بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صلي على سيدنا محمد الواسطة العظمى المرسل للعالمين وعلى آله واصحابه والتابعين وتابع التابعين يا رب العالمين آمين
الحمد لله الذي احيا قلوب المومنين بتبصرته وزجر الغافلين عن تذكرته بزواجر موعظته
والصلاة والسلام على البشير النذير والنبي الساطع هداه كالصبح المستنير والرسول الذي غدت مواعظه كيمياء السعادة وامتثال اوامره والإجتناب عن نواهيه موصلين إلى الحسنى وزيادة وعلى آله واصحابه وانصاره واحبائه المتخلقين بخلقه والمتأدبين باذابه الذين بذلوا نفوسهم النقية في إظهار دينه القويم وجاهدوا بالقلم واللسان والسيف السنان من حاد عن صراطه المستقيم ونشروا الكتاب والسنة وتمت بهم من الله على الناس المنة وعلى تابعيهم والائمة المجتهدين الطاهرين وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآ له الطاهرين المعصومين صلاة دائمة متصلة إلى يوم الدين
الحمد لله الذي جعل معرفة العارفين بابا للوصول والإقتداء بهم سببا للفتح وإنالة القرب والقبول
وجعل الدلالة عليهم كالدلالة عليه لمعرفتهم بسلوك طريقته ومحجته وإنارة قلوبهم بحبيبه واعز خيريته صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لهم سببا لحمل الاسرار وصفاء القلوب من جميع الاغيار
نحمده تعالى على وجودهم خلفا بعد خلف ونشروه على معرفتهم وهبوب الرحمة بذكرهم ونزول الألطاف ونصل ونسلم على سيدنا ونبينا ومولانا محمد الصفي من مصباح عبد المطلب وعبد مناف صلاة وسلاما دائمين على الدوام بدوام ذي العز والإكرام
اما بعد فيقول العبد الفقير الفاني المعترف بالعجز والقصور الجاني شعيب بن احمد الدكالي الفرجي لعجيلي الراجي من الله تكمل الاماني
لما كانت الاسباب متعلقة بالمسببات والوسائط فيها من الواجبات جعل الله الرسل الكرام عليهم افضل الصلاة والسلام واثم النعمة علينا معاشر الأمة الكرام
بوجود الشريعة الخالصة النقية وبوجود الوارثين القائمين بحفظها في كل قرن وناحية ولا بد للظاهر من باطن وللباطن من صفاء القلب
فوجبت علينا طاعتهم والاقتداء بهم في السر والعلانية
هذا ولا بد للظاهر من باطن وللباطن من صفا القلب وهو سلطان الجسد مبتلي بالقساوة والجفا وذلك مما جعل الله به من الوسواس ولا سيما واعداء المومن كثيرة مؤيدة عنه بالخناس حاسدة بينه وبين ربه ومعرفته وانواره وتجلياته وقربه فيكون بسبب ذلك مرميا في بحر الانقطاع متبعا للشهوات مائلا عن الحق والاجماع هذا داء القلب العضال
فالحمد لله ودواؤه موجود بلا محال فإن الله تبارك وتعالى كما أيد علم الظاهر بالرجال الثقات كذلك أيد علم الباطن بالسادات العارفين المخلصين في تنوير الواردات ولما علمنا هذا لا زلنا نطلب الله ان يمن علينا بعارف صديق يكشف عنا حجاب الطريق ويبين لنا معالم التحقيق فاستجاب الله دعائنا على ان هدانا لمعرفة الشيخ الأكبر قطب الأعز منبع الاسرار والمعارف مبين آداب الشريعة والوظائف الغني بالله المستمسك بسنة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لهم سببا لحمل الاسرار وصفاء القلوب من جميع الاغيار نحمده تعالى على وجودهم خلفا بعد خلف
ونشكروه على معرفتهم وهبوب الرحمة بذكرهم ونزول الألطاف ونصل ونسلم على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون
شرح الوضيفة
اردت بحول الله مع قوته ان اكتب في هذا الورد المخصوص بالحديث والنصوص المتعلق بالفرض والسنة على شفيع الأمة
وقد جمعت هذه الوضيفة اسرارا نالت القلوب بقرأتها انوارا وقد اشتملت على الله البسملة الشريفة والحموقلة العظيمة والاستغفار والتحصين والاعتصام بالله والاعتراف والإقرار والصلاة على النبي المختار المجلات بالاوصاف الجليلة والشمائل المحمدية والاسرارالاحمدية والشهادة بالوحدانية والتقديس بالربوبية والاعتراف بأصناف العبودية والاخلاص في الدين والرضى بالرسالة والمرسل به وكل وحد من هذه الأصول له فضل عظيم وثواب جسيم ويأتي فضلها مفصلاإن شاء الله
.{}{ بشرى لأقوام }{}
فيا بشرى لأقوام شربوا من منهل * فياله من منهل اعذب من الشهد
وكيف لا وهم يثلون وظيفة نورانية * حاوية اسرارا فضل بل محمود
مخصوصة بنجل القطب الشيخ ابي يعزى * من صيته شاع بالمواهب والند
متخذ أخذها بدون واسطة * من حضرة المصطفى صادق القول والوعد
ذاك عبد الله من طاب بسره * برؤية خلق الخلق ياحبدا المشهدي
وأكرمه المبعوث بكل فضيلة * بشرى لمن رآه وعنه اخذ العهدي
وعن النبيء من قرئها مرة * سبحت له الجبال من حيث هي بالعد
ولبت وسعدت الجنة بقولها * اللهم إن فلانا زحزح عن النار الموقد
وادخله الجنة واتعب سبعين كاتبا * ألفي صباحا يا مريد فاستعدد
ويكتب عند الإله صديقا وله يكتب * ايضا عبادة الف من السنين فلتعدد
ويمح الله له ذنوب مثل ما * ذكر من السنين بألف مقيد فاستعدد
ويغفر له الإله ولو فر من زحف * ووجهه كالقمر يخرج من المرقد
وذاكرها يكفيه من الفضل انه * يستغيث من روح الله النبي محمد
ويفوز بنظرة من الحبيب بلا ريب * وبكريمتي أذنيه يسمع المنادي
سيدي عليه صلاة الله مع سلامه متمم * وآله وصحب مابد الحق نافدي
ويؤدي ما عليه من حقوق نبينا * ويعطى رضا الله الواحد الأحد
ويكرم برئية المصطفى إذ يتمادى * على تكرار صلاة النورين من العد
نهارا وليلا وأخرى جمعة * فيزداد على المرمو زيج فلتشهد
وتفتح له أبواب الخيرات طرا * ويرى ما يسره في جميع المقاصدي
ويوق من كل الأسوء ومن * نوى ضره من إنس أو جنون أولي الكيد
وذاك فضل الله عن شيخنا الذي * قد فاض سره لكل صادر ووارد
وخصائصها لا تحصى ولا تعد كثيرة * ويذكر البعض من أرادها فلترشد
فالأول طهر فاك والبقعة التي * بها سرد لوردك بعمل المسجد
وجلوسا كالمصل ولا تقل * ثنائها كلاما فلتقم يا سيدي
وشرب الماء حافظ عند خلالها * وأثر فراغك منها أو ثناء الأحد
واصبر هنيئة مقدار ما * سورة من الطوال تقوى بترديد
وإن ترد بالجمع سردها فلتأمر * إن يستمع البعض من بعض ورث ترشدي
وإن كان مقداره به الشيخ فبغثته ينطقون * وإن لم يكن فاحسنهم صوتا خذي
ويخرج ذلك الذكر من لهاة في دفعة * فيأثر في القلب المبعدي
وإن كنت بليل فلا توقد سراجا * حال كونك ذاكرا جامع الفكر مرشد
وكذا بالنهار إذا أردت أن تسردها * فغمض عنيك حين ذكرك واسرد
فدا بد الجمع للذاكرين * وتحصل لهم أسرار وأنوار مع تواجد
وإن نزلت بك نخامة فلا * تبسقها أمامك وأمسكها باليد
أو بخرقة كتان محمولة لها * فلا تثرك المشروط والشرط أكدي
يا أيها المحب للخيرات فلتدم على ذكر * وضيفة بجد واجتهاد
ولا تغفل أيها المحب عن ذكرها * وأرسل اللسان فيها يروح ويغتدي
وقل للذي ينهيك عن ذكرها جهرة * قد اسأت يا مغرور لقولك المفندي
فعليك بذكرها إن الناس قد حازوا * واعلني القول فيها بين الرائح والغد
والغد إن غاب في عزه عن أن تراه فلا * تغب الذكر فالمذكور مشهود
من ليس يذكره إذ لا يشاهده * فإنه إن عاش من الموت معدود
ناشتدتك الله يا مقرئها جهرة * فرتلن وسمعن خطابك الأوحد
فحياة ذكرها إن سمعت غناتها * إلا أن تسمع استماع غناتها خير هاد
فلا عيش لنا يطيب من غير ذكرها * ولا سماع لنا يحلى من غير ذكرها الموحد
فسبحان من خص فضلها شيخنا * الذي رحمنا ذو التقوى وذو الزاد
نجل الشيخ أبي يعزى ذي مئاثر * بجاهه نرجوا النجم في كل مقصد
الا أقول قولا لمن هو محب * بالله عليك انهض بحبله اشدد
ولا ترد به غيرا إن كنت ذا لب * فصحبته خير وتوفيق وتأييد
في هذه الوسيلة الربانية كما جاء بها هذا الشيخ العارف بالله غفر الله له وجزاه ولكافة اوليائه اجمعين ونفعنا واياكم ببركاتهم آمين ووفق الله من تبعه ومن معه لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب وهذا هو ما يذكر عددا وحسابا لكافة الفقراء بعد إصدار عهدهم عليها إلا وهي تسمى الوظيفة
1)بسم الله الرحمن الرحيم اعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق سبع مرات
2)بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات
3)استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مراث
4)اللهم صلي على الروح النورانية الخالصة من صفاء بياض نور الهوية الساري سرها في الناسوتية واللهوتية الحائطة بمعاني الجزئية والكلية القائمة بالهيكل العظيم القمر المنزهي تنزيها وتكريم وتشريف عن الوصم البشر ي السبب في الرتق والفتق وجميع النشأة لجلاله فسجدت الملائكة لآدم والمقصود لجلاله العاجزة العقول عن ادراك كنهها إذ لا سبيل للوصول إليها إلا ان يكون شيئا بفضلها " كهيعص يس والقرآن الحكيم انك يا محمد لمن المرسلين على صراط مستقيم ن والقلم وما يسطرون ما انت يا محمد بنعمة ربك بمجنون وان لك لأجرا غير ممنون وانك يا محمد لعلى خلق عظيم عين الهوية وروح الهوية وطلعة الهوية التي اشرق نورها في الشموس والاقمار والجنان والحجوب الهوية قطب رحى دائرة العرشية والفرشية ومشكاة طلعة الانوار الهوية ومظهر التجليات الهوية عنصر العناصر والهياكل الروحانية والجثمانية المنزه سره دائما في حدائق وبساتين الهوية الملحوظ وحده بنظرات الهوية الهادي إلى طريق الهوية
المسفر عن لثام
قل هو الله صلاة تليق بك منك تؤدي بها عنا حقه ترضيك وترضيه وترض بها عنا وتعرفنا بها اياه وتفتح بها عنا ابواب الخير واسباب ما تهواه وتحول بها بيننا وبين الشر ومن نواه وعلى آله واصحابه والمهاجرين والانصار ومن تبعه وسلم تسليما مثل ذلك والحمد لله ثلاث مرات
5) : لاإله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير
خمسة وعشرون مرة
6) لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ونحن له عابدون : خمسة وعشرون مرة
7) : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
خمسة وعشرون مرة
8 ) لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون :خمس وعشرون مرة
9 ) ا اللهم احسن عاقبتنا في الأمور كلها و اجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة . ثلاث
10) ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ثلاث مرات
11) ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين إماما . ثلاث مرات
( السيف )
يا رسول الله الإله يا بحر الوفا بجاهك العفو بما قد سلفا من إله العرش ذي الجلال مغفرة نطلب من زلآل وحسن خاتمة في الممات وتوفيقا في المحيا ما قد ياتي مشفعا بروحك وقلبك وما فيه من حكم وسرك فكن شفيعي وسندي في الختام والقبر والحشر لذى يوم الندم فأنت اولى من وفى بالعار وراعي حق صارخ وجار وانظر إلي نظرة من اللطف واعطف علي عطفة من العطف نسقى بها كأس الوصال من شراب وداد حبك الصافي المهذب نفسي وذاتي لذا ببابك مستشفعا مستغيثا بجاهك لنكفي هم وكيد الابرار وحاسد وظالم جبار يا رب يا رب بجاه احمد بذنبي لا تفضحني يوم المشهد واغفر لي ما اسررت او اعلنت في ظاهر او باطن نويت مغفرة تعم الأهل والوالد والزوج والصحب ومن لنا ولد اردد كيد من عادى في نحره ونجنا من شره ومكره وابدل العسر بفيض اليسر بجاه من قد جاءنا بالبشرى صلى عليه الله ما فاح العطر وهب من نسيم فجر وغرر . مرة واحدة والسلام
قول الشيخ رضي الله عنه وارضاه
اعوذ أي اتحصن واعتصم بكلمات الله وإنما افتتح الشيخ رضي الله وضيفته بالتعوذ النبوي لأن الإنسان ربما يكون منشغلا في خلوته بذكر الله وتلاوته يجد في نفسه من الوسوسة ما يحول بينه وبين ربه حتى لا يجد لطعم الذكر حلاوة ويجد في قلبه قساوة وربما اعتديه مع ذلك الاجتهاد فيكون سببا للطرد والابعاد
والذكر قسمان ذكر خوف ورهبة وذكر تمن وغفلة فإذا كان الذكر بالخوف والرهبة خنس الشيطان ولا يكون له عليه سلطان وذهبت وسوسته من الجناب لأن الذكر إذا كان بالقلب وصدق النية لم يكن للشيطان سبيلاعليه ولا قوة وإنما قوته ووسوسته مع الغفلة وحينئذ لم تفارقه الوسوسة وان استدام العبد على الذكر والقرائة لأن على القلب قفلا وغشاوة ولا يجد صاحبها حلاوة فلذلك احتاج السالك الى التحصن بالله والتحفظ به من العدو الرجيم ولأجل هذا ابتدأ الشيخ رضي الله عنه الوضيفة بالحصن الأعظم والاعتصام الأهم
فتحفظ يا أخي على دينك من هذا العدو وخالفه فيما يدعوك إليه بالرواح والغدو فاستعذ بالله يعذك وتق بالله ينصرك
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه ولا يقال الذكر نفسه اعتصام لا يحتاج الى تعوذ لو انه إذا القارئ للقرآن يحتاج الى التعوذ فكيف لايكون التعوذ مطلوبا في غيره قال الله تعالى : ( وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) وإذا تأملت يا اخي في كتاب الله تجد معظم الأنبياء عليهم السلام اساسهم التعوذ كما هو مذكور في غير ما آية وإذا كانت الأنبياء والرسل يلزم غيرهم الاتباع والاقتداء
منها قوله تعالى حكاية عن سيدنا نوح عليه السلام
( اعوذ بك أن اسئلك ما ليس لي به علم ) الآية
فلما قال ذلك أعطاه الله السلام والبركة كما قال تعالى عنه بقوله
( يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك ) الآية
فانظر ماانتاج هذا التعوذ لنبي الله سيدنا نوح وللأمم الذين معه لأنه صار ابو البشر
ومنها حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام حين امر قومه بذبح البقرة ( فقالوا اتتخذنا هزؤا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين ) الآية
فانظر هذا التعوذ فأزال الله به التهمة وأحيا المقتول وذلك ان رجل من بني إسرئيل كان كثيرالمال وله بنت وله ابن أخ فقير فخطبها منه فأبى ان يزوجه اياها فنوى قتله وقال والله لأقتلن عمي وآخذ ماله وانكح إبنته وآكل ديته فلما قتله ليلا جعله في بعض السكك واصبح يطلب عمه فوجد اهل ذلك الموضع قياما عليه فطلبهم وقال أقتلتم عمي وجعل يبكي فرفعهم إلى نبي الله موسى عليه السلام فقالوا يا نبي الله ادع لنا ربك من صاحبه فقال اذبحوا بقرة فقالوا نحن نسئلك عن القتيل وانت تامرنا بذبح البقرة اتهزؤا بنا فقال : ( اعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) الآية
قال إبن عباس رضي الله عنه فلو اخذوا بقرة فذبحوها لكفتهم ولا كنهم شددوا فشدد الله ولولا قولهم إن شاء الله ماهتدوا لها أبدا فوجدوا البقرة الموصوفة عند عجوزة ولها يتامى فطلبت منهم ثمنا غاليا فأتوا سيدنا موسى فاخبروه فقال لهم اعطوها رضاها ففعلوا وذبحوها وامرهم سيدنا موسى عليه السلام ان يضربوا القتيل بعظو منها فضربوه به فرجعت إليه روحه وسمى قاتله ثم عاد الى موته فوجد قاتله ابن أخيه وهو الذي كان يطلب ديته فقتل به
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه انظروا الى سوء الأذب ما اورثهم ولو انهم تأذبوا مع سيدنا موسى عليه السلام وامتثلوا وذبحوا بقرة من اول الامر لكفتهم ولما شدد عليهم في الثمن الغالي جدا ولا كن ساءوا الأذب فشدد الله عليهم وهذه نتيجة التعوذ وسنة الله مع احبائه والله يرزقنا حسن الأذب مع أهل الله والحمد لله رب العالمين
وقد بين الله تعالى سوء ادبهم بقوله : قالوا أدع لنا ربك يبين لنا ماهي ومرة يقولون يبين لنا ما لونها كل ذلك نزوغا واستهزاء وفضحهم الله بإظهار ما في نيتهم بقوله قالوا ادع لنا ربك فذبحوها وما كادوا يفعلون
ومنها قوله تعالى حكاية عن ام مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فاستجاب الله دعائها واعادها وذريتها من الشيطان الرجيم
وقد روى ابو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد إلا والشيطان يمسه فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وذريتها وإبنها وأكرمها بما آخبر به بقوله :
( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) الآية :
وهاذه نتيجة التعوذ والحمد لله قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه والتعوذ حصن أهل الله العارفين " انظروا إلى مريم لما رأت جبريل عليه السلام فتمثل لها بشرا سويا فقصدها في الخلوة وقد خرق الحجاب الذي اتخذته فأسائت الظن به وقالت إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا فأعطاها الله ولدا من غيرأب ونزهها بلسان ولدها في المهد بقوله :
( اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيئا وجعلني مباركا ) الآية :
فلما سمعوا كلامه في المهد اذعنوا وقالوا إن هذا الأمرعظيم ومنها أن الله تعالى شرف خلقه بالاستعاذة عند إرادة القرآن فقال الله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وكذلك أمره بها تصريحا بقوله : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين أي وساوسهم وأعوذ بك رب أن يحضرون ويجوسوا حولي في شيء من الأحوال وفي مصنف أبي داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اني أعوذ بك من همزات الشياطين " همزه" ونفخه " ونفثه "
وأصل الهمز " الدفع المؤخر باليد وغيرها .
والنفخ " الكبر .
والنفث " السحر .
وهمزة االشياطين خطواتها التي تخطرها بقلب الإنسان وقال الله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعد بالله من الشيطان الرجيم ) الآية :
فعد الشيطان في يد أو قلب من إلقآء غضب أو حقد أو بطش في اليد فمن الغضب هاذه الآية ومن الحقد قوله تعالى :
( من بعد ما نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) الآية :
ومن البطش قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يشير أحدكم علي بالسلاح ليلا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار .
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من استعاذ في اليوم عشر مرات وكل الله به ملك يزيل عنه الشيطان
وقال مالك بن دينار الشيطان قديم وأنت حديث والشيطان كيس وأنت سليم الناحية والشيطان لا ينساك وأنت تنساه وله عون من نفسك وأنت ليس لك عون عنه وصدر ابن آدم مسكنا له ويجري منه مجر الدم فلا قوة للعبد عليه إلا بقوة الله تعالى : وفيه يقول القائل " ولا آراه حيث يراني وأنا أنساه فلا ينساني إن لم يغثني الله سباني .
وقال آخر
إني بليت بأربع يرمونني * بالنبل عن فرس لها تأثير
إبليس ونفسي والدنيا والهوآء يا رب * أنت على الخلاص قدير
واعظمها الشيطان كما أخبر الله عنه بقوله تعالى :
( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) الآية :
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه الحمد لله الذي لم يجعل له سبيلا على الفوق والتحت ورحمة الله تعالى : ترجى من الأعلى فلله الشكر تعالى فإذا علم العبد أوصاف هذا اللعين وما ملكه الله تعالى احتاج قطعا أي الاستعاذة بالله والفرار إليه واللجوء والاعتماد عليه فلا ينجوا إلا من عصم الله وقد استثنى طآئفة حيث قال اللعين لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين إن عبادي ليس لك عليهم سلطان .
وهم أهل المعرفة والتعوذ بالله عز وجل :
ومن الرديعة اللهم لا تجعل صدري للشيطان مسكنا ولا تصير قلبي له محلا ولا تجعلني ممن أستفزه بصوته
و أجلب عليه بخيله ورجله وكن لي من حبائله منجيا ومن مصائده منقذا ومن غوايته مبعدا اللهم إن كانت الوسوسة في القلب فعلوا عزك وسموا مجدك وعظيم قدرتك أجل من وسوسته وأقطع لحيلته فأزل يا رب ما سطر وأمح ما زور بوابل قدرتك وسحائب رحمتك واجعل خلاصي منه زيادة في حزنه وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : انه يقول أعوذ بعفو الله العظيم من عذابه الآليم ومن همزات الشيطان إن الله سميع عليم .
وعن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه اعوذ بالله الواحد الماجد من كل عدو وحاسد ومن كل شيطان مارد إن الله هو السميع العليم
وعن سيدنا عمرابن الخطاب رضي الله عنه اعوذ بالله المعين من الشيطان اللعين إلى يوم الدين
وعن سيدنا عثمان رضي الله عنه اعوذ بالله من الشيطان والكفر والطغيان وهو المنعم السلطان
وعن سيدنا علي رضي الله عنه اعوذ بالله العظيم ووجهه الكريم وسلطا نه القديم من الشيطان الرجيم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
ويحصل التعوذ بكل ما اشتملت عليه الاستعادة بالله وقد جاء في القرآن الاستعادة بالذات من الذات ومن الصفات بالصفات فا ستعذ بالله من الشيطان الرجيم .
في السنة اعوذ بكلمات الله التامات من شرما خلق والكل استعاذة به تعالى قوله من شر ما خلق يعم كل موجود له شر .
عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لذغتني البارحة فقال له أما لو قلت حين امسيت اعوذ بكلمات الله التامات من شرما خلق لم يضرك شيء رواه مالك ومسلم والترميدي .
ولفضه من قال حين يمسي ثلاث مرات اعوذ بكلمات الله التامات من شرما خلق لم تضره حمة فكان أهلنا تعلموها فكانوا يقولونها كل ليلة فلذغت منهم جارية فلم تجد لها وجعا .
والحمة بظم الحاء المهملة وتخفيف الميم " السم ".
وقيل لذغة كل ذي سم وقيل غير ذلك وقال الشيخ ابو زيد التعالبي قوله لم تجد لها وجعا صحيح وقد لذغتني العقرب في عمري ثلاث مرات فلم اجد لها وجعا إلا مثل مقدار قرصة النمل ونحو ذلك الذي يدل عليه الحديث فإنه قال لم تضرك ولم يقل تمسك وقال إلا في علي قوله حين أمسيت هو ظاهر في أن قولك عند المساء كان لا يحتاج إلى تكراره عند دخول الدار وأنظر لو كتبت وعلقت .
فكان الشيخ يقول يرجى نفعها ولا يلحق بالقول والمراد بالشيخ رضي الله عنه في كلام الا في الامام ابن عرفة لا يخفى وفي الترميدي وغيره قالها مسافر عند نزوله ثلاث لم يزل محفوظا حتى يرتحل من منزله قال ابن العربي جربتها أكثر من عشرين مرة .
وفي الموطأ روي مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فرئ عفريتا من الجن يطلبه بشعالة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رءآه فقال جبريل آفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفت شعلته وخر ميتا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى فقال له جبريل قل اعوذ بوجهه الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذر في الارض وشر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار الا طارق يطرق بخير يا رحمان .
الكلمات هي القرآن والتامات قيل الكاملات ومعنى كمالتها أنها لا يدخلها نقص ولا عين كما يدخل كلام الناس
وقيل النافعات الشافيات من كل ما يتعوذ منه وقال الحاكم الترميدي رضي الله عنه كلمة الله التامة وكلماته التامات يرجعان لمعنى واحد فباعتبار إرادة الجمل كلمة وباعتبار أن الكلمة تفرعت في الأمور في الأوقات هي كلمات ومرجعهن الى كلمة واحدة فبكلماته التامة هي قوله تعالى
إنما امره إذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون
وإنما قيل تامة لأن قول الكلمات لغة على ثلاثة احرف وإذا كان على حرفين فمنقوصهن كيد ودم وكن عند الأدميين كذلك من المنقوصات ما لا دوات ومن ربنا تبارك وتعالى إسمه كلمة تامة لأنها بغير الادويات ومنفي عنه شبه المخلوقات ثم قال كلام فأما قوله كن فالكاف من كينونته والنون من نوره وهي كلمة تامة بها احدث الاشياء وخلق الخلق
فإذا استعاذ العبد بتلك الكلمة صارت له معاذ ووقي شر ما استعاذ منه لأن العبد المومن لما عرف ان لا يكون شيء إلا ما جرى به القضاء والقدر وإنما يقضي القدر بقوله كن عظمة هذه الكلمة فصار متعلق قلبه وإنما تاخذه الرغبة في الاشياء والرهبة من الاشياء وقلبه ناظر إلى مشيئته وفؤاده راقب لإرادته وأذنه مصغية إلى كلمة كن وعينيه شاخصة إلى تدبيره فإذا قال العبد اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وقي شر ما خلق وصار في حصنه و ارتفع في عياذه آمنا هذا لمن قالها يقضة وعقل ما يقول وهاذا القول منه تحقيق الإيمان لأنه اقر برب لا يملك احد سواه شيئا ولا شريك له في شيء وهاذا لأهل اليقين الذين قال احدهم هذا القول استقر قلبه بعد القول على مقالته واطمأنت نفسه فأما اهل الغفلة فانهم يعاذون على قدرهم بحرمة الكلمة
وإنما اختصر سيدنا الشيخ رضي الله عنه على هاذه الصيغة مع ان صيغة التعوذ كثيرة لأنه رضي الله عنه تلقاها قبل بلوغه من الفيض النبوي والسرالمصطفوي لم يكن سمعها قط ولا وفق لها على اثر ولا سند كما تقدم في اول الكتاب فانظر إلى تعليمه وارشاده لطريق السنة حيا وميتا قد جاء هاذا التعوذ النبوي في صحيح مسلم رواه الطبراني في الاوسط وكذا الترميدي وابن حبان في صحيحه وقد مارسها
افتتح القرآن العظيم بها ونقل الخطاب عن أبي بكر التونسي رحمه الله قال أجمع كل أمة على أن الله أفتتح كل كتاب
باسم الله الرحمن الرحيم
وفي الجامع الصغير
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة كل كتاب وورد إن ما خطه القلم في اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم أول مانزل به الوحي
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كل امرء ذي بال يبتدئ فيه باسم الله الرحمن الرحيم فهوأقطع فيوخذ من الحديث أن كمال كل مهم متوقف عليه بسم الله الرحمن الرحيم فهي لهم كالحلى للعروس والتاج على الرءوس وفي إضافة إسم الله فا ئدتان الأولى الإشارة إلى أن التبرك والاستعاذة بجميع أسماء الله تعالى
فمعنى بسم الله الرحمن الرحيم أي استعين وأتبرك بكل إسم ذال على الله في الذات العلية المستحقة لجامع المحامد وإضافة إسم إلى المسمى لأن مدلول الأول اللفظ ومدلول الثاني الذات العلية والثانية إشارة إلى أن التعلق بإسم الله الذال عليه كاف في تحصيل المطلوب ونيل المئآرب ولا يتوقف على ما فوق ذلك
وإسم الجلالة الجمهور على أنه علم على الذات الواجد الموجود الموصوف بالصفات المستحق بجميع المحامد الخالق للعالم فهو ذال عليه جامعة لمعاني أسماء الله تعالى الحسنى وما سواه خاص بمعنى فلذلك تضاف إليه جميع أسماء الله الحسنى فيقال الرحمن من أسماء الله تعالى ولا يضاف هو لشيء فافهم وهاذا الاسم الشريف
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه أجل من أن يذكر له اشتقاق
رأى الخليل في المنام فقال اغفر لي وذكر لي كرامة عظيمة فقيل له بم قال بقولي إن اسم الجلالة أعرف المعارف وقيل إنه اسم الله العظيم الأعظم عند المحققين .
وعدم استجاب الدعاء به عاجلا لعدم استجماع شروط الدعاء وقد ذكر في القرآن الحكيم في ألفين وثلاثة مائة وستين وأعظميته باعتبار مدلوله الذي هو الذات العلية أو باعتبار تأليف فافهم
وقيل إن إسم الله الأعظم الحي القيوم كما اختاره النووي وتبعا للجماعة
وقيل إن إسم الله الحي القيوم كما أختاره هو ذي الجلال والاكرام وقيل غير ذلك ولما سئل أبو زيد البسطامي رضي الله عنه قال ليس له حد محدود إنما هو فراغ قلبك لوحدانيته فإذا كنت كذلك فافزع إلى أي إسم شئت فإنك تشير به إلى المشرق والمغرب
وإسم الجلالة هو سلطان الأسماء كلها عند العارفين كما قال الشيخ رضي الله عنه ومتعنا بحتاته وله شرف زائد على الأسماء وذلك انك لو حذفت اللام وجمعت قلت له ( اله ) وإن حذفت اللامين قلت ( اه ) وهو إسم شريف وإذا سقطت اللام والهاء قلت ( آه ) وهو إسم شريف عظيم سرياني وإذا سقطت الألف واللام وهو اسم ناطق جامع لمعاني الذات وشمائل الأسماء والصفات كما سيأتي إنشاء الله للإسم الشريف تعني إسم الجلالة خواص كثيرة ومنافع شهيرة منها من دام عليه بلفظ الله الله الله حصلت له الخشية وأورثه البكاء من خوف الله في الحين .
ومنها شفاء الأسقام والأمراض تكتبه بعدده ستة وستين مرة وتسقيه لأي مريض شئت فإنه يشفى بإذن الله
ويكتب أيضا للجميع ويشرب بعد أن يمحى وإن أردت حرق جن فاكتب حروفه في خرقة زرقاء وأحرق طرفها وشمه له فإن أردت حرقه أو قتله حصل
وقال بعض السلف من كتب الله الله الله في إناء مكور بحسب ما يسع الإناء ورش به المصروع احترق شيطانه
وقال بعض العارفين لقد امرت ذلك برجل كان له غلاما يصرع منذ أربعة وثلاثين سنة وأعياه أمره فاعتكف ثلاثة أيام فكتبه ورش به عليه فاحترق عارضه ولم يعد إليه
وهو إسم الكمال وبه تذهب العلل ويأتي مزيد من هاذا الفن عند قول الشيخ رضي الله عنه قل هو الله
فقد ذكرنا ما يتعلق به الغرض والله المستعان
وأما الرحمان الرحيم إسمان بنيا للمبالغة من رحم كالغضبان من غضب والعالم من علم وقد قالوا الرحمن إشارة إلى نعمة الايجاد والرحيم إشارة نعمة الامداد
وفي معناهما أقوال ثلاثة وقد بسط تعالى بسائط الوجود على ممكنات لا تحصى ووضع عليها من موائد كرمه ما لا يتناهى وفي الحديث يد الله تسبح الليل والنهار أريتم
ما أنفق منذ خلق السماوات والارض فإن ذلك لم ينقص من خزائنه شيئا وبهاذا تعلم ان جملة البسملة انه لا يستعان ولا يتبرك إلا بذكر اسم الله إن الذات الذي هو واجد الوجود المعبود الحقيقي ما في النعم كلها عاجلها وآجلها خفيها جليها ورقيها فضلا منه ورحمة فإذا تحقق العبد أنه الرحمن الرحيم لا غيره قصرالنظر عليه وتعلق ولازم الافتقار والاضطرار إليه في جميع الحالات وعموم اللحضات إذ هو المنعم بكل الانعام الدنيا والآخرة
ولهاذا كثرت فوائد البسملة وخواصها قال المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير
لما نزلت البسملة اهتزت الجبال لنزولها وقالت الزبانية من قرأها لم يدخل النار وهي تسعة عشر حرفا على عدد الملائكة الموكلين بالنار
ومن أكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوي والسفلي
وهي التي أقام بها ملك سليمان عليه السلام وألآن بها الحديد لسيدنا داوود عليه السلام قال الله تعالى ( ولقد آتينا داوود وسليمان علما ) الآية :
قال الجنيد أي علمناهما
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال بعضهم وألزمناهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وهي بسم الله الرحمن الرحيم
قال القشيري إذا قرأ هذا اللفظ إسماع أهل المعرفة لم تذهب فهومهم ولا علومهم إلى معنى غير وجوده سبحانه وتعالى فإذا قال بلسانه الله أو سمع بأذنه الله شهد بقلبه الله فكما لا تدخل هاذه الكلمة على معنى الله لا يكون شهرة قائلها إلا الله فيقول بلسانه الله ويعرف بقلبه الله ويعلم بفؤاده الله ويحب بروحه الله ويشهد بسره الله ويتعلق بظاهره بين يدي الله تعالى
ويقال البسملة ربيع الأحباب وأزهارها لطائف الوصلة وانهارها زوائد القربة فمن سمع بسم الله دهشه في كشف حاله ومن أسمعه الرحمن الرحيم عيشه بلطف إفضاله
وقال في كتب عظة الألباب
الباء من بسم الله بهاؤه والسين سناؤه والميم مجده وعلاه
وقيل الباء بابه والسين سلامه والميم انعامه وقيل الباء بركته والسين ستره والميم معرفته وفي عين الله علام الغيوب الرحمن كشاف الكروب الرحيم غفار الذنوب الله مجيب الدعوات الرحمن منزل البركات الرحيم يعفوا عن السيئات
وقال صلى الله عليه وسلم أول ما نزل بسم الله الرحمن الرحيم في الغيم من المشرق إلى المغرب وسكنت الريح واصغت البهائم بأذانها ورجمت الشياطين بالشهب
وأقسم الله بعزته لا يسمى إسمه على مريض إلا شفاه الله
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما ولا على شيء إلا بارك الله عليه وقال سيدنا علي رضي الله عنه لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم ضجت الجبال حتى كنا نسمع دويها حتى قال الكفار سحر محمد
وقال صلى الله عليه وسلم ما من مومن يقرأها إلا سبحت له الجبال لكنه لا يسمع
وقال صلى الله عليه وسلم
لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم وبينها وبين إسم الله الأعظم كما بين العين وسوادها
قال النسفي لما قتل قابيل أخاه هابيل أشتد ذلك على آدم عليه الصلاة والسلام فأوحى الله إليه قد جعلت الارض طوعا فقال يا أرض خديه فلما همت به قال قابيل يا ارض بحق بسم الله الرحمن الرحيم لا فقال الله تبارك وتعالى يا ارض خلي عنه
قال بعضهم الخلق ثلاثة ظالم لنفسه ومقتصد وسابق للخيرات
والأسماء في بسم الله الرحمن الرحيم ثلاثة الله للسابقين والرحمان للمقتصدين والرحيم للظالمين
أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام اني أكرمت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثة اسماء قال يا رب وما هن بحق هذه الاسماء قال بسم الله الرحمان الرحيم وكان عنده رجل أعمى فقال يا رب بحق هذه الاسماء رد علي بصري فرد الله عليه بصره في الحال
وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله الرحمن الرحيم فإن الحفظة يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل وتفرغ وإذا غشيت أهلك فقل بسم الله الرحمن الرحيم فإن الحفظة يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل فإذا حصل لك ولد من تلك الوقعة كتب لك من الحسنات بعدد أنفاس ذلك الولد وبعدد أنفاس اعقابه
يا أبا هريرة إذا ركبت دابة فقل بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله يكتب لك بعدد كل خطوة حسنة
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة
وعن علي ابن أبي طلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله دار في الجنة يقال لها دار النور كل شيء خلقه الله فيها من نور وهي في الهواء ليس لها طريق قيل يا رسول الله كيف يصعدون إليها قال يقال لهم قولوا بسم الله الرحمن الرحيم فيطيرون لها
قال النسفي إذا كتب السيد على عبده كتابا عرف رضاه سيده وسخطه من عنده أن كتابه والله سبحانه جل وعلا جعل عنوان الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ولم يقل بسم الله الجبار القاهر فاعلم بذلك رضاه
قال الغزالي في جواهر الشعراء لما ابتدأ الله تعالى كتابه بالحمد لله رب العالمين علم أن النفوس ترهب من ذلك فعقبه بقوله الرحمن الرحيم ليجمع صفاته بين الرهبة منه والرهبة إليه
زاد القرطبي فيكون اعون على طاعته
قال الضحاك في الفرق بين الرحمان الرحيم الرحمان بأهل السماء والرحيم بأهل الأرض
وقال عكرمة الرحمان برحمة واحدة والرحيم بمائة رحمة
وقال المبارك الرحمان إذا سئل أعطي والرحيم إذا لم يسئل غضب
وفي تفسير القرطبي الرحمان لمن آمن والرحيم لمن تاب
وفي تفسير الرازي الرحمان يخلق ما لا يقدرعليه العبد والرحيم يخلق ما لا يقدر العبد على جنسه
وقال النيسابوري وغيره الرحمان خاص اللفظ فلا يسمى به غيرالله عام المعنى لأنه خلقه برزقه والرحيم عام اللفظ لأنه يطلق على غيره وخاص المعنى بالاخرة فلا يرحم إلا المومنين
وفي الكشاف للزمخشري وتبعه غير واحد ما نصه في الرحمان من البلاغة ما ليس في الرحيم ولذلك قال رحمان الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ويقولون أن الزبانية في المبنى لزيادة المعنى
وقال السير في حواشيه المبالغة ما بحسب شموله الدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما في الاثر الذي رواه وآما باعتبارجلالة النعم وذقتها كما أختاره في التسمية والمراد أن في الرحمان مبالغة في معنى الرحمة ليس في الرحيم فيقصد به الرحمة زائدة بوجه ما لا ينافيه ما يروى من قولهم يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما بجواز حملها على الجلائل والدقائق .
قال بعض العارفين الرحمان من الرحمة ومرجعها لصفة ذاته إن فسرت بإرادة الإنعام أو بصفة فعليه إن فسرت بإعطاء جلال النعم دقائقها .
قال الشيخ زروق رضي الله عنه تصاريف هذا لإاسم أي الرحمان كلها دائرة على الرحمة فالتعلق به يقتضي الأنس والرجاء والدلائل وفيه سر جميع الصفات اجمع كل المعاني فقد رأيت في المنام يقال لي كل إسم جمع معاني الأسماء فهو الأعظم وذلك في جملة الأسماء سبعة أو ثمانية منها العظيم وليس منها الرحمان فلما انتبهت تأملت ذلك بالدلائل بوحدته صحيحا وعرضته على شيخنا أبي العباس الحضرمي رضي الله عنه فتبسم كالفارح والتقرب بهاذا الإسم على وفق مقتضاه وذلك بثلاثة النظر للاستماع الرحمة وتظاهرها وذلك يقوي الإيمان واستمطار الرحمة منه تعالى بأسمائها كالتوبة والإنابة والنظر إلى كافة الخلق بعين الرحمة
ومن فضائل
بسم الله الرحمان الرحيم
كانت للنمروذ بالدال المعجمة بنت صغيرة فقالت يا أبت دعني أنظر إلى إبراهيم الخليل في النار فوجدته سالما فقالت كيف لا تحرقك فقال من كان على لسانه بسم الله الرحمان الرحيم وفي قلبه المعرفة لا تحرقه النار فقالت أريد الدخول عندك فقال قولي لا إ له إلا الله إبراهيم رسول الله فقا لت فصارت النارعليها بردا وسلاما فلما رجعت إلى أبيها أخبرته بذلك فأسرها بالرجوع عن دين إبراهيم فلم ترجع فعذبها عذابا شديدا فآمر الله سيدنا جبرائيل عليه السلام فأخذها ووضعها عند إبراهيم ثم زوجها بولده فولدت له عشرين نبيا
قال النسفي إذا احتضر العارف نزل عليه ملك الموت من قبل وجهه فيدفعه الذكر فيأتي من قبل يديه فتدفعه الصدقة فيأتي من قبل رجليه فيدفعه المشي لصلاة الجماعة فيقول له الله تعالى خذ تفاحة من الجنة فيأخذ تفاحة عليها
بسم الله الرحمان الرحيم فيقول له الله أكتب إسمي على كفك واراه اياه فكتب بسم الله الرحمان الرحيم فإذا رآته روح المومن طارت شوقا إلى ربها
وفي رواية تقول الروح لملك الموت أنت أسكنتني في هذا الجسد فيقول لا يخرجني إلا الذي أسكنني فيه فيقول أنا رسوله فيقول إيتي بعلامة فيقول الله تعالى خذ تفاحة من الجنة فيأخذ تفاحة عليها بسم الله الرحمان الرحيم
فإذا رأتها طارت شوقا إلى الجنة
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم إنه كان يهوديا يحب يهودية ترك الأكل والشرب فشكا حاله إلى الشيخ عطاء الأكبر فكتب بسم الله الرحمان الرحيم وأمره ببلعها فابتلعها فقال يا شيخ المسلمين قد أطلع الله على قلبي نورا انساني المرأة وأحبني الإسلام أنا اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله
فسمعت المرأة بذلك فجآءت للشيخ وقالت يا إمام المسلمين أنا تلك المرأة وقد رأيت في المنام قائلا يقول فإن أردت الجنة فاذهب إلى الشيخ عطآء فقال لها قولي بسم الله الرحمان الرحيم فناداها مناديا قارئة بسم الله الرحمان الرحيم قد أعطاك الله ما رأيت فانتبهت وقالت يا رب أدخلني الجنة ثم أخرجني منها أسئلك بحق بسم الله الرحمان الرحيم ان تعيدني فيها فسقطت ميتة
قال النسفي تأخذ الزبانية غدا يوم القيامة عبدا فيقول لهم ردوه فينظر إلى أعظائه فلا يوجد فيها خيرا فيقول اخرج لسانك فإذا عليه بخيط أبيض بسم الله الرحمان الرحيم فيقال له اذهب فقد غفرت لك
قال ابن مسعود من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقل بسم الله الرحمان الرحيم
لأن حروفها تسعة عشر
وقال غيره كلماتها أربع والذنوب أربع ذنوب الليل والنهار والسر والعلن فمن قالها كفر الله عنه الذنوب الأربعة
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ستر بين عين الجن وعورات بني آدم إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا بسم الله الرحمان الرحيم
قال الفخر الرازي الإشارة في ذلك إذا صار هاذا الإسم حجابا لك من أعدائك في الدنيا أفلا يصير حجابا بينك وبين الزبانية
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم إن سيدنا عيسى عليه السلام مر برجل يصطاد حية عظيمة فقالت يا نبي الله قل له إن لي سما قاتلا فنهاه عنها فلم يرجع ثم بعد ذلك مر بها سيدنا عيسى عليه السلام فقالت يا روح الله ما غلبني بقوة ولا كن غلبني باسم الله الرحمان الرحيم فابطل سمي
قال النسفي لما نزلت بسم الله الرحمان الرحيم على آدم عليه السلام قال الآن آمنت على ذريتي من العذاب فلما مات أرتفعت
ثم نزلت على سيدنا نوح عليه السلام فنجا بها من الغرق ثم أرتفعت بعد موته
ثم نزلت على إبراهيم فصارت بردا وسلاما ثم على سيدنا موسى عليه السلام فسلم من البحر ثم أرتفعت فنزلت على سيدنا سليمان عليه السلام فاستقام ملكه ثم نزلت على سيدنا عيسى عليه السلام فأوحى الله إليه قد أنزلت عليك آية الأمن فلما رفعه الله ارتفعت ثم نزلت على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحية من يوم نزلت إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة يأخذ المومن كتابه بيمينه ويقول بسم الله الرحمان الرحيم فإذا هو أبيض لا شيء فيه فيقال إنه مملوءا بالسيئات ولكن محته بسم الله الرحمان الرحيم
وقال القرطبي البسملة من خصائص هاذه الأمة
سئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه عن قول القرطبي وغيره من الأئمة الأعلام ان البسملة من خصآئص هذه الأمة مع أنه ورد إنها نزلت على الأنبياء كما تقدم فقال رضي الله عنه معنى" التخصيص " أن هاذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا قد خصها الله بقرآة بسم الله الرحمان الرحيم وبفضلها وسرها إلا أن ترفع منهم إلى يوم القيامة بخلاف نزولها عن الأنبياء من قبل فإنها خاصة بهم وترفع بموتهم ولا يبقى ذكرها أصل في أممهم وهذه عناية من الله لنبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وفي تفسير الرازي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بئاية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داوود غيري قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بسم الله الرحمان الرحيم قال الرازي اجمع العلماء على أنه يستحب أن لا يشرع في عمل من الأعمال إلا ويقول بسم الله الرحمان الرحيم حتى القابلة إذا أخذت الولد تقول بسم الله الرحمان الرحيم فإذا خرج من ظلمة الأحشاء وفي ظلمة المشيمة وظلمة الرحم حكاه البغوي
والبسملة قرائة أهل السموات السبع وأهل سراديقات ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم أنه لما أرسل سيدنا سليمان عليه السلام الهدهد إلى بلقيس قالت له الطير كيف تذهب وحدك فقال من كان معه بسم الله الرحمان الرحيم لا يضام فوضع الله على رأسه ثاجا إلى يوم القيامة فمر على أربعة الف صياد يرمون بالنبل وكانوا لا يخطون
ولما كتب سيدنا سليمان إلى بلقيس بسم الله الرحمان الرحيم آلا تعلوا علي واتوني مسلمين أعطاه الله ملكها زيادة على ملكه وكانت تحت يديها إثني عشر ألف قائد تحت يدي كل قآئد مائة ألف مقاتل ولها عرش عظيم وهو السري طوله ثمانون ذراعا وعرضه كذالك وارتفاعه في الهواء كذالك قاله مقاتل رضي الله عنه ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم كما في شمس المعارف من كتب البسملة ستة مائة مرة وحملها رزقه الله الهيبة في قلوب عباده
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم أنه لما أمرالله سيدنا موسى عليه السلام إلى فرعون وتمادى في طغيانه فدعا عليه مرة فقال الله تعالى يا موسى أنت تنظر في كفره وأنا أنظر إلى ما هو مكتوب في باب قصره قبل أن يدعوا الألوهية انتهى
قلت فلذلك وصفه الله بالمقام الكريم قال الضحاك وكان سيدنا نوح عليه السلام إذا قال بسم الله مجريها جرت السفينة وإذا قال مرسيها رست
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا السفينة أن يقولوا بسم الله الرحمان الرحيم وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون بسم الله مجريها إن ربي لغفور رحيم
وقال ابن الجوزي عن الحسن البصري مامن عبد يدفن إلا دخل عليه ملك في قبره معه دواة وقرطاس وقلم فيقول أكتب عملك فيكتب عمله وإن كان غير كاتب فإن كان من أهل السعادة فأول ما يجري القلم بسم الله الرحمان الرحيم فيأمن من عذاب القبر
وقال بعض الصالحين دخل علي أخي وهو سكران فضربته فرجع ووقع في الماء فغرق فدفنته ثم رأيته تلك الليلة في المنام في الجنة قلت له تموت سكران وأنت في الجنة فقال نعم لما خرجت من عندك رأيت ورقة فيها بسم الله الرحمان الرحيم فابتلعتها فلما دخل علي منكر ونكير فقلت تسئلني وإسمه في بطني فنادى مناد صدق عبدي قد غفرت له
من فضائل بسم الله الرحمان الرحيم انه كان بمكة رجل صائم الدهر ولم يره أحد لا يأكل ولا يشرب غير أنه يخرج ورقة عند إفطاره فينظر إليها فلما مات أخرجها الغسال من جيبه فوجد فيها بسم الله الرحمان الرحيم فتعجب من ذلك فهتف به هاتف لا تعجب من ذلك فأنا بالبسملة ربيناه وبالرحمانية غفرنا له والرحيمية وفقناه
وقال ابن عطاء في إسمه الرحمان عون ونصرة وفي إسمه الرحيم محبة ومودة
ومن فضآئل بسم الله الرحمان الرحيم لبكاء الأطفال مع قوله تعالى هاذا يوم لا ينطقون وخشعت الأصوات للرحمان اليوم نختم على أفواههم
وقال النسفي خلق الله القلم من ذرة بيضاء طوله خمسمائة عام فنبع منه النور كما ينبع المداد من قلم الدنيا ثم أمره أن يكتب بسم الله الرحمان الرحيم فكتبها سبعمائة عام فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي من قالها من أمة محمد مرة واحدة كتب الله له ثواب سبعمائة عام
فانظر يا أخي لهذه الفضيلة التي خص بها هاذه الأمة المحمدية
وقال النسفي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم رءا ليلة المعراج قبة من ذرة بيضاء لها باب من ذهب وقفل من ذهب لو ان الإنس والجن جلسوا على تلك القبة لكانوا كالطير على رأس جبل فأراد أن يخرج منها فقيل له لم لم تدخلها فقال لأنها مقفولة فقيل مفتاحها معك وهو بسم الله الرحمان الرحيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمان الرحيم فانفتح فرءا فيها أربعة أنهارنهرمن ماء غيرآسن أي غيرمتغير يخرج من ميم بسم
ونهر من لبن لم يتغيريخرج من هاء الجلالة
ونهر من خمر لذة لشاربين يخرج من ميم بسم الرحمان
ونهر من عسل مصفى يخرج من الرحيم فقال الله تعالى يا محمد من ذكرني بهذه من أمتك بهاذه الأسماء أسقيته من هذه الأنهار الأربعة
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم إن زليخا لما غلقت على يوسف سبعة أبواب وهرب منها قال على كل باب بسم الله الرحمان الرحيم فانفتح
وقال سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه والله العظيم لقد حدثني سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال والله العظيم لقد حدثني جبريل وقال والله العظيم لقد حدثني ميكائل وقال والله العظيم لقد حدثني إسرافيل وقال قال الله تعالى وعزتي وجلالي وجودي وقربي من قرأ بسم الله الرحمان الرحيم متصلة بالفاتحة مرة واحدة أشهدكم اني قد غفرت له وقوبلت منه الحسنات وتجاوزت عن السيئات وقال بعض العارفين جميع ما في الكتب المنزلة في القرآن العظيم وجميع اسرار القرآن العظيم في الفاتحة وجميع ما في الفاتحة في البسملة وجميع ما في البسملة في الباء وجميع ما في الباء في نقطتها المنطوية عن كل الحقائق والدخائر محتوية وفيها إشارة إلى نقطة التوحيد التي عليها مدار سلوك أهل التفريد ومعناها بي كان ما كان وبي يكون ما يكون
ولا شك ان البسملة كلمة قدسية من كنزالهداية وخلعة الربوبية من خلع الولاية ووصلة قريبة لأهل العناية ورحمة خاصة لأهل الجناية
وفي الكتاب المسمى بحر العلوم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمان الرحيم هي أم القرآن هي السبع المثاني وذلك لاشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن ان الغرض الأصل منه الإرشاد إلى معرفة المبدإ والمبعاد وما بينهما من دار التكليف مع ما فيها من الثناء والندا على كمال ذاته وعظيم صفاته وجميع نعمائه التي تقاصدت النفوس عن وصفها وتضائت العقول دون بيانها مما وصل إلى العباد في الدنيا وأعد في العقبى من النعم التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأجلها النظر إلى وجهه الكريم جعلني الله وإياكم من أهل يمنه وفضله
وأما اتصال بسم الله الرحمان الرحيم مع لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فقد ورد فيه أحاديث كثيرة أخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن سيدنا علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا علي إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله يصرف بها ما يشاء من البلاء قلت والورطة بفتح الواو وسكون الراء " المصيبة " قال في الذر عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم صرف عنه سبعين بابا من البلاء أدناها الهم والغم
وأخرج إبن السني في عمل اليوم والليلة عن سيدنا علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا علي إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله يصرف عنك ما شاء من البلاء
وقال في الذر عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم صرف الله عنه سبعين بابا من البلاء أدناها "الجذام "الهم والغم
وقال العلامة سيدي عبد الرحمان الحبشي في الباب السادس من كتاب البركة له وجدت في كتاب مكنون الجواهر وحرز القطين والمسافر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويدفع الله عنه إثنين وسبعين من البلاء أدناهاالجذام والبرص ويوكل الله به سبعين ملك يستغفرون له إلى الليل ولأجل هذا الخير الكثير والفضل العظيم
أمر بها سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه في الوظيفة أمر بها عشرا قد أجاب رضي الله عنه وأرضاه وسئل رضي الله عنه لماذا قدمتم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم على غيرها من أذكارحتى وظيفتكم فقال رضي الله عنه إن العارفين إذا أرادوا أن يذكروا تهيؤا باتخاد نجباء من لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكونها ليلا يقع منهم افتخار وإذا افتخروا قيل لهم الفخر حقيقة لا للراكب لأن المركوب هو الذي يقطع بكم المفاوز والبراري فقلت هل اتخذتها من سبحان الله قال لا لأنها من خصائص التجلي فقلت ومن قول الحمد لله قال لا لأنه من خصائص الوصول فقلت من قول لا إله إلا الله قال لا لأنه من خصائص الدعاوي قلت من قول الله أكبر قال لا لأنه من خصائص المفاضلة وانما تعين اتخادها من لا حول ولا قوة إلا بالله لأنها من خصائص الأعمال فعلا وقولا ظاهرا وباطنا فإذا ركبوها متبرئين من حولهم وقوتهم فقد آمنوا لأنهم صاروا يقولون لا إله إلا الله بها وسبحان الله ونحو ذلك قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه إذا تأملت هاذا بان لك أن العارف لم يكن له قول ولا فعل حتى يدخله العجب فيه أو يطلب الجزآء عنه لأنه عارف انها من خالقها .ثم اعلم ان إخلاص كل عبد أعماله على حسب رتبته ومقامه فاما من كان من الأبرار فمنتهى درجته اخلاصه ان تكون أعماله السالمة من الريآء الجلي والخفي وقصد موافقة الهوى النفسي طلبا لمن وعد الله المخلصين من جزيل الثواب وحسن المئاب وهربا عما أوعد الله المخلصين من أليم العقاب وسوء الحساب وهاذا من التحقق بمعنى قول اياك نعبد أي لا نعبد إلا اياك ولا نشرك في عبادتنا غيرك
وحاصل أمره أنه إن أخرج الخلق عن نظره بالأعمال بره مع بقآء رؤيته لنفسه في النسبة إليها والاعتماد عليها وأما من كان من المقربين فقد جاوز هاذا إلى عالم رؤيته لنفسه في عمله فإخلاصه إنما مشهود انفراد الحق بتحريكه وبسكينة من غير أن يرى لنفسه في ذلك حولا ولا قوة ويعبر عن هاذا المقام بالصدق الذي يصح به مقام الإخلاص وصاحب هاذا مسلوك به في سبيل التوحيد واليقين وهو من التحقق بمعنى قوله تعالى اياك نستعين أي لا نستعين إلا بك لا بأنفسنا وحولنا وقوتنا فعمل الأول هو العمل لله وعمل الثاني هو العمل الثاني فالعمل لله يوجب المثوبة والعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب تحقيق العبادة والعمل بالله يوجب تصحيح الارادة والعمل لله نعث كل عابد والعمل بالله نعث كل قاصد والعمل قيام بأحكام الظواهر والعمل بالله قيام بالضمائر وهذه العبارات كل للإمام ابي القاسم القشيري رحمه الله وبها يتبين الفرق بين المقامين وتبيانها في الشرف والجلالة فإخلاص كل عبد هو روح عمله فبوجود الإخلاص يكون حياتها وصلاحها للتقرب بها ويكون فيها اهليه عدم وجود القبول لها وبعدم ذلك يكون موتها وسقوطها عن درجة الاعتبار وتكون إذ ذاك اشباحا بلا أرواح وصور بلا معاني قال بعض العارفين صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبني من الحول والقوة
مكتوب في الثوراة من قال في شعبان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
كتب الله له عبادة ألف سنة ومحا عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقا .
وفي العهود المحمدية اخد علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا من ربنا الوفآء إليه أن نخلص النية لله في علمنا وعملنا وسائر أحوالنا من سائر الشهوات حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا على ذلك ثوابا وان حضر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل قال تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) الآية : قال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفيك العمل القليل وقال صلى الله عليه وسلم طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل كربة
وروى الطبراني مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخر الزمان صارت أمتي ثلاث فرقة فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله خالص وفرقة يعبدون الله لياكلوا به أموال الناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وارضاه انظر إلى هذه الفرق تعلم نفسك من أي ولا يغرنك ما ورد في حق العلمآء أو في حق إنما هو في حق المخلصين إليه وإياك والذل فافهم
قلت لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وارضاه لماذا أمرتم السالك بالبسملة والحموقلة أولا فهلا أمرته بلا إله إلا الله من أول أليس انها أفضل وجوه الذكر
فقال رضي الله عنه في ذلك إشارة لدفع الدعاوي الظاهرة والباطنة التي هي أخفى من ذبيب النمل وأعظم المعاصي لأن المذنب يعلم أن له ذنبا ربما يتوب فيتوب الله عليه وأهل الدعاوي يحسبون أنهم على شيء فيموتون على أحوالهم فلا يهتدون إلى التوبة فإذا خرج السالك عن حوله وقوته وعلم أن عمله بالله كان مدده على الله ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هي ركن الاعتصام ولها ثلاثة درجات
الأولى توحيد الأفعال الثانية توحيد الصفات بحسب تعلق الأفعال بها الثالثة اضمحلا كل ما سوى الله فيكون العبد بالله وفي ذلك الغنى الأبدي ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كنز من كنوز الجنة
من خصائصها ان رجل أراد أن يتزوج نبنت عمه فلم يقبل أبوها وزوجها بغيره فمات ليلة الزفاف ثم زوجها غيره إلى الرابع فخطبها ابن عمها فتزوجها فلما أراد الدخول بها جاءه رجل من أهل الجن وقال تقاسمني وإلا قتلتك كالماضي فقال له قهرا نعم فقال لي الليل ولك النهار فرضي زوجها ثم قال الجن ان الليلة ان استرق السمع ولا بد من ركوبك على جناحي فلم يجد مخلصا منه فركب على جناحه حتى لصق السماء فسمع الملائكة تقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهرب الجني حتى لصق بالارض ثم دخل الجني على المرأة فقال الرجل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فاشتعل الجن نارا ولم يصل إلى المرأة ذكر هاذه الحكاية الإمام النسفي رحمة الله عنه وقال أيضا هو وغيره من الائمة لما خلق الله تعالى العرش خلق ملك من نور وأعطاه قوة سبع سموات وخلق ملكا من الرحمة وأعطاه قوة سبع أراضين وخلق ملكا من الريح وأعطاه قوة الريح وخلق ملكا من الماء واعطاه قوة الماء ثم أمرهم أن يحملوا عرشه فوقفوا تحته سبعين ألف عام فلم يقدروا على رفعه حتى كان العرق منهم كالأنهار ثم زادهم قوة فلما علم عجزهم قال لهم قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما قالوها حملوه بقوته سبحانه وتعالى
ومن فضائلها ان بعض الملوك قصد مدينة كرخ بثمانين ألف قيل فخرج أهلها لقتالهم فلم يستطيعوا من الفيلة فقال كبيرهم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فهربت الفيلة وقطعت السلاسل وانتصروا على عدوهم بإن الله تعالى
وكان رجل من أصحاب ابن أدهم يتعبد في غرفة ليس لها درج ولا سلم فكان يجيء إلى باب الغرفة ويقول
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ويمر في الهوآء ثم يتطهر ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويعود إلى غرفته قالوا ولهاذه الكلمة ثأثير عظيم في معانات الاشتغال المحبة وتحمل المشاق وفي الدخول على من يخاف شره
وقال النيسابوري عن طاووس اليماني رضي الله عنه من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ووقي سبعين بابا من السوء
وقال صلى الله عليه وسلم من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كل يوم مائة مرة لم يصبه فقر أبدا
وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من غراس الجنة قيل وما غراسها قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم رواه الطبراني
وفي الجامع للسيوطي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها تدفع تسعة وتسعون بابا من الضر أدناها الهم والغم .
اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ذوي القدر العظيم عند الله عدد كل نفس ولمحة وما وسعه علم الله
بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
افتتح القرآن العظيم بها ونقل الخطاب عن أبي بكر التونسي رحمه الله قال أجمع كل أمة على أن الله أفتتح كل كتاب
باسم الله الرحمن الرحيم
وفي الجامع الصغير
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة كل كتاب وورد إن ما خطه القلم في اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم أول مانزل به الوحي
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كل امرء ذي بال يبتدئ فيه باسم الله الرحمن الرحيم فهوأقطع فيوخذ من الحديث أن كمال كل مهم متوقف عليه بسم الله الرحمن الرحيم فهي لهم كالحلى للعروس والتاج على الرءوس وفي إضافة إسم الله فا ئدتان الأولى الإشارة إلى أن التبرك والاستعاذة بجميع أسماء الله تعالى
فمعنى بسم الله الرحمن الرحيم أي استعين وأتبرك بكل إسم ذال على الله في الذات العلية المستحقة لجامع المحامد وإضافة إسم إلى المسمى لأن مدلول الأول اللفظ ومدلول الثاني الذات العلية والثانية إشارة إلى أن التعلق بإسم الله الذال عليه كاف في تحصيل المطلوب ونيل المئآرب ولا يتوقف على ما فوق ذلك
وإسم الجلالة الجمهور على أنه علم على الذات الواجد الموجود الموصوف بالصفات المستحق بجميع المحامد الخالق للعالم فهو ذال عليه جامعة لمعاني أسماء الله تعالى الحسنى وما سواه خاص بمعنى فلذلك تضاف إليه جميع أسماء الله الحسنى فيقال الرحمن من أسماء الله تعالى ولا يضاف هو لشيء فافهم وهاذا الاسم الشريف
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه أجل من أن يذكر له اشتقاق
رأى الخليل في المنام فقال اغفر لي وذكر لي كرامة عظيمة فقيل له بم قال بقولي إن اسم الجلالة أعرف المعارف وقيل إنه اسم الله العظيم الأعظم عند المحققين .
