا يكون له قرينا يأمره بأشر وينهاه عن الخير عقوبة له عن الغفلة عن الذكر
تنبيه للعلمآء أقول في الذكر وهل الجهر به أفضل أو السر أفضل
ولكل دليل قال الجزولي الذكر بالقلب وهو احضارالإنسان قلبه والخوف والخشوع وتصوراطلاع ربه عليه في سره وعلانيته وعلم جميع أحواله وتصرفاته وانه لا تخفى عليه خافية ولا يتسترعنه مستور فلذلك كان الذكر بالقلب أفضل من الذكر باللسان وقيل الذكرباللسان أفضل قاله أبوعبيدة بن عبد الله وفضل آخرون فإن كان ممن يقتدي به وكان في محفل من الناس فالذكر باللسان أفضل ليقتدي به وإن كان من لا يقتدي به وكان في محضرالناس فذكره بالقلب افضل وارتضى هذا القول الطبري رحمه الله عند العارفين رضي الله عنهم الذكر ينقسم إلى أقسام ذكر بالقلب وذكر بالجوارح وذكر باللسان
قال العارفون فالألى أعلاها وموجبة التعظيم والاجلال وعنه ينشأ الإحراق والثاني يليه ومرجعه التعظيم لامتثال الأمر والنهي فإنه قيام بحق العبودية والثالث مقامه لها ونتيجة عنهما
قال الشيخ زروق رضي الله عنه
باب الذكر واسع وفضله كثيروالكلام فيه عزيزلأنه باب الولاية ومفتاح العناية وكل عبادة دونه محمودة قالوا وهو منشور الولاية أي مرسومها وظهيرها
فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور وربك الفتاح العليم
ورحم الله ابن عطآء حيث قال لا تترك الذكرلعدم حضورك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكرك أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكرمع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقضة الى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز
وقال بعض العارفين الذكر منشور الولاية فمن وفق الذكر فقد أعطي المنشور ومن سلب الذكر فقد عزل
والذكر اعظم باب أنت داخله * لله فاجعل الأنفاس حراسا
قال الإمام ابو القاسم القشيري رضي الله عنه
الذكرعنوان الولاية ومنارالوصلة وتحقيق الإرادة وعلامة صحة البداية و صفاءالنهاية فليس وراء الذكر شيء وجميع الخلاص المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشاها عن الذكر وفضائل الذكرأفضل من أن يحصى ولو لم يرد فيه إلا قوله في كتابه العزيز( فاذكروني أذكركم ) وقوله عز وجل فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذ ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير من ملائه وإن تقرب إلي شبرا تقربت منه دراعا وإن تقرب إلي دراعا تقربت منه باعا وإن اتاني يمشي أتيته هروله لكان في ذلك اكتفاء وغنية قال ابن عباس رضي الله عنه لم يفرض الله تعالى على عبده فريضة إلاجعل لها حدا معلوما ثم عذر يسقطها لأهلها في حال العذرغير الذكرفإنه لم يجعل له حدا معلوما إليه ولم يعذرأحد في تركه إلا مغلوبا على عقله وأمرهم بذكره في الأحوال كلها
فقال عز من قائل ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) وقل ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيرا ) الآية أي بالليل والنهار في البر والبحر والسفر والحضر والغنى والفقر وفي الصحة والسقم والسر والعلانية وعلى كل حال
وقال مجاهد رضي الله عنه
الذكر الكثير أن لا تنساه أبدا
وفي الحيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون
وقال سمعت من سيدنا الشيخ رضي الله عنه غير ما مر يقول الذكر جهرا أفضل لأهل البدايات وبه تستنيرالقلوب المظلمات
وقال كنا معه رضي الله عنه ونفعنا ببركاته آمين في بعض السياحات ومررنا على مدينة وبعض الإخوان يذكرجهرا فإذا بعض من علمائها انتقذ على الذاكر وقال له اذكر سرا ألم تسمعوا قول الله تعالى
( واذكر ربك في نفسك ) الآية فلما سمعنا منه ذلك ذكرناه لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه وحكينا له ماوقع حرفا حرفا فقال رضي الله عنه ليس في هذه الاية دليل على الذكر سرا وإنما فيها انضمام الذكربالقلب إلى الذكر باللسان
فكان يقول اذكرني يا عبدي بقلبك جلالة وعظامة حيث تذكرني بلسانك جهرة ولا تكن من الذاكرين بلسانهم الغافلين عن الله بقلوبهم
وهذا مقام شريف لا يناله إلا خاصة الخاصة
وقال رضي الله عنه وأرضاه
جميع ما تقفون عليه من نصوص العلماء رضي الله عنهم في الذكر واختلافهم فيه إنما هو في حق من كان في حالة اختياره وأما من فرغ قلبه للعليم الحكيم من كل موجود عديم وصار قلبه بيتا للحق وامتلأ منه نورا وخرج منه الذكر من غير قصد ولا تدبير فلا شك حينئذ أن يكون الحق المبين لسانه الذي ينطق به فإن بطش هذا الذاكر كان يده التي يبطش بها وإن سمع كان سمعه الذي يسمع به قد استولى المذكورالعلي على الفؤاد فامتلكته وعلى الجوارح فصرفها فيما يرضيه وعلى الصفات من هذا العبد فقلبها كيف شآء في مرضاته فهو خارج عن الفتوى ولا يعترض عليه بكل دعوى سوآء ذكرا سرا أو جهرا
وكيف يعترض عليه وأعماله ثنبعت نشاطا ولذة من غير كلل ولا سمعة
والمنتقذ عليه هالك وخاسرصفته لكونه حجرعلى من بيده كل منفعة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وبيده القبول والرد والحل والعقد
وهذه لا يعرف حقائقها إلاالسالكون وجدانا والعلماء إيمانا وتصديقا وذلك أن المذكورجلا وعلا
لا يجوز عليه وصف الفقد والعدم لا يمنعه حجاب ولا يحويه مكان ولا يشتمل عليه زمان
ولا يجوز عليه الغيبة بوجه ولا يتصف بحوادث المحدثين ولا يجري عليه صفة المخلوقين فهوحاضرالله
ومعنى وشاهد سرا ونجوى إذهوالقريب من كل شيء وأقرب للذاكرمن نفسه من حيث الإيجاد والعلم به والمشيئة فيه والقدرة والتدبيرله والقيام عليه خلق الخليقة فلا تلحقه أوصافها وأوجد الأعداد فلا تحصوه معانيها سبحانه هو العلي الكبير
وقد كان الناس على عهد الأوائل الناطق بالصواب مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله لكل أمة محدث وإن يكن في أمة فعمر منهم
وحين تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة ذهب إلى حذيفة بن اليمان الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم علامة النفاق والمنافقين فسأله أنشدتك الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماني فيهم قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لا ولست أبريء بعدك أحدا فهل كان سيدنا عمر يحذرالنفاق المعروف أي إعلان الإنسان لخلاف ما يبطنه وهو المبشر بالجنة والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لو كان في هذه الأمة محدثون أي ملهمون وهي درجة قريبة من النبوة لكنت أنت يا عمر
ان ما كان يخشاه عمر نوع آخر من النفاق لا يعرفه إلا من أكرمه الله بنور من عنده يعلم به ما خفي من أسرار القلوب هذا النورالذي بثه المصطفى صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه فوجههم بذلك إلى الباري جلت قدرته وعمل على تطهير قلوبهم مصداقا لقوله تعالى
( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الاية
وجاء في نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أوصى به كرم الله وجهه تلميذه كميل بن زياد حيث قال يا كميل بن زيادالقلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق
ثم يمضي الإمام علي كرم الله وجهه في تفضيلا العلم على المال ويخبر كميل بن زياد أن في قلبه علما يخشى أن يلقنه الناس فلا يحسنون استخدامه
ولكنه لن يعدم حجج الله في الأرض بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحججه لكي لا تبطل حجج الله وبيناته أولائك هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعونها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش عنه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأولي
أولائك خلفاء الله في بلاده ودعاته إلى دينه
أو كما قال صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالذكر عند غروب الشمس وربما ذكروا سرا فيرسل إليهم سيدنا عمر أن يرفعون أصواتهم فإن الشمس قد دنت للغروب
وقال سيدي علي الخواص
ينبغي للمريد أن يذكر بقوة تامة مع فإنه أشد تأثير في دفع الخواطرالردية من الذكر سرا أو مع الجماعة فإن ذكر الجماعة أكثر تأثير في رفع الحجاب حجب النفس من ذكر الإنسان وحده
ولهذا كان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر الإخوان بالاجتماع لذكرالوضيفة ويحضهم على الاجتماع والذكر جهرا
وذكر في ذلك أسرار منها حضور الملآئكة الذين خلقوا سياحين في الأرض لحلق الذكر
ومنها نزول الملآئكة الرحمة بنزول الملآئكة عليهم ومنها استنارة قلب الغافل بنور صاحبه ولو كان واحد في الجماعة لاستنارالجميع بنوره ومنها إضافة الأسرارالإلهية من القلوب الوهبية على القلوب الخالية ومنها طبيعة الغافلين تسرق من طبيعة العارفين لضعفها وتتبدل من وصفها إلى غير ذلك من الأسرار التي لا يعلمها إلا أهل الأسرار
وكان يقول رضي الله عنه وأرضاه يقول إذا وصلت المعاملة إلى القلوب استراح الجسد ولا قدرة للعبد على ذلك الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب
فإذا أحبك جعلك ذاكرا ولولا فضله لم تكن اهلا فجريان ذكره عليك وجعلك مذكورا إذ حقق نسبته لذيك وجعلك مذكورا عنده فتم نعمته عليك والله ذوالفضل العظيم
فيامعشر الفقرآء سارعوا إلى ذكر الله وأكثروا منه فإنكم تحوزون به شرفا وتكسبون به حورا وغرفا
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { غافر الذنب } يعني لمن يقول لا إله إلا الله وقابل التوب لمن يقول لا إله إلا الله
{ شديد العقاب } لمن لم يقول لا إله إلا الله
قال تعالى { إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا }الآية
قال ابن عباس رضي الله عنهما العهد شهادة أن لا إله إلا الله وقال تعالى { وألزمهم كلمة التقوى } الآية قول
لا إله إلا الله قال تعالى { إليه يصعد الكلم الطيب } الآية أي قول لا إله إلا الله وقال تعالى { من جآء بالحسنة فله عشر أمثالها } الآية أي من جاء يقول لا إله إلا الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس الشيطان وإن نسى ألتقم قلبه
قال المنذري خطمه بفتح الخآء المعجمة وسكون الطآء المهملة وهو فمه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ساعة تمر بابن آدم ولم يذكرالله فيها بخير إلا تحسرعليه يوم القيامة وإن كان من أهل الجنة
ومن كلام الأئمة في الدين سلفا وخلفا من المشايخ العارفين في هذا المعنى أكثر من أن يحصى
روي عن أبي الدردآء رضي الله عنه أنه قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذاكر ناعم غانم بالذكر غانم الأجر سالم من الوزر
وخرج أبي هريرة رضي الله عنه إلى السوق وقال أراكم هاهنا وميراث سيدنا محمد يقسم في المسجد فتسارع الناس إلى المسجد قال فماذا رأيتم قالوا رأينا قوما يذكرون الله تعالى ويقرءون القرآن قال ذلك ميراث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وعن مالك ابن دينار قال قرأت في التورية أيها الصديقون تنعموا بذكري في الدنيا فإنه لكم في الدنيا نعيم وفي الآخرة جزآء
قال القشيري رحمه الله تعالى سمعت الأستاذ أبي علي الذقاق رحمه الله يقول الذكرمنشورالولاية فمن وفق للذكر فقد أعطي المنشور ومن سلب الذكر فقد عزل
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن شرف الذكرالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنك لوفعلت في عمرك كل طاعة ثم صليت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة كل ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعة لأنك تصلي على قدر وسعك وهو يصلي عليك على حسب ربوبيته هذا إن كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة كما جآء في الحديث الصحيح
فتنبه ياهذا من غفلتك وأدم ذكر الله في خلوتك فإنك تدرك ما يسر في دنياك وآخرتك
وما من صيد يصاد ولا شجرة تعضد إلا لغفلتها عن ذكر الله تعالى
أنظر السارق فإنه لا يسرق بينا وأهله إيقاضا
فهكذا الشيطان لا يتسلط إلا على قلب ميت أو غفلان
فاحتفظ ياهذا على بقية عمرك وهو شيء يسير وقد ضيعت ما مضى وهو كثير والله ما عمرك من أي يوم ولدت بل عمرك من أول يوم عرفت الله تعالى لأنك بحياة شجرة إيمانك في قلبك وحياتها بطاعتك ومعرفتك
فهنيئا لك إذا بسقت واثمرت حتى خرجت أغصانها وثمارها من كل جزء من اجزآء البدن
فإن سقيت على الدوام بمياه الطاعات على الدوام أينعت وأزهرت وإن فرطت في الطاعات وأعرضت على الله تعالى يبست أو قل ثمارها فلم تنفذ إلى الجوارح وإذا كانت الجوارح عارية عن ثمرات الإيمان صارت مأوى الآفاعي والمعاصي وحياتها وعقاريبها
ولا شك ان الإيمان الحقيقي يغرس على القطع في سويداء القلب وباطنه عظيم الحب للرب الكريم الرءوف الرحيم محبته جل وعلا توجب استحلاء كثرة ذكره وإدامة الجولان في عظيم سره وقهره وعزيز حكمه لا سيما شريف وعده ووعيده ونهيه وامره
لأن كل من أحب شيئا أكثر من ذكره بل لا راحة للمحب ولا لذة إلا بحضور محبوبه عنده إما بالذات وهو على غاية المنى
وقال امام الأمة ابو حامد الغزالي رضي الله عنه
إذا سلط سلطان لا إله إلا الله على مدينة انسانيك لم يبق في دآئرة ديار أو لم يملكها أحد من العمار ولم يبق لك معه قرار لا تبقي ولا تذر إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا اعزة أهلها أذلة
فيصير عز كبرك مذلة وتواضعا وعز كثرثك قلة وعز وجودك محوا وعز بقاؤك فنآء وتستبدل كل صيفة مذمومة بصفة محمودة وتنتقل من عزهو ذل إلى ذل هو عز
ويقطع منك شجر صفتك المذمومة ويزال عواسج الكفر والتعطيل ويذهب عنك شوك التشبيه والتمثيل ويغرس فيها إيمان الإيمان والتوحيد
وتتنوع صفاتك المحمودة والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا
وأما ما جآء في فضل ذكر الله خصوصا فلا يحصى
خرج في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت
يا أبا هريرة ان لا يسألني عن هذا الحديث أول أحد منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ونفسه .
وعن يعلى بن شداد قال حدثني أبي شداد بن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال هل فيكم غريب يعني أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الأبواب وقال ارفعوا رؤوسكم وأيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم قال الحمد لله اللهم انك بعثتني بهاذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة وانك لا تخلف الميعاد
ثم قال ألا أبشروا فإن الله غفر لكم
رواه الإمام أحمد والطبراني وغيرهما
وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله وكيف نجددوا إيماننا قال أكثروا من قول لا إله إلا الله
وفي الترغيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لأعلم كلمة لا يقولها عبدا حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار لا إله إلا الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا من شهادة لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها وقال صلى الله عليه وسلم مفتاح الجنة
لا إله إلا الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يقول
لا إله إلا الله في ساعة من ليل أو نهار إلا طمست ما في الصحيفة من السيئات حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات
وفي رواية أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تبارك وتعالى عمودا من نور بين يدي العرش فإذا قال العبد لا إله إلا الله اهتز تلك العمود فيقول الله تبارك وتعالى أسكن فيقول كيف أسكن ولم تغفر لقائلها فيقول اني غفرت اني قد غفرت له فيسكن عند ذلك
رواه البزار وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح نصف الإيمان والحمد تملأ الميزان
ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر إليه تسعة وتسعين سجيلا كل سجيل مد البصر ثم يقول أشكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول الله تبارك وتعالى بل لك عندي حسنات فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجيلات فقال إنك لا تظلم فتوضع السجيلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيئا
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلته أنا والنببيئون من قبلي لا إله إلا الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الذكر
لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق
ومن كتاب الفوآئد التآمة عن علي بن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخبرني جبريل عليه السلام أن لا إله إلا الله أنيس للمسلم عند موته وفي قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم يخرجون من قبورهم ينفضون التراب على رءوسهم هذا يقول
لا إله إلا الله فيبيض وجهه وهذا ينادي يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله فيسود وجهه
وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله
ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند موتهم ولا في قبورهم ولا في منشورهم كأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وفيه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله خرج من فمه طآئرا أخضر له جناحان أبيض مكللا بالذر والياقوت يعرج إلى السمآء يسمع له ذوي كذوي النحل فيقول له أسكن فيقول لا حتى يغفر لصاحبي فيغفر لقائلها ثم يجعل لذلك الطآئر سبعون لسانا يستغفر لصاحبه إلى يوم القيامة جآء فأخذ بيدي صاحبه حتى يكون قائده ودليله إلى الجنة
وفيه أيضا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا من قال لا إله إلا الله خالصا مخلصا من قلبه ومدها بالتعظيم يعفر له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر قيل له فإن لم يكن له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر قال يغفرله ذنوب أهله وجيرانه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه
فتنبهوا أيها الإخوان لهذا الفضل العظيم والخيرالكثيرالذي جعله الله في لا إله إلا الله فاشغلوا أنفسكم وعمروا أوقاتكم بذكرها فإنها الكنز المقبول والسرالماصون
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا قال
لا إله إلا الله لم يستكملها حتى تخر ساجدة بين يدي الله تعالى فيقول لها أرفع رأسك فقدغفرت لقائلها
وفي رواية مفتاح الفلاح من رواية ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يفتح الله باب الجنة وينادي منادي من تحث العرش أيتها الجنة وكل ما فيك من النعيم لمن أنت فتنادي الجنة وما فيها نحن لأهل
لا إله إلا الله ومشتاقون إلى أهل لا إله إلا الله ولا أقبلنا إلا أهل لا إله إلا الله ونحن محرومون على من لم يقل
لا إله إلا الله ويقول للناروكل ما فيها من العذاب لمن أنت فتقول لا يدخلني إلا من أنكر لا إله إلا الله ولا أطلب إلا من كذب بلا إله إلا الله وأنا حرام على من لم يقل لا إله إلا الله ولا امتليء إلا من جحد بلا إله إلا الله وليس غضبي إلاعلى من لم يقل لا إله إلا الله قال فتجيء رحمت الله ومغفرته فيقولان أنا لأهل لا إله إلا الله وناصران لمن قال
لا إله إلا الله ومحبان لمن قال لا إله إلا الله ومتفضلان على من قال لا إله إلا الله ويقول الله تعالى أبحت الجنة لمن قال لا إله إلا الله وحرمت النار على من قال
لا إله إلا الله واغفر ذنب على من قال لا إله إلا الله فلا احجب رحمة ولامغفرة على من قال لا إله إلا الله وما خلقت الجنة إلا لأهل لا إله إلا الله خالطوا أهل
لا إله إلا الله إلا بما يوافق لا إله إلا الله
وأخرج أحمد وأبوا يعلى وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخذري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة سيعلم الجمع من أهل الكرم
قيل يارسول الله ومن أهل الكرم قال أهل مجالس الذكر
وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله ملكا يوم خلق السماوات والأرض وأمره أن يقول لا إله إلا الله فهو يقولها مد بها صوته لا يفرغ منها حتى ينفخ في الصور
قال بعض الصحابة من قال لا إله إلا الله ومدها للتعظيم كفرالله عنه أربع آلاف ذنب من الكبائر وغفر الله من أهله وجيرانه
وفي الحديث من قال لا إله إلا الله ومدها للتعظيم هدمت من ديوان سيئاته أربعة آلاف ذنب فيستحب مد الصوت بها كما قاله النووي وغيره
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته أسكنه الله دارالجلال دار يسمى بها نفسه فقال ذو الجلال والإكرام ورزقه الله النظر إلى وجهه الكريم
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاشر الناس من قال لا إله إلا الله متعجبا عن شيء رزقه الله بكل حرف شجرة في الجنة عليها ورق عدد أيام الدنيا تستغفرله كل يوم ورقة وتسبح له إلى يوم القيامة
وقال صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله حصن الله ومن قالها دخل حصن الله ومن دخل حصن الله آمن من عذاب الله
سئل ابن الصلاح عن القدر الذي يصير به العبد من الذاكرين فقال إذا واضب على الذكر المأمور صباحا ومساء وفي الأوقات المختلفة فهو من الذاكرين الله كثيرا وفي مناجات سيدنا موسى عليه السلام يا رب أنت قريب فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله أنا جليس لمن ذكرني فقال أنا أذكرك على حال لم يحملك ان أذكرك كالجنابة فقال اذكرني على كل حال ذكره في الإحيآء وعن عتبان بن مالك قال غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لن يوافي عبدا يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرمه الله على النار
قال صلى الله عليه وسلم لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب هدما
قيل يا رسول الله فإن قالها في حياته قال هي أهدم وأهدم
وفي الإحياء قال صلى الله عليه وسلم لو جآء قائل لا إله إلا الله بقراب الأرض ذنوبا لغفر له ذلك
وفي الإحيآء أيضا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه يا أبا هريرة إن كل حسنة توزن يوم القيامة إلا شهادة أن لا إله إلا الله فإنها توضع في ميزان ولو وضعت في ميزانه من قالها وضعت السماوات السبع وما فيهن والأرضون السبع وما فيهن لا إله إلا الله أرجح من وفيه أيضا اما إذا قال لا إله إلا الله أتت على صحيفته فلا تمرعلى المومن خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إلى جمبها وفيه أيضا عن كعب الأحبار رضي الله عنه أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام لولا من يقول لا إله إلا الله سلطت جهنم على أهل الدنيا وفيه أيضا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله ثلاث مرات في اليوم كانت له كفارة بكل ذنب أصابه في ذلك اليوم وفيه أيضا عن أبي الجوهري قال إذا دخلوا أهل الجنة سمعوا أشجارها يقولون لا إله إلا الله فيقول بعضهم لبعض كلمة كنا نغفل عنها في الدنيا
وعن عياض في المدارك عن يوسف بن عبد الأعلى أنه أصابه شيء فرأى في المنام قائلا يقول له إسم الله الأكبر لا إله إلا الله فقالها ومسح بها على مرضه فأصبح معافا وذكر أيضا النبهاني أن ملازمة ذكرها عند دخول المنزل ينفي الفقر وفضلها كثير وسرها شهير لا يدرك استقصاء ولا يدوم احصائه وهذا اختارالأئمة ملازمة هذا الذكر في كل حتى أن منهم من لا يفترعنه ليلا ولا نهار أو منهم من يذكرها بين اليوم والليلة سبعين ألف مرة وأهل التسبب والمشتغلين بالخدمة والمنابع إثنا عشر ألفا وروي أن من قالها سبعين ألف مرة كانت فداؤه من النار ففعلت ذلك رجاء بركة الوعد أعمالا أدخرتها لنفسي وعملت منها لأهلي وكان إذ ذلك معنا شاب كان يقول أنه يكاشف في بعض الأوقات بالجنة والنار وكان في قلبي ليس منه شيئا فاتفق أن استدعانا بعض الإخوان إلى منزله فلحقن تناول الطعام والشاب معنا إذ صاح صيحة منكرة وهو يقول ياعمي هاذه أمي في النار وهو يصيح بصياح لا شك من سمعه أنه من أمرعظيم فلما رأيت مابه قلت اليوم أجرب صدقه فألهمني الله السبعين ألف ولم يطلع علي أحدا إلا الله تعالى فقلت الأمر حق والذين رواه لنا صادقون اللهم إن هذه السبعين فداء هذه المرأة أم هذا الشاب فما استمتعت الخاطر في نفسي إلا أن قال ياعم هاهي أخرجت من النار الحمد لله فحصلت فائدة ان إيماني بصدق الأمر وسلامتي وعلي بصدقه
وقال بعض العارفين في قوله تعالى ( لا يملكون الشفاعة إلا من أتخذ عند الرحمان عهدا ) الآية
العهد كلمة لا إله إلا الله لأنها عهد المؤمن عند ربه
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اسمعوا أيها الإخوان وانظروا في رحمة الرحمان حيث أنعم علينا بسهولة عهده وطلب منا كلمة خفيفة على عبده فسبحانه من رحيم كريم يعطي على قدره العظيم
وقال تعالى ( قل أي شيء أكبر شهادة ) وقد ذكرالله سبحانه وتعالى ورسوله حكم الذكر وفضله وكيفيته وصفاته وفائدته وعقوبته من أعرض عنه فأما حكمه فقال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيرا ) الآية
واما فضله فقال تعالى ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما ) وقال تعالى ( فاذكروني اذكركم ) الآية
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
تنبه أيها الغافل من أنت حتى يذكرك الجليل الكريم وأي شيء استوجبت هذا الفخر العظيم مع أن البعض إذا قيل له ذكرك السلطان الفاني يطير قلبه فرحا ويتنبه مرحا فكيف بما ذكره الرءوف الرحيم الموصوف بالغنى المطلق والجود العميم
وأما كيفيته فقال تعالى ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) الآية
واما صفته فقال تعالى ( اذكروا الله كذركم آبائكم أو أشد ذكرا )
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وارضاه
اذكروا الله ياعبادي كذركم آبائكم الغائبين عنكم اشتاق المشتاقون إلى لقائهم المتلهفون بهم سرا وعلانية المتحسرون على فراقهم بل اذكروا الله أشد واعظم وأكثرمن ذكركم آبائكم لأنه أحسن إليكم أكثر من احسان آبائكم وأنعم عليكم وبعد العدم أوجدكم ومع معصيته عملكم ولا يطلب جزاء منكم وإنما هي أعمالكم تحصى لكم وأما عقوبته من أعرض عنه فقال تعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ) الآية وقال تعالى ( ومن يعش عن ذكر الله ) الآية ومعنى الإتيان من غفل عن ذكر الله يسرالله له شيطانا يكون له قرينا يأمره بأشر وينهاه عن الخير عقوبة له عن الغفلة عن الذكر
تنبيه للعلمآء أقول في الذكر وهل الجهر به أفضل أو السر أفضل
ولكل دليل قال الجزولي الذكر بالقلب وهو احضارالإنسان قلبه والخوف والخشوع وتصوراطلاع ربه عليه في سره وعلانيته وعلم جميع أحواله وتصرفاته وانه لا تخفى عليه خافية ولا يتسترعنه مستور فلذلك كان الذكر بالقلب أفضل من الذكر باللسان وقيل الذكرباللسان أفضل قاله أبوعبيدة بن عبد الله وفضل آخرون فإن كان ممن يقتدي به وكان في محفل من الناس فالذكر باللسان أفضل ليقتدي به وإن كان من لا يقتدي به وكان في محضرالناس فذكره بالقلب افضل وارتضى هذا القول الطبري رحمه الله عند العارفين رضي الله عنهم الذكر ينقسم إلى أقسام ذكر بالقلب وذكر بالجوارح وذكر باللسان
قال العارفون فالألى أعلاها وموجبة التعظيم والاجلال وعنه ينشأ الإحراق والثاني يليه ومرجعه التعظيم لامتثال الأمر والنهي فإنه قيام بحق العبودية والثالث مقامه لها ونتيجة عنهما
قال الشيخ زروق رضي الله عنه
باب الذكر واسع وفضله كثيروالكلام فيه عزيزلأنه باب الولاية ومفتاح العناية وكل عبادة دونه محمودة قالوا وهو منشور الولاية أي مرسومها وظهيرها
فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور وربك الفتاح العليم
ورحم الله ابن عطآء حيث قال لا تترك الذكرلعدم حضورك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكرك أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكرمع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقضة الى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز
وقال بعض العارفين الذكر منشور الولاية فمن وفق الذكر فقد أعطي المنشور ومن سلب الذكر فقد عزل
والذكر اعظم باب أنت داخله * لله فاجعل الأنفاس حراسا
قال الإمام ابو القاسم القشيري رضي الله عنه
الذكرعنوان الولاية ومنارالوصلة وتحقيق الإرادة وعلامة صحة البداية و صفاءالنهاية فليس وراء الذكر شيء وجميع الخلاص المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشاها عن الذكر وفضائل الذكرأفضل من أن يحصى ولو لم يرد فيه إلا قوله في كتابه العزيز( فاذكروني أذكركم ) وقوله عز وجل فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذ ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير من ملائه وإن تقرب إلي شبرا تقربت منه دراعا وإن تقرب إلي دراعا تقربت منه باعا وإن اتاني يمشي أتيته هروله لكان في ذلك اكتفاء وغنية قال ابن عباس رضي الله عنه لم يفرض الله تعالى على عبده فريضة إلاجعل لها حدا معلوما ثم عذر يسقطها لأهلها في حال العذرغير الذكرفإنه لم يجعل له حدا معلوما إليه ولم يعذرأحد في تركه إلا مغلوبا على عقله وأمرهم بذكره في الأحوال كلها
فقال عز من قائل ( فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) وقل ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيرا ) الآية أي بالليل والنهار في البر والبحر والسفر والحضر والغنى والفقر وفي الصحة والسقم والسر والعلانية وعلى كل حال
وقال مجاهد رضي الله عنه
الذكر الكثير أن لا تنساه أبدا
وفي الحيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون
وقال سمعت من سيدنا الشيخ رضي الله عنه غير ما مر يقول الذكر جهرا أفضل لأهل البدايات وبه تستنيرالقلوب المظلمات
وقال كنا معه رضي الله عنه ونفعنا ببركاته آمين في بعض السياحات ومررنا على مدينة وبعض الإخوان يذكرجهرا فإذا بعض من علمائها انتقذ على الذاكر وقال له اذكر سرا ألم تسمعوا قول الله تعالى
( واذكر ربك في نفسك ) الآية فلما سمعنا منه ذلك ذكرناه لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه وحكينا له ماوقع حرفا حرفا فقال رضي الله عنه ليس في هذه الاية دليل على الذكر سرا وإنما فيها انضمام الذكربالقلب إلى الذكر باللسان
فكان يقول اذكرني يا عبدي بقلبك جلالة وعظامة حيث تذكرني بلسانك جهرة ولا تكن من الذاكرين بلسانهم الغافلين عن الله بقلوبهم
وهذا مقام شريف لا يناله إلا خاصة الخاصة
وقال رضي الله عنه وأرضاه
جميع ما تقفون عليه من نصوص العلماء رضي الله عنهم في الذكر واختلافهم فيه إنما هو في حق من كان في حالة اختياره وأما من فرغ قلبه للعليم الحكيم من كل موجود عديم وصار قلبه بيتا للحق وامتلأ منه نورا وخرج منه الذكر من غير قصد ولا تدبير فلا شك حينئذ أن يكون الحق المبين لسانه الذي ينطق به فإن بطش هذا الذاكر كان يده التي يبطش بها وإن سمع كان سمعه الذي يسمع به قد استولى المذكورالعلي على الفؤاد فامتلكته وعلى الجوارح فصرفها فيما يرضيه وعلى الصفات من هذا العبد فقلبها كيف شآء في مرضاته فهو خارج عن الفتوى ولا يعترض عليه بكل دعوى سوآء ذكرا سرا أو جهرا
وكيف يعترض عليه وأعماله ثنبعت نشاطا ولذة من غير كلل ولا سمعة
والمنتقذ عليه هالك وخاسرصفته لكونه حجرعلى من بيده كل منفعة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وبيده القبول والرد والحل والعقد
وهذه لا يعرف حقائقها إلاالسالكون وجدانا والعلماء إيمانا وتصديقا وذلك أن المذكورجلا وعلا
لا يجوز عليه وصف الفقد والعدم لا يمنعه حجاب ولا يحويه مكان ولا يشتمل عليه زمان
ولا يجوز عليه الغيبة بوجه ولا يتصف بحوادث المحدثين ولا يجري عليه صفة المخلوقين فهوحاضرالله
ومعنى وشاهد سرا ونجوى إذهوالقريب من كل شيء وأقرب للذاكرمن نفسه من حيث الإيجاد والعلم به والمشيئة فيه والقدرة والتدبيرله والقيام عليه خلق الخليقة فلا تلحقه أوصافها وأوجد الأعداد فلا تحصوه معانيها سبحانه هو العلي الكبير
وقد كان الناس على عهد الأوائل الناطق بالصواب مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله لكل أمة محدث وإن يكن في أمة فعمر منهم
وحين تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة ذهب إلى حذيفة بن اليمان الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم علامة النفاق والمنافقين فسأله أنشدتك الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماني فيهم قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لا ولست أبريء بعدك أحدا فهل كان سيدنا عمر يحذرالنفاق المعروف أي إعلان الإنسان لخلاف ما يبطنه وهو المبشر بالجنة والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لو كان في هذه الأمة محدثون أي ملهمون وهي درجة قريبة من النبوة لكنت أنت يا عمر
ان ما كان يخشاه عمر نوع آخر من النفاق لا يعرفه إلا من أكرمه الله بنور من عنده يعلم به ما خفي من أسرار القلوب هذا النورالذي بثه المصطفى صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه فوجههم بذلك إلى الباري جلت قدرته وعمل على تطهير قلوبهم مصداقا لقوله تعالى
( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الاية
وجاء في نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أوصى به كرم الله وجهه تلميذه كميل بن زياد حيث قال يا كميل بن زيادالقلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق
ثم يمضي الإمام علي كرم الله وجهه في تفضيلا العلم على المال ويخبر كميل بن زياد أن في قلبه علما يخشى أن يلقنه الناس فلا يحسنون استخدامه
ولكنه لن يعدم حجج الله في الأرض بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحججه لكي لا تبطل حجج الله وبيناته أولائك هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعونها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش عنه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمنظر الأولي
أولائك خلفاء الله في بلاده ودعاته إلى دينه
أو كما قال صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالذكر عند غروب الشمس وربما ذكروا سرا فيرسل إليهم سيدنا عمر أن يرفعون أصواتهم فإن الشمس قد دنت للغروب
وقال سيدي علي الخواص
ينبغي للمريد أن يذكر بقوة تامة مع فإنه أشد تأثير في دفع الخواطرالردية من الذكر سرا أو مع الجماعة فإن ذكر الجماعة أكثر تأثير في رفع الحجاب حجب النفس من ذكر الإنسان وحده
ولهذا كان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر الإخوان بالاجتماع لذكرالوضيفة ويحضهم على الاجتماع والذكر جهرا
وذكر في ذلك أسرار منها حضور الملآئكة الذين خلقوا سياحين في الأرض لحلق الذكر
ومنها نزول الملآئكة الرحمة بنزول الملآئكة عليهم ومنها استنارة قلب الغافل بنور صاحبه ولو كان واحد في الجماعة لاستنارالجميع بنوره ومنها إضافة الأسرارالإلهية من القلوب الوهبية على القلوب الخالية ومنها طبيعة الغافلين تسرق من طبيعة العارفين لضعفها وتتبدل من وصفها إلى غير ذلك من الأسرار التي لا يعلمها إلا أهل الأسرار
وكان يقول رضي الله عنه وأرضاه يقول إذا وصلت المعاملة إلى القلوب استراح الجسد ولا قدرة للعبد على ذلك الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب
فإذا أحبك جعلك ذاكرا ولولا فضله لم تكن اهلا فجريان ذكره عليك وجعلك مذكورا إذ حقق نسبته لذيك وجعلك مذكورا عنده فتم نعمته عليك والله ذوالفضل العظيم
فيامعشر الفقرآء سارعوا إلى ذكر الله وأكثروا منه فإنكم تحوزون به شرفا وتكسبون به حورا وغرفا
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { غافر الذنب } يعني لمن يقول لا إله إلا الله وقابل التوب لمن يقول لا إله إلا الله
{ شديد العقاب } لمن لم يقول لا إله إلا الله
قال تعالى { إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا }الآية
قال ابن عباس رضي الله عنهما العهد شهادة أن لا إله إلا الله وقال تعالى { وألزمهم كلمة التقوى } الآية قول
لا إله إلا الله قال تعالى { إليه يصعد الكلم الطيب } الآية أي قول لا إله إلا الله وقال تعالى { من جآء بالحسنة فله عشر أمثالها } الآية أي من جاء يقول لا إله إلا الله
ختم الشيخ رضي الله عنه وأرضاه هذه الصلاة النورانية بالحمد لله اقتذاء بالمشايخ العارفين والعلمآء العاملين حسبما جرت عادتهم بالحمدلة في أعقاب تهليلاتهم وتسبيحاتهم وذلك عين السنة لما روي في صحيحالأحاديث أن الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام حمدوا في البساطات الثلاث وفي فضائل الفاتحة ان الله تبارك وتعالى أورثنا الحمد من سنة نفر أحدهما الأب الأكبرأبونا آدم عليه السلام حين عطس فقال الحمد لله فوجد الرحمة من الله تعالى حيث قالت الملآئكة يرحمك ربك قال الله تعالى
{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما }
والثاني من سيدنا نوح عليه السلام { حيث قال الحمد لله الذي نجينا من القوم الظالمين } الآية
فوجد السلامة قال الله تعالى { يانوح أهبط بسلام منا وبركة عليك وعلى أمم ممن معك } الآية
والثالث من سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث قال
{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعآء } الآية فوجد الفذآء قال الله تعالى
{ وفديناه بذبيح عظيم } الآية
وكذا سيدنا داوود عليه السلام والخامسة من سيدنا سليمان عليه السلام حيث قال { الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المومنين } الآية فوجد العلم والحكمة قال الله تعالى { وكلا آتينا حكما وعلما } الآية
والسادسة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } الآية
فأعطاه المقام المحمود وقال الله تعالى
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمود } الآية
وقال بعض العارفين الحمد خمسة احرف والصلاة خمسة أوقات فإذا قال العبد الحمد كتب الله ثواب خمس صلوات وقول العبد لله ثلاثة احرف فإذا ضمت إلى الأولي صارت ثمانية وأبواب الجنة ثمانية
فإذا قال العبد الحمد لله فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أي باب شآء بلا حساب ولا عقاب
وكان صلى الله عليه وسلم كثير الحمد عقب كل نعمة
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
قوله الحمد لله على أن عرفنا به وعرفنا بأوصاف حبيبه وهدانا للإيمان به والصلاة عليه والتنويه بأوصافه
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
ويؤيد ما ذكرناه حديث سيد الوجود الساري سره في كل موجود لو أعطي الدنيا بإسرها لعبد فقال الحمد لله لكان حمد أفضل مما أعطي فإذا شكر العبد بهذا التحميد يزيده توفيق الشريعة والخدمة والمناجات وحلاوتها
بدليل قوله عز وجل { لئن شكرتم لأزيدنكم } الآية
واختتام هذه الصلاة النورانية بالحمد لله سنة كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسئلة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الأعمال الصالحات رواه البيهقي في الحديث وفي الجامع للسيوطي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آتاه الأمر الذي يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وعزاه الأمي السني في عمل اليوم والليلة والحاكم عن عآئشة فكأن شيخنا رضي الله عنه وأرضاه استمشق الإجابة وما أحتوت عليه فحمد الله
{لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
قال النووي روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من قال في ذبر صلاة الصبح وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم
{ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
عشر مرات كتب الله له ثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل ويكتب له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في يومه ذلك حرزمن كل مكروه ومن الشيطان ولم يتبع بذنب يدركه في ذلك اليوم شرك بالله
وفي الجامع الكبير للسيوطي أخرج البخاري عن نعيم عن أنس من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر
وروي النسائي وابن حبان عن أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله بهن عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكان له عدل عتق أربع رقاب وكان له حرس حتى يمسي ومن قال من إذا صلى المغرب دبر كل صلاة فمثل ذك حتى يصبح
وقال الحافظ المندري رواه أحمد والنسآئي وابن حبان في صحيحه وهذا لفظه وفي رواية لإبن حبان ذكرله عشر رقاب وسن أبي داوود والنسآئي عن أبي عياش ويقال له ابن أبي عياش الزرقاني الأنصاري رضي الله عنه وإسمه زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل غير ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال إذا أصبح
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز الله من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى قال حماد بن سلمة فرأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سرالنآئم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أبي عياش يحدث عنك بكذا وكذا صدق أبه عياش
رواه أبو داوود وهذا لفظه والنسائي وابن ماجة وابن السني والطبراني في معجمه الكبير والأوسط وفيه وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل ثمن كل رقبة اثنتا عشر ألفا وزاد ابن السني يحيي ويميت وهو حي لا يموت
والعدل بفتح المثل وهو ماعادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وكل نظيره وقيل بالعكس وقال البصريون العدل بالفتح والعدل بالكسر نعتان بمعنى المثل والمعنى هنا كان له من الأجر مثل من أعتق رقبة من ولد إسماعيل
وقال الشيخ سيدي أحمد زروق كان الشيخ أبومدين يدخل خلوته بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير
ولها خاصية من مقام التوكل ولذلك كان أبومدين لا يشق له فيها غبار ولا يلحقه الميثاق الضمار وانما أتى الشيخ رضي الله عنه برواية يحيي آخذ بالاحوط وجمعا بين الروايتن لأنه ورد إسقاطها وورد إثباتها
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ذكر عشر مرات إشارة إلى تكرارالذكر وترداده
قيل له رضي الله عنه إنكم تلقنون الأوراد تحصرون عددها قال أهل النهايات ذالك لأهل البدايات والحصر تدريجا للسالك وتدريبا حتى يجد حلاوة الذكر فحينئذ يخرج من الحصر لا يبقى عليه تحجير وتظهر حلاوة ثمرة الذكر فلا يفتر عنه كالأكل عند كثرة النعم وتقلب ألوانها وعلى هذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم ونفعنا بهم آمين
وأما اهل النهايات فلا يحصرلهم عدد ولا ينقطع عنهم المدد إن قاموا قاموا بالله وإن جلسوا جلسوا بالله وإن نطقوا نطقوا بالله وإن سكتوا بالله
وحكي أن داوود الطائي كان إبن خمس سنين أسلمه أبوه المؤدب فابتدأ بتلقين القرآن وكان لقينا فلما بلغ { هل اتى على الإنسان حين من الدهر } الاية رأته أمه يوم الجمعة مقبلا على حائط وهو يتفكرويشير بيده فخافت عليه فقالت قم ياداوود واخرج يلعب مع الصبيان وانشرح فلم يحيها فضمته إلى صدرها ودعت بالريح والثبور وظنت أنه ملموس فقال لها مالك يا أمه فقالت أبك باس قال لا قالت اين دهنك كلمتك فلم تسمع قال أنا مع عباد الله فقالت وأين هم قال في الجنة قالت ما يصنعون قال { متكئين فيها على الأرآئك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا دانية عليهم ظللها وذللت قطوفها } إلى آخر السورة لأنه ينظر إليهم حتى بلغ { ان هذا كان لكم جزآء وكان سعيكم مشكورا } الآية ثم قال يا أمآه ما كان سعيهم فلم تدر ما تقول فقال لها قومي حتى أتنزه عندهم ساعة فقالت وأرسلت إلى والده فجآء وأعلمته بشأن ولده فقال لها أبوه يا داوود { كان سعيهم مشكورا } وإن قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لا إله إلا الله بعد ذلك هجير داوود ولا يسكت عنها إلا لمهم
والهجير اما ما يكثر الإنسان من ترداده
وفي الحديث كان هجير أبي بكر رضي الله عنه لا إله إلا الله
وكان هجير عمر رضي الله عنه الله أكبر
وكان هجير عثمان رضي الله عنه سبحان الله
وكان هجير علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه الحمد لله
من المعز في مناقب الشيخ أبي يعزى
لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له عابدون
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
كان الشيخ رضي الله عنه يحض الإخوان على هذه الهيللة بهذه الصفة ويرفعون بها أصواتهم عقب صلاة الصبح وعقب صلاة المغرب ولهاذه الهيللة بهاذه الكيفية خاصية بإنتفآء الشرك الأكبر والشرك الأصغر
وثبوت الوحدانية والوقوف على حد العبودية والإخلاص من شوآئب الشهوآت النفسانية
ولهذا كان لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه له القدم الراسخ في التوحيد والإخلاص الذي عليه أهل التفريد والخواص
وكذلك كان الغوث الأهر والقطب الأنورمولانا عبد القادرالجلاني يأمر أصحابه ويحضهم دبر كل صلاة وخصوصا صلاة الصبح بصوت واحد جهرا بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وإليه المصير وبه نستجير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا آياه مخلصين له الدين ولوكره الكافرون أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له مسلمون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما غفل عن ذكره الغافلون
مكتوب في الثورية من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون كتب الله له عبادة ألف سنة ومحا عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقا
وفي العهود للإمام الشعراني الشافعي رحمه الله
المحمدية أخذ علينا العهد العام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا من ربنا الوفآء إليه أن نخلص النية لله في علمنا وعملنا وسآئرحوائجنا من سآئر الشوآئب حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا على ذلك ثوابا وإن حضر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل
قال تعالى { وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين } الآية
وقال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفيك العمل القليل
وقال صلى الله عليه وسلم طوبى للمخلصين أولآئك مصابيح الهدى تتجلى عنهم كل كربة
وروى الطبراني مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرالزمان صارت أمتي ثلاث فرقة فرقة يعبدون الله خالصا
وفرقة يعبدون الله ريآء وفرقة يعبدون الله ليأكلوا به أموال الناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
انظر إلى هذه الفرق تعلم نفسك من فرقة أنت ولا يغرنك ما ورد في حق العلمآء أو في حق العباد إنما هو في حق المخلصين إليه واياك والغلط فافهم ثم أعلم إن إخلاص كل عبد أعماله على حسب رتبته ومقامه فأما من كان من الأبرار فمنتهى درجة إخلاصه أن تكون أعماله السالمة من الريآء الجلي والخفي وقصد موافقة الهوى النفسي طلبا لمن وعد الله المخلصين من جزيل الثواب وحسن المئاب وهربا عما أوعد الله المخلصين من آليم العذاب وسوء الحساب
وهذا من التحقق بمعنى قوله { اياك نعبد } نعبد إلا اياك ولا نشرك في عبادتنا غيرك
وحاصل امره أنه إن أخرج الخلق على نظره في اعمال بره وبحره مع بقآء رؤيته لنفسه في النسبة إليها والاعتماد عليها وأما من كان من المقربين فقد جاوز هذا إلى عدم رؤيته لنفسه في عمله فإخلاصه إنما هو شهود انفراد الحق بتحريكه وتسكينه من غيرأن يرى لنفسه في ذلك حولا ولا قوة ويعبرعن هذا المقام بالصدق الذي يصح به مقام الإخلاص وصاحب هذا مسلوك به في سبيل التوحيد واليقين وهو من التحقق بمعنى قوله تعالى
{ اياك نستعين } أي لا نستعين إلا بك لا بأنفسنا وحولنا وقوتنا
فعمل الأول هو العمل لله وعمل الثاني هو العمل بالله فالعمل لله يوجب المثوبة والعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب تحقيق العبادة والعمل بالله يوجب تصحيح الإرادة والعمل لله نعث كل عابد والعمل بالله نعث كل قاصد والعمل لله قيام بأحكام الظواهر والعمل بالله قيام بالضمائر
وهذه العبارات كلها للإمام أبي القاسم القشيري رحمه الله وبها يتبين الفرق بين المقامين وتبانها في الشرف والجلالة فإخلاص كل عبد هو روح عمله فبوجود الإخلاص يكون حياتها وصلاحها للتقرب به ويكون فيها أهليه عدم وجود القبول وبعدم ذلك يكون موتها وسقوطها عن درجة الاعتبار وتكون إذ ذلك أشباحا بلا أرواح صور بلا معاني
قال بعض العارفين صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبني من الحول والقوة لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
أي ليظهره على جميع الأديان المخالفة و لقد جعل فيما بقي دين من الأديان إلاهو يغطوه ومظهور لدين الإسلام وعن مجاهد إذ أنزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام
ففي هذه الآية ذكر الرسول وذكر المرسل به ومدحه ومدح المرسول به
ولقد جمعت اعظم المزايا وأشرف الكمال وفيها إشارة إلى أنه لابد من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذكر الربوبية ولا تفيد لا إله إلا الله من دون إقرارهم بأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شرح المعزى للإمام السنوسي رحمه الله لابد أن يقول الذاكر أثر
لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أي كل ذكرمن اذكار الله ولا يغفل المومن فيه عن ذكر سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو صلى الله عليه وسلم دليل الخلق إلى الحق ومن غفل عن ذكره لم ينل مقصوده وكان مرميا في سجن القطيعة محروما من خير الدنيا والآخرة
وأما قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله أي ومحمد رسول الله فهو من باب الاكتفآء من إطلاق الجزء وإرادة أوعلى أن الكلمة المذكورة علم على الشهادتين
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر بقرائتها مائة مرة خمسة وعشرون لكل وحدة من الوجوه الأربعة المذكورة وفاقا للسنة ورجآء ثوابها عملا بما في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت له مائة سيئة وكانت له حرز من الشيطان في يومه ذاك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جآء به إلا رجل عمل اكثر منه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه
تنبيه لهذا الحديث الشريف كانت له عدل عشر رقاب مع أن من أعتق رقبة واحدة أعتق الله بكل عضواعضوا من النار
فلا تغفلوا أيها الإخوان وفقني الله وإياكم من ذكر الله فقد ورد في حديث معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله رواه الإمام أحمد ورواه عنه أيضا ابن شيبة في مصنفه والطبراني في معجمه الكبير بزيادة قالوا ولاالجهاد في سبيل الله قال ولاالجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث ثلاث مرات
وفي شرح الحصن الحصين زمن الأولى هي الشيء يعدى بها فعل النجاة كما في قوله تعالى { نجوت من القوم الظالمين } الآية
ومن الثاني هي التفضيلية والمعنى لا يفوق عمل الذكر في الإنجآء من العذاب والذكر يحتمل الذكر اللساني والقلبي وهو الظاهر ليحصل الجمع بينه وبين قول سيدنا عمر رضي الله عنه أفضل من ذكر الله باللسان ذكره عند أمره ونهيه وأما الذكر مع أرتكاب المخالفات فلا يكن مساويا للذكر عند الأمر والنهي بل المحافظة على الأمر والنهي أنجى وهي نتيجة الذكر القلبي والله تعالى أعلم أنتهى
من شرح حصن الحصين لأبي عبد الله سيد آمحمد الفاسي قال القشيري وذكر الله بالفعل يستلزم الذكر باللسان أي غالبا وإن كان لا يقع ذك منه باللسان بالفعل يجري معه فذكر الله بالفعل يجري عن ذكر اللسان في الأغلب كالطهارة الكبرى تندرج فيها الصغرى
ومعاذ بن جبل هو الصحابي الجليل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل يفهم من حديث معاد هذا أن الأذكار تمحي الأوزار وتقي من عذاب النار يشهد لهذا حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وقد جآء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالى : قال لا إله إلا الله حصني ومن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولو لم يكن للذاكر إلا هذا الأمر لكفاه
وقال القشيري من خصائص الذكر إنه غير موقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما نفلا والصلاة : وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات نعم ثم أحوال لا ينبغي الذكر فيها كوقت الجماع ووقت قضآء حاجة الإنسان وفي حال الخطبة يسمع قول الخطيب وفي حالة القيام للصلاة غير القرآن على الجنب ولا بالسر بسآئر الأذكار والتهليل والتسبيح ونحوهما من الجنابة والحيض والنفاس
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر النسآء في هذه الجلالة بخروج الأوراد وملازمة الأذكار ويقول لا تمنعوهن من الذكر فإن الموت بالمرصاد ولهم خلاف في ذكر القلب هل تكتبه أولا فقيل تكتبه الملآئكة ويجعل الله لهم علامة يعرفونه بها وقيل لا يكتبونه فإنه لا يطلع عليه غير الله تعالى : قيل والمختارأنهم يكتبونه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وان حالة الذكر بالقلب لا تكاد تخفى على الملآئكة ولأن رائحة حالة الذكر بالقلب تخرق الحجب وتغيب الملآئكة ويجدون لها طعاما مخصوصا لأنها قوتهم فافهم
قال حجة الإسلام أبوحامد الغزالي رضي الله عنه إن كل ذكر يشعربه قلبك تسمعه الحفظة فإن شعورهم لا يفارق شعورك وفيه سر ثم اعلم ان للذكر آدابا كثيرة ذكرها أهل الطريق منها آداب سابقة على الذكر ومنها آداب مقارنة ومنها آداب لاحقة ثم منها ظاهرة ومنها باطنة فمن الآداب السابقة تصحيح التوبة وتهديب النفس بالرياضة وقطع العلآئق الظاهرة والباطنة والاعتزال وتصحيح العلم المفروض على الأعيان وطهارة الملبس من النجاسة ومن الاحرام ومنها الآداب المقارنة أن يخلص ذكره لله تعالى ولايشوبه بحظ من نيل مال أو جاه ولا يريد رياسة ولا يطلب مقاما ولا درجة ولا كشفا ولا غيرذلك وان يطب رائحة المجلس والملبس لأن مجالس الذكر لا تخلوا من حضورالملآئكة وحضور مومني الجن وأن يستاك ويستقبل القبلة ويجلس جلسة الصلاة
ومن الآداب الآحقة ان يسكت عقب الفراغ من الذكر سكتة مع الخشوع والخضوع متلقيا لما يرد عليه من واردات الذكر فإن الله تعالى كما جعل الريح نشرا بين يدي رحمته المطرية جعل الذكرنشر بين يدي رحمته الغبية فعسى أن يرد على الذاكر في لحظة ما يستنير به مما لا يناله بالمجاهدة الكثيرة والرياضة الطويلة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهذه الأدابات إنما يحتاج إليها من كان على اختياره واما المسلوب الاختيار فهوتابع لما يرد عليه في وقته
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهاذه الآداب إنما يحتاج إليها من كان حظه اللسان وأما من صار ذكره قلبي فهو خارج الفتوى ولا يعترض عليه بكل دعوى فافهم
وأما الآداب المقارنة أن يكون في خلوة ويكون منفردا وأن يغمض عينيه وإن كان تحث نظر شيخه أن يتخيله بين عينيه وينوي الاستمداد منه وأن الشيخ مستمد من النبي صلى الله عليه وسلم لأن سلم المريدين إلى الحضرة الربانية ومعارج السالكين إلى العوالم الملكوتية والجبروتية مزج أرواح المريدين مع أرواح مشايخهم الأحيآء فتجاوبه أرواح المشايخ من الشيخ الحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجل
ويفيضون عليه أنواع الأسرار والتجليات والبركات ويتوجهون الله بمقتضى نيته وحصول مراده فمن لم تتصل سلسلته إلى الحضرة النبوية فإنه مقطوع الفيض ولم يكن وارثا من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا توخذ منه المبايعة والإجازة لما أخرجه الطبراني عن عبد الله بن بشيرإلى غير ذلك مما يطول أنه رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رآى من رآني ولمن رآى من رآى من رآني وآمن بي وطوبى لهم وحسن مئاب
قال الشيخ أبو عبد الله السلمي قدس الله سره قوله طوبى لمن رآني
وطوبى لمن رآى من رآى من رآى من رآني
طوبى أي هنيئا لمن أثرت فيه بركات نظري ومشاهدتي ولمن أثرت فيه مشاهدة أصحابي وهاكذا حال بعد حال إلى أن بلغ حكمآء الأمة وأوليآء الله تعالى في أزمنة
فكل من أثرت فيه نظرحكم أومشاهدة ولي فانما ذلك التأثيرمن نظرالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه على خلاف أحوالهم فأثركل واحد بحسب حاله ولهذا جرى التأثير من المشايخ للمريدين ويجري إلى آخر الدهرلأن إسناد الحال كإسناد الأحكام ويجري إلى غابرالدهر والأزمان وأما حقيقة الذكر ففي العرف هو ضد النسيان فهو حفظ الشيء وحضوره بالبال
وأما في الشرع وحضوره بالبال فلأرباب القلوب في الذكر عبارات متفاوتة قال بعضهم هو الثنآء على الله تعالى والصلاة له والعبادة كلها
وسبيل الواسطي عن الذكر فقال الخروج من ميدان الغفلة إلى فضآء المشاهدة على غلبة الخوف وشدة الحب
وقال صاحب مفتاح الفلاح الذكرهوالتخلص من الخفلة والنسيان بدوام حضورالقلب مع الحق سبحانه وقيل ترديد إسم المذكور بالقلب واللسان وسوآء في ذلك ذكرالله أوصفة من صفاته أو حكم من احكامه أو فعل من افعاله وإستدلال على الشيء من ذلك ودعآء أو ذكر أو ذكر رسله وانبيائه عليهم الصلاة والسلام وذكر أوليآئه أو من انتسب إليه أو تقرب منه بأي وجه من الوجوه أو سبب من الأسباب أو فعل من الأفعال بنحو قرآة أو ذكرأو شعرأو غنآء أو محاضرة أو حكاية والمتكلم ذاكر والفقيه ذاكر والمدرس ذاكر والواعظ ذاكر والمتفكر في عظمة الله وجلالته وجبروته وآيته ذاكر والمتئمل في أرضه وسماواته ذاكر والمتمثل ذاكر ما آمر الله به ونهى عنه ذاكر والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالجناب وقد يكون بالإعلان والإجهار والجامع لذاك كله ذاكر
وقال الإمام الساحلي في بقيته واعلم ان الذكر لغة ضد النسيان وحقيقته من الشرع على قيام معنى التوحيد في النفس حتى يصير صفة لها لا يتفك عنها فإذ ذاك تستمد الوسائل من الحقيقة والوسآئل التي تستمد منها هذه الحقيقة فمنها الباطن ومنها الظاهر ومنها القريب ومنها البعيد
أما الباطنية فكأعمال الفكر فيما يحرك النفس للاتصاف من تلك الحقيقة من أعمال الطاعات كحركة اللسان بإسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته وغير ذلك فيما يجري إلى اتصاف النفس من قريب أو بعيد
قال ولذلك سميت الوسائل لحقيقة الذكر ذكر النوع من الجواز في العرب تسمي الشيء بإسم الشيء إذ كان منه لسبب أهو بالجملة فالذكر مرغب فيه وورد فيه فضل كثير قال الله تعالى { ولذكر الله أكبر } وقال { أذكروني أذكركم } الآية
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أنظر إلى هذا السبب الذي يذكرنا مع أننا أي قيمة لنا حتى يذكرنا الجليل جل جلاله فلو لم يكن إلاهذه الآية في حق الذكر لكفاه شرفا وفخرا ومزية لم ينلها أحد من الغافلين وقال تعالى { أذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } وقال تعالى { والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد لهم مغفرة واجرا عظيما } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } الآية
وقد بين الله سبحانه كيفية الذكربقوله أذكروا الله ذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اذكروا الله ياعبادي مثل ذكركم آبائكم الغائبين عنكم إذا سمعتم خبرهم بحضور قلوبكم وشدة فرحكم واضطراب جوارحكم وارسال دموعكم بل اذكروا الله أشد ذكرا واعظم قدرا من أبآئكم لأن نعمة الله عليكم أيها العباد أعظم من منة آبآئكم حيث أوجدكم من العدم ورزق لكم السمع والأبصار والأفئدة وغداكم في بطون أمهاتكم ورباكم في صغركم وخلق لكم ما في السماوات وما في الأرض وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
حديث آخر قدسي قال الله تعالى لا يذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملإ من الملآئكة ولا يذكرني في ملإ إلا ذكرته في الملإ الأعلى
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى أنا مع عبدي إذ هو ذكرني وتحركت في شفتاه
وفي رواية عبد الله بن بشير رضي الله عنه
أن رجل قال يا رسول الله إن شرآئع الإسلام قد كثرت علي فاخبرني بشيء أتشبت به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله
وفي رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قلت أي الأعمال أحب قال أن تموت ولسانك رطبا من ذكر الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبيئكم بخيرأعمالكم وأزكاها عند مليككم ورفعها في درجاتكم وخيرلكم من إنفاق الذهب والورق وخيرلكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكرالله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء صقالة وان صقالة القلوب ذكرالله وما من شيء آنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولاغرابة فإن المجاهد قد جآء بالذات والذاكرقد جآء بالروح وهو حي فموته وهو حي أشد من موت المجاهد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون شرفا بذكر مولاهم قال وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا
قال النووي روى المفردون بتشديد الرآء وتخفيفها قال والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد
وفي رواية الترميذي قال يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فياتون إليه يوم القيامة خفافا
قال الشيخ عبد العظيم المنذري المستهترون بفتح التآء فوق المولوعون بالذكرالمداومون عليه لا يبالون في ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن رجل في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر الله أفضل
{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما }
والثاني من سيدنا نوح عليه السلام { حيث قال الحمد لله الذي نجينا من القوم الظالمين } الآية
فوجد السلامة قال الله تعالى { يانوح أهبط بسلام منا وبركة عليك وعلى أمم ممن معك } الآية
والثالث من سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث قال
{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعآء } الآية فوجد الفذآء قال الله تعالى
{ وفديناه بذبيح عظيم } الآية
وكذا سيدنا داوود عليه السلام والخامسة من سيدنا سليمان عليه السلام حيث قال { الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المومنين } الآية فوجد العلم والحكمة قال الله تعالى { وكلا آتينا حكما وعلما } الآية
والسادسة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } الآية
فأعطاه المقام المحمود وقال الله تعالى
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمود } الآية
وقال بعض العارفين الحمد خمسة احرف والصلاة خمسة أوقات فإذا قال العبد الحمد كتب الله ثواب خمس صلوات وقول العبد لله ثلاثة احرف فإذا ضمت إلى الأولي صارت ثمانية وأبواب الجنة ثمانية
فإذا قال العبد الحمد لله فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أي باب شآء بلا حساب ولا عقاب
وكان صلى الله عليه وسلم كثير الحمد عقب كل نعمة
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
قوله الحمد لله على أن عرفنا به وعرفنا بأوصاف حبيبه وهدانا للإيمان به والصلاة عليه والتنويه بأوصافه
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
ويؤيد ما ذكرناه حديث سيد الوجود الساري سره في كل موجود لو أعطي الدنيا بإسرها لعبد فقال الحمد لله لكان حمد أفضل مما أعطي فإذا شكر العبد بهذا التحميد يزيده توفيق الشريعة والخدمة والمناجات وحلاوتها
بدليل قوله عز وجل { لئن شكرتم لأزيدنكم } الآية
واختتام هذه الصلاة النورانية بالحمد لله سنة كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسئلة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الأعمال الصالحات رواه البيهقي في الحديث وفي الجامع للسيوطي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آتاه الأمر الذي يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وعزاه الأمي السني في عمل اليوم والليلة والحاكم عن عآئشة فكأن شيخنا رضي الله عنه وأرضاه استمشق الإجابة وما أحتوت عليه فحمد الله
{لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
قال النووي روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من قال في ذبر صلاة الصبح وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم
{ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
عشر مرات كتب الله له ثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل ويكتب له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في يومه ذلك حرزمن كل مكروه ومن الشيطان ولم يتبع بذنب يدركه في ذلك اليوم شرك بالله
وفي الجامع الكبير للسيوطي أخرج البخاري عن نعيم عن أنس من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر
وروي النسائي وابن حبان عن أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله بهن عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكان له عدل عتق أربع رقاب وكان له حرس حتى يمسي ومن قال من إذا صلى المغرب دبر كل صلاة فمثل ذك حتى يصبح
وقال الحافظ المندري رواه أحمد والنسآئي وابن حبان في صحيحه وهذا لفظه وفي رواية لإبن حبان ذكرله عشر رقاب وسن أبي داوود والنسآئي عن أبي عياش ويقال له ابن أبي عياش الزرقاني الأنصاري رضي الله عنه وإسمه زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل غير ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال إذا أصبح
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز الله من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى قال حماد بن سلمة فرأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سرالنآئم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أبي عياش يحدث عنك بكذا وكذا صدق أبه عياش
رواه أبو داوود وهذا لفظه والنسائي وابن ماجة وابن السني والطبراني في معجمه الكبير والأوسط وفيه وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل ثمن كل رقبة اثنتا عشر ألفا وزاد ابن السني يحيي ويميت وهو حي لا يموت
والعدل بفتح المثل وهو ماعادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وكل نظيره وقيل بالعكس وقال البصريون العدل بالفتح والعدل بالكسر نعتان بمعنى المثل والمعنى هنا كان له من الأجر مثل من أعتق رقبة من ولد إسماعيل
وقال الشيخ سيدي أحمد زروق كان الشيخ أبومدين يدخل خلوته بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير
ولها خاصية من مقام التوكل ولذلك كان أبومدين لا يشق له فيها غبار ولا يلحقه الميثاق الضمار وانما أتى الشيخ رضي الله عنه برواية يحيي آخذ بالاحوط وجمعا بين الروايتن لأنه ورد إسقاطها وورد إثباتها
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ذكر عشر مرات إشارة إلى تكرارالذكر وترداده
قيل له رضي الله عنه إنكم تلقنون الأوراد تحصرون عددها قال أهل النهايات ذالك لأهل البدايات والحصر تدريجا للسالك وتدريبا حتى يجد حلاوة الذكر فحينئذ يخرج من الحصر لا يبقى عليه تحجير وتظهر حلاوة ثمرة الذكر فلا يفتر عنه كالأكل عند كثرة النعم وتقلب ألوانها وعلى هذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم ونفعنا بهم آمين
وأما اهل النهايات فلا يحصرلهم عدد ولا ينقطع عنهم المدد إن قاموا قاموا بالله وإن جلسوا جلسوا بالله وإن نطقوا نطقوا بالله وإن سكتوا بالله
وحكي أن داوود الطائي كان إبن خمس سنين أسلمه أبوه المؤدب فابتدأ بتلقين القرآن وكان لقينا فلما بلغ { هل اتى على الإنسان حين من الدهر } الاية رأته أمه يوم الجمعة مقبلا على حائط وهو يتفكرويشير بيده فخافت عليه فقالت قم ياداوود واخرج يلعب مع الصبيان وانشرح فلم يحيها فضمته إلى صدرها ودعت بالريح والثبور وظنت أنه ملموس فقال لها مالك يا أمه فقالت أبك باس قال لا قالت اين دهنك كلمتك فلم تسمع قال أنا مع عباد الله فقالت وأين هم قال في الجنة قالت ما يصنعون قال { متكئين فيها على الأرآئك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا دانية عليهم ظللها وذللت قطوفها } إلى آخر السورة لأنه ينظر إليهم حتى بلغ { ان هذا كان لكم جزآء وكان سعيكم مشكورا } الآية ثم قال يا أمآه ما كان سعيهم فلم تدر ما تقول فقال لها قومي حتى أتنزه عندهم ساعة فقالت وأرسلت إلى والده فجآء وأعلمته بشأن ولده فقال لها أبوه يا داوود { كان سعيهم مشكورا } وإن قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لا إله إلا الله بعد ذلك هجير داوود ولا يسكت عنها إلا لمهم
والهجير اما ما يكثر الإنسان من ترداده
وفي الحديث كان هجير أبي بكر رضي الله عنه لا إله إلا الله
وكان هجير عمر رضي الله عنه الله أكبر
وكان هجير عثمان رضي الله عنه سبحان الله
وكان هجير علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه الحمد لله
من المعز في مناقب الشيخ أبي يعزى
لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له عابدون
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
كان الشيخ رضي الله عنه يحض الإخوان على هذه الهيللة بهذه الصفة ويرفعون بها أصواتهم عقب صلاة الصبح وعقب صلاة المغرب ولهاذه الهيللة بهاذه الكيفية خاصية بإنتفآء الشرك الأكبر والشرك الأصغر
وثبوت الوحدانية والوقوف على حد العبودية والإخلاص من شوآئب الشهوآت النفسانية
ولهذا كان لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه له القدم الراسخ في التوحيد والإخلاص الذي عليه أهل التفريد والخواص
وكذلك كان الغوث الأهر والقطب الأنورمولانا عبد القادرالجلاني يأمر أصحابه ويحضهم دبر كل صلاة وخصوصا صلاة الصبح بصوت واحد جهرا بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وإليه المصير وبه نستجير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا آياه مخلصين له الدين ولوكره الكافرون أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له مسلمون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما غفل عن ذكره الغافلون
مكتوب في الثورية من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون كتب الله له عبادة ألف سنة ومحا عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقا
وفي العهود للإمام الشعراني الشافعي رحمه الله
المحمدية أخذ علينا العهد العام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا من ربنا الوفآء إليه أن نخلص النية لله في علمنا وعملنا وسآئرحوائجنا من سآئر الشوآئب حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا على ذلك ثوابا وإن حضر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل
قال تعالى { وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين } الآية
وقال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفيك العمل القليل
وقال صلى الله عليه وسلم طوبى للمخلصين أولآئك مصابيح الهدى تتجلى عنهم كل كربة
وروى الطبراني مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرالزمان صارت أمتي ثلاث فرقة فرقة يعبدون الله خالصا
وفرقة يعبدون الله ريآء وفرقة يعبدون الله ليأكلوا به أموال الناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
انظر إلى هذه الفرق تعلم نفسك من فرقة أنت ولا يغرنك ما ورد في حق العلمآء أو في حق العباد إنما هو في حق المخلصين إليه واياك والغلط فافهم ثم أعلم إن إخلاص كل عبد أعماله على حسب رتبته ومقامه فأما من كان من الأبرار فمنتهى درجة إخلاصه أن تكون أعماله السالمة من الريآء الجلي والخفي وقصد موافقة الهوى النفسي طلبا لمن وعد الله المخلصين من جزيل الثواب وحسن المئاب وهربا عما أوعد الله المخلصين من آليم العذاب وسوء الحساب
وهذا من التحقق بمعنى قوله { اياك نعبد } نعبد إلا اياك ولا نشرك في عبادتنا غيرك
وحاصل امره أنه إن أخرج الخلق على نظره في اعمال بره وبحره مع بقآء رؤيته لنفسه في النسبة إليها والاعتماد عليها وأما من كان من المقربين فقد جاوز هذا إلى عدم رؤيته لنفسه في عمله فإخلاصه إنما هو شهود انفراد الحق بتحريكه وتسكينه من غيرأن يرى لنفسه في ذلك حولا ولا قوة ويعبرعن هذا المقام بالصدق الذي يصح به مقام الإخلاص وصاحب هذا مسلوك به في سبيل التوحيد واليقين وهو من التحقق بمعنى قوله تعالى
{ اياك نستعين } أي لا نستعين إلا بك لا بأنفسنا وحولنا وقوتنا
فعمل الأول هو العمل لله وعمل الثاني هو العمل بالله فالعمل لله يوجب المثوبة والعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب تحقيق العبادة والعمل بالله يوجب تصحيح الإرادة والعمل لله نعث كل عابد والعمل بالله نعث كل قاصد والعمل لله قيام بأحكام الظواهر والعمل بالله قيام بالضمائر
وهذه العبارات كلها للإمام أبي القاسم القشيري رحمه الله وبها يتبين الفرق بين المقامين وتبانها في الشرف والجلالة فإخلاص كل عبد هو روح عمله فبوجود الإخلاص يكون حياتها وصلاحها للتقرب به ويكون فيها أهليه عدم وجود القبول وبعدم ذلك يكون موتها وسقوطها عن درجة الاعتبار وتكون إذ ذلك أشباحا بلا أرواح صور بلا معاني
قال بعض العارفين صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبني من الحول والقوة لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
أي ليظهره على جميع الأديان المخالفة و لقد جعل فيما بقي دين من الأديان إلاهو يغطوه ومظهور لدين الإسلام وعن مجاهد إذ أنزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام
ففي هذه الآية ذكر الرسول وذكر المرسل به ومدحه ومدح المرسول به
ولقد جمعت اعظم المزايا وأشرف الكمال وفيها إشارة إلى أنه لابد من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذكر الربوبية ولا تفيد لا إله إلا الله من دون إقرارهم بأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شرح المعزى للإمام السنوسي رحمه الله لابد أن يقول الذاكر أثر
لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أي كل ذكرمن اذكار الله ولا يغفل المومن فيه عن ذكر سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو صلى الله عليه وسلم دليل الخلق إلى الحق ومن غفل عن ذكره لم ينل مقصوده وكان مرميا في سجن القطيعة محروما من خير الدنيا والآخرة
وأما قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله أي ومحمد رسول الله فهو من باب الاكتفآء من إطلاق الجزء وإرادة أوعلى أن الكلمة المذكورة علم على الشهادتين
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر بقرائتها مائة مرة خمسة وعشرون لكل وحدة من الوجوه الأربعة المذكورة وفاقا للسنة ورجآء ثوابها عملا بما في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت له مائة سيئة وكانت له حرز من الشيطان في يومه ذاك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جآء به إلا رجل عمل اكثر منه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه
تنبيه لهذا الحديث الشريف كانت له عدل عشر رقاب مع أن من أعتق رقبة واحدة أعتق الله بكل عضواعضوا من النار
فلا تغفلوا أيها الإخوان وفقني الله وإياكم من ذكر الله فقد ورد في حديث معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله رواه الإمام أحمد ورواه عنه أيضا ابن شيبة في مصنفه والطبراني في معجمه الكبير بزيادة قالوا ولاالجهاد في سبيل الله قال ولاالجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث ثلاث مرات
وفي شرح الحصن الحصين زمن الأولى هي الشيء يعدى بها فعل النجاة كما في قوله تعالى { نجوت من القوم الظالمين } الآية
ومن الثاني هي التفضيلية والمعنى لا يفوق عمل الذكر في الإنجآء من العذاب والذكر يحتمل الذكر اللساني والقلبي وهو الظاهر ليحصل الجمع بينه وبين قول سيدنا عمر رضي الله عنه أفضل من ذكر الله باللسان ذكره عند أمره ونهيه وأما الذكر مع أرتكاب المخالفات فلا يكن مساويا للذكر عند الأمر والنهي بل المحافظة على الأمر والنهي أنجى وهي نتيجة الذكر القلبي والله تعالى أعلم أنتهى
من شرح حصن الحصين لأبي عبد الله سيد آمحمد الفاسي قال القشيري وذكر الله بالفعل يستلزم الذكر باللسان أي غالبا وإن كان لا يقع ذك منه باللسان بالفعل يجري معه فذكر الله بالفعل يجري عن ذكر اللسان في الأغلب كالطهارة الكبرى تندرج فيها الصغرى
ومعاذ بن جبل هو الصحابي الجليل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل يفهم من حديث معاد هذا أن الأذكار تمحي الأوزار وتقي من عذاب النار يشهد لهذا حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وقد جآء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالى : قال لا إله إلا الله حصني ومن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولو لم يكن للذاكر إلا هذا الأمر لكفاه
وقال القشيري من خصائص الذكر إنه غير موقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما نفلا والصلاة : وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات نعم ثم أحوال لا ينبغي الذكر فيها كوقت الجماع ووقت قضآء حاجة الإنسان وفي حال الخطبة يسمع قول الخطيب وفي حالة القيام للصلاة غير القرآن على الجنب ولا بالسر بسآئر الأذكار والتهليل والتسبيح ونحوهما من الجنابة والحيض والنفاس
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر النسآء في هذه الجلالة بخروج الأوراد وملازمة الأذكار ويقول لا تمنعوهن من الذكر فإن الموت بالمرصاد ولهم خلاف في ذكر القلب هل تكتبه أولا فقيل تكتبه الملآئكة ويجعل الله لهم علامة يعرفونه بها وقيل لا يكتبونه فإنه لا يطلع عليه غير الله تعالى : قيل والمختارأنهم يكتبونه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وان حالة الذكر بالقلب لا تكاد تخفى على الملآئكة ولأن رائحة حالة الذكر بالقلب تخرق الحجب وتغيب الملآئكة ويجدون لها طعاما مخصوصا لأنها قوتهم فافهم
قال حجة الإسلام أبوحامد الغزالي رضي الله عنه إن كل ذكر يشعربه قلبك تسمعه الحفظة فإن شعورهم لا يفارق شعورك وفيه سر ثم اعلم ان للذكر آدابا كثيرة ذكرها أهل الطريق منها آداب سابقة على الذكر ومنها آداب مقارنة ومنها آداب لاحقة ثم منها ظاهرة ومنها باطنة فمن الآداب السابقة تصحيح التوبة وتهديب النفس بالرياضة وقطع العلآئق الظاهرة والباطنة والاعتزال وتصحيح العلم المفروض على الأعيان وطهارة الملبس من النجاسة ومن الاحرام ومنها الآداب المقارنة أن يخلص ذكره لله تعالى ولايشوبه بحظ من نيل مال أو جاه ولا يريد رياسة ولا يطلب مقاما ولا درجة ولا كشفا ولا غيرذلك وان يطب رائحة المجلس والملبس لأن مجالس الذكر لا تخلوا من حضورالملآئكة وحضور مومني الجن وأن يستاك ويستقبل القبلة ويجلس جلسة الصلاة
ومن الآداب الآحقة ان يسكت عقب الفراغ من الذكر سكتة مع الخشوع والخضوع متلقيا لما يرد عليه من واردات الذكر فإن الله تعالى كما جعل الريح نشرا بين يدي رحمته المطرية جعل الذكرنشر بين يدي رحمته الغبية فعسى أن يرد على الذاكر في لحظة ما يستنير به مما لا يناله بالمجاهدة الكثيرة والرياضة الطويلة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهذه الأدابات إنما يحتاج إليها من كان على اختياره واما المسلوب الاختيار فهوتابع لما يرد عليه في وقته
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهاذه الآداب إنما يحتاج إليها من كان حظه اللسان وأما من صار ذكره قلبي فهو خارج الفتوى ولا يعترض عليه بكل دعوى فافهم
وأما الآداب المقارنة أن يكون في خلوة ويكون منفردا وأن يغمض عينيه وإن كان تحث نظر شيخه أن يتخيله بين عينيه وينوي الاستمداد منه وأن الشيخ مستمد من النبي صلى الله عليه وسلم لأن سلم المريدين إلى الحضرة الربانية ومعارج السالكين إلى العوالم الملكوتية والجبروتية مزج أرواح المريدين مع أرواح مشايخهم الأحيآء فتجاوبه أرواح المشايخ من الشيخ الحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجل
ويفيضون عليه أنواع الأسرار والتجليات والبركات ويتوجهون الله بمقتضى نيته وحصول مراده فمن لم تتصل سلسلته إلى الحضرة النبوية فإنه مقطوع الفيض ولم يكن وارثا من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا توخذ منه المبايعة والإجازة لما أخرجه الطبراني عن عبد الله بن بشيرإلى غير ذلك مما يطول أنه رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رآى من رآني ولمن رآى من رآى من رآني وآمن بي وطوبى لهم وحسن مئاب
قال الشيخ أبو عبد الله السلمي قدس الله سره قوله طوبى لمن رآني
وطوبى لمن رآى من رآى من رآى من رآني
طوبى أي هنيئا لمن أثرت فيه بركات نظري ومشاهدتي ولمن أثرت فيه مشاهدة أصحابي وهاكذا حال بعد حال إلى أن بلغ حكمآء الأمة وأوليآء الله تعالى في أزمنة
فكل من أثرت فيه نظرحكم أومشاهدة ولي فانما ذلك التأثيرمن نظرالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه على خلاف أحوالهم فأثركل واحد بحسب حاله ولهذا جرى التأثير من المشايخ للمريدين ويجري إلى آخر الدهرلأن إسناد الحال كإسناد الأحكام ويجري إلى غابرالدهر والأزمان وأما حقيقة الذكر ففي العرف هو ضد النسيان فهو حفظ الشيء وحضوره بالبال
وأما في الشرع وحضوره بالبال فلأرباب القلوب في الذكر عبارات متفاوتة قال بعضهم هو الثنآء على الله تعالى والصلاة له والعبادة كلها
وسبيل الواسطي عن الذكر فقال الخروج من ميدان الغفلة إلى فضآء المشاهدة على غلبة الخوف وشدة الحب
وقال صاحب مفتاح الفلاح الذكرهوالتخلص من الخفلة والنسيان بدوام حضورالقلب مع الحق سبحانه وقيل ترديد إسم المذكور بالقلب واللسان وسوآء في ذلك ذكرالله أوصفة من صفاته أو حكم من احكامه أو فعل من افعاله وإستدلال على الشيء من ذلك ودعآء أو ذكر أو ذكر رسله وانبيائه عليهم الصلاة والسلام وذكر أوليآئه أو من انتسب إليه أو تقرب منه بأي وجه من الوجوه أو سبب من الأسباب أو فعل من الأفعال بنحو قرآة أو ذكرأو شعرأو غنآء أو محاضرة أو حكاية والمتكلم ذاكر والفقيه ذاكر والمدرس ذاكر والواعظ ذاكر والمتفكر في عظمة الله وجلالته وجبروته وآيته ذاكر والمتئمل في أرضه وسماواته ذاكر والمتمثل ذاكر ما آمر الله به ونهى عنه ذاكر والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالجناب وقد يكون بالإعلان والإجهار والجامع لذاك كله ذاكر
وقال الإمام الساحلي في بقيته واعلم ان الذكر لغة ضد النسيان وحقيقته من الشرع على قيام معنى التوحيد في النفس حتى يصير صفة لها لا يتفك عنها فإذ ذاك تستمد الوسائل من الحقيقة والوسآئل التي تستمد منها هذه الحقيقة فمنها الباطن ومنها الظاهر ومنها القريب ومنها البعيد
أما الباطنية فكأعمال الفكر فيما يحرك النفس للاتصاف من تلك الحقيقة من أعمال الطاعات كحركة اللسان بإسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته وغير ذلك فيما يجري إلى اتصاف النفس من قريب أو بعيد