وعدم استجاب الدعاء به عاجلا لعدم استجماع شروط الدعاء وقد ذكر في القرآن الحكيم في ألفين وثلاثة مائة وستين وأعظميته باعتبار مدلوله الذي هو الذات العلية أو باعتبار تأليف فافهم
وقيل إن إسم الله الأعظم الحي القيوم كما اختاره النووي وتبعا للجماعة
وقيل إن إسم الله الحي القيوم كما أختاره هو ذي الجلال والاكرام وقيل غير ذلك ولما سئل أبو زيد البسطامي رضي الله عنه قال ليس له حد محدود إنما هو فراغ قلبك لوحدانيته فإذا كنت كذلك فافزع إلى أي إسم شئت فإنك تشير به إلى المشرق والمغرب
وإسم الجلالة هو سلطان الأسماء كلها عند العارفين كما قال الشيخ رضي الله عنه ومتعنا بحتاته وله شرف زائد على الأسماء وذلك انك لو حذفت اللام وجمعت قلت له ( اله ) وإن حذفت اللامين قلت ( اه ) وهو إسم شريف وإذا سقطت اللام والهاء قلت ( آه ) وهو إسم شريف عظيم سرياني وإذا سقطت الألف واللام وهو اسم ناطق جامع لمعاني الذات وشمائل الأسماء والصفات كما سيأتي إنشاء الله للإسم الشريف تعني إسم الجلالة خواص كثيرة ومنافع شهيرة منها من دام عليه بلفظ الله الله الله حصلت له الخشية وأورثه البكاء من خوف الله في الحين .
ومنها شفاء الأسقام والأمراض تكتبه بعدده ستة وستين مرة وتسقيه لأي مريض شئت فإنه يشفى بإذن الله
ويكتب أيضا للجميع ويشرب بعد أن يمحى وإن أردت حرق جن فاكتب حروفه في خرقة زرقاء وأحرق طرفها وشمه له فإن أردت حرقه أو قتله حصل
وقال بعض السلف من كتب الله الله الله في إناء مكور بحسب ما يسع الإناء ورش به المصروع احترق شيطانه
وقال بعض العارفين لقد امرت ذلك برجل كان له غلاما يصرع منذ أربعة وثلاثين سنة وأعياه أمره فاعتكف ثلاثة أيام فكتبه ورش به عليه فاحترق عارضه ولم يعد إليه
وهو إسم الكمال وبه تذهب العلل ويأتي مزيد من هاذا الفن عند قول الشيخ رضي الله عنه قل هو الله
فقد ذكرنا ما يتعلق به الغرض والله المستعان
وأما الرحمان الرحيم إسمان بنيا للمبالغة من رحم كالغضبان من غضب والعالم من علم وقد قالوا الرحمن إشارة إلى نعمة الايجاد والرحيم إشارة نعمة الامداد
وفي معناهما أقوال ثلاثة وقد بسط تعالى بسائط الوجود على ممكنات لا تحصى ووضع عليها من موائد كرمه ما لا يتناهى وفي الحديث يد الله تسبح الليل والنهار أريتم
ما أنفق منذ خلق السماوات والارض فإن ذلك لم ينقص من خزائنه شيئا وبهاذا تعلم ان جملة البسملة انه لا يستعان ولا يتبرك إلا بذكر اسم الله إن الذات الذي هو واجد الوجود المعبود الحقيقي ما في النعم كلها عاجلها وآجلها خفيها جليها ورقيها فضلا منه ورحمة فإذا تحقق العبد أنه الرحمن الرحيم لا غيره قصرالنظر عليه وتعلق ولازم الافتقار والاضطرار إليه في جميع الحالات وعموم اللحضات إذ هو المنعم بكل الانعام الدنيا والآخرة
ولهاذا كثرت فوائد البسملة وخواصها قال المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير
لما نزلت البسملة اهتزت الجبال لنزولها وقالت الزبانية من قرأها لم يدخل النار وهي تسعة عشر حرفا على عدد الملائكة الموكلين بالنار
ومن أكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوي والسفلي
وهي التي أقام بها ملك سليمان عليه السلام وألآن بها الحديد لسيدنا داوود عليه السلام قال الله تعالى ( ولقد آتينا داوود وسليمان علما ) الآية :
قال الجنيد أي علمناهما
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال بعضهم وألزمناهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وهي بسم الله الرحمن الرحيم
قال القشيري إذا قرأ هذا اللفظ إسماع أهل المعرفة لم تذهب فهومهم ولا علومهم إلى معنى غير وجوده سبحانه وتعالى فإذا قال بلسانه الله أو سمع بأذنه الله شهد بقلبه الله فكما لا تدخل هاذه الكلمة على معنى الله لا يكون شهرة قائلها إلا الله فيقول بلسانه الله ويعرف بقلبه الله ويعلم بفؤاده الله ويحب بروحه الله ويشهد بسره الله ويتعلق بظاهره بين يدي الله تعالى
ويقال البسملة ربيع الأحباب وأزهارها لطائف الوصلة وانهارها زوائد القربة فمن سمع بسم الله دهشه في كشف حاله ومن أسمعه الرحمن الرحيم عيشه بلطف إفضاله
وقال في كتب عظة الألباب
الباء من بسم الله بهاؤه والسين سناؤه والميم مجده وعلاه
وقيل الباء بابه والسين سلامه والميم انعامه وقيل الباء بركته والسين ستره والميم معرفته وفي عين الله علام الغيوب الرحمن كشاف الكروب الرحيم غفار الذنوب الله مجيب الدعوات الرحمن منزل البركات الرحيم يعفوا عن السيئات
وقال صلى الله عليه وسلم أول ما نزل بسم الله الرحمن الرحيم في الغيم من المشرق إلى المغرب وسكنت الريح واصغت البهائم بأذانها ورجمت الشياطين بالشهب
وأقسم الله بعزته لا يسمى إسمه على مريض إلا شفاه الله
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما ولا على شيء إلا بارك الله عليه وقال سيدنا علي رضي الله عنه لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم ضجت الجبال حتى كنا نسمع دويها حتى قال الكفار سحر محمد
وقال صلى الله عليه وسلم ما من مومن يقرأها إلا سبحت له الجبال لكنه لا يسمع
وقال صلى الله عليه وسلم
لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم وبينها وبين إسم الله الأعظم كما بين العين وسوادها
قال النسفي لما قتل قابيل أخاه هابيل أشتد ذلك على آدم عليه الصلاة والسلام فأوحى الله إليه قد جعلت الارض طوعا فقال يا أرض خديه فلما همت به قال قابيل يا ارض بحق بسم الله الرحمن الرحيم لا فقال الله تبارك وتعالى يا ارض خلي عنه
قال بعضهم الخلق ثلاثة ظالم لنفسه ومقتصد وسابق للخيرات
والأسماء في بسم الله الرحمن الرحيم ثلاثة الله للسابقين والرحمان للمقتصدين والرحيم للظالمين
أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام اني أكرمت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثة اسماء قال يا رب وما هن بحق هذه الاسماء قال بسم الله الرحمان الرحيم وكان عنده رجل أعمى فقال يا رب بحق هذه الاسماء رد علي بصري فرد الله عليه بصره في الحال
وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله الرحمن الرحيم فإن الحفظة يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل وتفرغ وإذا غشيت أهلك فقل بسم الله الرحمن الرحيم فإن الحفظة يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل فإذا حصل لك ولد من تلك الوقعة كتب لك من الحسنات بعدد أنفاس ذلك الولد وبعدد أنفاس اعقابه
يا أبا هريرة إذا ركبت دابة فقل بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله يكتب لك بعدد كل خطوة حسنة
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة
وعن علي ابن أبي طلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله دار في الجنة يقال لها دار النور كل شيء خلقه الله فيها من نور وهي في الهواء ليس لها طريق قيل يا رسول الله كيف يصعدون إليها قال يقال لهم قولوا بسم الله الرحمن الرحيم فيطيرون لها
قال النسفي إذا كتب السيد على عبده كتابا عرف رضاه سيده وسخطه من عنده أن كتابه والله سبحانه جل وعلا جعل عنوان الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ولم يقل بسم الله الجبار القاهر فاعلم بذلك رضاه
قال الغزالي في جواهر الشعراء لما ابتدأ الله تعالى كتابه بالحمد لله رب العالمين علم أن النفوس ترهب من ذلك فعقبه بقوله الرحمن الرحيم ليجمع صفاته بين الرهبة منه والرهبة إليه
زاد القرطبي فيكون اعون على طاعته
قال الضحاك في الفرق بين الرحمان الرحيم الرحمان بأهل السماء والرحيم بأهل الأرض
وقال عكرمة الرحمان برحمة واحدة والرحيم بمائة رحمة
وقال المبارك الرحمان إذا سئل أعطي والرحيم إذا لم يسئل غضب
وفي تفسير القرطبي الرحمان لمن آمن والرحيم لمن تاب
وفي تفسير الرازي الرحمان يخلق ما لا يقدرعليه العبد والرحيم يخلق ما لا يقدر العبد على جنسه
وقال النيسابوري وغيره الرحمان خاص اللفظ فلا يسمى به غيرالله عام المعنى لأنه خلقه برزقه والرحيم عام اللفظ لأنه يطلق على غيره وخاص المعنى بالاخرة فلا يرحم إلا المومنين
وفي الكشاف للزمخشري وتبعه غير واحد ما نصه في الرحمان من البلاغة ما ليس في الرحيم ولذلك قال رحمان الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ويقولون أن الزبانية في المبنى لزيادة المعنى
وقال السير في حواشيه المبالغة ما بحسب شموله الدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما في الاثر الذي رواه وآما باعتبارجلالة النعم وذقتها كما أختاره في التسمية والمراد أن في الرحمان مبالغة في معنى الرحمة ليس في الرحيم فيقصد به الرحمة زائدة بوجه ما لا ينافيه ما يروى من قولهم يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما بجواز حملها على الجلائل والدقائق .
قال بعض العارفين الرحمان من الرحمة ومرجعها لصفة ذاته إن فسرت بإرادة الإنعام أو بصفة فعليه إن فسرت بإعطاء جلال النعم دقائقها .
قال الشيخ زروق رضي الله عنه تصاريف هذا لإاسم أي الرحمان كلها دائرة على الرحمة فالتعلق به يقتضي الأنس والرجاء والدلائل وفيه سر جميع الصفات اجمع كل المعاني فقد رأيت في المنام يقال لي كل إسم جمع معاني الأسماء فهو الأعظم وذلك في جملة الأسماء سبعة أو ثمانية منها العظيم وليس منها الرحمان فلما انتبهت تأملت ذلك بالدلائل بوحدته صحيحا وعرضته على شيخنا أبي العباس الحضرمي رضي الله عنه فتبسم كالفارح والتقرب بهاذا الإسم على وفق مقتضاه وذلك بثلاثة النظر للاستماع الرحمة وتظاهرها وذلك يقوي الإيمان واستمطار الرحمة منه تعالى بأسمائها كالتوبة والإنابة والنظر إلى كافة الخلق بعين الرحمة
ومن فضائل
بسم الله الرحمان الرحيم
كانت للنمروذ بالدال المعجمة بنت صغيرة فقالت يا أبت دعني أنظر إلى إبراهيم الخليل في النار فوجدته سالما فقالت كيف لا تحرقك فقال من كان على لسانه بسم الله الرحمان الرحيم وفي قلبه المعرفة لا تحرقه النار فقالت أريد الدخول عندك فقال قولي لا إ له إلا الله إبراهيم رسول الله فقا لت فصارت النارعليها بردا وسلاما فلما رجعت إلى أبيها أخبرته بذلك فأسرها بالرجوع عن دين إبراهيم فلم ترجع فعذبها عذابا شديدا فآمر الله سيدنا جبرائيل عليه السلام فأخذها ووضعها عند إبراهيم ثم زوجها بولده فولدت له عشرين نبيا
قال النسفي إذا احتضر العارف نزل عليه ملك الموت من قبل وجهه فيدفعه الذكر فيأتي من قبل يديه فتدفعه الصدقة فيأتي من قبل رجليه فيدفعه المشي لصلاة الجماعة فيقول له الله تعالى خذ تفاحة من الجنة فيأخذ تفاحة عليها
بسم الله الرحمان الرحيم فيقول له الله أكتب إسمي على كفك واراه اياه فكتب بسم الله الرحمان الرحيم فإذا رآته روح المومن طارت شوقا إلى ربها
وفي رواية تقول الروح لملك الموت أنت أسكنتني في هذا الجسد فيقول لا يخرجني إلا الذي أسكنني فيه فيقول أنا رسوله فيقول إيتي بعلامة فيقول الله تعالى خذ تفاحة من الجنة فيأخذ تفاحة عليها بسم الله الرحمان الرحيم
فإذا رأتها طارت شوقا إلى الجنة
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم إنه كان يهوديا يحب يهودية ترك الأكل والشرب فشكا حاله إلى الشيخ عطاء الأكبر فكتب بسم الله الرحمان الرحيم وأمره ببلعها فابتلعها فقال يا شيخ المسلمين قد أطلع الله على قلبي نورا انساني المرأة وأحبني الإسلام أنا اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله
فسمعت المرأة بذلك فجآءت للشيخ وقالت يا إمام المسلمين أنا تلك المرأة وقد رأيت في المنام قائلا يقول فإن أردت الجنة فاذهب إلى الشيخ عطآء فقال لها قولي بسم الله الرحمان الرحيم فناداها مناديا قارئة بسم الله الرحمان الرحيم قد أعطاك الله ما رأيت فانتبهت وقالت يا رب أدخلني الجنة ثم أخرجني منها أسئلك بحق بسم الله الرحمان الرحيم ان تعيدني فيها فسقطت ميتة
قال النسفي تأخذ الزبانية غدا يوم القيامة عبدا فيقول لهم ردوه فينظر إلى أعظائه فلا يوجد فيها خيرا فيقول اخرج لسانك فإذا عليه بخيط أبيض بسم الله الرحمان الرحيم فيقال له اذهب فقد غفرت لك
قال ابن مسعود من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقل بسم الله الرحمان الرحيم
لأن حروفها تسعة عشر
وقال غيره كلماتها أربع والذنوب أربع ذنوب الليل والنهار والسر والعلن فمن قالها كفر الله عنه الذنوب الأربعة
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ستر بين عين الجن وعورات بني آدم إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا بسم الله الرحمان الرحيم
قال الفخر الرازي الإشارة في ذلك إذا صار هاذا الإسم حجابا لك من أعدائك في الدنيا أفلا يصير حجابا بينك وبين الزبانية
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم إن سيدنا عيسى عليه السلام مر برجل يصطاد حية عظيمة فقالت يا نبي الله قل له إن لي سما قاتلا فنهاه عنها فلم يرجع ثم بعد ذلك مر بها سيدنا عيسى عليه السلام فقالت يا روح الله ما غلبني بقوة ولا كن غلبني باسم الله الرحمان الرحيم فابطل سمي
قال النسفي لما نزلت بسم الله الرحمان الرحيم على آدم عليه السلام قال الآن آمنت على ذريتي من العذاب فلما مات أرتفعت
ثم نزلت على سيدنا نوح عليه السلام فنجا بها من الغرق ثم أرتفعت بعد موته
ثم نزلت على إبراهيم فصارت بردا وسلاما ثم على سيدنا موسى عليه السلام فسلم من البحر ثم أرتفعت فنزلت على سيدنا سليمان عليه السلام فاستقام ملكه ثم نزلت على سيدنا عيسى عليه السلام فأوحى الله إليه قد أنزلت عليك آية الأمن فلما رفعه الله ارتفعت ثم نزلت على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحية من يوم نزلت إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة يأخذ المومن كتابه بيمينه ويقول بسم الله الرحمان الرحيم فإذا هو أبيض لا شيء فيه فيقال إنه مملوءا بالسيئات ولكن محته بسم الله الرحمان الرحيم
وقال القرطبي البسملة من خصائص هاذه الأمة
سئل سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه عن قول القرطبي وغيره من الأئمة الأعلام ان البسملة من خصآئص هذه الأمة مع أنه ورد إنها نزلت على الأنبياء كما تقدم فقال رضي الله عنه معنى" التخصيص " أن هاذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا قد خصها الله بقرآة بسم الله الرحمان الرحيم وبفضلها وسرها إلا أن ترفع منهم إلى يوم القيامة بخلاف نزولها عن الأنبياء من قبل فإنها خاصة بهم وترفع بموتهم ولا يبقى ذكرها أصل في أممهم وهذه عناية من الله لنبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وفي تفسير الرازي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بئاية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داوود غيري قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بسم الله الرحمان الرحيم قال الرازي اجمع العلماء على أنه يستحب أن لا يشرع في عمل من الأعمال إلا ويقول بسم الله الرحمان الرحيم حتى القابلة إذا أخذت الولد تقول بسم الله الرحمان الرحيم فإذا خرج من ظلمة الأحشاء وفي ظلمة المشيمة وظلمة الرحم حكاه البغوي
والبسملة قرائة أهل السموات السبع وأهل سراديقات ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم أنه لما أرسل سيدنا سليمان عليه السلام الهدهد إلى بلقيس قالت له الطير كيف تذهب وحدك فقال من كان معه بسم الله الرحمان الرحيم لا يضام فوضع الله على رأسه ثاجا إلى يوم القيامة فمر على أربعة الف صياد يرمون بالنبل وكانوا لا يخطون
ولما كتب سيدنا سليمان إلى بلقيس بسم الله الرحمان الرحيم آلا تعلوا علي واتوني مسلمين أعطاه الله ملكها زيادة على ملكه وكانت تحت يديها إثني عشر ألف قائد تحت يدي كل قآئد مائة ألف مقاتل ولها عرش عظيم وهو السري طوله ثمانون ذراعا وعرضه كذالك وارتفاعه في الهواء كذالك قاله مقاتل رضي الله عنه ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم كما في شمس المعارف من كتب البسملة ستة مائة مرة وحملها رزقه الله الهيبة في قلوب عباده
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم أنه لما أمرالله سيدنا موسى عليه السلام إلى فرعون وتمادى في طغيانه فدعا عليه مرة فقال الله تعالى يا موسى أنت تنظر في كفره وأنا أنظر إلى ما هو مكتوب في باب قصره قبل أن يدعوا الألوهية انتهى
قلت فلذلك وصفه الله بالمقام الكريم قال الضحاك وكان سيدنا نوح عليه السلام إذا قال بسم الله مجريها جرت السفينة وإذا قال مرسيها رست
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا السفينة أن يقولوا بسم الله الرحمان الرحيم وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون بسم الله مجريها إن ربي لغفور رحيم
وقال ابن الجوزي عن الحسن البصري مامن عبد يدفن إلا دخل عليه ملك في قبره معه دواة وقرطاس وقلم فيقول أكتب عملك فيكتب عمله وإن كان غير كاتب فإن كان من أهل السعادة فأول ما يجري القلم بسم الله الرحمان الرحيم فيأمن من عذاب القبر
وقال بعض الصالحين دخل علي أخي وهو سكران فضربته فرجع ووقع في الماء فغرق فدفنته ثم رأيته تلك الليلة في المنام في الجنة قلت له تموت سكران وأنت في الجنة فقال نعم لما خرجت من عندك رأيت ورقة فيها بسم الله الرحمان الرحيم فابتلعتها فلما دخل علي منكر ونكير فقلت تسئلني وإسمه في بطني فنادى مناد صدق عبدي قد غفرت له
من فضائل بسم الله الرحمان الرحيم انه كان بمكة رجل صائم الدهر ولم يره أحد لا يأكل ولا يشرب غير أنه يخرج ورقة عند إفطاره فينظر إليها فلما مات أخرجها الغسال من جيبه فوجد فيها بسم الله الرحمان الرحيم فتعجب من ذلك فهتف به هاتف لا تعجب من ذلك فأنا بالبسملة ربيناه وبالرحمانية غفرنا له والرحيمية وفقناه
وقال ابن عطاء في إسمه الرحمان عون ونصرة وفي إسمه الرحيم محبة ومودة
ومن فضآئل بسم الله الرحمان الرحيم لبكاء الأطفال مع قوله تعالى هاذا يوم لا ينطقون وخشعت الأصوات للرحمان اليوم نختم على أفواههم
وقال النسفي خلق الله القلم من ذرة بيضاء طوله خمسمائة عام فنبع منه النور كما ينبع المداد من قلم الدنيا ثم أمره أن يكتب بسم الله الرحمان الرحيم فكتبها سبعمائة عام فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي من قالها من أمة محمد مرة واحدة كتب الله له ثواب سبعمائة عام
فانظر يا أخي لهذه الفضيلة التي خص بها هاذه الأمة المحمدية
وقال النسفي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم رءا ليلة المعراج قبة من ذرة بيضاء لها باب من ذهب وقفل من ذهب لو ان الإنس والجن جلسوا على تلك القبة لكانوا كالطير على رأس جبل فأراد أن يخرج منها فقيل له لم لم تدخلها فقال لأنها مقفولة فقيل مفتاحها معك وهو بسم الله الرحمان الرحيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمان الرحيم فانفتح فرءا فيها أربعة أنهارنهرمن ماء غيرآسن أي غيرمتغير يخرج من ميم بسم
ونهر من لبن لم يتغيريخرج من هاء الجلالة
ونهر من خمر لذة لشاربين يخرج من ميم بسم الرحمان
ونهر من عسل مصفى يخرج من الرحيم فقال الله تعالى يا محمد من ذكرني بهذه من أمتك بهاذه الأسماء أسقيته من هذه الأنهار الأربعة
ومن فضائل بسم الله الرحمان الرحيم إن زليخا لما غلقت على يوسف سبعة أبواب وهرب منها قال على كل باب بسم الله الرحمان الرحيم فانفتح
وقال سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه والله العظيم لقد حدثني سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال والله العظيم لقد حدثني جبريل وقال والله العظيم لقد حدثني ميكائل وقال والله العظيم لقد حدثني إسرافيل وقال قال الله تعالى وعزتي وجلالي وجودي وقربي من قرأ بسم الله الرحمان الرحيم متصلة بالفاتحة مرة واحدة أشهدكم اني قد غفرت له وقوبلت منه الحسنات وتجاوزت عن السيئات وقال بعض العارفين جميع ما في الكتب المنزلة في القرآن العظيم وجميع اسرار القرآن العظيم في الفاتحة وجميع ما في الفاتحة في البسملة وجميع ما في البسملة في الباء وجميع ما في الباء في نقطتها المنطوية عن كل الحقائق والدخائر محتوية وفيها إشارة إلى نقطة التوحيد التي عليها مدار سلوك أهل التفريد ومعناها بي كان ما كان وبي يكون ما يكون
ولا شك ان البسملة كلمة قدسية من كنزالهداية وخلعة الربوبية من خلع الولاية ووصلة قريبة لأهل العناية ورحمة خاصة لأهل الجناية
وفي الكتاب المسمى بحر العلوم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمان الرحيم هي أم القرآن هي السبع المثاني وذلك لاشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن ان الغرض الأصل منه الإرشاد إلى معرفة المبدإ والمبعاد وما بينهما من دار التكليف مع ما فيها من الثناء والندا على كمال ذاته وعظيم صفاته وجميع نعمائه التي تقاصدت النفوس عن وصفها وتضائت العقول دون بيانها مما وصل إلى العباد في الدنيا وأعد في العقبى من النعم التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأجلها النظر إلى وجهه الكريم جعلني الله وإياكم من أهل يمنه وفضله
وأما اتصال بسم الله الرحمان الرحيم مع لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فقد ورد فيه أحاديث كثيرة أخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن سيدنا علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا علي إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله يصرف بها ما يشاء من البلاء قلت والورطة بفتح الواو وسكون الراء " المصيبة " قال في الذر عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم صرف عنه سبعين بابا من البلاء أدناها الهم والغم
وأخرج إبن السني في عمل اليوم والليلة عن سيدنا علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا علي إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله يصرف عنك ما شاء من البلاء
وقال في الذر عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم صرف الله عنه سبعين بابا من البلاء أدناها "الجذام "الهم والغم
وقال العلامة سيدي عبد الرحمان الحبشي في الباب السادس من كتاب البركة له وجدت في كتاب مكنون الجواهر وحرز القطين والمسافر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح بسم الله الرحمان الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويدفع الله عنه إثنين وسبعين من البلاء أدناهاالجذام والبرص ويوكل الله به سبعين ملك يستغفرون له إلى الليل ولأجل هذا الخير الكثير والفضل العظيم
أمر بها سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه في الوظيفة أمر بها عشرا قد أجاب رضي الله عنه وأرضاه وسئل رضي الله عنه لماذا قدمتم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم على غيرها من أذكارحتى وظيفتكم فقال رضي الله عنه إن العارفين إذا أرادوا أن يذكروا تهيؤا باتخاد نجباء من لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكونها ليلا يقع منهم افتخار وإذا افتخروا قيل لهم الفخر حقيقة لا للراكب لأن المركوب هو الذي يقطع بكم المفاوز والبراري فقلت هل اتخذتها من سبحان الله قال لا لأنها من خصائص التجلي فقلت ومن قول الحمد لله قال لا لأنه من خصائص الوصول فقلت من قول لا إله إلا الله قال لا لأنه من خصائص الدعاوي قلت من قول الله أكبر قال لا لأنه من خصائص المفاضلة وانما تعين اتخادها من لا حول ولا قوة إلا بالله لأنها من خصائص الأعمال فعلا وقولا ظاهرا وباطنا فإذا ركبوها متبرئين من حولهم وقوتهم فقد آمنوا لأنهم صاروا يقولون لا إله إلا الله بها وسبحان الله ونحو ذلك قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه إذا تأملت هاذا بان لك أن العارف لم يكن له قول ولا فعل حتى يدخله العجب فيه أو يطلب الجزآء عنه لأنه عارف انها من خالقها .ثم اعلم ان إخلاص كل عبد أعماله على حسب رتبته ومقامه فاما من كان من الأبرار فمنتهى درجته اخلاصه ان تكون أعماله السالمة من الريآء الجلي والخفي وقصد موافقة الهوى النفسي طلبا لمن وعد الله المخلصين من جزيل الثواب وحسن المئاب وهربا عما أوعد الله المخلصين من أليم العقاب وسوء الحساب وهاذا من التحقق بمعنى قول اياك نعبد أي لا نعبد إلا اياك ولا نشرك في عبادتنا غيرك
وحاصل أمره أنه إن أخرج الخلق عن نظره بالأعمال بره مع بقآء رؤيته لنفسه في النسبة إليها والاعتماد عليها وأما من كان من المقربين فقد جاوز هاذا إلى عالم رؤيته لنفسه في عمله فإخلاصه إنما مشهود انفراد الحق بتحريكه وبسكينة من غير أن يرى لنفسه في ذلك حولا ولا قوة ويعبر عن هاذا المقام بالصدق الذي يصح به مقام الإخلاص وصاحب هاذا مسلوك به في سبيل التوحيد واليقين وهو من التحقق بمعنى قوله تعالى اياك نستعين أي لا نستعين إلا بك لا بأنفسنا وحولنا وقوتنا فعمل الأول هو العمل لله وعمل الثاني هو العمل الثاني فالعمل لله يوجب المثوبة والعمل بالله يوجب القربة والعمل لله يوجب تحقيق العبادة والعمل بالله يوجب تصحيح الارادة والعمل لله نعث كل عابد والعمل بالله نعث كل قاصد والعمل قيام بأحكام الظواهر والعمل بالله قيام بالضمائر وهذه العبارات كل للإمام ابي القاسم القشيري رحمه الله وبها يتبين الفرق بين المقامين وتبيانها في الشرف والجلالة فإخلاص كل عبد هو روح عمله فبوجود الإخلاص يكون حياتها وصلاحها للتقرب بها ويكون فيها اهليه عدم وجود القبول لها وبعدم ذلك يكون موتها وسقوطها عن درجة الاعتبار وتكون إذ ذاك اشباحا بلا أرواح وصور بلا معاني قال بعض العارفين صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبني من الحول والقوة
مكتوب في الثوراة من قال في شعبان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
كتب الله له عبادة ألف سنة ومحا عنه ذنوب ألف سنة وخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقا .
وفي العهود المحمدية اخد علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجوا من ربنا الوفآء إليه أن نخلص النية لله في علمنا وعملنا وسائر أحوالنا من سائر الشهوات حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا على ذلك ثوابا وان حضر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل قال تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) الآية : قال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفيك العمل القليل وقال صلى الله عليه وسلم طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل كربة
وروى الطبراني مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان آخر الزمان صارت أمتي ثلاث فرقة فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله خالص وفرقة يعبدون الله لياكلوا به أموال الناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وارضاه انظر إلى هذه الفرق تعلم نفسك من أي ولا يغرنك ما ورد في حق العلمآء أو في حق إنما هو في حق المخلصين إليه وإياك والذل فافهم
قلت لسيدنا الشيخ رضي الله عنه وارضاه لماذا أمرتم السالك بالبسملة والحموقلة أولا فهلا أمرته بلا إله إلا الله من أول أليس انها أفضل وجوه الذكر
فقال رضي الله عنه في ذلك إشارة لدفع الدعاوي الظاهرة والباطنة التي هي أخفى من ذبيب النمل وأعظم المعاصي لأن المذنب يعلم أن له ذنبا ربما يتوب فيتوب الله عليه وأهل الدعاوي يحسبون أنهم على شيء فيموتون على أحوالهم فلا يهتدون إلى التوبة فإذا خرج السالك عن حوله وقوته وعلم أن عمله بالله كان مدده على الله ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هي ركن الاعتصام ولها ثلاثة درجات
الأولى توحيد الأفعال الثانية توحيد الصفات بحسب تعلق الأفعال بها الثالثة اضمحلا كل ما سوى الله فيكون العبد بالله وفي ذلك الغنى الأبدي ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كنز من كنوز الجنة
من خصائصها ان رجل أراد أن يتزوج نبنت عمه فلم يقبل أبوها وزوجها بغيره فمات ليلة الزفاف ثم زوجها غيره إلى الرابع فخطبها ابن عمها فتزوجها فلما أراد الدخول بها جاءه رجل من أهل الجن وقال تقاسمني وإلا قتلتك كالماضي فقال له قهرا نعم فقال لي الليل ولك النهار فرضي زوجها ثم قال الجن ان الليلة ان استرق السمع ولا بد من ركوبك على جناحي فلم يجد مخلصا منه فركب على جناحه حتى لصق السماء فسمع الملائكة تقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهرب الجني حتى لصق بالارض ثم دخل الجني على المرأة فقال الرجل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فاشتعل الجن نارا ولم يصل إلى المرأة ذكر هاذه الحكاية الإمام النسفي رحمة الله عنه وقال أيضا هو وغيره من الائمة لما خلق الله تعالى العرش خلق ملك من نور وأعطاه قوة سبع سموات وخلق ملكا من الرحمة وأعطاه قوة سبع أراضين وخلق ملكا من الريح وأعطاه قوة الريح وخلق ملكا من الماء واعطاه قوة الماء ثم أمرهم أن يحملوا عرشه فوقفوا تحته سبعين ألف عام فلم يقدروا على رفعه حتى كان العرق منهم كالأنهار ثم زادهم قوة فلما علم عجزهم قال لهم قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما قالوها حملوه بقوته سبحانه وتعالى
ومن فضائلها ان بعض الملوك قصد مدينة كرخ بثمانين ألف قيل فخرج أهلها لقتالهم فلم يستطيعوا من الفيلة فقال كبيرهم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فهربت الفيلة وقطعت السلاسل وانتصروا على عدوهم بإن الله تعالى
وكان رجل من أصحاب ابن أدهم يتعبد في غرفة ليس لها درج ولا سلم فكان يجيء إلى باب الغرفة ويقول
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ويمر في الهوآء ثم يتطهر ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويعود إلى غرفته قالوا ولهاذه الكلمة ثأثير عظيم في معانات الاشتغال المحبة وتحمل المشاق وفي الدخول على من يخاف شره
وقال النيسابوري عن طاووس اليماني رضي الله عنه من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ووقي سبعين بابا من السوء
وقال صلى الله عليه وسلم من قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كل يوم مائة مرة لم يصبه فقر أبدا
وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من غراس الجنة قيل وما غراسها قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم رواه الطبراني
وفي الجامع للسيوطي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها تدفع تسعة وتسعون بابا من الضر أدناها الهم والغم .
اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ذوي القدر العظيم عند الله عدد كل نفس ولمحة وما وسعه علم الله
استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم واتوب إليه
قال القسطلاني عن البخاري رضي الله عنهما الاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو البأس من الشيء مما يصونه من الدنس " ومنه قيل اغفر ثوبك الوعآء فإنه اغفر للوسخ الغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب ومن يغفر الذنوب جميعا
ففيه تطيب النفوس للعبادة وتنشيط التوبة وبعث عليها ورع للناس من القنوط وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التآئبين واشعار بأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكلمه اعظم وفي اسناد غفران الذنوب إلى نفسه المقدسة سبحانه وإثباته لذاته المقدسة بعد وجود الاستغفار ويتصل عبده دلالة على وجود ذلك قطعا بحسب الوعد الذي لا خلف له
روى الترميدي عن ابي سعيد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعدد ورق الشجر وعدد الرمال وعدد أيام الدنيا والحي القيوم يحرز نصبها عن الصلة لله أو مدحا والرفع بدلا من الضمير أو خبر مبتدأ محدوف على المدح قاله الطيب في شرح الحصن الحصين
قال الفضيل ابن عياض معنى استغفر الله " اقلني يا الله
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد إلا وله كل يوم صحيفة فإذا طويت وليس فيها استغفار طويت وهي سوداء مظلمة وإذا طويت وفيها استغفار طويت ولها نور يتلألأ قال قاله النسفي وقال صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته كثيرا من الاستغفار رواه ابن ماجة
وروى البيهقي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن تصره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار
وروى أبو داوود والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب
وروى البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد ولا امة يستغفر الله في كل يوم وليلة سبعين مرة إلا غفر الله له سبعمائة ذنب وقد خاب عبدا وامة عمل في كل يوم وليلة أكثر من سبعمائة ذنب
أصل اللهم يالله بحذف مضاف حرف الندا وجعل بدلا منه قال الشيخ ابو مدين المغربي إحدى الثلاثة ورئيس الأوتاد الذي كان يختم القرآن في اليوم سبعين ألف ختمة هذا الإسم هو الله فهو الإسم الأعظم الذي هو رأس الأسمآء وإليه يرجع كل معنى وهو المنزه المتبوع الذي به ظهرت المخلوقات وعليه أسست الأرضون والسموات وعنه صدرت الأسمآء والصفات والمصنوعات باسرها من العرش إلى الثرى تشهد بأنه موجدها وما من ذرة في الأرض ولا في السموات ولا رطب ولا يابس إلا هو معها سبحانه
فقول الشيخ رضي الله عنه اللهم توجب المطلوب وطلب لحصول المرغوب بالتوسل بالإسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي
ولفظ بصيغة حذف فيها يا الندا المتصلة بوجود البينونية المعنوية النفسانية إذا حذفها يقتضي ذلك فافهم
ولا شك أن سيدنا الشيخ رضي الله عنه أقامه حين خاطبه بهذه التولية مقام ضمير غائب عن الفرق والتعويض من يآء الندا في لفظ الجلالة يقتضي قوة الهمة في الطلب والجسم وقد أتى بهذا الإسم الأعظم في أول الأدعية غالبا لأنه جامع لمعاني الأسمآء الشريفة وهو أصلها بعد الاسم الشريف الذي هو كما سيأتي إن شآء الله تعالى جميع أسمآء الله تعالى راجعة إليه
قال الإمام أبو رجآء العطاردي رحمه الله في قولك "اللهم" تسعة وتسعون إسما من أسمآء الله تعالى
وقال النظر ابن شميل رحمه الله الميم في قولك"اللهم" بمنزلة ميم الجمع فإذا قلت اللهم فكأنك دعوت الله بأسمآئه كلها
فعلى هاذا من دعا وتوسل بها أجاب الله دعائه وحقق رجاؤه ولذلك قال الحسن ابن ابي الحسن البصري رضي الله عنه
في قولك اللهم جميع الدعآء
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
صل طلب من الله تعالى ودعآء أن يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم والصلاة من الله تعالى على نبيه زيادة وتشريف وتكرمة وإنعام ورحمة من الملائكة استغفار ومن العباد دعاء والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم من العبيد وسيلة للقرب منه صلى الله عليه وسلم كما جعلت هدايا الفقراء إلى الأمراء وسائل يتقربوا بها إلى ما عندهم وليعوذ نفعها إليهم ولا يضن ضان أن الصلاة من العبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تقربه إلى الله زلفى ويضن أنه المتسبب فيها لأنه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الله لا يحتاج إلى صلاة غيره
وانما شرعت تعبدا لله وقربا إليه صلى الله عليه وسلم
ففي ضمنها يا عبادي إن تريدوا قربي والوصول إلى حضرتي ونيل رضواني فاعرفوا قدر عبدي ورسولي محمد واجعلوه شفيعا ووسيلة بيني وبينكم بأن تصلوا عليه وتقدموا بين يديكم هدية الملوك ولا يليق إلى بجلالي إلى الصلاة على عبدي وحبيبي وصفيي من خير خلقي فإن سمعت صلاتكم عليه فتحت لكم أبواب رحمتي وأصبغت عليكم نعمتي وأبحت لكم جنتي وصليت عليكم بنفسي وقدرتي وأعطيتكم فوق ما تسئلون وبلغتكم ما لا يتمنى المتمنون
فالصلاة من العبد على سبيل التأكد لا على سبيل التأني كما هو من الله تعالى : بعد فافهم .
إذ صلاة الله تعالى على عبده وحبيبه ورسوله صلى الله عليه وسلم سبقت صلاة غيره وكيف يحتاج إلى صلاة غيرالله تعالى بعد صلاته عليه بنفسه
ولكن جعلها الله لعباده سببا إلى الوصول إلى رضاه وبابا للدخول عليه سبحانه ومعرافا للكلمات ومفتاحا لأبواب الخيرات وسببا لنيل البركات وحصول الكرمات وخوارق العادات وهي أفضل عبادة المتعبدين وهي اعظم قرب السالكين ودلائل إرادة المريدين وعلامة هدف المحبين وكهف إيواء الواصلين وهي إن اختلفت مواردها وتنوعت مصادرها فمرجعها إليه وحقيقتها منه إذ ما صلى على محمد إلا محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه على نفسه لأنها صدرت منه منهم بأمره وإذنه ووساطته من صورة اسمه فافهم
فميم إسم محمد سورة آدم عليه السلام وهاذا جاء فيما تفرع من آدم عليه السلام وبنيه فإنها بأمره صلى الله عليه وسلم ومن سورة إسمه وبالتخفيض ما صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الله تعالى إذ أنه تعالى اما صلى عليه بنفسه أو فعله مع اننا لا نلقي الوسائط في الظاهر بل نتبثها ونراها
وأما الروح النبوية عليها أفضل الصلاة والسلام فلا شك أنها أكبر الأرواح قدرا وأعظمها حجما وأصفاها إدراكا وسرا فانها تملأ السموات والأرضين ولولا أن حجبها بذاته صلى الله عليه وسلم لتدكدكت الجبال وأذابت السموات والأرض ولا كن بفضل الله صانها
الهيكل المحمدي
فسبحان من أقدرهذا الهيكل على حمل هذا السر وستره وليست قوة أرواح الأنبياء عليهم السلام كقوة غيرهم
كما أنه ليست قوة روحه صلى الله عليه وسلم كقوة أرواح الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام سر خصه الكريم به
والنرانية
بضم النون نسبة إلى النور يحتمل أن يراد به الرب سبحانه
لأنه وردت تسميته كتابا وسنة ونسب صلى الله عليه وسلم إليه تعالى لأنه نشأ من حضرته بدون واسطة مادة كما يدخل عليه حديث القبضة إن شآء الله تعالى ويحتمل أنه أراد بالنورالمحض الذي هو خلاف الظلمة ولذك كان لا يرى له ظل صلى الله عليه وسلم
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته وبحمده تعالى القديم ومعرفتهم بالمحمودية في الجانبين قال صلى الله عليه وسلم يا عمر بن الخطاب أتدري من أنا أنا الذي أشتق الله تعالى إسمي من إسمه فالله محمود وأنا محمد ولا فخر أنتهى
ولم يحكم بمثل ذلك لا حمد إذ الخلق لا يعرفون معنى الأصل ولا معنى الفرع وأيضا فالفتراق الحامدتين بالقدم والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه فعل
وما أحسن قول سيدنا حسان في هذه المعنى ومعنى ضم إسمه إلى إسم الله تعالى في التشهد أعز عليه للنبوءة خاتم من الله نور يلوح ويشهد * وضم الإله إسم النبي إلى إسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد * وشق له من إسمه ليجليه
فذو العرش محمود وهاذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم متضمن حمد الله تعالى والمقصود من الثناء على الواسطة التوسل من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة الرسالة عند ذكر الله تعالى إلا العارفون من حيث وساطته اهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أدل على محبته للملك من ثنائه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال الشيخ زروق رضي الله عنه وغيره ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعظم العبادات وأشرفها لقوة دلالتها على قوة الامتثال
فإن الملك إذا أمر كبرآء دولته بالخضوع له والتذلل بين يديه لم يتأخرأحد منهم عن ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه
وأنظر قضية إبليس في السجود بعد عظيم تعبده والاشتقاق هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم له سابقة والزيادة في الفرع لما سبق وأيضا للحكم باشتقاق محمد دون احمد إذ حامدية العبد سيده لا تتوقف على حا مدية السيد لنفسه أي لا يراعي ذلك فيها إذ من شأن العبد الخدمة بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون تابعة لمحمودية سيده فإن قيل لم بولغ في حمد دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت اما مر من حمده متضمن حمد الله ولأن محموديته لما كانت بجعل الله تعالى أحتيج للتنبيه على كمالها
قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم متمثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكروا أيضا المصلي عليه يناجي ربه وللمناجات ذكروا أيضا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون مقرونة بإسم من أسمآء الله تعالى أو صفة من صفاته وأسرار ذلك على اللسان ذكر وهذه الأوجه الثلاثة تصح لكل مصل عليه صلى الله عليه وسلم من العموم والخصوص ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذ مر على ألسنتهم ذكر النبوءة والرسالة استحضروا مع ذلك أسمآء الرسل وصفاته المعظمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك وسلسل بهم الأمر إلى استحضار أمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم إلى تعظيم أمر المرسل والمرسل به
وهاذا ذكر يطلق إليه إسم الذكر من وجوه انتهى
وفي كلام السهيلي أنه اما كان الأول في الخلق والسابق في الأحمدية شرع الابتذاء بالحمد وجآء بالفاتحة مفتتحة به وتوسط فيها أسمآء الرحمة بين العالمين وملك يوم الدين كما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة العالمين وظهور رحمته العظمى يوم الدين عند مالكه وأفتتحت بالبسملة كذلك باسم الرحمة متصلة بالحمد وبنقطة البآء التي هي أول ماخط القلم وهي مدد العوالم كما أنه صلى الله عليه وسلم مبدا العوالم ولهذا سمي بداية النقطة
وقد أشار الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه إلى ذلك وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي رضي الله عنه على حديث أن الله أعطاني خصالا لم يعطيها أحدا قبلي سميت أحمد ونصرت بالرعب
في الحديث قوله سميت أحمد فمنه نال القرآن الحمد لأنه هو الذي وصل إلى عشر الحمد من بين الرسل وكانت الرسل تحمد ربها من حق الألآء ومحمد من حق الرحمة العظمى التي بدأ منه الألآء فلذلك جعل أحق الرسل بلوآء الحمد لأن حمده أخلص وأوفر أنتهى
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته أشير إلى ذلك بخلق الإنسان على صورة إسمه دون أحمد ففي الشعب والمواهب وغيرهما أن آدم وولده أجمعين خلقوا على صورة حروف إسمه صلى الله عليه وسلم وشكل محبته وقرره أيضا الإمام البكي بما في الحديث الطويل الذي أخرجه أبو مروان الطنبي في فوآئده التي خطها بيده وأخذها عن شيوخه بمكة زادها الله شرفا بسنده عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم ياعمر أتدري من أنا أنا الذي خلق الله آدم وذريته على حروف هجآء إسمي هاكذا كانت كتابة إسمه في القديم فالرأس والوجه بمنزلة الميم واليدان إذا مددتهما بمنزلة الحآء والبطن بمنزلة الميم الأخرى فهو ولا فخر انتهى
وذكره بطوله جبر والعزفي وقال بعضهم
له إسم صور الرحمان ربي خلائقه عليه كما تراه له رجل وفوق الرجل ظهر وتحت الرأس قد خلقت يداه
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته كثر تعرفهم في حروف محمد دون أحمد فقال البكي الميم الأولى إشارة للملكوت الأعلى والحآء للحياة والحفظ الذي به وفيه كتب القلم الأسنى والميم المشددة للملكوت الباطن والملك الظاهر
والدال للدوام والاتصال الماحية لوهمي الانقطاع والانفصال وقال بعض العلمآء الميم الأولى المعرفة أعطاه الله معرفة بعلم الأولين والآخرين والحآء إحيآء الله العباد على يديه من الكفر بالإسلام
حيث قال تعالى ( وكنتم أمواتا فأحياكم ) الآية : والميم الثانية أعطاه الله مملكة لم يعط الله أحدا مثل ذلك وذلك أن شهر إسمه مع إسم الله في المشرق والمغرب والدال هو الدليل لجمع الخلق إلى الفردوس
وقيل الميم الأولى والحآء مأخذتان من مح يمح محا إذا أهلك والميم الثانية والدال مد إذا بسط فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم أهلك الكفر وبدده ومد الإسلام أي بسطه في الأرض بسطا يعبد الله في أقطارها
قال الشاعر
محمدنا مح الإله بدينه * عبادا طغوا في الأرض دينهم الكفر
ومد لنا الإسلام طرا فلم يزل * به النصر والامكان والظفر والبشر
وقيل الميم محو الكفر بالإسلام ومحو سيئات من أتبعه وقيل الميم من الله على المومنين بمحمد صلى الله عليه وسلم دل عليه قوله ( لقد من الله على المومنين ) الآية وقيل الميم منذر ومبشر وقيل ملك أمته وقيل المقام المحمود والحآء حكمه بين الخلق بحكم الله قال الله تعالى (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك) الآية وقيل حياة أمته به والثانية مغفرة الله لأمته وقيل منادي الموحدين وقيل ملك أمته به والدال هو الداعي إلى الله قال الله تعالى ( وداعيا إلى الله بإذنه) وهو دليلهم في الدنيا ودليلهم في الآخرة إلى الجنة وقيل الميم الأولى للملك الأول والثانية للثاني الأخروي والأبدي ولذا ضعفت والحآء الرحمة توسطت بينهما إشارة إلى أن الملكين يتجاذبانه ويستمدان منه والدال إشارة لدوام الملك الثاني
ثم المادحون له وان بالغوا وأكثروا متعرفون بأنهم قد قصدوا وقصدوا وكيف لا وقد افصحت آيات الكتاب العزيز في تعظيمه بما يبهر العقول وصرحت من رفيع صفاته بما لا يستطاع إليه الوصول
قال ابن الخطيب السلماني في هذا المعنى
يا مصطفى من قبل نشأة آدم * والكون لم تفتح له اغلاق
ايروم مخلوق ثناءك بعدما * اثنى على اخلاقك الخلاق
وقد تضمنت الأحاديث المتقدمة أنه صلى الله عليه وسلم السبب في وجود آدم عليه السلام وان آدم من نوره خلق ولهاذا قيل إذا لقيه آدم يقول يا ولد ذاتي ووالد معناي يشير إلى أن روحه صلى الله عليه وسلم أبو الأرواح
وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام أنا يعسوب الأرواح وقد نبه على هذا المعنى ابن الفارض في تائيته حيث قال
واني وان كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي وقال سيدي علي بن وفا رضي الله عنه
روح الوجود حياة من هو واجد * لولاه ماتم الوجود لمن وجد
وفي حديث كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وفي رواية بين المآء والطين وفي أخرى وان آدم لمنجدل في طينته أي مطروح على الجدالة " أي الأرض
وقول ابن تيمية والزركشي لا أصل له أي بهاذا اللفظ لا أنه موضوع كما توهم فإنه رواية بالمعنى وهي جائزة وليس المعنى أن النبوءة فقام به قبل خلق آدم ونفخ الروح فيه ولا بعد في هذا ولا غرابة قيل أنه صلى الله عليه وسلم سابق على سآئر الأنبيآء روحا لما مر وجسد لأن مادة جسده صلى الله عليه وسلم خلقت قبل سآئرالمواد لما روى ابن الجوزي في الوفا عن كعب الأحبار أنه تعالى لما أراد أن يخلق محمد صلى الله عليه وسلم أمر جبريل عليه الصلاة والسلام أن يأتيه بالطينة البيضاء فهبط في ملآئكة الفردوس وقبض قبضة من موضع قبره بيضآء نيرة فعجنت بمآء التسنيم في معين الجنة حتى صارت كالذرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت به الملآئكة حول العرش والكرسي والسموات والارض حتى عرفته الملآئكة قبل أن تعرف آدم عليه السلام أي عرفت روحه وعنصره
في الحديث السابق الظاهر أن المراد بها عدم الطرفين الروح والجسد " أي لا روح ولا جسد كما صرح به في رواية لآدم ولآ مآء ولا طين لأنك إذا قلت مسكني بين البصرة والكوفة علم أنه ليس بهما فأريد به لازم معناه بطريقة الكناية وليس المراد به قريبا منهما كما يقال الورد بين البياض والحمرة ومزاج بين الصحة والمرض كما قيل وليس معنى بين المآء والطين انه لم يكن مآء صرفا ولا طينا صرفا لنبو المقام عنه وعدم ملاقته لما قررنه انتهى
ذكره الشهاب رحمه الله تعالى وقد ظهر أنه صلى الله عليه وسلم وارث في حضرة الفرق والوجود الذاتي وموروث في حضرة الجمع الروحاني والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن المقصود هنا بيان سببيته في وجود الموجودات وانها لأجله خلقت والمقصود فما قبله بيان أنها مخلوقة من نوره ومقتبسة منه وهما معنيان متغايران غير متلازمين إذ لا يلزم من سببية شيء في آخر كون المسبب مقتبسا ومأخودا من السبب كالمآء والنبات وكذا العكس كضوء السراج الأول وما أخذ منه ولا شك أن المثنى على النبىء صلى الله عليه وسلم يحصل له بمدحه والثنآء عليه شرف ومزية عظيمة وإلا فمن هو حتى أطلق مدحه على لسانه وتيسر له وإذا قال في حقه سيدي ومولاي واستحضر عظيم جاهه وأقتباسه مع ذلك له وجد نفسه يتشرف ويتعذر ويفتخر وحق له واذكر هنا حكاية من قال عبد من أنا وكلام من آخر فإن النظير يذكر بالنظير
أن يكون أشار إلى أن أرواح العلمآء والعارفين والمرسلين والنببئين وجمع عباد الله الصالحين تتلقى من نوره روحه صلى الله عليه وسلم العلم والحكمة والمعارف الربانية والأسرارالملكوتية ولهاذا سمي روحه أبا الأرواح فكل ما يرد على القلوب من التنزلات العرفانية والمنح الإلاهية منه وبواسطته صلى الله عليه وسلم إذ هو الهادي والمهدي لكل من اهتدى وغيره من الهدات نوابه وفروعه ويرحم الله القآئل
هداه هدى الهادين منه إلى الهدى * وحبه اهدى الوارد المورود الأصفى
وآيته كالزهر والزهر نفحة * وعدا فمن يستطيع لها وصفا
ووصفت الواردات بإزعاج لأنه إذا وجد منها على القلوب تأثرت به من حيث قوته وسطوته ومعنا لأنه يرد من حضرة قهار فنبعت بسببه الجوارح للخدمة من غير تكلف ولا معانات وتصير الأعمال الصالحة لصاحبه كالحلية كما قال البوصيري
وإذا حلت الهدايه قلبا نشطت للعبادة الأعضآء
وهذه الخدمة هي التي يعمون بالأوراد فتبين أن الأوراد ناشيئة عن الواردات وهي معنى قول الحكم فلولا وارد ما كان ورد وقولها أيضا ما كان ظاهر ذكر إلا عن باطن مشهود وفكر وأما قولها قوم تسبق أنوارهما أذكارهم أنوارهم فهو باعتبار الأنوارالقوية التامة فإنها متأخرة الحصول للسالكين ومتقدمة للمجذوبين وأما أصل النور في الجملة فلا بد من تقدمه فإذا فهمت ظهر لك أنه صلى الله عليه وسلم منه الواردات ومنه الأوراد لظهورها بالأنوار ثم شبه ظهور الواردات المنتجة لأوراد منه بالانشقاق وظهورالأوراد من حيث أنجلاؤها بالانفلاق إلى آخر ما سبق وقلت في هذا المعنى
واردات القلوب منك تلقاها الخصوص ففازوا بالأوراد * إنما للقلب مضغة ان تجلى بصلاح سرى إلى الأجساد أن يكون أشار إلى أن الأسرار به صارت أسرارا وبه تأهلت لصيرورتها مطالع الأنوار بيان القضية أن تعلم أن النفس والقلب والروح والسر أسمآء مترادفة لمسمى واحد وهو اللطيفة الربانية التي كان الإنسان منها إنسانا لا كن ما دام الإنسان في مقام الإسلام تسمى نفسا فإذا أختلص منه إلى مقام الإيمان سميت قلبا ثم إذا ارتقى إلى أول مرتبتي الإحسان وهي المراقبة المشار لها بقوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه ان لم تكن تراه فإنه يراك سميت روحا ثم إذا ارتقى للمرتبة الثانية منه وهي المشاهدة المشار لها بقوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه سميت سرا ولا شك أن هذا الترقي والانتقال لا يتوصل إليه إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم فيه تصير النفوس قلوبا ويتوصل لللإيمان وبه تصير القلوب أرواحا ويتوصل للمراقبة وبه تصير الأرواح أسرارا ويتوصل للمشاهدة فالأسرار على هذا مستعمل في حقيقة العرفية وبه تأهلت الأسرار وشروق شمس المعرفة وهي المراد بالأنوار فهي أيضا في معنها العرفي فلا في الحكم مطالع أنوارالقلوب والأسرار قد يطلق بعض هذه الأسمآء على مدلول غيره مجازا فالقلوب في الحكم ستعمل فيما يشتمل الأرواح لأنها من المطالع أيضا ولم نجعل التجواز في الأسرار لأن الأرواح إلى القلوب أقرب إذا لطالع فيها قمر التوحيد وفي القلوب نجوم العلم وصيرورتها مطلعا لها هو معنى انشقاقها عنها وطلوع الأنوار فيها هو معنى انفلاقها ففي كل من الفعلين استعارة تبعية والله تعالى اعلم
وقد قلت في هذا المعنى
ما ترقى الرجال في القرب إلا * باتباع الرسول قولا وفعلا
به نالوا المنى وصار الذي * قد كان مستصعبا عليهم سهلا
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم السبب في أعمال البر الصادرة من العاملين كلها أي ماهو باطن خفي وما هو ظاهر جلي إذ هو الهادي والمهدي قال تعالى وانك لتهدي إلى صرط مستقيم
ولذلك كانت أعمال العاملين التي أرشدهم إليها وأدلهم عليها كلها في ميزانه والمراد كله في ميزانه اتباعه فاقدر اذن قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأراد بالأسرار القسم الأول وبالأنوار الثاني
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم السبب في شهود ما يشهده أهل عالمي الملكوت والجبروت فان الملكوت كما يأتي هو حضرة الأرواح التي تشهد فيها الصفات السنية والجبروت هو حضرة الأسرار التي تشهد فيها الذات المقدسة العلية فشبه ما يشهد في الثاني من حيث أن شهوده أعلى وأشد تمكنا في الوصول بالأنوار وما يشهد في الأول بالأسرار
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم ممد أهل السموات وأهل الأرض فمنه امدادات أهل الملك الباطن وأهل الملك الظاهر ولا اشكال في هذا إذ هو واسطة الكل ورسول الجميع
وقد ذهب جماعة من المحققين ورجحه تقي الدين السبكي إلى أنه مبعوث إلى الملائكة ونقل بعضهم الاجماع عليه كما في المواهب ويفهم من تفسيرالقشيري في سورة الاسرآء ان حكمة عروجه إلى السمآء تأدب الملائكة بأدابه عليه السلام حيث لم يقف مع مقام ولا حال ولم يلتفت إلى شيء من السري كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله ( مازاغ البصر وما طغى ) الآية :
فالملآئكة حينئذ دخل في الاقتباس منه والاهتدآء بهديه
الخالصة من صفاء بياض نور الهوية
هاذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم أشار به الشيخ رضي الله عنه إلى حديث القبضة عن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رب مم خلقتني قال يا محمد نظرت إلى صفآء بياض نوري .
ومن طريق ابن عباس رضي الله عنه لما أراد الله خلق السموات والأرضين والمخلوقات قبض قبضة من نوره فقال لها حبببي محمد فكانت ومن هنا كانت روحه صلى الله عليه وسلم ليست كأرواح غيرها في الصفات الذي خلقت عليه وهو ينقسم إلى حسي ومعنوي " أما الحسي فمن أجل أنها نور والنور كله على غاية الصفآء ونهاية الطهارة التي لا توجد في غيرها
وأما المعنوي فهو عبارة على استدام المعرفتين أعني المعرفة الباطنية والمعرفة الظاهرة وذلك ان المخلوقات باسرها عارفة بخالقها سبحانه
لا فرق بين صامت وناطق ولا بين حي وجامد
وما من مخلوق إلا وجوامع جواهره فيها هاذه المعرفة الباطنة
ثم من رحمة الله عز وجل صير له ما كان باطنا ظاهرا فيشعر بمعرفة جميع جواهره بربه عز وجل ويصير في ظاهره عارفا بربه بجميع اجزآء ذاته وهاذا من أعلا درجات المعرفة
وقد جعل سبحانه هاذه الأرواح عالمة بربها في ظاهرها بجميع ذواتها بعد اتفاقها في هذا الصفآء
ولا شك أن روحه صلى الله عليه وسلم أختصت بلون مخصوص امتازت به عن غيرها من الأنبيآء فضلا عن غيرهم
قوله نور الهوية
أي باطن الذات وحقيقتها " أي نور باطن ذات الله وحقيقتها " أي الذي خلقه الله بلا مادة لأنه أول التعينات المفاضة من علم الله القديم ويعبر عنه بالكنز القديم المشار إليه في حديث كنت كنزا مخفيا لم أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف
فكل نور ظهر فمن نوره إذ هو اس الخليقة ومعناه أن نوره من باطن الذات الأقدسية وحقيقتها ليس مكتسبا من غيره من باطن الذات ولذالك قال العارفون
الأنبيآء خلقوا من النور ونبينا صلى الله عليه وسلم بنفس النور انتهى
وأول ما ظهر في تلك الحضرة النور المحمدي ثم أنذر أجناس المخلوقات وأصنافها شيئا بعد شيء وطور بعد طور إلا أن خثم بالنوع الإنساني
فإنه لما كمل الأشخاص من الأجناس خلق آدم من تراب وذريته منه أنتهى
فكل نور ظهر إلى نفس النور آخر الكلام وانتهاؤه
قال الشيخ محي الدين الشيخ سيدي عبد القادر الجلاني قدس سره الهوية بحر يغرق فيه سآئح كل عقل وينكسر في طلب علمه كل سفينة فكران سار العقل على مطية الفكر إلى ساحل هاذا البحر بدليل الإيمان قذفت إليه أمواجه جواهر أسرار الأزل وأتحفته بلطائف انباءالغيب وأراه نورالهداية حق اليقين وسارت به نجآئب العناية إلى جعل باب القرب وغسل خضر سره في عين مآء الحيآة وأخرجه من الظلمات إلى النور فهناك يرى شرع سيد الكونين وسراج عيون عقول العارفين يكاد يخطف بلوامع بروق أنواره أبصارالواصلين وتنقش ايدي مواشطة أتباعه وجوه عرائس مقامات المقربين ويذبح صنم ديم أداته التادب به وشيء حلل المشاهدين انتهى
وسمعت من تقرير سيدنا الشيخ رضي الله عنه أن الهوية قديمة وحديثة تطلق عند القوم أما القديمة وهي المراد هنا فهي عبارة عن صفات الكمالية المغيبة في بطون الذات القديمة ولذا دخل عليه الألف واللم وعلى ذلك جرى جميع الصوفية رضي الله عليهم لأنه صفة ولا ضمير غيبة
كما هي موضوع في الأصل ومثل هاذا عبارة الإمام الحنبلي ونصه الهوية السارية في جميع الموجودات
هي عبارة عن الذات العلية الملاحظة لا بشرط شيء ولا بشرط لا شيء ذكره الحنبلي في كتابه المسمى بسرو السلوك إلى مالك الملوك وعبارة الحنبلي هاذه عبر فيها بالملزم
وسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
عبر فيها بالازم ومقالهما واحد ولما كانت الهوية فما لا يمكن أن يعبر لجلالتها كما قال الله تعالى في سورة الاخلاص ( قل هو ) ثم شرح تلك بلوازمها وهي إضافية وسلبية " والإضافية أشد تعريفا والأكمل في التعريف هواللزم الجامع بنوع الإضافية والسلبية وذلك كون تلك الهوية لها قال الله تعالى ( قل هو الله أحد ) ليكون الله الكاشف لما يذل عليه لفظ "هو " فبان من هاذا وأن هاذا الإسم الذي "هو" وقال آخر في تصريفه " هو " اسم جامع لمعاني أسمآء الذات والصفات بمن سأل الله بهاذا الاسم الذي " هو " فقد سأله بجميع اسمآئه وصفاته وبهاذا التقرير تعلم جلالة سيدنا الشيخ رضي الله عنه وتمكنه في الأسمآء والصفات
وقد روي من قرأ هاذا الاسم ألف مرة " يا الله يا هو " فإنه يعطى كمال اليقين وهو استقرار الإيمان والمعرفة في القلب .