قال ولذلك سميت الوسائل لحقيقة الذكر ذكر النوع من الجواز في العرب تسمي الشيء بإسم الشيء إذ كان منه لسبب أهو بالجملة فالذكر مرغب فيه وورد فيه فضل كثير قال الله تعالى { ولذكر الله أكبر } وقال { أذكروني أذكركم } الآية
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أنظر إلى هذا السبب الذي يذكرنا مع أننا أي قيمة لنا حتى يذكرنا الجليل جل جلاله فلو لم يكن إلاهذه الآية في حق الذكر لكفاه شرفا وفخرا ومزية لم ينلها أحد من الغافلين وقال تعالى { أذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } وقال تعالى { والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد لهم مغفرة واجرا عظيما } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } الآية
وقد بين الله سبحانه كيفية الذكربقوله أذكروا الله ذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اذكروا الله ياعبادي مثل ذكركم آبائكم الغائبين عنكم إذا سمعتم خبرهم بحضور قلوبكم وشدة فرحكم واضطراب جوارحكم وارسال دموعكم بل اذكروا الله أشد ذكرا واعظم قدرا من أبآئكم لأن نعمة الله عليكم أيها العباد أعظم من منة آبآئكم حيث أوجدكم من العدم ورزق لكم السمع والأبصار والأفئدة وغداكم في بطون أمهاتكم ورباكم في صغركم وخلق لكم ما في السماوات وما في الأرض وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
حديث آخر قدسي قال الله تعالى لا يذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملإ من الملآئكة ولا يذكرني في ملإ إلا ذكرته في الملإ الأعلى
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى أنا مع عبدي إذ هو ذكرني وتحركت في شفتاه
وفي رواية عبد الله بن بشير رضي الله عنه
أن رجل قال يا رسول الله إن شرآئع الإسلام قد كثرت علي فاخبرني بشيء أتشبت به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله
وفي رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قلت أي الأعمال أحب قال أن تموت ولسانك رطبا من ذكر الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبيئكم بخيرأعمالكم وأزكاها عند مليككم ورفعها في درجاتكم وخيرلكم من إنفاق الذهب والورق وخيرلكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكرالله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء صقالة وان صقالة القلوب ذكرالله وما من شيء آنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولاغرابة فإن المجاهد قد جآء بالذات والذاكرقد جآء بالروح وهو حي فموته وهو حي أشد من موت المجاهد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون شرفا بذكر مولاهم قال وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا
قال النووي روى المفردون بتشديد الرآء وتخفيفها قال والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد
وفي رواية الترميذي قال يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فياتون إليه يوم القيامة خفافا
قال الشيخ عبد العظيم المنذري المستهترون بفتح التآء فوق المولوعون بالذكرالمداومون عليه لا يبالون في ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن رجل في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر الله أفضل
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل منهم وزرآء وأنصار وأصهار فمن سبهم فعليه لعنة الله والملآئكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أي فرضا ولا نفلا
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله تعالى برجل خيرا من أمتي ألقى حب أصحابي في قلبه وقال صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم أهتديتم أقتديتم وقال صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي لا تتخذونهم عرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم ببغضي ومن آذاهم فقد آذني ومن آذني فقد أذى الله تعالى يوشك أن يأخذه
قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي بنفسه بيده عز وجل لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مذ أحدهم ولا نصيفه
وقال صلى الله عليه وسلم من لم يحفظني في اصحابي لم يرد على الحوض ولم يراني
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين النخيل قال لا فقالوا نكفركم المؤنة ونشركم في الثمر قالوا سمعنا وأطعنا
وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقطع لهم البحرين فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها فقال أما لا فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فإنه سيصيبكم أثره بعدي وفي رواية ستلقون بعدي اثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض إلا ثمرة بفتح الهمزة والتآء والرآء وضبط بعظهم بظم الهمزة وإسكان الثاني والأول أشهر ومعناه الاستثار وهو أن يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم ولا يجهل لكم في الأمر نصيب وقيل هو من آثر إذا أعطى أراد أن يستأثرعليكم غيركم فيفضل في نصيبه من الفي والاستيثار والافراد بالشيء وقيل الاثرة الشدة والأول الأظهر
عن أبي عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النظير للأنصار إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة وإن شيئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم من أموالنا وديارنا ونؤثروهم بالغنيمة ولا نشاركوهم فيها فأنزل الله عز وجل
{ ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولآئك هم المفلحون } الآية
وقد وردت في فضل الأولى وما يقول قائل بعد قوله تعالى
تعظيما لحقهم { قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي } الآية
وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم
لاتنفع قومه يوم القيامة بل والله إن رحمتي موصوفة في الدنيا والآخرة
وأخرج الطبراني حديث أن الله تعالى جعل ذرية كل نبيء في صلبه وأن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب
زاد غيره إذا كان يوم القيامة دعا الناس بأسمآء أمهاتهم سترا من الله تعالى عليهم إلا هذا وذريته فإنهم يدعون بأسمآئهم لصحة ولادتهم
وصح عن سيدنا عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ماخلا سببي ونسبي
ورواية بزيادة الصهر وهو الذي حمل سيدنا عمرعلى تزوج أم كلثوم بنت سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
وصحح الحاكم حديث وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم
وأخرج أحمد حديث والذي بعثني بالحق نبيئا لم أخذت بحلقتي الجنة ما بدأت إلا بكم
ورد فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرمها الله تعالى وذريتها على النار
وأخرج الطبراني بسند رجال ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك وورد يا عباس إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك
وسلم تسليما مثل ذلك معطوف على صلى أي اللهم سلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه والمهاجرين والأنصار مثل أي مثل الصلاة أي سلاما يليق بك منك تؤدي بها عنا حقه يرضيك يالله ويرضيه صلى الله عليه وسلم وترضى به يالله عنا وتعرفنا بها اياه صلى الله عليه وسلم وتفتح به عنا أبواب الخير وتيسر به أسباب ما تحبه وترضاه يالله وتحول به بيننا وبين الشر ومن نواه والسلام من الله تعالى زيادة تكرمة وانعام
وفي الحديث قال جبريل لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا
وقد ذكر أهل العلم إن من خواص السلام مفرد التسليم من الميثاق ومن المحبوب أن من قال كل يوم مائة مرة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته لا يذوق مرارة الموت ورأى بعضهم سيدنا جابر بن عبد الله في النوم فحدثه بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه بعضهم فمات وهو ساجد في صلاة الصبح
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاة العصر يوم الجمعة فقال قبل أن يقوم من مجلسه اللهم صلى على سيدنا محمد النبيء الأمي وعلى آله وسلم تسليما ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة
أخرج النسائي وابن حبان والدارني وأحمد والحاكم
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آتاني الملك فقال يامحمد اما يرضيك أن ربك عز وجل أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم امحق للذنوب من الماء البارد للنار الحامية
والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب لأن العتق يقابل بالعتق من النار والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يقابلان بالصلاة والسلام من الله والحمد لله
ختم الشيخ رضي الله عنه وأرضاه هذه الصلاة النورانية بالحمد لله اقتذاء بالمشايخ العارفين والعلمآء العاملين حسبما جرت عادتهم بالحمدلة في أعقاب تهليلاتهم وتسبيحاتهم وذلك عين السنة لما روي في صحيحالأحاديث أن الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام حمدوا في البساطات الثلاث وفي فضائل الفاتحة ان الله تبارك وتعالى أورثنا الحمد من سنة نفر أحدهما الأب الأكبرأبونا آدم عليه السلام حين عطس فقال الحمد لله فوجد الرحمة من الله تعالى حيث قالت الملآئكة يرحمك ربك قال الله تعالى
{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما }
والثاني من سيدنا نوح عليه السلام { حيث قال الحمد لله الذي نجينا من القوم الظالمين } الآية
فوجد السلامة قال الله تعالى { يانوح أهبط بسلام منا وبركة عليك وعلى أمم ممن معك } الآية
والثالث من سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث قال
{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعآء } الآية فوجد الفذآء قال الله تعالى
{ وفديناه بذبيح عظيم } الآية
وكذا سيدنا داوود عليه السلام والخامسة من سيدنا سليمان عليه السلام حيث قال { الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المومنين } الآية فوجد العلم والحكمة قال الله تعالى { وكلا آتينا حكما وعلما } الآية
والسادسة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } الآية
فأعطاه المقام المحمود وقال الله تعالى
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمود } الآية
وقال بعض العارفين الحمد خمسة احرف والصلاة خمسة أوقات فإذا قال العبد الحمد كتب الله ثواب خمس صلوات وقول العبد لله ثلاثة احرف فإذا ضمت إلى الأولي صارت ثمانية وأبواب الجنة ثمانية
فإذا قال العبد الحمد لله فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أي باب شآء بلا حساب ولا عقاب
وكان صلى الله عليه وسلم كثير الحمد عقب كل نعمة
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
قوله الحمد لله على أن عرفنا به وعرفنا بأوصاف حبيبه وهدانا للإيمان به والصلاة عليه والتنويه بأوصافه
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
ويؤيد ما ذكرناه حديث سيد الوجود الساري سره في كل موجود لو أعطي الدنيا بإسرها لعبد فقال الحمد لله لكان حمد أفضل مما أعطي فإذا شكر العبد بهذا التحميد يزيده توفيق الشريعة والخدمة والمناجات وحلاوتها
بدليل قوله عز وجل { لئن شكرتم لأزيدنكم } الآية
واختتام هذه الصلاة النورانية بالحمد لله سنة كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسئلة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الأعمال الصالحات رواه البيهقي في الحديث وفي الجامع للسيوطي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آتاه الأمر الذي يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وعزاه الأمي السني في عمل اليوم والليلة والحاكم عن عآئشة فكأن شيخنا رضي الله عنه وأرضاه استمشق الإجابة وما أحتوت عليه فحمد الله
{لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
قال النووي روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من قال في ذبر صلاة الصبح وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم
{ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
عشر مرات كتب الله له ثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل ويكتب له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في يومه ذلك حرزمن كل مكروه ومن الشيطان ولم يتبع بذنب يدركه في ذلك اليوم شرك بالله
وفي الجامع الكبير للسيوطي أخرج البخاري عن نعيم عن أنس من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر
وروي النسائي وابن حبان عن أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله بهن عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكان له عدل عتق أربع رقاب وكان له حرس حتى يمسي ومن قال من إذا صلى المغرب دبر كل صلاة فمثل ذك حتى يصبح
وقال الحافظ المندري رواه أحمد والنسآئي وابن حبان في صحيحه وهذا لفظه وفي رواية لإبن حبان ذكرله عشر رقاب وسن أبي داوود والنسآئي عن أبي عياش ويقال له ابن أبي عياش الزرقاني الأنصاري رضي الله عنه وإسمه زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل غير ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال إذا أصبح
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز الله من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى قال حماد بن سلمة فرأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سرالنآئم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أبي عياش يحدث عنك بكذا وكذا صدق أبه عياش
رواه أبو داوود وهذا لفظه والنسائي وابن ماجة وابن السني والطبراني في معجمه الكبير والأوسط وفيه وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل ثمن كل رقبة اثنتا عشر ألفا وزاد ابن السني يحيي ويميت وهو حي لا يموت
والعدل بفتح المثل وهو ماعادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وكل نظيره وقيل بالعكس وقال البصريون العدل بالفتح والعدل بالكسر نعتان بمعنى المثل والمعنى هنا كان له من الأجر مثل من أعتق رقبة من ولد إسماعيل
وقال الشيخ سيدي أحمد زروق كان الشيخ أبومدين يدخل خلوته بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير
ولها خاصية من مقام التوكل ولذلك كان أبومدين لا يشق له فيها غبار ولا يلحقه الميثاق الضمار وانما أتى الشيخ رضي الله عنه برواية يحيي آخذ بالاحوط وجمعا بين الروايتن لأنه ورد إسقاطها وورد إثباتها
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ذكر عشر مرات إشارة إلى تكرارالذكر وترداده
قيل له رضي الله عنه إنكم تلقنون الأوراد تحصرون عددها قال أهل النهايات ذالك لأهل البدايات والحصر تدريجا للسالك وتدريبا حتى يجد حلاوة الذكر فحينئذ يخرج من الحصر لا يبقى عليه تحجير وتظهر حلاوة ثمرة الذكر فلا يفتر عنه كالأكل عند كثرة النعم وتقلب ألوانها وعلى هذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم ونفعنا بهم آمين
وأما اهل النهايات فلا يحصرلهم عدد ولا ينقطع عنهم المدد إن قاموا قاموا بالله وإن جلسوا جلسوا بالله وإن نطقوا نطقوا بالله وإن سكتوا بالله
وحكي أن داوود الطائي كان إبن خمس سنين أسلمه أبوه المؤدب فابتدأ بتلقين القرآن وكان لقينا فلما بلغ { هل اتى على الإنسان حين من الدهر } الاية رأته أمه يوم الجمعة مقبلا على حائط وهو يتفكرويشير بيده فخافت عليه فقالت قم ياداوود واخرج يلعب مع الصبيان وانشرح فلم يحيها فضمته إلى صدرها ودعت بالريح والثبور وظنت أنه ملموس فقال لها مالك يا أمه فقالت أبك باس قال لا قالت اين دهنك كلمتك فلم تسمع قال أنا مع عباد الله فقالت وأين هم قال في الجنة قالت ما يصنعون قال { متكئين فيها على الأرآئك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا دانية عليهم ظللها وذللت قطوفها } إلى آخر السورة لأنه ينظر إليهم حتى بلغ { ان هذا كان لكم جزآء وكان سعيكم مشكورا } الآية ثم قال يا أمآه ما كان سعيهم فلم تدر ما تقول فقال لها قومي حتى أتنزه عندهم ساعة فقالت وأرسلت إلى والده فجآء وأعلمته بشأن ولده فقال لها أبوه يا داوود { كان سعيهم مشكورا } وإن قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لا إله إلا الله بعد ذلك هجير داوود ولا يسكت عنها إلا لمهم
والهجير اما ما يكثر الإنسان من ترداده
وفي الحديث كان هجير أبي بكر رضي الله عنه لا إله إلا الله
وكان هجير عمر رضي الله عنه الله أكبر
وكان هجير عثمان رضي الله عنه سبحان الله
وكان هجير علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه الحمد لله
من المعز في مناقب الشيخ أبي يعزى
لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له عابدون
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
كان الشيخ رضي الله عنه يحض الإخوان على هذه الهيللة بهذه الصفة ويرفعون بها أصواتهم عقب صلاة الصبح وعقب صلاة المغرب ولهاذه الهيللة بهاذه الكيفية خاصية بإنتفآء الشرك الأكبر والشرك الأصغر
وثبوت الوحدانية والوقوف على حد العبودية والإخلاص من شوآئب الشهوآت النفسانية
ولهذا كان لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه له القدم الراسخ في التوحيد والإخلاص الذي عليه أهل التفريد والخواص
وكذلك كان الغوث الأهر والقطب الأنورمولانا عبد القادرالجلاني يأمر أصحابه ويحضهم دبر كل صلاة وخصوصا صلاة الصبح بصوت واحد جهرا بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وإليه المصير وبه نستجير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا آياه مخلصين له الدين ولوكره الكافرون أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له مسلمون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما غفل عن ذكره الغافلون
مكتوب في الثورية من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون كتب الله له عبادة ألف سنة ومحا عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقا
وفي العهود للإمام الشعراني الشافعي رحمه الله
المحمدية أخذ علينا العهد العام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا من ربنا الوفآء إليه أن نخلص النية لله في علمنا وعملنا وسآئرحوائجنا من سآئر الشوآئب حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا على ذلك ثوابا وإن حضر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل
قال تعالى { وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين } الآية
وقال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفيك العمل القليل
وقال صلى الله عليه وسلم طوبى للمخلصين أولآئك مصابيح الهدى تتجلى عنهم كل كربة
وروى الطبراني مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرالزمان صارت أمتي ثلاث فرقة فرقة يعبدون الله خالصا
وفرقة يعبدون الله ريآء وفرقة يعبدون الله ليأكلوا به أموال الناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
انظر إلى هذه الفرق تعلم نفسك من فرقة أنت ولا يغرنك ما ورد في حق العلمآء أو في حق العباد إنما هو في حق المخلصين إليه واياك والغلط فافهم ثم أعلم إن إخلاص كل عبد أعماله على حسب رتبته ومقامه فأما من كان من الأبرار فمنتهى درجة إخلاصه أن تكون أعماله السالمة من الريآء الجلي والخفي وقصد موافقة الهوى النفسي طلبا لمن وعد الله المخلصين من جزيل الثواب وحسن المئاب وهربا عما أوعد الله المخلصين من آليم العذاب وسوء الحساب
وهذا من التحقق بمعنى قوله { اياك نعبد } نعبد إلا اياك ولا نشرك في عبادتنا غيرك
وحاصل امره أنه إن أخرج الخلق على نظره في اعمال بره وبحره مع بقآء رؤيته لنفسه في النسبة إليها والاعتماد عليها وأما من كان من المقربين فقد جاوز هذا إلى عدم رؤيته لنفسه في عمله فإخلاصه إنما هو شهود انفراد الحق بتحريكه وتسكينه من غيرأن يرى لنفسه في ذلك حولا ولا قوة ويعبرعن هذا المقام بالصدق الذي يصح به مقام الإخلاص وصاحب هذا مسلوك به في سبيل التوحيد واليقين وهو من التحقق بمعنى قوله تعالى
{ اياك نستعين } أي لا نستعين إلا بك لا بأنفسنا وحولنا وقوتنا
فعمل الأول هو العمل لله وعمل الثاني هو العمل بالله فالعمل لله يوجب المثوبة والعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب تحقيق العبادة والعمل بالله يوجب تصحيح الإرادة والعمل لله نعث كل عابد والعمل بالله نعث كل قاصد والعمل لله قيام بأحكام الظواهر والعمل بالله قيام بالضمائر
وهذه العبارات كلها للإمام أبي القاسم القشيري رحمه الله وبها يتبين الفرق بين المقامين وتبانها في الشرف والجلالة فإخلاص كل عبد هو روح عمله فبوجود الإخلاص يكون حياتها وصلاحها للتقرب به ويكون فيها أهليه عدم وجود القبول وبعدم ذلك يكون موتها وسقوطها عن درجة الاعتبار وتكون إذ ذلك أشباحا بلا أرواح صور بلا معاني
قال بعض العارفين صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبني من الحول والقوة لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
أي ليظهره على جميع الأديان المخالفة و لقد جعل فيما بقي دين من الأديان إلاهو يغطوه ومظهور لدين الإسلام وعن مجاهد إذ أنزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام
ففي هذه الآية ذكر الرسول وذكر المرسل به ومدحه ومدح المرسول به
ولقد جمعت اعظم المزايا وأشرف الكمال وفيها إشارة إلى أنه لابد من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذكر الربوبية ولا تفيد لا إله إلا الله من دون إقرارهم بأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شرح المعزى للإمام السنوسي رحمه الله لابد أن يقول الذاكر أثر
لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أي كل ذكرمن اذكار الله ولا يغفل المومن فيه عن ذكر سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو صلى الله عليه وسلم دليل الخلق إلى الحق ومن غفل عن ذكره لم ينل مقصوده وكان مرميا في سجن القطيعة محروما من خير الدنيا والآخرة
وأما قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله أي ومحمد رسول الله فهو من باب الاكتفآء من إطلاق الجزء وإرادة أوعلى أن الكلمة المذكورة علم على الشهادتين
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر بقرائتها مائة مرة خمسة وعشرون لكل وحدة من الوجوه الأربعة المذكورة وفاقا للسنة ورجآء ثوابها عملا بما في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت له مائة سيئة وكانت له حرز من الشيطان في يومه ذاك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جآء به إلا رجل عمل اكثر منه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه
تنبيه لهذا الحديث الشريف كانت له عدل عشر رقاب مع أن من أعتق رقبة واحدة أعتق الله بكل عضواعضوا من النار
فلا تغفلوا أيها الإخوان وفقني الله وإياكم من ذكر الله فقد ورد في حديث معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله رواه الإمام أحمد ورواه عنه أيضا ابن شيبة في مصنفه والطبراني في معجمه الكبير بزيادة قالوا ولاالجهاد في سبيل الله قال ولاالجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث ثلاث مرات
وفي شرح الحصن الحصين زمن الأولى هي الشيء يعدى بها فعل النجاة كما في قوله تعالى نجوت من القوم الظالمين الآية
ومن الثاني هي التفضيلية والمعنى لا يفوق عمل الذكر في الإنجآء من العذاب والذكر يحتمل الذكر اللساني والقلبي وهو الظاهر ليحصل الجمع بينه وبين قول سيدنا عمر رضي الله عنه أفضل من ذكر الله باللسان ذكره عند أمره ونهيه وأما الذكر مع أرتكاب المخالفات فلا يكن مساويا للذكر عند الأمر والنهي بل المحافظة على الأمر والنهي أنجى وهي نتيجة الذكر القلبي والله تعالى أعلم أنتهى
من شرح حصن الحصين لأبي عبد الله سيد آمحمد الفاسي قال القشيري وذكر الله بالفعل يستلزم الذكر باللسان أي غالبا وإن كان لا يقع ذك منه باللسان بالفعل يجري معه فذكر الله بالفعل يجري عن ذكر اللسان في الأغلب كالطهارة الكبرى تندرج فيها الصغرى
ومعاذ بن جبل هو الصحابي الجليل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل يفهم من حديث معاد هذا أن الأذكار تمحي الأوزار وتقي من عذاب النار يشهد لهذا حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وقد جآء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالى : قال لا إله إلا الله حصني ومن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولو لم يكن للذاكر إلا هذا الأمر لكفاه
وقال القشيري من خصائص الذكر إنه غير موقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما نفلا والصلاة وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات نعم ثم أحوال لا ينبغي الذكر فيها كوقت الجماع ووقت قضآء حاجة الإنسان وفي حال الخطبة يسمع قول الخطيب وفي حالة القيام للصلاة غير القرآن على الجنب ولا بالسر بسآئر الأذكار والتهليل والتسبيح ونحوهما من الجنابة والحيض والنفاس
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر النسآء في هذه الجلالة بخروج الأوراد وملازمة الأذكار ويقول لا تمنعوهن من الذكر فإن الموت بالمرصاد ولهم خلاف في ذكر القلب هل تكتبه أولا فقيل تكتبه الملآئكة ويجعل الله لهم علامة يعرفونه بها وقيل لا يكتبونه فإنه لا يطلع عليه غير الله تعالى : قيل والمختارأنهم يكتبونه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وان حالة الذكر بالقلب لا تكاد تخفى على الملآئكة ولأن رائحة حالة الذكر بالقلب تخرق الحجب وتغيب الملآئكة ويجدون لها طعاما مخصوصا لأنها قوتهم فافهم
قال حجة الإسلام أبوحامد الغزالي رضي الله عنه إن كل ذكر يشعربه قلبك تسمعه الحفظة فإن شعورهم لا يفارق شعورك وفيه سر ثم اعلم ان للذكر آدابا كثيرة ذكرها أهل الطريق منها آداب سابقة على الذكر ومنها آداب مقارنة ومنها آداب لاحقة ثم منها ظاهرة ومنها باطنة فمن الآداب السابقة تصحيح التوبة وتهديب النفس بالرياضة وقطع العلآئق الظاهرة والباطنة والاعتزال وتصحيح العلم المفروض على الأعيان وطهارة الملبس من النجاسة ومن الاحرام ومنها الآداب المقارنة أن يخلص ذكره لله تعالى ولايشوبه بحظ من نيل مال أو جاه ولا يريد رياسة ولا يطلب مقاما ولا درجة ولا كشفا ولا غيرذلك وان يطب رائحة المجلس والملبس لأن مجالس الذكر لا تخلوا من حضورالملآئكة وحضور مومني الجن وأن يستاك ويستقبل القبلة ويجلس جلسة الصلاة
ومن الآداب الآحقة ان يسكت عقب الفراغ من الذكر سكتة مع الخشوع والخضوع متلقيا لما يرد عليه من واردات الذكر فإن الله تعالى كما جعل الريح نشرا بين يدي رحمته المطرية جعل الذكرنشر بين يدي رحمته الغبية فعسى أن يرد على الذاكر في لحظة ما يستنير به مما لا يناله بالمجاهدة الكثيرة والرياضة الطويلة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهذه الأدابات إنما يحتاج إليها من كان على اختياره واما المسلوب الاختيار فهوتابع لما يرد عليه في وقته
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهاذه الآداب إنما يحتاج إليها من كان حظه اللسان وأما من صار ذكره قلبي فهو خارج الفتوى ولا يعترض عليه بكل دعوى فافهم