وفي نوادر الأصول أن هاذا الاسم الجليل وهو " هو " اسم لاصفة من الهوية خرجت الصفات وقولك " هو " إشارة القلب إلى المعروف الموصوف الذي وسعه القلب
حديث قدسي قال سبحانه و ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبد المومن
ألا ترى قوله تعالى ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم ) الآية
وبهاذا تعلم أنه أصل الأسماء وإليه يشيرالقلب لأنه الباطن الذي لا يدرك كيف هو إلا هو
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الإشارة مختصة بأهل الاستغراق والتحقق في الهوية الحقيقية فلانطباق بحر الأحدية عليهم واكتشاف الوجود الحقيقي لربهم فقدروا من يشار إليه فهو إلا هو لأن المشار إليه لما كان واحد أقرب إليهم من نفوسهم
كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلا إليه لفقد ماسواه في شعورهم لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية وغيبتهم عن وجودهم واجسامهم وأوصافهم الكونية وعلومهم ومقاماتهم وذلك غاية في التوحيد والاعظام منحها الله ذلك على الدوام بجاه سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام وأما الهوية الحادثة فهي عبارة عن الحقيقة الأحمدية والكمالات المحمدية وانما سميت بها لأنها تفجرت منها الينابع وتشعشعت منها المطالع فكانت هوية أخرى من هذا الوجه لأنها مثل القديمة جل ربنا تعالى كان الله ولا شيء معه سبحانه
ثم نزلت الهوية الأحدية عن ذاتها لذاتها إلى هوية حديثة مقيد وتنوعات متعددة بالهوية الأحدية سارية في هوية الأعيان المتعددة سريان الواحد في مراتب الأعداد وهو لا غير وإنما هي حجب وهميات وأسماء وصفات عدميات قآئمة في عددها بالوجود المطلق الذي هو عين كل وصل وحجاب كل فصل كما فصل الحق اسمه الرحمان من الله وفصل الرحيم من الرحمان
فلذلك تنوعت الأسماء والصفات وتعددت الأحدية في الواحدات وسجد كل قلب إلى موجود خاص ظهرت به الهوية وأقرت بربوبيته الواحدية حين عدم الاسم الظاهر بالمراتب الكونية بعبارة الاسم الباطن في مراتب الانسانية وقضى ربك ألا تعبد إلا اياه فكيف ينحجب الاسم الظاهر عن الوجود باسمه الباطن وقد نحسب حكمه على الوجود الحق بالقول الفصل وكيف يظهر له وجود وهو عين الباطن باسمه ومسماه في مراتب الظهور والبطون وهو الظاهر لأنه كان باطنا فإنه ما ثم من يبطن عنه وهو الباطن لأنه كان ظاهر لأنه ماثم من يظهر له فهو هو لأنه بالهوية موصوف ان كل موصوف محدود وكل محدود مدرك واقف وما يعلم جنود ربك وما هي إلا ذكرى للبشر ولما حكمت المراتب على الواحد بأسمائها وتعددت المظاهر بأطوارها كذلك تعددت الرقائق وتنوعت الحقائق بالحروف الجثمانيات والحدود الوهميات فتبين أن الواحد كبير واللطيف خبير بما تنزل في سحاب الوجود وترفع في حجاته لانه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ثم ان الالهية الأولى القاضية لعدم الأسماء والصفات المتجلية على نفسها بأحدية ذاتها المندرجة فيها الشؤون والمظاهر بتعيناتها الفائضة لعدم الأسماء والصفات منهالها علما بسرالوحدانية الجامعة لمعان الحقآئق والدقآئق وتفصيلاتها في عرصة البرزخية الرحمانية الثالية للبرزخية الإلهية بالاستوآء الإلهي على العرش الرحماني بظهور الأسماء والصفات عيانا ملكية واشخاص انسانية وتنوعات حيوانية ونباتية بحسب القوائل وتنوعت المراتب وتحول المظاهر وتبديل الشئون بظهوره والقلم وما يسطرون حين التقم الصور صاحب الصور وتعزز الصور بسرالبطون والظهور والتكوين وتناكحت الأبناء فظهرالأبآء والأبنآء واندرجت الأسماء تحث ظلال المسمى وغرب الاشراق بالتفاف الساق بالساق وظهر الوصف بالحرف وبطنت الذات بشروق الصفات بل ما وقع ظهور ولا بطون ولا اشراق ولا احراق ولا وجد معدوم ولا عدم موجود الا ما اظهره القدم من صفات الحدوث والعدم وهو الآن على ما عليه كان
وإذا علمت هذا التقرير بان لك وجه تكرر
سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه لفظ " الهوية " في هذه الصلاة النورانية وليس تكرارها عيبا بالقيامة لأن ذكر أرباب الفن بان تكرارها عيب مالم تكن تدل على الربوبية كما هنا وقال بعضهم سماعه لايطآء للملل ولأن من المعادات معادات المعادات وهذا الاسم الأعظم المقدس ليزداد على تكراره إلا حلاوة السمع
ورحم الله بعض العارفين حيث قال
أعدد ذكره إن القلوب تحبه * وفي ذكره قوت لها وشفآء
هاذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم فإن سرها قد سرى في جميع العوالم الناسوتية والعوالم اللهوتية أي سارية متحللة في سائر أسماء المخلوقات باعتبار مسماتها إذ لاشيء وهو به مرتبط من حيث الايجاد والامداد
قوله الناسوتية
على الأشباح كما أن اللهوت عالم الأرواح
قال العارف إمام ناسوتي لمن اوجده * حيث لاهوتي إلى الباري ذاتي
وإن شئت قلت الناسوتية العوالم السفلية واللهوتية العالم العلوية ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم قد سرى سره في المخلوقات إيجادا وإمدادا وهو أصل الموجودات وعنصرها وأساسها كما يشهد لذلك حيث سيدنا جابر وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال سيدنا جابر قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني على أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال يا جابر ان الله تعالى خلق قبل الأشياء نو نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شآء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جن ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا ارض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا انسي فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزآء فخلق من الجزء الأول نور أبصار المومنين ومن الثاني نور قلوبهم وهو المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله
قلت وهاذه القسمة لا توجب قسمة المهابة المحمدية لا يوجب الاقتباس من الأنوار قسمتها ولا تنقص منها وبهاذا يندفع الأشكال
وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه يا عمر أتدري من أنا أنا الذي خلق الله عز وجل أول كل شيء نوري فسجد لله فبقي في سجوده سبعمائة عام فأول كل شيء سجد لله نوري ولا فخر يا عمر بن الخطاب أتدري من أنا الذي خلق الله العرش من نوري والكرسي من نوري والعقل الذي في رءوس الخلائق من نوري ونور المعرفة في قلوب المومنين من نوري ولا فخر
وفي سيرة الحنبلي قال رأيت في كتاب التشريفات في المناقب المعجزات عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل سيدنا جبريل عليه السلام فقال يا جبريل كم عمرت من السنين قال يا رسول الله لست اعلم غير أن في الحجاب الرابع نجما يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة رأيته إثنين وسبعين ألف مرة فقال صلى الله عليه وسلم وعزة ربي أنا ذاك النجم الكوكب رواه البخاري انظر النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب تأليف سيدنا ومولانا الشيخ هاذا فيه كلام نفيس ولا ريب فيما أشار إليه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه
أن يكون اشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم ممد أهل السموات وأهل الأرض فمنه امدادات أهل الملك الباطن وأهل الملك الطاهر ولا اشكال في هذا إذ هو واسطة الكل ورسول الجميع وقد ذهب جماعة من المحققين ورجحه تقي الدين السبكي إلى أنه مبعوث إلى الملآئكة ونقل بعضهم الاجماع عليه كما في المواهب ويفهم من تفسير القشيري في سورة الإسرآء ان حكمة عروجه إلى السمآء تأذب الملائكة بأذابه عليه السلام حيث لم يقف مع مقام ولا حال ولم يلتفت إلى شيء كما أشار تعالى : إلى ذلك بقوله ( ما زاغ البصر وما طغى ) الآية
فالملآئكة حينئذ دخل في الاقتباس منه والاهتداء بهديه
وقال سيدي علي بن وفا رضي الله عنه وأرى سريان سره في الأكوان ومعناه " المشرف في مجاليه الحسان وقال أيضا وسرك المنزه الساري في جزئية العالم وكلياته علوياته وسفلياته وقلت في هذا المعنى محمد ممد كل العالمين أهل السموات وأهل الأرضين ممده في العالم العلوي له سرايته وفي السفلي وشبهت الأولى بالأسرار والثانية بالأنوار أن يكون أشار إلى أنه السبب في إدراك الأرواح يوم ألست بربكم واقرارها في التوحيد كما أنه السبب في الإقرار الثاني في العالم الجسماني
وقد نبه سيدنا علي كرم الله وجهه على أنه صلى الله عليه وسلم دعا الأرواح يوم ألست بربكم إلى الاقرار حين كانوا كالذرر
ونقل كلامه أي شعب الإيمان فشبه الأول لخفآئه بالأسرار والثاني لوضوحه بالأنوار وقلت في هذا المعنى لولاك ماأهتدت الأرواح يوم ألست حين خاطبها المولى لقول بلى وغشيها النور منك فاستبان الهدى فلم تجب بنعم ولم تعتبر بلا
أن يكون أشار إلى أنه هو الممد للخاصة وخاصتهم بعلم الباطن ولعامة العلمآء بعلم الظاهر وسيأتي العلوم الثلاثة
الحادي عشر أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم : الواسطة في علم الحقيقة الذي من خلا عنه تفسق وفي علم الشريعة الذي من خلا عنه تزندق
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم الواسطة في نيل النبوءة والرسالة لللأنبيآء والمرسلين وفي نيل الولاية والقرب لللأوليآء والمقربين فشبه مدده الأول بالأسرار لأنها أدق واعلا
قال الحاتمي في الفتوحات مستمد جميع الأنبيآء والمرسلين من روح محمد صلى الله عليه وسلم إذ هو قطب الأقطاب فهو ممد لجميع الناس أولا وآخرا فهو ممد كل نبيء وولي سابق على ظهوره حال كونه في الغيب وممد به أيضا لكل ولي لاحق فيوصله بذلك إلى مرتبة كماله في حال كونه موجودا في عالم الشهادة وفي حال كونه منتقلا إلى الغيب الذي هو البرزخ والدار الاخرة فإن أنوار رسالته صلى الله عليه وسلم غير منقطعة عن العالم من المتقدمين والمتأخرين ثم قال فكل نبيء تقدم على زمان ظهوره فهو نآئب عنه في بعثته بتلك الشريعة انتهى
وقد قال ابن وفا في صلاته وسرك المنزه الساري في جزئيات العالم وكلياته علوياته وسفلياته من جوهر وعرض ووسآئط ومركبات وبسآئط انتهى
وفي حديث عمر المتقدم أنا الذي من أجلي أخذ الله ميثاق الأنبيآء والرسل والأمم واقرار نبوتي وفضلي وأن يتواصوا به قرنا بعد قرن
وقال عز وجل : { وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين لما اتينكم من كتب وحكمة ) ثم جآءكم رسول في آخر الزمان إسمه محمد بن عبد الله مصدق لما معكم من نعثه وصفته لتومنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك قال الله عز وجل آقررتم بأن خيرتي من خلقي وصفي أحمد خاتم النبيئين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين وحجة الله على الخلائق أجمعين وآخدتم على ذلك إصري وعهدي وميثاقي قالوا أقررنا قال الله عز وجل : { فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } الآية : إن خيرتي من خلقي وصفي أحمد فمن تولى بعد ذلك فألائك هم الفاسقون ولافخر
وقيل أن الله تعالى لما خلق نور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمره أن ينظر إلى أنوار الأنبيآء عليهم السلام فغشيهم من نوره ما أنطقهم الله به وقالوا يا ربنا من غشينا نوره فقال الله تعالى هذا نور محمد بن عبد الله إن آمنتم به جعلتكم أنبيآء قالوا آمنا به وبنبوئته فقال الله عز وجل أشهد عليكم قالوا نعم فذلك قوله تعالى { وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين } الآية قال تقي الدين السبكي في هذه الآية الشريفة من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلي ما لايخفى وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوءته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمان آدم إلى يوم القيامة
ويكون الأنبيآء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله وبعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا فهو نبيء الأنبيآء ولهذا ظهر ذلك في الآخرة يكون جميعهم تحث لوآئه وفي الدنيا ليلة الاسرآء حيث صلى بهم وبهذا بان لنا معنى حديثين كانا خفيا عنا أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الناس كافة كنا نضن أنه من زمانه إلى يوم القيامة فبان أنه جميع الناس أولهم وآخرهم
والثاني قوله صلى الله عليه وسلم كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد كنا نضن أنه بالعلم فبان أنه زآئد على ذلك
أن يكون أشار أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الواسطة في الاستدلال بالله على الأشيآء الذي هو وضيفة الخاصة والاستدلال بالأشيآء على الله الذي وضيفة العامة قال في الحكم شتان بين من يستدل به ويستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله وأثبت الأمر من وجود ا صانه والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى يكون الاثار هي التي توصل إليه وإيضاحه ما أشار له في الفرق بين الجذب ولاسلوك بقوله فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ثم يرقيهم إلى شهود صفاته ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه ثم يردهم إلى شهود أثاره والسالكون على عكس هذا فنهاية للسالكين بداية المجذوبين وبداية السالكين نهاية المجذوبين لاكن لابمعنى واحد انتهى
وحاصله أن من فنى في شيء غاب عن غيره فإذا حصلت منه إفاقة وتنبه إلى ما كان غآئبا عنه كان ذلك على وجه ضعيف فاحتاج إلى الاستدلال عليه ولا شك أن الاستدلال بالله على الأشيآء أدق وأعلى فلذلك تنبه بالأسرار وقلت في هذا المعنى
محمد واسطة السلوك * والنظم في معظم السلوك
نبينا ممد أهل الجذب * مغيبهم بالخصب بعد الجذب
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم ممد المشآيخ والمريدين وكل يشهد ويتوجه إليه المدد منه على حسب حاله ولا شك أن حظ الأولين أعلآ وأشرف فتنبه بالأسرار قال الشيخ ابو المحاسن رضي الله عنه في بعض أجوبته " سآئر الأوليآء والعلمآء رضي الله عنهم صور تفصيله صلى الله عليه وسلم وخلفآؤه ومظاهر تعيناتها منهم إلا وهو سابح في نوره وممتد من بحره على حسب مقامه
ثم قال فعلى هذا بلا زائد ولا مرور إذ له ومنه صلى الله عليه وسلم إذ هو أول موجود أخرج بين العدم ورابطة بين الحدوث والقدم وأس الخليقة على التمام
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم المظهر لما أودع الله سبحان في مكوناته من الأسرار بعد ما كانت القلوب غافلة عنها والأرواح جاهلة بها فنبه صلى الله عليه وسلم القلوب لما كانت عنه غافلة والأرواح لما كانت به جاهلة والمنير لللأنوار المظهرة للموجودات أعني الشمس والقمر والنجوم إذ من نوره خلقت كما سبق قوله
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه به صلى الله عليه وسلم صارت الأسرار أسرارا وبه كانت الأنوار أنوارا وذلك اللطيفة الربانية التي كان منها الإنسان إنسانا لها أسمآء مترادفة تارة تسمى " نفسا " أو قلبا أو " روحا " أو "سرا لأنه مادام الإنسان في مقام الإسلام تسمى " نفسا فإذا خلص منه إلى مقام الإيمان سميت " قلبا ثم ترقى إلى مرتبة الإحسان وهي المراقبة المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم إن لم تكن تراه فإنه يراك .
وهي المشاهدة المشار لها بقوله صلى الله عليه وسلم
أن تعبد الله كأنك تراه سميت " سرا ولا شك أن هذا الترقي والانتقال لا يتوصل إليه إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم فيه صلى الله عليه وسلم تصير النفوس قلوبا ويتوصل الإيمان وبه تصيرالقلوب أرواحا ويتوصل للمراقبة وبه تصير الأرواح أسرارا ويتوصل للمشاهدة
فتنبه سريان سره صلى الله عليه وسلم
قال القسطلاني عن البخاري رضي الله عنهما الاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو البأس من الشيء مما يصونه من الدنس " ومنه قيل اغفر ثوبك الوعآء فإنه اغفر للوسخ الغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب ومن يغفر الذنوب جميعا
ففيه تطيب النفوس للعبادة وتنشيط التوبة وبعث عليها ورع للناس من القنوط وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التآئبين واشعار بأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكلمه اعظم وفي اسناد غفران الذنوب إلى نفسه المقدسة سبحانه وإثباته لذاته المقدسة بعد وجود الاستغفار ويتصل عبده دلالة على وجود ذلك قطعا بحسب الوعد الذي لا خلف له
روى الترميدي عن ابي سعيد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعدد ورق الشجر وعدد الرمال وعدد أيام الدنيا والحي القيوم يحرز نصبها عن الصلة لله أو مدحا والرفع بدلا من الضمير أو خبر مبتدأ محدوف على المدح قاله الطيب في شرح الحصن الحصين
قال الفضيل ابن عياض معنى استغفر الله " اقلني يا الله
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد إلا وله كل يوم صحيفة فإذا طويت وليس فيها استغفار طويت وهي سوداء مظلمة وإذا طويت وفيها استغفار طويت ولها نور يتلألأ قال قاله النسفي وقال صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته كثيرا من الاستغفار رواه ابن ماجة
وروى البيهقي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن تصره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار
وروى أبو داوود والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب
وروى البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد ولا امة يستغفر الله في كل يوم وليلة سبعين مرة إلا غفر الله له سبعمائة ذنب وقد خاب عبدا وامة عمل في كل يوم وليلة أكثر من سبعمائة ذنب
اللهم صلي على الروح النورانية
فقول الشيخ رضي الله عنه اللهم توجب المطلوب وطلب لحصول المرغوب بالتوسل بالإسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي
ولفظ بصيغة حذف فيها يا الندا المتصلة بوجود البينونية المعنوية النفسانية إذا حذفها يقتضي ذلك فافهم
ولا شك أن سيدنا الشيخ رضي الله عنه أقامه حين خاطبه بهذه التولية مقام ضمير غائب عن الفرق والتعويض من يآء الندا في لفظ الجلالة يقتضي قوة الهمة في الطلب والجسم وقد أتى بهذا الإسم الأعظم في أول الأدعية غالبا لأنه جامع لمعاني الأسمآء الشريفة وهو أصلها بعد الاسم الشريف الذي هو كما سيأتي إن شآء الله تعالى جميع أسمآء الله تعالى راجعة إليه
قال الإمام أبو رجآء العطاردي رحمه الله في قولك "اللهم" تسعة وتسعون إسما من أسمآء الله تعالى
وقال النظر ابن شميل رحمه الله الميم في قولك"اللهم" بمنزلة ميم الجمع فإذا قلت اللهم فكأنك دعوت الله بأسمآئه كلها
فعلى هاذا من دعا وتوسل بها أجاب الله دعائه وحقق رجاؤه ولذلك قال الحسن ابن ابي الحسن البصري رضي الله عنه
في قولك اللهم جميع الدعآء
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
صل طلب من الله تعالى ودعآء أن يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم والصلاة من الله تعالى على نبيه زيادة وتشريف وتكرمة وإنعام ورحمة من الملائكة استغفار ومن العباد دعاء والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم من العبيد وسيلة للقرب منه صلى الله عليه وسلم كما جعلت هدايا الفقراء إلى الأمراء وسائل يتقربوا بها إلى ما عندهم وليعوذ نفعها إليهم ولا يضن ضان أن الصلاة من العبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم تقربه إلى الله زلفى ويضن أنه المتسبب فيها لأنه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الله لا يحتاج إلى صلاة غيره
وانما شرعت تعبدا لله وقربا إليه صلى الله عليه وسلم
ففي ضمنها يا عبادي إن تريدوا قربي والوصول إلى حضرتي ونيل رضواني فاعرفوا قدر عبدي ورسولي محمد واجعلوه شفيعا ووسيلة بيني وبينكم بأن تصلوا عليه وتقدموا بين يديكم هدية الملوك ولا يليق إلى بجلالي إلى الصلاة على عبدي وحبيبي وصفيي من خير خلقي فإن سمعت صلاتكم عليه فتحت لكم أبواب رحمتي وأصبغت عليكم نعمتي وأبحت لكم جنتي وصليت عليكم بنفسي وقدرتي وأعطيتكم فوق ما تسئلون وبلغتكم ما لا يتمنى المتمنون
فالصلاة من العبد على سبيل التأكد لا على سبيل التأني كما هو من الله تعالى : بعد فافهم .
إذ صلاة الله تعالى على عبده وحبيبه ورسوله صلى الله عليه وسلم سبقت صلاة غيره وكيف يحتاج إلى صلاة غيرالله تعالى بعد صلاته عليه بنفسه
ولكن جعلها الله لعباده سببا إلى الوصول إلى رضاه وبابا للدخول عليه سبحانه ومعرافا للكلمات ومفتاحا لأبواب الخيرات وسببا لنيل البركات وحصول الكرمات وخوارق العادات وهي أفضل عبادة المتعبدين وهي اعظم قرب السالكين ودلائل إرادة المريدين وعلامة هدف المحبين وكهف إيواء الواصلين وهي إن اختلفت مواردها وتنوعت مصادرها فمرجعها إليه وحقيقتها منه إذ ما صلى على محمد إلا محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه على نفسه لأنها صدرت منه منهم بأمره وإذنه ووساطته من صورة اسمه فافهم
فميم إسم محمد سورة آدم عليه السلام وهاذا جاء فيما تفرع من آدم عليه السلام وبنيه فإنها بأمره صلى الله عليه وسلم ومن سورة إسمه وبالتخفيض ما صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الله تعالى إذ أنه تعالى اما صلى عليه بنفسه أو فعله مع اننا لا نلقي الوسائط في الظاهر بل نتبثها ونراها
وأما الروح النبوية عليها أفضل الصلاة والسلام فلا شك أنها أكبر الأرواح قدرا وأعظمها حجما وأصفاها إدراكا وسرا فانها تملأ السموات والأرضين ولولا أن حجبها بذاته صلى الله عليه وسلم لتدكدكت الجبال وأذابت السموات والأرض ولا كن بفضل الله صانها
الهيكل المحمدي
فسبحان من أقدرهذا الهيكل على حمل هذا السر وستره وليست قوة أرواح الأنبياء عليهم السلام كقوة غيرهم
كما أنه ليست قوة روحه صلى الله عليه وسلم كقوة أرواح الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام سر خصه الكريم به
والنرانية
بضم النون نسبة إلى النور يحتمل أن يراد به الرب سبحانه
لأنه وردت تسميته كتابا وسنة ونسب صلى الله عليه وسلم إليه تعالى لأنه نشأ من حضرته بدون واسطة مادة كما يدخل عليه حديث القبضة إن شآء الله تعالى ويحتمل أنه أراد بالنورالمحض الذي هو خلاف الظلمة ولذك كان لا يرى له ظل صلى الله عليه وسلم
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته وبحمده تعالى القديم ومعرفتهم بالمحمودية في الجانبين قال صلى الله عليه وسلم يا عمر بن الخطاب أتدري من أنا أنا الذي أشتق الله تعالى إسمي من إسمه فالله محمود وأنا محمد ولا فخر أنتهى
ولم يحكم بمثل ذلك لا حمد إذ الخلق لا يعرفون معنى الأصل ولا معنى الفرع وأيضا فالفتراق الحامدتين بالقدم والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه فعل
وما أحسن قول سيدنا حسان في هذه المعنى ومعنى ضم إسمه إلى إسم الله تعالى في التشهد أعز عليه للنبوءة خاتم من الله نور يلوح ويشهد * وضم الإله إسم النبي إلى إسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد * وشق له من إسمه ليجليه
فذو العرش محمود وهاذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم متضمن حمد الله تعالى والمقصود من الثناء على الواسطة التوسل من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة الرسالة عند ذكر الله تعالى إلا العارفون من حيث وساطته اهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أدل على محبته للملك من ثنائه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال الشيخ زروق رضي الله عنه وغيره ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعظم العبادات وأشرفها لقوة دلالتها على قوة الامتثال
فإن الملك إذا أمر كبرآء دولته بالخضوع له والتذلل بين يديه لم يتأخرأحد منهم عن ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه
وأنظر قضية إبليس في السجود بعد عظيم تعبده والاشتقاق هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم له سابقة والزيادة في الفرع لما سبق وأيضا للحكم باشتقاق محمد دون احمد إذ حامدية العبد سيده لا تتوقف على حا مدية السيد لنفسه أي لا يراعي ذلك فيها إذ من شأن العبد الخدمة بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون تابعة لمحمودية سيده فإن قيل لم بولغ في حمد دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت اما مر من حمده متضمن حمد الله ولأن محموديته لما كانت بجعل الله تعالى أحتيج للتنبيه على كمالها
قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم متمثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكروا أيضا المصلي عليه يناجي ربه وللمناجات ذكروا أيضا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون مقرونة بإسم من أسمآء الله تعالى أو صفة من صفاته وأسرار ذلك على اللسان ذكر وهذه الأوجه الثلاثة تصح لكل مصل عليه صلى الله عليه وسلم من العموم والخصوص ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذ مر على ألسنتهم ذكر النبوءة والرسالة استحضروا مع ذلك أسمآء الرسل وصفاته المعظمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك وسلسل بهم الأمر إلى استحضار أمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم إلى تعظيم أمر المرسل والمرسل به
وهاذا ذكر يطلق إليه إسم الذكر من وجوه انتهى
وفي كلام السهيلي أنه اما كان الأول في الخلق والسابق في الأحمدية شرع الابتذاء بالحمد وجآء بالفاتحة مفتتحة به وتوسط فيها أسمآء الرحمة بين العالمين وملك يوم الدين كما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة العالمين وظهور رحمته العظمى يوم الدين عند مالكه وأفتتحت بالبسملة كذلك باسم الرحمة متصلة بالحمد وبنقطة البآء التي هي أول ماخط القلم وهي مدد العوالم كما أنه صلى الله عليه وسلم مبدا العوالم ولهذا سمي بداية النقطة
وقد أشار الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه إلى ذلك وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي رضي الله عنه على حديث أن الله أعطاني خصالا لم يعطيها أحدا قبلي سميت أحمد ونصرت بالرعب
في الحديث قوله سميت أحمد فمنه نال القرآن الحمد لأنه هو الذي وصل إلى عشر الحمد من بين الرسل وكانت الرسل تحمد ربها من حق الألآء ومحمد من حق الرحمة العظمى التي بدأ منه الألآء فلذلك جعل أحق الرسل بلوآء الحمد لأن حمده أخلص وأوفر أنتهى
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته أشير إلى ذلك بخلق الإنسان على صورة إسمه دون أحمد ففي الشعب والمواهب وغيرهما أن آدم وولده أجمعين خلقوا على صورة حروف إسمه صلى الله عليه وسلم وشكل محبته وقرره أيضا الإمام البكي بما في الحديث الطويل الذي أخرجه أبو مروان الطنبي في فوآئده التي خطها بيده وأخذها عن شيوخه بمكة زادها الله شرفا بسنده عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم ياعمر أتدري من أنا أنا الذي خلق الله آدم وذريته على حروف هجآء إسمي هاكذا كانت كتابة إسمه في القديم فالرأس والوجه بمنزلة الميم واليدان إذا مددتهما بمنزلة الحآء والبطن بمنزلة الميم الأخرى فهو ولا فخر انتهى
وذكره بطوله جبر والعزفي وقال بعضهم
له إسم صور الرحمان ربي خلائقه عليه كما تراه له رجل وفوق الرجل ظهر وتحت الرأس قد خلقت يداه
ولعدم معرفة الخلق بأحمديته ومعرفتهم بمحمديته كثر تعرفهم في حروف محمد دون أحمد فقال البكي الميم الأولى إشارة للملكوت الأعلى والحآء للحياة والحفظ الذي به وفيه كتب القلم الأسنى والميم المشددة للملكوت الباطن والملك الظاهر
والدال للدوام والاتصال الماحية لوهمي الانقطاع والانفصال وقال بعض العلمآء الميم الأولى المعرفة أعطاه الله معرفة بعلم الأولين والآخرين والحآء إحيآء الله العباد على يديه من الكفر بالإسلام
حيث قال تعالى ( وكنتم أمواتا فأحياكم ) الآية : والميم الثانية أعطاه الله مملكة لم يعط الله أحدا مثل ذلك وذلك أن شهر إسمه مع إسم الله في المشرق والمغرب والدال هو الدليل لجمع الخلق إلى الفردوس
وقيل الميم الأولى والحآء مأخذتان من مح يمح محا إذا أهلك والميم الثانية والدال مد إذا بسط فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم أهلك الكفر وبدده ومد الإسلام أي بسطه في الأرض بسطا يعبد الله في أقطارها
قال الشاعر
محمدنا مح الإله بدينه * عبادا طغوا في الأرض دينهم الكفر
ومد لنا الإسلام طرا فلم يزل * به النصر والامكان والظفر والبشر
وقيل الميم محو الكفر بالإسلام ومحو سيئات من أتبعه وقيل الميم من الله على المومنين بمحمد صلى الله عليه وسلم دل عليه قوله ( لقد من الله على المومنين ) الآية وقيل الميم منذر ومبشر وقيل ملك أمته وقيل المقام المحمود والحآء حكمه بين الخلق بحكم الله قال الله تعالى (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك) الآية وقيل حياة أمته به والثانية مغفرة الله لأمته وقيل منادي الموحدين وقيل ملك أمته به والدال هو الداعي إلى الله قال الله تعالى ( وداعيا إلى الله بإذنه) وهو دليلهم في الدنيا ودليلهم في الآخرة إلى الجنة وقيل الميم الأولى للملك الأول والثانية للثاني الأخروي والأبدي ولذا ضعفت والحآء الرحمة توسطت بينهما إشارة إلى أن الملكين يتجاذبانه ويستمدان منه والدال إشارة لدوام الملك الثاني
ثم المادحون له وان بالغوا وأكثروا متعرفون بأنهم قد قصدوا وقصدوا وكيف لا وقد افصحت آيات الكتاب العزيز في تعظيمه بما يبهر العقول وصرحت من رفيع صفاته بما لا يستطاع إليه الوصول
قال ابن الخطيب السلماني في هذا المعنى
يا مصطفى من قبل نشأة آدم * والكون لم تفتح له اغلاق
ايروم مخلوق ثناءك بعدما * اثنى على اخلاقك الخلاق
وقد تضمنت الأحاديث المتقدمة أنه صلى الله عليه وسلم السبب في وجود آدم عليه السلام وان آدم من نوره خلق ولهاذا قيل إذا لقيه آدم يقول يا ولد ذاتي ووالد معناي يشير إلى أن روحه صلى الله عليه وسلم أبو الأرواح
وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام أنا يعسوب الأرواح وقد نبه على هذا المعنى ابن الفارض في تائيته حيث قال
واني وان كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي وقال سيدي علي بن وفا رضي الله عنه
روح الوجود حياة من هو واجد * لولاه ماتم الوجود لمن وجد
وفي حديث كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وفي رواية بين المآء والطين وفي أخرى وان آدم لمنجدل في طينته أي مطروح على الجدالة " أي الأرض
وقول ابن تيمية والزركشي لا أصل له أي بهاذا اللفظ لا أنه موضوع كما توهم فإنه رواية بالمعنى وهي جائزة وليس المعنى أن النبوءة فقام به قبل خلق آدم ونفخ الروح فيه ولا بعد في هذا ولا غرابة قيل أنه صلى الله عليه وسلم سابق على سآئر الأنبيآء روحا لما مر وجسد لأن مادة جسده صلى الله عليه وسلم خلقت قبل سآئرالمواد لما روى ابن الجوزي في الوفا عن كعب الأحبار أنه تعالى لما أراد أن يخلق محمد صلى الله عليه وسلم أمر جبريل عليه الصلاة والسلام أن يأتيه بالطينة البيضاء فهبط في ملآئكة الفردوس وقبض قبضة من موضع قبره بيضآء نيرة فعجنت بمآء التسنيم في معين الجنة حتى صارت كالذرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت به الملآئكة حول العرش والكرسي والسموات والارض حتى عرفته الملآئكة قبل أن تعرف آدم عليه السلام أي عرفت روحه وعنصره
في الحديث السابق الظاهر أن المراد بها عدم الطرفين الروح والجسد " أي لا روح ولا جسد كما صرح به في رواية لآدم ولآ مآء ولا طين لأنك إذا قلت مسكني بين البصرة والكوفة علم أنه ليس بهما فأريد به لازم معناه بطريقة الكناية وليس المراد به قريبا منهما كما يقال الورد بين البياض والحمرة ومزاج بين الصحة والمرض كما قيل وليس معنى بين المآء والطين انه لم يكن مآء صرفا ولا طينا صرفا لنبو المقام عنه وعدم ملاقته لما قررنه انتهى
ذكره الشهاب رحمه الله تعالى وقد ظهر أنه صلى الله عليه وسلم وارث في حضرة الفرق والوجود الذاتي وموروث في حضرة الجمع الروحاني والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن المقصود هنا بيان سببيته في وجود الموجودات وانها لأجله خلقت والمقصود فما قبله بيان أنها مخلوقة من نوره ومقتبسة منه وهما معنيان متغايران غير متلازمين إذ لا يلزم من سببية شيء في آخر كون المسبب مقتبسا ومأخودا من السبب كالمآء والنبات وكذا العكس كضوء السراج الأول وما أخذ منه ولا شك أن المثنى على النبىء صلى الله عليه وسلم يحصل له بمدحه والثنآء عليه شرف ومزية عظيمة وإلا فمن هو حتى أطلق مدحه على لسانه وتيسر له وإذا قال في حقه سيدي ومولاي واستحضر عظيم جاهه وأقتباسه مع ذلك له وجد نفسه يتشرف ويتعذر ويفتخر وحق له واذكر هنا حكاية من قال عبد من أنا وكلام من آخر فإن النظير يذكر بالنظير
أن يكون أشار إلى أن أرواح العلمآء والعارفين والمرسلين والنببئين وجمع عباد الله الصالحين تتلقى من نوره روحه صلى الله عليه وسلم العلم والحكمة والمعارف الربانية والأسرارالملكوتية ولهاذا سمي روحه أبا الأرواح فكل ما يرد على القلوب من التنزلات العرفانية والمنح الإلاهية منه وبواسطته صلى الله عليه وسلم إذ هو الهادي والمهدي لكل من اهتدى وغيره من الهدات نوابه وفروعه ويرحم الله القآئل
هداه هدى الهادين منه إلى الهدى * وحبه اهدى الوارد المورود الأصفى
وآيته كالزهر والزهر نفحة * وعدا فمن يستطيع لها وصفا
ووصفت الواردات بإزعاج لأنه إذا وجد منها على القلوب تأثرت به من حيث قوته وسطوته ومعنا لأنه يرد من حضرة قهار فنبعت بسببه الجوارح للخدمة من غير تكلف ولا معانات وتصير الأعمال الصالحة لصاحبه كالحلية كما قال البوصيري
وإذا حلت الهدايه قلبا نشطت للعبادة الأعضآء
وهذه الخدمة هي التي يعمون بالأوراد فتبين أن الأوراد ناشيئة عن الواردات وهي معنى قول الحكم فلولا وارد ما كان ورد وقولها أيضا ما كان ظاهر ذكر إلا عن باطن مشهود وفكر وأما قولها قوم تسبق أنوارهما أذكارهم أنوارهم فهو باعتبار الأنوارالقوية التامة فإنها متأخرة الحصول للسالكين ومتقدمة للمجذوبين وأما أصل النور في الجملة فلا بد من تقدمه فإذا فهمت ظهر لك أنه صلى الله عليه وسلم منه الواردات ومنه الأوراد لظهورها بالأنوار ثم شبه ظهور الواردات المنتجة لأوراد منه بالانشقاق وظهورالأوراد من حيث أنجلاؤها بالانفلاق إلى آخر ما سبق وقلت في هذا المعنى
واردات القلوب منك تلقاها الخصوص ففازوا بالأوراد * إنما للقلب مضغة ان تجلى بصلاح سرى إلى الأجساد أن يكون أشار إلى أن الأسرار به صارت أسرارا وبه تأهلت لصيرورتها مطالع الأنوار بيان القضية أن تعلم أن النفس والقلب والروح والسر أسمآء مترادفة لمسمى واحد وهو اللطيفة الربانية التي كان الإنسان منها إنسانا لا كن ما دام الإنسان في مقام الإسلام تسمى نفسا فإذا أختلص منه إلى مقام الإيمان سميت قلبا ثم إذا ارتقى إلى أول مرتبتي الإحسان وهي المراقبة المشار لها بقوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه ان لم تكن تراه فإنه يراك سميت روحا ثم إذا ارتقى للمرتبة الثانية منه وهي المشاهدة المشار لها بقوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه سميت سرا ولا شك أن هذا الترقي والانتقال لا يتوصل إليه إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم فيه تصير النفوس قلوبا ويتوصل لللإيمان وبه تصير القلوب أرواحا ويتوصل للمراقبة وبه تصير الأرواح أسرارا ويتوصل للمشاهدة فالأسرار على هذا مستعمل في حقيقة العرفية وبه تأهلت الأسرار وشروق شمس المعرفة وهي المراد بالأنوار فهي أيضا في معنها العرفي فلا في الحكم مطالع أنوارالقلوب والأسرار قد يطلق بعض هذه الأسمآء على مدلول غيره مجازا فالقلوب في الحكم ستعمل فيما يشتمل الأرواح لأنها من المطالع أيضا ولم نجعل التجواز في الأسرار لأن الأرواح إلى القلوب أقرب إذا لطالع فيها قمر التوحيد وفي القلوب نجوم العلم وصيرورتها مطلعا لها هو معنى انشقاقها عنها وطلوع الأنوار فيها هو معنى انفلاقها ففي كل من الفعلين استعارة تبعية والله تعالى اعلم
وقد قلت في هذا المعنى
ما ترقى الرجال في القرب إلا * باتباع الرسول قولا وفعلا
به نالوا المنى وصار الذي * قد كان مستصعبا عليهم سهلا
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم السبب في أعمال البر الصادرة من العاملين كلها أي ماهو باطن خفي وما هو ظاهر جلي إذ هو الهادي والمهدي قال تعالى وانك لتهدي إلى صرط مستقيم
ولذلك كانت أعمال العاملين التي أرشدهم إليها وأدلهم عليها كلها في ميزانه والمراد كله في ميزانه اتباعه فاقدر اذن قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأراد بالأسرار القسم الأول وبالأنوار الثاني
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم السبب في شهود ما يشهده أهل عالمي الملكوت والجبروت فان الملكوت كما يأتي هو حضرة الأرواح التي تشهد فيها الصفات السنية والجبروت هو حضرة الأسرار التي تشهد فيها الذات المقدسة العلية فشبه ما يشهد في الثاني من حيث أن شهوده أعلى وأشد تمكنا في الوصول بالأنوار وما يشهد في الأول بالأسرار
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم ممد أهل السموات وأهل الأرض فمنه امدادات أهل الملك الباطن وأهل الملك الظاهر ولا اشكال في هذا إذ هو واسطة الكل ورسول الجميع
وقد ذهب جماعة من المحققين ورجحه تقي الدين السبكي إلى أنه مبعوث إلى الملائكة ونقل بعضهم الاجماع عليه كما في المواهب ويفهم من تفسيرالقشيري في سورة الاسرآء ان حكمة عروجه إلى السمآء تأدب الملائكة بأدابه عليه السلام حيث لم يقف مع مقام ولا حال ولم يلتفت إلى شيء من السري كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله ( مازاغ البصر وما طغى ) الآية :
فالملآئكة حينئذ دخل في الاقتباس منه والاهتدآء بهديه
الخالصة من صفاء بياض نور الهوية
هاذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم أشار به الشيخ رضي الله عنه إلى حديث القبضة عن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رب مم خلقتني قال يا محمد نظرت إلى صفآء بياض نوري .
ومن طريق ابن عباس رضي الله عنه لما أراد الله خلق السموات والأرضين والمخلوقات قبض قبضة من نوره فقال لها حبببي محمد فكانت ومن هنا كانت روحه صلى الله عليه وسلم ليست كأرواح غيرها في الصفات الذي خلقت عليه وهو ينقسم إلى حسي ومعنوي " أما الحسي فمن أجل أنها نور والنور كله على غاية الصفآء ونهاية الطهارة التي لا توجد في غيرها
وأما المعنوي فهو عبارة على استدام المعرفتين أعني المعرفة الباطنية والمعرفة الظاهرة وذلك ان المخلوقات باسرها عارفة بخالقها سبحانه
لا فرق بين صامت وناطق ولا بين حي وجامد
وما من مخلوق إلا وجوامع جواهره فيها هاذه المعرفة الباطنة
ثم من رحمة الله عز وجل صير له ما كان باطنا ظاهرا فيشعر بمعرفة جميع جواهره بربه عز وجل ويصير في ظاهره عارفا بربه بجميع اجزآء ذاته وهاذا من أعلا درجات المعرفة
وقد جعل سبحانه هاذه الأرواح عالمة بربها في ظاهرها بجميع ذواتها بعد اتفاقها في هذا الصفآء
ولا شك أن روحه صلى الله عليه وسلم أختصت بلون مخصوص امتازت به عن غيرها من الأنبيآء فضلا عن غيرهم
قوله نور الهوية
أي باطن الذات وحقيقتها " أي نور باطن ذات الله وحقيقتها " أي الذي خلقه الله بلا مادة لأنه أول التعينات المفاضة من علم الله القديم ويعبر عنه بالكنز القديم المشار إليه في حديث كنت كنزا مخفيا لم أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف
فكل نور ظهر فمن نوره إذ هو اس الخليقة ومعناه أن نوره من باطن الذات الأقدسية وحقيقتها ليس مكتسبا من غيره من باطن الذات ولذالك قال العارفون
الأنبيآء خلقوا من النور ونبينا صلى الله عليه وسلم بنفس النور انتهى
وأول ما ظهر في تلك الحضرة النور المحمدي ثم أنذر أجناس المخلوقات وأصنافها شيئا بعد شيء وطور بعد طور إلا أن خثم بالنوع الإنساني
فإنه لما كمل الأشخاص من الأجناس خلق آدم من تراب وذريته منه أنتهى
فكل نور ظهر إلى نفس النور آخر الكلام وانتهاؤه
قال الشيخ محي الدين الشيخ سيدي عبد القادر الجلاني قدس سره الهوية بحر يغرق فيه سآئح كل عقل وينكسر في طلب علمه كل سفينة فكران سار العقل على مطية الفكر إلى ساحل هاذا البحر بدليل الإيمان قذفت إليه أمواجه جواهر أسرار الأزل وأتحفته بلطائف انباءالغيب وأراه نورالهداية حق اليقين وسارت به نجآئب العناية إلى جعل باب القرب وغسل خضر سره في عين مآء الحيآة وأخرجه من الظلمات إلى النور فهناك يرى شرع سيد الكونين وسراج عيون عقول العارفين يكاد يخطف بلوامع بروق أنواره أبصارالواصلين وتنقش ايدي مواشطة أتباعه وجوه عرائس مقامات المقربين ويذبح صنم ديم أداته التادب به وشيء حلل المشاهدين انتهى
وسمعت من تقرير سيدنا الشيخ رضي الله عنه أن الهوية قديمة وحديثة تطلق عند القوم أما القديمة وهي المراد هنا فهي عبارة عن صفات الكمالية المغيبة في بطون الذات القديمة ولذا دخل عليه الألف واللم وعلى ذلك جرى جميع الصوفية رضي الله عليهم لأنه صفة ولا ضمير غيبة
كما هي موضوع في الأصل ومثل هاذا عبارة الإمام الحنبلي ونصه الهوية السارية في جميع الموجودات
هي عبارة عن الذات العلية الملاحظة لا بشرط شيء ولا بشرط لا شيء ذكره الحنبلي في كتابه المسمى بسرو السلوك إلى مالك الملوك وعبارة الحنبلي هاذه عبر فيها بالملزم
وسيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
عبر فيها بالازم ومقالهما واحد ولما كانت الهوية فما لا يمكن أن يعبر لجلالتها كما قال الله تعالى في سورة الاخلاص ( قل هو ) ثم شرح تلك بلوازمها وهي إضافية وسلبية " والإضافية أشد تعريفا والأكمل في التعريف هواللزم الجامع بنوع الإضافية والسلبية وذلك كون تلك الهوية لها قال الله تعالى ( قل هو الله أحد ) ليكون الله الكاشف لما يذل عليه لفظ "هو " فبان من هاذا وأن هاذا الإسم الذي "هو" وقال آخر في تصريفه " هو " اسم جامع لمعاني أسمآء الذات والصفات بمن سأل الله بهاذا الاسم الذي " هو " فقد سأله بجميع اسمآئه وصفاته وبهاذا التقرير تعلم جلالة سيدنا الشيخ رضي الله عنه وتمكنه في الأسمآء والصفات
وقد روي من قرأ هاذا الاسم ألف مرة " يا الله يا هو " فإنه يعطى كمال اليقين وهو استقرار الإيمان والمعرفة في القلب .
وفي نوادر الأصول أن هاذا الاسم الجليل وهو " هو " اسم لاصفة من الهوية خرجت الصفات وقولك " هو " إشارة القلب إلى المعروف الموصوف الذي وسعه القلب
حديث قدسي قال سبحانه و ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبد المومن
ألا ترى قوله تعالى ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم ) الآية
وبهاذا تعلم أنه أصل الأسماء وإليه يشيرالقلب لأنه الباطن الذي لا يدرك كيف هو إلا هو
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الإشارة مختصة بأهل الاستغراق والتحقق في الهوية الحقيقية فلانطباق بحر الأحدية عليهم واكتشاف الوجود الحقيقي لربهم فقدروا من يشار إليه فهو إلا هو لأن المشار إليه لما كان واحد أقرب إليهم من نفوسهم
كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلا إليه لفقد ماسواه في شعورهم لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية وغيبتهم عن وجودهم واجسامهم وأوصافهم الكونية وعلومهم ومقاماتهم وذلك غاية في التوحيد والاعظام منحها الله ذلك على الدوام بجاه سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام وأما الهوية الحادثة فهي عبارة عن الحقيقة الأحمدية والكمالات المحمدية وانما سميت بها لأنها تفجرت منها الينابع وتشعشعت منها المطالع فكانت هوية أخرى من هذا الوجه لأنها مثل القديمة جل ربنا تعالى كان الله ولا شيء معه سبحانه
ثم نزلت الهوية الأحدية عن ذاتها لذاتها إلى هوية حديثة مقيد وتنوعات متعددة بالهوية الأحدية سارية في هوية الأعيان المتعددة سريان الواحد في مراتب الأعداد وهو لا غير وإنما هي حجب وهميات وأسماء وصفات عدميات قآئمة في عددها بالوجود المطلق الذي هو عين كل وصل وحجاب كل فصل كما فصل الحق اسمه الرحمان من الله وفصل الرحيم من الرحمان
فلذلك تنوعت الأسماء والصفات وتعددت الأحدية في الواحدات وسجد كل قلب إلى موجود خاص ظهرت به الهوية وأقرت بربوبيته الواحدية حين عدم الاسم الظاهر بالمراتب الكونية بعبارة الاسم الباطن في مراتب الانسانية وقضى ربك ألا تعبد إلا اياه فكيف ينحجب الاسم الظاهر عن الوجود باسمه الباطن وقد نحسب حكمه على الوجود الحق بالقول الفصل وكيف يظهر له وجود وهو عين الباطن باسمه ومسماه في مراتب الظهور والبطون وهو الظاهر لأنه كان باطنا فإنه ما ثم من يبطن عنه وهو الباطن لأنه كان ظاهر لأنه ماثم من يظهر له فهو هو لأنه بالهوية موصوف ان كل موصوف محدود وكل محدود مدرك واقف وما يعلم جنود ربك وما هي إلا ذكرى للبشر ولما حكمت المراتب على الواحد بأسمائها وتعددت المظاهر بأطوارها كذلك تعددت الرقائق وتنوعت الحقائق بالحروف الجثمانيات والحدود الوهميات فتبين أن الواحد كبير واللطيف خبير بما تنزل في سحاب الوجود وترفع في حجاته لانه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ثم ان الالهية الأولى القاضية لعدم الأسماء والصفات المتجلية على نفسها بأحدية ذاتها المندرجة فيها الشؤون والمظاهر بتعيناتها الفائضة لعدم الأسماء والصفات منهالها علما بسرالوحدانية الجامعة لمعان الحقآئق والدقآئق وتفصيلاتها في عرصة البرزخية الرحمانية الثالية للبرزخية الإلهية بالاستوآء الإلهي على العرش الرحماني بظهور الأسماء والصفات عيانا ملكية واشخاص انسانية وتنوعات حيوانية ونباتية بحسب القوائل وتنوعت المراتب وتحول المظاهر وتبديل الشئون بظهوره والقلم وما يسطرون حين التقم الصور صاحب الصور وتعزز الصور بسرالبطون والظهور والتكوين وتناكحت الأبناء فظهرالأبآء والأبنآء واندرجت الأسماء تحث ظلال المسمى وغرب الاشراق بالتفاف الساق بالساق وظهر الوصف بالحرف وبطنت الذات بشروق الصفات بل ما وقع ظهور ولا بطون ولا اشراق ولا احراق ولا وجد معدوم ولا عدم موجود الا ما اظهره القدم من صفات الحدوث والعدم وهو الآن على ما عليه كان
وإذا علمت هذا التقرير بان لك وجه تكرر
سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه لفظ " الهوية " في هذه الصلاة النورانية وليس تكرارها عيبا بالقيامة لأن ذكر أرباب الفن بان تكرارها عيب مالم تكن تدل على الربوبية كما هنا وقال بعضهم سماعه لايطآء للملل ولأن من المعادات معادات المعادات وهذا الاسم الأعظم المقدس ليزداد على تكراره إلا حلاوة السمع
ورحم الله بعض العارفين حيث قال
أعدد ذكره إن القلوب تحبه * وفي ذكره قوت لها وشفآء
الساري سرها في الناسوتية واللهوتية
هاذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم فإن سرها قد سرى في جميع العوالم الناسوتية والعوالم اللهوتية أي سارية متحللة في سائر أسماء المخلوقات باعتبار مسماتها إذ لاشيء وهو به مرتبط من حيث الايجاد والامداد
قوله الناسوتية
على الأشباح كما أن اللهوت عالم الأرواح
قال العارف إمام ناسوتي لمن اوجده * حيث لاهوتي إلى الباري ذاتي
وإن شئت قلت الناسوتية العوالم السفلية واللهوتية العالم العلوية ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم قد سرى سره في المخلوقات إيجادا وإمدادا وهو أصل الموجودات وعنصرها وأساسها كما يشهد لذلك حيث سيدنا جابر وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال سيدنا جابر قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني على أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال يا جابر ان الله تعالى خلق قبل الأشياء نو نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شآء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جن ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا ارض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا انسي فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزآء فخلق من الجزء الأول نور أبصار المومنين ومن الثاني نور قلوبهم وهو المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله
قلت وهاذه القسمة لا توجب قسمة المهابة المحمدية لا يوجب الاقتباس من الأنوار قسمتها ولا تنقص منها وبهاذا يندفع الأشكال
وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه يا عمر أتدري من أنا أنا الذي خلق الله عز وجل أول كل شيء نوري فسجد لله فبقي في سجوده سبعمائة عام فأول كل شيء سجد لله نوري ولا فخر يا عمر بن الخطاب أتدري من أنا الذي خلق الله العرش من نوري والكرسي من نوري والعقل الذي في رءوس الخلائق من نوري ونور المعرفة في قلوب المومنين من نوري ولا فخر
وفي سيرة الحنبلي قال رأيت في كتاب التشريفات في المناقب المعجزات عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل سيدنا جبريل عليه السلام فقال يا جبريل كم عمرت من السنين قال يا رسول الله لست اعلم غير أن في الحجاب الرابع نجما يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة رأيته إثنين وسبعين ألف مرة فقال صلى الله عليه وسلم وعزة ربي أنا ذاك النجم الكوكب رواه البخاري انظر النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب تأليف سيدنا ومولانا الشيخ هاذا فيه كلام نفيس ولا ريب فيما أشار إليه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه
أن يكون اشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم ممد أهل السموات وأهل الأرض فمنه امدادات أهل الملك الباطن وأهل الملك الطاهر ولا اشكال في هذا إذ هو واسطة الكل ورسول الجميع وقد ذهب جماعة من المحققين ورجحه تقي الدين السبكي إلى أنه مبعوث إلى الملآئكة ونقل بعضهم الاجماع عليه كما في المواهب ويفهم من تفسير القشيري في سورة الإسرآء ان حكمة عروجه إلى السمآء تأذب الملائكة بأذابه عليه السلام حيث لم يقف مع مقام ولا حال ولم يلتفت إلى شيء كما أشار تعالى : إلى ذلك بقوله ( ما زاغ البصر وما طغى ) الآية
فالملآئكة حينئذ دخل في الاقتباس منه والاهتداء بهديه
وقال سيدي علي بن وفا رضي الله عنه وأرى سريان سره في الأكوان ومعناه " المشرف في مجاليه الحسان وقال أيضا وسرك المنزه الساري في جزئية العالم وكلياته علوياته وسفلياته وقلت في هذا المعنى محمد ممد كل العالمين أهل السموات وأهل الأرضين ممده في العالم العلوي له سرايته وفي السفلي وشبهت الأولى بالأسرار والثانية بالأنوار أن يكون أشار إلى أنه السبب في إدراك الأرواح يوم ألست بربكم واقرارها في التوحيد كما أنه السبب في الإقرار الثاني في العالم الجسماني
وقد نبه سيدنا علي كرم الله وجهه على أنه صلى الله عليه وسلم دعا الأرواح يوم ألست بربكم إلى الاقرار حين كانوا كالذرر
ونقل كلامه أي شعب الإيمان فشبه الأول لخفآئه بالأسرار والثاني لوضوحه بالأنوار وقلت في هذا المعنى لولاك ماأهتدت الأرواح يوم ألست حين خاطبها المولى لقول بلى وغشيها النور منك فاستبان الهدى فلم تجب بنعم ولم تعتبر بلا
أن يكون أشار إلى أنه هو الممد للخاصة وخاصتهم بعلم الباطن ولعامة العلمآء بعلم الظاهر وسيأتي العلوم الثلاثة
الحادي عشر أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم : الواسطة في علم الحقيقة الذي من خلا عنه تفسق وفي علم الشريعة الذي من خلا عنه تزندق
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم الواسطة في نيل النبوءة والرسالة لللأنبيآء والمرسلين وفي نيل الولاية والقرب لللأوليآء والمقربين فشبه مدده الأول بالأسرار لأنها أدق واعلا
قال الحاتمي في الفتوحات مستمد جميع الأنبيآء والمرسلين من روح محمد صلى الله عليه وسلم إذ هو قطب الأقطاب فهو ممد لجميع الناس أولا وآخرا فهو ممد كل نبيء وولي سابق على ظهوره حال كونه في الغيب وممد به أيضا لكل ولي لاحق فيوصله بذلك إلى مرتبة كماله في حال كونه موجودا في عالم الشهادة وفي حال كونه منتقلا إلى الغيب الذي هو البرزخ والدار الاخرة فإن أنوار رسالته صلى الله عليه وسلم غير منقطعة عن العالم من المتقدمين والمتأخرين ثم قال فكل نبيء تقدم على زمان ظهوره فهو نآئب عنه في بعثته بتلك الشريعة انتهى
وقد قال ابن وفا في صلاته وسرك المنزه الساري في جزئيات العالم وكلياته علوياته وسفلياته من جوهر وعرض ووسآئط ومركبات وبسآئط انتهى
وفي حديث عمر المتقدم أنا الذي من أجلي أخذ الله ميثاق الأنبيآء والرسل والأمم واقرار نبوتي وفضلي وأن يتواصوا به قرنا بعد قرن
وقال عز وجل : { وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين لما اتينكم من كتب وحكمة ) ثم جآءكم رسول في آخر الزمان إسمه محمد بن عبد الله مصدق لما معكم من نعثه وصفته لتومنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك قال الله عز وجل آقررتم بأن خيرتي من خلقي وصفي أحمد خاتم النبيئين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين وحجة الله على الخلائق أجمعين وآخدتم على ذلك إصري وعهدي وميثاقي قالوا أقررنا قال الله عز وجل : { فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } الآية : إن خيرتي من خلقي وصفي أحمد فمن تولى بعد ذلك فألائك هم الفاسقون ولافخر
وقيل أن الله تعالى لما خلق نور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمره أن ينظر إلى أنوار الأنبيآء عليهم السلام فغشيهم من نوره ما أنطقهم الله به وقالوا يا ربنا من غشينا نوره فقال الله تعالى هذا نور محمد بن عبد الله إن آمنتم به جعلتكم أنبيآء قالوا آمنا به وبنبوئته فقال الله عز وجل أشهد عليكم قالوا نعم فذلك قوله تعالى { وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين } الآية قال تقي الدين السبكي في هذه الآية الشريفة من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلي ما لايخفى وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوءته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمان آدم إلى يوم القيامة
ويكون الأنبيآء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله وبعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا فهو نبيء الأنبيآء ولهذا ظهر ذلك في الآخرة يكون جميعهم تحث لوآئه وفي الدنيا ليلة الاسرآء حيث صلى بهم وبهذا بان لنا معنى حديثين كانا خفيا عنا أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الناس كافة كنا نضن أنه من زمانه إلى يوم القيامة فبان أنه جميع الناس أولهم وآخرهم
والثاني قوله صلى الله عليه وسلم كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد كنا نضن أنه بالعلم فبان أنه زآئد على ذلك
أن يكون أشار أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الواسطة في الاستدلال بالله على الأشيآء الذي هو وضيفة الخاصة والاستدلال بالأشيآء على الله الذي وضيفة العامة قال في الحكم شتان بين من يستدل به ويستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله وأثبت الأمر من وجود ا صانه والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى يكون الاثار هي التي توصل إليه وإيضاحه ما أشار له في الفرق بين الجذب ولاسلوك بقوله فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ثم يرقيهم إلى شهود صفاته ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه ثم يردهم إلى شهود أثاره والسالكون على عكس هذا فنهاية للسالكين بداية المجذوبين وبداية السالكين نهاية المجذوبين لاكن لابمعنى واحد انتهى
وحاصله أن من فنى في شيء غاب عن غيره فإذا حصلت منه إفاقة وتنبه إلى ما كان غآئبا عنه كان ذلك على وجه ضعيف فاحتاج إلى الاستدلال عليه ولا شك أن الاستدلال بالله على الأشيآء أدق وأعلى فلذلك تنبه بالأسرار وقلت في هذا المعنى
محمد واسطة السلوك * والنظم في معظم السلوك
نبينا ممد أهل الجذب * مغيبهم بالخصب بعد الجذب
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم ممد المشآيخ والمريدين وكل يشهد ويتوجه إليه المدد منه على حسب حاله ولا شك أن حظ الأولين أعلآ وأشرف فتنبه بالأسرار قال الشيخ ابو المحاسن رضي الله عنه في بعض أجوبته " سآئر الأوليآء والعلمآء رضي الله عنهم صور تفصيله صلى الله عليه وسلم وخلفآؤه ومظاهر تعيناتها منهم إلا وهو سابح في نوره وممتد من بحره على حسب مقامه
ثم قال فعلى هذا بلا زائد ولا مرور إذ له ومنه صلى الله عليه وسلم إذ هو أول موجود أخرج بين العدم ورابطة بين الحدوث والقدم وأس الخليقة على التمام
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم المظهر لما أودع الله سبحان في مكوناته من الأسرار بعد ما كانت القلوب غافلة عنها والأرواح جاهلة بها فنبه صلى الله عليه وسلم القلوب لما كانت عنه غافلة والأرواح لما كانت به جاهلة والمنير لللأنوار المظهرة للموجودات أعني الشمس والقمر والنجوم إذ من نوره خلقت كما سبق قوله
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه به صلى الله عليه وسلم صارت الأسرار أسرارا وبه كانت الأنوار أنوارا وذلك اللطيفة الربانية التي كان منها الإنسان إنسانا لها أسمآء مترادفة تارة تسمى " نفسا " أو قلبا أو " روحا " أو "سرا لأنه مادام الإنسان في مقام الإسلام تسمى " نفسا فإذا خلص منه إلى مقام الإيمان سميت " قلبا ثم ترقى إلى مرتبة الإحسان وهي المراقبة المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم إن لم تكن تراه فإنه يراك .
وهي المشاهدة المشار لها بقوله صلى الله عليه وسلم
أن تعبد الله كأنك تراه سميت " سرا ولا شك أن هذا الترقي والانتقال لا يتوصل إليه إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم فيه صلى الله عليه وسلم تصير النفوس قلوبا ويتوصل الإيمان وبه تصيرالقلوب أرواحا ويتوصل للمراقبة وبه تصير الأرواح أسرارا ويتوصل للمشاهدة
فتنبه سريان سره صلى الله عليه وسلم
الحائطة بمعاني الجزئية والكلية
هاذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم فانها حائطة بمعاني الأسمآء والمسميات الجزئية والكلية ولا شيء عنها محجوب فهي مطلعة على عرشه علوه وسفله دنياه وآخرته وناره وجنته لأن جميع ذلك خلق لأجله صلى الله عليه وسلم فتميزه خارق وحآئط فهذه العوالم كلها فعنده تمييز في أجرام السموات من أين خلقت ومتى خلقت ولم خلقت وإلى أين تصير في جرم كل سمآء وعنده تمييز في ملآئكة كل سمآء وأين خلقوا ومتى خلقوا ولما خلقوا وإلى أين يصيرون
يميز اختلاف مراتبهم ومنتهى درجاتهم وعنده صلى الله عليه وسلم في الحجب السبعين وفي ملآئكة كل حجاب على الصفة الصابقة وهاكذا عنده صلى الله عليه وسلم تمييز في الأجرام النيرة التي في العالم العلوي " مثل النجوم والشمس والقمر واللوح والقلم والبرزخ والأرواح التي فيها على الوصف السابق
وكذا عنده صلى الله عليه وسلم تمييز في الأرضين السبع وفي مخلوقات كل أرض وما في البر والبحر من ذاك فيميز ذاك على الصفة السابقة وكذا عنده صلى الله عليه وسلم تمييز في الجنان ودرجاتها وعدد سكانها ومقاماتهم فيها وهكذا على عدد ما بقي من العوالم وليس في هذا مزاحمة للعلم القديم الأزلي لانهاية لمعلوماته وذاك لأن ما في العلم القديم لم ينحصر في هذا العالم في شيء
ثم الروح إذا أحبت الذات أمدتها بهذا التمييز فلذالك كانت ذاته الطاهرة صلى الله عليه وسلم تمييز ذاك التمييز السابق وتخرق به العوالم كلها فسبحان من شرفها وكرمها وأقدرها على ذلك
قلنا إن ذات النبي صلى الله عليه وسلم ليست كسآئر الذوات لأن روحه صلى الله عليه وسلم قد سرى الفهم في سآئر أجزائها كما يسري في جميعها أيضا سآئرالحواس مثل السمع والبصر والشم والدوق واللمس والعلم قآئم بجميعها حتى أنه مامن جوهر من جواهرها إلا وقد قام به علم وسمع وبصر وشم وذوق ولمس يبصرها من سآئر الجهات وكذا بقية الحواس
فإذا أحبت الروح الذات وزال الحجاب الذي بينهما أمدتها بهاذه البصيرة فتصير الذات من أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال بجواهرها كلها وتسمع كذك وتشم
وبالجملة فما كان للروح يصير للذات وقد زال الحجاب بين الذات الطاهرة وبين الروح الشريفة يوم شقت الملآئكة صدره الشريف صلى الله عليه وسلم وهو صغير ففي ذلك الوقت وقع الالتحام والاصطحاب بين روحه وبين ذاته صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه وقد قال صلى الله عليه وسلم
لأصحابه رضي الله عنهما أقيموا ركوعكم وسجودكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه " ولتذكر ما يثبت فؤادك
اعلم أن ذوات الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام أرواحهم ليست كغيرهم فكل جارحة قام بها سمع وبصر وشم وذوق ولمس وعلم وليس ذاك كما في غيرهم
ويشهد ذاك قضية نملة سيدنا سليمان عليه السلام فإنها تكلمت من بعيد جد البعد على مسافة بعيدة وقالت ياأيها النمل أدخلوا مساكنكم لايطمنكم سليمان وجنوده فلما سمعها من بعيد تبسم ضاحكا من قولها .وكذلك قضية سيدنا يعقوب عليه السلام حين أرسل إليه ولده نبي الله يوسف عليه السلام القميص مع العير
فشم رآئحة القميص من بعد جدا كثيرا وقال اني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون
وإذا كانت الأنبيآء هاكذا فنبينا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حاز من ذلك أعظم
كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم استنجوا بالماء البارد فإنه مصحة للبواسر وقوله أكل السفرجل يذهب بظخآء القلب "أي كربه وثقله وقوله أكل التمر أمن من الفولنج وقوله الحبة السودآء شفآء من كل دآء إلا السام وقوله عليك بأول السوم فإن الربح مع السماح وقوله ان أشرف المجالس ما استقبلت به القبلة وشرار الناس من يبغض الناس ويبغضونه .
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم
السبب في فتح أبواب البصآئر وأبواب الأبدان التي هي الحواس لإدراك ما ندركه إذ هو صلى الله عليه وسلم الواسطة في نيل العقل الذي به الادراك كما يأتي وما ورد من رجوعه عن رأيه إلى رأي غره كما في قصة بدر من رجوعه لرأي الخباب بن المنذر حيث نزل صلى الله عليه وسلم بأدنى مآء من مياه بدر فقال خباب هذا منزل أنزلك الله فلا تتقدم ولا تتأخر عنه "أي هو رأي ومكيدة حرب فقال بل هو الرأي والمكيدة فقال ليس هذا بمنزل بل الرأي أن نسير حتى نأتي أدنى مآء من مياه بدر فتنزله ثم ثغور ما ورآئه ونبني عليه حوضا ونعلاه ثم نقاتل ونشرب ولا يشربون فقال أشرت بالرأي ورجع لما قاله فيحتمل أن يكون ذلك تنزلا منه إلى مقام من دونه أو هو مما يجري عليه كما يجري السهو في الصلاة ليكون بشرا كسآئر الناس فيهاذا اختصاص به تواضعا أو ليقدم رأي غيره تطييبا له
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم الوسطة فيما حصل لأهل التحقيق من العلمآء من أسرار والعلوم ودقائقها وما حصل لمطلقهم من طواهرالعلوم وما لابد من قواعدها تنبيه الواو في المتن على هذه الوجوه تارة تكون لعطف السابق كما في هذا الوجه الاخر وتارة لعطف لاحق كما في الوجه الذي قبله أسبقية العقل وتارة لعطف المصاحب كما في الذي قبلهما وتارة محتملة كما في أول الوجوه فانه إن أريد الأسرار للمجذوب والأنوار للسالك فهي العطف المصاحب تنبيه " لا يخفى أن كلا من هذه الوجوه والاحتمالات مختص به ومقصور عليه وبه تعلم نكتة تقديم المعمول عبارة الشيخ نفعنا الله تعالى قوله رضي الله عنه
وفيه ارتقت الحقآئق فيه باعتبار حملته احتمالات ووجوه
أحدها أن يكون أراد بالحقآئق علوم المعرفة كما يتبادرتعبيره بالحقآئق ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم إمام ائيمة العارفين والمبين لجميع مقامات اليقين كما صرح به قوله اني لأعلمكم بالله وأشدكم خشيته وقوله إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا فشبهت العلوم المذكورة بالشموس والأقمار وطويت الأركان سوى المشبه لاستعارة مكنية ودل على ذلك بذكر الرديف الذي هو الارتقآء تخييلا وشبه صلى الله عليه وسلم بالسمآء في المحلية لشروق الأنوار كناية أيضا ودل عليه بالحرف المناسب للمشبه به وهو في كما في لأصلبنكم في جذوع النخل قال في الحقآئق على هذا للاستغراق النوعي أي نوع علم المعرفة وفي الوصف بالوهبية إشارة لذلك وفيه تنبيه على أن علمه عليه الصلاة والسلام كان مطويا جبليا لا مكتسبا قال وفي الشفآء وكان فيما ذكرى المحققون مجبولا على حسن الأخلاق في أصل خلقته وأول فطرته لم تحصل له باكتساب ولا رياضة إلا بوجود إلاهي وخصوصية ربانية وهكذا سآئر الأنبيآء ومن طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك كما عرف من حال سيدنا عيسى وموسى ويحيى وسليمان علهما سلام الله وغيرهم بل غرزت فيهم هذه الأخلاق في الجبلة وأودعوا العلم والحكمة في الفطرة انتهى
والإضافة في سمآء باطنه من إضافة المشبه به للمشبه استعارة إلى الاستعارة في الضمير وفي شموس إشارة لنا في الحقائق وطور روحه من إضافة المشبه به أيضا والتشبيه في التجلي لا منه في الشبه متواه متتابع وفيه إشارة إلى أن علومه الوهبية عن مشاهدة ومعافته لا بمجرد الإلهام ولها توالت التجليات أشرقت في أفق سره الأسرار التي هي دقآئق ذلك العلم وان كان كله دقيقا نفيسا
وحديث إن أتقاكم وأعلمكم بالله إن أخرجه البخاري عن عآئشة رضي الله عنها وذلك لأن الله جمع له بين علم اليقين وعين اليقين أحق اليقين مع الخشية والعظمة والجلال على نهج لم يبلغه غيره والأئيمة العارفين يحتمل أن يكونوا من كثر كلامه في الحقآئق والمعارف كالعشرة ومن ظهاهم رضي الله عنهم فإن كلامهم في ذلك كثير مسطور في التأليف ويحتمل أن يكونوا من بعدهم ممن يخص لذلك وحرره وهذبه وأكمل بيانه وتفصيله كالجنيذ وسرى وأبي سليمان الدارني والحسن البصري
وإيضاح المقامات بيان حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجات أضدادها وغير ذلك مما يتعلق بها بالكتاب الذي أنزل عليه وأحاديثه الثابتة كفيلة بذلك ومضمنة له مقام المحبة مثلا بين ان سببه اجتباه الله واصطفاه الله
وعن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه أهاب كبش فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نورالله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغدوا له بأطيب الطعام والشراب ودعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون تضمنت الآية والحديث أن المحبة مأخذة من الله تعالى لقلب من أحب حتى لا يبقى فيه بقية لغيره ويدل في الوصول له والقرب منه جميع المحبوبات والماذوذات وقوله المرء مع من أحب
بين نتيجتها وثمرتها وانها الوصال والشهود وأشار لعلامتها بقوله أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله تعالى واليهما معا بقوله اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك أحبك وحب ما يقربني إلى حبك واجعلك أحب إلي من المآء البارد
وإلى أن قولتها تتضمن الشغل عن غير المحبوب بقوله لمن قال أني أحبك استعد للفقر وتتضمن اختباره بقوله لمن قال اني أحب الله استعد للبلآء وتوريثه صلى الله عليه وسلم لمقامات اليقين يكفيك في فهمه أن الله بعثه وما على الارض مومن فدهاهم وأمدهم فظهر من كمال الزهد والعبر والشكر والرضى وغيرها من مقامات اليقين مالم يعبد في أمة وتصفح حال أهل الصفة رضي الله عنهم يريد العجب العجاب
أن يكون أراد بالحقآئق جميع العلوم فتكون الاستغراق الحقيقي والتقدير الاستعارة على ما تقدم ولما أراد الله تعالى إظهار سيادته لجميع الخلق وتقدمه عليهم وكونه موضع نظره منهم الذي به يده عليهم متنوعات رزقه ركب فيه أكمل العقول وأوسعها فوسع العلوم والمعارف مالم يتأهل له عقل مخلوق وبلغ في مكانة العلم بأحكام الله وأيامه وسياسة خلقه وتأديبهم وما يصلح معاشهم ومعادهم مبلغا لم يصل إليه أحد من الخلق وتعويه أهل المنقول عليه واضح وكذا أئمة المعقول لحقيه كلامه واصابة نظره ففي الأصول الأصح أن ترك الاستفصال بتنزل منزاة العموم في المقال لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشرة نسوة امسك أربعا وفارق سآئرهن لم يستفصل هل تزوجهن معا امرنا فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق لامتناع الاطلاق في محل التفصيل المحتاج إليه ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بكل فرض أهل ذلك الفن وكيف الا ومنه اقتبسوا واغترفوا وقد قال صلى الله عليه وسلم أنا مدينة العلم وعلي بابها وما من عالم ضربت له أكباد الإبل في اشتات العلوم العقلية والنقلية ممن تقدم وتأخر الا وكلامه قدوة له وإشارته حجة له ومن تامل حسن نذيره صلى الله عليه وسلم للعرب الذي كانوا مشردين ومتصفين بالطبع المتنافرالمتباعد كيف ساسهم واحتمل صفاهم وصبرعلى أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه وقتلوا دونه أهليهم وآبائهم وأبنائهم وأختاروه على انفسهم وهجروا في رضاه أوطانهم وأصابهم من غير ممارسة سبقت له ولا مطالعة كتب له يتعلم بها سيرالماضي تحقق أنه أعقل العالمين ومن طالع بسيره وكلماته الجامعة للحكم التي تتحير فيها عقول البلغآء والحكمآء والكتب الجامعة لحديثه وبديع سيرته وعلمه بما في الكتب وأخبارالقرون الكثيرة الماضية وقصص الأنبيآء والوقآئع في الحروب والمجادلات وأمثاله النبوية وتذبيرالأحوال وما يتعلق بأحكام الشرع في المعاملات وغيرها وبيان أصول الأدب التي تتأدب بها الناس في مجالستهم ومحاورات كقوله صلى الله عليه وسلم أكرموا عزيز كل قوم ونهيه عن الملاحدة والمجادلة وقوله توادوا تحابوا إلى غير ذلك مما ورد عنه في تعبير الرئيا والطب النبوي وأنساب الناس ومرائضهم والمغيبات وعجآئب القدرة والملكوت تحقق بلوغ عقله النهاية وعلمه إلى كل غاية والارتقآء على هاذين الوجهين بمعنى الطلوع أي الظهور والتجلي الوجه الثاني الارتقآء أن يراد به ارتفاع حقآئق العلم بكمال التحقيق إذ لا تحقيق يقارب تحقيقه فضلا عن أن يساويه لأنه أطلعه الله تعالى على حقآئق الأشيآء على ما هي عليه وعلوم العلمآء لا تخلوا من احتمالات وظنون ولهاذا يخطيء بعضهم بعضا ويرد بعضهم على بعض وثتبدل أراؤهم في المسئلة الواحدة ويرحم الله ملكا في قوله كل كلام يحتمل الرد والقيول إلا كلام صاحب هذا القبر يشير إليه صلى الله عليه وسلم وقيل في هذا المعنى وما قبله
محمد مطلع أنوار العلوم * من شمس عرفان وبدر ونجوم
منه استفادها الخصوص والعموم * فانسب إلى اطلاق العلوم
أطلعه الله على الحقآئق * فكل ما قد قاله مطابق
قد أوضح السبل والطرآئق * وبين النكث والدقآئق
فالارتقآء على الوجه السابق بمعنى الظهور وعبرعنه بالاتقآء وبالارتقآء وبالطلوع في طلعت الشمس لعلو المحل وعلى هذا الوجه وما بعده بمعنى الارتفاع الثالث أن يراد ارتفاعها بكمال البث والانتشار لكثرة الأخدين عنه والناقلين إلى غيرهم فإنه أكثر النبيئين أتباعه إلى يوم القيامة وقد ورد أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا أمته منها ثمانون وسآئر الأمم أربعون
هذا وصف لروحه صلى الله عليه وسلم وذالك إن روحه صلى الله عليه وسلم أقوى أرواح الأنبيآء نورا خرق العرش والفرش وغيرهما من العوالم ولم تبلغ روح أحد ذاك القدر العظيم بالوجه المخصوص إلا روح نبينا صلى الله عليه وسلم لأنها سلطان الأرواح وقد سكنت في هيكله الذاتي العظيم القدرالنواني
ولذلك وصفه سيدنا الشيخ رضي الله عنه بقوله العظيم القمري سكنى الرضى والمحبة والقبول وارتفع الحجاب الذي بينهما فصار ذوق روحه الشريفة على كماله وخرقه للعالم ثابثا لذاته الطاهرة الترابية وبالجملة فهي تذوق بجميع ذاتها وسآئر جواهرها وما يجب لها عن سآئر حواسها وهذا الذوق خارجة عن العادة يحصل عند رؤية لفظ الجنة ولفظ الرضوان ولفظ الرحمة مثلا وأما إذا سمعت القرآن العزيز أول ما تذوق عند سماعه نور قول الحق الذي فيه أنوار أخرى
وهذا هو الكمال الذي لا كمال فوقه
ووصفه سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه الهيكل العظيم لأنه لاهيكل ذاتي يشبه هيكله صلى الله عليه وسلم لأنه قامت فيه الروح العظيمة الشريفة وحملها ولعظمة ما اطاقها ولو سكنت في غيرها لاضمحل وتلاش
فإذا تأملت فيما أشرنا إليه سابقا في وصف روحه الشريفة علمت أنها أكبر الأرواح قدرا لأن الأرواح تمتلت باختلاف ذواتها في الصغر والكبر وأن من الأرواح من حجمه صغيرا ومنها من حجمه كبير ولاشك أن من حجمه كبيرا فجواهره أكثر فتكون عارفة بربه عز وجل أكثر وأكبر الأرواح قدرا وأعظمها حجما روحه صلى الله عليه وسلم فإنها تملأ السموات السبع والأرضين السبع ومع ذلك فقد انطوت عليها الذات الشريفة واحتوت على جميع أسرارها فسبحان من اقدر هاذا الهيكل الشريف على ذلك لأنه إذا سكنت الروح في الذات سكنى المحبة والرضى والقبول وزال الحجاب الذي بينهما امدتها بصفآئها الحسي والمعنوي
فيحصل في الذات صفآء حسي ينشأ عنه صفآء الدم في الذات وذلك بأربعة أمور خفية زوال الثقل عنه بأنه على قدر ثقل الدم يكون خبثه وتكثر معه الشهوات وعلامة رائحته تكون كرائحة العجين وأما الدم الخبيث بأن رائحته كرائحة الحمإ المسنون وصفآء لونه أن يضرب إلى الصفرة وأما الدم الخبيث فإن لونه يضرب إلى السواد وعلى قدر لونه من السواد خبثه وصفآء طعمه وعلامته أن يكون حلوا
وأما الدم الخبيث فإن طعمه كطعم الشيء المحروق
فإذا صفآ جوهره نزعت منه حضوض الشيطان وانقطعت منه الشهوات وكلام المعاصي ثم تصيرعروق الذات تتغدى بهاذا الدم الصافي فتصفوا بصفآئه وتنقطع منها الشهوات وعلآئق الشيطان فإذا حصل في الذات هاذا الصفآء الحسي والمعنوي أخذتها الروح بالصفآء المعنوي فتصيرعارفة بربها في ظاهرها بجميع جواهرها
وإذا حصل الصفآء الحسي والمعنوي للذات الطاهرة لأنها احتوت على الروح الشريفة وأخذت جميع أسرارها على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام ومن هنا تحسرت الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام فرأت سر ذاته صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يدركوها حقيقة ومن هنا كان القرآن الحكيم الذي هو كلام الله اشرف من القرآن الذي أنزل على غيره من الأنبيآء عليهم السلام لأنه وإن كان كلام الله أشرف لاكن فاتحة الذات المحمدية الذي أودعه الله فيها فكانت معجزة القرآن إلى آخر الدهر والأعمار فإذا علمت هذا لاحت لك بارقة شمس المحمدية تنبيه على قمر الأحمدية
وإنما وصف الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الهيكل الشريف العظيم لتحمله مالم يحمله غيره وصفه بالقمر تقريبا لأنه نور محض وإلا فشتان بين نوره وبين نور القمر لأن ذاته صلى الله عليه وسلم مسقية بجميع أنوارالأسمآء الحسنى وممدودة بأسرارها فيكون في ذاته صلى الله عليه وسلم نور البصر ونورالرحمة ونورالعفو ونورالحلم ونورالمغفرة ونو العلم ونورالقدرة ونورالسمع ونورالبصر ونور الكلام
وهاكذا حتى تأتي على جميع الأسمآء الحسنى وممدودة باسرها في الذات الشريفة على غاية الكمال يشهد قول الصحابي الجليل سيدنا حسان رضي الله عنه في وصفه لما قدم عند النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه وهم كفار قريش فقالوا له صف لنا ما رأيته من محمد وبذلوا له مالا على أن يهيجوه بما يناسب بعظهم فيه فقال حسان ابن ثابت رضي الله عنه
في رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظرت إلى أنواره سطعت * وضعت كفي خوفا على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته
فلست انظره إلا على قدري
إن الأنوار من نوره في نوره غرقت
والوجه مثل طلوع الشمس والقمر
في جسم من القمر كحلت * نسجت في الأنجم الزهري
فقالوا له ما هذا الذي رأيت قال وعار على الرجل أن يصف الكذب
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه فقد أطنب في هذا الباب وبين لأهل المحبة ما يزيدهم رغبة لرب الأرباب
ورضي الله عن أمنا عآئشة رضي الله تعالى عنها أم المومنين حيث قالت
فلو سمعوا في مصر أوصاف خذه * لما بذلوا سوم يوسف من نقد
وصحب زليخ او رأين حبيبه * لأثرن بالقطع الفؤاد على الأيدي
وقال بعضهم من المحبين
لم لايضيء بك الوجوه وليله * فيه صباح من جمالك مسفر
فبشمس حسنك كل يوم مشرق * وببدر نورك كل لليل مقمر
ورحم الله القائل
بهرت بالحسن أهل الحسن فأبهروا
حتى كأنهم في الحي ما أظهروا * وصرت قطب جمال فاستمد سنى
من وجهك النيران * والشمس والقمر
لو بصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم لكان أول من سجد
أو لو رأى النمرود نور جماله * عبد الجليل مع الخليل وما عنده
ولكن جمال الله فلا يرى * إلا بتخصيص من الله الصمد
وقد عمت دعوته صلى الله عليه وسلم الأقطار وبلغت إلى جميع القرى والأمصار وتعلم منه الإنس والجن والملآئكة ويحقق لك هذا عموم بعثته قال تعالى ولقد صرفنا إليك نفرا من الجن يسمعون القرآن وقال وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
وقال ليكون للعالمين نذيرا
والعالم هو ما سوى الله تعالى وبعثته للملآئكة رجحها تقي الدين السبكي وقال ابن حجر الهيثمي هو إلا صح عند جمع من المحققين قال صاحب المواهب نقل بعضهم الإجماع على ذلك وأشار القشيري إلى أن حكمه عروجه إلى السمآء تأدب الملائكة بأدابه عليه السلام حيث لم يقف مع مقام ولا حال ولم يلتفت إلى شيء من لم سوى كما أشار إلى ذلك بقوله { ما زاغ البصر وما طغى } فالملآئكة دخل في الاقتباس منه والاهتدآء بهديه
أن يراد ارتفاعها فيه بكثرة الانتفاع المرتب على النشرالمقصود بالذات منه وذلك بالعمل بمقتضى ما بثه ونشره ولا شك أنه ترتب على تبليغه ودعآئه صلى الله عليه وسلم من أجناس العبادات وأنواعها وأصنافها وإفرادها ما لا يحيط به العليم الخبير حتى استاذنوه في الوصال فنهاهم عنه واحتاج إلى أن يوصي بقوله عليكم من الأعمال ما تطيقون وكثرة الانتفاع ثابتة وكيفية فكم وقع على يديه من زهد وصبر ورضى وشكر ومحبة وغيرها ووقعت عظيمة بالغة الغاية ثم إذا اعتبرت ما ظهر من ذلك بواسطة خلفآئه ونبوابه اتسع نظرك واستحضرت ما يبهتك حتى يقول ابوالعباس المرسي مابيني وبين الرجل إلى أن انظر إليه فأوصه إلى الله من حينه ولقد نقل عن الشيخ مطر الباردي أنه ما وقع بصره على عاص إلا صار طائعا
وامثال هذا في أمته الشريفة أكثر من أن يحصى وفي الصحيحين عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت المآء وأنبتت الكلآء والعشب الكثير وكانت منها طآئفة اجادب امسكت المآء فنفع الله به الناس وشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طآئفة أخرى إنما هي قيعان لاتمسك مآء ولا تنبت كلآء فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه باجتماعها على التمام فإنه علم علم الأولين والآخرين وأوتي علم كل شيء ويكفيك فيه هذا استمداد اللوح والقلم من علومه إذ هما مخلوقان وعلمهما محصور وهو صلى الله عله وسلم ممد المخلوقات وله علوم أخرى من ربه متزايدة ويرحم الله البوصيري حيث يقول
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
الحديث أن يراد ارتفاعها بملازمة الوعظ والتذكيرالذي هو روح العمل فقد كانت مجالسته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب اما بتلاوة القرآن وبآتيه من الحكمة والموعظة الحسنة وتعليم ماينفع من الدين كما أمر الله تعالى فكانت تلك المجالس توجب اصحابه رقة القلوب والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والإقبال على الله تعالى والادبار على ما سواه
أن يراد ارتفاعها بتوفيتها حقها من بذلها للمستحق وصونها عن غيره وخطاب الناس على قدر عقولهم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له علمني من غرآئب العلم عن طلب ذلك لعدم تأهله له وأمره بأحكام ظاهرالعلم وقال خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بجمعه مافترق في النبئين والمرسلين مما يرتفع به العلم ويعلوا وهو وجوه كثيرة لاحصر لها والمذكور هنا بعضها ولهذا تأخر بعثه عنهم وختموا به وفي ذلك من الفضل أنه اطلع على شمآئلهم وخصآئصهم وشرآئعهم وسآئر أحوالهم
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بكمال ثمرتها فكان إذا نظر إليه الناظر ذكر الله وكانت صفاته وأفعاله وأحواله تذكر بالله وقد تقدم أنه مرآة ومجلا لأسرار الذات وأنوار الصفات
الحديث يراد ارتفاعها فيه بعدم التعلم والاكتساب " كفاك بالعلم في الأمي معجزة فإنه لم يسبق له سيء من العلوم فيشتبه العلم الموهوب بالمكتسب ومع كونه لايكتب ولا يقرأ مكتوبا أطلعه الله على علوم الأولين والآخرين وجعله القدوة العظمى لجميع الخلق في كل علم وحكم وحكمة وخلق حسن وكل كمال على الاطلاق فللأطبآء من الحديث أصول ألف فيها غير واحد وجمع منها الأربعون وهي أكثر من ذلك ولأئمة أصول الدين منه أصول وقد جمع البكي أحاديث في أصول علم الكلام في شرحه على الحاجبية ولأئمة الطريق منه أصول جمعها في رسالة الشانين وجمع الفقهآء أصول المذاهب في كثير من الكتب كشروح الموطا والمدونة والأحاديث في علم التفسير وقوله صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض قال المضمون هو أصل في رجوع الكواكب الثوابت والسيارة إلى مواضعها التي خلقت فيها
الحديث يراد ارتفاعها فيه بسريانها في القلوب وأخذها بمجامعها وحلولها في مويدآئها وصبغها لها فتتأثر بها وتنفعل لها حتى تخرج أوصافها وتخلفها اضدادها ويصير رضاه هو محنو بها وبذلك ألف بين الفريقين المتاعدين المتنافرين وهما العرب والعجم حتى صاروا إخوانا
فانظر هذه الرابطة التى مربط بها قلوبهم ما أمثنها وأقواها وتأمل هذه الحلاوة التي قادتهم بعد الشرود وجمعتهم بعد التفرق ما أدقها وأعلاها
ومن صفته صلى الله عليه وسلم في التورية كما في حديث عبد الله بن سلام وكعب الأحبار " أجمع به بعد التفرقة وأولف به بين قلوب مختلفة وأهوآء مشتتة وأمم متفرقة وأفعل أمته خير أمة أخرجت للناس
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بتقدمه إلى الجواب المصيب في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذلك كيوم ألست بربكم فإنه كان فيها أول مجيب
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بدوام حضورها وملازمة حصولها من مبدأ الفطرة وأول النشأة من غير تحلل انقطاع ولا عروض زوال حتى في الأوقات التي لا يعهد فيها الحصول للغير فقد ذكرأهل السيرأنه لما وضعته أمه وقع إلى الأرض ساجدا رافعا سبابته كالمتضرع المبتهل وقد قالوا ان الحق انه صلى الله عليه وسلم متذكر بعد ولادته للميثاق متحقق العلم الضروري بالتوحيد ويجوز أن يجد من نفسه ما يتعبد به في نفسه في أوقات مخصوصة لصفآء النفس عن ظلام الجهالات بدوام طهورها ونوريتها فما نعثه آية ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قد يعتبر في وقت على المعنى الآتي انشآء الله سبحانه
هذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم أشار فيه سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
إلى أنه صلى الله عليه وسلم قد شرفه الله وكرمه بالكمال في جميع ذاته وروحه صلى الله عليه وسلم ونفى عنه جميع العيوب البشرية والنقآئص الأدمية فلا كمال يوجد في الحقيقة إلا في ذاته وروحه صلى الله عليه وسلم فقد جمع صلى الله عليه وسلم كمال خلق حسن الصورة الطاهرة على أبدع وجه وأحسنه في الوجه واليد والرجل والأصابع وسآئر أجزائها وجميع ما يبدوا منها
وقد جمع صلى الله عليه وسلم كمال منابع الذات الطاهرة مثل الحواس فيكون السمع على غاية الكمال والبصر على غاية الكمال والشم على غاية الكمال والذوق على غاية الكمال واللمس على غاية الكمال ومثله الصوت والنطق بالحروف فيكون على غاية الكمال ونهاية البلاغة والفصاحة
وقد أشرنا إلى صفة الكمال بحيث لا يبلغه ولا يدركه أحد من البشر وقد جمع إسمه صلى الله عليه وسلم كمال حسن الخلق الصورة الباطنة حتى يكون القلب على أبدع اشكاله وأحسن أحواله وتكون الكبد على الهيئة الكاملة ويكون الذماغ على أحسن ما يكون وتكون مجاري العروق على الوجه المعتدل
وهاكذا جميع الأعضاء الباطنة تكون على الكمال وقد جمع صلى الله عليه وسلم كمال الحسن الباطني حتى يكون التكليف باللذة والحس بالوحدانية في غاية الكمال قد جمع صلى الله عليه وسلم كمال الذكورية فإنها من كمال الأذمية فيها سرالفعل والأنوتية سرالانفعال
وذلك أن الله عز وجل خلق آدم له وخلق الأشيآء كلها لآدم ومن جملة الأشيآء النسآء
ولما خلق الأشيآء له أعطاه سرالفعل وجعله خليفة وجعل ذلك في الدكورية من أولاده إلى غابر الذهر
وقال السمرقندي ما كنت تري قبل إلا حتى تقرأ القرآن ولا كيف تدعوا الخلق إلى الإيمان
وقال الحاتمي كان القرآن في صدره وكان جبريل مفتاح ما في صدره وأحسن من هذا وأوضح إن الإيمان "بمعنى الفرآئض والأحكام كما قال القاضي ابوا بكر رضي الله عنه وفي البخاري باب دعاؤكم إيمنكم وفيه الحيآء من الإيمان والجهاد من الإيمان وقيام تراويح رمضان من الإيمان وصوم رمضان احتسابا من الإيمان والصلاة من الإيمان وشاهده من القرآن
وما كان الله ليضيع إيمنكم
قال المفسرون صلاتكم إلى بيت المقدس " فالمعنى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الفرآئض والأحكام قبل نزول الوحي عليك ومجيء جبريل إليك والمقصود من الآية أي إن إحداهما تعداد نعمه تعالى عليه صلى الله عليه وسلم وثانيهما الاحتجاج على نبوته بأميته أي أنك جيئت بما لم تكن تعلمه وبالجملة فأخرجته الأنبيآء عليهم السلام لما كانت أعدل الأضرحة عصمهم الله تعالى من نسيان التوحيد وام تتخلله مبرة إذ لو كان توحيدهم عن نظر وتفكر كان الشك طاريا عليهم قبل النظر وفي مدة النظر لأن النظر أكتساب المجهول وذلك غير لائق بمنصبهم فما بالك بمن له أعدل الميزاج المنبأ قبل كل أحد وقبل خلق كل أحد
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بقوتها حيث جمع بين تذكيرالخلق وسياستهم في الحروب وغيرها فكان جامعا بين النبوءة والسلطان ومن أسمآئه صاحب السلطان
وقال القاضي أبو بكر بن العربي ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)
ثم مكنه من الصيطرة وآتاه السلطانة ومكن به دينه في الأرض .
الحديث أي يراد ارتفاعها فيه بقوتها حيث قوى على ما لم يقوعليه غيره من أداب الرئية حتى أثنى الله عليه في أدبه وكمال عبوديته بقوله ( مازاغ البصر وما طغى )
قال في المواهب نقلا عن مدارج السالكين أي أم يتتجاوز البصر حده فيطغى ولم يمل عن المرء فيزيغ بل اعتدل البصر عن المرء ما جاوزه ولا مال عنه كما أعتدل القلب في الإقبال على الله تعالى والإعراض عن ما سواه وإنما أقبل على الله بكلتيه وأعرض عن ما سواه بكلتيه وللقلب زيغ وطغيان كما أن للبصر زيغا وطغيانا وكلاهما منتف عن قلبه وبصره فلم يزغ قلبه التفاتا عن الله إلى غيره ولم يطغ بمجاوزه مقامه الذي أقيم فيه وهذا غاية الكمال والأدب مع الله تعالى الذي لا يلحقه فيه سواه
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه صلى الله عليه وسلم بقدرته على الثنآء الذي لا يقذر عليه أحد يوم القيامة فإنه ينبع من قلبه على لسانه من الثنآء ما لم يسمع به أحد من خلق الله في شفاعته لفصل القضآء بعد تقدمه على جميع الأنبيآء والمرسلين فيتعرفون له بفضله عليهم وذلك من آثار قوة علمه وهو معنى إسمه خطيب الأمم أن يراد ارتفاعها فيه بملازمة النمو والزيادة وقل رب زدني علما ولا يزال صلى الله عليه وسلم يترقى في المعارف وكل ما انتقل عن مقام إلى ما فوقه عدا لكون في السابق قصورا فاستغفر فمن ثم كثر استغفاره صلى الله عليه وسلم مع عصمته وقال إنه لغيان على قلبي فاستغفرالله كذا وكذا مرة أي عين أنوار الأنوار
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بسلوك الطريق الأقوم والسبيل الأنفذ الذي لا يفترعليه إلا أعلم الخلق بالله تعالى فكان صلى الله عليه وسلم يظهرالافتقار إلى الله تارة والاستغنآء به أخرى جمعا بين الصبر والشكر فشد على بطنه الحجر من الجوع وأشبع ألفا من صاع وقظياه في هذا كثيرة مبسوطة في كتب السير وقد اختلف الصوفية ما الأفضل هل إظهار الافتقار إلى الله وإظهار الاستغنآء بالله قال الشيخ زروق رضي الله عنه والصواب إن لأفضل اظهار هذا تارة والآخر أخرى لأنه حاله صلى الله عليه وسلم وقد خيره الله بين أن يكون نبيئا ملكا ونبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا وقال أجوع يوما فاسئل وأتضرع وأشبع يوما فاحمد وأشكر أو كما قال صلى الله عليه وسلم
هذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم أشار فيه الشيخ رضي الله عنه إلى أن الحقيقة المحمدية من سر وجوب الوجود الذاتي الممدة بحقائق الممكنات الأسمآئية والصفآتية من عالم البطون إلى عالم الظهور بالتدريج القابل لتفصيل المظاهر الكونية وتفصيل حقائقها الإنسانية
إنما هي أوصاف سلبية لقد أمد العالم ثبوتية الوجود لحقائقها المتوحدة إذا امتداد الحقائق من العين المطلقة على الاطلاق العارية عن الأوصاف والأسمآء والنعوت في الحين الذي ظهر لنفسه من غير تعطف إسم بمسماه أو صفة بموصوفها
كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان
فالحقيقة الأدمية فاتقة للعدم وراتقة للقدم لأن الخصيصي بمرتبتها الظهور والإظهار والظهور للصور الشخصية والتنوعات الكونية والمراتب الإيجادية والنفحات الأسمآئية والنفحات الصورية لأنه الخليفة المنزول والواصل الموصول من خزانة الأزل إلى بحبوحة الأبد وإنما نزل على رتبة الإمامة إلى سر الأذان والإقامة لتحققه بالتبعية كما شهد على نفسه بقوله للحبيب المشرف أنت أبو روحانيتي وابن جثمانيتي
ثم أنه لايخفى على أهل الكمال أنه كما فتق الإبن القديم سورة العدم ورتق بالأبوية صورة القدم
كذلك فتق هذا الأكبر والخليفة المنتظر حضرة العدم بمفتاح القدم كما بدأنا أول خلق نعيده
وكذلك ختم بأبوية الظاهرة الجامعة أوصاف الكمالات وتعدد المقامات وسر الإحاطة المتكثرة بظهور الوحدانية بتجلي الأحدية في المراتب والشئون والمظاهر والعيون من الأزل إلى الأبد استعابا واستفآء جامعين لكل إسم ووصف هو حائزين لكل حرف لأنه مظهر الشريف في هذا اليوم التقيدي معدوم لتكميل رتبة الظهور بعد نبوته وتعمررتبته البطون بسر نبوته لأنه حقيقة الصورة المخلوق عليها آدم عليه السلام فلذلك أختص بالكمال المطلق المحادي إلى طريق الحق في اليوم المطلق على الاستوآء الرحماني بالعرش الإلهي لفصل القضآء وبمشاهدته هو وأمته على سآئر الأمم فافهم
ثم لما انفتحت الدورة الأدمية بالتناسل العرفاني والشهود الاحساني البشري والايماني ولذلك تزايدة العلوم الالهية والمعارف الربانية وتناقصت العلوم الفلسفية المبينة الافهام وكذلك تنازلت الحقآئق من حقيقة كل ناطق بطن بعد ظهوره الى الحقيقة كل فرد ظهر في هاذه الدورة السيادة متصفا بحكم شريعتها كالخضر وعيسى علهما سلام الله وغيرهما تابعين لهذا الخاتم الجامع بجميع المقامات الإلهية اسرة الملائكة بكل ما احتوته صفة الظهورمن حيث الوجود الداتي الفياض على مراتبها وعوالمها الوجوبية والإمكانية فمن ورث الإيمان في هذه الدورة السيادة فإنما ورثه بأحدية جمعه وتنوع وحدته متحققا بالعبودية قآئما بحقيقة كل ما قامت به جميع الأمم من سائر الربوبية والعبودية بحيث إن توفرت مادة كل من كان تابعا ومتبوعا ووارثا مستوعبا لكل حقيقة نبوية في كل شخص من هذه الأمة المحمدية زيادة على ما اختص به من إ رث موروته صلى الله عليه وسلم بقدر حصته إذ لا يمكن استيعاب جميع ما تحقق به هذا الخاتم اكتسابا ووهبا إلا من تحقق بالوحدانية في عصره إذ هو خليفته على أهله وماله وكما أنه صلى الله عليه وسلم سببا في رتق القدم وفاتق للعدم فهو سبب أيضا في فتق البرمن أفعال الخير الصادرة من العالمين كلها " أي ماهو باطن خفي وماهو ظاهر جلي إذ هو
الهادي والمهدي
قال الله تعالى ( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم ) الآية :
ويأتي أيضا قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الهادي إلى طريق الهوية وذلك هو صلى الله عليه وسلم سبب فتق " ويعني مايشهده أهل عالمي الملكوت والجبروت فإن الملكوت حضرة الأرواح الأسرار التي تشهد فيها الصفات السنية والجبروتية هوحضرة الأسرار التي تشهد فيها الذات المقدسة العلية
وقول الشيخ رضي الله عنه وجميع النشأة لجلاله لاشك أنه صلى الله عليه وسلم سبب في وجود المخلوقات بإسرها ومددها ومسندها ولقد خلقت المخلوقات كلها لبيان قدره وجلالته وظهور مرتبته ومكانته
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ويذلك على صدق ما ذكر أن الجنة والنار خلقتا لأجله صلى الله عليه وسلم أما الجنة فأعدها الله لأهله لمن آمن به وصدقه
وأما النار فأعدها لمن كذبه وجحده وخالفه
واما الرسل عليهم الصلاة والسلام خلقوا نوابه في قول وتبليغ رسالته في عصر لكافة الخلق
أنت أصل الوجود من عرش * إلى الفرش ما أزكا ك
لولا جاهك لم يشرق كون * ولدام إنعدامه لولاك
وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه الذي ذكره الحاكم وصححه مخاطبا لآدام عليه السلام لولا محمد ما خلقتك
وفي حديث سلمان آخر لولا محمد ما خلقتك ولا خلقت سمآء ولا أرض
وفي حديث سلمان عند ابن عصاكر من قوله تعالى ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي ولولاك ما خلقت الدنيا
ورضي الله عن سيدنا علي بن وفا حيث قال رضي الله عنه
روح الوجود حياة من هو واجد * لولاك ماثم الوجود لمن وجد
ورحم الله البصيري حيث قال رضي الله عنه لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
قف على النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه فقد ذكر فيه هاذا المعنى
وعن ابن عساكر أهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال إن ربك يقول إنما إني اتخذث إبراهيم خليل فقد اتخذتك حبيبا وما خلقت خلقا أكرم علي منك ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ولولاك ما خلقت الدنيا .
وفي شرح الهمزية لابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما وله حكم المرفوع
ولولا محمد ما خلقت آدم ولا محمد ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش على طآء فاضطرب فكتبت عليه
لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن
وفي رواية أخرى ولولا محمد ما خلقت السموات والأرض والطول ولا العرض ولا وضع ثواب ولا عقاب ولا خلقت جنة ولا نار ولا شمس ولا قمر
ورضي الله عن ابن الفارض حيث قال
لولاك يا أحمد المحمود ما طلعت * شمس ولم تخرج الدنيا من العدم
وانظر ما قاله القرطبي في التذكرة من قوله صلى الله عليه وسلم فإذا عصف الصراط بأمتي نادوا وا محمداه وا محمداه فأبادر من شدة إشفاقي عليهم وجبريل آخذ بحجزتي فأنادي رافعا صوتي رب أمتي لا أسئلك اليوم نفسي ولا فاطمة ابنتي
وتفهم منه شفقته علينا ورأفته بنا أفلا نسعى مع هذا في تفريجه ومن هنا والله أعلم عظم ثواب
من دعا لأمته حتى كان لمن قال كل يوم اللهم اغفرلأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يكتب من الأبدال لما فيه من تفريجه صلى الله عليه وسلم بالاعتنآء بأمته ومن عمل بهذه النية كثر ثواب عمله وسهل عليه العمل إذ من استحضر أنه يرضي محبوبه الجليل العظيم الفخيم الأفخم خف عليه ما كان ثقيلا وقصر في نظره ما كان طويلا وجاد بما كان بخيلا .
أنه هو الذي أعجز الملائكة وقت قول الملائكة لا علم لنا إذ فيه على الحقيقة تنزلت العلوم ويوخذ اعجاز غيرهم بالأخروية
أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أعجز جميع أمم المرسلين تمد كل عصر من أعصرهم إذ فيه تنزلت علومهم كلها وانما اضيفت لخصوص آدم لما مر قوله رضي الله عنه ونفعنا به آمين
أعلم ان الملآئكة عند أهل الكشف من أكابر أهل الله على قسمين قسم تتنزل من مرتبة الأرواح إلى مرتبة الأشباح فلهم أجسام لطيفة كما أن للبشر أجساما كثيفة وهم المأمرون بالسجود لآدم عليه السلام ويدخل فيهم جميع الملآئكة الأرضية والسماوية
أما غيرهم وأكابرهم كجبريل ويدخل فيهم جميع الملائكة الأرضية وغيره بحيث لا يشد منهم فردا أصلا
وقسم يقوا في عالم الأرواح وتجردوا على ملابس الجسمانية لطيفة كانت أو كتيفة وهم المومنون الذين أشير إليهم بقوله تعالى أم كنت من العالين وهم غير مأمرين بالسجود إذ ليس لهم شعورأصلا لا بأنفسهم ولا بغيرمن الموجودات مطلقا لاستغراقهم في بحر شهود الحب
والإنسان أفضل من هاذين القسمين في صرف الحول ورتبة الكمال لأنه مخلوق بقبضتى الجمال والجلال بخلاف الملائكة فإنهم مخلوقون بيد الجمال فقط وذلك لأن العشق يقتضي المحبة وموطنها الدنيا
ولذا أهبط آدم من الجنة والمحنة من باب التربية وهي من آثار الجلال
والمراد بالملائكة هنا القسم الأول لأنهم يشاركون مومن البشر في الجمال والوجود الجسماني وكما أن مومني البشر يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم فكذا هاذا القسم من الملائكة مع أن مقام التعظيم يقتضي التعميم كما لا تخفى على ذي قلب سليم
قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
المقصود من سجود الملائكة حقيقة جماله صلى الله عليه وسلم صحيح قال ابن حجر ومن ثم قال بعض العارفين إنما سجد الملائكة لأجل نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في جنة
ويرحم الله القآئل ابن وفا حيث يقول
لو أبصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم كان أول من سجد
قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه
وهاذا الإنزاع فيه كما يشهد له ما روي عن أجداده صلى الله عليه وسلم حيثما أنتقل النور من واحد إلى واحد فسجد له كل من رآه وقد ذكروا أعدادا من أجداده بأسمائهم وبينوا حكايتهم كما في النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب ولو تبعنا ما ذكره الشيخ رضي الله عنه
لكتبنا نحو أربعة كراريس قف عليها إن شئت ولا كن كان شيخنا رضي الله عنه وأرضاه يحض على الاختصار في هذا الكتاب ويقول إنه محبوب ومطلوب وان الخروج من الموضوع عيب وفتنة
قال شيخنا رضي الله عنه وارضاه
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم حاز نهاية الجمال الظاهر وغاية الكمال الباطن فمن جماله ظهر كل جمال فهو إذ أجمل من كل جميل ولذا ظهرعليه الخضوع له أجمل ما في الوجود " أعني اليزين الشمس والقمر فناعاه البدر في مهده وكان يميل بإشارته وانشق له نصفين ورجعت لدعوته الشمس بعد غروبها كما هو معلوم وصارت بعد نقلتها للدار الآخرة تأتي ضريحه عند الطلوع والغروب إجلالا واعظاما تسلم عليه
ويرحم الله القآئل
فلولا أنه حي طري بادراك كما نقل الفحول
لما سمعت الشمس اليه حقا * تسلم عليه حين تطلع أو تزول
وسمعت لدعوته الأشجار وسجدت له وتعلقت به الغزالة وتضرعت له ورجعت لوعده
ومن كماله يكون كل كمال فهو إذا أكمل من كل أكمل
ولذا عرف بالتلذذ بالخضوع له كل أكمل فكان خضوع الأكمل له أشد من خضوع الكامل وخضوع الكامل أشد من خضوع الناقص
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا تعلم سبب سجود الملائكة له صلى الله عليه وسلم لأن الخضوع له صلى الله عليه وسلم على قدر المعرفة بكماله وحسبك في هذا ما في لطائف المنى قال أخبرني الشيخ مكين الدين الأسمر وهوالذي شهد له الشيخ أبوالحسن بالخصوصية قال دخلت مسجد نبيء بالأسكندرية فوجد النبي المدفون هناك قائما عليه جبة مخططة فقال لي تقدم فصلي فقلت له تقدم أنت فصل فإنكم من أمة محمد النبيء صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنا التقدم عليه قال فقلت له بحق هاذا النبيء إلا وهو قد وضع فمه على فمي اجلال للفظة النبيء كي لا تبرز في الهواء قال فتقدمت فصليت انتهى
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولا يختلج في الوهم ان هذا الشيخ مكين الدين أفضل من هذا النبيء الذي وجده بالمسجد لأن هذا المقام مقام تعظيم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه مقام تعظيم لمن تبعه فافهم
وانظر وتأمل وأعتبر هذا التعظيم العظيم من عظمآء خواص الخلق إلى الحق
وانظر وتأمل أيضا حال أعرف الناس واكمال الناس بعد الأنبيآء بكماله صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة رضوان الله عليهم حيث كان لا يتوضا صلى الله عليه وسلم إلا ابتذروا وضوءه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكففهم فدلكوا بها وجوههم وأجسامهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإلا أمرهم بأمرأبتدروا أمره وإذا تكلم سكتوا وإذا جلسوا معه خفظوا أصواتهم عنده وما يجددون إليه النظر تعظيما له وهاذا من أعظم الفوآئد التي ينبغي التنبيه عليها قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه لقد شرف الله هاذا النبيء الكريم ورفع قدره العظيم بحيازة باطنة لأنواع الكمال وظاهره لصنوف الجمال وكل منهما جمال وكل منهما إذ الجمال كالجمال حسي ومعنوي وظاهر وباطن
قال سيدي احمد المرابي في تحفة الاخوان في مناقب سيدي رضوان دخلت عليه يوما فوجدته في حالة كان الوجه قطعة من نور فسلمت عليه فرد علي السلام وهو كالمسرور فقال لي من جملة كلامة وجدتني ياأحمد وأنا أفكر في هذا النبيء الكريم وما أعطاه الله من الحسن والجمال وما اختص به من محامد الصفات وأسنى الحالات ثم قال يا أحمد لو كان الناس يتزين لي بعض الأبيات فيه تتضمن ان باطنه حال المعاني كلها وظاهره في الحسن أبهى من الشمس والقمر لقلتها ولاكن حاول أنت هل تجد في ذلك شيئا فقلت له خاطرك معي يا سيدي فلما خرجت إلى المنزل أجرى الله على لساني من بركاته هادين البيتين
ولي جنة تهوى من القدم واحد * سليله قصي منية القلب والنفس
فباطنه حاز المعالي كلها * وظاهره أبهى من البدر والشمس
ثم أجرى الله على قلبي بيتين آخرين تتضمن مدحه صلى الله عليه وسلم
ولي رشآء من آل فهر بن مالك * حوى شرفا في العالمين وسودد
عروس نقي صفوة الخلق كلهم * وذلك عبد الله اعني محمد
فلما كان من الغد أتيت بها إليه فاخبرته فتبسم وقال لي هات فعرضتها عليه فبكى لسماعها وقال أحسنت أحسن الله إليك وكنت لا أزال انشدها بين يديه بانشاد البردة فيستحسنها وتقع منه موقعا حتى أنه نظم في معناها ثلاث ابيات وهي
فلله من حاز الفضائل كلها *وساد جميع الناس في البدو والحضر* له باطن منه المحاسن اظهر * وظاهر أبهى من الشمس والقمر
عليه صلاة الله ثم سلامه * ورضوانه كالرمل والنبت والمطر
انتهى
وقال آخر
محمد تقاسم المحاسن كلها * باسرها ظاهره والباطن
ظاهره حاز المعالي كلها * ظاهره حاز الجمال جمله
من ذلك كل حسن اجله * فلا جميل إلا وله خاضع
لحسنه إذ هو فيه ساطع
منه استعار وحلل الجمال * فاعترفوا بانهم مجالي * والشمس والقمر يأتيان * إلى ضريحه فيسلمان
عند الطلوع والغروب يخضعان * ويشهدان نوره فيسطعان
وباطن الرسول بالفضائل * حلاه الله بالفواضل
فنال منه الفضل كل فاضل * فاعترفوا بأنهم مظاهر
وخضعوا للمتحلي الظاهر * قد ناسب الظاهر منه والباطن
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ويعجبني قول الصديقة الكبرى وعندي أحلى من عسل تمر أم المومنين عائشة رضي الله عنها حيث كانت تخيط ليلا على المصباح فأنطفأ المصباح وسقطت الإبرة من يدها فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد وقف عليها بالباب فامتلأعليها نورا وسطع أكثر مما كان من ضوء المصباح رقة وظهورا فأبصرت الإبرة وأخذتها وشرعت تخيط على نوره صلى الله عليه وسلم
وأنشدت تقول
وأجمل منك لم ترى قط عيني * وأكمل منك لم تلذ النسآء
خلقت مبرءا من كل عيب * كأنك خلقت كما تشآء
وقد أفصحت آيات الكتاب العزيز في تعظيمه صلى الله عليه وسلم بما يبهرالعقول وصرحت من رفيع صفاته بما لا يستطاع إليه الوصول قال ابن الخطيب السلماني في هذا المعنى
يا مصطفى من قبل نشأة آدم * والكون لم تفتح له إغلاق
ايروم مخلوق ثناءك بعد ما * أثنى على أخلاقك الخلاق
ولأبن علي الأندلسي أيضا
مدحتك آيات الكتاب فاعسى * يثني على علياك العلياء
نظم مديحي
وإذا كتاب الله اثنى مفصحا * كان القصور قصارى كل فصيح
وفي المواهب قال الأزركشي ولهاذا لم يتعاط فحول الشعرآء المتقدمين كل تمام والبحتري وابن الرومي
مدحه صلى الله عليه وسلم وكان مدحه عليهم من أصعب ما يحاولونه فإن المعاني دون مرتبته والأوصاف دون وصفه وكل غلو في حقه تقصير فيضيق على البليغ مجال النظم
وعند التحقيق إذا اعتبرت جميع الأمداح التي فيها غلو بالنسبة إلى فرضت له وجدتها صادقة في حقه صلى الله عليه وسلم حتى ان الشعرآء على صفاته عليه السلام كانوا يعتمدون وإلى أمداحه كانوا يقصدون وأن الخليف بقول القآئل مما بلغت كف امرء متناولا من المجد إلا والذي قال اطول ولا بلغ المهدون في القول مدحه ولو حدقوا إلا الذي فيه افضل
ورءا ابن الفارض في النوم فقيل له لم لم تمدح النبي صلى الله عليه وسلم أي بالتصريح وإلا فنظمه في الحقيقة أما في الحضرة الإلهية أو فيه صلى الله عليه وسلم فقال ارى كل مدح في النبي مقصرا وان بالغ المثنى عليه واكثر إذ الله أثنى بالذي هو أهله عليه فما مقدار ما يمدح الورا وأنه الخليف بقول القآئل وعلى تفنن واصفيه بنعته يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
قال سيدي محمد بن وفا رحمه الله تعالى ما شيئت قل فيه فأنت مصدق
فالحب يقضي والمحاسن تشود
وفي البردة فان فضل رسون الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم وفيها دع ما أدعته النصرى في نبيهم واحكم بما شيئت مدحا فيه واحتكم
ويرحم الله القآئل
أروم امتداح المصطفى فيصدني * قصوري عن إدراك تلك المواقف
من لي بحصر البحر والبحر زاخر * ومن لي بإحصاء الحصا والكواكب
وفي المعنى
محمد المصطفى المختار من مضر * نبي صدق له قدر وتبجيل
ماذا عسى مادح يثني عليه به * وجاء في مدحه كتب وتنزيل
وفي الزبور أتى مدح بصدقه * ووافق المدح نورآه وإنجيل
يا مادحين حبيب الله دونكم * ما شئتم في معاني حسنه قولوا
وفي المعنى قيل
مدح المصطفى شغفا به تبلو ذهني هيبة لمقامه * فأقطع ليلي ساهر الحين مطرقا
هوى فيه أعلى من لذيذ منامه * إذا قال فيه الله جل جلاله
رءوف رحيم في سياق كلامه * فمن دلا بخيار الوحي والوحي معجز
وفي المعنى قيل
مقامك يا إمام المرسلين * تحير فيه مدح المادحين
فغاية ما نقول إذا اقتصرنا * بأنك أنت خير العالمين
ثم قل سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإن شئت قلت
فسجدت الملائكة لآدم والمقصود لجماله
والمراد بالجمال أنوار النبوءة وأسرار الرسالة
ولا شك أن الملائكة وغيرهم من أهل الكمال لا يخفى عليهم أن شرف آدم عليه السلام بشرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنوار نبوءته وأسرار رسالته لا تكد تخفى على الملائكة في ظهر آدم عليه السلام فافهم
وإن شئت قلت المراد بالجمال الحسن وقد أفرغ الله عليه كمال الحسن لاكن ارضى عليه برفع الجلال ولولا ذلك لافتتن الناس بحسنه صلى الله عليه وسلم كما افتتن الناس بحسن سيدنا يوسف عليه السلام حيث أنه لم يكن عليه برفع الجلال حسبما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حش لله ما هذا بشر
وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان كل من رءآه آمن وصدق به ومن لم يرد الله به خيرا فلا ينظر إليه وانما ينظر خياله يشهد لذلك قول الله تعالى ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) الآية :
وقال بعضهم ما ان مدحت محمدا بمقالتي لاكن مدحت مقالتي بمحمد وقلت في المعنى
محمد مدحه مدح لمادحه * اذ خدمة الجاه الأعلى غاية الشرف
فمدحه شرف وحمده شرف وذكره شرف
وفي المعنى
بمدح رسول الله ينشرح الصدر * ويعلو لمن قد زاد في حبه قدر
فبالغ هداك الله إن كنت صادقا * يكون لك العليآء والعز والفخر
عجزت العقول عن إدراك الحقيقة المحمدية
ثم ان هذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم
أشار فيه الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
إلى خفي سر الأحمدية
ورفع السورة المحمدية صلى الله عليه وسلم لم يدركها أحد بفهمه ولا يبلغها أحد بعقل ولا يحطون بشيء من علمه
إلا بما شآء الله
تعالى من ظواهر المأمورات دون بواطينها وجليها دون خفيها فالفهوم والعقول قد وقفت وتضاءت عند خفي سره والوقوف على حقيقة أمره
وما يعلم قدره إلا الذي خلقه عز وجل
وإذا كان الولي لا تدرك حقيقته في هذا المدارك
فكيف الرسل عليهم الصلاة والسلام فكيف سيدهم وسندهم ومددهم صلى الله عليه وسلم وما أدرك الناس من حقيقة امره خفي سره إلى على قدر عقولهم البشرية فما ظهر لهم من ذلك نعمه ليعرفوا قدره ويعظموا أمره وما خفي عنهم فرحمته من الله بهم إذ لو ظهر لهم مع عدم القيام بحقوقه لكان فتنة لهم والله أرسله رحمة للعالمين فكانت الرحمة قيما استتر ونعمه فيما ظهر
وفي الحديث يا أبا بكر والذي بعثني بالحق لم يعلمني حقيقة غير ربي فاللام في له بمعنى عن وباقي الشرح
واضح تنبيه روي عن أويس القرني رضي الله عنه أنه قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ظله فقالوا ولا ابن أبي قحافة ولا ابن أبي قحافة ولما ذكر
هذا عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال صدق أويس رضي الله عنه أن علي رضي الله عنه
كان مقامه إدراك نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعثمان رضي الله عنه إدراك قلبه صلى الله عليه وسلم
وعمر رضي الله عنه إدراك عقله صلى الله عليه وسلم
وأبوا بكر رضي الله عنه إدراك روحه صلى الله عليه وسلم
وحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم السر المكنون لا يطلع عليه إلا الله تعالى
قال الإمام الخروبي الطرابلسي حقيقة رسول الله صلى
الله عليه وسلم سر لطيف من أسرار الحق تعالى لا يطلع عليه في هذه الدار سوى الحق سبحانه جل جلاله
ولا يكشفه أحد غيره تعالى لا نبي مرسل ولا ملك مقرب
إذ حقيقته أحمدية من السر المكنون والأمر المصون الذي انفرد به وما أدرك المومنون منه إلا ظاهر صورته المحمدية وهو الذي عبرعنه أويس القرني بالظل ثم ان المومنين متفاوتون في إدراكهم فكل أدرك
ذي مقام أدرك منه صلى الله عليه وسلم حقيقة توافق مقامه وأعظم الخلفآء في ذلك سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وما كشف له منه صلى الله عليه وسلم لم يكشف لأحد غيره وبهاذا كان أشدالناس تواضعا وقربا منه صلى الله عليه وسلم وأعظمهم خلة وأكرمهم تعظيما واحتراما وأولهم إيمانا
وإلى هذا أشار الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
فإن قيل ما السر في أن كل واحد من الخلفآء الأربعة أدرك حقيقته صلى الله عليه وسلم دون غيرها فالجواب
أن كل واحد أدرك من الخلفآء ما يقتضيه مقامه وحاله فعلي رضي الله عنه لما غلبت عليه علم الشرآئع وكان حاله الانبساط بها كان حاله يقتضي إدراك نفسه من ورث العلوم منه وهو سيدنا محمد صلى الله عليهوسلم
لأن الانبساط من شأن النفس " ولهاذا قيل لو حالت النفس كل المحاولة على أن تصمت لما صمتت
وسيدنا عثمان رضي الله عنه لما كان حاله التفكر في العلوم كان حاله يقتضي إدراك قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القلب شأنه التفكر
وسيدنا عمر رضي الله عنه لما كان شأنه التدبر في العلوم كان حاله يقتضي إدراك عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العقل شأنه التدبر
وابو بكر رضي الله عنه لما كان الغالب عليه علم الحقائق وكان حاله الانقباض عليها كان حاله يقتضي إدراك روح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الروح شأنها الانقباض على العلوم الحقيقة
ولهاذا قيل إن الروح من شأنها الصمت فلو حاولت كل المحاولة على أن تنطق لما نطقت
وكل من الخلفآء رضي الله عنهم أجمعين وإن غلب عليهم علم أو حال أو كان مقامه معلوما من المقامات فهو في غير العلم الغالب عليه امام وفي غير حاله ومقامه الغالب عليه صاحب حال أو مقام وانما أشتهر حاله بما هو غالب عليه
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه من هذا المعنى " ما تلذه الاسماع وتحسنه الطباع بنقل العلامة
سيدي عبد الرحمان بن عبد القادر الفاسي
رحمهما الله تعالى قلت هذا كلام حسن عجيب تشهد له أحوال الخلفآء الأربعة رضي الله عنهما ونفعنا بهم أجمعين
كان علي البحر الزخار في علم الشرآئع والأحكام والفصل بين الخصوم فكان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبليغ لا يستطيع السكوت عن ذلك ولا يطيق الصمت عنه ومن شأن النفس الانبساط بما عندها من العلوم فتأمل قضية الفريضة العنبرية وهي مشهورة وما روي أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر فقال له علي إن الله تعالى يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
وقال تعالى { وفصاله في عامين } الآية
فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين
فترك عمر رجمها وقال لولا علي لهلك عمر وكان يتعوذ من معضلة ليس ليس لها أبو حسن
وسئلت عآئشة رضي الله عنها عن المسح عن الخفين
فقالت يات عليا فسئله ودخل يوما على عمر فإذا امرأة تقاد لترجم فقال يا أمير المومنين لأي شيء ترجم إن كان
لك سلطان عليها فما لك سلطان على ما في بطنها فضمها علي إليه حتى وضعت ثم أتى بها إليه فرجمها
وعن محمد بن يحيى بن حبان ان حبان بن منقد كان تحثه امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية ثم مات على رأس الحول
فقالت لم تنقض عدتي فارتفعوا إلى عثمان
فقال هذا ليس لي به علم فارتفعوا إلى علي فقال علي تحلفين عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لم تحيضي ثلاث حيضات ولك الميرات فحلفت وأشتركت في الميرات
وقال عمر أقضانا علي بن أبي طالب
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي تقضي الناس السبع ولا يحاجوك أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمرالله وأقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية وأبصرهم بالقضية
وأعظمهم عند مزية
وقال علي رضي الله عنه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا وأنا حديث السن فقلت يا رسول الله
اتبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضآء فقال إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك
قال فما شككت في قضآء بين اثنين
وعن رز بن جيش قال جلس إثنان يتغديان ومع أحدهما خمسة أرغفة ولأخر ثلاثة أرغفة وجلس إليهما ثالث واستاذنهما في أن يصيب طعامهما فأذنا له فأكلوا على السوآء ثم ألقى إلهما ثمانية دراهم وقال هذا
عوض ما أكلت من طعامكما فتنازعا في قسمتها فقال صاحب الخمسة لي خمسة ولك ثلاثة وقال صاحب
الثلاثة بل نقسمها على السوآء فترافعا إلى علي فقال " لصاحب الثلاثة اقبل من صاحبك ما عوض عليك فأبى وقال ما أريد إلا صحيح الحق فقال عليه السلام أذن لك درهم واحد
ولصاحبك سبعة
قال وكيف ذلك يا أميرالمومنين قال لأن الثمانية أربعة وعشرون ثلثا لصاحب الخمسة خمسة عشر
ولك تسعة وفق استويتم في الأكل ما كلت ثمانية وبقى لك واحد وأكل صاحب ثمانية وبقى له سبعة وأكل الثالث ثمانية
سبعة لصاحبك وواحد لك فقال رضيت
ولما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وجدا أربعة وقعوا في حفرة حفرت ليصطادوا فيها الأسد سقط
أولا رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بالآخر حتى تساقط الأربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته
فتنازع أوليآؤهم حتى عادوا يقتتلون فقال علي أنا أقضي بينكم فإن رضيتم فهوالقضآء وإلا حجزت بعضهم بعض حتى تاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي بينكم
اجمعوا من القبآئل الذين حفروا البير ربع الدية ثلها ونصفها ودية كاملة فللأول ربع الدية لأن أهلك من فوقه
وللثاني ثلثها لأنه أهلك من فوقه وللثالث نصفها لأنه أهلك من فوقه وللرابع ديه كاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول صلى الله عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فقال أنا أقضي بينكم واحتني ببردة فقال رجل من القوم إن عليا قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة أجازه أنتهى
ووجهه أن أرباب البير تلزمهم دية الأول كاملة إذ لم
يشاركو فيه غيرهم ويلزمهم للثاني نصف دية والنصف الآخر يوخذ من دية الأول ويلزمهم للثالث ثلث دية والربع و يوخذ من دية الأول ليبقى له الربع الواجب له والربع والسدس يوخذ من دية الثاني ويلزمهم للرابع ربع دية والربع يوخذ من دية الثاني والنصف من دية الثالث فبقى عدد التراجع للأول ربع وللثاني ثلث وللثالث نصف
وجملة مادفع أرباب البيرديتان ونصف سدس دية وهذا التراجع في الديات إن ثبت قبض من ذكر بالاعتراف
وإلا فالرجوع على العواقل وقضاياه رضي الله عنه في هذا وأمثاله كثيرة مستفيضة فهذا حاله الغالب عليه
وان كان إماما في غيره
ثم تأمل اختصاص سيدنا عثمان رضي الله عنه بمساررة
سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم له في مرضه حتى كانت حفصة عند عآئشة رضي الله عنها فقالت لها أنشدك الله هل كنت أنا وأنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأغمى عليه فقلت لك أترينه قد قبض فقلت لا أدري ثم أفاق فقال افتحوا له الباب فقلت
لك أبوك أو أبي فقلت لا أدري ففتحنا فإذا عثمان فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم
قال أدنه فاكب عليه فساراه شيء لا أدري أنا ولا أنت ما هو ثم رفع رأسه فقال أفهمت ما قلت لك قال نعم قال ادنه
فاكب عليه أخرى مثلها فساره شيء ما ندري ما هو ثم رفع راسه فقال فهمت ما قلت لك قال نعم قال ادنه فاكب عليه إكبابا شديدا فساره بشيء ثم رفع رأسه فقال افهمت
ما قلت لك قال نعم سمعته أذناي ووعاه قلبي فقال له اخرج قالت لها حفصة اللهم نعم وتامل اختصاصه مكاتبة الوحي
حال نزول الوحي وبكتابة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر بن محمد عن أبيه كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا جلس جلس ابو بكر عن يمينه وعمر عن يساره
وعثمان بين يديه وكان كاتب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم آنتهى
والسر محله القلب والوحي كان ينزل على قلبه ولكثرة تفكره رضي الله عنه كثر حياؤه حتى اشتهر به إذ هو ناشي عن فكرة القلب قال صلى الله عليه وسلم عثمان أحيا أمتي وأكرمها
وعن عآئشة رضي الله عنها قالت استاذن ابو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه معه في مرض واحد فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرض
ثم استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه في مرض واحد فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرض
ثم استأذن عمر فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرض
ثم استأذن عثمان فأصلح ثيابه وجلس فقضى حاجته ثم خرج قلت يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر فقضى إليك حاجته وأنت على حالك ثم استأذن عليك عثمان فاحطت ثيابك
واستيقظت فقال يا عآئشة إن عثمان رجل حي ولوأذنت له على تلك الحال خشيت أن لا تقضى حا جته
وتأمل استحيآء الملائكة منه المناسب لكتم الأسرار وطول الفكرة قالت عآئشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أوعن ساقيه فاستأذن
أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه فدخل فحدث
فلما خرج قالت عآئشة يا رسول الله دخل عليك أبو بكرفلم تهتش له ولم تبال به ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تبال به ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال النبي صلى الله عليه وسلم
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة
ثم تأمل قضاء سيدنا عمر في مرافقة الآيات القرآنية له وحسن استنباطه وإصابة نظره في ادبار الأمور الذي هو آثر التدبر وإمعان النظر قال رضي الله لما اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
نسآئه وكان قد وجد عليهن فاعتزلهن في مشربة من خزانته قال عمر فدخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصا ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
نسآئه فقلت لاعلمن هذا اليوم وذلك قبل أن
يومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فدخلت على عآئشة بنت أبي بكر فقلت يا بنت أبي بكر بلغ من أمرك
أن تؤدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت مالي ومالك يا ابن الخطاب عليك بعيبتك فأتيت حفصة بنت عمر
فقلت يا حفصة والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلقك قال فبكت بكآء قال فقلت أين رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في خزانته قال فذهبت فإذا أنا برباح غلام رسول
الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على اسكفة الغرفة مدليا رجلي على نقير يعني جدعا منقور قلت يا رباح
استأذن لي على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فسكت قال فرفعت صوتي فقلت استاذن يا رباح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن انما جئت من أجل حفصة والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أضرب عنقها لضربت عنقها قال فنظر رباح إلى الغرفة ونظر إلي ثم قال هكذا
يعني أشار بيده ان أدخل فدخلت فإذا هو مضطجع على حصير وعليه إزاره فجلس وإذا الحصير قد أثر في جنبه
وقلبت عيني في الخزانة فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير
قبضتين من شعير وقبضة من قرض نحو الصاعين قال فانبذرت عيناي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا ابن الخطاب فقلت يا رسول الله ما لي لا أبكي وأنت صفوة الله ورسوله وخيرته من
خلقه وهاذه الأعاجم كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت هكذا فقاال يا بن الخطاب آما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا قلت بلى
يا رسول الله فاحمد الله قل ما تكلمت في شيء إلا أنزل الله تعالى تصديق من النسآء قال قلت يارسول الله إن كنت
طلقت نسائك فإن الله تعالى معك وجبريل وصالح المومنين الآية قال فما اخبرت ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الغضب في وجهه حتى رأيت وجهه تهلل كثير فرأيت ثغره وكان من أحسن الناس ثغرا
فقال فاني لم أطلقهن قلت يا نبي الله فإنهم اشاعوا أنك طلقت نسآ ئك فاخبرهم انك لم تطلقهن قال إن شئت فعلت فقمت على باب المسجد فقلت ألا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نسآئه فأنزل الله عز وجل في الذي كان من
شأني وشأنه ( وإذا جآءهم آمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر
منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) الآية
قال عمر فأنا استنبطته منهم انتهى
ووافق القرآن قوله في ما يات متعددة حتى قال علي نرى في القرآن لكلاما من كلام عمر ورئيا من رأيه
وجآء يهودي يوما إلى عمر فقال أرأيت قوله تعالى
سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض
فأين النار فقال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجيبوه فلم يكن عندكم شيء فقال عمر ارأيت النهار إذا جاء أليس يملأ السماوات والأرض قال بلى قال فأين الليل قال والذي نفسك بيده ياأميرالمومنين إنها لفي كتاب الله المنزل كما قلت يعني التورية ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم
قال بأن الحق ينزل على قلبه ولسانه وقال علي كنا نرى ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ان السكينة على لسان عمر وعن أبي قتادة أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله كيف تصوم قال بغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رءا ذلك عمر بن الخطاب قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا نعوذ بالله من غضب الله
وغضب رسوله قال فجعل عمر يردد ذلك حتى سكن النبي صلى الله عليه وسلم من غضبه ثم قال عمر يا رسول الله
كيف من يصوم الدهر كله قال لاصام ولا افطر ان لم يصم ولم يفطر قال رسول الله كيف لمن يصوم يومين ويفطر يوما قال ويطيق ذلك أحد قال وكيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما قال ذلك صوم داوود قال
فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما قال وددت اني أطيق ذلك ثم قال ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله
وصوم يوم عرفة اني احتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله
وصيام يوم عاشورآء اني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله انتهى
فهاذا من لطيف تدبره واستنباطه
فبينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال لقد اخطاطتي أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم علي بالرجل فدعى له فقال عمر لقد اخطاطتي أو أنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم
ما رأيت كاليوم يستقبل به رجل مسلم فقال اعزم عليك الا ما اخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية وكان يوما جالسا في المسجد ومعه ناس
إذ مر رجل فقيل له اتعرف هذا فقال قد بلغني أن رجلا أتاه الله عز وجل بظهرالغيب بظهور النبي صلى الله عليه وسلم
إسمه سواد بن قارب وأني لم أراه وإن كان حيا فهو هذا وله في قومه شرف وموضع فدعا الرجل فقال له عمرأنت سواد بن قارب الذي اتاك الله بظهرالغيب بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك في قومك شرف ومنزلة فقال نعم يا أمير المومنين قال فأنت على ما كنت عليه من
كهانتك فغضب الرجل غضبا شديدا وقال يا أمير المومنين
والله ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت قال عمر سبحان الله
ماكنا عليه من الشرك اعظم مما كنت عليه من كهانتك اخبرتني عما كان ياتيك به ربك ظهورالنبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم يا أمير المومنين بينما ذات ليلة بين النآئم واليقظان إذ آتاني جني فضربني برجله وقال قم يا سواد
بن قارب وافهم إن كنت تفهم وأعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعوا إلى الله وإلى عبادته
ثم انشا يقول
عجبت للجن وتجساسها وشدها العسير
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسهم بعينك إلى رأسها
ثم اتى ليلة ثانية وثالثة يقول لي مثل قوله الأول وينشدني أبياتا فوقع في نفسي حب الإسلام ورغبت فيه فلما أحيت شددت على راحلتي فركبتها وانطلقت إلى مكة فاخبرني ان النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة فقدمت
للمدينة فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لي في المسجد فأتيت المسجد فعقلت ناقتي فقال لي ادن فلم يزل يدنني حتى قمت بين يديه فقال هات فقصصت عليه القصة
فأسلمت ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتي واصحابه حتى رءى الفرح في وجوههم قال فوثب إليه عمر والتزمه
وقال لقد كنت أحب أن أسمع هذا الحديث منك فاخبرني عن رئيك هل ياتيك اليوم قال اما منذ قرات القرآن فلم ياتني ونعم العوض كتاب الله أنتهى
وكان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة غزاها فأصاب الناس مخمصة فاستاذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم فقال عمر بن الخطاب أرايت يا رسول الله
إن نحرنا ظهورنا ثم لقينا عدونا غدا ونحن جياع رجالة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترى
يا عمر قال ان تدعوا الناس ببقايا ازوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فإن الله عز وجل سيطعمنا بدعوتك إن شآء الله تعالى قال فكأنما كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم
غطآء فكشف قال فدعا بثوب فأمر به فبسط ثم دعا بالناس ببقايا أزوادهم قال فجاء وبما كان عندهم قال فمن الناس من جآء بالحفنة من الطعام والحثية ومنهم من جآء بمثل البيضة قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوضع على ذلك الثوب ثم دعا فيه بالبركة ثم تكلم بما شآء الله عز وجل
ثم نادى في الجيش ثم أمرهم فأكلوا وأطعموا
وملئوا أنيتهم ومزاودهم ثم دعى بركوة فوضعت بين يديه ثم دعا بشيء من مآء فصب فيها ثم مج فيها وتكلم بما شآء
الله ان يتكلم به وأدخل كفيه فيها فاقسم بالله لقد رأيت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفجر بينابيع المآء ثم آمر الناس فشربوا وملئوا فربهم قال ثم صمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدت نواجده ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لايلقى الله بهما أحد إلا دخل الجنة متفق على صحته وأشدة تدبره
وغلبته ذلك عليه رضي الله عنه كان شديد الحزم في الأمور ومن ثم عظمت هيبته في القلوب
قال سعد بن أبي وقاص دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسئلنه ويستكثرنه رافعات اصواتهن فلما سمعن صوت عمر بادرن الحجاب فدخل عمر ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت
من هؤلاء التي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر يا عدوات أنفسهن تهنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن عآئشة قالت دخلت
امرأة من الأنصار إلي فقالت اني أعطيت الله عهدا إذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمن لانقرن على رأسه بالدف
قالت عآئشة فاخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال قولي لها فالتف بما حلفت فقامت بالدف على
رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقرت نقرتين أو ثلاثا
فاستفتح عمر فسقط الدف من يدها وأسرعت إلى خدر عآئشة
فقالت لها عآئشة مالك قالت سمعت عمر فهبته فقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفر من حيز عمر
وتأمل انفراد سيدي أبي بكر الصديق رضي الله عنه
بدقآئق أسرار التوحيد وخافاياه الغامضة الذي هو شأن الروح اخرج الملافي سيرته عن سيدنا عمر رضي الله عنه
قال كنت ادخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وابو بكر يتكلمان في علم التوحيد فاجلس وابو بكر بينهما كأنني زنجي لا أعلم ما يقولون وأنظر سبقيته رضي الله عنه إلى فهم الدقائق والأسرار عن الله
ورسوله وترك التصريح بما يفهمه الذي هو أيضا شأن الروح
ففي الترمدي من رواية ابي المعلا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال ان رجلا خيره ربه أن يعيش في الدنيا ما شاء ويأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل وبين لقاء ربه فاختارلقآء ربه فبكى أبو بكر فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون من هذا الشيخ إذ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مالحا خيره ربه بين الدنيا ولقآء ربه فاختارلقآء ربه قال فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر نفديك بآبائنا وأموالنا
وانظر ثباته يوم الحديبية وموافقته لجواب النبي صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا ففي حديث صلح
الحديبية عن عمر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت
يا رسول الله ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قلت لم نعط الدنية في ديننا
قال انا رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو ليس كنت تحدثنا إنا ناتي البيت فنطوف به قال أواخبرتك
ان ناتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبى بكرأليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعط الدنية في ديننا قال أيه الرجل إنه رسول الله وليس يعصيه وهو ناصره فاستمسك بقدره فوالله إنه على الحق
قلت أو ليس كان يحدثنا انا ناتي البيت فنطوف به قال فأخبرك أن تاتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر فعلمت لذلك أعمالا
خرجه البخاري ومسلم
وانظر ثباته يوم وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهاده بقوله تعالى
واستشهاده بقوله تعالى { وما محمد إلا رسول الله } الآية وقول عآئشة فوالله لكان الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس فما تسمع بشرا إلا يتلوها
وعن عمر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب
قال عمر في ابي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لاقتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة بأن الزكاة حق المال والله له من عقالا كانوا يرونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاتلتم على منعها قال عمر فوالله ماهو إلا أن رأيت أن شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق تنبيه
في معنى كون صورته محمدية وحقيقته احمدية تعجز العقول عنها
كهيعص يس والقرآن الحكيم إنك يا محمد لمن المرسلين على سراط مستقيم ن والقلم وما يسطرون ما أنت يا محمد بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجر غير ممنون و إنك يا محمد لعلى خلق عظيم
آتى الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
بأوصاف النبي المحبوب وذكر نعوثه الجليلة بألفاض عجيبة الأسلوب وأطنب في الحضرة المحمدية بألفاض قليلة جمعت المقصود والمطلوب
ذكر فواتح السور وبعض الآيات لما احتوت عليه من الأوصاف والكمالات كل شاهد على ما ذكره آنفا وسابقا
ولما يذكره آتيا ولاحقا فالله ذرة من إمام تشهد له الصلاة النورانية بأنه من أهل فيضان مدد النبي الهمام وسريان سره في ذاته سريان الماء في الأجمة والأكام
تالله لقد حوت شمآئل عظيمة بألفاض قليلة ليست لها قيمة وتنال إلا من قلوب نيرات قد آرتقى أهلها لأعلى الحضرات
ولو كتب عليها ما اشتملت عليه لكانت عدة مجلدات ولكن الاختصار مطلوب ومحبوب خود السمات
وها أنا أذكر لك ما يتداوله أهل الإشارة أو أهل الإشارات
ولا يفصح عنه أهل النقل والعبارات
ولا تخلوا هاذه الصلاة من خاصية أسرار وقد طرزت بحروف القرآن وفواتح السور ونورحروف القرآن لا يضاهيها غيره من الأنوار
قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه
إنها أمليت علينا من فيض النبي المختار نحو حلب شاة أو قرب لمح البصر وبقرأتها يحرق ما في القلب
من الأثر وتفني عنه الشكوك والأسوء والأغيار وتسقي عروق قارئها سقي الماء للأشجار وتظهر ثمرتها
مثل ما يظهرعلى الأغصان من التمار وتشرق بركتها على الجوارح المظلمة مثل فجر شروق النهار وتمح إسم قارئها من ديوان الأشرار وتثبت إسمه في عقد الصديقية الجليلة المقدار التي تلي رتبة النبوءة
التي تلي رتبة التي هي أول المراتب وينبوع الأنوار والحمد لله الذي ليست لنعمه حد وقرار وفضله لا ينال ولا يتوقف على طلب وهو الواحد القهار
نقل عن سيدي عبد الله بن سلطان وكان من الفقهآء في تفسير قوله كهيعص حمعسق فأجرى الله على لساني
وقال فقلت هي أسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم فكأنه
قال " كف أنت كهف الوجود الذي يأوي إليه كل موجود
ها " هبنا لك الملك وهيأنا لك الملكوت ياعين العيون صادق صفاتي أنت من يطع الرسول فقد أطاع الله
ح "حميناك ميم " ملكناك عين " علمناك سين " سررناك
قاف قربناك
قال فنازعوني في ذلك ولم يقبلوه مني فقلت نسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفصل بيننا فسرنا
فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا الذي قال محمد بن سلطان هو الحق انتهى
وعند أهل السريانية أن كل حرف يفسر على حدته
فالكاف المفتوحة وضعت للعبد والفاء الساكنة تحقيق المعنى الفاء المفتوحة وزيادة التحقيق والتقرير
ومعنى المفتوحة الشيء الذي لا يطاق فكان الساكنة تقول وكونه لا يطاق حق ولا شك فيه
والهآء المفتوحة وضعت لتدل على الرحمة الظاهرة الصافية التي لا يخالطها كدر ولا غير
ويا للنداء والعين المفتوحة لتدل على الرحيل والانتقال من حال إلى حال
اليآء المسكنة هنا تدل عل الاشتباك والاختلاط
النون المسكنة تحقيق لمعنى المفتوحة ومعنى المفتوحة الخير الساكن في الذات الشاعل فيها
والصاد المفتوحة وضعت لتدل على الفراغ
والدال المسكنة تحقيق لمعنى الصاد لأنها من حروف الإشارة وحرف الإشارة تحقيق لمعاني التي قبلها بخلاف غير الإشارة فإنها إذا سكنت حققت معاني مفتوحها على تفسيرالحروف على ما اقتضاه وضعها
وأما المعنى المراد منها هنا فهواعلام من الله تعالى جل وعلا بجميع المخلوقات بمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند الله تعالى
وانه تعالى من على كافة المخلوقات على بأن جعل استمداد أنوارها من هذا النبي الكريم صلى الله
عليه وسلم وبيان ذلك من التفسير السابق أن الكاف ذلت على أنه صلى الله عليه وسلم عبد
والفآء الساكنة على أن لايطاق أي أنه أعجز الخلآئق فلم يدركه سابق ولا لاحق فكان بذلك سيد الوجود
صلى الله عليه وسلم محمد المفتوحة ذلت على أنه رحمة ظاهرة وباطنة صافية مطهرة لغيرها كما قال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الآية
وقال صلى الله عليه وسلم إنما أنا رحمة مهداة للخلق
ويا نداء للعبد اليابق والمنادي لأجله هو ما دلت عليه العين من الرحلة المذكورة بمعنى الياء الساكنة لأنها
من حروف الإشارة وحرف الإشارة للتأكيد كما سبق وتفيد مع ذلك لزوم الرحلة والمرحوم به هو المعنى
واشتباكها والمرحول به هومعنى النون الساكنة وهو نورالوجود الذي تقدم به الموجودات والمرحول به
هو المعنى الذي أشير إليه بالصاد فمعناها
الكلام حينئذ إشارة ياهذا العبد العزيزعلي اذهب ذهابا احتمالا لازما إلى جميع من هو حيزفراغ بالأنوارالتي تقوم
بها وجوداتهم ليستمدوا منك فإن مادة الجميع إنما هي منك فقد ترتبت معاني الحروف ترتيبا حسنا وانتسق نظم الكلام أي انتساق وذلك أن الحروف السريانية كمعاني الكلمات في غيرها فكما أن الكلام إذا تركبت الكلمات في اللغة لا يستقيم إلا إذا تركبت معاني كلمات كذلك الكلام في السريانية إذا تركب الكلام في السريانية إذا تركب من الحروف فإنه لا يستقيم إلا إذا تركبت معاني حروفه وكان بعظها آخذ بحجزه بعض وكأن الكلام إذا تركب من الكلمات في غير السريانية قد يحتاج في ترتيب معاني كلماته إلى تقديم وتأخير وفصل بين معنين متلاصقين بما هو آجنبي منهما واظهار شيء
يتوقف عليه تصحيح المعنى كذلك الكلام في السريانية إذا تركب من الحروف فقد يحتاج في تركيب معاني الحروف إلى تقديم وتأخير واضمار إلى غير ذلك
ولاشك أن ما فسر به هاذه الرموز معلوم عند أربابه بالكشف والعيان بأنهم يشاهدون سيد الوجود صلى الله عليه وسلم
ويشاهدون ما أعطاهم الله من الكرمات وأكرمه به ربه عز وجل بما لا يطيقه غيره من الخلوقات والأنبيآء وغيرهم
ويشاهدون ما أعطاهم الله تعالى من الكرمات ويشاهدون المادة سارية من سيد الوجود صلى الله عليه وسلم إلى كل مخلوق في خيوطهن نورقابضة من نوره صلى الله عليه وسلم
متمددة إلى دوات الأنبيآء والملائكة عليهم الصلاة والسلام ودوات غيرهم من المخلوقات فيشاهدون عجآئب ذلك الاستمداد وغرائبه ولقد آخذ بعض الصالحين طرف خبزة ليأكله فنظرفيه وفي النعمة التي رزقها الله لبني آدم قال فرأى في ذلك الخبز خيطا من نوره فتتبعه فنظره فرآه متصلا بخيط نوره الذي اتصل لنوره صلى الله عليه وسلم
فرأى الخيط المتصل بالنورالكريم وأخذ ثم بعد أن امتد قليلا جعل يتفرع إلى خيوط كل خيط متصل بنعمة من نعم تلك الدوات
ولقد وقع لبعض أهل الخذلان نسأل الله السلامة انه قال ليس لي من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا الهداية إلى الإيمان وآما نور إيماني فهو من الله تعالى لا من النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له الصالحون ارأيت إن قطعنا ما بين نور إيمانك وبين نوره صلى الله عليه وسلم
وايقنا لك الهداية التي ذكرت أترض بذلك فقال نعم رضيت فما ثم كلامه حتى سجد للصليب والاعياذ بالله وكفر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومات على كفره نسئل الله السلامة بمنه وفضله
واما ( يسن ) فاليآء المفتوحة للندآء وقد يؤكد بها
والسين المكسورة لباب الذات وسرها من عقل كامل وعفو وحلم
والنون المسكنة تحقيق لمعاني المفتوحة ومعنى المفتوحة الخير الساكن في الذات الشاعل فيها فمعنى الكلام حينئذ يالباب المخلوقات وسرها للخيرالساكن في ذاتك الشاعل فيها حق لا شك فيه ..
وأما قوله ( والقرآن الحكيم إنك يامحمد لمن المرسلين على صرط مستقيم ) لا يخفى ما في هذه الآية
من جلالة النبي المعصوم ومكانته لذى مولاه فقد اقسم الجليل جل جلاله
وأكد واثبت ما دلت عليه الآية ففيها من الشفوف والمزايا ما ليس لغيره صلى الله عليه وسلم
واما ( ن ) فالمضمومة إشارة إلى الخيرالكامل والنورالساطع والنون الساكنة إشارة إلى كون ذلك الخيرالكامل
والنور الساطع لا يطاق أي لا يدركه سابق ولا لاحق فهوالسرالمكنون والكنزالمصون
وقوله تعالى ( ن ) والقلم وما يسطرون ما أنت يا محمد بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غيرممنون وإنك لعلى خلق عظيم
ولا يخفى على أهل المعرفة من هنا في هاذه الآية من الشفوف والمزايا التي نالها سيد الوجود وآتحفه بها خاصة دون مماثل في الوجود
حيث أن الله تعالى اقسم أربع مرات في هاذه الآية وأكذ مرتين وأثبت مرتين
وفي هاذه اليمين والتأكيد والاثبات خاصية ومزية وجلالة قدر ورفعة وعناية سابقة ونعم شاملة يعلمها أهل الله المفتوح عليهم بفضل الله وبركاته صلى الله عليه وسلم ولذي ( ن ) الساري في ذواتهم وارواحهم وكل من فيح عليه علم من الآية مكانة هذا النبي الشريف وجلالته قدره المنيف وقد آتى بها
الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
على عادة اهل الإشارة
بقصد أيرا المعنى شاهد ومشهود مبينا بأوضح الدلالة وتبركا بالقرآن خصوصا الفواتح وأشرف الآيات
يظهر إظهار الضمير وذلك معلوم عند أهل الإشارة وهن بطريقتهم بصير لا شك أحد في التلذذ بإسم المحبوب
وهيجان الوجد عند سماع إسمه الطيب إلا معاند وحاسد وخصوصا عند حروف اسمه الشريف فإن الأرواح تنعش
به وتهيج الأنوارعند ذكره وتفيض الأسرار وتهتك الحجوب والأستار
وأناديك بإسم سكن به العرش من * اضطرابه وهام به الكرسي
واللوح بنقش سره فياض عليه * وانشق لأجله القمر وتأذب
بآذابه ألم تر أن الحور العين * قد تزينت بطرز كتابته والجنة
قد تزخرفت بحروف إسمه وعنايته * والأمين الروح تلذذ بإسمه ورسالته
وكل سرى فيه سرحرف إسمه وبركاته وآدم وبنوه خلقوا على شكله ورسم حروف نورانية
يا هذا انتبه أن الناس إذا سمعوا باسم ولي حصل السقي لمن شآء من الظالين وناب إلى الله عند سماعه في الحق
فما ظنك بإسم وضع على النهارفأبلج وعلى الليل فأبهم وأدبج وعلى الخيال فسبحت وعلى السماوات فأمطرت وعلى الأرض فأنبتت وعلى الشمس فاستنارت وعلى الأرواح فأجابت
تنعم بذكر الهاشمي محمد * في ذكره العيش والهنا والأنس
أياشاديا شديا ممدح أحمد * سماعك طيب بشريعته
فكرر رعاك الله ذكر محمد * فقد لذت الاسماع وارتحت النفس
وطاب نعيم العيش واتصل المنى * واقبلت الأفراح وانتعش الحس
الا فاسمعوا فخرا اتانا محمد وقد غدا آيا سمع ذكر الحبيب تآهبوا وقوموا شكرا فقد سان البأس وقفا على الأقدام في حق سعيد تعظمه الأملاك والجن والإنس
ورحم الله سيدي أبا مدين الغوت حيث قال
فياحدي العشاق قم واحد قآئما * وزمزم لنا باسم الحبيب وروحنا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
حين
سإل على الحروف المقطعة قال اعلم أن كثمان بعض الحروف واجب وإفشاء سرالربوبية كفر
يشهد ذلك قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حين كان في مقام قاب قوسين أو آذنى
علمني ربي ثلاث علوم فعلم أمرني بتبليغه ، وعلم أمرني بكتمانه ، وعلم خيرني فيه
وها أنا اذكر لك إن شآء الله على سبيل الإشارة بحسب يفهم العقل وإلا يكون فتنة والاعياذ بالله
وأسرار الحروف لا يسعها مجلدات ولا دواوين مسطرات ولا مدخل للعقل فيها
وإنما يدركها أهل الاجتبآء وهم خاصة الله في أرضه بين خلقه
اعلم وفقني الله وإياك أن الحروف التي يستبدءون بها الصبيان تبركا وهي ثمانية وعشرون حرفا
خلقها الله عز وجل في العالم اللوحي اشكالا مستديرة
وجعل فإذا كان المريد في عالم التفرقة برز له الشكل الحرفي من باطن الدائرة فيرى المحوى وإن هو آرتقى إلى
باطن استدارتها مشكلة على هيئة الحروف باللسان وأنزل بها كتابه وبعث بها رسوله صلى الله عليه وسلم
وأرسل بها حبيبه إلى جميع خلقه وذلك لسر خفي وهو أن العالم العلوي جمع محض والعالم السفلي تفرقة محض
حقيقة الجمع شاهد الحروف مستديرة فيرى الباطن والظاهر من الحروف وما آتت به من المعالي الإلهية والحقائق
المغيبات لأن الوحي لا ينزل إلا بحروف الدوآئر بالمعنى الذي خلقها الله في عالم الأنوارالعلويات الملكوتية ولم يقع
التمكين تشكلات الحروف العلويات المسديرة والسفليات المشكلة إلا نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عليه
أفضل الصلاة والسلام
ولذك كان يفصل الدائرة ويبرزها في القوالب الجسمانية وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله
{ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } الآية
اعلم أن خط ( الألف ) وهو نسبة الابداع الأول وخط ( د ) نسبة الابداع الثاني فخط ألف نسبة العرش ونسبة مقام النبوءة وهو نسبة العقل وهو نسبة الجبروت وهو نسبة الفهم والأمر العالي
وخط ( ب ) وهو نسبة الروح وهو نسبة الملكوت الأعلى وهو نسبة الكرسي وهو نسبة الصورالنورانية وهو نسبة الهباء وهو نسبة الحكمة وهو نسبه مقام الصديقي
وخط ( ج ) وهو أول عالم الابداع وهو نسبة النفس وهو نسبة العلم وهو نسبة القلب وهو مستقر الحكم القدري وهو
نسبة مقام الشهدآء وخط ( د ) نسبة عالم الابداع الثاني وهو نسبة اللوح
وهو نسبة ملكوت الكرسي وفيه اسرارالكائنة الشكلية المصورة وهو نسبة النقوش الكتابية وهو مستقر العلم الإلهي
والسرالإرادي وهو نسبة التركيب وهو نسبة مقام الصالحين
فخط ( د ) نسبة يوم خلق الله آدم عليه السلام
وخط ( ج ) نسبة يوم السجود وتسويته
وخط ( ب ) بنسبة يوم النفخة في آدم عليه السلام
وخط ( ألف) نسبة يوم السجود آدم عليه السلام
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وها أنا أذكر لك على سبيل الإشارة أعلم أن حكم العدد ونظامه وإن عظم وجوده لا انضمام له إلا بالواحد ولو اختل
الواحد لبطل العدد وكذلك لو فصل عالم الاختراع الأول يعني عالم العقل في الإنسان لفسد نظامه ولا التحق بالبهائم
وكذاك الألف الذي هو أصل بقآء الدآئرة الحرفية لو بطل وجوده لاضمحل وجود الحرف وكذلك العالم العرشي لو بطل
قيامه وإحاطته بالعوالم لذهبت الأكوان وانعدمت وفسد نظام الأفلاك العلوية والدوآئر السفلية
فأول الأعداد الواحد وهو يمد الأحادي يعني جميع المعدودات
وكذاك استمداده الروح من العقل والنفس من الروح والقلب من النفس والدوات من القلب
وبعبارة الاختراع الأول المخصوص بفلك الأحاد يمد الاختراع الأول المخصوص بفلك الأحاد يمد الاختراع الثاني
يمد عالم الإبداع الأول عند اتصاله بدآئرة المئين
والابداع الأول عند نظامه واتصاله بدآئرة الألوف
وكل واحد يستمد من فوقه نسبة أو نسبتين أو أكثر
وبالجملة فإن جميع الحروف والعوالم العلوية والسفلية مستمد من الواحد الأول من المخترعات والواحد الأول
من المخترعات مستمد من الواحد الذي ليس قبله أول وهو الله سبحانه الذي لا شبيه له
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أعلم أن الحروف أربعة أنواع
حروف لفضية ، وحروف رقمية ، وحروف فكرية ، وحروف عددية
وأن الألف الظاهر منها نوعان اللفظية والرقمية
والباطنية نوعان الفكرية والعددية
فالظاهرة بمنزلة الجسد ، والباطنية بمنزلة الروح
والمراد بالفكرية هو ما تشكل في عالم النفس ، والعددية ما قام بكل حرف من العدد
والحروف جملتها ثمانية وعشرون حرفا
فالتسعة الأولى آحاد ، والتسعة الثانية عشرات ، والتسعة الثالثة مئات ، والشين له الف
وأعلم أن أشرف الحروف هي التي ذكرها الله سبحانه عز وجل في تسعة ألفاظ في أول السور وهي
أربعة وعشرون حرفا وهي هاذه
المص كهيعص طسم يس ص حم ف ن ح م ع س ق
واعلم أن هاذه الحروف التي في أول السور لايعلم سرها إلى الله جل وعلا
ومن هاذه الحرف اكتسبت الحروف بهآء وجمالا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإذا تأملت في بسم الله الرحمن الرحيم
تجد جميع حروفها من أشرف الحروف التي في أوآئل السور ومجموعها الألف واللم والسين والميم والهآء والحاء
والنون والبآء والرا
وإذا علمت هذا بان لك سر بسم الله الرحمن الرحيم
على وجه الإشارة وهي عوامل الأسرار ومفتاح على الأسمآء ومنها انبعثت القدرة القادرة مع البآء مع الميم وعددها عالم الملك الشهودي ومن البآء والسين يكون عالم الملكوت العلوي ومن اليآء مع الألف تكونت الأسمآء ومن
اللآم والهآء تركبت الأطوار ومن الرآء مع الحآء ظهرت الرحمة
ومن النون مع البآء ظهرت القبضتين وتظهر لك
حكمة بسم الله الرحمن الرحيم
تستبدل بها على إسم الله الأعظم والنور الأقدم
وأعلم أن بسم إذا أظيفت إلى الربوبية كانت على قسمين
قسم يبرز منه التعظيم وقسم يظهر منه العلو وذلك لأمرين
أحدهما أن التعظيم هو ردآء الله تعالى المبثوث في العالم
وهو إسمه المبسوط في الأكوان وذلك أن الله تبارك وتعالى
قال فسبح باسم ربك العظيم
بعد أن وصف المقربين ووصف أصحاب اليمين ووصف الشمال ووصف المكذبين الضالين وذكر حق اليقين شاهد عظمة الله في العالم أجمعه وشاهد إسم الله الأعظم
والثاني بعد ذلك اعتبارالأعظم لكل قلب سليم من دنس الأطبق الترابي والشكل الحجابي لأن الأشكال على قسمين شكل
هبوطي وشكل طلوعي فالشكل الهبوطي لشهود الإسم
الأعظم في الدآئرة الجسمانية الحسية والشكل الطلوعي
لشهود الربوبية
وبالجملة
بسم الله الرحمن الرحيم
غيبة في حضورالرحمن الرحيم غيبة ولذاك الفهم في جميع كتابه العزيز
فقولك الحمد لله حضور وقولك رب العالمين غيبة وقولك
إياك نعبد حضور في حضور وقولك وإياك نستعين حضور في غيبة
اهدنا الصراط المستقيم غيبة صرط الذين انعمت
عليهم غيبة في غيبة
وكذك مجاري القرآن العظيم غيبة وحضور وصعود وهبوط وذلك لسر إحاطته في العلويات واستدارته في السفليات
وأعلم أن بسم الله الرحمن الرحيم
محتوي على ثلاثة عوالم
عالم الملك الأول وعالم الخلق وعالم الأمر
وذلك قوله تعالى ألا له الخلق والأمر
واعلم ان بسم الله الرحمن الرحيم مقابل للحمد لله رب العالمين
فإسم الله مقابل الحمد لله رب العالمين والرحمن الرحيم مقابل رب العالمين
وذلك قوله تعالى في ملك يوم الدين وظهور الربوبية فهو
ملك ومالك ومليك
لتجليه للعقول والأحوال اللطيفة يوم الدين بالصفة الملآئكية فيكون مالك الملوك ويتجلى للنفوس بالقهر والملك فيكون
ملك يوم الدين ويتجلى لذوي الرحمة في دار الدنيا بالتمليك
فيكون مالك الملك ويتجلى للمقربين بالملك
لقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر
هذه اللطآئف على وجه الإشارة
واعلم أن البآء في بسم لتوصيل الخيرات ورفع الندآء باللسان
اللطيف بسم الله أرتفاع لاغاية له
والرحمن الرحيم هبوط ما لا نهاية له ففيها مراتب التوحيد
فأول دآئرة بسم الله الرحمن الرحيم فظاهرها الرحمن الرحيم
وباطنها بسم الله ولهاذا كانت بسم الله من العلو بمنزلة كن من الرب وبها قامت شجرة الأكوان وبها سخر الثقلين
وقد جآء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جآء يوم القيامة وفي صحيفته بسم الله الرحمان الرحيم ثمانية مائة مرة
وكان مومنا موقنا بربوبيته أعتقه الله من النار وأدخله الجنة دار القرار
وقال صلى الله عليه وسلم إدا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قالت الملآئكة لبيك وسعديك اللهم عبدك فلانا قال
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم زحزحه على النار وأدخله الجنة
وفي رواية إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم اشتاقت إليه الجنة ولبت له وسعدت وتزحزحت النار وقالت اللهم بعده مني
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أول الحروف ( ا ) رتبه الله سبحانه لسر البيان وخصه نقطة
أصلية في العلويات الروحانية والأشكال هي النقطة
إلا أنها ثكاثفت بتكاثف الأطوا الدوريات والعوالم الملكيات
فمن لاحظ سرالجمع رآى وشاهد سر التفرقة ومن شاهد سر التفرقة وقف وقد يعلم كل ذي فتح نوراني وكشف رباني نعث صورة القدم
وأما حرف ن وهو صورة في العرش وهو حقيقة الأمرالعالي لأنه باطن القلم والقلم ظاهرالعرش والنون هو اعظم
نور خلقه الله في العالم الروحاني فأصله في الذات العرشية
وفرعه تحث السفلي فهو الحامل المفضل والظل المظل يوم القيامة
وأشار صلى الله عليه وسلم في الصدقة تظل صاحبها تحث العرش يوم لا ظل إلا ظله
وهو النور المذكور الذي هي أول ابتدآء ما يفطر عليه أهل الجنة اشار إلى تحكم الأمر وملاكه إذ يقول
لشيء كن فيكون
وهو من حروف يستدل بلطائفها على حقائق الأزل ولا يصلح ذلك إلا الخواص الأوليآء لأنها برزت في قول المصطفى
صلى الله عليه وسلم فيما عبرعن الأزل كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه
كأن أراد بذلك سر الأزل المودع في حقيقة فهم النون على ما كان عليه
وقوله تعالى كما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم
كنت كنزا أي أظهر سرالنور في كنت المعنى هي سر كان وأظهر في الكنز وهي في كنت كما هي في الكنز
ومن أدرك هذا المقام كان أمينا على هذا السر فيجيب عليه امساك القلم هنا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن فهم هذا المعنى علم قول أبو حامد الغزالي ليس في الامكان ابدع مما كان وجميع ماقالوا في مقالة أبو حامد
تصور لعدم اشرافهم على ما أطلع عليه أبو حامد مع أن التوقف في مقالته لو وقف في بحر العجز لكان آسلم
ويكفي أن مابعد أبي حامد نقطة من بحره والمنة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اعلم أن حرف قآئم منه أرواح الحروف ومنه تستمد فهو ما دتها وهو نظيره العقل والعلم والعرش والقلم
ويليه الآم وهوحرف الوصل بين الأعلى والأذنى وشكله ( ل) ونظيره اللوح والكرسي والنفس
ويلي الآم والهآء وهو الحرف الدال على التمام ونظيرالجسم
فالعقل أول كل مخلوق والجسم انتهاء المخلوقات
وسآئر معاني الحروف داخلة في الألف وفي الألف معنى الجمع والإجمال كما أن الحروف مجملة في القلم ومن علم
معنى الإجمال والتداخل لاحت له أسرار روحانية عزيزة فيجيب عنان القلم هنا فافهم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
إذا أراد الله أن يتولى عبدا خصه بعلم التسعة والتسعين إسما
دون تعلم فيفتح له بها من العلم ما لا يفتح للعالم بطريق النظر والتعلم ثم يرقيه إلى عالم الأسمآء الباطنة
وأولها هو كما قدمنا الإشارة إليه وهو إسم مركب من حرفين هآء وواو وهو موضع الإشارة الألوهية التي ترجع
إليها الأسمآء الظاهرة والباطنة كلها كما رجعت إلى الله تعالى
ثم يرقيه إلى معرفة الأسمآء الباطنة التي هي حروف مفردة وليس مركبة
وهي أربعة وعشرون حرفا الواردة في فواتح السور
وهي الحروف النورانية المتقدم ذكرها وبيانها
ثم يرقيه إلى معرفة الاسم الأعظم الذي هوغالب أحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
وقد يتلقاه الولي صاحب الاجتبآء بقذف في الروع عند هبوب الرحمة على العبد فعند ذلك تطوى الأرض ويمشي على
المآء ويعرج في الهوآء وتقلب له الأعيان إلى غيرذلك من الكرمات التي اختص بها الأوليآء
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وأما حروف الجلالة فأربعة
فالألف منه إشارة إلى ذاته الكريمة
ولما كان الألف أن يوصل بالحركات والسكون لانفصل في الأوليات وإليه انتهآء الغايات
واللآم الأول يتحرك من نسبة ما اتصل به من اللآم الثاني إذ هو حقيقة الحركة فتلقاه الهاء بسر احاطتها فيجتمع فيها
سر الحركات
والهآء الباطن إذا كانت باطنا كما قال الله تعالى
قل هو الله وهو الأول وهوالحي فالهآء سر شرح الصدور
والألف إشارة للذات واللآم الأول للعهد والميثاق والإيمان آيام الدنيا التكليف لما فيه من سر واسطة الألف
ثم الهآء لتمام الأمور يوم النشأة الأخيرة فيجمع الأولين والآخرين
بهاذه الحكمة دآئرة من أربعة أحرف فبذلك السر شهد له
بالتوحيد وإلى هذه الإشارة بقوله
شهد الله أنه لا إله إلا هو
وهنا يجب امساك عنان القلم فافهم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا يعلم من فتح الله بصيرته
لماذا وقع علما على الإيمان بحيث لا يتم الإيمان إلا به
لقوله صلى الله عليه وسلم :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
ولهاذا وردت أحاديث في هاذا الإسم الشريف كقوله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يقول
لا إله إلا الله دخل الجنة
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن أسرار الله تعالى أن جعل تلك الحروف المقطعة أسمآء الملائكة فكل حرف إسم لملك وبيد كل ملك سر ذلك الحرف
وهو شعبة من لإيمان فإن الإيمان بضع وسبعون شعبة
والبضع من واحد إلى تسعة
فقد استعمل في غاية البضع فعلى هاذا أن الحروف المقطعة المذكورة في الصلاة النورانية التي هي ثمانية آحرف
إذا نطق المريد بها كان مناديا لهم فيجيبونه
فإن قال المريد كهيعص تقول هاذه الخمسة من الملآئكة ما تقول فيقول القارىء ما بعدها من الحروف فيقال بهذا
الباب الذي فتحت ترى عجآئب
وتكون هاذه الأرواح للملآئكة التي هي الحروف النورانية أجسامها تحث تسخيره وما بيدها من شعب الإيمان تمده
وتحفظ عليه إيمانه
تنبه وأعرف قدر هاذه الصلاة النورانية التي مليت على شيخنا البوعزاوي من الفيض النبوي
اللهم نفعنا ببركاته آمين يا رب العالمين .
قال السهيلي ثم أنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد حمد ربه فنباه وشرفه فلذلك تقدم إسم أحمد على الإسم الذي هو محمد
فذكره عيسى فقال إسمه أحمد وذكره موسى حين قال له ربه تلك أمة أحمد
فقال اللهم اجعلني من أمة احمد فبأحمد ذكرقبل أن يذكر بمحمد لأن حمده لربه في المحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الحامدين لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته
فانظر كيف ترتب هذا الاسم والوجود في الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلاهية في تخصيصه بهاذين الإسمين انتهى
وبه يظهر لك تكون حقيقته صلى الله عليه وسلم أحمدية وليس الحقيقة الإنسانية بل الخاصية التي امتازت بها
فلحامديته خلق أي بذلك تعلقت الإرادة فكان الحمد الأكبر والمعرف الأعظم ولذا وصف بأفعل والحامدونكلهم
نوابه إذ هو الذي عرفهم الحمد وأوصل إليهم العلم بمنشاه
من الكمالات وأوصل إليهم نفس منشاه الذي هو النعم فهوالمثنى على الاطلاق والحامدون في جميع الأوقات والافاق
وبه يتضح لك عجز الخلق كلهم عن معرفة حقيقته الأحمدية وأنه لا يحيط بها إلا الله سبحانه
وأيضا فإن حمده وثنآئه على حسب معرفته ولم يصلها ولا يصلها أحد فإذا لا يعرف حقيقة أحمديته وأيضا هوالسابق غلى الخلق والمعرفة والسجود والحمد والأصل في ذلك وغيره فروعه وجد اوله وكيف يحيط الفرع بالأصل
وبه أيضا يظهر لك أن المحمدية بمثابة الصورة وظاهرها الذي أدركه المومنون بمثابة الظل لأنه تشير إلى عظمة
الأحمدية وفخامتها إذ المحمدية مرتبة عليها فهي حاكية لها ومنبئة عنها بوجه إجمالي وكانت صورة لظهورها
وشهرتها وشدة وضوعها ومن ثم والله أعلم أشهد محمد آكثر من أحمد حتى قال بعضهم محمد آشهر آسمائه
بين العالمين وأشوقها إلى الصلاة والسلام على سيد المرسلين
وألذها سماعا عند جميع المسلمين انتهى
ولتلك الأشهرية والله أعلم مع ماله من مقام المحبوبية ما في معناه من المكافات لأحمديته بثنائه تعالى عليه بنفسه في
كتبه وبألسنة خلقه إذ ألسنة الخلق أقلام الحق
فالمحبوبية فيه أظهر وان كانت في أحمد أيضا من حيث اجتذابه إليه واستعماله في حمده ومعرفته ومعنى المحمدية
فيه أظهر ولظهورمعنى المحبوبية في محمد كان ألذ سماعها عند جميع المسلمين وآسبقية الأحمدية سمي في السماء أحمد
لأن معرفة أهل السمآء له قبل معرفة أهل الأرض ولعظمة أحمديته وكمالها خص بخصآئص من معناها فأنزلت عليه
سورة الحمدين بين سآئر الأنبيآء لأنه أكمل الحامدين وخص بلوآء الحمد الذي يستظل تحته كل حامد وخص بالمقام
المحمود وشرع لأمته سنة وقرآنا أن تقول عند اختثام الأفعال وانقضاء الأمور الحمد لله رب العالمين
قال الله تعالى { وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } الآية
وقال { آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } الآية
تنبيها لنا على أن مشروع لنا عند انقضآء الأمور وسن عليه الصلاة والسلام الحمد عند الأكل والشرب وقال عند
انقضآء السفرآئبون تائبون لربنا حامدون
واكذت عند ابتدآئها وفيه إشارة إلى أن نبينا هوالفاتح الخاتم فأحمديته سابقة على جميع الأحمديات ومحمديته فيها أنتهت
جميع المحمديات ولعدم وصول الخلق إلى معرفة حقيقته الأحمدية حتى الأنبياء والمرسلين كما تقدم في كلام الخروبي
وصرح به غيره وهو صريح الحصر في قوله لايعلمني حقيقة غير ربي
ومعرفة الرسل والأنبيآء بمحمديته أشير إلى ذلك بتضمن إسم محمد دون أحمد لعدتهم قال بعض العلمآء في إسم محمد
ثلاث ميمات إذا بسطت كلا منها قلت ميم وعدتها بحسب الجمل تسعون فيحصل من الميمات الثلاث مائتان وسبعون
وإذا بسطت الحآء والدال قلت دال بخمسة وثلاثين
وحآء بتسعة
والجملة ثلثمائة وأربعة عشر فذلك عدد الرسل عليهم السلام
وقال الشيخ سيدي عبد الجليل في شعبه فروح محمد عليه السلام
لما نفخ في الجسد ادرجت في ذاته جميع النبوآت وامتجز الجسد مع الروح مدة من الطبع بقآء الجسد في البطن فإذا أردت أن تفهم ذلك فاعلم أنه رأس الرسل والرسل ثلثمائة وثلاثة عشر رسول
والأنبيآء كلهم في ضمن الرسل يفهم ذلك من فهم انفصال النبوءة من الرسالة والولاية من النبوءة وهذا العدد من الرسل على عدد حروف اسمه الكريم عجنت فيه بالسماة المطبوع جميع شرائع الرسل وأخلاقهم وطبائعهم الكريمة
مع طبعه الكريم فكان يعسوفهم
قال والواحد الباقي هو لمقام الولاية المفرق على جميع الأوليآء التابعين للأنبيآء ولعدم معرفة الخلق بأحمديته
وبحمده تعالى القديم ومعرفتهم بالمحموديته في الجانبين
قال صلى الله عليه وسلم يا عمر بن الخطاب اتدري من أنا أنا الذي اشتق الله تعالى اسمي من اسمه فالله محمود وأنا
محمد ولا فخر انتهى
هاذا وصف آخر له صلى الله عيله وسلم ولاشك أن قلبه صلى الله عليه وسلم عين الحقآئق والأسرار الربانية
وباطنه منبع العلوم والأنوار
والمراد بالأسرار اسرار الذات واسرار الصفات واسرار الأفعال فهذه الأسرار كلها كانت مبطنة مما تجلى عليها
من إسمه الباطن حجب عنها خلقه بنور كبريائه فكانت كذلك حتى جآء صلى الله عليه وسلم فحولها بإسمه الظاهر
وأظهرها بإسمه تعالى المبين ورفع البصآئر الحجب فظهرت الأسرارلائحة والأنوار بادية للأسرار
فكان صلى الله عليه وسلم هو المظهر لها وكاشف الحجاب
فبنوره ظهرت الأسرار وبسره انشقت الأنوار والمراد
بالأنوار أنوار الإيمانية فمنه بدأها وعنه مصدرها
وقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
روح بفتح الرآء الرحمة وهو وصف له صلى الله عليه وسلم نظير ما قبله إلا أنه ذكره بعبارة آشرف
ولاشك أنه صلى الله عليه وسلم رحمة محضة
قال تعالى { وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
وقد أصابت هاذه الرحمة كافة العالم كل فريق بما يناسبه وجودا وإمدادا آما من آمن فقد تمت له الرحمة منه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وأما من لم يومن به فقد عوفي بسببها مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب
من الخسف والمسخ وغيرها ولقد صدق الأمين صلى الله عليه وسلم في قوله إنما أنا رحمة مهداة للخلق والحصر يبين أنه لايصدر منه إلا الرحمة
وانظر قضيته مع كفار قريش لما بلغوا في إذايته وسجوا وجهه وكسروا رباعيته وكلمه الروح جبريل عليه السلام
بأن الله أرسله بالعذاب إليهم
كيف أجاب صلى الله عليه وسلم بقوله يا جبريل إنما أرسلني الله رحمة اللهم اغفر لأمتي فإنهم لا يعلمون
أو كما قال صلى الله عليه وسلم اخرج أحمد وأبو داوود والطبراني عن سلمان رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل من أمتي سبيته سبة في غضبي أو لعنته فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما
يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين وجعلها عليه صلاة يوم القيامة وعمت رحمته إخوانه من النبيئين والمرسلين
والملائكة والشهدآء والصالحين
وهو المراد بالمدد الصديقي والملك النبوي وخصوصا يوم الشفاعة الموصلة إلى الفوز الأبدي والفضل السرمذي
ولنذكر لك ما يتبث فؤادك إن شآء الله تعالى
سئل بعض العارفين عن عظمة الله تعالى فقال ما تقول فيمن له عبد يسمى جبريل عليه السلام له ستة مائة جناح
ولو نشر منها جناحين لستر الخفاقين
وروى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت آخشى العاقبة ثم آمنت منها بثناء الله علي بقوله { ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } الآية :
وقوله صلى الله عليه وسلم هل أصابك من هاذه شيء أي حظ مخصوص وأما الرحمة الإيجاد والإمداد بشامل له ولغيره ولذلك أجابه بالحظ المخصوص واقتصر على هذا لأنه أسنى المطلوب
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه جميع الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هوعين الرحمة قال تعالى
الأنبيآء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
فهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة ومن رحمته على الكافرين قصده وسعيه واجتهاده واعتناؤه بهم وقد كان
حريصا على هدايتهم حتى قال الله تعالى { لعلك باخع نفسك آلا يكونوا مومنين إن تشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } الآية :
وقال تعالى { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } الآية :
وإذا كان صلى الله عليه وسلم عين الرحمة فهو أصل الرحمة وينبوعها ولا رحمة خارجة عنه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وكل من حرم فإنما منه وبه
وفي إسمه محمد صلى الله عليه وسلم إشارة لذلك يعلمها أهل الله الحائزين من رحمته الحظ الأوفى
فالميم الأولى للملك الأول والميم الثانية للملك الثاني وهوالأخروي جاءت الحآء بينهما إشارة لرحمته صلى الله عليه وسلم
لأن الملكين يتجاذبان ويستمدان منه صلى الله عليه وسلم وإنما أكدت الميم الثانية إشارة إلى الرحمة الفائضة
في الملك الأخروي اعظم من الرحمة الفآئضة من الملك الدنيوي
يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم أن الله قسم الرحمة مائة أمسك تسعة وتسعين إلى يوم القيامة
وجعل واحدة يتراحم بها في الدنيا حتى البهيمة أو كما قال صلى الله عليه وسلم
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه من هذا المعنى العجيب العجاب
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
آلا اني لكم بمكان صدق حياتي وإذا مت فقال عمر يا رسول الله ماذا أصنع إذا مت قال لأزال أنادي في
قبري ربي امتي ربي امتي حتى ينفخ في الصور النفخة الثانية
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث ابن أبي كعب قال صلى الله عليه وسلم
ان ربي عز وجل أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت عليه أن يهون على أمتي فرد إلي الثالثة أن أقراه
على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسئلة تسئلها فقلت اللهم اغفر لأمتي الله اغفر لأمتي وآخرت الثالثة ليوم ترغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم
فسإل الشيخ رضي الله عنه ما معنى أن الله أعطاه بكل ردة مسئلة فقال رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى
رحيم يحب الرحمآء لما رأى من عبده وحبيبه لشدة حرصه ورحمته وشفقته على أمته زاده الله شرفا على شرف
ورحمة على رحمة
وفي روضة الأزهار لسيدنا عبد الرحمن الثعالبي عن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت لما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم طيب النفس قلت يا رسول الله أدعوا لي فقال اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط راسها في حجرها من الضحك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأنها دعائي لأمتي في كل صلاة
رواه ابن حبان في صحيحه
وعن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت قمت ذات ليلة أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من البيت
فوجدته في البقيع يقول قآئما يآرب أمتي وساجد يآرب أمتي فقلت يا رسول الله أين القرآن فقد نسيته لأجل هذه الأمة
فلما سمع قال لي ياعآئشة أجبين من هاذا أقول ما دمت في الحياة يا رب أمتي فإذا دخلت القبر يا رب أمتي فإذا نفخ
في الصور أقول يآرب أمتي
قال في تذكرة المحبين
فاذكروا يا أمة محمد رحمة نبيكم ورأفته عليكم وذكره لكم قبل وجودكم
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه تا لله لقد استرقانا صلى الله عليه وسلم
بإحسانه إلينا ورحمته علينا قبل وجودنا وبعد وجودنا ولا يماثل ذلك رحمة وشفقة آبائنا وأقاربنا وآحبائنا فجزاه الله عنا خير
ولما نظر الله سبحانه وتعالى هاذه الرحمة والشفقة علينا أمرنا جزاء بقوله تعالى :
{ يآأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الآية :
وفي الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله
وفي المواهب عن بعض أهل الإشارة لما انتهى صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى العرش تمسك العرش بأذياله
وناداه بلسان حاله يا محمد أنت صفآء في وقتك آمنا من مقتك اشهدك جمال آحديته وآطلعك على جمال صمديته
وأنا الضمأن إليه اللهفان عليه المتحير فيه لأدري من أي وجه آتيه جعلني اعظم خلقه فكنت أعظمهم هيبة وأكثرهم
فيه حيرة وأشدهم خوفا يا محمد صلى الله عليه وسلم خلقني فكنت أرعد لهيبت جلاله فكتب على قائمتي
لا إله إلا الله فازددت لهيبة إسمه ارتعادا وارتعاشا فكتب علي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن لذلك قلقي
وهدأ روعي وكان إسمك لقاحا لقلبي وطمئانية سري فهذا بركة إسمك علي فكيف إذا وقع جميل نظرك إلي يا محمد
أنت المرسل رحمة للعالمين ولا بد من نصيب من هاذه الرحمة ونصيبي يا حبيبي أن تشهد لي بالبرآة مما
ينسبه أهل الزور إلي وتقول أهل الغرورعلي زعموا أني أوسع من لا مثال له وأحيط بمن لا كيف له
يا محمد من لا حد لذاته ولا حد لصفاته كيف يفتقر إلي ويكون محمولا علي إذا كان الرحمان إسمه والاستوآء صفاته
وصفاته متصل بذاته فكيف يتصل بي أو ينفصل عني يا محمد وعزته لست بالقريب منه وصلا ولا بالبعيد منه فصلا ولا بالمطيق له حملا أوجدني منه رحمة وفضلا ولو محقني لكان منه فضلا وعدلا يا محمد أنا محمول قدرته
ومعمول حكمته فأجاب لسان الحال سيدنا محمد زاده الله شرفا وفضلا لديه ووالي صلاته وسلامه عليه أيها العرش
اليك عني أنا مشغول عنك فلا تكدرعلى صفوتي ولا تشوش على خلوتي فما اعاره صلى الله عليه وسلم منه طرفا ولأخراه من سطور ما أوحى حرفا ما زاغ البصر وما طغى
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فالله محمود وأنا محمد ولا فخر انتهى
ولم يحكم بمثل ذلك لأحمد إذ الخلق لا يعرفون معنى الأصل ولا معنى الفرع وأيضا فلافتراق الحامدتين بالقدم
والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه وما أحسن قول سيدنا حسان في هذا المعنى ضم إسمه
إلى إسم الله تعالى في التشهد * أعذ عليه للنبوءة خاتم
من الله نور يلوح ويشهد * وضم الإله إسم النبي إلى إسمه
إذ قال في الخمس المؤذن أشهد * وشق له من إسمه ليجليه
فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو محمد ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم
متضمن حمد الله تعالى والمقصود من الثنآء على الواسطة التوسل إلى من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة
الرسالة عند ذكر الله تعالى إلا العارفون من حيثية وساطته لهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أذل
على محبته للملك من ثنآئه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال الشيخ زروق
رضي الله عنه وغيره إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعظم العبادات وأشرفها لقوة ذللاتها على قوة الامتثال
فان الملك إذا أمر كبرآء دولته بالخضوع له والتدلل بين يديه لم يتأخر أحد منهم عن ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا
أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه وانظر قضية إبليس في السجود بعد
عظيم تعبده والاشتقاق
هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود
إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم :
له سابقة والزيادة في الفرع كما سبق وايضا للحكم باشتقاق محمد دون أحمد إذ حامدية العبد لسيده لا تتوقف على
حامدية السيد لنفسه أي لا يراعى ذلك فيها إذ من شأن العبد الخدمة بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون إلا تابعة
لمحمودية سيده فأن قيل لم بولغ في حمده دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت لما مر من أن حمده متضمن حمد الله
ولأن محموديته لما كانت بحول الله تعالى :
أحتيج للتنبيه على كمالها قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم ممتثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكر
وأيضا المصلي عليه يناجي ربه وللمناجات ذكر وأيضا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون مقرونة
بإسم من أسمآء الله تعالى أو صفة من صفاته واسرار ذلك على اللسان ذكر
وهذه الأوجه الثلاثة تصح لكل مصل عليه صلى الله عليه وسلم من العموم والخصوص
ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذا مرعلى ألسنتهم ذكر النبوءة
والرسالة استحضروا مع ذلك أسمآء المرسل وصفاته العظيمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك
وسلسل بهم الأمور إلى استحضارأمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم على تعظيم أمر الرسل والمرسل به
وهذا ذكر يطاق إليه إسم الذكر من وجوه انتهى
ويندرج في عموم لفظه تقاصرالفهوم عن إدراك كنه جلاله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فلولا أنه كان يباسطهم ويتواضع لهم ويؤنسهم لما قدرأحد منهم أن يقعد معه ولا أن يسمع كلامه صلى الله عليه وسلم لما رزقه الله تعالى : من الجلالة والمهابة
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما ملأت عيني منه قط حيآء منه وتعظيما له ولوقيل لي صفه لما قدرت أو كما قال :
ويندرج أيضا تقاصرها عن إدراك جماله صلى الله عليه وسلم ولولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة
والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصر الدنيوية الضعيفة
قال الخروبي رضي الله عنه ما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلا على قدر عقولهم البشرية بما ظهر لهم
من ذلك فهو نعمة عليهم ليعرفوا قدره ويعظموا أمره وماخفى عليهم من أمره فهو رحمة من الله بهم إذ لو ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق لكان فتنة لهم
والله تعالى أرسله رحمة للعالمين فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر
ويندرج أيضا تقاصرها عن كنه عقله وكيف لا وعقول العوالم بالنسبة لعقله كحبة رمل من بين رمال الدنيا كما يأتي
بيانه في تقاصرها عن قدره وجاهه إذ هو صاحب الجاه الأعظم والمقام الأكبر الذي يقول عند تبرء الجاه العظيم أنالها فلا تضيق سعة جاهه عن أحد ولا يفنى بوجود عظمته حساب ولا عدد
عين الهويه وروح الهويه
هاذا وصف آخر له صلى الله عيله وسلم ولاشك أن قلبه صلى الله عليه وسلم عين الحقآئق والأسرار الربانية
وباطنه منبع العلوم والأنوار
والمراد بالأسرار اسرار الذات واسرار الصفات واسرار الأفعال فهذه الأسرار كلها كانت مبطنة مما تجلى عليها
من إسمه الباطن حجب عنها خلقه بنور كبريائه فكانت كذلك حتى جآء صلى الله عليه وسلم فحولها بإسمه الظاهر
وأظهرها بإسمه تعالى المبين ورفع البصآئر الحجب فظهرت الأسرارلائحة والأنوار بادية للأسرار
فكان صلى الله عليه وسلم هو المظهر لها وكاشف الحجاب
فبنوره ظهرت الأسرار وبسره انشقت الأنوار والمراد
بالأنوار أنوار الإيمانية فمنه بدأها وعنه مصدرها
وقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
روح بفتح الرآء الرحمة وهو وصف له صلى الله عليه وسلم نظير ما قبله إلا أنه ذكره بعبارة آشرف
ولاشك أنه صلى الله عليه وسلم رحمة محضة
قال تعالى { وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
وقد أصابت هاذه الرحمة كافة العالم كل فريق بما يناسبه وجودا وإمدادا آما من آمن فقد تمت له الرحمة منه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وأما من لم يومن به فقد عوفي بسببها مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب
من الخسف والمسخ وغيرها ولقد صدق الأمين صلى الله عليه وسلم في قوله إنما أنا رحمة مهداة للخلق والحصر يبين أنه لايصدر منه إلا الرحمة
وانظر قضيته مع كفار قريش لما بلغوا في إذايته وسجوا وجهه وكسروا رباعيته وكلمه الروح جبريل عليه السلام
بأن الله أرسله بالعذاب إليهم
كيف أجاب صلى الله عليه وسلم بقوله يا جبريل إنما أرسلني الله رحمة اللهم اغفر لأمتي فإنهم لا يعلمون
أو كما قال صلى الله عليه وسلم اخرج أحمد وأبو داوود والطبراني عن سلمان رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل من أمتي سبيته سبة في غضبي أو لعنته فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما
يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين وجعلها عليه صلاة يوم القيامة وعمت رحمته إخوانه من النبيئين والمرسلين
والملائكة والشهدآء والصالحين
وهو المراد بالمدد الصديقي والملك النبوي وخصوصا يوم الشفاعة الموصلة إلى الفوز الأبدي والفضل السرمذي
ولنذكر لك ما يتبث فؤادك إن شآء الله تعالى
سئل بعض العارفين عن عظمة الله تعالى فقال ما تقول فيمن له عبد يسمى جبريل عليه السلام له ستة مائة جناح
ولو نشر منها جناحين لستر الخفاقين
وروى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت آخشى العاقبة ثم آمنت منها بثناء الله علي بقوله { ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } الآية :
وقوله صلى الله عليه وسلم هل أصابك من هاذه شيء أي حظ مخصوص وأما الرحمة الإيجاد والإمداد بشامل له ولغيره ولذلك أجابه بالحظ المخصوص واقتصر على هذا لأنه أسنى المطلوب
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه جميع الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هوعين الرحمة قال تعالى
الأنبيآء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
فهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة ومن رحمته على الكافرين قصده وسعيه واجتهاده واعتناؤه بهم وقد كان
حريصا على هدايتهم حتى قال الله تعالى { لعلك باخع نفسك آلا يكونوا مومنين إن تشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } الآية :
وقال تعالى { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } الآية :
وإذا كان صلى الله عليه وسلم عين الرحمة فهو أصل الرحمة وينبوعها ولا رحمة خارجة عنه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وكل من حرم فإنما منه وبه
وفي إسمه محمد صلى الله عليه وسلم إشارة لذلك يعلمها أهل الله الحائزين من رحمته الحظ الأوفى
فالميم الأولى للملك الأول والميم الثانية للملك الثاني وهوالأخروي جاءت الحآء بينهما إشارة لرحمته صلى الله عليه وسلم
لأن الملكين يتجاذبان ويستمدان منه صلى الله عليه وسلم وإنما أكدت الميم الثانية إشارة إلى الرحمة الفائضة
في الملك الأخروي اعظم من الرحمة الفآئضة من الملك الدنيوي
يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم أن الله قسم الرحمة مائة أمسك تسعة وتسعين إلى يوم القيامة
وجعل واحدة يتراحم بها في الدنيا حتى البهيمة أو كما قال صلى الله عليه وسلم
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه من هذا المعنى العجيب العجاب
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
آلا اني لكم بمكان صدق حياتي وإذا مت فقال عمر يا رسول الله ماذا أصنع إذا مت قال لأزال أنادي في
قبري ربي امتي ربي امتي حتى ينفخ في الصور النفخة الثانية
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث ابن أبي كعب قال صلى الله عليه وسلم
ان ربي عز وجل أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت عليه أن يهون على أمتي فرد إلي الثالثة أن أقراه
على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسئلة تسئلها فقلت اللهم اغفر لأمتي الله اغفر لأمتي وآخرت الثالثة ليوم ترغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم
فسإل الشيخ رضي الله عنه ما معنى أن الله أعطاه بكل ردة مسئلة فقال رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى
رحيم يحب الرحمآء لما رأى من عبده وحبيبه لشدة حرصه ورحمته وشفقته على أمته زاده الله شرفا على شرف
ورحمة على رحمة
وفي روضة الأزهار لسيدنا عبد الرحمن الثعالبي عن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت لما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم طيب النفس قلت يا رسول الله أدعوا لي فقال اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط راسها في حجرها من الضحك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأنها دعائي لأمتي في كل صلاة
رواه ابن حبان في صحيحه
وعن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت قمت ذات ليلة أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من البيت
فوجدته في البقيع يقول قآئما يآرب أمتي وساجد يآرب أمتي فقلت يا رسول الله أين القرآن فقد نسيته لأجل هذه الأمة
فلما سمع قال لي ياعآئشة أجبين من هاذا أقول ما دمت في الحياة يا رب أمتي فإذا دخلت القبر يا رب أمتي فإذا نفخ
في الصور أقول يآرب أمتي
قال في تذكرة المحبين
فاذكروا يا أمة محمد رحمة نبيكم ورأفته عليكم وذكره لكم قبل وجودكم
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه تا لله لقد استرقانا صلى الله عليه وسلم
بإحسانه إلينا ورحمته علينا قبل وجودنا وبعد وجودنا ولا يماثل ذلك رحمة وشفقة آبائنا وأقاربنا وآحبائنا فجزاه الله عنا خير
ولما نظر الله سبحانه وتعالى هاذه الرحمة والشفقة علينا أمرنا جزاء بقوله تعالى :
{ يآأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الآية :
وفي الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله
وفي المواهب عن بعض أهل الإشارة لما انتهى صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى العرش تمسك العرش بأذياله
وناداه بلسان حاله يا محمد أنت صفآء في وقتك آمنا من مقتك اشهدك جمال آحديته وآطلعك على جمال صمديته
وأنا الضمأن إليه اللهفان عليه المتحير فيه لأدري من أي وجه آتيه جعلني اعظم خلقه فكنت أعظمهم هيبة وأكثرهم
فيه حيرة وأشدهم خوفا يا محمد صلى الله عليه وسلم خلقني فكنت أرعد لهيبت جلاله فكتب على قائمتي
لا إله إلا الله فازددت لهيبة إسمه ارتعادا وارتعاشا فكتب علي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن لذلك قلقي
وهدأ روعي وكان إسمك لقاحا لقلبي وطمئانية سري فهذا بركة إسمك علي فكيف إذا وقع جميل نظرك إلي يا محمد
أنت المرسل رحمة للعالمين ولا بد من نصيب من هاذه الرحمة ونصيبي يا حبيبي أن تشهد لي بالبرآة مما
ينسبه أهل الزور إلي وتقول أهل الغرورعلي زعموا أني أوسع من لا مثال له وأحيط بمن لا كيف له
يا محمد من لا حد لذاته ولا حد لصفاته كيف يفتقر إلي ويكون محمولا علي إذا كان الرحمان إسمه والاستوآء صفاته
وصفاته متصل بذاته فكيف يتصل بي أو ينفصل عني يا محمد وعزته لست بالقريب منه وصلا ولا بالبعيد منه فصلا ولا بالمطيق له حملا أوجدني منه رحمة وفضلا ولو محقني لكان منه فضلا وعدلا يا محمد أنا محمول قدرته
ومعمول حكمته فأجاب لسان الحال سيدنا محمد زاده الله شرفا وفضلا لديه ووالي صلاته وسلامه عليه أيها العرش
اليك عني أنا مشغول عنك فلا تكدرعلى صفوتي ولا تشوش على خلوتي فما اعاره صلى الله عليه وسلم منه طرفا ولأخراه من سطور ما أوحى حرفا ما زاغ البصر وما طغى
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فالله محمود وأنا محمد ولا فخر انتهى
ولم يحكم بمثل ذلك لأحمد إذ الخلق لا يعرفون معنى الأصل ولا معنى الفرع وأيضا فلافتراق الحامدتين بالقدم
والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه وما أحسن قول سيدنا حسان في هذا المعنى ضم إسمه
إلى إسم الله تعالى في التشهد * أعذ عليه للنبوءة خاتم
من الله نور يلوح ويشهد * وضم الإله إسم النبي إلى إسمه
إذ قال في الخمس المؤذن أشهد * وشق له من إسمه ليجليه
فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو محمد ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم
متضمن حمد الله تعالى والمقصود من الثنآء على الواسطة التوسل إلى من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة
الرسالة عند ذكر الله تعالى إلا العارفون من حيثية وساطته لهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أذل
على محبته للملك من ثنآئه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال الشيخ زروق
رضي الله عنه وغيره إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعظم العبادات وأشرفها لقوة ذللاتها على قوة الامتثال
فان الملك إذا أمر كبرآء دولته بالخضوع له والتدلل بين يديه لم يتأخر أحد منهم عن ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا
أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه وانظر قضية إبليس في السجود بعد
عظيم تعبده والاشتقاق
هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود
إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم :
له سابقة والزيادة في الفرع كما سبق وايضا للحكم باشتقاق محمد دون أحمد إذ حامدية العبد لسيده لا تتوقف على
حامدية السيد لنفسه أي لا يراعى ذلك فيها إذ من شأن العبد الخدمة بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون إلا تابعة
لمحمودية سيده فأن قيل لم بولغ في حمده دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت لما مر من أن حمده متضمن حمد الله
ولأن محموديته لما كانت بحول الله تعالى :
أحتيج للتنبيه على كمالها قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم ممتثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكر
وأيضا المصلي عليه يناجي ربه وللمناجات ذكر وأيضا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون مقرونة
بإسم من أسمآء الله تعالى أو صفة من صفاته واسرار ذلك على اللسان ذكر
وهذه الأوجه الثلاثة تصح لكل مصل عليه صلى الله عليه وسلم من العموم والخصوص
ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذا مرعلى ألسنتهم ذكر النبوءة
والرسالة استحضروا مع ذلك أسمآء المرسل وصفاته العظيمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك
وسلسل بهم الأمور إلى استحضارأمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم على تعظيم أمر الرسل والمرسل به
وهذا ذكر يطاق إليه إسم الذكر من وجوه انتهى
ويندرج في عموم لفظه تقاصرالفهوم عن إدراك كنه جلاله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فلولا أنه كان يباسطهم ويتواضع لهم ويؤنسهم لما قدرأحد منهم أن يقعد معه ولا أن يسمع كلامه صلى الله عليه وسلم لما رزقه الله تعالى : من الجلالة والمهابة
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما ملأت عيني منه قط حيآء منه وتعظيما له ولوقيل لي صفه لما قدرت أو كما قال :
ويندرج أيضا تقاصرها عن إدراك جماله صلى الله عليه وسلم ولولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة
والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصر الدنيوية الضعيفة
قال الخروبي رضي الله عنه ما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلا على قدر عقولهم البشرية بما ظهر لهم
من ذلك فهو نعمة عليهم ليعرفوا قدره ويعظموا أمره وماخفى عليهم من أمره فهو رحمة من الله بهم إذ لو ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق لكان فتنة لهم
والله تعالى أرسله رحمة للعالمين فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر
ويندرج أيضا تقاصرها عن كنه عقله وكيف لا وعقول العوالم بالنسبة لعقله كحبة رمل من بين رمال الدنيا كما يأتي
بيانه في تقاصرها عن قدره وجاهه إذ هو صاحب الجاه الأعظم والمقام الأكبر الذي يقول عند تبرء الجاه العظيم أنالها فلا تضيق سعة جاهه عن أحد ولا يفنى بوجود عظمته حساب ولا عدد .