وأما الآداب المقارنة أن يكون في خلوة ويكون منفردا وأن يغمض عينيه وإن كان تحث نظر شيخه أن يتخيله بين عينيه وينوي الاستمداد منه وأن الشيخ مستمد من النبي صلى الله عليه وسلم لأن سلم المريدين إلى الحضرة الربانية ومعارج السالكين إلى العوالم الملكوتية والجبروتية مزج أرواح المريدين مع أرواح مشايخهم الأحيآء فتجاوبه أرواح المشايخ من الشيخ الحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجل
ويفيضون عليه أنواع الأسرار والتجليات والبركات ويتوجهون الله بمقتضى نيته وحصول مراده فمن لم تتصل سلسلته إلى الحضرة النبوية فإنه مقطوع الفيض ولم يكن وارثا من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا توخذ منه المبايعة والإجازة لما أخرجه الطبراني عن عبد الله بن بشيرإلى غير ذلك مما يطول أنه رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رآى من رآني ولمن رآى من رآى من رآني وآمن بي وطوبى لهم وحسن مئاب
قال الشيخ أبو عبد الله السلمي قدس الله سره قوله طوبى لمن رآني
وطوبى لمن رآى من رآى من رآى من رآني
طوبى أي هنيئا لمن أثرت فيه بركات نظري ومشاهدتي ولمن أثرت فيه مشاهدة أصحابي وهاكذا حال بعد حال إلى أن بلغ حكمآء الأمة وأوليآء الله تعالى في أزمنة
فكل من أثرت فيه نظرحكم أومشاهدة ولي فانما ذلك التأثيرمن نظرالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه على خلاف أحوالهم فأثركل واحد بحسب حاله ولهذا جرى التأثير من المشايخ للمريدين ويجري إلى آخر الدهرلأن إسناد الحال كإسناد الأحكام ويجري إلى غابرالدهر والأزمان وأما حقيقة الذكر ففي العرف هو ضد النسيان فهو حفظ الشيء وحضوره بالبال
وأما في الشرع وحضوره بالبال فلأرباب القلوب في الذكر عبارات متفاوتة قال بعضهم هو الثنآء على الله تعالى والصلاة له والعبادة كلها
وسبيل الواسطي عن الذكر فقال الخروج من ميدان الغفلة إلى فضآء المشاهدة على غلبة الخوف وشدة الحب
وقال صاحب مفتاح الفلاح الذكرهوالتخلص من الخفلة والنسيان بدوام حضورالقلب مع الحق سبحانه وقيل ترديد إسم المذكور بالقلب واللسان وسوآء في ذلك ذكرالله أوصفة من صفاته أو حكم من احكامه أو فعل من افعاله وإستدلال على الشيء من ذلك ودعآء أو ذكر أو ذكر رسله وانبيائه عليهم الصلاة والسلام وذكر أوليآئه أو من انتسب إليه أو تقرب منه بأي وجه من الوجوه أو سبب من الأسباب أو فعل من الأفعال بنحو قرآة أو ذكرأو شعرأو غنآء أو محاضرة أو حكاية والمتكلم ذاكر والفقيه ذاكر والمدرس ذاكر والواعظ ذاكر والمتفكر في عظمة الله وجلالته وجبروته وآيته ذاكر والمتئمل في أرضه وسماواته ذاكر والمتمثل ذاكر ما آمر الله به ونهى عنه ذاكر والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالجناب وقد يكون بالإعلان والإجهار والجامع لذاك كله ذاكر
وقال الإمام الساحلي في بقيته واعلم ان الذكر لغة ضد النسيان وحقيقته من الشرع على قيام معنى التوحيد في النفس حتى يصير صفة لها لا يتفك عنها فإذ ذاك تستمد الوسائل من الحقيقة والوسآئل التي تستمد منها هذه الحقيقة فمنها الباطن ومنها الظاهر ومنها القريب ومنها البعيد
أما الباطنية فكأعمال الفكر فيما يحرك النفس للاتصاف من تلك الحقيقة من أعمال الطاعات كحركة اللسان بإسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته وغير ذلك فيما يجري إلى اتصاف النفس من قريب أو بعيد
قال ولذلك سميت الوسائل لحقيقة الذكر ذكر النوع من الجواز في العرب تسمي الشيء بإسم الشيء إذ كان منه لسبب أهو بالجملة فالذكر مرغب فيه وورد فيه فضل كثير قال الله تعالى { ولذكر الله أكبر } وقال { أذكروني أذكركم } الآية
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أنظر إلى هذا السبب الذي يذكرنا مع أننا أي قيمة لنا حتى يذكرنا الجليل جل جلاله فلو لم يكن إلاهذه الآية في حق الذكر لكفاه شرفا وفخرا ومزية لم ينلها أحد من الغافلين وقال تعالى { أذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } وقال تعالى { والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد لهم مغفرة واجرا عظيما } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } الآية
وقد بين الله سبحانه كيفية الذكربقوله أذكروا الله ذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اذكروا الله ياعبادي مثل ذكركم آبائكم الغائبين عنكم إذا سمعتم خبرهم بحضور قلوبكم وشدة فرحكم واضطراب جوارحكم وارسال دموعكم بل اذكروا الله أشد ذكرا واعظم قدرا من أبآئكم لأن نعمة الله عليكم أيها العباد أعظم من منة آبآئكم حيث أوجدكم من العدم ورزق لكم السمع والأبصار والأفئدة وغداكم في بطون أمهاتكم ورباكم في صغركم وخلق لكم ما في السماوات وما في الأرض وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
حديث آخر قدسي قال الله تعالى لا يذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملإ من الملآئكة ولا يذكرني في ملإ إلا ذكرته في الملإ الأعلى
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى أنا مع عبدي إذ هو ذكرني وتحركت في شفتاه
وفي رواية عبد الله بن بشير رضي الله عنه
أن رجل قال يا رسول الله إن شرآئع الإسلام قد كثرت علي فاخبرني بشيء أتشبت به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله
وفي رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قلت أي الأعمال أحب قال أن تموت ولسانك رطبا من ذكر الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبيئكم بخيرأعمالكم وأزكاها عند مليككم ورفعها في درجاتكم وخيرلكم من إنفاق الذهب والورق وخيرلكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكرالله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء صقالة وان صقالة القلوب ذكرالله وما من شيء آنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولاغرابة فإن المجاهد قد جآء بالذات والذاكرقد جآء بالروح وهو حي فموته وهو حي أشد من موت المجاهد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون شرفا بذكر مولاهم قال وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا
قال النووي روى المفردون بتشديد الرآء وتخفيفها قال والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد
وفي رواية الترميذي قال يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فياتون إليه يوم القيامة خفافا قال الشيخ عبد العظيم المنذري المستهترون بفتح التآء فوق المولوعون بالذكرالمداومون عليه لا يبالون في ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله تعالى برجل خيرا من أمتي ألقى حب أصحابي في قلبه وقال صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم أهتديتم أقتديتم وقال صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي لا تتخذونهم عرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم ببغضي ومن آذاهم فقد آذني ومن آذني فقد أذى الله تعالى يوشك أن يأخذه
قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي بنفسه بيده عز وجل لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مذ أحدهم ولا نصيفه
وقال صلى الله عليه وسلم من لم يحفظني في اصحابي لم يرد على الحوض ولم يراني
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين النخيل قال لا فقالوا نكفركم المؤنة ونشركم في الثمر قالوا سمعنا وأطعنا
وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقطع لهم البحرين فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها فقال أما لا فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فإنه سيصيبكم أثره بعدي وفي رواية ستلقون بعدي اثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض إلا ثمرة بفتح الهمزة والتآء والرآء وضبط بعظهم بظم الهمزة وإسكان الثاني والأول أشهر ومعناه الاستثار وهو أن يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم ولا يجهل لكم في الأمر نصيب وقيل هو من آثر إذا أعطى أراد أن يستأثرعليكم غيركم فيفضل في نصيبه من الفي والاستيثار والافراد بالشيء وقيل الاثرة الشدة والأول الأظهر
عن أبي عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النظير للأنصار إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة وإن شيئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم من أموالنا وديارنا ونؤثروهم بالغنيمة ولا نشاركوهم فيها فأنزل الله عز وجل
{ ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولآئك هم المفلحون } الآية
وقد وردت في فضل الأولى وما يقول قائل بعد قوله تعالى
تعظيما لحقهم { قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي } الآية
وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم
لاتنفع قومه يوم القيامة بل والله إن رحمتي موصوفة في الدنيا والآخرة
وأخرج الطبراني حديث أن الله تعالى جعل ذرية كل نبيء في صلبه وأن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب
زاد غيره إذا كان يوم القيامة دعا الناس بأسمآء أمهاتهم سترا من الله تعالى عليهم إلا هذا وذريته فإنهم يدعون بأسمآئهم لصحة ولادتهم
وصح عن سيدنا عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ماخلا سببي ونسبي
ورواية بزيادة الصهر وهو الذي حمل سيدنا عمرعلى تزوج أم كلثوم بنت سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
وصحح الحاكم حديث وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم
وأخرج أحمد حديث والذي بعثني بالحق نبيئا لم أخذت بحلقتي الجنة ما بدأت إلا بكم
ورد فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرمها الله تعالى وذريتها على النار
وأخرج الطبراني بسند رجال ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك وورد يا عباس إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك
وسلم تسليما مثل ذلك معطوف على صلى أي اللهم سلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه والمهاجرين والأنصار مثل أي مثل الصلاة أي سلاما يليق بك منك تؤدي بها عنا حقه يرضيك يالله ويرضيه صلى الله عليه وسلم وترضى به يالله عنا وتعرفنا بها اياه صلى الله عليه وسلم وتفتح به عنا أبواب الخير وتيسر به أسباب ما تحبه وترضاه يالله وتحول به بيننا وبين الشر ومن نواه والسلام من الله تعالى زيادة تكرمة وانعام
وفي الحديث قال جبريل لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا
وقد ذكر أهل العلم إن من خواص السلام مفرد التسليم من الميثاق ومن المحبوب أن من قال كل يوم مائة مرة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته لا يذوق مرارة الموت ورأى بعضهم سيدنا جابر بن عبد الله في النوم فحدثه بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه بعضهم فمات وهو ساجد في صلاة الصبح
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاة العصر يوم الجمعة فقال قبل أن يقوم من مجلسه اللهم صلى على سيدنا محمد النبيء الأمي وعلى آله وسلم تسليما ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة
أخرج النسائي وابن حبان والدارني وأحمد والحاكم
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آتاني الملك فقال يامحمد اما يرضيك أن ربك عز وجل أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم امحق للذنوب من الماء البارد للنار الحامية
والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب لأن العتق يقابل بالعتق من النار والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يقابلان بالصلاة والسلام من الله والحمد لله
ختم الشيخ رضي الله عنه وأرضاه هذه الصلاة النورانية بالحمد لله اقتذاء بالمشايخ العارفين والعلمآء العاملين حسبما جرت عادتهم بالحمدلة في أعقاب تهليلاتهم وتسبيحاتهم وذلك عين السنة لما روي في صحيحالأحاديث أن الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام حمدوا في البساطات الثلاث وفي فضائل الفاتحة ان الله تبارك وتعالى أورثنا الحمد من سنة نفر أحدهما الأب الأكبرأبونا آدم عليه السلام حين عطس فقال الحمد لله فوجد الرحمة من الله تعالى حيث قالت الملآئكة يرحمك ربك قال الله تعالى
{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما }
والثاني من سيدنا نوح عليه السلام { حيث قال الحمد لله الذي نجينا من القوم الظالمين } الآية
فوجد السلامة قال الله تعالى { يانوح أهبط بسلام منا وبركة عليك وعلى أمم ممن معك } الآية
والثالث من سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث قال
{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعآء } الآية فوجد الفذآء قال الله تعالى
{ وفديناه بذبيح عظيم } الآية
وكذا سيدنا داوود عليه السلام والخامسة من سيدنا سليمان عليه السلام حيث قال { الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المومنين } الآية فوجد العلم والحكمة قال الله تعالى { وكلا آتينا حكما وعلما } الآية
والسادسة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } الآية
فأعطاه المقام المحمود وقال الله تعالى
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمود } الآية
وقال بعض العارفين الحمد خمسة احرف والصلاة خمسة أوقات فإذا قال العبد الحمد كتب الله ثواب خمس صلوات وقول العبد لله ثلاثة احرف فإذا ضمت إلى الأولي صارت ثمانية وأبواب الجنة ثمانية
فإذا قال العبد الحمد لله فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أي باب شآء بلا حساب ولا عقاب
وكان صلى الله عليه وسلم كثير الحمد عقب كل نعمة
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
قوله الحمد لله على أن عرفنا به وعرفنا بأوصاف حبيبه وهدانا للإيمان به والصلاة عليه والتنويه بأوصافه
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
ويؤيد ما ذكرناه حديث سيد الوجود الساري سره في كل موجود لو أعطي الدنيا بإسرها لعبد فقال الحمد لله لكان حمد أفضل مما أعطي فإذا شكر العبد بهذا التحميد يزيده توفيق الشريعة والخدمة والمناجات وحلاوتها
بدليل قوله عز وجل { لئن شكرتم لأزيدنكم } الآية
واختتام هذه الصلاة النورانية بالحمد لله سنة كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسئلة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الأعمال الصالحات رواه البيهقي في الحديث وفي الجامع للسيوطي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آتاه الأمر الذي يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وعزاه الأمي السني في عمل اليوم والليلة والحاكم عن عآئشة فكأن شيخنا رضي الله عنه وأرضاه استمشق الإجابة وما أحتوت عليه فحمد الله
{لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
قال النووي روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من قال في ذبر صلاة الصبح وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم
{ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير }
عشر مرات كتب الله له ثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل ويكتب له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في يومه ذلك حرزمن كل مكروه ومن الشيطان ولم يتبع بذنب يدركه في ذلك اليوم شرك بالله
وفي الجامع الكبير للسيوطي أخرج البخاري عن نعيم عن أنس من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبآئر
وروي النسائي وابن حبان عن أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله بهن عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكان له عدل عتق أربع رقاب وكان له حرس حتى يمسي ومن قال من إذا صلى المغرب دبر كل صلاة فمثل ذك حتى يصبح
وقال الحافظ المندري رواه أحمد والنسآئي وابن حبان في صحيحه وهذا لفظه وفي رواية لإبن حبان ذكرله عشر رقاب وسن أبي داوود والنسآئي عن أبي عياش ويقال له ابن أبي عياش الزرقاني الأنصاري رضي الله عنه وإسمه زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل غير ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال إذا أصبح
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز الله من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى قال حماد بن سلمة فرأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سرالنآئم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أبي عياش يحدث عنك بكذا وكذا صدق أبه عياش
رواه أبو داوود وهذا لفظه والنسائي وابن ماجة وابن السني والطبراني في معجمه الكبير والأوسط وفيه وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل ثمن كل رقبة اثنتا عشر ألفا وزاد ابن السني يحيي ويميت وهو حي لا يموت
والعدل بفتح المثل وهو ماعادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وكل نظيره وقيل بالعكس وقال البصريون العدل بالفتح والعدل بالكسر نعتان بمعنى المثل والمعنى هنا كان له من الأجر مثل من أعتق رقبة من ولد إسماعيل
وقال الشيخ سيدي أحمد زروق كان الشيخ أبومدين يدخل خلوته بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير
ولها خاصية من مقام التوكل ولذلك كان أبومدين لا يشق له فيها غبار ولا يلحقه الميثاق الضمار وانما أتى الشيخ رضي الله عنه برواية يحيي آخذ بالاحوط وجمعا بين الروايتن لأنه ورد إسقاطها وورد إثباتها
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ذكر عشر مرات إشارة إلى تكرارالذكر وترداده
قيل له رضي الله عنه إنكم تلقنون الأوراد تحصرون عددها قال أهل النهايات ذالك لأهل البدايات والحصر تدريجا للسالك وتدريبا حتى يجد حلاوة الذكر فحينئذ يخرج من الحصر لا يبقى عليه تحجير وتظهر حلاوة ثمرة الذكر فلا يفتر عنه كالأكل عند كثرة النعم وتقلب ألوانها وعلى هذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم ونفعنا بهم آمين
وأما اهل النهايات فلا يحصرلهم عدد ولا ينقطع عنهم المدد إن قاموا قاموا بالله وإن جلسوا جلسوا بالله وإن نطقوا نطقوا بالله وإن سكتوا بالله
وحكي أن داوود الطائي كان إبن خمس سنين أسلمه أبوه المؤدب فابتدأ بتلقين القرآن وكان لقينا فلما بلغ { هل اتى على الإنسان حين من الدهر } الاية رأته أمه يوم الجمعة مقبلا على حائط وهو يتفكرويشير بيده فخافت عليه فقالت قم ياداوود واخرج يلعب مع الصبيان وانشرح فلم يحيها فضمته إلى صدرها ودعت بالريح والثبور وظنت أنه ملموس فقال لها مالك يا أمه فقالت أبك باس قال لا قالت اين دهنك كلمتك فلم تسمع قال أنا مع عباد الله فقالت وأين هم قال في الجنة قالت ما يصنعون قال { متكئين فيها على الأرآئك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا دانية عليهم ظللها وذللت قطوفها } إلى آخر السورة لأنه ينظر إليهم حتى بلغ { ان هذا كان لكم جزآء وكان سعيكم مشكورا } الآية ثم قال يا أمآه ما كان سعيهم فلم تدر ما تقول فقال لها قومي حتى أتنزه عندهم ساعة فقالت وأرسلت إلى والده فجآء وأعلمته بشأن ولده فقال لها أبوه يا داوود { كان سعيهم مشكورا } وإن قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لا إله إلا الله بعد ذلك هجير داوود ولا يسكت عنها إلا لمهم
والهجير اما ما يكثر الإنسان من ترداده
وفي الحديث كان هجير أبي بكر رضي الله عنه لا إله إلا الله
وكان هجير عمر رضي الله عنه الله أكبر
وكان هجير عثمان رضي الله عنه سبحان الله
وكان هجير علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه الحمد لله
من المعز في مناقب الشيخ أبي يعزى
لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له عابدون
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
كان الشيخ رضي الله عنه يحض الإخوان على هذه الهيللة بهذه الصفة ويرفعون بها أصواتهم عقب صلاة الصبح وعقب صلاة المغرب ولهاذه الهيللة بهاذه الكيفية خاصية بإنتفآء الشرك الأكبر والشرك الأصغر
وثبوت الوحدانية والوقوف على حد العبودية والإخلاص من شوآئب الشهوآت النفسانية
ولهذا كان لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه له القدم الراسخ في التوحيد والإخلاص الذي عليه أهل التفريد والخواص
وكذلك كان الغوث الأهر والقطب الأنورمولانا عبد القادرالجلاني يأمر أصحابه ويحضهم دبر كل صلاة وخصوصا صلاة الصبح بصوت واحد جهرا بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وإليه المصير وبه نستجير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا آياه مخلصين له الدين ولوكره الكافرون أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له مسلمون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما غفل عن ذكره الغافلون
مكتوب في الثورية من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون كتب الله له عبادة ألف سنة ومحا عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقا
وفي العهود للإمام الشعراني الشافعي رحمه الله
المحمدية أخذ علينا العهد العام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا من ربنا الوفآء إليه أن نخلص النية لله في علمنا وعملنا وسآئرحوائجنا من سآئر الشوآئب حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا على ذلك ثوابا وإن حضر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل
قال تعالى { وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين } الآية
وقال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفيك العمل القليل
وقال صلى الله عليه وسلم طوبى للمخلصين أولآئك مصابيح الهدى تتجلى عنهم كل كربة
وروى الطبراني مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخرالزمان صارت أمتي ثلاث فرقة فرقة يعبدون الله خالصا
وفرقة يعبدون الله ريآء وفرقة يعبدون الله ليأكلوا به أموال الناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
انظر إلى هذه الفرق تعلم نفسك من فرقة أنت ولا يغرنك ما ورد في حق العلمآء أو في حق العباد إنما هو في حق المخلصين إليه واياك والغلط فافهم ثم أعلم إن إخلاص كل عبد أعماله على حسب رتبته ومقامه فأما من كان من الأبرار فمنتهى درجة إخلاصه أن تكون أعماله السالمة من الريآء الجلي والخفي وقصد موافقة الهوى النفسي طلبا لمن وعد الله المخلصين من جزيل الثواب وحسن المئاب وهربا عما أوعد الله المخلصين من آليم العذاب وسوء الحساب
وهذا من التحقق بمعنى قوله { اياك نعبد } نعبد إلا اياك ولا نشرك في عبادتنا غيرك
وحاصل امره أنه إن أخرج الخلق على نظره في اعمال بره وبحره مع بقآء رؤيته لنفسه في النسبة إليها والاعتماد عليها وأما من كان من المقربين فقد جاوز هذا إلى عدم رؤيته لنفسه في عمله فإخلاصه إنما هو شهود انفراد الحق بتحريكه وتسكينه من غيرأن يرى لنفسه في ذلك حولا ولا قوة ويعبرعن هذا المقام بالصدق الذي يصح به مقام الإخلاص وصاحب هذا مسلوك به في سبيل التوحيد واليقين وهو من التحقق بمعنى قوله تعالى
{ اياك نستعين } أي لا نستعين إلا بك لا بأنفسنا وحولنا وقوتنا
فعمل الأول هو العمل لله وعمل الثاني هو العمل بالله فالعمل لله يوجب المثوبة والعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب تحقيق العبادة والعمل بالله يوجب تصحيح الإرادة والعمل لله نعث كل عابد والعمل بالله نعث كل قاصد والعمل لله قيام بأحكام الظواهر والعمل بالله قيام بالضمائر
وهذه العبارات كلها للإمام أبي القاسم القشيري رحمه الله وبها يتبين الفرق بين المقامين وتبانها في الشرف والجلالة فإخلاص كل عبد هو روح عمله فبوجود الإخلاص يكون حياتها وصلاحها للتقرب به ويكون فيها أهليه عدم وجود القبول وبعدم ذلك يكون موتها وسقوطها عن درجة الاعتبار وتكون إذ ذلك أشباحا بلا أرواح صور بلا معاني
قال بعض العارفين صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبني من الحول والقوة لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
أي ليظهره على جميع الأديان المخالفة و لقد جعل فيما بقي دين من الأديان إلاهو يغطوه ومظهور لدين الإسلام وعن مجاهد إذ أنزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام
ففي هذه الآية ذكر الرسول وذكر المرسل به ومدحه ومدح المرسول به
ولقد جمعت اعظم المزايا وأشرف الكمال وفيها إشارة إلى أنه لابد من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذكر الربوبية ولا تفيد لا إله إلا الله من دون إقرارهم بأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شرح المعزى للإمام السنوسي رحمه الله لابد أن يقول الذاكر أثر
لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أي كل ذكرمن اذكار الله ولا يغفل المومن فيه عن ذكر سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو صلى الله عليه وسلم دليل الخلق إلى الحق ومن غفل عن ذكره لم ينل مقصوده وكان مرميا في سجن القطيعة محروما من خير الدنيا والآخرة
وأما قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله أي ومحمد رسول الله فهو من باب الاكتفآء من إطلاق الجزء وإرادة أوعلى أن الكلمة المذكورة علم على الشهادتين
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر بقرائتها مائة مرة خمسة وعشرون لكل وحدة من الوجوه الأربعة المذكورة وفاقا للسنة ورجآء ثوابها عملا بما في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت له مائة سيئة وكانت له حرز من الشيطان في يومه ذاك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جآء به إلا رجل عمل اكثر منه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه
تنبيه لهذا الحديث الشريف كانت له عدل عشر رقاب مع أن من أعتق رقبة واحدة أعتق الله بكل عضواعضوا من النار
فلا تغفلوا أيها الإخوان وفقني الله وإياكم من ذكر الله فقد ورد في حديث معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله رواه الإمام أحمد ورواه عنه أيضا ابن شيبة في مصنفه والطبراني في معجمه الكبير بزيادة قالوا ولاالجهاد في سبيل الله قال ولاالجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث ثلاث مرات
وفي شرح الحصن الحصين زمن الأولى هي الشيء يعدى بها فعل النجاة كما في قوله تعالى نجوت من القوم الظالمين الآية
ومن الثاني هي التفضيلية والمعنى لا يفوق عمل الذكر في الإنجآء من العذاب والذكر يحتمل الذكر اللساني والقلبي وهو الظاهر ليحصل الجمع بينه وبين قول سيدنا عمر رضي الله عنه أفضل من ذكر الله باللسان ذكره عند أمره ونهيه وأما الذكر مع أرتكاب المخالفات فلا يكن مساويا للذكر عند الأمر والنهي بل المحافظة على الأمر والنهي أنجى وهي نتيجة الذكر القلبي والله تعالى أعلم أنتهى
من شرح حصن الحصين لأبي عبد الله سيد آمحمد الفاسي قال القشيري وذكر الله بالفعل يستلزم الذكر باللسان أي غالبا وإن كان لا يقع ذك منه باللسان بالفعل يجري معه فذكر الله بالفعل يجري عن ذكر اللسان في الأغلب كالطهارة الكبرى تندرج فيها الصغرى
ومعاذ بن جبل هو الصحابي الجليل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل يفهم من حديث معاد هذا أن الأذكار تمحي الأوزار وتقي من عذاب النار يشهد لهذا حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وقد جآء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تعالى : قال لا إله إلا الله حصني ومن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولو لم يكن للذاكر إلا هذا الأمر لكفاه