هاذا وصف آخر له صلى الله عليه وسلم :
ذكره سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
بعبارة تفننا وتلذذا ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم طلعة الأسرار التي أشرق نورها في الشمس والأقمار والجنان والحجب
وشروق النور في كل بحسب مقامه وحاله
وعبر الشيخ رضي الله عنه بالشموس والأقمار أتى بصيغة الجمع وأراد الرسل والأنبيآء والأوليآء والعلمآء
كما أطلق ذاك في القرآن الكريم في قضية سيدنا يوسف عليه السلام حيث قال لأبيه سيدنا يعقوب عليه السلام :
( إذ قال يوسف لأبيه يآ أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) الآية :
قال الحاتمي في الفتوحات مستمد جميع الأنبيآء والمرسلين من روحه صلى الله عليه وسلم إذ هو قطب الأقطاب
فهو صلى الله عليه وسلم ممد لجميع الناس أولا وآخرا فهو صلى الله عليه وسلم ممد كل نبي وولي سابق على
ظهوره حال كونه في الغيب وممد أيضا لكل ولي لاحق فيوصله بذاك إلى مرتبة كماله في حال كونه موجودا في
عالم الشهادة وفي حال منتقلا إلى الغيب الذي هو البرزخ والدار الآخرة
فإن أنوار رسالته صلى الله عليه وسلم غير منقطعة عن العالم من المتقدمين والمتأخرين فكل نبي تقدم قبل زمان ظهوره فهو نآئب عنه صلى الله عليه وسلم في بعثته بتلك الشريعة انتهى
وقد قال ابن الوفا
وسره وسرك المنزه الساري في جزئيات العالم وكلياته
علوياته وسفلياته من جوهر وعرض ووسائط ومركبات وبسائط انتهى
وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه المتقدم أنا الذي من أجلي أخذ الله ميثاق الأنبياء والرسل والأمم بإقرار نبوتي
وفضلي وأن يتواصوا بي قرنا بعد قرن
فقال عز وجل : ( وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم اتومنن
به لتنصرنه ) الآية :
مصدق في آخر الزمان إسمه محمد ابن عبد الله مصدق لما معكم من نعمته وصفاته لتومنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك
قال الله عز وجل آقررتم بأن خيرتي من خلقي وصفي أحمد خاتم النبيئين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين
وحجة الله على الخلآئق أجمعين
و آخذثم على ذالكم إصري وعهدي وميثاقي قالوا أقررنا قال الله عز وجل :
{ قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين }
إن خيريتي من خلقي وصفيي أحمد فمن تولى بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون
ولا فخر
وقيل ان الله تعالى لما خلق نور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آمره أن ينظر إلى أنوار الأنبيآءعليهم
الصلاة والسلام فغشيهم من نوره ما أنطقهم الله به وقالوا
يا ربنا من عين نوره فقال الله عز وجل هذا نور محمد
بن عبد الله إن آمنتم به جعلتكم أنبيآء قالوا آمنا به وبنبوئته فقال الله عز وجل أشهد عليكم فقالوا نعم فذلك
قوله تعالى : { وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتينكم } الآية :
قال تقي الدين السبكي في هذه الآية الشريفة من التنويه بقدر النبي صلى الله عليه وسلم
تعظيم قدره العلي ما لايخفى وفيه مع ذلك أنه على تقدير فحينئذ في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوئته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمان آدم إلى يوم القيامة .
ويكون الأنبيآء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة
بل يتناول من قبلهم أيضا فهو صلى الله عليه وسلم نبيء الأنبيآء ولهذا أطهر ذلك في الآخرة جميعهم تحث لوآئه
وفي الدنيا ليلة الإسرآء حيث صلى بهم وبهاذا يظهر لك قوله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الناس كافة إنه إلى جميع
الناس أولهم وآخرهم لأنه من زمانه إلى يوم القيامة
انظر النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
فقد أفاد وأجاد في هذا المعنى جزاه الله عنا خيرا
وإن شيئت قلت الشموس والأقمار على حقيقتها وإنما جمعها رعيا لتقبلها واختلاف أحوالها ولا شك أن نوره صلى الله
عليه وسلم قد سرى في الشمس والقمر والجنان على اختلاف طبقتها والحجب النورانية
وفي النحو المطلوب ان أول ما خلق الله نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم خلق منه القلم والحجب السبعين
وملآئكتها ثم خلق اللوح قبل كماله وانعقاده ثم خلق منه القلم والعرش والألواح والجنة والبرزخ
أما العرش فإنه خلقه تعالى من نور وخلق ذلك النور من النور المكرم يعني نور نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وخلق العرش ياقوته عظيمة لا يقاس قدرها وعظمتها وخلق في وسط هذه الياقوتة جوهرة فصار مجموع
الياقوت والجوهرة كبيضة بياظها هوالياقوتة وصفآءها هوالجوهرة ثم أن الله تعالى آمد تلك الجوهرة وسقاها من نوره صلى الله عليه وسلم
فجعل يخرق الياقوتة ويسقي الجوهرة فسقاها مرة ثم مرة إلى انتهى إلى سبع مرات
فسالت الجوهرة بإذن الله تعالى فرجعت ماء ونزلت إلى أسفل الياقوتة التي هي العرش ثم ان النور المكرم الذي
خرق العرش إلى الجوهرة التي سالت ماء لم يرجع فخلق الله تعالى منه ملآئكة ثمانية وهم حمالة العرش فخلقهم من
صفائه وخلق الريح وله قوة وجهد عظيم فأمرها تنزل تحث الماء فسكنت تحثه فحملته ثم جعلت تكثر وتتسع
وذهبت إلى جهة سبع وأماكن سبع فخلق منه الأرضين السبع ودخل الماء بينهما وبين البحور وجعل الضباب يتصاعد
من الماء لقوة جهد الريح ثم جعل يتراكم فخلق منه السموات السبع ثم جعلت الريح تخدم خدمة عظيمة على عادتها أولا
وآخر فجعلت النار تزيد على الهوآء من قوة خرق الريح للماء والهوآء وكلما زندت نارا آخذتها الملآئكة وذهبت بها إلى
محل جهنم اليوم فذلك أصل جهنم فالشقوق التي تكونت منها الأرضون السبع تركوها على حالها والضباب التي تكونت
منه السموات وتركوه على حاله أيضا والنارالتي زندت في الهوآء آخذوها ونقلوها إلى محل آخر لأنهم لو تركوها
لأكلت الشقوق التي منها الأرضون السبع
والضباب الذي منه السموات السبع بل وتأكل المآء وتشربه بالكلية لقوة جهد الريح
ثم أن الله تعالى خلق ملآئكة الأرضين من نوره صلى الله عليه وسلم وآمرهم أن يعبدوه عليها وخلق ملائكة السمآء
من نوره صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يعبدوه عليها
وأما البرزخ والجنة إلا مواضع منها فإنها أيضا خلقت من نوره صلى الله عليه وسلم
وأما البرزخ فنصفه الأعلى من نوره صلى الله عليه وسلم :
فخرج من هاذا أن اللوح والقلم ونصف البرزخ والحجب السبعين وجميع ملآئكة السموات والأرضين كلها من نوره
صلى الله عليه وسلم
وفي قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أشرق نورها في الشموس إلخ إشارة إلى أنه لهاذا المخلوقات سقي آخر من نوره صلى الله عليه وسلم
وفي النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
أن القلم سقي سبع مرات سقيا عظيما وهواعظم المخلوقات بحيث أنه لو كشف نوره لجرم الأرض لتدكدكت وصارت رميما
وكذا المآء فإنه سقي سبع مرات ولاكن ليس كسقي القلم وآما الحجب السبعون فإنها في سقي دآئم
وأما العرش فانه سقي مرتين مرة في بدء خلقه ومرة عند تمام خلقه لتستمسك بها ذاته
وكذا الجنة فإنها سقيت مرتين مرة في بدء خلقها ومرة بعد تمام خلقتها لتستمسك
وأما الأنبيآءعليهم الصلاة والسلام وسآئر المومنين من الأمم الماضية ومن هذه الأمة فإنهم سقوا ثمان مرة الأولى في
عالم الأرواح حين خلق الله تعالى الأرواح جملة فسقاه الثانية يوم ألست بربكم فإن كل من أجابت لله تعالى من
أرواح المومنين والأنبيآءعليهم الصلاة والسلام سقي من نوره صلى الله عليه وسلم
لاكن منهم من سقي كثيرا ومنهم من سقي قليلا فمن هنا وقع التفاوت بين المومنين حتى كان منهم أوليآء وغيرهم
وأما أرواح الكفار فإنها كرهت شرب ذاك النور فامتنعت منه فلما رأت ما وقعت للأرواح التي شربت منه من السعادة
الأبدية والارتقائات السرمديه ندمت وطلبت سقيا فسقيت من الظلام والعياذ بالله
الرابعة عند تصويره في بطن أمه وتركيب مفاصله وشق بصره فإن ذاته تسقى من النورالكريم لتلين مفاصله وتنفتح
أسماعها وأبصارها ولولا ذلك ما لانت مفاصلها .
الخامسة عند خروجه من بطن أمه فإنه يسقى من النور الكريم أيضا
السادسة عند ألتقامه تدي أمه في أول رضاعه فإنه يسقى من النور الكريم أيضا
السابعة عند نفخ الصور فيه فإنه لولا سقيت الذات بالنورالكريم لما دخلت الروح فيه
ومع ذك لا تدخل فيه إلا بكلفة عظيمة وتعب شديد يحصل للملآئكة معها ولولا أمر الله تعالى
لها ومعرفتها به ما قدر ملك على إدخالها في الذات
الثامنة عند تصويره عند البعث فإنه يسقى من النور الكريم لتستمسك به ذاته
تنبيه وإن اشترك في السقي الأنبيآء والمرسلون والأولياء والمومنون من سآئر الأمم ومن هاذه الأمة
لا كن الفرق حاصل فإن ما سقي به الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام قدر لا يطيقها غيرهم فلذلك حازوا درجة النبوءة
والرسالة وأما غيرهم فكل سقي بقدر طاقته
وأما الفرق بين هاذه الأمة المرحومة وبين سقي غيرها من سآئر الأمم أن هذه الأمة الشريفة سقيت من النورالكريم بعد
أن دخل في الذات النبوية الطاهرة وهي ذاته صلى الله عليه وسلم فحصل لها من الكمال ما لا يطيق ولا يطاق
فإن النور الكريم آخذ سر ذاته روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم وأخذ سر ذاته الطاهرة بخلاف سآئر الأمم
فإن النور الكريم في سقيها إنما أخذ سر الروح فقط
فلهذا كان المومنون من هذه الأمة المرحومة كمالا وعدولا ووسطا وكانت هذه الأمة خير الأمم أخرجت للناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن يعلم شمس المحمدية التي خص الله به هاذه الأمة المرحومة ويعلم قمرالأحمدية التي لا تطاق
وليس النورالمكرم عند لون واحد بل ذو أ لوان كثيرة وأحوال عديدة وأقسام كثيرة لا تعد ولا تحصى لأنه نعمة
وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها
فكل واحد شرب نوعا خاصا ولونا خاصا ومن هذا وقع التفاوت والاختلاف في المراتب والمقامات
قال الشيخ زيد اللجائي في كتابه شمس القلوب
وإذا اصحب القلب التوفيق صار مسرجة يستنتج فتيلة من أنوار الكرمة صورة زجاجة المصباح بعد كثافتها ويظهرالنور
من جوانبها من شدة رقة صورتها فتحسبه نورا بل زجاجة لرقة صورة الزجاجة ورقة تشاكل تمييز صورة الزجاجة
من النور فلما غاب الفهم عن صورة الزجاجة امتحق الشعور في فنآء ولما ظهر النور من جوانبها وفاض وقع فنآء
الشعور في فنآء آخر وفقد الشعور بهما فغاب كل محدث وبقي من ثم يزل
فالنور إذا ظهر من جوانب الزجاجة وفاض لم يحجبه على الله سماء والأرض ولا كرسي ولا عرش ولا شيء من
الحوادث وإنما يحجبه كتافة صورة الزجاجة فإذا ظهرالنور من جوانبها ظاهر في المثل نورالعين إذا انفتحت جفونها
وأقتباس نور الزجاجة من نور الأعلى ومنه كان أقتباس كل قلب آيد بالخصوصية
فمنه اقتبس الرسل فآثهم النبوءة
منصب النبوءة والرسالة ومنه اقتبس الأوليآء فأورثهم درجة الولاية
فالرسل في المثل شمس والنبئون قمر والأوليآء كواكب
فبالشمس يستظآء وبالقمر يستنآر وبالنجم يهتدي
فالرسل حجة الله على عباده وآمنآؤه في أرضه
والأوليآء رحمة منه عن خلقه
وتقاصرها عن إدراك علومه لما مر من جمعه علم الأولين والآخرين وما زاد على ذلك مما انفرد به عن الجميع
وتقاصرها عن إدراك حقيقة حلمه وحسبك قضية أحد والطآئف وتقاصرها عن معرفة خوفه والذي جزم به إمام أهل
السنة الأشعري قال الشيهاب وهو الحق إن الأنبيآء خصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم لا يخشى احد عليهم العقاب
ولا يجوز تجويزه عليهم اما هم فلعظمة الله مهابته عندهم وعلمهم بأنه غني عن خلقه له ان يفعل بهم ما أراد فيخافونه
خوفا شديدا ويستعذون من عقابه وان لم نجوزه نحن وفي قوله تعالى
{ لاخوف عليهم ولا هم يحزنون } الآية :
إيحآء لذلك دقيق ولك أن تقول أنه لشدة خوفه صلى الله عليه وسلم من الله قد يدهل عن تأمين الله له لا سيما مع ما مر
نظير ما قال السيوطي في قول يوسف عليه السلام توفني مسلما وألحقني بالصالحين
وهو يعلم أن كل نبي لا يموت إلا مسلما انه دعا بذلك في حال غلبة الخوف حتى أذهله عن علمه ساعة الدعاء أو ذلك
إظهار للعبودية والافتقار وشدة الرغبة في طلب سعادة الخاتمة وتعليمها للأمة انتهى .
هذا الباب ماللقوم في المسئلة وهو غيركاف في دفع استشكال مجامعة التأمين والجزم به لخوف العقاب لقوله إنهم
يخافونه في أنفسهم ونحن لا ننخافه عليهم ودعآء غلبة الحل للأنبيآء خلاف ما صرح به محققوا الصوفية
وفي الصحيح أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية وكان لصدره آزيز كآزيز المرجل من الخوف
وصرح الأئمة بأن الخوف على قدرالمعرفة وان العارفين إذا خافوا رجوا وإذا رجوا خافوا لأنهم يشهدون الجلال
والجمال وان الأكمل هو استوآء الخوف والرجآء وأن يكون المومن بينهما كالطائر بين جناحيه وأيضا الخوف من أرفع
مقامات اليقين فلا يفوتهم حصوله فالظاهر والله تعالى :
أعلم أن نقول حسنات الأبرار سيئات المقربين فهي وإن كانت كمالا لا كن لرئية الأكمل يخافون رئية غيره منهم إلى
هو كالنقص من غيرهم وان كان عدم الأكملية في الكامل مغفورلهم كما نزل عليه المحققون ليغفرلك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فإن رئيته كافية في الخجل والانقياض و من هذا المعنى قول بعض العارفين
واسوتاه منك وان غفرت لي
ثم تقول من تمام عصمة الله تعالى اياهم ملازمة خوفهم له
اذ الركون للأمن وعدم الخوف عين القصور وسوء الأدب
فليس المراد من خوفهم أن ينزجروا أو يجتنبوا المخالفات
بل أن يكونوا في مقام العبودية والأدب على أكمل الحالات
وأيضا لكمال علمهم بالانقلابات وأطلاعهم على ضروب التصرفات يرد عليهم من الخشية ما يرد فإن من ورد على
ملك وهو وامن منه قاطع بأنه لا يصدر له منه إلا الإحسان والبر لامارات ودلائل قامت عنده على ذلك إذ أوآه في
حضرته يعزله ويضع ويطرد ويعاقب بأنواع العقوبات التي لا تتحصر ويصير ذلك في حضرة الملك
ضروريا له لا يستطيع دفعه عن نفسه مع استحضاره لما العبارات الأمن وهذا تقريب ينهيك على ما فوقه وإلى هذا والله اعلم يشير
قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنسآء على الفرش وفخرتم إلى
الصعدات تجئرون إلى الله انتهى .
وكذا حديث قول الأنبيآء نفسي نفسي وقلت في هذا المعنى :
محمد أخوفه الله لأنه أعرفنا بالله يخاف من رئية غيرالأكمل مع انه الكمال عمك الكمال
وخوفه الله تمام العصمه وأتخوف في الحضرة عين الرحمة
وتقاصرها عن رجآئه لأن الله تعالى أطلعه من سعة رحمته وعظم فضله وفيض كرمه وجوده على ما لم يطلع عليه
أحدا من خلقه وأيضا كما أنه أعرف الخلق بحلال الله فهوأعرفهم بجماله فكأنما انه أخشاهم فهو أرجاهم رجآء الكمل
على قدر خوفهم إذ هما متساويان متقابلان وأيضا كما أنه الندير فهوالبشير وأيضا رئيس المحيين الله إلى خلقه
وأحاديثه في الرجآء مما لا يأتي عليه الحصص وتقاصرها عن كمال عبوديته والعبودية هي شهود الربوبية وعدم الغفلة عنها
والنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هذا الوصف فكان أكمل الكمل على الاطلاق وعبوديته أكمل كل كما ل
وتقاصرهم عن وجه خصوصيته وأنواعها وقد ألف
العلمآء فيها ما لم يعرفوه أكثر مما عرفوه وتقاصرهم عن معرفة زهده ورفع همته ومن أسمآئه الزاهد
وحيث كان اعلم الخلق بالله
فهو أعلاهم همة وأرفعهم زهدا فهو رأس الزاهدين وبحسب رفع الهمة أرتفع مقامه فكان سيد العالمين
وزهد في كل ما سوى الله من الكونين وما فيهما من محسوسات ومعقولات فلا قرار له إلامع الله ولا التفات منه إلى غير مابه تولاه ومقامه في ذلك لايدرك ولا يكيف ولا يعلمه إلا الذي خصه به سبحانه وتعالى
يميز اختلاف مراتبهم ومنتهى درجاتهم وعنده صلى الله عليه وسلم في الحجب السبعين وفي ملآئكة كل حجاب على الصفة الصابقة وهاكذا عنده صلى الله عليه وسلم تمييز في الأجرام النيرة التي في العالم العلوي " مثل النجوم والشمس والقمر واللوح والقلم والبرزخ والأرواح التي فيها على الوصف السابق
وكذا عنده صلى الله عليه وسلم تمييز في الأرضين السبع وفي مخلوقات كل أرض وما في البر والبحر من ذاك فيميز ذاك على الصفة السابقة وكذا عنده صلى الله عليه وسلم تمييز في الجنان ودرجاتها وعدد سكانها ومقاماتهم فيها وهكذا على عدد ما بقي من العوالم وليس في هذا مزاحمة للعلم القديم الأزلي لانهاية لمعلوماته وذاك لأن ما في العلم القديم لم ينحصر في هذا العالم في شيء
ثم الروح إذا أحبت الذات أمدتها بهذا التمييز فلذالك كانت ذاته الطاهرة صلى الله عليه وسلم تمييز ذاك التمييز السابق وتخرق به العوالم كلها فسبحان من شرفها وكرمها وأقدرها على ذلك
قلنا إن ذات النبي صلى الله عليه وسلم ليست كسآئر الذوات لأن روحه صلى الله عليه وسلم قد سرى الفهم في سآئر أجزائها كما يسري في جميعها أيضا سآئرالحواس مثل السمع والبصر والشم والدوق واللمس والعلم قآئم بجميعها حتى أنه مامن جوهر من جواهرها إلا وقد قام به علم وسمع وبصر وشم وذوق ولمس يبصرها من سآئر الجهات وكذا بقية الحواس
فإذا أحبت الروح الذات وزال الحجاب الذي بينهما أمدتها بهاذه البصيرة فتصير الذات من أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال بجواهرها كلها وتسمع كذك وتشم
وبالجملة فما كان للروح يصير للذات وقد زال الحجاب بين الذات الطاهرة وبين الروح الشريفة يوم شقت الملآئكة صدره الشريف صلى الله عليه وسلم وهو صغير ففي ذلك الوقت وقع الالتحام والاصطحاب بين روحه وبين ذاته صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه وقد قال صلى الله عليه وسلم
لأصحابه رضي الله عنهما أقيموا ركوعكم وسجودكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه " ولتذكر ما يثبت فؤادك
اعلم أن ذوات الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام أرواحهم ليست كغيرهم فكل جارحة قام بها سمع وبصر وشم وذوق ولمس وعلم وليس ذاك كما في غيرهم
ويشهد ذاك قضية نملة سيدنا سليمان عليه السلام فإنها تكلمت من بعيد جد البعد على مسافة بعيدة وقالت ياأيها النمل أدخلوا مساكنكم لايطمنكم سليمان وجنوده فلما سمعها من بعيد تبسم ضاحكا من قولها .وكذلك قضية سيدنا يعقوب عليه السلام حين أرسل إليه ولده نبي الله يوسف عليه السلام القميص مع العير
فشم رآئحة القميص من بعد جدا كثيرا وقال اني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون
وإذا كانت الأنبيآء هاكذا فنبينا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حاز من ذلك أعظم
كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم استنجوا بالماء البارد فإنه مصحة للبواسر وقوله أكل السفرجل يذهب بظخآء القلب "أي كربه وثقله وقوله أكل التمر أمن من الفولنج وقوله الحبة السودآء شفآء من كل دآء إلا السام وقوله عليك بأول السوم فإن الربح مع السماح وقوله ان أشرف المجالس ما استقبلت به القبلة وشرار الناس من يبغض الناس ويبغضونه .
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم
السبب في فتح أبواب البصآئر وأبواب الأبدان التي هي الحواس لإدراك ما ندركه إذ هو صلى الله عليه وسلم الواسطة في نيل العقل الذي به الادراك كما يأتي وما ورد من رجوعه عن رأيه إلى رأي غره كما في قصة بدر من رجوعه لرأي الخباب بن المنذر حيث نزل صلى الله عليه وسلم بأدنى مآء من مياه بدر فقال خباب هذا منزل أنزلك الله فلا تتقدم ولا تتأخر عنه "أي هو رأي ومكيدة حرب فقال بل هو الرأي والمكيدة فقال ليس هذا بمنزل بل الرأي أن نسير حتى نأتي أدنى مآء من مياه بدر فتنزله ثم ثغور ما ورآئه ونبني عليه حوضا ونعلاه ثم نقاتل ونشرب ولا يشربون فقال أشرت بالرأي ورجع لما قاله فيحتمل أن يكون ذلك تنزلا منه إلى مقام من دونه أو هو مما يجري عليه كما يجري السهو في الصلاة ليكون بشرا كسآئر الناس فيهاذا اختصاص به تواضعا أو ليقدم رأي غيره تطييبا له
أن يكون أشار إلى أنه صلى الله عليه وسلم الوسطة فيما حصل لأهل التحقيق من العلمآء من أسرار والعلوم ودقائقها وما حصل لمطلقهم من طواهرالعلوم وما لابد من قواعدها تنبيه الواو في المتن على هذه الوجوه تارة تكون لعطف السابق كما في هذا الوجه الاخر وتارة لعطف لاحق كما في الوجه الذي قبله أسبقية العقل وتارة لعطف المصاحب كما في الذي قبلهما وتارة محتملة كما في أول الوجوه فانه إن أريد الأسرار للمجذوب والأنوار للسالك فهي العطف المصاحب تنبيه " لا يخفى أن كلا من هذه الوجوه والاحتمالات مختص به ومقصور عليه وبه تعلم نكتة تقديم المعمول عبارة الشيخ نفعنا الله تعالى قوله رضي الله عنه
وفيه ارتقت الحقآئق فيه باعتبار حملته احتمالات ووجوه
أحدها أن يكون أراد بالحقآئق علوم المعرفة كما يتبادرتعبيره بالحقآئق ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم إمام ائيمة العارفين والمبين لجميع مقامات اليقين كما صرح به قوله اني لأعلمكم بالله وأشدكم خشيته وقوله إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا فشبهت العلوم المذكورة بالشموس والأقمار وطويت الأركان سوى المشبه لاستعارة مكنية ودل على ذلك بذكر الرديف الذي هو الارتقآء تخييلا وشبه صلى الله عليه وسلم بالسمآء في المحلية لشروق الأنوار كناية أيضا ودل عليه بالحرف المناسب للمشبه به وهو في كما في لأصلبنكم في جذوع النخل قال في الحقآئق على هذا للاستغراق النوعي أي نوع علم المعرفة وفي الوصف بالوهبية إشارة لذلك وفيه تنبيه على أن علمه عليه الصلاة والسلام كان مطويا جبليا لا مكتسبا قال وفي الشفآء وكان فيما ذكرى المحققون مجبولا على حسن الأخلاق في أصل خلقته وأول فطرته لم تحصل له باكتساب ولا رياضة إلا بوجود إلاهي وخصوصية ربانية وهكذا سآئر الأنبيآء ومن طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك كما عرف من حال سيدنا عيسى وموسى ويحيى وسليمان علهما سلام الله وغيرهم بل غرزت فيهم هذه الأخلاق في الجبلة وأودعوا العلم والحكمة في الفطرة انتهى
والإضافة في سمآء باطنه من إضافة المشبه به للمشبه استعارة إلى الاستعارة في الضمير وفي شموس إشارة لنا في الحقائق وطور روحه من إضافة المشبه به أيضا والتشبيه في التجلي لا منه في الشبه متواه متتابع وفيه إشارة إلى أن علومه الوهبية عن مشاهدة ومعافته لا بمجرد الإلهام ولها توالت التجليات أشرقت في أفق سره الأسرار التي هي دقآئق ذلك العلم وان كان كله دقيقا نفيسا
وحديث إن أتقاكم وأعلمكم بالله إن أخرجه البخاري عن عآئشة رضي الله عنها وذلك لأن الله جمع له بين علم اليقين وعين اليقين أحق اليقين مع الخشية والعظمة والجلال على نهج لم يبلغه غيره والأئيمة العارفين يحتمل أن يكونوا من كثر كلامه في الحقآئق والمعارف كالعشرة ومن ظهاهم رضي الله عنهم فإن كلامهم في ذلك كثير مسطور في التأليف ويحتمل أن يكونوا من بعدهم ممن يخص لذلك وحرره وهذبه وأكمل بيانه وتفصيله كالجنيذ وسرى وأبي سليمان الدارني والحسن البصري
وإيضاح المقامات بيان حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجات أضدادها وغير ذلك مما يتعلق بها بالكتاب الذي أنزل عليه وأحاديثه الثابتة كفيلة بذلك ومضمنة له مقام المحبة مثلا بين ان سببه اجتباه الله واصطفاه الله
وعن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه أهاب كبش فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نورالله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغدوا له بأطيب الطعام والشراب ودعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون تضمنت الآية والحديث أن المحبة مأخذة من الله تعالى لقلب من أحب حتى لا يبقى فيه بقية لغيره ويدل في الوصول له والقرب منه جميع المحبوبات والماذوذات وقوله المرء مع من أحب
بين نتيجتها وثمرتها وانها الوصال والشهود وأشار لعلامتها بقوله أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله تعالى واليهما معا بقوله اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك أحبك وحب ما يقربني إلى حبك واجعلك أحب إلي من المآء البارد
وإلى أن قولتها تتضمن الشغل عن غير المحبوب بقوله لمن قال أني أحبك استعد للفقر وتتضمن اختباره بقوله لمن قال اني أحب الله استعد للبلآء وتوريثه صلى الله عليه وسلم لمقامات اليقين يكفيك في فهمه أن الله بعثه وما على الارض مومن فدهاهم وأمدهم فظهر من كمال الزهد والعبر والشكر والرضى وغيرها من مقامات اليقين مالم يعبد في أمة وتصفح حال أهل الصفة رضي الله عنهم يريد العجب العجاب
أن يكون أراد بالحقآئق جميع العلوم فتكون الاستغراق الحقيقي والتقدير الاستعارة على ما تقدم ولما أراد الله تعالى إظهار سيادته لجميع الخلق وتقدمه عليهم وكونه موضع نظره منهم الذي به يده عليهم متنوعات رزقه ركب فيه أكمل العقول وأوسعها فوسع العلوم والمعارف مالم يتأهل له عقل مخلوق وبلغ في مكانة العلم بأحكام الله وأيامه وسياسة خلقه وتأديبهم وما يصلح معاشهم ومعادهم مبلغا لم يصل إليه أحد من الخلق وتعويه أهل المنقول عليه واضح وكذا أئمة المعقول لحقيه كلامه واصابة نظره ففي الأصول الأصح أن ترك الاستفصال بتنزل منزاة العموم في المقال لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشرة نسوة امسك أربعا وفارق سآئرهن لم يستفصل هل تزوجهن معا امرنا فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق لامتناع الاطلاق في محل التفصيل المحتاج إليه ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بكل فرض أهل ذلك الفن وكيف الا ومنه اقتبسوا واغترفوا وقد قال صلى الله عليه وسلم أنا مدينة العلم وعلي بابها وما من عالم ضربت له أكباد الإبل في اشتات العلوم العقلية والنقلية ممن تقدم وتأخر الا وكلامه قدوة له وإشارته حجة له ومن تامل حسن نذيره صلى الله عليه وسلم للعرب الذي كانوا مشردين ومتصفين بالطبع المتنافرالمتباعد كيف ساسهم واحتمل صفاهم وصبرعلى أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه وقتلوا دونه أهليهم وآبائهم وأبنائهم وأختاروه على انفسهم وهجروا في رضاه أوطانهم وأصابهم من غير ممارسة سبقت له ولا مطالعة كتب له يتعلم بها سيرالماضي تحقق أنه أعقل العالمين ومن طالع بسيره وكلماته الجامعة للحكم التي تتحير فيها عقول البلغآء والحكمآء والكتب الجامعة لحديثه وبديع سيرته وعلمه بما في الكتب وأخبارالقرون الكثيرة الماضية وقصص الأنبيآء والوقآئع في الحروب والمجادلات وأمثاله النبوية وتذبيرالأحوال وما يتعلق بأحكام الشرع في المعاملات وغيرها وبيان أصول الأدب التي تتأدب بها الناس في مجالستهم ومحاورات كقوله صلى الله عليه وسلم أكرموا عزيز كل قوم ونهيه عن الملاحدة والمجادلة وقوله توادوا تحابوا إلى غير ذلك مما ورد عنه في تعبير الرئيا والطب النبوي وأنساب الناس ومرائضهم والمغيبات وعجآئب القدرة والملكوت تحقق بلوغ عقله النهاية وعلمه إلى كل غاية والارتقآء على هاذين الوجهين بمعنى الطلوع أي الظهور والتجلي الوجه الثاني الارتقآء أن يراد به ارتفاع حقآئق العلم بكمال التحقيق إذ لا تحقيق يقارب تحقيقه فضلا عن أن يساويه لأنه أطلعه الله تعالى على حقآئق الأشيآء على ما هي عليه وعلوم العلمآء لا تخلوا من احتمالات وظنون ولهاذا يخطيء بعضهم بعضا ويرد بعضهم على بعض وثتبدل أراؤهم في المسئلة الواحدة ويرحم الله ملكا في قوله كل كلام يحتمل الرد والقيول إلا كلام صاحب هذا القبر يشير إليه صلى الله عليه وسلم وقيل في هذا المعنى وما قبله
محمد مطلع أنوار العلوم * من شمس عرفان وبدر ونجوم
منه استفادها الخصوص والعموم * فانسب إلى اطلاق العلوم
أطلعه الله على الحقآئق * فكل ما قد قاله مطابق
قد أوضح السبل والطرآئق * وبين النكث والدقآئق
فالارتقآء على الوجه السابق بمعنى الظهور وعبرعنه بالاتقآء وبالارتقآء وبالطلوع في طلعت الشمس لعلو المحل وعلى هذا الوجه وما بعده بمعنى الارتفاع الثالث أن يراد ارتفاعها بكمال البث والانتشار لكثرة الأخدين عنه والناقلين إلى غيرهم فإنه أكثر النبيئين أتباعه إلى يوم القيامة وقد ورد أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا أمته منها ثمانون وسآئر الأمم أربعون
القائمة بالهيكل العظيم القمري
ولذلك وصفه سيدنا الشيخ رضي الله عنه بقوله العظيم القمري سكنى الرضى والمحبة والقبول وارتفع الحجاب الذي بينهما فصار ذوق روحه الشريفة على كماله وخرقه للعالم ثابثا لذاته الطاهرة الترابية وبالجملة فهي تذوق بجميع ذاتها وسآئر جواهرها وما يجب لها عن سآئر حواسها وهذا الذوق خارجة عن العادة يحصل عند رؤية لفظ الجنة ولفظ الرضوان ولفظ الرحمة مثلا وأما إذا سمعت القرآن العزيز أول ما تذوق عند سماعه نور قول الحق الذي فيه أنوار أخرى
وهذا هو الكمال الذي لا كمال فوقه
ووصفه سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه الهيكل العظيم لأنه لاهيكل ذاتي يشبه هيكله صلى الله عليه وسلم لأنه قامت فيه الروح العظيمة الشريفة وحملها ولعظمة ما اطاقها ولو سكنت في غيرها لاضمحل وتلاش
فإذا تأملت فيما أشرنا إليه سابقا في وصف روحه الشريفة علمت أنها أكبر الأرواح قدرا لأن الأرواح تمتلت باختلاف ذواتها في الصغر والكبر وأن من الأرواح من حجمه صغيرا ومنها من حجمه كبير ولاشك أن من حجمه كبيرا فجواهره أكثر فتكون عارفة بربه عز وجل أكثر وأكبر الأرواح قدرا وأعظمها حجما روحه صلى الله عليه وسلم فإنها تملأ السموات السبع والأرضين السبع ومع ذلك فقد انطوت عليها الذات الشريفة واحتوت على جميع أسرارها فسبحان من اقدر هاذا الهيكل الشريف على ذلك لأنه إذا سكنت الروح في الذات سكنى المحبة والرضى والقبول وزال الحجاب الذي بينهما امدتها بصفآئها الحسي والمعنوي
فيحصل في الذات صفآء حسي ينشأ عنه صفآء الدم في الذات وذلك بأربعة أمور خفية زوال الثقل عنه بأنه على قدر ثقل الدم يكون خبثه وتكثر معه الشهوات وعلامة رائحته تكون كرائحة العجين وأما الدم الخبيث بأن رائحته كرائحة الحمإ المسنون وصفآء لونه أن يضرب إلى الصفرة وأما الدم الخبيث فإن لونه يضرب إلى السواد وعلى قدر لونه من السواد خبثه وصفآء طعمه وعلامته أن يكون حلوا
وأما الدم الخبيث فإن طعمه كطعم الشيء المحروق
فإذا صفآ جوهره نزعت منه حضوض الشيطان وانقطعت منه الشهوات وكلام المعاصي ثم تصيرعروق الذات تتغدى بهاذا الدم الصافي فتصفوا بصفآئه وتنقطع منها الشهوات وعلآئق الشيطان فإذا حصل في الذات هاذا الصفآء الحسي والمعنوي أخذتها الروح بالصفآء المعنوي فتصيرعارفة بربها في ظاهرها بجميع جواهرها
وإذا حصل الصفآء الحسي والمعنوي للذات الطاهرة لأنها احتوت على الروح الشريفة وأخذت جميع أسرارها على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام ومن هنا تحسرت الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام فرأت سر ذاته صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يدركوها حقيقة ومن هنا كان القرآن الحكيم الذي هو كلام الله اشرف من القرآن الذي أنزل على غيره من الأنبيآء عليهم السلام لأنه وإن كان كلام الله أشرف لاكن فاتحة الذات المحمدية الذي أودعه الله فيها فكانت معجزة القرآن إلى آخر الدهر والأعمار فإذا علمت هذا لاحت لك بارقة شمس المحمدية تنبيه على قمر الأحمدية
وإنما وصف الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الهيكل الشريف العظيم لتحمله مالم يحمله غيره وصفه بالقمر تقريبا لأنه نور محض وإلا فشتان بين نوره وبين نور القمر لأن ذاته صلى الله عليه وسلم مسقية بجميع أنوارالأسمآء الحسنى وممدودة بأسرارها فيكون في ذاته صلى الله عليه وسلم نور البصر ونورالرحمة ونورالعفو ونورالحلم ونورالمغفرة ونو العلم ونورالقدرة ونورالسمع ونورالبصر ونور الكلام
وهاكذا حتى تأتي على جميع الأسمآء الحسنى وممدودة باسرها في الذات الشريفة على غاية الكمال يشهد قول الصحابي الجليل سيدنا حسان رضي الله عنه في وصفه لما قدم عند النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه وهم كفار قريش فقالوا له صف لنا ما رأيته من محمد وبذلوا له مالا على أن يهيجوه بما يناسب بعظهم فيه فقال حسان ابن ثابت رضي الله عنه
في رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظرت إلى أنواره سطعت * وضعت كفي خوفا على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته
فلست انظره إلا على قدري
إن الأنوار من نوره في نوره غرقت
والوجه مثل طلوع الشمس والقمر
في جسم من القمر كحلت * نسجت في الأنجم الزهري
فقالوا له ما هذا الذي رأيت قال وعار على الرجل أن يصف الكذب
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه فقد أطنب في هذا الباب وبين لأهل المحبة ما يزيدهم رغبة لرب الأرباب
ورضي الله عن أمنا عآئشة رضي الله تعالى عنها أم المومنين حيث قالت
فلو سمعوا في مصر أوصاف خذه * لما بذلوا سوم يوسف من نقد
وصحب زليخ او رأين حبيبه * لأثرن بالقطع الفؤاد على الأيدي
وقال بعضهم من المحبين
لم لايضيء بك الوجوه وليله * فيه صباح من جمالك مسفر
فبشمس حسنك كل يوم مشرق * وببدر نورك كل لليل مقمر
ورحم الله القائل
بهرت بالحسن أهل الحسن فأبهروا
حتى كأنهم في الحي ما أظهروا * وصرت قطب جمال فاستمد سنى
من وجهك النيران * والشمس والقمر
لو بصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم لكان أول من سجد
أو لو رأى النمرود نور جماله * عبد الجليل مع الخليل وما عنده
ولكن جمال الله فلا يرى * إلا بتخصيص من الله الصمد
وقد عمت دعوته صلى الله عليه وسلم الأقطار وبلغت إلى جميع القرى والأمصار وتعلم منه الإنس والجن والملآئكة ويحقق لك هذا عموم بعثته قال تعالى ولقد صرفنا إليك نفرا من الجن يسمعون القرآن وقال وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
وقال ليكون للعالمين نذيرا
والعالم هو ما سوى الله تعالى وبعثته للملآئكة رجحها تقي الدين السبكي وقال ابن حجر الهيثمي هو إلا صح عند جمع من المحققين قال صاحب المواهب نقل بعضهم الإجماع على ذلك وأشار القشيري إلى أن حكمه عروجه إلى السمآء تأدب الملائكة بأدابه عليه السلام حيث لم يقف مع مقام ولا حال ولم يلتفت إلى شيء من لم سوى كما أشار إلى ذلك بقوله { ما زاغ البصر وما طغى } فالملآئكة دخل في الاقتباس منه والاهتدآء بهديه
أن يراد ارتفاعها فيه بكثرة الانتفاع المرتب على النشرالمقصود بالذات منه وذلك بالعمل بمقتضى ما بثه ونشره ولا شك أنه ترتب على تبليغه ودعآئه صلى الله عليه وسلم من أجناس العبادات وأنواعها وأصنافها وإفرادها ما لا يحيط به العليم الخبير حتى استاذنوه في الوصال فنهاهم عنه واحتاج إلى أن يوصي بقوله عليكم من الأعمال ما تطيقون وكثرة الانتفاع ثابتة وكيفية فكم وقع على يديه من زهد وصبر ورضى وشكر ومحبة وغيرها ووقعت عظيمة بالغة الغاية ثم إذا اعتبرت ما ظهر من ذلك بواسطة خلفآئه ونبوابه اتسع نظرك واستحضرت ما يبهتك حتى يقول ابوالعباس المرسي مابيني وبين الرجل إلى أن انظر إليه فأوصه إلى الله من حينه ولقد نقل عن الشيخ مطر الباردي أنه ما وقع بصره على عاص إلا صار طائعا
وامثال هذا في أمته الشريفة أكثر من أن يحصى وفي الصحيحين عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت المآء وأنبتت الكلآء والعشب الكثير وكانت منها طآئفة اجادب امسكت المآء فنفع الله به الناس وشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طآئفة أخرى إنما هي قيعان لاتمسك مآء ولا تنبت كلآء فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه باجتماعها على التمام فإنه علم علم الأولين والآخرين وأوتي علم كل شيء ويكفيك فيه هذا استمداد اللوح والقلم من علومه إذ هما مخلوقان وعلمهما محصور وهو صلى الله عله وسلم ممد المخلوقات وله علوم أخرى من ربه متزايدة ويرحم الله البوصيري حيث يقول
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
الحديث أن يراد ارتفاعها بملازمة الوعظ والتذكيرالذي هو روح العمل فقد كانت مجالسته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب اما بتلاوة القرآن وبآتيه من الحكمة والموعظة الحسنة وتعليم ماينفع من الدين كما أمر الله تعالى فكانت تلك المجالس توجب اصحابه رقة القلوب والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والإقبال على الله تعالى والادبار على ما سواه
أن يراد ارتفاعها بتوفيتها حقها من بذلها للمستحق وصونها عن غيره وخطاب الناس على قدر عقولهم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له علمني من غرآئب العلم عن طلب ذلك لعدم تأهله له وأمره بأحكام ظاهرالعلم وقال خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بجمعه مافترق في النبئين والمرسلين مما يرتفع به العلم ويعلوا وهو وجوه كثيرة لاحصر لها والمذكور هنا بعضها ولهذا تأخر بعثه عنهم وختموا به وفي ذلك من الفضل أنه اطلع على شمآئلهم وخصآئصهم وشرآئعهم وسآئر أحوالهم
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بكمال ثمرتها فكان إذا نظر إليه الناظر ذكر الله وكانت صفاته وأفعاله وأحواله تذكر بالله وقد تقدم أنه مرآة ومجلا لأسرار الذات وأنوار الصفات
الحديث يراد ارتفاعها فيه بعدم التعلم والاكتساب " كفاك بالعلم في الأمي معجزة فإنه لم يسبق له سيء من العلوم فيشتبه العلم الموهوب بالمكتسب ومع كونه لايكتب ولا يقرأ مكتوبا أطلعه الله على علوم الأولين والآخرين وجعله القدوة العظمى لجميع الخلق في كل علم وحكم وحكمة وخلق حسن وكل كمال على الاطلاق فللأطبآء من الحديث أصول ألف فيها غير واحد وجمع منها الأربعون وهي أكثر من ذلك ولأئمة أصول الدين منه أصول وقد جمع البكي أحاديث في أصول علم الكلام في شرحه على الحاجبية ولأئمة الطريق منه أصول جمعها في رسالة الشانين وجمع الفقهآء أصول المذاهب في كثير من الكتب كشروح الموطا والمدونة والأحاديث في علم التفسير وقوله صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض قال المضمون هو أصل في رجوع الكواكب الثوابت والسيارة إلى مواضعها التي خلقت فيها
الحديث يراد ارتفاعها فيه بسريانها في القلوب وأخذها بمجامعها وحلولها في مويدآئها وصبغها لها فتتأثر بها وتنفعل لها حتى تخرج أوصافها وتخلفها اضدادها ويصير رضاه هو محنو بها وبذلك ألف بين الفريقين المتاعدين المتنافرين وهما العرب والعجم حتى صاروا إخوانا
فانظر هذه الرابطة التى مربط بها قلوبهم ما أمثنها وأقواها وتأمل هذه الحلاوة التي قادتهم بعد الشرود وجمعتهم بعد التفرق ما أدقها وأعلاها
ومن صفته صلى الله عليه وسلم في التورية كما في حديث عبد الله بن سلام وكعب الأحبار " أجمع به بعد التفرقة وأولف به بين قلوب مختلفة وأهوآء مشتتة وأمم متفرقة وأفعل أمته خير أمة أخرجت للناس
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بتقدمه إلى الجواب المصيب في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذلك كيوم ألست بربكم فإنه كان فيها أول مجيب
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بدوام حضورها وملازمة حصولها من مبدأ الفطرة وأول النشأة من غير تحلل انقطاع ولا عروض زوال حتى في الأوقات التي لا يعهد فيها الحصول للغير فقد ذكرأهل السيرأنه لما وضعته أمه وقع إلى الأرض ساجدا رافعا سبابته كالمتضرع المبتهل وقد قالوا ان الحق انه صلى الله عليه وسلم متذكر بعد ولادته للميثاق متحقق العلم الضروري بالتوحيد ويجوز أن يجد من نفسه ما يتعبد به في نفسه في أوقات مخصوصة لصفآء النفس عن ظلام الجهالات بدوام طهورها ونوريتها فما نعثه آية ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قد يعتبر في وقت على المعنى الآتي انشآء الله سبحانه
المنزه تنزيه تكريم وتشريف عن الوصم البشري
إلى أنه صلى الله عليه وسلم قد شرفه الله وكرمه بالكمال في جميع ذاته وروحه صلى الله عليه وسلم ونفى عنه جميع العيوب البشرية والنقآئص الأدمية فلا كمال يوجد في الحقيقة إلا في ذاته وروحه صلى الله عليه وسلم فقد جمع صلى الله عليه وسلم كمال خلق حسن الصورة الطاهرة على أبدع وجه وأحسنه في الوجه واليد والرجل والأصابع وسآئر أجزائها وجميع ما يبدوا منها
وقد جمع صلى الله عليه وسلم كمال منابع الذات الطاهرة مثل الحواس فيكون السمع على غاية الكمال والبصر على غاية الكمال والشم على غاية الكمال والذوق على غاية الكمال واللمس على غاية الكمال ومثله الصوت والنطق بالحروف فيكون على غاية الكمال ونهاية البلاغة والفصاحة
وقد أشرنا إلى صفة الكمال بحيث لا يبلغه ولا يدركه أحد من البشر وقد جمع إسمه صلى الله عليه وسلم كمال حسن الخلق الصورة الباطنة حتى يكون القلب على أبدع اشكاله وأحسن أحواله وتكون الكبد على الهيئة الكاملة ويكون الذماغ على أحسن ما يكون وتكون مجاري العروق على الوجه المعتدل
وهاكذا جميع الأعضاء الباطنة تكون على الكمال وقد جمع صلى الله عليه وسلم كمال الحسن الباطني حتى يكون التكليف باللذة والحس بالوحدانية في غاية الكمال قد جمع صلى الله عليه وسلم كمال الذكورية فإنها من كمال الأذمية فيها سرالفعل والأنوتية سرالانفعال
وذلك أن الله عز وجل خلق آدم له وخلق الأشيآء كلها لآدم ومن جملة الأشيآء النسآء
ولما خلق الأشيآء له أعطاه سرالفعل وجعله خليفة وجعل ذلك في الدكورية من أولاده إلى غابر الذهر
وقال السمرقندي ما كنت تري قبل إلا حتى تقرأ القرآن ولا كيف تدعوا الخلق إلى الإيمان
وقال الحاتمي كان القرآن في صدره وكان جبريل مفتاح ما في صدره وأحسن من هذا وأوضح إن الإيمان "بمعنى الفرآئض والأحكام كما قال القاضي ابوا بكر رضي الله عنه وفي البخاري باب دعاؤكم إيمنكم وفيه الحيآء من الإيمان والجهاد من الإيمان وقيام تراويح رمضان من الإيمان وصوم رمضان احتسابا من الإيمان والصلاة من الإيمان وشاهده من القرآن
وما كان الله ليضيع إيمنكم
قال المفسرون صلاتكم إلى بيت المقدس " فالمعنى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الفرآئض والأحكام قبل نزول الوحي عليك ومجيء جبريل إليك والمقصود من الآية أي إن إحداهما تعداد نعمه تعالى عليه صلى الله عليه وسلم وثانيهما الاحتجاج على نبوته بأميته أي أنك جيئت بما لم تكن تعلمه وبالجملة فأخرجته الأنبيآء عليهم السلام لما كانت أعدل الأضرحة عصمهم الله تعالى من نسيان التوحيد وام تتخلله مبرة إذ لو كان توحيدهم عن نظر وتفكر كان الشك طاريا عليهم قبل النظر وفي مدة النظر لأن النظر أكتساب المجهول وذلك غير لائق بمنصبهم فما بالك بمن له أعدل الميزاج المنبأ قبل كل أحد وقبل خلق كل أحد
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بقوتها حيث جمع بين تذكيرالخلق وسياستهم في الحروب وغيرها فكان جامعا بين النبوءة والسلطان ومن أسمآئه صاحب السلطان
وقال القاضي أبو بكر بن العربي ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)
ثم مكنه من الصيطرة وآتاه السلطانة ومكن به دينه في الأرض .
الحديث أي يراد ارتفاعها فيه بقوتها حيث قوى على ما لم يقوعليه غيره من أداب الرئية حتى أثنى الله عليه في أدبه وكمال عبوديته بقوله ( مازاغ البصر وما طغى )
قال في المواهب نقلا عن مدارج السالكين أي أم يتتجاوز البصر حده فيطغى ولم يمل عن المرء فيزيغ بل اعتدل البصر عن المرء ما جاوزه ولا مال عنه كما أعتدل القلب في الإقبال على الله تعالى والإعراض عن ما سواه وإنما أقبل على الله بكلتيه وأعرض عن ما سواه بكلتيه وللقلب زيغ وطغيان كما أن للبصر زيغا وطغيانا وكلاهما منتف عن قلبه وبصره فلم يزغ قلبه التفاتا عن الله إلى غيره ولم يطغ بمجاوزه مقامه الذي أقيم فيه وهذا غاية الكمال والأدب مع الله تعالى الذي لا يلحقه فيه سواه
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه صلى الله عليه وسلم بقدرته على الثنآء الذي لا يقذر عليه أحد يوم القيامة فإنه ينبع من قلبه على لسانه من الثنآء ما لم يسمع به أحد من خلق الله في شفاعته لفصل القضآء بعد تقدمه على جميع الأنبيآء والمرسلين فيتعرفون له بفضله عليهم وذلك من آثار قوة علمه وهو معنى إسمه خطيب الأمم أن يراد ارتفاعها فيه بملازمة النمو والزيادة وقل رب زدني علما ولا يزال صلى الله عليه وسلم يترقى في المعارف وكل ما انتقل عن مقام إلى ما فوقه عدا لكون في السابق قصورا فاستغفر فمن ثم كثر استغفاره صلى الله عليه وسلم مع عصمته وقال إنه لغيان على قلبي فاستغفرالله كذا وكذا مرة أي عين أنوار الأنوار
الحديث أن يراد ارتفاعها فيه بسلوك الطريق الأقوم والسبيل الأنفذ الذي لا يفترعليه إلا أعلم الخلق بالله تعالى فكان صلى الله عليه وسلم يظهرالافتقار إلى الله تارة والاستغنآء به أخرى جمعا بين الصبر والشكر فشد على بطنه الحجر من الجوع وأشبع ألفا من صاع وقظياه في هذا كثيرة مبسوطة في كتب السير وقد اختلف الصوفية ما الأفضل هل إظهار الافتقار إلى الله وإظهار الاستغنآء بالله قال الشيخ زروق رضي الله عنه والصواب إن لأفضل اظهار هذا تارة والآخر أخرى لأنه حاله صلى الله عليه وسلم وقد خيره الله بين أن يكون نبيئا ملكا ونبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا وقال أجوع يوما فاسئل وأتضرع وأشبع يوما فاحمد وأشكر أو كما قال صلى الله عليه وسلم
السبب في الرتق والفتق وجميع النشأة لجلاله
إنما هي أوصاف سلبية لقد أمد العالم ثبوتية الوجود لحقائقها المتوحدة إذا امتداد الحقائق من العين المطلقة على الاطلاق العارية عن الأوصاف والأسمآء والنعوت في الحين الذي ظهر لنفسه من غير تعطف إسم بمسماه أو صفة بموصوفها
كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان
فالحقيقة الأدمية فاتقة للعدم وراتقة للقدم لأن الخصيصي بمرتبتها الظهور والإظهار والظهور للصور الشخصية والتنوعات الكونية والمراتب الإيجادية والنفحات الأسمآئية والنفحات الصورية لأنه الخليفة المنزول والواصل الموصول من خزانة الأزل إلى بحبوحة الأبد وإنما نزل على رتبة الإمامة إلى سر الأذان والإقامة لتحققه بالتبعية كما شهد على نفسه بقوله للحبيب المشرف أنت أبو روحانيتي وابن جثمانيتي
ثم أنه لايخفى على أهل الكمال أنه كما فتق الإبن القديم سورة العدم ورتق بالأبوية صورة القدم
كذلك فتق هذا الأكبر والخليفة المنتظر حضرة العدم بمفتاح القدم كما بدأنا أول خلق نعيده
وكذلك ختم بأبوية الظاهرة الجامعة أوصاف الكمالات وتعدد المقامات وسر الإحاطة المتكثرة بظهور الوحدانية بتجلي الأحدية في المراتب والشئون والمظاهر والعيون من الأزل إلى الأبد استعابا واستفآء جامعين لكل إسم ووصف هو حائزين لكل حرف لأنه مظهر الشريف في هذا اليوم التقيدي معدوم لتكميل رتبة الظهور بعد نبوته وتعمررتبته البطون بسر نبوته لأنه حقيقة الصورة المخلوق عليها آدم عليه السلام فلذلك أختص بالكمال المطلق المحادي إلى طريق الحق في اليوم المطلق على الاستوآء الرحماني بالعرش الإلهي لفصل القضآء وبمشاهدته هو وأمته على سآئر الأمم فافهم
ثم لما انفتحت الدورة الأدمية بالتناسل العرفاني والشهود الاحساني البشري والايماني ولذلك تزايدة العلوم الالهية والمعارف الربانية وتناقصت العلوم الفلسفية المبينة الافهام وكذلك تنازلت الحقآئق من حقيقة كل ناطق بطن بعد ظهوره الى الحقيقة كل فرد ظهر في هاذه الدورة السيادة متصفا بحكم شريعتها كالخضر وعيسى علهما سلام الله وغيرهما تابعين لهذا الخاتم الجامع بجميع المقامات الإلهية اسرة الملائكة بكل ما احتوته صفة الظهورمن حيث الوجود الداتي الفياض على مراتبها وعوالمها الوجوبية والإمكانية فمن ورث الإيمان في هذه الدورة السيادة فإنما ورثه بأحدية جمعه وتنوع وحدته متحققا بالعبودية قآئما بحقيقة كل ما قامت به جميع الأمم من سائر الربوبية والعبودية بحيث إن توفرت مادة كل من كان تابعا ومتبوعا ووارثا مستوعبا لكل حقيقة نبوية في كل شخص من هذه الأمة المحمدية زيادة على ما اختص به من إ رث موروته صلى الله عليه وسلم بقدر حصته إذ لا يمكن استيعاب جميع ما تحقق به هذا الخاتم اكتسابا ووهبا إلا من تحقق بالوحدانية في عصره إذ هو خليفته على أهله وماله وكما أنه صلى الله عليه وسلم سببا في رتق القدم وفاتق للعدم فهو سبب أيضا في فتق البرمن أفعال الخير الصادرة من العالمين كلها " أي ماهو باطن خفي وماهو ظاهر جلي إذ هو
الهادي والمهدي
قال الله تعالى ( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم ) الآية :
ويأتي أيضا قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
الهادي إلى طريق الهوية وذلك هو صلى الله عليه وسلم سبب فتق " ويعني مايشهده أهل عالمي الملكوت والجبروت فإن الملكوت حضرة الأرواح الأسرار التي تشهد فيها الصفات السنية والجبروتية هوحضرة الأسرار التي تشهد فيها الذات المقدسة العلية
وقول الشيخ رضي الله عنه وجميع النشأة لجلاله لاشك أنه صلى الله عليه وسلم سبب في وجود المخلوقات بإسرها ومددها ومسندها ولقد خلقت المخلوقات كلها لبيان قدره وجلالته وظهور مرتبته ومكانته
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ويذلك على صدق ما ذكر أن الجنة والنار خلقتا لأجله صلى الله عليه وسلم أما الجنة فأعدها الله لأهله لمن آمن به وصدقه
وأما النار فأعدها لمن كذبه وجحده وخالفه
واما الرسل عليهم الصلاة والسلام خلقوا نوابه في قول وتبليغ رسالته في عصر لكافة الخلق
أنت أصل الوجود من عرش * إلى الفرش ما أزكا ك
لولا جاهك لم يشرق كون * ولدام إنعدامه لولاك
وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه الذي ذكره الحاكم وصححه مخاطبا لآدام عليه السلام لولا محمد ما خلقتك
وفي حديث سلمان آخر لولا محمد ما خلقتك ولا خلقت سمآء ولا أرض
وفي حديث سلمان عند ابن عصاكر من قوله تعالى ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي ولولاك ما خلقت الدنيا
ورضي الله عن سيدنا علي بن وفا حيث قال رضي الله عنه
روح الوجود حياة من هو واجد * لولاك ماثم الوجود لمن وجد
ورحم الله البصيري حيث قال رضي الله عنه لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
قف على النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه فقد ذكر فيه هاذا المعنى
وعن ابن عساكر أهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال إن ربك يقول إنما إني اتخذث إبراهيم خليل فقد اتخذتك حبيبا وما خلقت خلقا أكرم علي منك ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ولولاك ما خلقت الدنيا .
وفي شرح الهمزية لابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما وله حكم المرفوع
ولولا محمد ما خلقت آدم ولا محمد ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش على طآء فاضطرب فكتبت عليه
لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن
وفي رواية أخرى ولولا محمد ما خلقت السموات والأرض والطول ولا العرض ولا وضع ثواب ولا عقاب ولا خلقت جنة ولا نار ولا شمس ولا قمر
ورضي الله عن ابن الفارض حيث قال
لولاك يا أحمد المحمود ما طلعت * شمس ولم تخرج الدنيا من العدم
وانظر ما قاله القرطبي في التذكرة من قوله صلى الله عليه وسلم فإذا عصف الصراط بأمتي نادوا وا محمداه وا محمداه فأبادر من شدة إشفاقي عليهم وجبريل آخذ بحجزتي فأنادي رافعا صوتي رب أمتي لا أسئلك اليوم نفسي ولا فاطمة ابنتي
وتفهم منه شفقته علينا ورأفته بنا أفلا نسعى مع هذا في تفريجه ومن هنا والله أعلم عظم ثواب
من دعا لأمته حتى كان لمن قال كل يوم اللهم اغفرلأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يكتب من الأبدال لما فيه من تفريجه صلى الله عليه وسلم بالاعتنآء بأمته ومن عمل بهذه النية كثر ثواب عمله وسهل عليه العمل إذ من استحضر أنه يرضي محبوبه الجليل العظيم الفخيم الأفخم خف عليه ما كان ثقيلا وقصر في نظره ما كان طويلا وجاد بما كان بخيلا .
أنه هو الذي أعجز الملائكة وقت قول الملائكة لا علم لنا إذ فيه على الحقيقة تنزلت العلوم ويوخذ اعجاز غيرهم بالأخروية
أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أعجز جميع أمم المرسلين تمد كل عصر من أعصرهم إذ فيه تنزلت علومهم كلها وانما اضيفت لخصوص آدم لما مر قوله رضي الله عنه ونفعنا به آمين
فسجدت الملآئكة لآدم والمقصود لجماله
أما غيرهم وأكابرهم كجبريل ويدخل فيهم جميع الملائكة الأرضية وغيره بحيث لا يشد منهم فردا أصلا
وقسم يقوا في عالم الأرواح وتجردوا على ملابس الجسمانية لطيفة كانت أو كتيفة وهم المومنون الذين أشير إليهم بقوله تعالى أم كنت من العالين وهم غير مأمرين بالسجود إذ ليس لهم شعورأصلا لا بأنفسهم ولا بغيرمن الموجودات مطلقا لاستغراقهم في بحر شهود الحب
والإنسان أفضل من هاذين القسمين في صرف الحول ورتبة الكمال لأنه مخلوق بقبضتى الجمال والجلال بخلاف الملائكة فإنهم مخلوقون بيد الجمال فقط وذلك لأن العشق يقتضي المحبة وموطنها الدنيا
ولذا أهبط آدم من الجنة والمحنة من باب التربية وهي من آثار الجلال
والمراد بالملائكة هنا القسم الأول لأنهم يشاركون مومن البشر في الجمال والوجود الجسماني وكما أن مومني البشر يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم فكذا هاذا القسم من الملائكة مع أن مقام التعظيم يقتضي التعميم كما لا تخفى على ذي قلب سليم
قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
المقصود من سجود الملائكة حقيقة جماله صلى الله عليه وسلم صحيح قال ابن حجر ومن ثم قال بعض العارفين إنما سجد الملائكة لأجل نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في جنة
ويرحم الله القآئل ابن وفا حيث يقول
لو أبصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم كان أول من سجد
قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه
وهاذا الإنزاع فيه كما يشهد له ما روي عن أجداده صلى الله عليه وسلم حيثما أنتقل النور من واحد إلى واحد فسجد له كل من رآه وقد ذكروا أعدادا من أجداده بأسمائهم وبينوا حكايتهم كما في النحو المطلوب في شمائل النبي المحبوب ولو تبعنا ما ذكره الشيخ رضي الله عنه
لكتبنا نحو أربعة كراريس قف عليها إن شئت ولا كن كان شيخنا رضي الله عنه وأرضاه يحض على الاختصار في هذا الكتاب ويقول إنه محبوب ومطلوب وان الخروج من الموضوع عيب وفتنة
قال شيخنا رضي الله عنه وارضاه
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم حاز نهاية الجمال الظاهر وغاية الكمال الباطن فمن جماله ظهر كل جمال فهو إذ أجمل من كل جميل ولذا ظهرعليه الخضوع له أجمل ما في الوجود " أعني اليزين الشمس والقمر فناعاه البدر في مهده وكان يميل بإشارته وانشق له نصفين ورجعت لدعوته الشمس بعد غروبها كما هو معلوم وصارت بعد نقلتها للدار الآخرة تأتي ضريحه عند الطلوع والغروب إجلالا واعظاما تسلم عليه
ويرحم الله القآئل
فلولا أنه حي طري بادراك كما نقل الفحول
لما سمعت الشمس اليه حقا * تسلم عليه حين تطلع أو تزول
وسمعت لدعوته الأشجار وسجدت له وتعلقت به الغزالة وتضرعت له ورجعت لوعده
ومن كماله يكون كل كمال فهو إذا أكمل من كل أكمل
ولذا عرف بالتلذذ بالخضوع له كل أكمل فكان خضوع الأكمل له أشد من خضوع الكامل وخضوع الكامل أشد من خضوع الناقص
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا تعلم سبب سجود الملائكة له صلى الله عليه وسلم لأن الخضوع له صلى الله عليه وسلم على قدر المعرفة بكماله وحسبك في هذا ما في لطائف المنى قال أخبرني الشيخ مكين الدين الأسمر وهوالذي شهد له الشيخ أبوالحسن بالخصوصية قال دخلت مسجد نبيء بالأسكندرية فوجد النبي المدفون هناك قائما عليه جبة مخططة فقال لي تقدم فصلي فقلت له تقدم أنت فصل فإنكم من أمة محمد النبيء صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنا التقدم عليه قال فقلت له بحق هاذا النبيء إلا وهو قد وضع فمه على فمي اجلال للفظة النبيء كي لا تبرز في الهواء قال فتقدمت فصليت انتهى
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ولا يختلج في الوهم ان هذا الشيخ مكين الدين أفضل من هذا النبيء الذي وجده بالمسجد لأن هذا المقام مقام تعظيم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه مقام تعظيم لمن تبعه فافهم
وانظر وتأمل وأعتبر هذا التعظيم العظيم من عظمآء خواص الخلق إلى الحق
وانظر وتأمل أيضا حال أعرف الناس واكمال الناس بعد الأنبيآء بكماله صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة رضوان الله عليهم حيث كان لا يتوضا صلى الله عليه وسلم إلا ابتذروا وضوءه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكففهم فدلكوا بها وجوههم وأجسامهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإلا أمرهم بأمرأبتدروا أمره وإذا تكلم سكتوا وإذا جلسوا معه خفظوا أصواتهم عنده وما يجددون إليه النظر تعظيما له وهاذا من أعظم الفوآئد التي ينبغي التنبيه عليها قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه لقد شرف الله هاذا النبيء الكريم ورفع قدره العظيم بحيازة باطنة لأنواع الكمال وظاهره لصنوف الجمال وكل منهما جمال وكل منهما إذ الجمال كالجمال حسي ومعنوي وظاهر وباطن
قال سيدي احمد المرابي في تحفة الاخوان في مناقب سيدي رضوان دخلت عليه يوما فوجدته في حالة كان الوجه قطعة من نور فسلمت عليه فرد علي السلام وهو كالمسرور فقال لي من جملة كلامة وجدتني ياأحمد وأنا أفكر في هذا النبيء الكريم وما أعطاه الله من الحسن والجمال وما اختص به من محامد الصفات وأسنى الحالات ثم قال يا أحمد لو كان الناس يتزين لي بعض الأبيات فيه تتضمن ان باطنه حال المعاني كلها وظاهره في الحسن أبهى من الشمس والقمر لقلتها ولاكن حاول أنت هل تجد في ذلك شيئا فقلت له خاطرك معي يا سيدي فلما خرجت إلى المنزل أجرى الله على لساني من بركاته هادين البيتين
ولي جنة تهوى من القدم واحد * سليله قصي منية القلب والنفس
فباطنه حاز المعالي كلها * وظاهره أبهى من البدر والشمس
ثم أجرى الله على قلبي بيتين آخرين تتضمن مدحه صلى الله عليه وسلم
ولي رشآء من آل فهر بن مالك * حوى شرفا في العالمين وسودد
عروس نقي صفوة الخلق كلهم * وذلك عبد الله اعني محمد
فلما كان من الغد أتيت بها إليه فاخبرته فتبسم وقال لي هات فعرضتها عليه فبكى لسماعها وقال أحسنت أحسن الله إليك وكنت لا أزال انشدها بين يديه بانشاد البردة فيستحسنها وتقع منه موقعا حتى أنه نظم في معناها ثلاث ابيات وهي
فلله من حاز الفضائل كلها *وساد جميع الناس في البدو والحضر* له باطن منه المحاسن اظهر * وظاهر أبهى من الشمس والقمر
عليه صلاة الله ثم سلامه * ورضوانه كالرمل والنبت والمطر
انتهى
وقال آخر
محمد تقاسم المحاسن كلها * باسرها ظاهره والباطن
ظاهره حاز المعالي كلها * ظاهره حاز الجمال جمله
من ذلك كل حسن اجله * فلا جميل إلا وله خاضع
لحسنه إذ هو فيه ساطع
منه استعار وحلل الجمال * فاعترفوا بانهم مجالي * والشمس والقمر يأتيان * إلى ضريحه فيسلمان
عند الطلوع والغروب يخضعان * ويشهدان نوره فيسطعان
وباطن الرسول بالفضائل * حلاه الله بالفواضل
فنال منه الفضل كل فاضل * فاعترفوا بأنهم مظاهر
وخضعوا للمتحلي الظاهر * قد ناسب الظاهر منه والباطن
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ويعجبني قول الصديقة الكبرى وعندي أحلى من عسل تمر أم المومنين عائشة رضي الله عنها حيث كانت تخيط ليلا على المصباح فأنطفأ المصباح وسقطت الإبرة من يدها فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد وقف عليها بالباب فامتلأعليها نورا وسطع أكثر مما كان من ضوء المصباح رقة وظهورا فأبصرت الإبرة وأخذتها وشرعت تخيط على نوره صلى الله عليه وسلم
وأنشدت تقول
وأجمل منك لم ترى قط عيني * وأكمل منك لم تلذ النسآء
خلقت مبرءا من كل عيب * كأنك خلقت كما تشآء
وقد أفصحت آيات الكتاب العزيز في تعظيمه صلى الله عليه وسلم بما يبهرالعقول وصرحت من رفيع صفاته بما لا يستطاع إليه الوصول قال ابن الخطيب السلماني في هذا المعنى
يا مصطفى من قبل نشأة آدم * والكون لم تفتح له إغلاق
ايروم مخلوق ثناءك بعد ما * أثنى على أخلاقك الخلاق
ولأبن علي الأندلسي أيضا
مدحتك آيات الكتاب فاعسى * يثني على علياك العلياء
نظم مديحي
وإذا كتاب الله اثنى مفصحا * كان القصور قصارى كل فصيح
وفي المواهب قال الأزركشي ولهاذا لم يتعاط فحول الشعرآء المتقدمين كل تمام والبحتري وابن الرومي
مدحه صلى الله عليه وسلم وكان مدحه عليهم من أصعب ما يحاولونه فإن المعاني دون مرتبته والأوصاف دون وصفه وكل غلو في حقه تقصير فيضيق على البليغ مجال النظم
وعند التحقيق إذا اعتبرت جميع الأمداح التي فيها غلو بالنسبة إلى فرضت له وجدتها صادقة في حقه صلى الله عليه وسلم حتى ان الشعرآء على صفاته عليه السلام كانوا يعتمدون وإلى أمداحه كانوا يقصدون وأن الخليف بقول القآئل مما بلغت كف امرء متناولا من المجد إلا والذي قال اطول ولا بلغ المهدون في القول مدحه ولو حدقوا إلا الذي فيه افضل
ورءا ابن الفارض في النوم فقيل له لم لم تمدح النبي صلى الله عليه وسلم أي بالتصريح وإلا فنظمه في الحقيقة أما في الحضرة الإلهية أو فيه صلى الله عليه وسلم فقال ارى كل مدح في النبي مقصرا وان بالغ المثنى عليه واكثر إذ الله أثنى بالذي هو أهله عليه فما مقدار ما يمدح الورا وأنه الخليف بقول القآئل وعلى تفنن واصفيه بنعته يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
قال سيدي محمد بن وفا رحمه الله تعالى ما شيئت قل فيه فأنت مصدق
فالحب يقضي والمحاسن تشود
وفي البردة فان فضل رسون الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم وفيها دع ما أدعته النصرى في نبيهم واحكم بما شيئت مدحا فيه واحتكم
ويرحم الله القآئل
أروم امتداح المصطفى فيصدني * قصوري عن إدراك تلك المواقف
من لي بحصر البحر والبحر زاخر * ومن لي بإحصاء الحصا والكواكب
وفي المعنى
محمد المصطفى المختار من مضر * نبي صدق له قدر وتبجيل
ماذا عسى مادح يثني عليه به * وجاء في مدحه كتب وتنزيل
وفي الزبور أتى مدح بصدقه * ووافق المدح نورآه وإنجيل
يا مادحين حبيب الله دونكم * ما شئتم في معاني حسنه قولوا
وفي المعنى قيل
مدح المصطفى شغفا به تبلو ذهني هيبة لمقامه * فأقطع ليلي ساهر الحين مطرقا
هوى فيه أعلى من لذيذ منامه * إذا قال فيه الله جل جلاله
رءوف رحيم في سياق كلامه * فمن دلا بخيار الوحي والوحي معجز
وفي المعنى قيل
مقامك يا إمام المرسلين * تحير فيه مدح المادحين
فغاية ما نقول إذا اقتصرنا * بأنك أنت خير العالمين
ثم قل سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإن شئت قلت
فسجدت الملائكة لآدم والمقصود لجماله
والمراد بالجمال أنوار النبوءة وأسرار الرسالة
ولا شك أن الملائكة وغيرهم من أهل الكمال لا يخفى عليهم أن شرف آدم عليه السلام بشرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنوار نبوءته وأسرار رسالته لا تكد تخفى على الملائكة في ظهر آدم عليه السلام فافهم
وإن شئت قلت المراد بالجمال الحسن وقد أفرغ الله عليه كمال الحسن لاكن ارضى عليه برفع الجلال ولولا ذلك لافتتن الناس بحسنه صلى الله عليه وسلم كما افتتن الناس بحسن سيدنا يوسف عليه السلام حيث أنه لم يكن عليه برفع الجلال حسبما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حش لله ما هذا بشر
وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان كل من رءآه آمن وصدق به ومن لم يرد الله به خيرا فلا ينظر إليه وانما ينظر خياله يشهد لذلك قول الله تعالى ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) الآية :
وقال بعضهم ما ان مدحت محمدا بمقالتي لاكن مدحت مقالتي بمحمد وقلت في المعنى
محمد مدحه مدح لمادحه * اذ خدمة الجاه الأعلى غاية الشرف
فمدحه شرف وحمده شرف وذكره شرف
وفي المعنى
بمدح رسول الله ينشرح الصدر * ويعلو لمن قد زاد في حبه قدر
فبالغ هداك الله إن كنت صادقا * يكون لك العليآء والعز والفخر
العاجزة العقول عن ادراك كنهها إذ لا سبيل للوصول إليها إلا أن يكون شيئا بفضلها
ثم ان هذا وصف آخر لروحه صلى الله عليه وسلم
أشار فيه الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
إلى خفي سر الأحمدية
ورفع السورة المحمدية صلى الله عليه وسلم لم يدركها أحد بفهمه ولا يبلغها أحد بعقل ولا يحطون بشيء من علمه
إلا بما شآء الله
تعالى من ظواهر المأمورات دون بواطينها وجليها دون خفيها فالفهوم والعقول قد وقفت وتضاءت عند خفي سره والوقوف على حقيقة أمره
وما يعلم قدره إلا الذي خلقه عز وجل
وإذا كان الولي لا تدرك حقيقته في هذا المدارك
فكيف الرسل عليهم الصلاة والسلام فكيف سيدهم وسندهم ومددهم صلى الله عليه وسلم وما أدرك الناس من حقيقة امره خفي سره إلى على قدر عقولهم البشرية فما ظهر لهم من ذلك نعمه ليعرفوا قدره ويعظموا أمره وما خفي عنهم فرحمته من الله بهم إذ لو ظهر لهم مع عدم القيام بحقوقه لكان فتنة لهم والله أرسله رحمة للعالمين فكانت الرحمة قيما استتر ونعمه فيما ظهر
وفي الحديث يا أبا بكر والذي بعثني بالحق لم يعلمني حقيقة غير ربي فاللام في له بمعنى عن وباقي الشرح
واضح تنبيه روي عن أويس القرني رضي الله عنه أنه قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ظله فقالوا ولا ابن أبي قحافة ولا ابن أبي قحافة ولما ذكر
هذا عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال صدق أويس رضي الله عنه أن علي رضي الله عنه
كان مقامه إدراك نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعثمان رضي الله عنه إدراك قلبه صلى الله عليه وسلم
وعمر رضي الله عنه إدراك عقله صلى الله عليه وسلم
وأبوا بكر رضي الله عنه إدراك روحه صلى الله عليه وسلم
وحقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم السر المكنون لا يطلع عليه إلا الله تعالى
قال الإمام الخروبي الطرابلسي حقيقة رسول الله صلى
الله عليه وسلم سر لطيف من أسرار الحق تعالى لا يطلع عليه في هذه الدار سوى الحق سبحانه جل جلاله
ولا يكشفه أحد غيره تعالى لا نبي مرسل ولا ملك مقرب
إذ حقيقته أحمدية من السر المكنون والأمر المصون الذي انفرد به وما أدرك المومنون منه إلا ظاهر صورته المحمدية وهو الذي عبرعنه أويس القرني بالظل ثم ان المومنين متفاوتون في إدراكهم فكل أدرك
ذي مقام أدرك منه صلى الله عليه وسلم حقيقة توافق مقامه وأعظم الخلفآء في ذلك سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وما كشف له منه صلى الله عليه وسلم لم يكشف لأحد غيره وبهاذا كان أشدالناس تواضعا وقربا منه صلى الله عليه وسلم وأعظمهم خلة وأكرمهم تعظيما واحتراما وأولهم إيمانا
وإلى هذا أشار الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
فإن قيل ما السر في أن كل واحد من الخلفآء الأربعة أدرك حقيقته صلى الله عليه وسلم دون غيرها فالجواب
أن كل واحد أدرك من الخلفآء ما يقتضيه مقامه وحاله فعلي رضي الله عنه لما غلبت عليه علم الشرآئع وكان حاله الانبساط بها كان حاله يقتضي إدراك نفسه من ورث العلوم منه وهو سيدنا محمد صلى الله عليهوسلم
لأن الانبساط من شأن النفس " ولهاذا قيل لو حالت النفس كل المحاولة على أن تصمت لما صمتت
وسيدنا عثمان رضي الله عنه لما كان حاله التفكر في العلوم كان حاله يقتضي إدراك قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القلب شأنه التفكر
وسيدنا عمر رضي الله عنه لما كان شأنه التدبر في العلوم كان حاله يقتضي إدراك عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العقل شأنه التدبر
وابو بكر رضي الله عنه لما كان الغالب عليه علم الحقائق وكان حاله الانقباض عليها كان حاله يقتضي إدراك روح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الروح شأنها الانقباض على العلوم الحقيقة
ولهاذا قيل إن الروح من شأنها الصمت فلو حاولت كل المحاولة على أن تنطق لما نطقت
وكل من الخلفآء رضي الله عنهم أجمعين وإن غلب عليهم علم أو حال أو كان مقامه معلوما من المقامات فهو في غير العلم الغالب عليه امام وفي غير حاله ومقامه الغالب عليه صاحب حال أو مقام وانما أشتهر حاله بما هو غالب عليه
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه من هذا المعنى " ما تلذه الاسماع وتحسنه الطباع بنقل العلامة
سيدي عبد الرحمان بن عبد القادر الفاسي
رحمهما الله تعالى قلت هذا كلام حسن عجيب تشهد له أحوال الخلفآء الأربعة رضي الله عنهما ونفعنا بهم أجمعين
كان علي البحر الزخار في علم الشرآئع والأحكام والفصل بين الخصوم فكان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبليغ لا يستطيع السكوت عن ذلك ولا يطيق الصمت عنه ومن شأن النفس الانبساط بما عندها من العلوم فتأمل قضية الفريضة العنبرية وهي مشهورة وما روي أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر فقال له علي إن الله تعالى يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
وقال تعالى { وفصاله في عامين } الآية
فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين
فترك عمر رجمها وقال لولا علي لهلك عمر وكان يتعوذ من معضلة ليس ليس لها أبو حسن
وسئلت عآئشة رضي الله عنها عن المسح عن الخفين
فقالت يات عليا فسئله ودخل يوما على عمر فإذا امرأة تقاد لترجم فقال يا أمير المومنين لأي شيء ترجم إن كان
لك سلطان عليها فما لك سلطان على ما في بطنها فضمها علي إليه حتى وضعت ثم أتى بها إليه فرجمها
وعن محمد بن يحيى بن حبان ان حبان بن منقد كان تحثه امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية ثم مات على رأس الحول
فقالت لم تنقض عدتي فارتفعوا إلى عثمان
فقال هذا ليس لي به علم فارتفعوا إلى علي فقال علي تحلفين عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لم تحيضي ثلاث حيضات ولك الميرات فحلفت وأشتركت في الميرات
وقال عمر أقضانا علي بن أبي طالب
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي تقضي الناس السبع ولا يحاجوك أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمرالله وأقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية وأبصرهم بالقضية
وأعظمهم عند مزية
وقال علي رضي الله عنه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا وأنا حديث السن فقلت يا رسول الله
اتبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضآء فقال إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك
قال فما شككت في قضآء بين اثنين
وعن رز بن جيش قال جلس إثنان يتغديان ومع أحدهما خمسة أرغفة ولأخر ثلاثة أرغفة وجلس إليهما ثالث واستاذنهما في أن يصيب طعامهما فأذنا له فأكلوا على السوآء ثم ألقى إلهما ثمانية دراهم وقال هذا
عوض ما أكلت من طعامكما فتنازعا في قسمتها فقال صاحب الخمسة لي خمسة ولك ثلاثة وقال صاحب
الثلاثة بل نقسمها على السوآء فترافعا إلى علي فقال " لصاحب الثلاثة اقبل من صاحبك ما عوض عليك فأبى وقال ما أريد إلا صحيح الحق فقال عليه السلام أذن لك درهم واحد
ولصاحبك سبعة
قال وكيف ذلك يا أميرالمومنين قال لأن الثمانية أربعة وعشرون ثلثا لصاحب الخمسة خمسة عشر
ولك تسعة وفق استويتم في الأكل ما كلت ثمانية وبقى لك واحد وأكل صاحب ثمانية وبقى له سبعة وأكل الثالث ثمانية
سبعة لصاحبك وواحد لك فقال رضيت
ولما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وجدا أربعة وقعوا في حفرة حفرت ليصطادوا فيها الأسد سقط
أولا رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بالآخر حتى تساقط الأربعة فجرحهم الأسد وماتوا من جراحته
فتنازع أوليآؤهم حتى عادوا يقتتلون فقال علي أنا أقضي بينكم فإن رضيتم فهوالقضآء وإلا حجزت بعضهم بعض حتى تاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي بينكم
اجمعوا من القبآئل الذين حفروا البير ربع الدية ثلها ونصفها ودية كاملة فللأول ربع الدية لأن أهلك من فوقه
وللثاني ثلثها لأنه أهلك من فوقه وللثالث نصفها لأنه أهلك من فوقه وللرابع ديه كاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول صلى الله عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فقال أنا أقضي بينكم واحتني ببردة فقال رجل من القوم إن عليا قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة أجازه أنتهى
ووجهه أن أرباب البير تلزمهم دية الأول كاملة إذ لم
يشاركو فيه غيرهم ويلزمهم للثاني نصف دية والنصف الآخر يوخذ من دية الأول ويلزمهم للثالث ثلث دية والربع و يوخذ من دية الأول ليبقى له الربع الواجب له والربع والسدس يوخذ من دية الثاني ويلزمهم للرابع ربع دية والربع يوخذ من دية الثاني والنصف من دية الثالث فبقى عدد التراجع للأول ربع وللثاني ثلث وللثالث نصف
وجملة مادفع أرباب البيرديتان ونصف سدس دية وهذا التراجع في الديات إن ثبت قبض من ذكر بالاعتراف
وإلا فالرجوع على العواقل وقضاياه رضي الله عنه في هذا وأمثاله كثيرة مستفيضة فهذا حاله الغالب عليه
وان كان إماما في غيره
ثم تأمل اختصاص سيدنا عثمان رضي الله عنه بمساررة
سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم له في مرضه حتى كانت حفصة عند عآئشة رضي الله عنها فقالت لها أنشدك الله هل كنت أنا وأنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأغمى عليه فقلت لك أترينه قد قبض فقلت لا أدري ثم أفاق فقال افتحوا له الباب فقلت
لك أبوك أو أبي فقلت لا أدري ففتحنا فإذا عثمان فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم
قال أدنه فاكب عليه فساراه شيء لا أدري أنا ولا أنت ما هو ثم رفع رأسه فقال أفهمت ما قلت لك قال نعم قال ادنه
فاكب عليه أخرى مثلها فساره شيء ما ندري ما هو ثم رفع راسه فقال فهمت ما قلت لك قال نعم قال ادنه فاكب عليه إكبابا شديدا فساره بشيء ثم رفع رأسه فقال افهمت
ما قلت لك قال نعم سمعته أذناي ووعاه قلبي فقال له اخرج قالت لها حفصة اللهم نعم وتامل اختصاصه مكاتبة الوحي
حال نزول الوحي وبكتابة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر بن محمد عن أبيه كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا جلس جلس ابو بكر عن يمينه وعمر عن يساره
وعثمان بين يديه وكان كاتب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم آنتهى
والسر محله القلب والوحي كان ينزل على قلبه ولكثرة تفكره رضي الله عنه كثر حياؤه حتى اشتهر به إذ هو ناشي عن فكرة القلب قال صلى الله عليه وسلم عثمان أحيا أمتي وأكرمها
وعن عآئشة رضي الله عنها قالت استاذن ابو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه معه في مرض واحد فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرض
ثم استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه في مرض واحد فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرض
ثم استأذن عمر فأذن له فقضى حاجته وهو على تلك الحال في المرض
ثم استأذن عثمان فأصلح ثيابه وجلس فقضى حاجته ثم خرج قلت يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر فقضى إليك حاجته وأنت على حالك ثم استأذن عليك عثمان فاحطت ثيابك
واستيقظت فقال يا عآئشة إن عثمان رجل حي ولوأذنت له على تلك الحال خشيت أن لا تقضى حا جته
وتأمل استحيآء الملائكة منه المناسب لكتم الأسرار وطول الفكرة قالت عآئشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أوعن ساقيه فاستأذن
أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه فدخل فحدث
فلما خرج قالت عآئشة يا رسول الله دخل عليك أبو بكرفلم تهتش له ولم تبال به ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تبال به ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال النبي صلى الله عليه وسلم
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة
ثم تأمل قضاء سيدنا عمر في مرافقة الآيات القرآنية له وحسن استنباطه وإصابة نظره في ادبار الأمور الذي هو آثر التدبر وإمعان النظر قال رضي الله لما اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
نسآئه وكان قد وجد عليهن فاعتزلهن في مشربة من خزانته قال عمر فدخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصا ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
نسآئه فقلت لاعلمن هذا اليوم وذلك قبل أن
يومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فدخلت على عآئشة بنت أبي بكر فقلت يا بنت أبي بكر بلغ من أمرك
أن تؤدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت مالي ومالك يا ابن الخطاب عليك بعيبتك فأتيت حفصة بنت عمر
فقلت يا حفصة والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلقك قال فبكت بكآء قال فقلت أين رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في خزانته قال فذهبت فإذا أنا برباح غلام رسول
الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على اسكفة الغرفة مدليا رجلي على نقير يعني جدعا منقور قلت يا رباح
استأذن لي على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فسكت قال فرفعت صوتي فقلت استاذن يا رباح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن انما جئت من أجل حفصة والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أضرب عنقها لضربت عنقها قال فنظر رباح إلى الغرفة ونظر إلي ثم قال هكذا
يعني أشار بيده ان أدخل فدخلت فإذا هو مضطجع على حصير وعليه إزاره فجلس وإذا الحصير قد أثر في جنبه
وقلبت عيني في الخزانة فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير
قبضتين من شعير وقبضة من قرض نحو الصاعين قال فانبذرت عيناي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا ابن الخطاب فقلت يا رسول الله ما لي لا أبكي وأنت صفوة الله ورسوله وخيرته من
خلقه وهاذه الأعاجم كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت هكذا فقاال يا بن الخطاب آما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا قلت بلى
يا رسول الله فاحمد الله قل ما تكلمت في شيء إلا أنزل الله تعالى تصديق من النسآء قال قلت يارسول الله إن كنت
طلقت نسائك فإن الله تعالى معك وجبريل وصالح المومنين الآية قال فما اخبرت ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الغضب في وجهه حتى رأيت وجهه تهلل كثير فرأيت ثغره وكان من أحسن الناس ثغرا
فقال فاني لم أطلقهن قلت يا نبي الله فإنهم اشاعوا أنك طلقت نسآ ئك فاخبرهم انك لم تطلقهن قال إن شئت فعلت فقمت على باب المسجد فقلت ألا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نسآئه فأنزل الله عز وجل في الذي كان من
شأني وشأنه ( وإذا جآءهم آمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر
منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) الآية
قال عمر فأنا استنبطته منهم انتهى
ووافق القرآن قوله في ما يات متعددة حتى قال علي نرى في القرآن لكلاما من كلام عمر ورئيا من رأيه
وجآء يهودي يوما إلى عمر فقال أرأيت قوله تعالى
سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض
فأين النار فقال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجيبوه فلم يكن عندكم شيء فقال عمر ارأيت النهار إذا جاء أليس يملأ السماوات والأرض قال بلى قال فأين الليل قال والذي نفسك بيده ياأميرالمومنين إنها لفي كتاب الله المنزل كما قلت يعني التورية ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم
قال بأن الحق ينزل على قلبه ولسانه وقال علي كنا نرى ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ان السكينة على لسان عمر وعن أبي قتادة أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله كيف تصوم قال بغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رءا ذلك عمر بن الخطاب قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا نعوذ بالله من غضب الله
وغضب رسوله قال فجعل عمر يردد ذلك حتى سكن النبي صلى الله عليه وسلم من غضبه ثم قال عمر يا رسول الله
كيف من يصوم الدهر كله قال لاصام ولا افطر ان لم يصم ولم يفطر قال رسول الله كيف لمن يصوم يومين ويفطر يوما قال ويطيق ذلك أحد قال وكيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما قال ذلك صوم داوود قال
فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما قال وددت اني أطيق ذلك ثم قال ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله
وصوم يوم عرفة اني احتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله
وصيام يوم عاشورآء اني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله انتهى
فهاذا من لطيف تدبره واستنباطه
فبينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال لقد اخطاطتي أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم علي بالرجل فدعى له فقال عمر لقد اخطاطتي أو أنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم
ما رأيت كاليوم يستقبل به رجل مسلم فقال اعزم عليك الا ما اخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية وكان يوما جالسا في المسجد ومعه ناس
إذ مر رجل فقيل له اتعرف هذا فقال قد بلغني أن رجلا أتاه الله عز وجل بظهرالغيب بظهور النبي صلى الله عليه وسلم
إسمه سواد بن قارب وأني لم أراه وإن كان حيا فهو هذا وله في قومه شرف وموضع فدعا الرجل فقال له عمرأنت سواد بن قارب الذي اتاك الله بظهرالغيب بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك في قومك شرف ومنزلة فقال نعم يا أمير المومنين قال فأنت على ما كنت عليه من
كهانتك فغضب الرجل غضبا شديدا وقال يا أمير المومنين
والله ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت قال عمر سبحان الله
ماكنا عليه من الشرك اعظم مما كنت عليه من كهانتك اخبرتني عما كان ياتيك به ربك ظهورالنبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم يا أمير المومنين بينما ذات ليلة بين النآئم واليقظان إذ آتاني جني فضربني برجله وقال قم يا سواد
بن قارب وافهم إن كنت تفهم وأعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعوا إلى الله وإلى عبادته
ثم انشا يقول
عجبت للجن وتجساسها وشدها العسير
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسهم بعينك إلى رأسها
ثم اتى ليلة ثانية وثالثة يقول لي مثل قوله الأول وينشدني أبياتا فوقع في نفسي حب الإسلام ورغبت فيه فلما أحيت شددت على راحلتي فركبتها وانطلقت إلى مكة فاخبرني ان النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة فقدمت
للمدينة فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لي في المسجد فأتيت المسجد فعقلت ناقتي فقال لي ادن فلم يزل يدنني حتى قمت بين يديه فقال هات فقصصت عليه القصة
فأسلمت ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتي واصحابه حتى رءى الفرح في وجوههم قال فوثب إليه عمر والتزمه
وقال لقد كنت أحب أن أسمع هذا الحديث منك فاخبرني عن رئيك هل ياتيك اليوم قال اما منذ قرات القرآن فلم ياتني ونعم العوض كتاب الله أنتهى
وكان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة غزاها فأصاب الناس مخمصة فاستاذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم فقال عمر بن الخطاب أرايت يا رسول الله
إن نحرنا ظهورنا ثم لقينا عدونا غدا ونحن جياع رجالة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترى
يا عمر قال ان تدعوا الناس ببقايا ازوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فإن الله عز وجل سيطعمنا بدعوتك إن شآء الله تعالى قال فكأنما كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم
غطآء فكشف قال فدعا بثوب فأمر به فبسط ثم دعا بالناس ببقايا أزوادهم قال فجاء وبما كان عندهم قال فمن الناس من جآء بالحفنة من الطعام والحثية ومنهم من جآء بمثل البيضة قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوضع على ذلك الثوب ثم دعا فيه بالبركة ثم تكلم بما شآء الله عز وجل
ثم نادى في الجيش ثم أمرهم فأكلوا وأطعموا
وملئوا أنيتهم ومزاودهم ثم دعى بركوة فوضعت بين يديه ثم دعا بشيء من مآء فصب فيها ثم مج فيها وتكلم بما شآء
الله ان يتكلم به وأدخل كفيه فيها فاقسم بالله لقد رأيت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفجر بينابيع المآء ثم آمر الناس فشربوا وملئوا فربهم قال ثم صمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدت نواجده ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لايلقى الله بهما أحد إلا دخل الجنة متفق على صحته وأشدة تدبره
وغلبته ذلك عليه رضي الله عنه كان شديد الحزم في الأمور ومن ثم عظمت هيبته في القلوب
قال سعد بن أبي وقاص دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسئلنه ويستكثرنه رافعات اصواتهن فلما سمعن صوت عمر بادرن الحجاب فدخل عمر ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت
من هؤلاء التي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر يا عدوات أنفسهن تهنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن عآئشة قالت دخلت
امرأة من الأنصار إلي فقالت اني أعطيت الله عهدا إذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمن لانقرن على رأسه بالدف
قالت عآئشة فاخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال قولي لها فالتف بما حلفت فقامت بالدف على
رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقرت نقرتين أو ثلاثا
فاستفتح عمر فسقط الدف من يدها وأسرعت إلى خدر عآئشة
فقالت لها عآئشة مالك قالت سمعت عمر فهبته فقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفر من حيز عمر
وتأمل انفراد سيدي أبي بكر الصديق رضي الله عنه
بدقآئق أسرار التوحيد وخافاياه الغامضة الذي هو شأن الروح اخرج الملافي سيرته عن سيدنا عمر رضي الله عنه
قال كنت ادخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وابو بكر يتكلمان في علم التوحيد فاجلس وابو بكر بينهما كأنني زنجي لا أعلم ما يقولون وأنظر سبقيته رضي الله عنه إلى فهم الدقائق والأسرار عن الله
ورسوله وترك التصريح بما يفهمه الذي هو أيضا شأن الروح
ففي الترمدي من رواية ابي المعلا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال ان رجلا خيره ربه أن يعيش في الدنيا ما شاء ويأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل وبين لقاء ربه فاختارلقآء ربه فبكى أبو بكر فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون من هذا الشيخ إذ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مالحا خيره ربه بين الدنيا ولقآء ربه فاختارلقآء ربه قال فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر نفديك بآبائنا وأموالنا
وانظر ثباته يوم الحديبية وموافقته لجواب النبي صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا ففي حديث صلح
الحديبية عن عمر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت
يا رسول الله ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قلت لم نعط الدنية في ديننا
قال انا رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو ليس كنت تحدثنا إنا ناتي البيت فنطوف به قال أواخبرتك
ان ناتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبى بكرأليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعط الدنية في ديننا قال أيه الرجل إنه رسول الله وليس يعصيه وهو ناصره فاستمسك بقدره فوالله إنه على الحق
قلت أو ليس كان يحدثنا انا ناتي البيت فنطوف به قال فأخبرك أن تاتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر فعلمت لذلك أعمالا
خرجه البخاري ومسلم
وانظر ثباته يوم وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهاده بقوله تعالى
واستشهاده بقوله تعالى { وما محمد إلا رسول الله } الآية وقول عآئشة فوالله لكان الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس فما تسمع بشرا إلا يتلوها
وعن عمر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب
قال عمر في ابي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لاقتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة بأن الزكاة حق المال والله له من عقالا كانوا يرونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاتلتم على منعها قال عمر فوالله ماهو إلا أن رأيت أن شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق تنبيه
في معنى كون صورته محمدية وحقيقته احمدية تعجز العقول عنها
كهيعص يس والقرآن الحكيم إنك يا محمد لمن المرسلين على سراط مستقيم ن والقلم وما يسطرون ما أنت يا محمد بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجر غير ممنون و إنك يا محمد لعلى خلق عظيم
آتى الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
بأوصاف النبي المحبوب وذكر نعوثه الجليلة بألفاض عجيبة الأسلوب وأطنب في الحضرة المحمدية بألفاض قليلة جمعت المقصود والمطلوب
ذكر فواتح السور وبعض الآيات لما احتوت عليه من الأوصاف والكمالات كل شاهد على ما ذكره آنفا وسابقا
ولما يذكره آتيا ولاحقا فالله ذرة من إمام تشهد له الصلاة النورانية بأنه من أهل فيضان مدد النبي الهمام وسريان سره في ذاته سريان الماء في الأجمة والأكام
تالله لقد حوت شمآئل عظيمة بألفاض قليلة ليست لها قيمة وتنال إلا من قلوب نيرات قد آرتقى أهلها لأعلى الحضرات
ولو كتب عليها ما اشتملت عليه لكانت عدة مجلدات ولكن الاختصار مطلوب ومحبوب خود السمات
وها أنا أذكر لك ما يتداوله أهل الإشارة أو أهل الإشارات
ولا يفصح عنه أهل النقل والعبارات
ولا تخلوا هاذه الصلاة من خاصية أسرار وقد طرزت بحروف القرآن وفواتح السور ونورحروف القرآن لا يضاهيها غيره من الأنوار
قال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه
إنها أمليت علينا من فيض النبي المختار نحو حلب شاة أو قرب لمح البصر وبقرأتها يحرق ما في القلب
من الأثر وتفني عنه الشكوك والأسوء والأغيار وتسقي عروق قارئها سقي الماء للأشجار وتظهر ثمرتها
مثل ما يظهرعلى الأغصان من التمار وتشرق بركتها على الجوارح المظلمة مثل فجر شروق النهار وتمح إسم قارئها من ديوان الأشرار وتثبت إسمه في عقد الصديقية الجليلة المقدار التي تلي رتبة النبوءة
التي تلي رتبة التي هي أول المراتب وينبوع الأنوار والحمد لله الذي ليست لنعمه حد وقرار وفضله لا ينال ولا يتوقف على طلب وهو الواحد القهار
نقل عن سيدي عبد الله بن سلطان وكان من الفقهآء في تفسير قوله كهيعص حمعسق فأجرى الله على لساني
وقال فقلت هي أسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم فكأنه
قال " كف أنت كهف الوجود الذي يأوي إليه كل موجود
ها " هبنا لك الملك وهيأنا لك الملكوت ياعين العيون صادق صفاتي أنت من يطع الرسول فقد أطاع الله
ح "حميناك ميم " ملكناك عين " علمناك سين " سررناك
قاف قربناك
قال فنازعوني في ذلك ولم يقبلوه مني فقلت نسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفصل بيننا فسرنا
فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا الذي قال محمد بن سلطان هو الحق انتهى
وعند أهل السريانية أن كل حرف يفسر على حدته
فالكاف المفتوحة وضعت للعبد والفاء الساكنة تحقيق المعنى الفاء المفتوحة وزيادة التحقيق والتقرير
ومعنى المفتوحة الشيء الذي لا يطاق فكان الساكنة تقول وكونه لا يطاق حق ولا شك فيه
والهآء المفتوحة وضعت لتدل على الرحمة الظاهرة الصافية التي لا يخالطها كدر ولا غير
ويا للنداء والعين المفتوحة لتدل على الرحيل والانتقال من حال إلى حال
اليآء المسكنة هنا تدل عل الاشتباك والاختلاط
النون المسكنة تحقيق لمعنى المفتوحة ومعنى المفتوحة الخير الساكن في الذات الشاعل فيها
والصاد المفتوحة وضعت لتدل على الفراغ
والدال المسكنة تحقيق لمعنى الصاد لأنها من حروف الإشارة وحرف الإشارة تحقيق لمعاني التي قبلها بخلاف غير الإشارة فإنها إذا سكنت حققت معاني مفتوحها على تفسيرالحروف على ما اقتضاه وضعها
وأما المعنى المراد منها هنا فهواعلام من الله تعالى جل وعلا بجميع المخلوقات بمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند الله تعالى
وانه تعالى من على كافة المخلوقات على بأن جعل استمداد أنوارها من هذا النبي الكريم صلى الله
عليه وسلم وبيان ذلك من التفسير السابق أن الكاف ذلت على أنه صلى الله عليه وسلم عبد
والفآء الساكنة على أن لايطاق أي أنه أعجز الخلآئق فلم يدركه سابق ولا لاحق فكان بذلك سيد الوجود
صلى الله عليه وسلم محمد المفتوحة ذلت على أنه رحمة ظاهرة وباطنة صافية مطهرة لغيرها كما قال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الآية
وقال صلى الله عليه وسلم إنما أنا رحمة مهداة للخلق
ويا نداء للعبد اليابق والمنادي لأجله هو ما دلت عليه العين من الرحلة المذكورة بمعنى الياء الساكنة لأنها
من حروف الإشارة وحرف الإشارة للتأكيد كما سبق وتفيد مع ذلك لزوم الرحلة والمرحوم به هو المعنى
واشتباكها والمرحول به هومعنى النون الساكنة وهو نورالوجود الذي تقدم به الموجودات والمرحول به
هو المعنى الذي أشير إليه بالصاد فمعناها
الكلام حينئذ إشارة ياهذا العبد العزيزعلي اذهب ذهابا احتمالا لازما إلى جميع من هو حيزفراغ بالأنوارالتي تقوم
بها وجوداتهم ليستمدوا منك فإن مادة الجميع إنما هي منك فقد ترتبت معاني الحروف ترتيبا حسنا وانتسق نظم الكلام أي انتساق وذلك أن الحروف السريانية كمعاني الكلمات في غيرها فكما أن الكلام إذا تركبت الكلمات في اللغة لا يستقيم إلا إذا تركبت معاني كلمات كذلك الكلام في السريانية إذا تركب الكلام في السريانية إذا تركب من الحروف فإنه لا يستقيم إلا إذا تركبت معاني حروفه وكان بعظها آخذ بحجزه بعض وكأن الكلام إذا تركب من الكلمات في غير السريانية قد يحتاج في ترتيب معاني كلماته إلى تقديم وتأخير وفصل بين معنين متلاصقين بما هو آجنبي منهما واظهار شيء
يتوقف عليه تصحيح المعنى كذلك الكلام في السريانية إذا تركب من الحروف فقد يحتاج في تركيب معاني الحروف إلى تقديم وتأخير واضمار إلى غير ذلك
ولاشك أن ما فسر به هاذه الرموز معلوم عند أربابه بالكشف والعيان بأنهم يشاهدون سيد الوجود صلى الله عليه وسلم
ويشاهدون ما أعطاهم الله من الكرمات وأكرمه به ربه عز وجل بما لا يطيقه غيره من الخلوقات والأنبيآء وغيرهم
ويشاهدون ما أعطاهم الله تعالى من الكرمات ويشاهدون المادة سارية من سيد الوجود صلى الله عليه وسلم إلى كل مخلوق في خيوطهن نورقابضة من نوره صلى الله عليه وسلم
متمددة إلى دوات الأنبيآء والملائكة عليهم الصلاة والسلام ودوات غيرهم من المخلوقات فيشاهدون عجآئب ذلك الاستمداد وغرائبه ولقد آخذ بعض الصالحين طرف خبزة ليأكله فنظرفيه وفي النعمة التي رزقها الله لبني آدم قال فرأى في ذلك الخبز خيطا من نوره فتتبعه فنظره فرآه متصلا بخيط نوره الذي اتصل لنوره صلى الله عليه وسلم
فرأى الخيط المتصل بالنورالكريم وأخذ ثم بعد أن امتد قليلا جعل يتفرع إلى خيوط كل خيط متصل بنعمة من نعم تلك الدوات
ولقد وقع لبعض أهل الخذلان نسأل الله السلامة انه قال ليس لي من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا الهداية إلى الإيمان وآما نور إيماني فهو من الله تعالى لا من النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له الصالحون ارأيت إن قطعنا ما بين نور إيمانك وبين نوره صلى الله عليه وسلم
وايقنا لك الهداية التي ذكرت أترض بذلك فقال نعم رضيت فما ثم كلامه حتى سجد للصليب والاعياذ بالله وكفر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومات على كفره نسئل الله السلامة بمنه وفضله
واما ( يسن ) فاليآء المفتوحة للندآء وقد يؤكد بها
والسين المكسورة لباب الذات وسرها من عقل كامل وعفو وحلم
والنون المسكنة تحقيق لمعاني المفتوحة ومعنى المفتوحة الخير الساكن في الذات الشاعل فيها فمعنى الكلام حينئذ يالباب المخلوقات وسرها للخيرالساكن في ذاتك الشاعل فيها حق لا شك فيه ..