وقال القشيري من خصائص الذكر إنه غير موقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما نفلا والصلاة وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات نعم ثم أحوال لا ينبغي الذكر فيها كوقت الجماع ووقت قضآء حاجة الإنسان وفي حال الخطبة يسمع قول الخطيب وفي حالة القيام للصلاة غير القرآن على الجنب ولا بالسر بسآئر الأذكار والتهليل والتسبيح ونحوهما من الجنابة والحيض والنفاس
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
يأمر النسآء في هذه الجلالة بخروج الأوراد وملازمة الأذكار ويقول لا تمنعوهن من الذكر فإن الموت بالمرصاد ولهم خلاف في ذكر القلب هل تكتبه أولا فقيل تكتبه الملآئكة ويجعل الله لهم علامة يعرفونه بها وقيل لا يكتبونه فإنه لا يطلع عليه غير الله تعالى : قيل والمختارأنهم يكتبونه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وان حالة الذكر بالقلب لا تكاد تخفى على الملآئكة ولأن رائحة حالة الذكر بالقلب تخرق الحجب وتغيب الملآئكة ويجدون لها طعاما مخصوصا لأنها قوتهم فافهم
قال حجة الإسلام أبوحامد الغزالي رضي الله عنه إن كل ذكر يشعربه قلبك تسمعه الحفظة فإن شعورهم لا يفارق شعورك وفيه سر ثم اعلم ان للذكر آدابا كثيرة ذكرها أهل الطريق منها آداب سابقة على الذكر ومنها آداب مقارنة ومنها آداب لاحقة ثم منها ظاهرة ومنها باطنة فمن الآداب السابقة تصحيح التوبة وتهديب النفس بالرياضة وقطع العلآئق الظاهرة والباطنة والاعتزال وتصحيح العلم المفروض على الأعيان وطهارة الملبس من النجاسة ومن الاحرام ومنها الآداب المقارنة أن يخلص ذكره لله تعالى ولايشوبه بحظ من نيل مال أو جاه ولا يريد رياسة ولا يطلب مقاما ولا درجة ولا كشفا ولا غيرذلك وان يطب رائحة المجلس والملبس لأن مجالس الذكر لا تخلوا من حضورالملآئكة وحضور مومني الجن وأن يستاك ويستقبل القبلة ويجلس جلسة الصلاة
ومن الآداب الآحقة ان يسكت عقب الفراغ من الذكر سكتة مع الخشوع والخضوع متلقيا لما يرد عليه من واردات الذكر فإن الله تعالى كما جعل الريح نشرا بين يدي رحمته المطرية جعل الذكرنشر بين يدي رحمته الغبية فعسى أن يرد على الذاكر في لحظة ما يستنير به مما لا يناله بالمجاهدة الكثيرة والرياضة الطويلة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهذه الأدابات إنما يحتاج إليها من كان على اختياره واما المسلوب الاختيار فهوتابع لما يرد عليه في وقته
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وهاذه الآداب إنما يحتاج إليها من كان حظه اللسان وأما من صار ذكره قلبي فهو خارج الفتوى ولا يعترض عليه بكل دعوى فافهم
وأما الآداب المقارنة أن يكون في خلوة ويكون منفردا وأن يغمض عينيه وإن كان تحث نظر شيخه أن يتخيله بين عينيه وينوي الاستمداد منه وأن الشيخ مستمد من النبي صلى الله عليه وسلم لأن سلم المريدين إلى الحضرة الربانية ومعارج السالكين إلى العوالم الملكوتية والجبروتية مزج أرواح المريدين مع أرواح مشايخهم الأحيآء فتجاوبه أرواح المشايخ من الشيخ الحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرة الله عز وجل
ويفيضون عليه أنواع الأسرار والتجليات والبركات ويتوجهون الله بمقتضى نيته وحصول مراده فمن لم تتصل سلسلته إلى الحضرة النبوية فإنه مقطوع الفيض ولم يكن وارثا من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا توخذ منه المبايعة والإجازة لما أخرجه الطبراني عن عبد الله بن بشيرإلى غير ذلك مما يطول أنه رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رآى من رآني ولمن رآى من رآى من رآني وآمن بي وطوبى لهم وحسن مئاب
قال الشيخ أبو عبد الله السلمي قدس الله سره قوله طوبى لمن رآني
وطوبى لمن رآى من رآى من رآى من رآني
طوبى أي هنيئا لمن أثرت فيه بركات نظري ومشاهدتي ولمن أثرت فيه مشاهدة أصحابي وهاكذا حال بعد حال إلى أن بلغ حكمآء الأمة وأوليآء الله تعالى في أزمنة
فكل من أثرت فيه نظرحكم أومشاهدة ولي فانما ذلك التأثيرمن نظرالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه على خلاف أحوالهم فأثركل واحد بحسب حاله ولهذا جرى التأثير من المشايخ للمريدين ويجري إلى آخر الدهرلأن إسناد الحال كإسناد الأحكام ويجري إلى غابرالدهر والأزمان وأما حقيقة الذكر ففي العرف هو ضد النسيان فهو حفظ الشيء وحضوره بالبال
وأما في الشرع وحضوره بالبال فلأرباب القلوب في الذكر عبارات متفاوتة قال بعضهم هو الثنآء على الله تعالى والصلاة له والعبادة كلها
وسبيل الواسطي عن الذكر فقال الخروج من ميدان الغفلة إلى فضآء المشاهدة على غلبة الخوف وشدة الحب
وقال صاحب مفتاح الفلاح الذكرهوالتخلص من الخفلة والنسيان بدوام حضورالقلب مع الحق سبحانه وقيل ترديد إسم المذكور بالقلب واللسان وسوآء في ذلك ذكرالله أوصفة من صفاته أو حكم من احكامه أو فعل من افعاله وإستدلال على الشيء من ذلك ودعآء أو ذكر أو ذكر رسله وانبيائه عليهم الصلاة والسلام وذكر أوليآئه أو من انتسب إليه أو تقرب منه بأي وجه من الوجوه أو سبب من الأسباب أو فعل من الأفعال بنحو قرآة أو ذكرأو شعرأو غنآء أو محاضرة أو حكاية والمتكلم ذاكر والفقيه ذاكر والمدرس ذاكر والواعظ ذاكر والمتفكر في عظمة الله وجلالته وجبروته وآيته ذاكر والمتئمل في أرضه وسماواته ذاكر والمتمثل ذاكر ما آمر الله به ونهى عنه ذاكر والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالجناب وقد يكون بالإعلان والإجهار والجامع لذاك كله ذاكر
وقال الإمام الساحلي في بقيته واعلم ان الذكر لغة ضد النسيان وحقيقته من الشرع على قيام معنى التوحيد في النفس حتى يصير صفة لها لا يتفك عنها فإذ ذاك تستمد الوسائل من الحقيقة والوسآئل التي تستمد منها هذه الحقيقة فمنها الباطن ومنها الظاهر ومنها القريب ومنها البعيد
أما الباطنية فكأعمال الفكر فيما يحرك النفس للاتصاف من تلك الحقيقة من أعمال الطاعات كحركة اللسان بإسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته وغير ذلك فيما يجري إلى اتصاف النفس من قريب أو بعيد
قال ولذلك سميت الوسائل لحقيقة الذكر ذكر النوع من الجواز في العرب تسمي الشيء بإسم الشيء إذ كان منه لسبب أهو بالجملة فالذكر مرغب فيه وورد فيه فضل كثير قال الله تعالى { ولذكر الله أكبر } وقال { أذكروني أذكركم } الآية
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أنظر إلى هذا السبب الذي يذكرنا مع أننا أي قيمة لنا حتى يذكرنا الجليل جل جلاله فلو لم يكن إلاهذه الآية في حق الذكر لكفاه شرفا وفخرا ومزية لم ينلها أحد من الغافلين وقال تعالى { أذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } وقال تعالى { والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد لهم مغفرة واجرا عظيما } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } الآية
وقد بين الله سبحانه كيفية الذكربقوله أذكروا الله ذكركم آباءكم أو أشد ذكرا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اذكروا الله ياعبادي مثل ذكركم آبائكم الغائبين عنكم إذا سمعتم خبرهم بحضور قلوبكم وشدة فرحكم واضطراب جوارحكم وارسال دموعكم بل اذكروا الله أشد ذكرا واعظم قدرا من أبآئكم لأن نعمة الله عليكم أيها العباد أعظم من منة آبآئكم حيث أوجدكم من العدم ورزق لكم السمع والأبصار والأفئدة وغداكم في بطون أمهاتكم ورباكم في صغركم وخلق لكم ما في السماوات وما في الأرض وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
حديث آخر قدسي قال الله تعالى لا يذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملإ من الملآئكة ولا يذكرني في ملإ إلا ذكرته في الملإ الأعلى
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى أنا مع عبدي إذ هو ذكرني وتحركت في شفتاه
وفي رواية عبد الله بن بشير رضي الله عنه
أن رجل قال يا رسول الله إن شرآئع الإسلام قد كثرت علي فاخبرني بشيء أتشبت به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله
وفي رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قلت أي الأعمال أحب قال أن تموت ولسانك رطبا من ذكر الله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبيئكم بخيرأعمالكم وأزكاها عند مليككم ورفعها في درجاتكم وخيرلكم من إنفاق الذهب والورق وخيرلكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكرالله
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء صقالة وان صقالة القلوب ذكرالله وما من شيء آنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولاغرابة فإن المجاهد قد جآء بالذات والذاكرقد جآء بالروح وهو حي فموته وهو حي أشد من موت المجاهد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون شرفا بذكر مولاهم قال وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا
قال النووي روى المفردون بتشديد الرآء وتخفيفها قال والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد
وفي رواية الترميذي قال يا رسول الله وما المفردون قال المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فياتون إليه يوم القيامة خفافا قال الشيخ عبد العظيم المنذري المستهترون بفتح التآء فوق المولوعون بالذكرالمداومون عليه لا يبالون في ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم
صلاة تليق بك منك تؤدي بها عنا حقه ترضيك وترضيه وترضى بها عنا وتعرفنا بها اياه وتفتح بها عنا أبواب الخيروأسباب ما تهواه وتحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه
وهاذه اشرف صلاة وافضلها واعظمها وأكملها لاشتمالها على المقصود والمطلوب والمحذور والمرغوب
أما المقصود والمطلوب فقوله تليق بك منك تؤدي بها عنا حقه ترضيك وترضى بها عنا
وأما المحذورفقوله تحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه
وأما المرغوب فقوله وتعرفنا بها إياه وتفتح بها عنا أبواب الخير وأسباب ما تهواه فمعرفته صلى الله عليه وسلم تحصل معرفة الله وبمعرفة الله تكون المشاهدة التي عند العارفين هي ألذ من كل شيء
وقوله صلاة إسم مصدر نوعي لأنه موصوف بجملة تليق إلا آخره
بين به الشيخ رضي الله عنه وأرضاه أنه ليس مطلوبه مطلق الصلاة بل صلاة مخصوصة وهي التي تكون مناسبة
للألوهية وكرم الربوبية
لأن عظيم الجلال والاكرام لايناسب عطيته إلا أن تكون عظيمة القدروالمقدار ولا يمكن تعيينها من البشرلأن صاحبها مخصوص
بالشرف والاجلال
ولا يصلح لجنابه إلا ما يخطر ببال
فالصفة مخصصة لإخراجها الصلاة التي لا تناسب قدر الألوهية
وطلب الشيء لا يستدعي العلم بكنهه وماهيته بجوازطلب المعلوم من وجه دون وجه نحو اللهم أعطنا في جنتك ما لا عين رأت
ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ولما أتى سيدنا الشيخ رضي الله عنه بأوصاف النبي المحبوب وبين جلالته ومكانته بألفاظ عجيبة الأسلوب
وبين مطلوب الصلاة التي تليق بمعاملة الكريم للنبي العظيم فكأنه يقول اللهم صلي على النبي المحبوب الذي هو اعظم اصطفائك
وروح خواص أحبابك ومدد عنايتك وسر أسمآئك وصفاتك
صلاة تليق بعظيم جودك وكرمك وانعامك وتخصيصك له واجتبآئك وتقريبك
و لا شك أن هذه الصلاة عظيمة القدر والمقدار
لأنها من رب كريم على نبي محبوب فالإحسان من الجليل الكريم لا يكون إلا جليلاعظيما حيث كان لنبي جليل عظيم
وقول سيدنا الشيخ رضي الله عنه ونفعنا ببركته آمين
منك أي يسر مني ولا من غيرك من المقربين والملآئكة والكروبين لأن الملك العظيم الكريم إذا أتحف أحد كبرائه
وخصوصا أعز خدامه وعبيده بهدية أخدها بدون واسطة لا يعطيه الملك إلا أنفس وأطيب وأعظم ما يعطيه على يد الوسآئط
وفي ذلك دلالة على الاعتنآء بالمعطى له وعظيم مرتبته عند المعطي وذلك نتيجة شدة قربه منه بالعلم والمعرفة فافهم
وقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه تؤدي بها عنا حقه سعها لما غاب في حضرة الكمال وأنتعش بمحاسن الجمال ظهر له
الحجاب الأعظم وبان له السرالمكتم وأنه صلى الله عليه وسلم استرق أمته ابتداء وانتهاء بمعنى إيجاد وإمداد بشامل من آمن وكفر باعتبار قصده وسعيه واجتهاده واعتنآئه حتى قال له الله سبحانه و تعالى طسم تلك آيات الكتاب المبين
لعلك بخع نفسك الا يكونوا مومنين
أي قاتل نفسك بسبب ما تحملته ذاتك من التخمم والتفكر والتعلق بأمتك
وقال تعالى ان تحرص على هداهم فإن الله لايهدي من يظل
وقد قال صلى الله عليه وسلم حياتي لكم ومماتي خير لكم قال سيدنا عمر رضي الله عنهما ماذا تصنع إذا مت قال لأزال أنادي
في قبري رب أمتي حتى ينفخ في الصورالنفخة الثانية وتأمل في شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم كما ورد عن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أدع لي فقال اللهم اغفر لعآئشة رضي الله تعالى عنها حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيسرك دعائي فقالت
ومالي لا يسرني دعاؤك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إنها لدعآء لأمتي في كل صلاة
رواه ابن حبان في صحيحه ويزيدك عجبا من عظيم الشفقة والرحمة التي جعلها الله في قلبه صلى الله عليه وسلم ان أم المومنين
عآئشة رضي الله عنها قالت قمت ذات ليلة أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من البيت فوجدته في البقيع يقول قائما
يا رب أمتي وساجد يا رب أمتي فقلت يا رسول الله وأين القرآن قد نسيته لأجل هذه الأمة فلما سمع قال لي يآعآئشة أتعجبين من هاذا
أقول ما دمت في الحياة يارب أمتي فإذا دخلت القبر قلت يا رب أمتي فإذا نفخ في الصور أقول يارب أمتي
وقال القرطبي في التذكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصف الصرا ط بأمتي نادوا ومحمداه ومحمداه فأبادر من شدة
إشفاقي عليهم وجبريل آخذ بحجزتي فأنادي رافعا صوتي رب أمتي رب أمتي لا أسألك اليوم ولا فاطمة إبنتي
فانظر إلى هذا الإحسان العظيم الذي عم الموجودات واسترق به المخلوقات إذ يجب علينا مكافاته والشكر له على أن أثرنا على نفسه وعلى فاطمة إبنته
وهل أحد مثل هذا إذ إحسانه إلينا إذا نظرت إليه تجده أعظم من إحسان آبائنا وأمهاتنا وأحبائنا وأقاربنا
وكيف لا وهو السبب في وجود الموجودات وصلاح مهجتنا وأرواحنا ونورهدايتنا وشفاعته فينا الموجبة لتخلدنا في النعيم المقيم
إن شآء الله
ولاشك أن من تحلى بهاذه الأوصاف التي منها ما يعرف ومنها وما لا يعرف يعجز الخلق عن مكافاته والشكر لفعله ومجازاته
فلهذا سأل سيدنا الشيخ رضي الله عنه صلاة الله التي تؤدي عنه الحق الواجب له صلى الله عليه وسلم بل وعلى غيره لقوله
صلى الله عليه وسلم من صنع لك معروفا وجبت عليك مكافاته فإن لم تجد ما تكافيء به فادع له حتى تعلم أن الله قد أجاب دعاؤك
ولا معروفا يضاهي هذا المعروف الذي اسراه صلى الله عليه وسلم إلى كافة الخلق
وقد قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكره الله
فشكر الوسآئط واجب فافهم هذه الإشارة التي أشار إليها سيدنا الشيخ رضي الله عنه
وقوله ترضيك وترضيه وترضى بها عنا
صفة أيضا للصلاة أي اللهم صلي صلاة ترضيك يالله في القدرالواجب الذي أوجبته على نبيك
بقولك ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وصلي عليه صلاة ترضيك صلى الله عليه وسلم في الحق الواجب به علي من حيث المجازات والمكافات
ولما سأل الشيخ رضي الله عنه
من الله الصلاة على نبيه صلاة ترضى الرب جل جلاله وترضي النبي صلى الله عليه وسلم سأل الرضى من الله سبب هاذه
الصلاة العظيمة الأنوار الكاملة المقدار
لأنها مقبولة حيث رضي بها الجبار ورضي بها نبيه وحبيبه المختار
وهاذه من اعظم الصلوات واشتمال العبارات وألطف التضرعات والرغبات
واعلم ان العارفين رضي الله عنهم قالوا الرضى باب الله الأعظم
وجنة الدنيا ولهاذا سأل الشيخ رضي الله عنه رضى الله قال الله تعالى { رضي الله عنهم ورضوا عنه }
وقال تعالى { هل جزآء الإحسان إلا الإحسان }
ومنتهى الإحسان رضي الله عن عبده وهو ثواب رضى العبد عن الله تعالى
وقال تعالى { ومساكن طيبة في جنات عدن }
ورضوان من الله أكبر تنبه ان الله تعالى قد رفع الرضى فوق جنات عدن كما رفع ذكره فوق الصلاة
حيث قال { إن الصلاة تنهى عن الفحشآء والمنكر ولذكر الله أكبر } فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو غاية مطلب سكان الجنة
وفي الحديث أن الله يتجلى للمومنين فيقول سلوني فيقولون رضاك فسؤالهم الرضى بعد النظرنهاية التفضيل ولا يجوز أن يكشف
عن حقيقة رضى الله إذ تقصرافهام الخلق عن دركه ومن يقوى عليه فيستقل بإدراكه عن نفسه وعلى الجملة فلا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوا الرضى لأنه سبب لدوام النظر فكأنهم رواه غاية الغايات وأقصر الأماني لما ظفروا بنعيم الرضى والنظر
فلما أمروا بالسؤال لم يسئلوا إلا دوامه وعلموا أن الرضى هو سبب دوام رفع الحجاب
وقال تعالى { ولدينا مزيد } الآية
وقال بعض المفسرين فيه يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ( ثلات ) تحق من عند رب العالمين إحداهما هديه من عند الله ليس عندهم
في الجنان مثلها
فكذك قوله تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين و جزآء بما كانوا يعملون } الآية
والثانية السلام عليهم من ربهم فيزيد ذاك على الهدية فضلا
وهو قوله تعالى { سلام قول من رب رحيم } الآية
والثالثة يقول الله إني عنكم راض فيكون ذاك أفضل من الهدية
والسلام فذلك قوله تعالى { ورضوان من الله أكبر } الآية
أي من النعيم الذي هو في الجنة فهاذا فضل رضى الله تعالى
وفي الحديث طوبى لمن هدي للإسلام وكان رزقه ورضي به وقال صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا آبتلاه وإن رضي آصطفاه
وقال صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها
ويتنعمون فيها كيف شآء فتقول لهم الملآئكة هل رأيتم الحساب فيقولون ما رأينا حسابا فتقول لهم جزتم الصراط فيقولون ما رأينا
صراطا فتقول لهم هل رأيتم جهنم فيقولون ما رأينا شيئا فتقول الملآئكة من أنتم فيقولون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتقول ناشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فتقول خصلتان كانتا فينا فبلغنا هاذه المنزلة بفضل رحمة الله فيقولون وماهما فيقولون
كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم لنا فتقول الملآئكة يحق لكم ذلك
وقال صلى الله عليه وسلم
يا معشر الفقرآء أعطوا الله الرضى من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا
وفي أخبار سيدنا موسى عليه السلام ان بني إسرآئيل قالوا له سل لنا ربك أمرا إذا فعلناه يرضى عنا
فقال موسى عليه السلام إلاهي قد سمعت ما قالوا
فقال يا موسى قل لهم يرضون عني حتى أرضى عليهم
وفي الحديث القدسي أنا الله لا إله إلا أنا من لم يصبرعلى بلآئي ولم يشكر نعماء ولم يرض بقضآء فليتخذ ربا سوآء
وفي الحديث القدسي قال تعالى المقادير ودبرت التدابير وأحكمت الصنع فمن رضي فله الرضى مني حتى يلقاني ومن سخط فله
السخط مني حتى يلقاني
وفي الحديث القدسي أيضا خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه وويل لمن خلقته للشر وأجريت الشر
على يديه وويل ثم ويل لمن قال لم وكيف
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه ولم يبلغ أحد مبلغ الرضى الذي أدركه مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد له قول أنس
بن مالك رضي الله عنه قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي شيء لم أفعله لم لأفعله ولا قال في شيء
كان ليته لم يكن ولا في شيء لم يكن ليته كان
وكان إذا خاصمني مخاصم من أهله يقول دعوه لو قضى شيء لكان
وقال سيدنا عمر بن عبد العزيز ما بقي لي سرورا إلا في مواضع القدروقيل له ما تشتهي فقال ما يقضي الله
وقال ميمون بن مهران من لم يرضى بالقضآء ليس لحمقه دوآء
وقال عبد العزيز بن أبي رواد ليس الشأن في أكل خبز الشعير ولا في لبس الصوف والشعر ولاكن الشان في الرضى عن الله عز وجل
وقال عبد الله لأن أحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلي من أقول لشيء كان ليته لم يكن أو شيء ليته كان
وقال الفضيل إذا استوى عند العبد المنع والعطآء فقد رضي الله تعالى
وقال ابن سلمان الدراني إن الله عز وجل كربه قد رضي من عبيده بما رضي العبيد من مواليهم
وقال احمد بن أبي الحواري وكيف ذلك قال أليس مراد العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه قلت نعم قال فإن محبة الله من عبيده أن
يرضوا عنه
وقال سهل حظ العبيد من اليقين على قدر حظهم من الرضى وحضهم من الرضى على قدرغيبتهم مع الله عز وجل
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل بحكمه وجلاله جعل الروح والفرح في الرضى واليقين وجعل الغم والحزن
في الشك والسخط
ولما قدم سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى مكة وقد كان ذهب بصره جاءه الناس يهرعون كل واحد يسأله أن يدعو له فيدعوا لهاذا
ولهذا وكان مجاب الدعوة
قال عبد الله بن السآئل فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفني وقال أنت قاريء مكة فقلت نعم فذكر قصة قال في آخرها فقلت له ياعم
أنت تدعو للناس فلا دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك فتبسم وقال يابني قضآء الله سبحانه عندي أحسن من بصري
وضاع لبعض الصوفية ولد صغير مند ثلاثة أيام لم يعرف له خبرا فقيل له لو سألت الله تعالى أن يرده عليك فقال اعتراضي على
الله تعالى فيما قضى أشد علي من ذهاب ولدي
وعن بعض العباد أنه قال إني أذنبت ذنبا فأنا أبكي عليه منذ ستين سنة وكان أجتهادي في العبادة لأجل التوبة من ذلك الذنب فقيل له
وما هو فقال قلت مرة لشيء كان ليته لم يكن
قيل للحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ان أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنا والسقم أحب إلي من الصحة فقال
رحم الله أبا ذر أما أنا أقول من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يتمنى غير ما أختاره الله عز وجل له وقد تكلم الناس في الرضى
فكل عبرعن حاله وشرفه فهم في العبارة عنه مختلفون كما أنهم في الشرف والنصيب من ذلك متفاوتون
قال الأستاذ أبو علي الدقاق ليس الرضى أن تحس بالبلآء إنما الرضى أن لا تعترض على الحكم والقضاء
وقال أبو عمر الدمشقي الرضى ارتفاع الجزع في أي حكم كان
وقال الجنيد الرضى رفع الاختيار
وقال ابن عطآء الرضى نظرالقلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد وهو ترك التسخط
وقال أويم الرضى استقبال الأحكام بالفرح
وقال المحاسبي الرضى سكون القلب تحت مجاري الأحكام
وقال النووي الرضى سكون القلب بمر القضاء
وإنما سئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه رضى الله تعالى
لأنه مقدم عن رضى العبد قال الله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه فأفهم
رضى الله عن العبد تأمينه من سخطه وأحلا له دار كرامته ورضى العبد أن لايختلج في سره أذنى خزازة وقوع قضآء
من أقضية الله تعالى بل يجد لذلك في قلبة من اليقين وثلج الصدر وشهود المصلحة العظمى الطمأنينة وقوله وتعرفنا بها أياه صفة
صلاة أيضا أي صلي صلاة تعرفنا بها إياه صلى الله عليه وسلم ومعرفته صلى الله عليه وسلم من أجل ما يطلب وأسنى
ما يسئل ويرغب فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو المرآة للتجلي والواسطة العظمى بالتعريف بالعالم العلوي والسفلي
فمعرفته صلى الله عليه وسلم موصلة إلى معرفة الله وبحسب معرفته صلى الله عليه وسلم تكون معرفة الله سبحانه
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم هو باب الله الأعظم
وأنت باب الله وأي امرء * أتاه من غيرك لا يدخل
ولهذا سئل الشيخ رضي الله عنه وأرضاه معرفته صلى الله عليه وسلم لأن معرفته تستلزم معرفة الله تعالى
وأيضا معرفته صلى الله عليه وسلم مقام المحبوبية عند الله تعالى وذلك أن محبة الله للعبد على حسب
محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومتابعته اياه ومحبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم على قدرمعرفته به فمهما أزداد معرفة
إلا أزداد محبة إذ لاسبب للمحبة إلا الجمال والإحسان وقد جمعها صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه لاجمال يشبه
جماله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ولا إحسان يقارب إحسانه صلى الله عليه وسلم كما تقدرقريبا قريبا وإن إحسانه
صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسان آبائنا وأمهاتنا إذ كل نعمة واصلة إلى كل منعم عليه آيا كان فهي على يديه وبواسطته
صلى الله عليه وسلم كما تقرر آنفا فلهذا طلب الشيخ معرفته صلى الله عليه وسلم أي دوام المعرفة والزيادة والترقي
ولا شك أن الترقي في محاسنه وكمالته صلى الله عليه وسلم ينتج توقيره وتعظيمه وإجلاله صلى الله عليه وسلم
كما يشهده المترقي مما يبهر قلبه ويسبي لبه
تكامل حسن الخلق فيمن أحبه * فكم عقل لنا حسنه سبا
وحينئذ يسارع إلى خدمته صلى الله عليه وسلم بكل ما يمكنه ويقدرعليه ويوثر رضاه على هوى نفسه
ويشتاق إلى كل ما له رآئحة من جهته صلى الله عليه وسلم
وانتساب إليه آيا قادما من نحور أمة مرحبا * شممت عليك البيت من ساكن قبا
عن الجدع حدثني وكيف نسميه * وكيف غصون البان قال بها الصبا
تكامل حسن الخلق فيهن أحبه * فلله كم لنا حسنه سبا
وفي آل عاد شاع من قبل حسنه * وآل ثمود والقبائل من سبا
رفعت على العشاق راية حبه * سيظهر لي في الحشرمن حبه نبا
وإذا استحضرالعارف أوصافه الجليلة وحلاه الجميلة تمنى أن لو كان معه في عصره لأنفق عليه ماله وقوته وروحه
وفداه بنفسه وأولاده وأهله فيكون له ثواب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة
وفي الإسرآئليات أن رجل مر بكثيب رمل في مجاعة فقال في نفسه لو كان لي هذا الرمل طعاما لقسمته على الناس
فأوحى الله إلى نبيهم ان قل له إن الله قبل صدقتك وشكر حسن نيتك وأعطاك ثواب ما لو كان طعاما فتصدقت به
ثم أعلم أن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين معرفة صفاته الظاهرة وأخلاقه الباطنة التي دلت عليها أحواله
وأفعاله صلى الله عليه وسلم وهي كسبية موصلة لمقام الإيمان ومراتبها متفاوتة ويتفاوت الإيمان بحسبها وهي التي تكفلت بها
مطالعة كتب السيرلاكن ذلك متوقف على الإلهام له والإقرار عليه
قال تعالى { وإياك نستعين } الآية
مع ان العبادة كسبية ومعرفة معناه
وملكوتية
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك وإنه بشرى الظاهر
ملكوتي الباطن وهذه وهبية لامدخل لأهل الكسب فيها فظهر وجه طلب الشيخ رضي الله عنه في القسمين
والناس في مشاهدته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة مراتب
المرتبة الأولى موقف أهل شهود شريعته صلى الله عليه وسلم فهم يشهدون ما في التكليف من تحمل الأثقال فتطول عليهم المسافات
ويبعد في حقهم الوصول لأنهم حاملون في الطريق ولزمهم الكمد والحزن لحملهم مافرت منه السماوات والأرض والجبال
وصاحب هذه الرتبة وإن كان ذا حظ من القرب والخصوصية لا كن غيره أكمل منه لأنه يشاهد مامنه إلى الله من أعمال وأقوال
فهو مثبت يشاهدها ويشاهد الأقوال والأفعال منها
المرتبة الثانية موقف أهل شهود ذاته صلى الله عليه وسلم بمعرفته أثم من معرفة الأول لأنه نفذ ما لم ينفذ إليه .