وأما قوله ( والقرآن الحكيم إنك يامحمد لمن المرسلين على صرط مستقيم ) لا يخفى ما في هذه الآية
من جلالة النبي المعصوم ومكانته لذى مولاه فقد اقسم الجليل جل جلاله
وأكد واثبت ما دلت عليه الآية ففيها من الشفوف والمزايا ما ليس لغيره صلى الله عليه وسلم
واما ( ن ) فالمضمومة إشارة إلى الخيرالكامل والنورالساطع والنون الساكنة إشارة إلى كون ذلك الخيرالكامل
والنور الساطع لا يطاق أي لا يدركه سابق ولا لاحق فهوالسرالمكنون والكنزالمصون
وقوله تعالى ( ن ) والقلم وما يسطرون ما أنت يا محمد بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غيرممنون وإنك لعلى خلق عظيم
ولا يخفى على أهل المعرفة من هنا في هاذه الآية من الشفوف والمزايا التي نالها سيد الوجود وآتحفه بها خاصة دون مماثل في الوجود
حيث أن الله تعالى اقسم أربع مرات في هاذه الآية وأكذ مرتين وأثبت مرتين
وفي هاذه اليمين والتأكيد والاثبات خاصية ومزية وجلالة قدر ورفعة وعناية سابقة ونعم شاملة يعلمها أهل الله المفتوح عليهم بفضل الله وبركاته صلى الله عليه وسلم ولذي ( ن ) الساري في ذواتهم وارواحهم وكل من فيح عليه علم من الآية مكانة هذا النبي الشريف وجلالته قدره المنيف وقد آتى بها
الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
على عادة اهل الإشارة
بقصد أيرا المعنى شاهد ومشهود مبينا بأوضح الدلالة وتبركا بالقرآن خصوصا الفواتح وأشرف الآيات
يظهر إظهار الضمير وذلك معلوم عند أهل الإشارة وهن بطريقتهم بصير لا شك أحد في التلذذ بإسم المحبوب
وهيجان الوجد عند سماع إسمه الطيب إلا معاند وحاسد وخصوصا عند حروف اسمه الشريف فإن الأرواح تنعش
به وتهيج الأنوارعند ذكره وتفيض الأسرار وتهتك الحجوب والأستار
وأناديك بإسم سكن به العرش من * اضطرابه وهام به الكرسي
واللوح بنقش سره فياض عليه * وانشق لأجله القمر وتأذب
بآذابه ألم تر أن الحور العين * قد تزينت بطرز كتابته والجنة
قد تزخرفت بحروف إسمه وعنايته * والأمين الروح تلذذ بإسمه ورسالته
وكل سرى فيه سرحرف إسمه وبركاته وآدم وبنوه خلقوا على شكله ورسم حروف نورانية
يا هذا انتبه أن الناس إذا سمعوا باسم ولي حصل السقي لمن شآء من الظالين وناب إلى الله عند سماعه في الحق
فما ظنك بإسم وضع على النهارفأبلج وعلى الليل فأبهم وأدبج وعلى الخيال فسبحت وعلى السماوات فأمطرت وعلى الأرض فأنبتت وعلى الشمس فاستنارت وعلى الأرواح فأجابت
تنعم بذكر الهاشمي محمد * في ذكره العيش والهنا والأنس
أياشاديا شديا ممدح أحمد * سماعك طيب بشريعته
فكرر رعاك الله ذكر محمد * فقد لذت الاسماع وارتحت النفس
وطاب نعيم العيش واتصل المنى * واقبلت الأفراح وانتعش الحس
الا فاسمعوا فخرا اتانا محمد وقد غدا آيا سمع ذكر الحبيب تآهبوا وقوموا شكرا فقد سان البأس وقفا على الأقدام في حق سعيد تعظمه الأملاك والجن والإنس
ورحم الله سيدي أبا مدين الغوت حيث قال
فياحدي العشاق قم واحد قآئما * وزمزم لنا باسم الحبيب وروحنا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
حين
سإل على الحروف المقطعة قال اعلم أن كثمان بعض الحروف واجب وإفشاء سرالربوبية كفر
يشهد ذلك قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حين كان في مقام قاب قوسين أو آذنى
علمني ربي ثلاث علوم فعلم أمرني بتبليغه ، وعلم أمرني بكتمانه ، وعلم خيرني فيه
وها أنا اذكر لك إن شآء الله على سبيل الإشارة بحسب يفهم العقل وإلا يكون فتنة والاعياذ بالله
وأسرار الحروف لا يسعها مجلدات ولا دواوين مسطرات ولا مدخل للعقل فيها
وإنما يدركها أهل الاجتبآء وهم خاصة الله في أرضه بين خلقه
اعلم وفقني الله وإياك أن الحروف التي يستبدءون بها الصبيان تبركا وهي ثمانية وعشرون حرفا
خلقها الله عز وجل في العالم اللوحي اشكالا مستديرة
وجعل فإذا كان المريد في عالم التفرقة برز له الشكل الحرفي من باطن الدائرة فيرى المحوى وإن هو آرتقى إلى
باطن استدارتها مشكلة على هيئة الحروف باللسان وأنزل بها كتابه وبعث بها رسوله صلى الله عليه وسلم
وأرسل بها حبيبه إلى جميع خلقه وذلك لسر خفي وهو أن العالم العلوي جمع محض والعالم السفلي تفرقة محض
حقيقة الجمع شاهد الحروف مستديرة فيرى الباطن والظاهر من الحروف وما آتت به من المعالي الإلهية والحقائق
المغيبات لأن الوحي لا ينزل إلا بحروف الدوآئر بالمعنى الذي خلقها الله في عالم الأنوارالعلويات الملكوتية ولم يقع
التمكين تشكلات الحروف العلويات المسديرة والسفليات المشكلة إلا نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عليه
أفضل الصلاة والسلام
ولذك كان يفصل الدائرة ويبرزها في القوالب الجسمانية وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله
{ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } الآية
اعلم أن خط ( الألف ) وهو نسبة الابداع الأول وخط ( د ) نسبة الابداع الثاني فخط ألف نسبة العرش ونسبة مقام النبوءة وهو نسبة العقل وهو نسبة الجبروت وهو نسبة الفهم والأمر العالي
وخط ( ب ) وهو نسبة الروح وهو نسبة الملكوت الأعلى وهو نسبة الكرسي وهو نسبة الصورالنورانية وهو نسبة الهباء وهو نسبة الحكمة وهو نسبه مقام الصديقي
وخط ( ج ) وهو أول عالم الابداع وهو نسبة النفس وهو نسبة العلم وهو نسبة القلب وهو مستقر الحكم القدري وهو
نسبة مقام الشهدآء وخط ( د ) نسبة عالم الابداع الثاني وهو نسبة اللوح
وهو نسبة ملكوت الكرسي وفيه اسرارالكائنة الشكلية المصورة وهو نسبة النقوش الكتابية وهو مستقر العلم الإلهي
والسرالإرادي وهو نسبة التركيب وهو نسبة مقام الصالحين
فخط ( د ) نسبة يوم خلق الله آدم عليه السلام
وخط ( ج ) نسبة يوم السجود وتسويته
وخط ( ب ) بنسبة يوم النفخة في آدم عليه السلام
وخط ( ألف) نسبة يوم السجود آدم عليه السلام
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وها أنا أذكر لك على سبيل الإشارة أعلم أن حكم العدد ونظامه وإن عظم وجوده لا انضمام له إلا بالواحد ولو اختل
الواحد لبطل العدد وكذلك لو فصل عالم الاختراع الأول يعني عالم العقل في الإنسان لفسد نظامه ولا التحق بالبهائم
وكذاك الألف الذي هو أصل بقآء الدآئرة الحرفية لو بطل وجوده لاضمحل وجود الحرف وكذلك العالم العرشي لو بطل
قيامه وإحاطته بالعوالم لذهبت الأكوان وانعدمت وفسد نظام الأفلاك العلوية والدوآئر السفلية
فأول الأعداد الواحد وهو يمد الأحادي يعني جميع المعدودات
وكذاك استمداده الروح من العقل والنفس من الروح والقلب من النفس والدوات من القلب
وبعبارة الاختراع الأول المخصوص بفلك الأحاد يمد الاختراع الأول المخصوص بفلك الأحاد يمد الاختراع الثاني
يمد عالم الإبداع الأول عند اتصاله بدآئرة المئين
والابداع الأول عند نظامه واتصاله بدآئرة الألوف
وكل واحد يستمد من فوقه نسبة أو نسبتين أو أكثر
وبالجملة فإن جميع الحروف والعوالم العلوية والسفلية مستمد من الواحد الأول من المخترعات والواحد الأول
من المخترعات مستمد من الواحد الذي ليس قبله أول وهو الله سبحانه الذي لا شبيه له
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أعلم أن الحروف أربعة أنواع
حروف لفضية ، وحروف رقمية ، وحروف فكرية ، وحروف عددية
وأن الألف الظاهر منها نوعان اللفظية والرقمية
والباطنية نوعان الفكرية والعددية
فالظاهرة بمنزلة الجسد ، والباطنية بمنزلة الروح
والمراد بالفكرية هو ما تشكل في عالم النفس ، والعددية ما قام بكل حرف من العدد
والحروف جملتها ثمانية وعشرون حرفا
فالتسعة الأولى آحاد ، والتسعة الثانية عشرات ، والتسعة الثالثة مئات ، والشين له الف
وأعلم أن أشرف الحروف هي التي ذكرها الله سبحانه عز وجل في تسعة ألفاظ في أول السور وهي
أربعة وعشرون حرفا وهي هاذه
المص كهيعص طسم يس ص حم ف ن ح م ع س ق
واعلم أن هاذه الحروف التي في أول السور لايعلم سرها إلى الله جل وعلا
ومن هاذه الحرف اكتسبت الحروف بهآء وجمالا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وإذا تأملت في بسم الله الرحمن الرحيم
تجد جميع حروفها من أشرف الحروف التي في أوآئل السور ومجموعها الألف واللم والسين والميم والهآء والحاء
والنون والبآء والرا
وإذا علمت هذا بان لك سر بسم الله الرحمن الرحيم
على وجه الإشارة وهي عوامل الأسرار ومفتاح على الأسمآء ومنها انبعثت القدرة القادرة مع البآء مع الميم وعددها عالم الملك الشهودي ومن البآء والسين يكون عالم الملكوت العلوي ومن اليآء مع الألف تكونت الأسمآء ومن
اللآم والهآء تركبت الأطوار ومن الرآء مع الحآء ظهرت الرحمة
ومن النون مع البآء ظهرت القبضتين وتظهر لك
حكمة بسم الله الرحمن الرحيم
تستبدل بها على إسم الله الأعظم والنور الأقدم
وأعلم أن بسم إذا أظيفت إلى الربوبية كانت على قسمين
قسم يبرز منه التعظيم وقسم يظهر منه العلو وذلك لأمرين
أحدهما أن التعظيم هو ردآء الله تعالى المبثوث في العالم
وهو إسمه المبسوط في الأكوان وذلك أن الله تبارك وتعالى
قال فسبح باسم ربك العظيم
بعد أن وصف المقربين ووصف أصحاب اليمين ووصف الشمال ووصف المكذبين الضالين وذكر حق اليقين شاهد عظمة الله في العالم أجمعه وشاهد إسم الله الأعظم
والثاني بعد ذلك اعتبارالأعظم لكل قلب سليم من دنس الأطبق الترابي والشكل الحجابي لأن الأشكال على قسمين شكل
هبوطي وشكل طلوعي فالشكل الهبوطي لشهود الإسم
الأعظم في الدآئرة الجسمانية الحسية والشكل الطلوعي
لشهود الربوبية
وبالجملة
بسم الله الرحمن الرحيم
غيبة في حضورالرحمن الرحيم غيبة ولذاك الفهم في جميع كتابه العزيز
فقولك الحمد لله حضور وقولك رب العالمين غيبة وقولك
إياك نعبد حضور في حضور وقولك وإياك نستعين حضور في غيبة
اهدنا الصراط المستقيم غيبة صرط الذين انعمت
عليهم غيبة في غيبة
وكذك مجاري القرآن العظيم غيبة وحضور وصعود وهبوط وذلك لسر إحاطته في العلويات واستدارته في السفليات
وأعلم أن بسم الله الرحمن الرحيم
محتوي على ثلاثة عوالم
عالم الملك الأول وعالم الخلق وعالم الأمر
وذلك قوله تعالى ألا له الخلق والأمر
واعلم ان بسم الله الرحمن الرحيم مقابل للحمد لله رب العالمين
فإسم الله مقابل الحمد لله رب العالمين والرحمن الرحيم مقابل رب العالمين
وذلك قوله تعالى في ملك يوم الدين وظهور الربوبية فهو
ملك ومالك ومليك
لتجليه للعقول والأحوال اللطيفة يوم الدين بالصفة الملآئكية فيكون مالك الملوك ويتجلى للنفوس بالقهر والملك فيكون
ملك يوم الدين ويتجلى لذوي الرحمة في دار الدنيا بالتمليك
فيكون مالك الملك ويتجلى للمقربين بالملك
لقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر
هذه اللطآئف على وجه الإشارة
واعلم أن البآء في بسم لتوصيل الخيرات ورفع الندآء باللسان
اللطيف بسم الله أرتفاع لاغاية له
والرحمن الرحيم هبوط ما لا نهاية له ففيها مراتب التوحيد
فأول دآئرة بسم الله الرحمن الرحيم فظاهرها الرحمن الرحيم
وباطنها بسم الله ولهاذا كانت بسم الله من العلو بمنزلة كن من الرب وبها قامت شجرة الأكوان وبها سخر الثقلين
وقد جآء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جآء يوم القيامة وفي صحيفته بسم الله الرحمان الرحيم ثمانية مائة مرة
وكان مومنا موقنا بربوبيته أعتقه الله من النار وأدخله الجنة دار القرار
وقال صلى الله عليه وسلم إدا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قالت الملآئكة لبيك وسعديك اللهم عبدك فلانا قال
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم زحزحه على النار وأدخله الجنة
وفي رواية إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم اشتاقت إليه الجنة ولبت له وسعدت وتزحزحت النار وقالت اللهم بعده مني
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أول الحروف ( ا ) رتبه الله سبحانه لسر البيان وخصه نقطة
أصلية في العلويات الروحانية والأشكال هي النقطة
إلا أنها ثكاثفت بتكاثف الأطوا الدوريات والعوالم الملكيات
فمن لاحظ سرالجمع رآى وشاهد سر التفرقة ومن شاهد سر التفرقة وقف وقد يعلم كل ذي فتح نوراني وكشف رباني نعث صورة القدم
وأما حرف ن وهو صورة في العرش وهو حقيقة الأمرالعالي لأنه باطن القلم والقلم ظاهرالعرش والنون هو اعظم
نور خلقه الله في العالم الروحاني فأصله في الذات العرشية
وفرعه تحث السفلي فهو الحامل المفضل والظل المظل يوم القيامة
وأشار صلى الله عليه وسلم في الصدقة تظل صاحبها تحث العرش يوم لا ظل إلا ظله
وهو النور المذكور الذي هي أول ابتدآء ما يفطر عليه أهل الجنة اشار إلى تحكم الأمر وملاكه إذ يقول
لشيء كن فيكون
وهو من حروف يستدل بلطائفها على حقائق الأزل ولا يصلح ذلك إلا الخواص الأوليآء لأنها برزت في قول المصطفى
صلى الله عليه وسلم فيما عبرعن الأزل كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه
كأن أراد بذلك سر الأزل المودع في حقيقة فهم النون على ما كان عليه
وقوله تعالى كما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم
كنت كنزا أي أظهر سرالنور في كنت المعنى هي سر كان وأظهر في الكنز وهي في كنت كما هي في الكنز
ومن أدرك هذا المقام كان أمينا على هذا السر فيجيب عليه امساك القلم هنا
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن فهم هذا المعنى علم قول أبو حامد الغزالي ليس في الامكان ابدع مما كان وجميع ماقالوا في مقالة أبو حامد
تصور لعدم اشرافهم على ما أطلع عليه أبو حامد مع أن التوقف في مقالته لو وقف في بحر العجز لكان آسلم
ويكفي أن مابعد أبي حامد نقطة من بحره والمنة
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
اعلم أن حرف قآئم منه أرواح الحروف ومنه تستمد فهو ما دتها وهو نظيره العقل والعلم والعرش والقلم
ويليه الآم وهوحرف الوصل بين الأعلى والأذنى وشكله ( ل) ونظيره اللوح والكرسي والنفس
ويلي الآم والهآء وهو الحرف الدال على التمام ونظيرالجسم
فالعقل أول كل مخلوق والجسم انتهاء المخلوقات
وسآئر معاني الحروف داخلة في الألف وفي الألف معنى الجمع والإجمال كما أن الحروف مجملة في القلم ومن علم
معنى الإجمال والتداخل لاحت له أسرار روحانية عزيزة فيجيب عنان القلم هنا فافهم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
إذا أراد الله أن يتولى عبدا خصه بعلم التسعة والتسعين إسما
دون تعلم فيفتح له بها من العلم ما لا يفتح للعالم بطريق النظر والتعلم ثم يرقيه إلى عالم الأسمآء الباطنة
وأولها هو كما قدمنا الإشارة إليه وهو إسم مركب من حرفين هآء وواو وهو موضع الإشارة الألوهية التي ترجع
إليها الأسمآء الظاهرة والباطنة كلها كما رجعت إلى الله تعالى
ثم يرقيه إلى معرفة الأسمآء الباطنة التي هي حروف مفردة وليس مركبة
وهي أربعة وعشرون حرفا الواردة في فواتح السور
وهي الحروف النورانية المتقدم ذكرها وبيانها
ثم يرقيه إلى معرفة الاسم الأعظم الذي هوغالب أحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
وقد يتلقاه الولي صاحب الاجتبآء بقذف في الروع عند هبوب الرحمة على العبد فعند ذلك تطوى الأرض ويمشي على
المآء ويعرج في الهوآء وتقلب له الأعيان إلى غيرذلك من الكرمات التي اختص بها الأوليآء
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وأما حروف الجلالة فأربعة
فالألف منه إشارة إلى ذاته الكريمة
ولما كان الألف أن يوصل بالحركات والسكون لانفصل في الأوليات وإليه انتهآء الغايات
واللآم الأول يتحرك من نسبة ما اتصل به من اللآم الثاني إذ هو حقيقة الحركة فتلقاه الهاء بسر احاطتها فيجتمع فيها
سر الحركات
والهآء الباطن إذا كانت باطنا كما قال الله تعالى
قل هو الله وهو الأول وهوالحي فالهآء سر شرح الصدور
والألف إشارة للذات واللآم الأول للعهد والميثاق والإيمان آيام الدنيا التكليف لما فيه من سر واسطة الألف
ثم الهآء لتمام الأمور يوم النشأة الأخيرة فيجمع الأولين والآخرين
بهاذه الحكمة دآئرة من أربعة أحرف فبذلك السر شهد له
بالتوحيد وإلى هذه الإشارة بقوله
شهد الله أنه لا إله إلا هو
وهنا يجب امساك عنان القلم فافهم
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن هنا يعلم من فتح الله بصيرته
لماذا وقع علما على الإيمان بحيث لا يتم الإيمان إلا به
لقوله صلى الله عليه وسلم :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
ولهاذا وردت أحاديث في هاذا الإسم الشريف كقوله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يقول
لا إله إلا الله دخل الجنة
قال الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن أسرار الله تعالى أن جعل تلك الحروف المقطعة أسمآء الملائكة فكل حرف إسم لملك وبيد كل ملك سر ذلك الحرف
وهو شعبة من لإيمان فإن الإيمان بضع وسبعون شعبة
والبضع من واحد إلى تسعة
فقد استعمل في غاية البضع فعلى هاذا أن الحروف المقطعة المذكورة في الصلاة النورانية التي هي ثمانية آحرف
إذا نطق المريد بها كان مناديا لهم فيجيبونه
فإن قال المريد كهيعص تقول هاذه الخمسة من الملآئكة ما تقول فيقول القارىء ما بعدها من الحروف فيقال بهذا
الباب الذي فتحت ترى عجآئب
وتكون هاذه الأرواح للملآئكة التي هي الحروف النورانية أجسامها تحث تسخيره وما بيدها من شعب الإيمان تمده
وتحفظ عليه إيمانه
تنبه وأعرف قدر هاذه الصلاة النورانية التي مليت على شيخنا البوعزاوي من الفيض النبوي
اللهم نفعنا ببركاته آمين يا رب العالمين .
قال السهيلي ثم أنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد حمد ربه فنباه وشرفه فلذلك تقدم إسم أحمد على الإسم الذي هو محمد
فذكره عيسى فقال إسمه أحمد وذكره موسى حين قال له ربه تلك أمة أحمد
فقال اللهم اجعلني من أمة احمد فبأحمد ذكرقبل أن يذكر بمحمد لأن حمده لربه في المحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الحامدين لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته
فانظر كيف ترتب هذا الاسم والوجود في الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلاهية في تخصيصه بهاذين الإسمين انتهى
وبه يظهر لك تكون حقيقته صلى الله عليه وسلم أحمدية وليس الحقيقة الإنسانية بل الخاصية التي امتازت بها
فلحامديته خلق أي بذلك تعلقت الإرادة فكان الحمد الأكبر والمعرف الأعظم ولذا وصف بأفعل والحامدونكلهم
نوابه إذ هو الذي عرفهم الحمد وأوصل إليهم العلم بمنشاه
من الكمالات وأوصل إليهم نفس منشاه الذي هو النعم فهوالمثنى على الاطلاق والحامدون في جميع الأوقات والافاق
وبه يتضح لك عجز الخلق كلهم عن معرفة حقيقته الأحمدية وأنه لا يحيط بها إلا الله سبحانه
وأيضا فإن حمده وثنآئه على حسب معرفته ولم يصلها ولا يصلها أحد فإذا لا يعرف حقيقة أحمديته وأيضا هوالسابق غلى الخلق والمعرفة والسجود والحمد والأصل في ذلك وغيره فروعه وجد اوله وكيف يحيط الفرع بالأصل
وبه أيضا يظهر لك أن المحمدية بمثابة الصورة وظاهرها الذي أدركه المومنون بمثابة الظل لأنه تشير إلى عظمة
الأحمدية وفخامتها إذ المحمدية مرتبة عليها فهي حاكية لها ومنبئة عنها بوجه إجمالي وكانت صورة لظهورها
وشهرتها وشدة وضوعها ومن ثم والله أعلم أشهد محمد آكثر من أحمد حتى قال بعضهم محمد آشهر آسمائه
بين العالمين وأشوقها إلى الصلاة والسلام على سيد المرسلين
وألذها سماعا عند جميع المسلمين انتهى
ولتلك الأشهرية والله أعلم مع ماله من مقام المحبوبية ما في معناه من المكافات لأحمديته بثنائه تعالى عليه بنفسه في
كتبه وبألسنة خلقه إذ ألسنة الخلق أقلام الحق
فالمحبوبية فيه أظهر وان كانت في أحمد أيضا من حيث اجتذابه إليه واستعماله في حمده ومعرفته ومعنى المحمدية
فيه أظهر ولظهورمعنى المحبوبية في محمد كان ألذ سماعها عند جميع المسلمين وآسبقية الأحمدية سمي في السماء أحمد
لأن معرفة أهل السمآء له قبل معرفة أهل الأرض ولعظمة أحمديته وكمالها خص بخصآئص من معناها فأنزلت عليه
سورة الحمدين بين سآئر الأنبيآء لأنه أكمل الحامدين وخص بلوآء الحمد الذي يستظل تحته كل حامد وخص بالمقام
المحمود وشرع لأمته سنة وقرآنا أن تقول عند اختثام الأفعال وانقضاء الأمور الحمد لله رب العالمين
قال الله تعالى { وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } الآية
وقال { آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } الآية
تنبيها لنا على أن مشروع لنا عند انقضآء الأمور وسن عليه الصلاة والسلام الحمد عند الأكل والشرب وقال عند
انقضآء السفرآئبون تائبون لربنا حامدون
واكذت عند ابتدآئها وفيه إشارة إلى أن نبينا هوالفاتح الخاتم فأحمديته سابقة على جميع الأحمديات ومحمديته فيها أنتهت
جميع المحمديات ولعدم وصول الخلق إلى معرفة حقيقته الأحمدية حتى الأنبياء والمرسلين كما تقدم في كلام الخروبي
وصرح به غيره وهو صريح الحصر في قوله لايعلمني حقيقة غير ربي
ومعرفة الرسل والأنبيآء بمحمديته أشير إلى ذلك بتضمن إسم محمد دون أحمد لعدتهم قال بعض العلمآء في إسم محمد
ثلاث ميمات إذا بسطت كلا منها قلت ميم وعدتها بحسب الجمل تسعون فيحصل من الميمات الثلاث مائتان وسبعون
وإذا بسطت الحآء والدال قلت دال بخمسة وثلاثين
وحآء بتسعة
والجملة ثلثمائة وأربعة عشر فذلك عدد الرسل عليهم السلام
وقال الشيخ سيدي عبد الجليل في شعبه فروح محمد عليه السلام
لما نفخ في الجسد ادرجت في ذاته جميع النبوآت وامتجز الجسد مع الروح مدة من الطبع بقآء الجسد في البطن فإذا أردت أن تفهم ذلك فاعلم أنه رأس الرسل والرسل ثلثمائة وثلاثة عشر رسول
والأنبيآء كلهم في ضمن الرسل يفهم ذلك من فهم انفصال النبوءة من الرسالة والولاية من النبوءة وهذا العدد من الرسل على عدد حروف اسمه الكريم عجنت فيه بالسماة المطبوع جميع شرائع الرسل وأخلاقهم وطبائعهم الكريمة
مع طبعه الكريم فكان يعسوفهم
قال والواحد الباقي هو لمقام الولاية المفرق على جميع الأوليآء التابعين للأنبيآء ولعدم معرفة الخلق بأحمديته
وبحمده تعالى القديم ومعرفتهم بالمحموديته في الجانبين
قال صلى الله عليه وسلم يا عمر بن الخطاب اتدري من أنا أنا الذي اشتق الله تعالى اسمي من اسمه فالله محمود وأنا
محمد ولا فخر انتهى
عين الهويه وروح الهويه
وباطنه منبع العلوم والأنوار
والمراد بالأسرار اسرار الذات واسرار الصفات واسرار الأفعال فهذه الأسرار كلها كانت مبطنة مما تجلى عليها
من إسمه الباطن حجب عنها خلقه بنور كبريائه فكانت كذلك حتى جآء صلى الله عليه وسلم فحولها بإسمه الظاهر
وأظهرها بإسمه تعالى المبين ورفع البصآئر الحجب فظهرت الأسرارلائحة والأنوار بادية للأسرار
فكان صلى الله عليه وسلم هو المظهر لها وكاشف الحجاب
فبنوره ظهرت الأسرار وبسره انشقت الأنوار والمراد
بالأنوار أنوار الإيمانية فمنه بدأها وعنه مصدرها
وقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
روح بفتح الرآء الرحمة وهو وصف له صلى الله عليه وسلم نظير ما قبله إلا أنه ذكره بعبارة آشرف
ولاشك أنه صلى الله عليه وسلم رحمة محضة
قال تعالى { وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
وقد أصابت هاذه الرحمة كافة العالم كل فريق بما يناسبه وجودا وإمدادا آما من آمن فقد تمت له الرحمة منه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وأما من لم يومن به فقد عوفي بسببها مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب
من الخسف والمسخ وغيرها ولقد صدق الأمين صلى الله عليه وسلم في قوله إنما أنا رحمة مهداة للخلق والحصر يبين أنه لايصدر منه إلا الرحمة
وانظر قضيته مع كفار قريش لما بلغوا في إذايته وسجوا وجهه وكسروا رباعيته وكلمه الروح جبريل عليه السلام
بأن الله أرسله بالعذاب إليهم
كيف أجاب صلى الله عليه وسلم بقوله يا جبريل إنما أرسلني الله رحمة اللهم اغفر لأمتي فإنهم لا يعلمون
أو كما قال صلى الله عليه وسلم اخرج أحمد وأبو داوود والطبراني عن سلمان رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل من أمتي سبيته سبة في غضبي أو لعنته فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما
يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين وجعلها عليه صلاة يوم القيامة وعمت رحمته إخوانه من النبيئين والمرسلين
والملائكة والشهدآء والصالحين
وهو المراد بالمدد الصديقي والملك النبوي وخصوصا يوم الشفاعة الموصلة إلى الفوز الأبدي والفضل السرمذي
ولنذكر لك ما يتبث فؤادك إن شآء الله تعالى
سئل بعض العارفين عن عظمة الله تعالى فقال ما تقول فيمن له عبد يسمى جبريل عليه السلام له ستة مائة جناح
ولو نشر منها جناحين لستر الخفاقين
وروى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت آخشى العاقبة ثم آمنت منها بثناء الله علي بقوله { ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } الآية :
وقوله صلى الله عليه وسلم هل أصابك من هاذه شيء أي حظ مخصوص وأما الرحمة الإيجاد والإمداد بشامل له ولغيره ولذلك أجابه بالحظ المخصوص واقتصر على هذا لأنه أسنى المطلوب
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه جميع الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هوعين الرحمة قال تعالى
الأنبيآء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
فهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة ومن رحمته على الكافرين قصده وسعيه واجتهاده واعتناؤه بهم وقد كان
حريصا على هدايتهم حتى قال الله تعالى { لعلك باخع نفسك آلا يكونوا مومنين إن تشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } الآية :
وقال تعالى { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } الآية :
وإذا كان صلى الله عليه وسلم عين الرحمة فهو أصل الرحمة وينبوعها ولا رحمة خارجة عنه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وكل من حرم فإنما منه وبه
وفي إسمه محمد صلى الله عليه وسلم إشارة لذلك يعلمها أهل الله الحائزين من رحمته الحظ الأوفى
فالميم الأولى للملك الأول والميم الثانية للملك الثاني وهوالأخروي جاءت الحآء بينهما إشارة لرحمته صلى الله عليه وسلم
لأن الملكين يتجاذبان ويستمدان منه صلى الله عليه وسلم وإنما أكدت الميم الثانية إشارة إلى الرحمة الفائضة
في الملك الأخروي اعظم من الرحمة الفآئضة من الملك الدنيوي
يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم أن الله قسم الرحمة مائة أمسك تسعة وتسعين إلى يوم القيامة
وجعل واحدة يتراحم بها في الدنيا حتى البهيمة أو كما قال صلى الله عليه وسلم
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه من هذا المعنى العجيب العجاب
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
آلا اني لكم بمكان صدق حياتي وإذا مت فقال عمر يا رسول الله ماذا أصنع إذا مت قال لأزال أنادي في
قبري ربي امتي ربي امتي حتى ينفخ في الصور النفخة الثانية
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث ابن أبي كعب قال صلى الله عليه وسلم
ان ربي عز وجل أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت عليه أن يهون على أمتي فرد إلي الثالثة أن أقراه
على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسئلة تسئلها فقلت اللهم اغفر لأمتي الله اغفر لأمتي وآخرت الثالثة ليوم ترغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم
فسإل الشيخ رضي الله عنه ما معنى أن الله أعطاه بكل ردة مسئلة فقال رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى
رحيم يحب الرحمآء لما رأى من عبده وحبيبه لشدة حرصه ورحمته وشفقته على أمته زاده الله شرفا على شرف
ورحمة على رحمة
وفي روضة الأزهار لسيدنا عبد الرحمن الثعالبي عن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت لما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم طيب النفس قلت يا رسول الله أدعوا لي فقال اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط راسها في حجرها من الضحك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأنها دعائي لأمتي في كل صلاة
رواه ابن حبان في صحيحه
وعن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت قمت ذات ليلة أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من البيت
فوجدته في البقيع يقول قآئما يآرب أمتي وساجد يآرب أمتي فقلت يا رسول الله أين القرآن فقد نسيته لأجل هذه الأمة
فلما سمع قال لي ياعآئشة أجبين من هاذا أقول ما دمت في الحياة يا رب أمتي فإذا دخلت القبر يا رب أمتي فإذا نفخ
في الصور أقول يآرب أمتي
قال في تذكرة المحبين
فاذكروا يا أمة محمد رحمة نبيكم ورأفته عليكم وذكره لكم قبل وجودكم
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه تا لله لقد استرقانا صلى الله عليه وسلم
بإحسانه إلينا ورحمته علينا قبل وجودنا وبعد وجودنا ولا يماثل ذلك رحمة وشفقة آبائنا وأقاربنا وآحبائنا فجزاه الله عنا خير
ولما نظر الله سبحانه وتعالى هاذه الرحمة والشفقة علينا أمرنا جزاء بقوله تعالى :
{ يآأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الآية :
وفي الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله
وفي المواهب عن بعض أهل الإشارة لما انتهى صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى العرش تمسك العرش بأذياله
وناداه بلسان حاله يا محمد أنت صفآء في وقتك آمنا من مقتك اشهدك جمال آحديته وآطلعك على جمال صمديته
وأنا الضمأن إليه اللهفان عليه المتحير فيه لأدري من أي وجه آتيه جعلني اعظم خلقه فكنت أعظمهم هيبة وأكثرهم
فيه حيرة وأشدهم خوفا يا محمد صلى الله عليه وسلم خلقني فكنت أرعد لهيبت جلاله فكتب على قائمتي
لا إله إلا الله فازددت لهيبة إسمه ارتعادا وارتعاشا فكتب علي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن لذلك قلقي
وهدأ روعي وكان إسمك لقاحا لقلبي وطمئانية سري فهذا بركة إسمك علي فكيف إذا وقع جميل نظرك إلي يا محمد
أنت المرسل رحمة للعالمين ولا بد من نصيب من هاذه الرحمة ونصيبي يا حبيبي أن تشهد لي بالبرآة مما
ينسبه أهل الزور إلي وتقول أهل الغرورعلي زعموا أني أوسع من لا مثال له وأحيط بمن لا كيف له
يا محمد من لا حد لذاته ولا حد لصفاته كيف يفتقر إلي ويكون محمولا علي إذا كان الرحمان إسمه والاستوآء صفاته
وصفاته متصل بذاته فكيف يتصل بي أو ينفصل عني يا محمد وعزته لست بالقريب منه وصلا ولا بالبعيد منه فصلا ولا بالمطيق له حملا أوجدني منه رحمة وفضلا ولو محقني لكان منه فضلا وعدلا يا محمد أنا محمول قدرته
ومعمول حكمته فأجاب لسان الحال سيدنا محمد زاده الله شرفا وفضلا لديه ووالي صلاته وسلامه عليه أيها العرش
اليك عني أنا مشغول عنك فلا تكدرعلى صفوتي ولا تشوش على خلوتي فما اعاره صلى الله عليه وسلم منه طرفا ولأخراه من سطور ما أوحى حرفا ما زاغ البصر وما طغى
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فالله محمود وأنا محمد ولا فخر انتهى
ولم يحكم بمثل ذلك لأحمد إذ الخلق لا يعرفون معنى الأصل ولا معنى الفرع وأيضا فلافتراق الحامدتين بالقدم
والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه وما أحسن قول سيدنا حسان في هذا المعنى ضم إسمه
إلى إسم الله تعالى في التشهد * أعذ عليه للنبوءة خاتم
من الله نور يلوح ويشهد * وضم الإله إسم النبي إلى إسمه
إذ قال في الخمس المؤذن أشهد * وشق له من إسمه ليجليه
فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو محمد ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم
متضمن حمد الله تعالى والمقصود من الثنآء على الواسطة التوسل إلى من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة
الرسالة عند ذكر الله تعالى إلا العارفون من حيثية وساطته لهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أذل
على محبته للملك من ثنآئه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال الشيخ زروق
رضي الله عنه وغيره إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعظم العبادات وأشرفها لقوة ذللاتها على قوة الامتثال
فان الملك إذا أمر كبرآء دولته بالخضوع له والتدلل بين يديه لم يتأخر أحد منهم عن ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا
أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه وانظر قضية إبليس في السجود بعد
عظيم تعبده والاشتقاق
هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود
إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم :
له سابقة والزيادة في الفرع كما سبق وايضا للحكم باشتقاق محمد دون أحمد إذ حامدية العبد لسيده لا تتوقف على
حامدية السيد لنفسه أي لا يراعى ذلك فيها إذ من شأن العبد الخدمة بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون إلا تابعة
لمحمودية سيده فأن قيل لم بولغ في حمده دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت لما مر من أن حمده متضمن حمد الله
ولأن محموديته لما كانت بحول الله تعالى :
أحتيج للتنبيه على كمالها قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم ممتثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكر
وأيضا المصلي عليه يناجي ربه وللمناجات ذكر وأيضا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون مقرونة
بإسم من أسمآء الله تعالى أو صفة من صفاته واسرار ذلك على اللسان ذكر
وهذه الأوجه الثلاثة تصح لكل مصل عليه صلى الله عليه وسلم من العموم والخصوص
ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذا مرعلى ألسنتهم ذكر النبوءة
والرسالة استحضروا مع ذلك أسمآء المرسل وصفاته العظيمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك
وسلسل بهم الأمور إلى استحضارأمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم على تعظيم أمر الرسل والمرسل به
وهذا ذكر يطاق إليه إسم الذكر من وجوه انتهى
ويندرج في عموم لفظه تقاصرالفهوم عن إدراك كنه جلاله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فلولا أنه كان يباسطهم ويتواضع لهم ويؤنسهم لما قدرأحد منهم أن يقعد معه ولا أن يسمع كلامه صلى الله عليه وسلم لما رزقه الله تعالى : من الجلالة والمهابة
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما ملأت عيني منه قط حيآء منه وتعظيما له ولوقيل لي صفه لما قدرت أو كما قال :
ويندرج أيضا تقاصرها عن إدراك جماله صلى الله عليه وسلم ولولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة
والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصر الدنيوية الضعيفة
قال الخروبي رضي الله عنه ما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلا على قدر عقولهم البشرية بما ظهر لهم
من ذلك فهو نعمة عليهم ليعرفوا قدره ويعظموا أمره وماخفى عليهم من أمره فهو رحمة من الله بهم إذ لو ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق لكان فتنة لهم
والله تعالى أرسله رحمة للعالمين فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر
ويندرج أيضا تقاصرها عن كنه عقله وكيف لا وعقول العوالم بالنسبة لعقله كحبة رمل من بين رمال الدنيا كما يأتي
بيانه في تقاصرها عن قدره وجاهه إذ هو صاحب الجاه الأعظم والمقام الأكبر الذي يقول عند تبرء الجاه العظيم أنالها فلا تضيق سعة جاهه عن أحد ولا يفنى بوجود عظمته حساب ولا عدد
عين الهويه وروح الهويه
هاذا وصف آخر له صلى الله عيله وسلم ولاشك أن قلبه صلى الله عليه وسلم عين الحقآئق والأسرار الربانية
وباطنه منبع العلوم والأنوار
والمراد بالأسرار اسرار الذات واسرار الصفات واسرار الأفعال فهذه الأسرار كلها كانت مبطنة مما تجلى عليها
من إسمه الباطن حجب عنها خلقه بنور كبريائه فكانت كذلك حتى جآء صلى الله عليه وسلم فحولها بإسمه الظاهر
وأظهرها بإسمه تعالى المبين ورفع البصآئر الحجب فظهرت الأسرارلائحة والأنوار بادية للأسرار
فكان صلى الله عليه وسلم هو المظهر لها وكاشف الحجاب
فبنوره ظهرت الأسرار وبسره انشقت الأنوار والمراد
بالأنوار أنوار الإيمانية فمنه بدأها وعنه مصدرها
وقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
روح بفتح الرآء الرحمة وهو وصف له صلى الله عليه وسلم نظير ما قبله إلا أنه ذكره بعبارة آشرف
ولاشك أنه صلى الله عليه وسلم رحمة محضة
قال تعالى { وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
وقد أصابت هاذه الرحمة كافة العالم كل فريق بما يناسبه وجودا وإمدادا آما من آمن فقد تمت له الرحمة منه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وأما من لم يومن به فقد عوفي بسببها مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب
من الخسف والمسخ وغيرها ولقد صدق الأمين صلى الله عليه وسلم في قوله إنما أنا رحمة مهداة للخلق والحصر يبين أنه لايصدر منه إلا الرحمة
وانظر قضيته مع كفار قريش لما بلغوا في إذايته وسجوا وجهه وكسروا رباعيته وكلمه الروح جبريل عليه السلام
بأن الله أرسله بالعذاب إليهم
كيف أجاب صلى الله عليه وسلم بقوله يا جبريل إنما أرسلني الله رحمة اللهم اغفر لأمتي فإنهم لا يعلمون
أو كما قال صلى الله عليه وسلم اخرج أحمد وأبو داوود والطبراني عن سلمان رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل من أمتي سبيته سبة في غضبي أو لعنته فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما
يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين وجعلها عليه صلاة يوم القيامة وعمت رحمته إخوانه من النبيئين والمرسلين
والملائكة والشهدآء والصالحين
وهو المراد بالمدد الصديقي والملك النبوي وخصوصا يوم الشفاعة الموصلة إلى الفوز الأبدي والفضل السرمذي
ولنذكر لك ما يتبث فؤادك إن شآء الله تعالى
سئل بعض العارفين عن عظمة الله تعالى فقال ما تقول فيمن له عبد يسمى جبريل عليه السلام له ستة مائة جناح
ولو نشر منها جناحين لستر الخفاقين
وروى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت آخشى العاقبة ثم آمنت منها بثناء الله علي بقوله { ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } الآية :
وقوله صلى الله عليه وسلم هل أصابك من هاذه شيء أي حظ مخصوص وأما الرحمة الإيجاد والإمداد بشامل له ولغيره ولذلك أجابه بالحظ المخصوص واقتصر على هذا لأنه أسنى المطلوب
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه جميع الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هوعين الرحمة قال تعالى
الأنبيآء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } الآية :
فهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة ومن رحمته على الكافرين قصده وسعيه واجتهاده واعتناؤه بهم وقد كان
حريصا على هدايتهم حتى قال الله تعالى { لعلك باخع نفسك آلا يكونوا مومنين إن تشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } الآية :
وقال تعالى { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } الآية :
وإذا كان صلى الله عليه وسلم عين الرحمة فهو أصل الرحمة وينبوعها ولا رحمة خارجة عنه
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
وكل من حرم فإنما منه وبه
وفي إسمه محمد صلى الله عليه وسلم إشارة لذلك يعلمها أهل الله الحائزين من رحمته الحظ الأوفى
فالميم الأولى للملك الأول والميم الثانية للملك الثاني وهوالأخروي جاءت الحآء بينهما إشارة لرحمته صلى الله عليه وسلم
لأن الملكين يتجاذبان ويستمدان منه صلى الله عليه وسلم وإنما أكدت الميم الثانية إشارة إلى الرحمة الفائضة
في الملك الأخروي اعظم من الرحمة الفآئضة من الملك الدنيوي
يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم أن الله قسم الرحمة مائة أمسك تسعة وتسعين إلى يوم القيامة
وجعل واحدة يتراحم بها في الدنيا حتى البهيمة أو كما قال صلى الله عليه وسلم
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فقد ذكر فيه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه من هذا المعنى العجيب العجاب
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
آلا اني لكم بمكان صدق حياتي وإذا مت فقال عمر يا رسول الله ماذا أصنع إذا مت قال لأزال أنادي في
قبري ربي امتي ربي امتي حتى ينفخ في الصور النفخة الثانية
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث ابن أبي كعب قال صلى الله عليه وسلم
ان ربي عز وجل أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت عليه أن يهون على أمتي فرد إلي الثالثة أن أقراه
على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسئلة تسئلها فقلت اللهم اغفر لأمتي الله اغفر لأمتي وآخرت الثالثة ليوم ترغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم
فسإل الشيخ رضي الله عنه ما معنى أن الله أعطاه بكل ردة مسئلة فقال رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى
رحيم يحب الرحمآء لما رأى من عبده وحبيبه لشدة حرصه ورحمته وشفقته على أمته زاده الله شرفا على شرف
ورحمة على رحمة
وفي روضة الأزهار لسيدنا عبد الرحمن الثعالبي عن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت لما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم طيب النفس قلت يا رسول الله أدعوا لي فقال اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة حتى سقط راسها في حجرها من الضحك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأنها دعائي لأمتي في كل صلاة
رواه ابن حبان في صحيحه
وعن أم المومنين عآئشة رضي الله عنها قالت قمت ذات ليلة أطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من البيت
فوجدته في البقيع يقول قآئما يآرب أمتي وساجد يآرب أمتي فقلت يا رسول الله أين القرآن فقد نسيته لأجل هذه الأمة
فلما سمع قال لي ياعآئشة أجبين من هاذا أقول ما دمت في الحياة يا رب أمتي فإذا دخلت القبر يا رب أمتي فإذا نفخ
في الصور أقول يآرب أمتي
قال في تذكرة المحبين
فاذكروا يا أمة محمد رحمة نبيكم ورأفته عليكم وذكره لكم قبل وجودكم
وقال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه تا لله لقد استرقانا صلى الله عليه وسلم
بإحسانه إلينا ورحمته علينا قبل وجودنا وبعد وجودنا ولا يماثل ذلك رحمة وشفقة آبائنا وأقاربنا وآحبائنا فجزاه الله عنا خير
ولما نظر الله سبحانه وتعالى هاذه الرحمة والشفقة علينا أمرنا جزاء بقوله تعالى :
{ يآأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الآية :
وفي الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله
وفي المواهب عن بعض أهل الإشارة لما انتهى صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى العرش تمسك العرش بأذياله
وناداه بلسان حاله يا محمد أنت صفآء في وقتك آمنا من مقتك اشهدك جمال آحديته وآطلعك على جمال صمديته
وأنا الضمأن إليه اللهفان عليه المتحير فيه لأدري من أي وجه آتيه جعلني اعظم خلقه فكنت أعظمهم هيبة وأكثرهم
فيه حيرة وأشدهم خوفا يا محمد صلى الله عليه وسلم خلقني فكنت أرعد لهيبت جلاله فكتب على قائمتي
لا إله إلا الله فازددت لهيبة إسمه ارتعادا وارتعاشا فكتب علي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن لذلك قلقي
وهدأ روعي وكان إسمك لقاحا لقلبي وطمئانية سري فهذا بركة إسمك علي فكيف إذا وقع جميل نظرك إلي يا محمد
أنت المرسل رحمة للعالمين ولا بد من نصيب من هاذه الرحمة ونصيبي يا حبيبي أن تشهد لي بالبرآة مما
ينسبه أهل الزور إلي وتقول أهل الغرورعلي زعموا أني أوسع من لا مثال له وأحيط بمن لا كيف له
يا محمد من لا حد لذاته ولا حد لصفاته كيف يفتقر إلي ويكون محمولا علي إذا كان الرحمان إسمه والاستوآء صفاته
وصفاته متصل بذاته فكيف يتصل بي أو ينفصل عني يا محمد وعزته لست بالقريب منه وصلا ولا بالبعيد منه فصلا ولا بالمطيق له حملا أوجدني منه رحمة وفضلا ولو محقني لكان منه فضلا وعدلا يا محمد أنا محمول قدرته
ومعمول حكمته فأجاب لسان الحال سيدنا محمد زاده الله شرفا وفضلا لديه ووالي صلاته وسلامه عليه أيها العرش
اليك عني أنا مشغول عنك فلا تكدرعلى صفوتي ولا تشوش على خلوتي فما اعاره صلى الله عليه وسلم منه طرفا ولأخراه من سطور ما أوحى حرفا ما زاغ البصر وما طغى
قف على النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
فالله محمود وأنا محمد ولا فخر انتهى
ولم يحكم بمثل ذلك لأحمد إذ الخلق لا يعرفون معنى الأصل ولا معنى الفرع وأيضا فلافتراق الحامدتين بالقدم
والحدوث وأما المحمودية من حيث عموم المحامد فصفه وما أحسن قول سيدنا حسان في هذا المعنى ضم إسمه
إلى إسم الله تعالى في التشهد * أعذ عليه للنبوءة خاتم
من الله نور يلوح ويشهد * وضم الإله إسم النبي إلى إسمه
إذ قال في الخمس المؤذن أشهد * وشق له من إسمه ليجليه
فذو العرش محمود وهذا محمد
وفي الحكم بالاشتقاق إشارة إلى أن في الفرع وهو محمد ما في الأصل وهو محمود وزيادة إذ حمده صلى الله عليه وسلم
متضمن حمد الله تعالى والمقصود من الثنآء على الواسطة التوسل إلى من وسطه بخلاف العكس إذ لا يشهد مرتبة
الرسالة عند ذكر الله تعالى إلا العارفون من حيثية وساطته لهم في ذلك ومن أثنى على عبد الملك كان ذلك منه أذل
على محبته للملك من ثنآئه على الملك لأن من الناس من قد يخضع للملك ولا يخضع لعبده ومن هنا قال الشيخ زروق
رضي الله عنه وغيره إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعظم العبادات وأشرفها لقوة ذللاتها على قوة الامتثال
فان الملك إذا أمر كبرآء دولته بالخضوع له والتدلل بين يديه لم يتأخر أحد منهم عن ذلك ولم يتوقف فيه بخلاف ما إذا
أمرهم بالخضوع لبعض عبيده فإنه لا يبادر لذلك إلا من عظم أمر الملك في قلبه وانظر قضية إبليس في السجود بعد
عظيم تعبده والاشتقاق
هنا بمعنى الموافقة في المادة والتأخر في الرتبة والوجود
إذ محموديته تعالى بنفسه وبحمده صلى الله عليه وسلم :
له سابقة والزيادة في الفرع كما سبق وايضا للحكم باشتقاق محمد دون أحمد إذ حامدية العبد لسيده لا تتوقف على
حامدية السيد لنفسه أي لا يراعى ذلك فيها إذ من شأن العبد الخدمة بخلاف محمودية العبد لا ينبغي أن تكون إلا تابعة
لمحمودية سيده فأن قيل لم بولغ في حمده دون حمد الله فقيل فيه محمود قلت لما مر من أن حمده متضمن حمد الله
ولأن محموديته لما كانت بحول الله تعالى :
أحتيج للتنبيه على كمالها قال الإمام الخروبي المصلي عليه صلى الله عليه وسلم ممتثل لأمر الله والقيام بالأمر ذكر
وأيضا المصلي عليه يناجي ربه وللمناجات ذكر وأيضا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون مقرونة
بإسم من أسمآء الله تعالى أو صفة من صفاته واسرار ذلك على اللسان ذكر
وهذه الأوجه الثلاثة تصح لكل مصل عليه صلى الله عليه وسلم من العموم والخصوص
ووجه رابع يصح لخواص المصلين عليه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الخواص إذا مرعلى ألسنتهم ذكر النبوءة
والرسالة استحضروا مع ذلك أسمآء المرسل وصفاته العظيمة ومعاني الأمور المرسل بها من أمر ونهي ووعد ووعيد إلى غير ذلك
وسلسل بهم الأمور إلى استحضارأمور كثيرة ومعاني عديدة تهديهم على تعظيم أمر الرسل والمرسل به
وهذا ذكر يطاق إليه إسم الذكر من وجوه انتهى
ويندرج في عموم لفظه تقاصرالفهوم عن إدراك كنه جلاله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فلولا أنه كان يباسطهم ويتواضع لهم ويؤنسهم لما قدرأحد منهم أن يقعد معه ولا أن يسمع كلامه صلى الله عليه وسلم لما رزقه الله تعالى : من الجلالة والمهابة
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما ملأت عيني منه قط حيآء منه وتعظيما له ولوقيل لي صفه لما قدرت أو كما قال :
ويندرج أيضا تقاصرها عن إدراك جماله صلى الله عليه وسلم ولولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة
والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصر الدنيوية الضعيفة
قال الخروبي رضي الله عنه ما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلا على قدر عقولهم البشرية بما ظهر لهم
من ذلك فهو نعمة عليهم ليعرفوا قدره ويعظموا أمره وماخفى عليهم من أمره فهو رحمة من الله بهم إذ لو ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق لكان فتنة لهم
والله تعالى أرسله رحمة للعالمين فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر
ويندرج أيضا تقاصرها عن كنه عقله وكيف لا وعقول العوالم بالنسبة لعقله كحبة رمل من بين رمال الدنيا كما يأتي
بيانه في تقاصرها عن قدره وجاهه إذ هو صاحب الجاه الأعظم والمقام الأكبر الذي يقول عند تبرء الجاه العظيم أنالها فلا تضيق سعة جاهه عن أحد ولا يفنى بوجود عظمته حساب ولا عدد .
وطلعة الهويه التي أشرق نورها في الشموس والأقمار والجنان والحجب الهويه
ذكره سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
بعبارة تفننا وتلذذا ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم طلعة الأسرار التي أشرق نورها في الشمس والأقمار والجنان والحجب
وشروق النور في كل بحسب مقامه وحاله
وعبر الشيخ رضي الله عنه بالشموس والأقمار أتى بصيغة الجمع وأراد الرسل والأنبيآء والأوليآء والعلمآء
كما أطلق ذاك في القرآن الكريم في قضية سيدنا يوسف عليه السلام حيث قال لأبيه سيدنا يعقوب عليه السلام :
( إذ قال يوسف لأبيه يآ أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) الآية :
قال الحاتمي في الفتوحات مستمد جميع الأنبيآء والمرسلين من روحه صلى الله عليه وسلم إذ هو قطب الأقطاب
فهو صلى الله عليه وسلم ممد لجميع الناس أولا وآخرا فهو صلى الله عليه وسلم ممد كل نبي وولي سابق على
ظهوره حال كونه في الغيب وممد أيضا لكل ولي لاحق فيوصله بذاك إلى مرتبة كماله في حال كونه موجودا في
عالم الشهادة وفي حال منتقلا إلى الغيب الذي هو البرزخ والدار الآخرة
فإن أنوار رسالته صلى الله عليه وسلم غير منقطعة عن العالم من المتقدمين والمتأخرين فكل نبي تقدم قبل زمان ظهوره فهو نآئب عنه صلى الله عليه وسلم في بعثته بتلك الشريعة انتهى
وقد قال ابن الوفا
وسره وسرك المنزه الساري في جزئيات العالم وكلياته
علوياته وسفلياته من جوهر وعرض ووسائط ومركبات وبسائط انتهى
وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه المتقدم أنا الذي من أجلي أخذ الله ميثاق الأنبياء والرسل والأمم بإقرار نبوتي
وفضلي وأن يتواصوا بي قرنا بعد قرن
فقال عز وجل : ( وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم اتومنن
به لتنصرنه ) الآية :
مصدق في آخر الزمان إسمه محمد ابن عبد الله مصدق لما معكم من نعمته وصفاته لتومنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك
قال الله عز وجل آقررتم بأن خيرتي من خلقي وصفي أحمد خاتم النبيئين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين
وحجة الله على الخلآئق أجمعين
و آخذثم على ذالكم إصري وعهدي وميثاقي قالوا أقررنا قال الله عز وجل :
{ قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين }
إن خيريتي من خلقي وصفيي أحمد فمن تولى بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون
ولا فخر
وقيل ان الله تعالى لما خلق نور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آمره أن ينظر إلى أنوار الأنبيآءعليهم
الصلاة والسلام فغشيهم من نوره ما أنطقهم الله به وقالوا
يا ربنا من عين نوره فقال الله عز وجل هذا نور محمد
بن عبد الله إن آمنتم به جعلتكم أنبيآء قالوا آمنا به وبنبوئته فقال الله عز وجل أشهد عليكم فقالوا نعم فذلك
قوله تعالى : { وإذا أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتينكم } الآية :
قال تقي الدين السبكي في هذه الآية الشريفة من التنويه بقدر النبي صلى الله عليه وسلم
تعظيم قدره العلي ما لايخفى وفيه مع ذلك أنه على تقدير فحينئذ في زمانهم يكون مرسلا إليهم فتكون نبوئته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمان آدم إلى يوم القيامة .
ويكون الأنبيآء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة
بل يتناول من قبلهم أيضا فهو صلى الله عليه وسلم نبيء الأنبيآء ولهذا أطهر ذلك في الآخرة جميعهم تحث لوآئه
وفي الدنيا ليلة الإسرآء حيث صلى بهم وبهاذا يظهر لك قوله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الناس كافة إنه إلى جميع
الناس أولهم وآخرهم لأنه من زمانه إلى يوم القيامة
انظر النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
تأليف سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
فقد أفاد وأجاد في هذا المعنى جزاه الله عنا خيرا
وإن شيئت قلت الشموس والأقمار على حقيقتها وإنما جمعها رعيا لتقبلها واختلاف أحوالها ولا شك أن نوره صلى الله
عليه وسلم قد سرى في الشمس والقمر والجنان على اختلاف طبقتها والحجب النورانية
وفي النحو المطلوب ان أول ما خلق الله نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم خلق منه القلم والحجب السبعين
وملآئكتها ثم خلق اللوح قبل كماله وانعقاده ثم خلق منه القلم والعرش والألواح والجنة والبرزخ
أما العرش فإنه خلقه تعالى من نور وخلق ذلك النور من النور المكرم يعني نور نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وخلق العرش ياقوته عظيمة لا يقاس قدرها وعظمتها وخلق في وسط هذه الياقوتة جوهرة فصار مجموع
الياقوت والجوهرة كبيضة بياظها هوالياقوتة وصفآءها هوالجوهرة ثم أن الله تعالى آمد تلك الجوهرة وسقاها من نوره صلى الله عليه وسلم
فجعل يخرق الياقوتة ويسقي الجوهرة فسقاها مرة ثم مرة إلى انتهى إلى سبع مرات
فسالت الجوهرة بإذن الله تعالى فرجعت ماء ونزلت إلى أسفل الياقوتة التي هي العرش ثم ان النور المكرم الذي
خرق العرش إلى الجوهرة التي سالت ماء لم يرجع فخلق الله تعالى منه ملآئكة ثمانية وهم حمالة العرش فخلقهم من
صفائه وخلق الريح وله قوة وجهد عظيم فأمرها تنزل تحث الماء فسكنت تحثه فحملته ثم جعلت تكثر وتتسع
وذهبت إلى جهة سبع وأماكن سبع فخلق منه الأرضين السبع ودخل الماء بينهما وبين البحور وجعل الضباب يتصاعد
من الماء لقوة جهد الريح ثم جعل يتراكم فخلق منه السموات السبع ثم جعلت الريح تخدم خدمة عظيمة على عادتها أولا
وآخر فجعلت النار تزيد على الهوآء من قوة خرق الريح للماء والهوآء وكلما زندت نارا آخذتها الملآئكة وذهبت بها إلى
محل جهنم اليوم فذلك أصل جهنم فالشقوق التي تكونت منها الأرضون السبع تركوها على حالها والضباب التي تكونت
منه السموات وتركوه على حاله أيضا والنارالتي زندت في الهوآء آخذوها ونقلوها إلى محل آخر لأنهم لو تركوها
لأكلت الشقوق التي منها الأرضون السبع
والضباب الذي منه السموات السبع بل وتأكل المآء وتشربه بالكلية لقوة جهد الريح
ثم أن الله تعالى خلق ملآئكة الأرضين من نوره صلى الله عليه وسلم وآمرهم أن يعبدوه عليها وخلق ملائكة السمآء
من نوره صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يعبدوه عليها
وأما البرزخ والجنة إلا مواضع منها فإنها أيضا خلقت من نوره صلى الله عليه وسلم
وأما البرزخ فنصفه الأعلى من نوره صلى الله عليه وسلم :
فخرج من هاذا أن اللوح والقلم ونصف البرزخ والحجب السبعين وجميع ملآئكة السموات والأرضين كلها من نوره
صلى الله عليه وسلم
وفي قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
أشرق نورها في الشموس إلخ إشارة إلى أنه لهاذا المخلوقات سقي آخر من نوره صلى الله عليه وسلم
وفي النحو المطلوب في شمآئل النبي المحبوب
أن القلم سقي سبع مرات سقيا عظيما وهواعظم المخلوقات بحيث أنه لو كشف نوره لجرم الأرض لتدكدكت وصارت رميما
وكذا المآء فإنه سقي سبع مرات ولاكن ليس كسقي القلم وآما الحجب السبعون فإنها في سقي دآئم
وأما العرش فانه سقي مرتين مرة في بدء خلقه ومرة عند تمام خلقه لتستمسك بها ذاته
وكذا الجنة فإنها سقيت مرتين مرة في بدء خلقها ومرة بعد تمام خلقتها لتستمسك
وأما الأنبيآءعليهم الصلاة والسلام وسآئر المومنين من الأمم الماضية ومن هذه الأمة فإنهم سقوا ثمان مرة الأولى في
عالم الأرواح حين خلق الله تعالى الأرواح جملة فسقاه الثانية يوم ألست بربكم فإن كل من أجابت لله تعالى من
أرواح المومنين والأنبيآءعليهم الصلاة والسلام سقي من نوره صلى الله عليه وسلم
لاكن منهم من سقي كثيرا ومنهم من سقي قليلا فمن هنا وقع التفاوت بين المومنين حتى كان منهم أوليآء وغيرهم
وأما أرواح الكفار فإنها كرهت شرب ذاك النور فامتنعت منه فلما رأت ما وقعت للأرواح التي شربت منه من السعادة
الأبدية والارتقائات السرمديه ندمت وطلبت سقيا فسقيت من الظلام والعياذ بالله
الرابعة عند تصويره في بطن أمه وتركيب مفاصله وشق بصره فإن ذاته تسقى من النورالكريم لتلين مفاصله وتنفتح
أسماعها وأبصارها ولولا ذلك ما لانت مفاصلها .
الخامسة عند خروجه من بطن أمه فإنه يسقى من النور الكريم أيضا
السادسة عند ألتقامه تدي أمه في أول رضاعه فإنه يسقى من النور الكريم أيضا
السابعة عند نفخ الصور فيه فإنه لولا سقيت الذات بالنورالكريم لما دخلت الروح فيه
ومع ذك لا تدخل فيه إلا بكلفة عظيمة وتعب شديد يحصل للملآئكة معها ولولا أمر الله تعالى
لها ومعرفتها به ما قدر ملك على إدخالها في الذات
الثامنة عند تصويره عند البعث فإنه يسقى من النور الكريم لتستمسك به ذاته
تنبيه وإن اشترك في السقي الأنبيآء والمرسلون والأولياء والمومنون من سآئر الأمم ومن هاذه الأمة
لا كن الفرق حاصل فإن ما سقي به الأنبيآء عليهم الصلاة والسلام قدر لا يطيقها غيرهم فلذلك حازوا درجة النبوءة
والرسالة وأما غيرهم فكل سقي بقدر طاقته
وأما الفرق بين هاذه الأمة المرحومة وبين سقي غيرها من سآئر الأمم أن هذه الأمة الشريفة سقيت من النورالكريم بعد
أن دخل في الذات النبوية الطاهرة وهي ذاته صلى الله عليه وسلم فحصل لها من الكمال ما لا يطيق ولا يطاق
فإن النور الكريم آخذ سر ذاته روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم وأخذ سر ذاته الطاهرة بخلاف سآئر الأمم
فإن النور الكريم في سقيها إنما أخذ سر الروح فقط
فلهذا كان المومنون من هذه الأمة المرحومة كمالا وعدولا ووسطا وكانت هذه الأمة خير الأمم أخرجت للناس
قال سيدنا الشيخ رضي الله عنه وأرضاه
ومن يعلم شمس المحمدية التي خص الله به هاذه الأمة المرحومة ويعلم قمرالأحمدية التي لا تطاق
وليس النورالمكرم عند لون واحد بل ذو أ لوان كثيرة وأحوال عديدة وأقسام كثيرة لا تعد ولا تحصى لأنه نعمة
وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها
فكل واحد شرب نوعا خاصا ولونا خاصا ومن هذا وقع التفاوت والاختلاف في المراتب والمقامات
قال الشيخ زيد اللجائي في كتابه شمس القلوب
وإذا اصحب القلب التوفيق صار مسرجة يستنتج فتيلة من أنوار الكرمة صورة زجاجة المصباح بعد كثافتها ويظهرالنور
من جوانبها من شدة رقة صورتها فتحسبه نورا بل زجاجة لرقة صورة الزجاجة ورقة تشاكل تمييز صورة الزجاجة
من النور فلما غاب الفهم عن صورة الزجاجة امتحق الشعور في فنآء ولما ظهر النور من جوانبها وفاض وقع فنآء
الشعور في فنآء آخر وفقد الشعور بهما فغاب كل محدث وبقي من ثم يزل
فالنور إذا ظهر من جوانب الزجاجة وفاض لم يحجبه على الله سماء والأرض ولا كرسي ولا عرش ولا شيء من
الحوادث وإنما يحجبه كتافة صورة الزجاجة فإذا ظهرالنور من جوانبها ظاهر في المثل نورالعين إذا انفتحت جفونها
وأقتباس نور الزجاجة من نور الأعلى ومنه كان أقتباس كل قلب آيد بالخصوصية
فمنه اقتبس الرسل فآثهم النبوءة
منصب النبوءة والرسالة ومنه اقتبس الأوليآء فأورثهم درجة الولاية
فالرسل في المثل شمس والنبئون قمر والأوليآء كواكب
فبالشمس يستظآء وبالقمر يستنآر وبالنجم يهتدي
فالرسل حجة الله على عباده وآمنآؤه في أرضه
والأوليآء رحمة منه عن خلقه
وتقاصرها عن إدراك علومه لما مر من جمعه علم الأولين والآخرين وما زاد على ذلك مما انفرد به عن الجميع
وتقاصرها عن إدراك حقيقة حلمه وحسبك قضية أحد والطآئف وتقاصرها عن معرفة خوفه والذي جزم به إمام أهل
السنة الأشعري قال الشيهاب وهو الحق إن الأنبيآء خصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم لا يخشى احد عليهم العقاب
ولا يجوز تجويزه عليهم اما هم فلعظمة الله مهابته عندهم وعلمهم بأنه غني عن خلقه له ان يفعل بهم ما أراد فيخافونه
خوفا شديدا ويستعذون من عقابه وان لم نجوزه نحن وفي قوله تعالى
{ لاخوف عليهم ولا هم يحزنون } الآية :
إيحآء لذلك دقيق ولك أن تقول أنه لشدة خوفه صلى الله عليه وسلم من الله قد يدهل عن تأمين الله له لا سيما مع ما مر
نظير ما قال السيوطي في قول يوسف عليه السلام توفني مسلما وألحقني بالصالحين
وهو يعلم أن كل نبي لا يموت إلا مسلما انه دعا بذلك في حال غلبة الخوف حتى أذهله عن علمه ساعة الدعاء أو ذلك
إظهار للعبودية والافتقار وشدة الرغبة في طلب سعادة الخاتمة وتعليمها للأمة انتهى .
هذا الباب ماللقوم في المسئلة وهو غيركاف في دفع استشكال مجامعة التأمين والجزم به لخوف العقاب لقوله إنهم
يخافونه في أنفسهم ونحن لا ننخافه عليهم ودعآء غلبة الحل للأنبيآء خلاف ما صرح به محققوا الصوفية
وفي الصحيح أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية وكان لصدره آزيز كآزيز المرجل من الخوف
وصرح الأئمة بأن الخوف على قدرالمعرفة وان العارفين إذا خافوا رجوا وإذا رجوا خافوا لأنهم يشهدون الجلال
والجمال وان الأكمل هو استوآء الخوف والرجآء وأن يكون المومن بينهما كالطائر بين جناحيه وأيضا الخوف من أرفع
مقامات اليقين فلا يفوتهم حصوله فالظاهر والله تعالى :
أعلم أن نقول حسنات الأبرار سيئات المقربين فهي وإن كانت كمالا لا كن لرئية الأكمل يخافون رئية غيره منهم إلى
هو كالنقص من غيرهم وان كان عدم الأكملية في الكامل مغفورلهم كما نزل عليه المحققون ليغفرلك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فإن رئيته كافية في الخجل والانقياض و من هذا المعنى قول بعض العارفين
واسوتاه منك وان غفرت لي
ثم تقول من تمام عصمة الله تعالى اياهم ملازمة خوفهم له
اذ الركون للأمن وعدم الخوف عين القصور وسوء الأدب
فليس المراد من خوفهم أن ينزجروا أو يجتنبوا المخالفات
بل أن يكونوا في مقام العبودية والأدب على أكمل الحالات
وأيضا لكمال علمهم بالانقلابات وأطلاعهم على ضروب التصرفات يرد عليهم من الخشية ما يرد فإن من ورد على
ملك وهو وامن منه قاطع بأنه لا يصدر له منه إلا الإحسان والبر لامارات ودلائل قامت عنده على ذلك إذ أوآه في
حضرته يعزله ويضع ويطرد ويعاقب بأنواع العقوبات التي لا تتحصر ويصير ذلك في حضرة الملك
ضروريا له لا يستطيع دفعه عن نفسه مع استحضاره لما العبارات الأمن وهذا تقريب ينهيك على ما فوقه وإلى هذا والله اعلم يشير
قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنسآء على الفرش وفخرتم إلى
الصعدات تجئرون إلى الله انتهى .
وكذا حديث قول الأنبيآء نفسي نفسي وقلت في هذا المعنى :
محمد أخوفه الله لأنه أعرفنا بالله يخاف من رئية غيرالأكمل مع انه الكمال عمك الكمال
وخوفه الله تمام العصمه وأتخوف في الحضرة عين الرحمة
وتقاصرها عن رجآئه لأن الله تعالى أطلعه من سعة رحمته وعظم فضله وفيض كرمه وجوده على ما لم يطلع عليه
أحدا من خلقه وأيضا كما أنه أعرف الخلق بحلال الله فهوأعرفهم بجماله فكأنما انه أخشاهم فهو أرجاهم رجآء الكمل
على قدر خوفهم إذ هما متساويان متقابلان وأيضا كما أنه الندير فهوالبشير وأيضا رئيس المحيين الله إلى خلقه
وأحاديثه في الرجآء مما لا يأتي عليه الحصص وتقاصرها عن كمال عبوديته والعبودية هي شهود الربوبية وعدم الغفلة عنها
والنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هذا الوصف فكان أكمل الكمل على الاطلاق وعبوديته أكمل كل كما ل
وتقاصرهم عن وجه خصوصيته وأنواعها وقد ألف
العلمآء فيها ما لم يعرفوه أكثر مما عرفوه وتقاصرهم عن معرفة زهده ورفع همته ومن أسمآئه الزاهد
وحيث كان اعلم الخلق بالله
فهو أعلاهم همة وأرفعهم زهدا فهو رأس الزاهدين وبحسب رفع الهمة أرتفع مقامه فكان سيد العالمين
وزهد في كل ما سوى الله من الكونين وما فيهما من محسوسات ومعقولات فلا قرار له إلامع الله ولا التفات منه إلى غير مابه تولاه ومقامه في ذلك لايدرك ولا يكيف ولا يعلمه إلا الذي خصه به سبحانه وتعالى