وصاحب هذه المرتبة يشهد ما يجري على يديه من الطاعات من الله إليه تفضلا وإحسانا ويرى ضعف نفسه وسقوط حوله وقوته
فيمده الله تعالى من الحول والقوة بالعون والنصر ويلازمه الفرح والسرور لأنه يشهد الهدايا من الله مالك الملوك ويخف عليه السير
ويستحليه لأنه محفوف في محفوفات المنى مروح عليه بنفحات اللطف وخدمة هذا جبلية لا تعمل بخلاف الأول
ثم صاحب هذه المرتبة وإن كان أكمل مما قبله فغيره أكمل منه لأنه مشاهد لنفسه حيث رأى الهدية من الله إليه وإن كان لايشهد الأعمال
منها فقد بقيت فيه بقية المرتبة الثالثة موقف أهل شهود روحه صلى الله عليه وسلم وهم أهل الفناء التام فهم يشهدون
ما من الله إلى الله فهم بالله وفي الله وإلى الله قد حفت بهم نصرته ولازمته حياطته
والفرق بين هذه المراتب الثلاث قوة التعظيم الناشيء عن المعرفة فإن لأهل شهود الروح من المعرفة ماليس لأهل شهود الذات
فلهم من التعظيم ماليس لغيرهم وهكذا أهل شهود الذات فلهم من التعظيم ماليس لغيرهم مع أهل شهود الشريعة والتعظيم بحسب النية
ويرحم الله سيدي رضوان حيث قال
فلو كنت يوم الغار كنا ثلاثة * ولو كنت في بدر لكنت من العدد
وفي يوم حنيين لوحضرت فديتكم * بنفسي وأولادي وأهلي وما ولد
وما أنا ماهي وما قدر قيمتي * ولكن ممدوح لأفضل من قصد
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه كثيرا ما يتلهف بأبيات أبي طالب ليلا ونهارا وخصوصا الثلث الآخرمن الليل
ويستحسنها ويبكي لقرائتها والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد التراب دفينا
فاصرع بأمرك ماعليك غضاضة * وابشر يذا وقرعيونا
ولقد دعوتني وعلمت أنك ناصحي * وصدقت وكنت فينا أمينا
ولقد علمت أن دين محمد * من خير البرية دينا
ويبدل البيت الذي يقول فيه لولا الملامة إلى آخره بقوله
فاشهد على بأنني بك مصدق وبما قد جيت به مبينا
وقيل لسيدنا الشيخ رضي الله عنه ما نيتك بقرآئتها
فقال نيتي أن لو كنت زمانه صلى الله عليه وسلم لقلت هذه الأبيات كما قالها أبوطالب وليته وصدقته وفديته بنفسي وأبي وأمي
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه حين قرئتها يقع سماعها فيه موقعا عظيما ويغيب عن حاله ويشهد لذا القبيل قصة الصحابي
الجليل سيدنا الزبير رضي الله عنه نفحت نفحت من الشيطان ان أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الزبير
فشق الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا زبير فقال
سمعت إنك قد قتلت قال صلى الله عليه وسلم فما كنت صانع قال أردت والله أن استعرض أهل مكة وأجري دمآئهم كالنهر
لاأترك أحدا منهم إلا قتلته حتى أقتلهم عن آخرهم قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وخلع ردائه وألبسه رداؤه
فنزل جبريل عليه السلام وبشره أن الله قد أعطاه ثواب من سل سيفه في سبيل الله منذ بعثت إلى أن تقوم الساعة
أن ينقص من أجرهم شيئا لأنه أول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه أنظرما نتجت له نيته في تعظيم جانب النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا من ثمرة المحبة الناشئة عن المعرفة ولما كانت معرفة الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرهم
كانت محبتهم له أعظم ومن هذا القبيل أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه تمنى أن يكون لسيدنا طلحة يوم أحد
قالت أم المؤمنين عآئشة رضي الله عنها كان أبوبكرالصديق رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال ذلك يوم كله كان لطلحة
كنت أول من فآء فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه فقلت كن طلحة حيث فأتني فإذا بطلحة
وبه بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنه ورمية وضربة وإذا قد قطعت يده فأصلحنا من شأنه وما انصرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم يؤم أحد حتى قال لحسان قل في طلحة فقال
وطلحة يوم الشعب آسى محمد * على ساعة ضاقت عليه وشقت
يقيه بكتفيه الرماح واسلمت * اساجعه تحث السيوف فشلت
وكان أمام الناس إلا محمد * أقام رحى الاسلام حتى استقلت
وقال فيه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
حمى نبي الهدى والخيل تتبعه حتى إذا ما لقوا حمى على الدين
صبرا على الطعن جماعتهم * والناس ما بين مهزوم وبين مفتون
يا طلحة بن عبد الله قد وجبت * لك الجنان وكم زوجت من عين
وقال فيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حمى نبي الهدى بالسيف منتصلا * لما تولى جميع الناس وانكشفوا
قال النبي صلى الله عليه وسلم صدقت
أخرجه ابن عساكر
قال عبد الله بن المبارك رب عمل صغيركبرته النية ورب عمل كثير صغرته النية
قال بعض العارفين بقدر ما يدخل التعظيم والحرمة تنبعث الجوارح للخدمة وقد يقطع المحب على فراشه ما يقطع العابد في سبعين سنة
وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المرء مع من أحب
روى الحافظ وأبونعيم عن مسعود بن كرام عن عطية قال كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما جالسا فقال له رجل يا أبا عبد الرحمان لو وددت اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن عمر ألا أبشرك قال بلى يا أبا عبد الرحمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما اختلط حبي بقلب أحد إلا حرم جسده على النار
وأخرج الطبراني
في الكبير الضياء المقدسي عن أبي قرباصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب قوما حشره الله في زمرتهم
ولا تغفل عما تقدم من تقسيم الناس في شهوده صلى الله عليه وسلم على أربعة مقامات
كما قال الشيخ عبد الرزاق العثماني
وفي قول الشيخ رضي الله عنه صلاة تليق بك منك تؤدي بها عنا حقه ترضيك وترضيه وترضى بها عنا وتعرفنا بها إياه إشعار بمحبة خاصة تنتعش بها أرواح المحبين وتفرح بها قلوب الصدقين وشوق بذات الشيخ نشأت عنه الصلاة المهدات من الرب الكريم إلى جنابه العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وطلب الشيخ من الله أن يعرفه بها إياه معرفة خاصة تنتعش بها أرواح المحبين وتفرح بها قلوب الصديقين وبها يقع تعظيمه
ولهاذا كان إمام المذهب مالك ابن آنس رضي الله عنه
إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه تغير لونه لشدة اهتمامه وكثرة معرفته به صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ عبد القادرالجلاني أول ما يطلع في قلب المومن نجم الحلم ثم قمر العلم ثم شمس المعرفة فبضوء نجم الحلم ينظر إلى الدنيا وبضوء قمرالعلم ينظر إلى الآخرة وبضوء شمس المعرفة ينظر إلى المولى عز وجل
وفي كتاب اللؤلويات عن النبي صلى الله عليه وسلم آلا وان لله آنية في الأرض وهي القلوب فأحبها إلى الله أصفاها واصلبها وأرقها أصفاها من الذنوب
وأصلبها في الدين وأرقها على الإخوان
وقال سيدنا داوود عليه السلام يا رب لكل مالك خزانة فما خزانتك قال لي خزانة أعظم من العرش وأوسع من الكرسي وأطيب من الجنة وأنورمن الشمس وهي قلب المومن
وقال النسفي أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام اني خلقت في جوف عبدي بيتا وسميته قلبا وجعلت أرضه المعرفة وسماؤه الإيمان وشمسه الشوق وقمره المحبة وترابه الهمة ورعده الخوف وبرقه الرجآء وغمامه الفضل ومطره الرحمة وشجره الوفآء وثمره الحكمة ونهاره الفراسة وهي الضياء وليله المعصيه وهي الظلمة وله باب من العلم وباب من الحلم وباب من اليقين وباب من الغيرة وله ركن من الأنس وركن من التوكل وركن من اليقين وركن من الصدق وعليه قفل من الفكر
لا يطلع على ذلك البيت غيري
أوحى الله تعالى إلى سيدنا داوود عليه السلام بلغ أهل الأرض عني اني صاحب لمن أحبني وجالس لمن جالسني وأنيس لمن أنس بي ومصاحب لمن صاحبني ومختارلمن أختارني ومطيع لمن أطاعني واني خلقت طينة أحبائي من طينة إبراهيم وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ونورت قلوب المشتاقين من نوري ونعمتها بجلالي
وقوله وتفتح بها عنا أبواب الخير وأسباب ما تهواه وتحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه صفة صلاة أيضا
أي صلي يالله صلاة تفتح بها عنا أبواب خيرالطاعة وتيسر بها أسباب المعاملة التي تحبها وترضها
قد سئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه الطاعة المقبولة والمعاملة المرضية الخالصة من شوائب التدليس والتحريف المطبوعة بطابع القبول والتعريف
ولا شك أن هذا العمل بهذا الوصف جليل وإن كان في نفسه قليل
فكم من عمل كثير مردود وكم من مفتوح عليه مطرود وكم من واقف بالباب مذوذ وكم من جالس بالبساط قد هتك الحدود
ولأجل هذا كثر خوف العارفين ويتفاوتون في الخوف كل على قدر معرفته
وانظر إلى سيدنا إسرافيل عليه السلام منذ خلقه الله وهو يرتعد من خوف الله تعالى وتارة يصغر ويذوب فيصير مثل العصفور خوفا من الله تعالى ومن الملآئكة منذ خلقه الله لم يرى ضحكا قط
ولما كان خوفه صلى الله عليه وسلم من مولاه أكثر مخلوقات الله كان يسمع له أزيز كأزيز المرجل
وكان الصديق رضي الله عنه يقول ياليتني لم تلذني أمي يا ليتني لم أك شيئا إلى غيرذلك من أحوال الكاملين والأئمة العارفين
ومن هنا تضرعوا وابتهلوا وكثرت اسئلتهم ودعواتهم وتضرعاتهم ومن وقف على احوالهم في الدعاء علم سببه
مما ذكرناه ولا يقال ان في طلب الشيخ رضي الشعور بالإهتمام بالرزق وخوف الخلق بل إظهار اللفافة والوقوف مع حد العبودية وتذللا للربوبية فإن الجالس بالبساط قد يهلكه الانبساط ولا يقف مع الحضرة إلا أهل الكمال ولو سكروا من الخمرة فهم محفوفون في كل الأحوال ولا يغيرهم الحال فهم بالله ومن الله وإلى الله يشهد لهذا قول نبي الله يعقوب عليه السلام { اني أخاف أن يأكله الذيب وأنتم عنه غافلون } الآية
وهذا قول سيدنا هارون عليه السلام { فلا تشمث } الآية
وكذلك قول سيدنا موسى عليه السلام { قال رب اني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون } الآية إلى غير ذلك مما يطول وإذا كان حال الأنبيآء هكذا فكيف بحال غيرهم من المومنين والأوليآء الكاملين
سئل شيخنا رضي الله عنه إنا نرى بعض الأوليآء
ولايرون غير الله أصلا ولا يخافون منه قطعا
فقال رضي الله عنه وأرضاه
وهذا مقام المشاهد لتصرف الله في جميع الأشياء أعلا منه وأكمل ومن هنا حازالأنبيآء عليهم الصلاة والسلام الحظ الأوفى والمقام الأكمل كما علمت فافهم ثم اعلم أن مقاصد الناس في طلبهم مختلفة فالعامة مرادهم إجابة الدعآء وإعطآء مسئلتهم لاغيرفتنفذ أرواحهم ولا يحول في أفكارهم غير ذلك فهؤلاءعبيد أهوائهم وطالبون لحظوظهم وهذا غير منهم العبودية
والخاصة جعلوا هذا المقصد تبعا لمقصد أعلا ومقام أكمل وأسنى وذلك أنهم قصدوا بسؤالهم إظهار وصف العبودية من الفقر والاحتياج والعجز وغير ذلك
والتعلق بأوصاف الربوبية من الغنا المطلق والقدرة الكاملة ولم ينسوا حظهم في فضل مولاهم عز وجل فهؤلاء عبيد إلا ان فيهم شائبة حظ وبقية هوى وأكمل منهم القسم الثالث وهم خاصة الخاصة أعرضوا عن المقصد الأول ولم يلتفتوا إليه أصلا واعتبروا المقصد الثاني لأنهم جنحوا إلى مقصد أنهم أكمل ومقام أعلا وأفضل وذلك أنهم قصدوا بمطالبهم ومسائلهم الجلوس على بساط العبودية والتخلق بين يدي جلال الربوبية ولذة المكاملة وفوائد المخاطبة وثمرات المساررة نتآئج المسئلة وهذا القصد يستوي فيه عندهم العطآء والمنع والضروالنفع فقد حصل لهم القصد الأكمل والمراد الأفضل ولم يفتهم من مقاصد من دونهم شيء إذ لما توجهوا إلى الله تعالى أقبل عليهم كل شيء وانفعل لهم الوجود فهم متصرفون فيه تصرف المالك في مملكته فأنى يحتاجون إلى شيء من الوجود وهو في أيديهم وتحث طوعهم { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون } الآية
ولهذا تعلم سؤال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وقوله الخير واحد الخيورأي عمل الخير من النوافل ونحوها ليغب في حد العبودية ويتلذذ بخدمة الربوبية
وفي الحديث عن أيوب الأنصاري فقلت يا رسول الله انك تدمن هذه الأربعة ركعات عند زوال الشمس فقال صلى الله عليه وسلم إن أبواب السمآء تفتحت عند زوال الشمس فلا ترتج حتى تصل الظهر فأحب يصعد لي في تلك الليلة خيرا أي عمل خيرا
وعلى آله وأصحابه والمهاجرين والأنصار ومن
تبعه لما صلى الشيخ رضي الله عنه على النبي المحبوب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والمهاجرين والأنصار ومن تبعه ومن آمن به وصدقه من أول بعثته إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم أياكم والصلاة البتر قيل ما الصلاة البتر قال أن تصلوا علي دون آلي وآله صلى الله عليه وسلم أقاربه من بني هاشم وأصحاب جمع صاحب
كشاهد وأشهاد وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو طفلا وأعمى ومات مومنا
خرج البخاري ومسلم أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا يارسول الله امرنا أن نصلوا عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد والمهاجرين الدين هاجروا من مكة إلى المدينة وهم الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فصاروا فقرآء فدعتهم محبة الله وطاعة رسوله إلى تجردهم عن الديار والأموال والأولاد وهاذه هي المحبة الخالصة والطاعة الصادقة قال الله تعالى
{ أولآئك هم الصديقون } الآية
والأنصار الذين كان نزولهم بالمدينة المشرفة قبل الهجرة وهم الذين تبوءو الدار أي المدينة اتخذوها مسكنا والإيمان من قبلهم أي قبل المهاجرين يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة رضي الله عنهم ورضوا عنه ونفعنا ببركاتهم آمين
قال تعالى في حقهم فأولآئك هم المفلحون
والإسلام ثلاثة المهاجرون والأنصاروالتابعون لهم إلى يوم القيامة
فسئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الصلاة من الله على نبيه وعلى آله وأصحابه والمهاجرين والأنصار له ومن تبعهم إلى يوم القيامة وتفضلهم وتعددهم ينتج معرفتهم ومعرفتهم تورث محبتهم وهي مطلوبة
وفي الحديث
أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل منهم وزرآء وأنصار وأصهار فمن سبهم فعليه لعنة الله والملآئكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أي فرضا ولا نفلا
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله تعالى برجل خيرا من أمتي ألقى حب أصحابي في قلبه وقال صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم أهتديتم أقتديتم وقال صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي لا تتخذونهم عرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم ببغضي ومن آذاهم فقد آذني ومن آذني فقد أذى الله تعالى يوشك أن يأخذه
قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي بنفسه بيده عز وجل لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مذ أحدهم ولا نصيفه
أما المقصود والمطلوب فقوله تليق بك منك تؤدي بها عنا حقه ترضيك وترضى بها عنا
وأما المحذورفقوله تحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه
وأما المرغوب فقوله وتعرفنا بها إياه وتفتح بها عنا أبواب الخير وأسباب ما تهواه فمعرفته صلى الله عليه وسلم تحصل معرفة الله وبمعرفة الله تكون المشاهدة التي عند العارفين هي ألذ من كل شيء
وقوله صلاة إسم مصدر نوعي لأنه موصوف بجملة تليق إلا آخره
بين به الشيخ رضي الله عنه وأرضاه أنه ليس مطلوبه مطلق الصلاة بل صلاة مخصوصة وهي التي تكون مناسبة
للألوهية وكرم الربوبية
لأن عظيم الجلال والاكرام لايناسب عطيته إلا أن تكون عظيمة القدروالمقدار ولا يمكن تعيينها من البشرلأن صاحبها مخصوص
بالشرف والاجلال
ولا يصلح لجنابه إلا ما يخطر ببال
فالصفة مخصصة لإخراجها الصلاة التي لا تناسب قدر الألوهية
وطلب الشيء لا يستدعي العلم بكنهه وماهيته بجوازطلب المعلوم من وجه دون وجه نحو اللهم أعطنا في جنتك ما لا عين رأت
ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ولما أتى سيدنا الشيخ رضي الله عنه بأوصاف النبي المحبوب وبين جلالته ومكانته بألفاظ عجيبة الأسلوب
وبين مطلوب الصلاة التي تليق بمعاملة الكريم للنبي العظيم فكأنه يقول اللهم صلي على النبي المحبوب الذي هو اعظم اصطفائك
وروح خواص أحبابك ومدد عنايتك وسر أسمآئك وصفاتك
صلاة تليق بعظيم جودك وكرمك وانعامك وتخصيصك له واجتبآئك وتقريبك
و لا شك أن هذه الصلاة عظيمة القدر والمقدار
لأنها من رب كريم على نبي محبوب فالإحسان من الجليل الكريم لا يكون إلا جليلاعظيما حيث كان لنبي جليل عظيم
وقول سيدنا الشيخ رضي الله عنه ونفعنا ببركته آمين
منك أي يسر مني ولا من غيرك من المقربين والملآئكة والكروبين لأن الملك العظيم الكريم إذا أتحف أحد كبرائه
وخصوصا أعز خدامه وعبيده بهدية أخدها بدون واسطة لا يعطيه الملك إلا أنفس وأطيب وأعظم ما يعطيه على يد الوسآئط
وفي ذلك دلالة على الاعتنآء بالمعطى له وعظيم مرتبته عند المعطي وذلك نتيجة شدة قربه منه بالعلم والمعرفة فافهم
وقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه تؤدي بها عنا حقه سعها لما غاب في حضرة الكمال وأنتعش بمحاسن الجمال ظهر له
الحجاب الأعظم وبان له السرالمكتم وأنه صلى الله عليه وسلم استرق أمته ابتداء وانتهاء بمعنى إيجاد وإمداد بشامل من آمن وكفر باعتبار قصده وسعيه واجتهاده واعتنآئه حتى قال له الله سبحانه و تعالى طسم تلك آيات الكتاب المبين
لعلك بخع نفسك الا يكونوا مومنين
أي قاتل نفسك بسبب ما تحملته ذاتك من التخمم والتفكر والتعلق بأمتك
وقال تعالى ان تحرص على هداهم فإن الله لايهدي من يظل
وقد قال صلى الله عليه وسلم حياتي لكم ومماتي خير لكم قال سيدنا عمر رضي الله عنهما ماذا تصنع إذا مت قال لأزال أنادي
في قبري رب أمتي حتى ينفخ في الصورالنفخة الثانية وتأمل في شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم كما ورد عن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أدع لي فقال اللهم اغفر لعآئشة رضي الله تعالى عنها حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيسرك دعائي فقالت
ومالي لا يسرني دعاؤك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إنها لدعآء لأمتي في كل صلاة
رواه ابن حبان في صحيحه ويزيدك عجبا من عظيم الشفقة والرحمة التي جعلها الله في قلبه صلى الله عليه وسلم ان أم المومنين
عآئشة رضي الله عنها قالت قمت ذات ليلة أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من البيت فوجدته في البقيع يقول قائما
يا رب أمتي وساجد يا رب أمتي فقلت يا رسول الله وأين القرآن قد نسيته لأجل هذه الأمة فلما سمع قال لي يآعآئشة أتعجبين من هاذا
أقول ما دمت في الحياة يارب أمتي فإذا دخلت القبر قلت يا رب أمتي فإذا نفخ في الصور أقول يارب أمتي
وقال القرطبي في التذكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصف الصرا ط بأمتي نادوا ومحمداه ومحمداه فأبادر من شدة
إشفاقي عليهم وجبريل آخذ بحجزتي فأنادي رافعا صوتي رب أمتي رب أمتي لا أسألك اليوم ولا فاطمة إبنتي
فانظر إلى هذا الإحسان العظيم الذي عم الموجودات واسترق به المخلوقات إذ يجب علينا مكافاته والشكر له على أن أثرنا على نفسه وعلى فاطمة إبنته
وهل أحد مثل هذا إذ إحسانه إلينا إذا نظرت إليه تجده أعظم من إحسان آبائنا وأمهاتنا وأحبائنا وأقاربنا
وكيف لا وهو السبب في وجود الموجودات وصلاح مهجتنا وأرواحنا ونورهدايتنا وشفاعته فينا الموجبة لتخلدنا في النعيم المقيم
إن شآء الله
ولاشك أن من تحلى بهاذه الأوصاف التي منها ما يعرف ومنها وما لا يعرف يعجز الخلق عن مكافاته والشكر لفعله ومجازاته
فلهذا سأل سيدنا الشيخ رضي الله عنه صلاة الله التي تؤدي عنه الحق الواجب له صلى الله عليه وسلم بل وعلى غيره لقوله
صلى الله عليه وسلم من صنع لك معروفا وجبت عليك مكافاته فإن لم تجد ما تكافيء به فادع له حتى تعلم أن الله قد أجاب دعاؤك
ولا معروفا يضاهي هذا المعروف الذي اسراه صلى الله عليه وسلم إلى كافة الخلق
وقد قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكره الله
فشكر الوسآئط واجب فافهم هذه الإشارة التي أشار إليها سيدنا الشيخ رضي الله عنه
وقوله ترضيك وترضيه وترضى بها عنا
صفة أيضا للصلاة أي اللهم صلي صلاة ترضيك يالله في القدرالواجب الذي أوجبته على نبيك
بقولك ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وصلي عليه صلاة ترضيك صلى الله عليه وسلم في الحق الواجب به علي من حيث المجازات والمكافات
ولما سأل الشيخ رضي الله عنه
من الله الصلاة على نبيه صلاة ترضى الرب جل جلاله وترضي النبي صلى الله عليه وسلم سأل الرضى من الله سبب هاذه
الصلاة العظيمة الأنوار الكاملة المقدار
لأنها مقبولة حيث رضي بها الجبار ورضي بها نبيه وحبيبه المختار
وهاذه من اعظم الصلوات واشتمال العبارات وألطف التضرعات والرغبات
واعلم ان العارفين رضي الله عنهم قالوا الرضى باب الله الأعظم
وجنة الدنيا ولهاذا سأل الشيخ رضي الله عنه رضى الله قال الله تعالى { رضي الله عنهم ورضوا عنه }
وقال تعالى { هل جزآء الإحسان إلا الإحسان }
ومنتهى الإحسان رضي الله عن عبده وهو ثواب رضى العبد عن الله تعالى
وقال تعالى { ومساكن طيبة في جنات عدن }
ورضوان من الله أكبر تنبه ان الله تعالى قد رفع الرضى فوق جنات عدن كما رفع ذكره فوق الصلاة
حيث قال { إن الصلاة تنهى عن الفحشآء والمنكر ولذكر الله أكبر } فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو غاية مطلب سكان الجنة
وفي الحديث أن الله يتجلى للمومنين فيقول سلوني فيقولون رضاك فسؤالهم الرضى بعد النظرنهاية التفضيل ولا يجوز أن يكشف
عن حقيقة رضى الله إذ تقصرافهام الخلق عن دركه ومن يقوى عليه فيستقل بإدراكه عن نفسه وعلى الجملة فلا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوا الرضى لأنه سبب لدوام النظر فكأنهم رواه غاية الغايات وأقصر الأماني لما ظفروا بنعيم الرضى والنظر
فلما أمروا بالسؤال لم يسئلوا إلا دوامه وعلموا أن الرضى هو سبب دوام رفع الحجاب
وقال تعالى { ولدينا مزيد } الآية
وقال بعض المفسرين فيه يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ( ثلات ) تحق من عند رب العالمين إحداهما هديه من عند الله ليس عندهم
في الجنان مثلها
فكذك قوله تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين و جزآء بما كانوا يعملون } الآية
والثانية السلام عليهم من ربهم فيزيد ذاك على الهدية فضلا
وهو قوله تعالى { سلام قول من رب رحيم } الآية
والثالثة يقول الله إني عنكم راض فيكون ذاك أفضل من الهدية
والسلام فذلك قوله تعالى { ورضوان من الله أكبر } الآية
أي من النعيم الذي هو في الجنة فهاذا فضل رضى الله تعالى
وفي الحديث طوبى لمن هدي للإسلام وكان رزقه ورضي به وقال صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا آبتلاه وإن رضي آصطفاه
وقال صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها
ويتنعمون فيها كيف شآء فتقول لهم الملآئكة هل رأيتم الحساب فيقولون ما رأينا حسابا فتقول لهم جزتم الصراط فيقولون ما رأينا
صراطا فتقول لهم هل رأيتم جهنم فيقولون ما رأينا شيئا فتقول الملآئكة من أنتم فيقولون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتقول ناشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فتقول خصلتان كانتا فينا فبلغنا هاذه المنزلة بفضل رحمة الله فيقولون وماهما فيقولون
كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم لنا فتقول الملآئكة يحق لكم ذلك
وقال صلى الله عليه وسلم
يا معشر الفقرآء أعطوا الله الرضى من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا
وفي أخبار سيدنا موسى عليه السلام ان بني إسرآئيل قالوا له سل لنا ربك أمرا إذا فعلناه يرضى عنا
فقال موسى عليه السلام إلاهي قد سمعت ما قالوا
فقال يا موسى قل لهم يرضون عني حتى أرضى عليهم
وفي الحديث القدسي أنا الله لا إله إلا أنا من لم يصبرعلى بلآئي ولم يشكر نعماء ولم يرض بقضآء فليتخذ ربا سوآء
وفي الحديث القدسي قال تعالى المقادير ودبرت التدابير وأحكمت الصنع فمن رضي فله الرضى مني حتى يلقاني ومن سخط فله
السخط مني حتى يلقاني
وفي الحديث القدسي أيضا خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه وويل لمن خلقته للشر وأجريت الشر
على يديه وويل ثم ويل لمن قال لم وكيف
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه ولم يبلغ أحد مبلغ الرضى الذي أدركه مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد له قول أنس
بن مالك رضي الله عنه قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي شيء لم أفعله لم لأفعله ولا قال في شيء
كان ليته لم يكن ولا في شيء لم يكن ليته كان
وكان إذا خاصمني مخاصم من أهله يقول دعوه لو قضى شيء لكان
وقال سيدنا عمر بن عبد العزيز ما بقي لي سرورا إلا في مواضع القدروقيل له ما تشتهي فقال ما يقضي الله
وقال ميمون بن مهران من لم يرضى بالقضآء ليس لحمقه دوآء
وقال عبد العزيز بن أبي رواد ليس الشأن في أكل خبز الشعير ولا في لبس الصوف والشعر ولاكن الشان في الرضى عن الله عز وجل
وقال عبد الله لأن أحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلي من أقول لشيء كان ليته لم يكن أو شيء ليته كان
وقال الفضيل إذا استوى عند العبد المنع والعطآء فقد رضي الله تعالى
وقال ابن سلمان الدراني إن الله عز وجل كربه قد رضي من عبيده بما رضي العبيد من مواليهم
وقال احمد بن أبي الحواري وكيف ذلك قال أليس مراد العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه قلت نعم قال فإن محبة الله من عبيده أن
يرضوا عنه
وقال سهل حظ العبيد من اليقين على قدر حظهم من الرضى وحضهم من الرضى على قدرغيبتهم مع الله عز وجل
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل بحكمه وجلاله جعل الروح والفرح في الرضى واليقين وجعل الغم والحزن
في الشك والسخط
ولما قدم سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى مكة وقد كان ذهب بصره جاءه الناس يهرعون كل واحد يسأله أن يدعو له فيدعوا لهاذا
ولهذا وكان مجاب الدعوة
قال عبد الله بن السآئل فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفني وقال أنت قاريء مكة فقلت نعم فذكر قصة قال في آخرها فقلت له ياعم
أنت تدعو للناس فلا دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك فتبسم وقال يابني قضآء الله سبحانه عندي أحسن من بصري
وضاع لبعض الصوفية ولد صغير مند ثلاثة أيام لم يعرف له خبرا فقيل له لو سألت الله تعالى أن يرده عليك فقال اعتراضي على
الله تعالى فيما قضى أشد علي من ذهاب ولدي
وعن بعض العباد أنه قال إني أذنبت ذنبا فأنا أبكي عليه منذ ستين سنة وكان أجتهادي في العبادة لأجل التوبة من ذلك الذنب فقيل له
وما هو فقال قلت مرة لشيء كان ليته لم يكن
قيل للحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ان أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنا والسقم أحب إلي من الصحة فقال
رحم الله أبا ذر أما أنا أقول من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يتمنى غير ما أختاره الله عز وجل له وقد تكلم الناس في الرضى
فكل عبرعن حاله وشرفه فهم في العبارة عنه مختلفون كما أنهم في الشرف والنصيب من ذلك متفاوتون
قال الأستاذ أبو علي الدقاق ليس الرضى أن تحس بالبلآء إنما الرضى أن لا تعترض على الحكم والقضاء
وقال أبو عمر الدمشقي الرضى ارتفاع الجزع في أي حكم كان
وقال الجنيد الرضى رفع الاختيار
وقال ابن عطآء الرضى نظرالقلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد وهو ترك التسخط
وقال أويم الرضى استقبال الأحكام بالفرح
وقال المحاسبي الرضى سكون القلب تحت مجاري الأحكام
وقال النووي الرضى سكون القلب بمر القضاء
وإنما سئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه رضى الله تعالى
لأنه مقدم عن رضى العبد قال الله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه فأفهم
رضى الله عن العبد تأمينه من سخطه وأحلا له دار كرامته ورضى العبد أن لايختلج في سره أذنى خزازة وقوع قضآء
من أقضية الله تعالى بل يجد لذلك في قلبة من اليقين وثلج الصدر وشهود المصلحة العظمى الطمأنينة وقوله وتعرفنا بها أياه صفة
صلاة أيضا أي صلي صلاة تعرفنا بها إياه صلى الله عليه وسلم ومعرفته صلى الله عليه وسلم من أجل ما يطلب وأسنى
ما يسئل ويرغب فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو المرآة للتجلي والواسطة العظمى بالتعريف بالعالم العلوي والسفلي
فمعرفته صلى الله عليه وسلم موصلة إلى معرفة الله وبحسب معرفته صلى الله عليه وسلم تكون معرفة الله سبحانه
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم هو باب الله الأعظم
وأنت باب الله وأي امرء * أتاه من غيرك لا يدخل
ولهذا سئل الشيخ رضي الله عنه وأرضاه معرفته صلى الله عليه وسلم لأن معرفته تستلزم معرفة الله تعالى
وأيضا معرفته صلى الله عليه وسلم مقام المحبوبية عند الله تعالى وذلك أن محبة الله للعبد على حسب
محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومتابعته اياه ومحبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم على قدرمعرفته به فمهما أزداد معرفة
إلا أزداد محبة إذ لاسبب للمحبة إلا الجمال والإحسان وقد جمعها صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه لاجمال يشبه
جماله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ولا إحسان يقارب إحسانه صلى الله عليه وسلم كما تقدرقريبا قريبا وإن إحسانه
صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسان آبائنا وأمهاتنا إذ كل نعمة واصلة إلى كل منعم عليه آيا كان فهي على يديه وبواسطته
صلى الله عليه وسلم كما تقرر آنفا فلهذا طلب الشيخ معرفته صلى الله عليه وسلم أي دوام المعرفة والزيادة والترقي
ولا شك أن الترقي في محاسنه وكمالته صلى الله عليه وسلم ينتج توقيره وتعظيمه وإجلاله صلى الله عليه وسلم
كما يشهده المترقي مما يبهر قلبه ويسبي لبه
تكامل حسن الخلق فيمن أحبه * فكم عقل لنا حسنه سبا
وحينئذ يسارع إلى خدمته صلى الله عليه وسلم بكل ما يمكنه ويقدرعليه ويوثر رضاه على هوى نفسه
ويشتاق إلى كل ما له رآئحة من جهته صلى الله عليه وسلم
وانتساب إليه آيا قادما من نحور أمة مرحبا * شممت عليك البيت من ساكن قبا
عن الجدع حدثني وكيف نسميه * وكيف غصون البان قال بها الصبا
تكامل حسن الخلق فيهن أحبه * فلله كم لنا حسنه سبا
وفي آل عاد شاع من قبل حسنه * وآل ثمود والقبائل من سبا
رفعت على العشاق راية حبه * سيظهر لي في الحشرمن حبه نبا
وإذا استحضرالعارف أوصافه الجليلة وحلاه الجميلة تمنى أن لو كان معه في عصره لأنفق عليه ماله وقوته وروحه
وفداه بنفسه وأولاده وأهله فيكون له ثواب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة
وفي الإسرآئليات أن رجل مر بكثيب رمل في مجاعة فقال في نفسه لو كان لي هذا الرمل طعاما لقسمته على الناس
فأوحى الله إلى نبيهم ان قل له إن الله قبل صدقتك وشكر حسن نيتك وأعطاك ثواب ما لو كان طعاما فتصدقت به
ثم أعلم أن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين معرفة صفاته الظاهرة وأخلاقه الباطنة التي دلت عليها أحواله
وأفعاله صلى الله عليه وسلم وهي كسبية موصلة لمقام الإيمان ومراتبها متفاوتة ويتفاوت الإيمان بحسبها وهي التي تكفلت بها
مطالعة كتب السيرلاكن ذلك متوقف على الإلهام له والإقرار عليه
قال تعالى { وإياك نستعين } الآية
مع ان العبادة كسبية ومعرفة معناه
وملكوتية
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك وإنه بشرى الظاهر
ملكوتي الباطن وهذه وهبية لامدخل لأهل الكسب فيها فظهر وجه طلب الشيخ رضي الله عنه في القسمين
والناس في مشاهدته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة مراتب
المرتبة الأولى موقف أهل شهود شريعته صلى الله عليه وسلم فهم يشهدون ما في التكليف من تحمل الأثقال فتطول عليهم المسافات
ويبعد في حقهم الوصول لأنهم حاملون في الطريق ولزمهم الكمد والحزن لحملهم مافرت منه السماوات والأرض والجبال
وصاحب هذه الرتبة وإن كان ذا حظ من القرب والخصوصية لا كن غيره أكمل منه لأنه يشاهد مامنه إلى الله من أعمال وأقوال
فهو مثبت يشاهدها ويشاهد الأقوال والأفعال منها
المرتبة الثانية موقف أهل شهود ذاته صلى الله عليه وسلم بمعرفته أثم من معرفة الأول لأنه نفذ ما لم ينفذ إليه .
وصاحب هذه المرتبة يشهد ما يجري على يديه من الطاعات من الله إليه تفضلا وإحسانا ويرى ضعف نفسه وسقوط حوله وقوته
فيمده الله تعالى من الحول والقوة بالعون والنصر ويلازمه الفرح والسرور لأنه يشهد الهدايا من الله مالك الملوك ويخف عليه السير
ويستحليه لأنه محفوف في محفوفات المنى مروح عليه بنفحات اللطف وخدمة هذا جبلية لا تعمل بخلاف الأول
ثم صاحب هذه المرتبة وإن كان أكمل مما قبله فغيره أكمل منه لأنه مشاهد لنفسه حيث رأى الهدية من الله إليه وإن كان لايشهد الأعمال
منها فقد بقيت فيه بقية المرتبة الثالثة موقف أهل شهود روحه صلى الله عليه وسلم وهم أهل الفناء التام فهم يشهدون
ما من الله إلى الله فهم بالله وفي الله وإلى الله قد حفت بهم نصرته ولازمته حياطته
والفرق بين هذه المراتب الثلاث قوة التعظيم الناشيء عن المعرفة فإن لأهل شهود الروح من المعرفة ماليس لأهل شهود الذات
فلهم من التعظيم ماليس لغيرهم وهكذا أهل شهود الذات فلهم من التعظيم ماليس لغيرهم مع أهل شهود الشريعة والتعظيم بحسب النية
ويرحم الله سيدي رضوان حيث قال
فلو كنت يوم الغار كنا ثلاثة * ولو كنت في بدر لكنت من العدد
وفي يوم حنيين لوحضرت فديتكم * بنفسي وأولادي وأهلي وما ولد
وما أنا ماهي وما قدر قيمتي * ولكن ممدوح لأفضل من قصد
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه كثيرا ما يتلهف بأبيات أبي طالب ليلا ونهارا وخصوصا الثلث الآخرمن الليل
ويستحسنها ويبكي لقرائتها والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد التراب دفينا
فاصرع بأمرك ماعليك غضاضة * وابشر يذا وقرعيونا
ولقد دعوتني وعلمت أنك ناصحي * وصدقت وكنت فينا أمينا
ولقد علمت أن دين محمد * من خير البرية دينا
ويبدل البيت الذي يقول فيه لولا الملامة إلى آخره بقوله
فاشهد على بأنني بك مصدق وبما قد جيت به مبينا
وقيل لسيدنا الشيخ رضي الله عنه ما نيتك بقرآئتها
فقال نيتي أن لو كنت زمانه صلى الله عليه وسلم لقلت هذه الأبيات كما قالها أبوطالب وليته وصدقته وفديته بنفسي وأبي وأمي
وكان سيدنا الشيخ رضي الله عنه حين قرئتها يقع سماعها فيه موقعا عظيما ويغيب عن حاله ويشهد لذا القبيل قصة الصحابي
الجليل سيدنا الزبير رضي الله عنه نفحت نفحت من الشيطان ان أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الزبير
فشق الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا زبير فقال
سمعت إنك قد قتلت قال صلى الله عليه وسلم فما كنت صانع قال أردت والله أن استعرض أهل مكة وأجري دمآئهم كالنهر
لاأترك أحدا منهم إلا قتلته حتى أقتلهم عن آخرهم قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وخلع ردائه وألبسه رداؤه
فنزل جبريل عليه السلام وبشره أن الله قد أعطاه ثواب من سل سيفه في سبيل الله منذ بعثت إلى أن تقوم الساعة
أن ينقص من أجرهم شيئا لأنه أول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه أنظرما نتجت له نيته في تعظيم جانب النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا من ثمرة المحبة الناشئة عن المعرفة ولما كانت معرفة الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرهم
كانت محبتهم له أعظم ومن هذا القبيل أن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه تمنى أن يكون لسيدنا طلحة يوم أحد
قالت أم المؤمنين عآئشة رضي الله عنها كان أبوبكرالصديق رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال ذلك يوم كله كان لطلحة
كنت أول من فآء فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه فقلت كن طلحة حيث فأتني فإذا بطلحة
وبه بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنه ورمية وضربة وإذا قد قطعت يده فأصلحنا من شأنه وما انصرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم يؤم أحد حتى قال لحسان قل في طلحة فقال
وطلحة يوم الشعب آسى محمد * على ساعة ضاقت عليه وشقت
يقيه بكتفيه الرماح واسلمت * اساجعه تحث السيوف فشلت
وكان أمام الناس إلا محمد * أقام رحى الاسلام حتى استقلت
وقال فيه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
حمى نبي الهدى والخيل تتبعه حتى إذا ما لقوا حمى على الدين
صبرا على الطعن جماعتهم * والناس ما بين مهزوم وبين مفتون
يا طلحة بن عبد الله قد وجبت * لك الجنان وكم زوجت من عين
وقال فيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حمى نبي الهدى بالسيف منتصلا * لما تولى جميع الناس وانكشفوا
قال النبي صلى الله عليه وسلم صدقت
أخرجه ابن عساكر
قال عبد الله بن المبارك رب عمل صغيركبرته النية ورب عمل كثير صغرته النية
قال بعض العارفين بقدر ما يدخل التعظيم والحرمة تنبعث الجوارح للخدمة وقد يقطع المحب على فراشه ما يقطع العابد في سبعين سنة
وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المرء مع من أحب
روى الحافظ وأبونعيم عن مسعود بن كرام عن عطية قال كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما جالسا فقال له رجل يا أبا عبد الرحمان لو وددت اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن عمر ألا أبشرك قال بلى يا أبا عبد الرحمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما اختلط حبي بقلب أحد إلا حرم جسده على النار
وأخرج الطبراني
في الكبير الضياء المقدسي عن أبي قرباصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب قوما حشره الله في زمرتهم
ولا تغفل عما تقدم من تقسيم الناس في شهوده صلى الله عليه وسلم على أربعة مقامات
كما قال الشيخ عبد الرزاق العثماني
وفي قول الشيخ رضي الله عنه صلاة تليق بك منك تؤدي بها عنا حقه ترضيك وترضيه وترضى بها عنا وتعرفنا بها إياه إشعار بمحبة خاصة تنتعش بها أرواح المحبين وتفرح بها قلوب الصدقين وشوق بذات الشيخ نشأت عنه الصلاة المهدات من الرب الكريم إلى جنابه العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وطلب الشيخ من الله أن يعرفه بها إياه معرفة خاصة تنتعش بها أرواح المحبين وتفرح بها قلوب الصديقين وبها يقع تعظيمه
ولهاذا كان إمام المذهب مالك ابن آنس رضي الله عنه
إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه تغير لونه لشدة اهتمامه وكثرة معرفته به صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ عبد القادرالجلاني أول ما يطلع في قلب المومن نجم الحلم ثم قمر العلم ثم شمس المعرفة فبضوء نجم الحلم ينظر إلى الدنيا وبضوء قمرالعلم ينظر إلى الآخرة وبضوء شمس المعرفة ينظر إلى المولى عز وجل
وفي كتاب اللؤلويات عن النبي صلى الله عليه وسلم آلا وان لله آنية في الأرض وهي القلوب فأحبها إلى الله أصفاها واصلبها وأرقها أصفاها من الذنوب
وأصلبها في الدين وأرقها على الإخوان
وقال سيدنا داوود عليه السلام يا رب لكل مالك خزانة فما خزانتك قال لي خزانة أعظم من العرش وأوسع من الكرسي وأطيب من الجنة وأنورمن الشمس وهي قلب المومن
وقال النسفي أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام اني خلقت في جوف عبدي بيتا وسميته قلبا وجعلت أرضه المعرفة وسماؤه الإيمان وشمسه الشوق وقمره المحبة وترابه الهمة ورعده الخوف وبرقه الرجآء وغمامه الفضل ومطره الرحمة وشجره الوفآء وثمره الحكمة ونهاره الفراسة وهي الضياء وليله المعصيه وهي الظلمة وله باب من العلم وباب من الحلم وباب من اليقين وباب من الغيرة وله ركن من الأنس وركن من التوكل وركن من اليقين وركن من الصدق وعليه قفل من الفكر
لا يطلع على ذلك البيت غيري
أوحى الله تعالى إلى سيدنا داوود عليه السلام بلغ أهل الأرض عني اني صاحب لمن أحبني وجالس لمن جالسني وأنيس لمن أنس بي ومصاحب لمن صاحبني ومختارلمن أختارني ومطيع لمن أطاعني واني خلقت طينة أحبائي من طينة إبراهيم وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ونورت قلوب المشتاقين من نوري ونعمتها بجلالي
وقوله وتفتح بها عنا أبواب الخير وأسباب ما تهواه وتحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه صفة صلاة أيضا
أي صلي يالله صلاة تفتح بها عنا أبواب خيرالطاعة وتيسر بها أسباب المعاملة التي تحبها وترضها
قد سئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه الطاعة المقبولة والمعاملة المرضية الخالصة من شوائب التدليس والتحريف المطبوعة بطابع القبول والتعريف
ولا شك أن هذا العمل بهذا الوصف جليل وإن كان في نفسه قليل
فكم من عمل كثير مردود وكم من مفتوح عليه مطرود وكم من واقف بالباب مذوذ وكم من جالس بالبساط قد هتك الحدود
ولأجل هذا كثر خوف العارفين ويتفاوتون في الخوف كل على قدر معرفته
وانظر إلى سيدنا إسرافيل عليه السلام منذ خلقه الله وهو يرتعد من خوف الله تعالى وتارة يصغر ويذوب فيصير مثل العصفور خوفا من الله تعالى ومن الملآئكة منذ خلقه الله لم يرى ضحكا قط
ولما كان خوفه صلى الله عليه وسلم من مولاه أكثر مخلوقات الله كان يسمع له أزيز كأزيز المرجل
وكان الصديق رضي الله عنه يقول ياليتني لم تلذني أمي يا ليتني لم أك شيئا إلى غيرذلك من أحوال الكاملين والأئمة العارفين
ومن هنا تضرعوا وابتهلوا وكثرت اسئلتهم ودعواتهم وتضرعاتهم ومن وقف على احوالهم في الدعاء علم سببه
مما ذكرناه ولا يقال ان في طلب الشيخ رضي الشعور بالإهتمام بالرزق وخوف الخلق بل إظهار اللفافة والوقوف مع حد العبودية وتذللا للربوبية فإن الجالس بالبساط قد يهلكه الانبساط ولا يقف مع الحضرة إلا أهل الكمال ولو سكروا من الخمرة فهم محفوفون في كل الأحوال ولا يغيرهم الحال فهم بالله ومن الله وإلى الله يشهد لهذا قول نبي الله يعقوب عليه السلام { اني أخاف أن يأكله الذيب وأنتم عنه غافلون } الآية
وهذا قول سيدنا هارون عليه السلام { فلا تشمث } الآية
وكذلك قول سيدنا موسى عليه السلام { قال رب اني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون } الآية إلى غير ذلك مما يطول وإذا كان حال الأنبيآء هكذا فكيف بحال غيرهم من المومنين والأوليآء الكاملين
سئل شيخنا رضي الله عنه إنا نرى بعض الأوليآء
ولايرون غير الله أصلا ولا يخافون منه قطعا
فقال رضي الله عنه وأرضاه
وهذا مقام المشاهد لتصرف الله في جميع الأشياء أعلا منه وأكمل ومن هنا حازالأنبيآء عليهم الصلاة والسلام الحظ الأوفى والمقام الأكمل كما علمت فافهم ثم اعلم أن مقاصد الناس في طلبهم مختلفة فالعامة مرادهم إجابة الدعآء وإعطآء مسئلتهم لاغيرفتنفذ أرواحهم ولا يحول في أفكارهم غير ذلك فهؤلاءعبيد أهوائهم وطالبون لحظوظهم وهذا غير منهم العبودية
والخاصة جعلوا هذا المقصد تبعا لمقصد أعلا ومقام أكمل وأسنى وذلك أنهم قصدوا بسؤالهم إظهار وصف العبودية من الفقر والاحتياج والعجز وغير ذلك
والتعلق بأوصاف الربوبية من الغنا المطلق والقدرة الكاملة ولم ينسوا حظهم في فضل مولاهم عز وجل فهؤلاء عبيد إلا ان فيهم شائبة حظ وبقية هوى وأكمل منهم القسم الثالث وهم خاصة الخاصة أعرضوا عن المقصد الأول ولم يلتفتوا إليه أصلا واعتبروا المقصد الثاني لأنهم جنحوا إلى مقصد أنهم أكمل ومقام أعلا وأفضل وذلك أنهم قصدوا بمطالبهم ومسائلهم الجلوس على بساط العبودية والتخلق بين يدي جلال الربوبية ولذة المكاملة وفوائد المخاطبة وثمرات المساررة نتآئج المسئلة وهذا القصد يستوي فيه عندهم العطآء والمنع والضروالنفع فقد حصل لهم القصد الأكمل والمراد الأفضل ولم يفتهم من مقاصد من دونهم شيء إذ لما توجهوا إلى الله تعالى أقبل عليهم كل شيء وانفعل لهم الوجود فهم متصرفون فيه تصرف المالك في مملكته فأنى يحتاجون إلى شيء من الوجود وهو في أيديهم وتحث طوعهم { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون } الآية
ولهذا تعلم سؤال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وقوله الخير واحد الخيورأي عمل الخير من النوافل ونحوها ليغب في حد العبودية ويتلذذ بخدمة الربوبية
وفي الحديث عن أيوب الأنصاري فقلت يا رسول الله انك تدمن هذه الأربعة ركعات عند زوال الشمس فقال صلى الله عليه وسلم إن أبواب السمآء تفتحت عند زوال الشمس فلا ترتج حتى تصل الظهر فأحب يصعد لي في تلك الليلة خيرا أي عمل خيرا
وعلى آله وأصحابه والمهاجرين والأنصار ومن
تبعه لما صلى الشيخ رضي الله عنه على النبي المحبوب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والمهاجرين والأنصار ومن تبعه ومن آمن به وصدقه من أول بعثته إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم أياكم والصلاة البتر قيل ما الصلاة البتر قال أن تصلوا علي دون آلي وآله صلى الله عليه وسلم أقاربه من بني هاشم وأصحاب جمع صاحب
كشاهد وأشهاد وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو طفلا وأعمى ومات مومنا
خرج البخاري ومسلم أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا يارسول الله امرنا أن نصلوا عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد والمهاجرين الدين هاجروا من مكة إلى المدينة وهم الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فصاروا فقرآء فدعتهم محبة الله وطاعة رسوله إلى تجردهم عن الديار والأموال والأولاد وهاذه هي المحبة الخالصة والطاعة الصادقة قال الله تعالى
{ أولآئك هم الصديقون } الآية
والأنصار الذين كان نزولهم بالمدينة المشرفة قبل الهجرة وهم الذين تبوءو الدار أي المدينة اتخذوها مسكنا والإيمان من قبلهم أي قبل المهاجرين يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة رضي الله عنهم ورضوا عنه ونفعنا ببركاتهم آمين
قال تعالى في حقهم فأولآئك هم المفلحون
والإسلام ثلاثة المهاجرون والأنصاروالتابعون لهم إلى يوم القيامة
فسئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الصلاة من الله على نبيه وعلى آله وأصحابه والمهاجرين والأنصار له ومن تبعهم إلى يوم القيامة وتفضلهم وتعددهم ينتج معرفتهم ومعرفتهم تورث محبتهم وهي مطلوبة
وفي الحديث
أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل منهم وزرآء وأنصار وأصهار فمن سبهم فعليه لعنة الله والملآئكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أي فرضا ولا نفلا
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله تعالى برجل خيرا من أمتي ألقى حب أصحابي في قلبه وقال صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم أهتديتم أقتديتم وقال صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي لا تتخذونهم عرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم ببغضي ومن آذاهم فقد آذني ومن آذني فقد أذى الله تعالى يوشك أن يأخذه
قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي بنفسه بيده عز وجل لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مذ أحدهم ولا نصيفه